أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٣

الشيخ يوسف أبو ذيب

هو أحد الاعلام الكبار والشعراء العظام الذين تزين بهم القرن الثاني عشر جاء ذكره في كثير من الدواوين والمعاجم ، ومراثيه في الحسين عليه‌السلام تدل على عظيم عبقريته ونبوغه.

فهو رحمه‌الله الشيخ يوسف بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن الشيخ أحمد آل أبي ذيب من آل المقلد المنتسبين الى قصي بن كلاب أحد أجداد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وجاء في ( الطليعة ) ما نصه : كان فاضلاً مشاركاً في العلوم تقياً ناسكاً أديباً شاعراً ، جيد الشعر قوي الاسلوب ذا عارضة ، وكان مفوهاً حسن الخط ، ورد العراق وأقام طالباً للعلم مع جماعة من آل أبي ذيب ، وتوفي في حدود سنة ١٢٠٠ ، ومن جملة شعره :

حكمُ المنون عليك غالب

غالبته أم لم تغالب انتهى (١)

أما الشيخ فرج آل عمران القطيفي في كتابه ( الروضة الندية في المراثي الحسينية ) فقد أرخ له وذكر وفاته سنة ١١٦٠ هـ. وفي أعيان الشيعة : وفاته حدود سنة ١١٥٥.

أقول : لعل هذين القولين أقرب للواقع من قول الشيخ صاحب شعراء القطيف ، ما دام أخوه الشيخ عبد الحسين أبو ذيب قد قلنا انه توفي سنة ١١٥١ كما مرّ عليك في ترجمته. ورأيت بعض من ذكر شعر الشيخ يوسف وترجم له عبّر

__________________

١ ـ عن شعراء القطيف للعلامة المعاصر الشيخ علي منصور المرهون.

٣٤١

عنه بالبصري ، فمن المحتمل انه سكن البصرة لفترة ثم فارقها ، إذ ان وفاته كانت بالبحرين.

أما ديوانه فكانت نسخة منه في مكتبة الشيخ السماوي كتب عليها ( ديوان أبي ذئب ) وفي مجموعة الشيخ لطف الله الجدحفصي جملة من شعره ، ومنه قصيدته التي أولها :

دمع أكفكفه كفيض بحار

وجوى أكابده كجذوة نار

وفي مخطوطنا ( سوانح الافكار في منتخب الاشعار ) ج ٤ صفحة ٢٠٠ قصيدة أولها :

عبراتٌ تحثّها زفراتُ

هنّ عنهنّ ألسنٌ ناطقاتُ

ومن قوله في سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين :

بأبي وبي أفدي ابن فاطم والوغى

متسعّرٌ يغلي كغلي المرجل

فكأنه من فوق صهوة طِرفه

قمرٌ على فلك سرى في مجهل

وكأنه والشوس خيفة بأسه

أسدٌ يصول على نعام جفّل

يحكي علياً في الصراع وهكذا

يرث البسالة كل ندب أبسل

ما زال والسمر اللدان شوارع

والبيض تبرق في سحاب القسطل

يسطو على قلب الخميس كأنه

صبح يزيل ظلام ليل أليل

حتى تجدّل في الصعيد معفّراً

روحي الفدا للعافر المتجدل

فنعاه جبريل الأمين وأعولت

زمر الملائك محفلاً في محفل

أقوت به تلك البيوتات التي

أذن الإله بذكرها أن تعتلي

وغدت به أمّ العلاء عقيمة

هيهات فهي بمثله لم تحمل

هل للشريعة بعده من حارس

أو سايس يصرجى لحل المشكل

هل للهدى هادٍ سواه وكافل

أو للندى والجود من متكفل

٣٤٢

واحسرتاه لنسوة علويّة

خرجت من نالاسجاف حسرى ذهّل

متعثرات بالذيول صوارخاً

بمدامع تجري كجري الجدول

من ثكّل تشكو المصاب لأيّمٍ

أو أّمٍ تشكو المصاب لثكّل

يا راكباًمن فوق ظهر شملّة

تشأ الرياح من الصبا والشمال

مجدولة تعلو التلاع وتارة

تهوي الوهاد به هويّ الأجدل

عرّج على وادي المحصب من منى

فشعاب مكة فاللوى ثم اعقل

وابلغ نزاراً لا عدمت رسالة

شجنيّة ذهبت بقلب المرسل

قل أين أرباب الحفاظ وخير مَن

لبّى صريخ الخائف المتوجّل

أين الغطارفة السراة وقادة

الجرد العتاق الصافنات الصهّل

الشمّ من عليا لؤيّ وهاشم

من كل عبل الساعدين شمردل

هل تقبلنّ الذل أنفسكم ويأبى

الله عهدي أنها لم تقبل

يمسي ابن فاطمة البتول ضريبة

للمشرفية والوشيج الذبّل

متسربلاً بدمائه عارٍ فيا

لله من عارٍ ومن متسربل

وقال :

خليليّ بالعيس عوجا على

ربى يثربٍ وانزلا واعقلا

ألا عرّجا بي على منزل

لعبد منافٍ عفاه البلى

قفا نقضي واجب حق له

بفرط البكا أوّلاً أولا

ونسأله وهو غير المجيب

ولكن علينا بأن نسألا

أيا منزلاً باللوى مقفراً

فديتك منزل وحيٍ خلا

فأين غيوثك للمجدبين

إذا ضنّت السحب أن تهملا

وأين الأولى كنت تسمو بهم

إذا شئت كيوان والاعزلا

تقاسمهم حادثات المنون

وأرخى على جمعهم كلكلا

٣٤٣

وأعظم من ذاك يومٌ لهم

فيا لك يومهم المهولا

لدى جانب النهر أضحت به

معاطسنا رغماً ذللا

نبيت بأهواله ولهاً

ونصبح من رزئه ذهّلا

فيا كربلا كم فطرتِ الحشا

بعضب المصيبة يا كربلا

ثم يسترسل في سرد المصيبة حتى يختمها بقوله :

لعلّ أبي ذئب يوم الجزا

ينال بكم كل ما أمّلا

فلا عمل مسعد ( يوسفاً )

سوى حبّه لكم والولا

عليكم من الله أزكى الصلاة

متى هلهل السحب أو جلجلا

وله من قصيدة يرثي بها الحسين أولها :

ذكرَ الطفوف ويوم عشر محرم

فجرى له دمع سفوح بالدم

ومنها :

صبّ يبيت مسهداً فكