أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٣

السيد عبد الرؤف الجدحفصي

المتوفى ١٠٠٦

إلى كم تطيل النوح حول المرابع

وتذري على الدارات درّ المدامع

وتندب رسماً قد محته يد البلى

وتشجيك آثار الطلول البلاقع

وتقضي غراما عند تذكار رامة

لأرام أنسٍ في القلوب رواتع

وتحيى إذا هبّت من الحي نسمة

وتهفوا لتغريد الحمام السواجع

أما آن أن تصحو وقد حال حالك

وبدّلته قسراً بأبيض ناصع

ومالك شغل عن تذكّر بارق

ببارق شيب من قذالك لامع

فهب أنّ سلمى بعد قطعك راجعت

أيجديك نفعاً والصبا غير راجع

وخذ قبل أن تحتاج زاداً مبلّغاً

الى سفر جمّ المهالك شاسع

ولا تأمن الدهر الخؤن فشهده

مشابٌ بسمّ نافذ السهم ناقع

فكم غرّغراً بالمبادي وما درت

مطالعه ماذا ترى في المقاطع

ولا تكترث بالحادثات ووقعها

فما في ضمان الله ليس بضائع

وفوّض لرب العرش أمرك كله

ووجه لما يوليكه نفس قانع

ووال ختام المرسلين وآله

لتسعى بنور عن يمينك ساطع

فإن حدتَ عنهم او علقت بغيرهم

هلكت ، وهل يشأى الظليع بظالع

هم أمناء الله في هل أتى أتى

مديحهم بالنص غير مدافع

براهين فضل قد خلت من معارض

وآيات فصل قد علت عن مضارع

٦١

لربهم عافوا الرقاد فأصبحت

جنوبهم تأبى وصال المضاجع

بهم أشرق الدين الحنيفي غبّ ما

دجى وتجلّت مبهمات الشرائع

لقد جاهدوا في الله حق جهاده

وردوا حسيراً طرف كل منازع

فلما قضى المختار عاثت بشملهم

على رغم أنف الدين أيدي الفجائع

وسددت الأعداء نحو قبيله

سهام ذحول عن قسيّ خدائع

ونالت رءوس الكفر منهم فلم تدع

لهم في فجاج الأرض مقلة هاجع

فهم بين من بيتزّ بالقهر إرثها

ومن بين متبوع يقاد لتابع

ومن بين مخذول رأى رأي عينه

خلاف الموالي وانحراف المبايع

ومما شجى قلبي وأغرى بي الأسى

وأفنى اصطباري ذكر كبرى الوقائع

هي الوقعة الكبرى التي كل سامع

لها ودّ لو سدّت خروق المسامع

غداة دعت سبط النبي عصابة

بأن سر وعجّل بالقدوم وسارع

وجاءت إليه كتبهم وقد انطوت

على إحنٍ طيّ الحشى والأضالع

بنفسي الحسين الطهر يسعى اليهمُ

بأهليه لا يثني عزيمة راجع

وتصحبه من صحبه الغر سادة

لهم في قران الفوز أسعد طالع

فديتهم لما أتوا أرض كربلا

وضاق بهم من سبلها كل واسع

فديتهم لما أتى القوم نحوهم

وسدوا عليهم كل نهج وشارع

فديتهم لما أحاطوا برحلهم

وردّوهم عن وردماء الشرائع

لعمري لقد فازوا وحازوا مراتباً

تقهقر عن ادراكها كل طامع

وما برحوا في نصره ولأمره

بأسرهم ما بين ساع وسامع

ويقول في آخرها :

فشمس العلى غارت وانجم سعدها

توارت وأمسى غارباً كل طالع

بنفسي قتيلاً مفرداً بين خاذل

وباغ ومرتدّ وطاغ وخادع

بنفسي رضيعاً ألقم القوم ثغره

ثديّ سهام لا ثديّ مراضع

٦٢

بنفسي رؤساً قد نأت عن جسومها

بعامل جزم فوق عامل رافع

فديتهم والرأس كالبدر بينهم

وهم حوله مثل النجوم الطوالع

* * *

إليكم سلاطين المعاد قصيدة

أجادت معانيها قريحة بارع

فما الدر منظوماً سوى عقد نظمها

وما الروض إلا ما حوت من بدائع

إذا شان شعرُ الناس طولٌ فشأنها

له الطول مهما أنشدت في المجامع

فإن سحبت ذيل القبول لديكم

رضيت على حظي وصالحت طالعي

بكم قد علا قدري وشاعت مفاخري

وسدتُ كهول الناس في سنّ يافع

إذا ضاع مدح المادحين سواكم

فاجر مديحي فيكمُ غير ضائع

فيا علل الايجاد والسادة الاولى

هم عند رب العالمين ذرائعي

بنوركم نهدى الى طرق الهدى

كما يرشد الساري ضياء المشامع

وما لي سوى حبي لكم من بضاعة

وتلك لعمر الله أسنى البضائع

فنجلكم عبد الرؤف وعبدكم

بكم يلتجي من هول وقع المقامع

سليل الحسيني الحسين بن أحمد

لِباب التماس العفو أحوج قارع

خذوا بيدي والوالدين وأسرتي

وصحبي وتالٍ للقريض وسامع (١)

__________________

١ ـ عن مجموعة الشيخ لطف الله الجد حفصي.

٦٣

السيد عبد الرؤوف البحراني ابن الحسين الحسيني الموسوي قاضي قضاة البحرين. توفي سنة ١٠٠٦

ذكر السيد الأمين من شعره قوله مضمناً :

أصبحت أشكو علّة ضعفت لها

مني عن الحركات والبطش القوى

جاء الطبيب فجسّ نبظي سائلاً

ما تشتكي قلت الصداع من الهوى

فتنفس الصعداء وهو يقول لي

داء العليل ومَن يعالجه سوا

وأشار ان الصبر ينفع قلت مَن

( تصف الدواء وأنت أحوج للدوا )

وقوله أيضاً :

لله أشكو من زمان سائني

وعليّ غارات المصائب شنّها

وسرت إلى قلبي سموم غمومه

وسيوفه لقتال صبري سنها

فطفقت أنشد والخطوب تنوشني

( صبّت عليّ مصائب لو أنها )

وقوله مضمناً أيضا :

لله وجه لو ملكن ضياءه

سود الليالي لا نقلبن لئاليا

وذوائب من فوقه لو أنها

صبّت على الأيام عدن لياليا

وقوله :

لا يخدعنك عابد في ليلة

يبكي وكن من شرّه متحذّرا

لم يسهر الليل البعوض ولم يصح

في جنحه إلا لشرب دم الورى

وقال صاحب أنوار البدرين : قلت وهذا السيد من أجلاء السادة ورؤسائهم في زمانه في البحرين من أهل جد حفص ـ القرية المشهورة ـ ودفن في مقبرة الشيخ راشد من بلاد القديم. والظاهر أنه خال السيد العلامة السيد

٦٤

ماجد الصادقي الجد حفصي وزوج ابنته ، وكان ـ أعني صاحب الترجمة ـ شيخ الاسلام أي قاضي قضاة البحرين ، قال جامع ديوان الشيخ جعفر الخطي : وللشيخ الخطي مرثية يرثي الشريف قاضي القضاة أبا جعفر عبد الرؤوف ابن الحسين العلوي الموسوي سنة ١٠١٦ (١) :

كفّ الحمام وترتِ أي جواد

ورجعتِ ظافرة بأي مرادِ

وطردتِ ليث الغاب عن أشباله

ورجعتِ سالمة من الاساد

اخمدتِ ضوء الكوكب الوقاد من

آفاقه وأملتِ طود النادي

وكففت من غلواء مهر طالما

بذّ الجياد بكل يوم طراد

للسبع بعد العشر من صفر مُني

منك الورى بمفتت الاكباد

رزء أتاح لكل قلب حرقة

تفتر عن جمر الغضا الوقاد

ومنها :

هيهات أن يلد الزمان له اخا

أنى وقد عقمت عن الميلاد

وفي آخرها :

فلئن مضى عبد الرؤوف لشأنه

والموت للأحياء بالمرصاد

فلقد أقام لنا إماماً هادياً

يقفوه في الاصدار والايراد

يزهو به دست القضاء كأنه

بدر تعرّى عنه جنح الهادي

لا زال دست الحكم يبصر منه عن

عين الزمان وواحد الآحاد

أنشدت هذه القصيدة بسابع موت هذا الشريف في جمع كثير وجم غفير ولا غرو فلقد كان له من العظمة والجلالة ما ليس لملك في رعيته.

وأنشد في ذلك المقام للشريف الامام العلامة أبي علي السيد ماجد بن هاشم العلوي مرثيته الهمزية المهموزة العزيزة الوجود التي أولها :

__________________

١ ـ يظهر ان الرثاء لحفيده المسمى باسمه.

٦٥

حلت عليك معاقد الانداء

ونحت ثراك قوافل الانواء

وسرت على أكناف قبرك نسمة

بلّت حواشيها يد الانداء

ما بالي استسقيت انداء الحيا

وأرحت أجفاني من الاسقاء

ما ذاك إلا أن بيض مدامعي

غاضت مبدّلة بحمر دماء

هتفت أياديك الجسام باعيني

فسمحن بالبيضاء والحمراء

أنى يجازي شكر نعمتك التي

جللتنيها قطرة من ماء

يا درة سمحت به الدنيا على

يأس من الاحسان والاعطاء

واسترجعتها بعدما سمحت بها

وكذاك كانت شيمة البخلاء

ومنها :

فلئن قصرت من الاقامة عندنا

حتى كأنك لمحة الايماء

فلقد أقمت بنا غريباً في العلا

وكذا تكون اقامة الغرباء

انتهى ما في ديوان أبي البحر الشيخ جعفر الخطي.

قلت : وهذه القصيدة المهموزة من جيد الشعر وأبلغه وأحلاه وأعذبه وللسيد العلامة المذكور هذان البيتان أيضاً ليكتبا على قبر المرثي السيد عبد الرؤوف المزبور ولقد اجاد :

هذا مقرّ العلم والفضل

ومخيم التوحيد والعدل

شبران جزئيان ما خلقا

إلا لحفظ العالم الكلي

قال جامع ديوان الشيخ جعفر الخطي والتمسوا منه أي الشيخ جعفر الخطي شيئاً بكتب على قبر الشريف أبي جعفر عبد الرؤوف المرثي سابقاً فقال :

لعمرك ما واروه في الأرض انه

تقاعس عن نيل العلاء إلى الأفق

٦٦

ولكنه الطود الذي لو ازيل عن

مراسيه مادت هذه الأرض بالخلق

قال الشيخ ( ره ) فسبقني الشريف العلامة بعمل بيتين اي المتقدمين وكتبا على حجر قبره بمقبرة الشيخ راشد بجبانة أبي عنبرة من اوال البحرين وهما البيتان المتقدمان قال : فقلت البيتين واتفق وفاة السيد الشريف أبي جعفر السيد عبد الجبار بن الحسين الحسيني أخ السيد المذكور بشيراز فدفن بمدفن السيد أحمد بن الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) فكتبا على قبره هناك قال جامع الديوان ثم قربت العهود والتأييدات المقررة من قبل هرموز بتقليد القضاء ابنه أبا عبد الله السيد جعفر وولاية الأوقاف وفوض اليه الامور الحسبية وافرغت عليه الخلع من الديوان وذلك بالمشهد المعروف بذي المنارتين من اوال البحرين وذلك في ثالث عشر شهر صفر سنة السادسة بعد الألف انتهى.

قلت : وهذا الشريف الجليل الذي كان شيخ الاسلام بعد أبيه هو ممدوح الشيخ جعفر الخطي ومخدومه والذي يصحبه معه في أسفاره إلى شيراز ، رحمهم الله جميعاً.

وقال الشيخ الطهراني في ( الذريعة ) قسم الديوان :

ديوان عبد الرؤوف الجدحفصي وهو السيد أبو جعفر بن الحسين بن محمد ابن الحسن بن يحيى بن علي بن اسماعيل أخ الشريف المرتضى علم الهدى أبي القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن الإمام موسى ابن جعفر الكاظم (ع) كذا سرد نسبه حفيده الآتي ذكره والمسمى باسمه الموسوي الحسيني البحراني الجدحفصي المتوفى (١٠٠٦) وقد رثاه ابن اخته وصهره على بنته المسماة بملوك : السيد ماجد بن هاشم بن علي بن مرتضى الصادقي الجدحفصي الذي توفى هو ١٠٢٨ كما أرخه السيد عليخان في ( السلافة ) وكتب السيد ماجد على قبر جدّه الاميّ السيد عبد الرؤوف أشعاراً ذكرها الشيخ يوسف البحراني في كشكوله وذكر فيه أيضاً جملة من أشعار ديوان

٦٧

السيد عبد الرؤوف هذا في مديح أصحاب الكساء المذكور.

حفيده وسميه :

وقال البحاثة الطهراني في قسم الديوان من ( الذريعة ) :

ديوان عبد الرؤوف الجدحفصي السيد جلال الدين أبي المعالي عبد الرؤوف ابن الحسين بن أحمد بن السيد أبي جعفر عبد الرؤوف الموسوي الحسيني البحراني الجدحفصي المذكور بقية نسبه آنفاً وقد ترجمه الشيخ الحر في « الأمل » وذكر بعض ما كتبه اليه من شعره وأطراه إلى أن قال : ( رأيته في البحرين فرأيت منه العجب لكنني عرفت حينئذ في البحرين بحر العلم وبحر الأدب ... ) أقول قد جمع هذا الديوان الشيخ أحمد بن محمد بن مبارك الساري البحراني بعد وفاة الناظم بأمر ولده السيد أحمد بن عبد الرؤوف وذكر فيه ان الناظم توفى ١١١٣ ورتبه على ثلاثة أبواب ١ ـ المديح ٢ ـ الرثاء ٣ ـ المتفرقات. وفرغ من جمعه في ١١١٨ وقد رأيته عند السيد محمد علي « السبزواري بالكاظمية » وفيه فوائد أدبية وتاريخية ، وكانت نسخة من هذا الديوان عند السيد شبر بن محمد بن ثنوان الموسوي الحويزي نقل عنه في رسالة عملها في بيان نسب السيد عليخان بن خلف الحويزي وذكر ان في ثلاثة مواضع من هذا الديوان يصرح بسيادة السيد عليخان وصحة نسبه.

وفي تتمة أمل الآمل :

السيد عبد الرؤوف الموسوي هو الحفيد للسيد عبد الرؤوف السالف ذكره. جاء ذكره في أنوار البدرين في علماء البحرين بقوله : السيد النجيب الأديب الحسيب السيد عبد الرؤوف بن الحسين بن عبد الرؤوف بن أحمد بن حسين بن محمد بن حسن بن يحيى بن علي بن اسماعيل بن علي بن اسماعيل. أخ السيدين الشريفين المرتضى والرضي ابنا الحسين بن موسى بن ابراهيم بن الإمام الكاظم (ع) البحراني أحد الأكابر والأعيان المشار اليهم بالبنان ، جمع بين علو

٦٨

الهمة والأدب ، وشفع سمّو الأصل بسمو الحسب ، فهو غرة جبين الدهر ، وله شعر يحبب العقول بسحره ونثر يزري بنظم الدر ونثره ، جمع فيه بين الجزالة والرقة وأعطى كل ذي حق حقه ، كان مولده سنة ١٠١٣ هـ وتوفى سنة ١٠٦٠ ، الله أعلم وله رحمه‌الله من العمر سبعة وأربعون سنة تغمده الله برحمته ورضوانه (١).

وللسيد أحمد بن السيد عبد الرؤوف بن السيد حسين الجدحفصي طاب ثراه

عيون المنايا للاماني حواجب

ودون المنى سهم المنية صائب

وكل امرء يبكي سيبكى وهكذا

صبابة ماء نحن والدهر شارب

فكم من لبيب غرّ منه بموعد

فصدّقه في قوله وهو كاذب

هو الدهر طوراً للنفائس واهبٌ

اليك وطوراً للنفيسة ناهب

فلا تأمنن الدهر في حال سلمه

فكم علقت بالآمنين المخالب

فكم راعني من صرفه بروائع

تهدّ لها مني القوى والمناكب

ولكنني مهما ذكرت بكربلا

مصاباً إذا ما قصّ تنسى المصائب

نسيت الذي قد نالني من خطوبه

ولم تصف لي مهما حييت المشارب

وقدغارفي أرض الطفوف من الندا

بحور وغارت في ثراها كواكب

وأضحى حسين مفرداً بعد جمعه

يذود عن الأهل العدا ويحارب (٢)

__________________

١ ـ عن تتمة أمل الآمل.

٢ ـ عن مجموعة الشيخ لطف الله الجدحفصي.

٦٩

عُمر بن عبد الوهاب العرضي الشافعي

المتوفي ١٠٢٤

قال المحبي في خلاصة الاثر في أعيان القرن الحادي عشر ص ٢١٨ من الجزء الثالث وللعرضي شعر قليل أنشد له بعض الأدباء قوله. وهو معنى حسن

لم اكتحل في صباح يوم

اريق فيه دم الحسين

إلا لأني لفرط حزني

سوّدتُ فيه بياض عيني

قال وأصله قول بعضهم

وقائل : لم كحلت عيناً

يوم استباحوا دم الحسين

فقلت كفوا أحق شيء

يلبس فيه السواد عيني

قال ومثله لأبي بكر العمري الدمشقي :

في يوم عاشوراء لم أكتحل

ولم أزيّن ناظري بالسواد

لكن على من فيه حينا قضى

ألبستُ عينيّ ثياب الحداد

أقول : سبق وان ذكر هذا الشعر لأحمد بن عيسى الهاشمي من رجال القرن السادس الهجري. ذكرناه في الجزء الثالث من « أدب الطف » ص ٢٤٥ مع ترجمته ، ولعله توارد خاطر.

٧٠

عمر بن عبد الوهاب بن ابراهيم بن محمود بن علي بن محمد بن محمد بن محمد ابن الحسين العرضي الحلبي الشافعي القادري المحدث الفقيه الكبير مفتي حلب وواعظ تلك الدائرة ، كان أوحد وقته في فنون الحديث والفقه والأدب وشهرته تغني عن الاطراء في وصفه ، اشتغل بالطلب على والده ثم لزم الشيخ الإمام محمود بن محمد بن محمد بن حسن البابي الحلبي المعروف بابن البيلوني وكان عمره إذ ذاك أربع عشرة سنة فقرأ عليه الجزرية ومقدمة للتصريف وتجويد القرآن.

أقول واستمر يذكر مراحل الدراسة التي قضاها المترجم له إلى ان قال : والف تآليف كثيرة منها شرح شرح الجامي وكان شديد الاعتناء بالجامي حريصاً على مطالعته وإقرائه وفيه يقول :

لله درّ إمام طالما سطعت

أنوار افضاله من علمه السامي

ألفاظه أسكرت أسماعنا طربا

كأنها الخمر تسقى من صفا الجامي

اقول وذكر المحبي باقي مؤلفاته ورسائله وتحقيقاته وأورد جملة من ذلك وقال المحبي وكانت ولادته بحلب بقاعة العشائرية الملاصقة لزاويتهم دار القرآن شمالي جامع حلب في صبيحة يوم الجمعة منتصف جمادى الآخرة سنة خمسين وتسعمائة ، وجاء تاريخ مولده ( شيخ حلب ). ومات يوم الثلاثاء خامس عشر أو سادس عشر شعبان سنة أربع وعشرين والف وقال الصلاح الكوراني مؤرخاً وفاته :

إمام العلوم وزين العلا

سراج الهدى عمر ذو الوفا

تولّى فارخ سراج بها العلوم

هدى فرقا فانطفى

انتهى عن الجزء الثالث من خلاصة الاثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي ص ٢١٥.

٧١

الشيخ جعفر الخطي

المتوفى ١٠٢٨

قال يرثي سيد الشهداء الحسين بن علي عليه‌السلام :

معاهدهم بالابرقين هوامدُ

رزقن عهاد المزن تلك المعاهد

ولولا احمرار الدمع لانبعثت بها

سحائب دمع بالحنين رواعد

وقفت بها والوحش حولي كأنني

بهنّ مليك حوله الجند حاشد

أسرّح في اكنافها الطرف لا أرى

سوى أشعث شجته أمس الولائد

وإلا ثلاثاً كالحمايم جثماً

ونؤباً عفته الذاميات العوائد

وأسألها عن أهلها وهي لم تحر

جواباً وهل يستنطق العجم ناشد

لك الخير لا تذهب بحلمك دمنة

محاها البلى واستوطنتها الأوابد (١)

فما هي ان خاطبتها بمجيبة

وان جاوبت لم يشف ما أنت واجد

ولكن هلم الخطب في رزء سيدٍ

قضى ظمأ والماء جار وراكد

كأني به في ثلّة من رجاله

كما حفّ بالليث الأسود اللوابد

يخوض بهم بحر الوغى وكأنه

لواردهم عذب المجاجة بارد

اذا اعتقلوا سمر الرماح وجرّدوا

سيوفاً أعارتها البطون الاساود

فليس لها إلا الصدور مراكزاً

وليس لها إلا الرؤس مغامد

__________________

١ ـ الاوابد : الطير المقيمة بأرض شتاء وصيفاً ، أو الوحش.

٧٢

يلاقون شدّات الكماة بأنفس

إذا غضبت هانت عليها الشدائد

إلى أن ثووا في الأرض صرعى كأنهم

نخيل أمالتهن أيدٍ عواضد

أولئك أرباب الحفاظ سمت بهم

الى الغاية القصوى النفوس المواجد

ولم يبق إلا واحد الناس واحداً

يكابد من أعدائه ما يكابد

يكرّ فينثالون عنه كأنهم

مهىً خلفهنّ الضاريات شوارد

يحامي وراء الطاهرات مجاهداً

بأهلي وبي ذاك المحامي المجاهد

فما الليث ذو الاشبال هيج على طوى

بأشجع منه حين قلّ المساعد

ولا سمعت أذني ولا أذن سامع

بأثبت منه في اللقا وهو واحد

إلى أن أسال الطعن والضرب نفسه

فخرّ كما أهوى إلى الأرض ساجد

فلهفي له والخيل منهن صادرٌ

خضيب الحوامي من دماه ووارد

فأيّ فتى ظلّت خيول أمية

تعادى على جثمانه وتطارد

وأعظم شيء أنّ شمراً له على

جناجن صدر ابن النبي مقاعد

فشلّت يداه حين يفري بسيفه

مقلّد من تلقى إليه المقالد

وان قتيلا أحرز الشمر شلوه

لأكرم مفقود يبكّيه فاقد

لقى بمحاني الطف شلواً ورأسه

ينوء به لدن من الخطّ وارد

ولهفي على أنصاره وحماتِه

وهم لسراحين الفلاة موائد

مضمخة أجسادهم فكأنما

عليهنّ من حمر الدماء مجاسد

تضيء به أكناف عرضة كربلا

وتظلم منه أربع ومشاهد

فيا كربلا طلتِ السماء وربما

تناول عفواً حظ ذي السعي قاعد

لأنت وإن كنت الوضيعة نلتٍ من

جواره ما لم تنله الفراقد

سررتِ بهم إذ آنسوك وساءني

محاريب منهم أوحشت ومساجد

بذا قضت الأيام ما بين أهلها

مصائب قوم عند قوم فوائد

ليهنك أن أمسى ثراك بطيبه

تعطر منه في الجنان الخرائد (١)

__________________

١ ـ الخرائد جمع خريدة : البكر التي لم تمس قط.

٧٣

وان أنس لا أنسى النساء كأنها

قطاً ريع عن أوكاره وهو هاجد

سوافر بعد الصون ما لوجوهها

براقع إلا أذرع وسواعد

إذا هنهّ سلّبن القلائد جددت

من الضرب في أعناقهن قلائد

وتلوى على أعضادهن معاضدٌ

من الضرب إذ تبتزّ منها المعاضد

نوادب لو أن الجبال سمعنها

تداعت أعاليهن فهي سواجد

إذا هنّ أبصرن الجسوم كأنها

نجوم على ظهر الفلاة رواكد

وشمن رؤوساً كالبدور تقلّبها

رماح كأشطان الركي موائد (١)

تداعين يلطمن الخدود بعولةٍ

تصدع منها القاسيات الجلامد

ويخمشن بالأيدي الوجوه كأنها

دنانير أبلاهنّ بالحك ناقد

وظلن يرددن المناح كأنما

تعلم منهن الحمام الفواقد

فما الورق بزتها البزاة فراخها

وحلأها عن حومة الوكر صائد

ولا رزحٌ هيمٌ تكاد قلوبها

تطير إذا عنّت لهن الموارد (٢)

تهمّ بورد الماء ثم يردها

أخيرق مرهوب البسالة ذائد

يدافعها عن ورده وهي لا تني

تدافعه وهو الألد المعاند

فيرجعها حرى القلوب كأنما

يؤجج في أحشائها النار واقد

بأكثر منها تلك نوحاً وهذه

حنيناً وأنى والعيون جوامد

فيا وقعة ما أحدث الدهر مثلها

يبيد الليالي ذكرها وهو خالد

لألبست هذا الدين أثواب ذلة

ترث لها الأيام وهي جدائد

لحى الله قيساً قيس عيلان إنني

عليهم لمسجور الحشاشة حاقد

لأمهم الويلات ما ذنب هاشم

عليهم أما كفواً إذا لم يساعدوا

__________________

١ ـ الركي بفتح الراء مفردها ركية. والاشطان جمع شطن : الحبل. وصف الرماح لميدانها بحبال الابار.

٢ ـ رزح جمع رازح : الجمل الذي لم يستطع النهوض هزالاً وتعباً.

٧٤

أغرتم فحللتم أواصر بينكم

لها مضرٌ في سالف الدهر عاقد

وأبكيتم جفن النبي محمد

ليضحك كلب من أمية عاقد

أمية هبّي من كراك فما جنى

كفعلك جان وهو مثلك راقد

لأغرقتم في رمي هاشم بعدما

أحلوكم حيث السهى والفراقد

على غير شيء غير أنكم معاً

إذا حصل الانساب كفّ وساعد

خلا أنه أولى بكم من نفوسكم

بنصّ من التنزيل والله شاهد

أنالهم ما لم ينلكم إلههم

فكلكم بادي العداوة حاسد

أما وأبي لولا تأخر مدتي

وأن الذي لم يقضه الله كايد

لا لفيتموني في رجال كأنهم

ليوث بمستنّ النزال حوارد

بأيماننا بيض كأن متونها

إذا اطردت أمواههن مبارد

وخطية ملس البطون كأنما

أسنتها مما شحذن مناصد

نطاعنكم عنهم بهذي فأن نبت

عواملها ملنا بتلك نجالد

لعمر أبي الخطي ان عز نصركم

عليه فلم تعزز عليه القائد

من اللائي يدنين الخلي من الأسى

ويتركن مثلوج الحشا وهو واجد

فدونكم آل النبي فرائداً

تذلّ لها في سلكهن الفرائد

يزيركموها من فروع ربيعة

فتى عرقت فيه الرجال الأماجد (١)

يمدّ بضبعيه إلى أمد العلا

إذا ما انتمى جدّ كريم ووالد

إذا شئت جاراني بمضمار مدحكم

جوادان لا يشآهما الدهر طارد (٢)

إذا ركضا كان المصلي منهما

الفتى حسن والسابق الفحل ماجد

هما أرضعاني درة الرشد يافعاً

فها أنا ذا والحمد لله راشد (٣)

__________________

١ ـ يزيركموها أي يهيئكم لها.

٢ ـ يشآهما : يسابقهما.

٣ ـ عن ديوانه المطبوع في طهران سنة ١٣٧٣ هـ. تحقيق الخطيب السيد علي الهاشمي.

٧٥

الشيخ جعفر الخطي

هو العالم الفاضل أبو البحر شرف الدين الشيخ جعفر بن محمد بن حسن بن علي بن ناصر بن عبد الإمام العبدي من عبد القيس الخطي ، أحد المشاهير علامة فاضل من الصلحاء الأبرار وكان مع وفور تقواه أديب رقيق وشاعر مطبوع جزل اللفظ منسجم الأسلوب قوي العارضة من شعراء أوائل القرن الحادي عشر وأحد المعاصرين لمفخرة الشيعة الشيخ بهاء الدين العاملي ورد عليه في أصفهان خلال زيارته لثامن الأئمة علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ومدحه بقصيدة عصماء وجاراه في رائيته في مدح صاحب الزمان سلام الله عليه حيث اقترح عليه ذلك فقال على البديهة وفي مجلس البهائي :

هي الدار تستسقيك مدمعها الجاري

فسقياً فأجدى الدمع ما كان للدار

ولا تستضع دمعاً تريق مصونه

لعزته ما بين نؤي واحجار

فأنت امرء بالأمس قد كنت جارها

وللجار حق قد علمت على الجار

إلى آخرها وهي مماثلة لقصيدة البهائي التي مطلعها :

سرى البرق من نجد فجدد تذكاري

عهود بحزوى والعذيب وذي قار

له من الآثار المنشورة بين الناس ديوان شعره المشهور.

قال يعتذر إلى الشريف أبي عبد الله بن عبد الرؤوف الحسيني العلوي حين أنكر منه ما كان يألفه من أنسه وعنايته وتوسم فيه المكافاة على ما يجن فقال يعتذر عن هذا الوهم وبعث بها اليه سنة ١٠١٩ :

يا سيداً عظمت موا

قع فضله عندي وجلّت

هذي مواهبك التي

سقت الورى نهلا وعلت

٧٦

ما بالها كثرت على

غيري وعني اليوم قلت

لم أدر أي خطيئة

عثرت بها قدمي وزلت

خطب لعمر أبي ، تضيـ

ـق به السماء وما أظلت

والأرض تعجز عن تحمـ

ـلها جفاك وما أقلت

وسيوف عتبك يا أعز

العالمين عليّ سُلت

أحسين إني والذي

عنت الوجوه له وذلت

لعلى الوفاء كما علمـ

ـتَ وان جفت نفس وملت

تربت يد علقت بغيـ

ـرك أو بفضل سواك بُلت

هذا وأن مدت يدي

لسواك تسأله فشُلت (١)

وقال عندما عبر البحر من قرية كتكان توبلي قاصداً قرية بوبهان (٢) وذلك حالة الجزر ولما توسط معظم الماء وثب بعض السمك واسمه ( السبيطي ) نافراً في وجهه فشق وجنته اليمنى فنظم هذه القصيدة الغراء سنة ١٠١٩ هـ :

برغم العوالي والمهندة البتر

دماء أراقتها سبيطية البحر

ألا قد جنى بحر البلاد وتوبلى

عليّ بما ضاقت به ساحة البر

فويل بني شنّ ابن أقصى وما الذي

رمته به أيدي الحوادث من وتر

دم لم يرق من عهد نوح ولا جرى

على حدّ ناب للعدو ولا ظفر

تحامته اطراف القنا وتعرضت

له الحوت يا بؤس الحوادث والدهر

لعمر أبي الأيام ان باء صرفها

بثار امرئ من كل صالحة مثري

فلا غرو فالأيام بين صروفها

وبين ذوي الأخطار حرب إلى الحشر

ألا أبلغ الحيين بكراً وتغلباً

فما الغوث إلا عند تغلب أو بكر

__________________

١ ـ عن أعيان الشيعة : ج ١٦ ص ٢٠٢.

٢ ـ كتكان وبوبهان من قرى البحرين.

٧٧

أيرضيكما أن امرءاً من بنيكما

وأي امرئ للخير يدعى وللشر

يراق على غير الضبا دم وجهه

ويجري على غير المثقفة السمر

وتنبو نيوب الليث عنه وينثني

أخو الحوت عنه دامي الفم والثغر

ليقضي امرؤ من قصتي عجباً فمن

يرد شرح هذا الحال ينظر الى شعري

أنا الرجل المشهور ما من محلة

من الأرض إلا قد تخللها ذكري

فان أمسي في قطرمن الأرض إن لي

بريد اشتهار في مناكبها يسري

تولع بي صرف القضاء ولم تكن

لتجري صروف الدهر إلا على الحر

توجهت من ( مري ) ضحى فكأنما

توجهت من مري إلى العلقم المر

تلجلجت خور القريتين مشمراً

وشبلي معي والماء في أول الجزر

فما هو إلا أن فئت بطافر

من الحوت في وجهي ولا ضربة الفهر

لقد شق يمنى وجنتي بنطحة

وقعت بها دامي المحيا على قطري

فخيّل لي أن السموات أطبقت

عليّ وأبصرت الكواكب في الظهر

وقمت كهدي ندّ من يد ذابح

وقد بلغت سكّينة ثغرة النحر

يطوحني نزف الدماء كأنني

نزيف طلى مالت به نشوة الخمر

فمن لا مرئ لا يلبس الوشي قد غدا

وراح موشّى الجيب بالنقط الحمر

ووافيت بيتي ما رآني امرؤ ولم

يقل أوَ هذا جاء من ملتقى الكر

فها هو قد ألقى بوجهي علامة

كما اعترضت بالطرس إعرابة الكسر

فان يمح شيئاً من محياي إثرها

بمقدار أخذ المحو من صفحة البدر

فلا غرو فالبيض الرقاق أدلها

على العتق ما لاحت به سمة الاثر

وقل بعد هذا للسبيطية افخري

على سائر الشجعان بالفتكة البكر

وقل للضبا فيئي اليك عن الطِلا

وللسمر لا تهززن يوماً إلى الصدر

فلو همّ غير الحوت بي لتواثبت

رجال يخوضون الحمام إلى نصري

فاما إذا ما عنّ ذاك ولم أكن

لأدرك ثاري منه ما مدّ في عمري

٧٨

فلست بمولى الشعران لم أزجّه

بكل شرود الذكر أعدى من العرّ

أضرّ على الأجفان من حادث العمى

وأبلى على الآذان من عارض الوقر

يخاف على من يركب البحر شرها

وليس بمأمون على سالك البر

تجوس خلال البحر تطفح تارة

وترسو رسو الغيص في طلب الدر

تناول منه ما تعالى بسبحه

وتدرك دون القعر مبتدر القعر

لعمر أبي الخطي ان بات ثاره

لذي غير كفوٍ وهو نادرة العصر

فثار علي بات عند ابن ملجم

وأعقبه ثار الحسين لدى شمر (١)

وترجم له المحبي في ( خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ) ج ١ ص ٤٨٣ وقال : ولما نظم القصيدة المعارضة لقصيدة الشيخ البهائي واطلع عليها البهائي قرضها تقريضاً حسناً ، ذكره في السلافة وذكر له بعض أشعاره أوردتُ منها قطعة في ( النفخة ) التي ذيلت بها على الريحانة ومطلعها ( عاطنيها قبل ابتسام الصباح ). وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين وألف رحمه الله.

__________________

١ ـ عن ديوان الخطي.

٧٩

السيد ماجد بن هاشم البحراني

المتوفى ١٠٢٨

بكى وليس على صبر بمعذورِ

من قد أطلّ عليه يوم عاشور

وان يوماً رسول الله ساء به

فابعد الله عنه قلب مسرور

أليّة بالهجان القود حاملة

شعثاً تهادى على الاقتاب والكور

يؤمّ مكة يبغي ربح متجره

مواصلاً بين ترويح وتبكير

ما طاف بي طرب بعد الانيس ولا

لاحت سماة سروري في أساريري

ما للسرور وللقنّ الذي ذهبت

ساداته بين مسموم ومنحور

يا غيرة الله والسادات من مضرٍ

أولي البسالة والاسد المغاوير

أسيدٌ هاشميّ بعد سيدكم

أحق منه بإبراز المذاخير

أمسى بحيث يحل الضيم ساحته

ويبلغ العقد منه كل موتور

يا حسرة قد أطالت في الحشا شغفي

وقصّرت في العزا عنه مقاديري

وا حسرتا لصريع الموت محتضر

قد قلّبته يد الجرد المحاضير

يا عقر الله تلك الصافنات بما

جنت فما كان أولاها تبعقير

كأنه ماقراها في الطعان ولا

أرخى الأعنة عنها في المضامير

ولا سماها بباع غير منقبض

يوم الوغى وجنان غير مذعور

٨٠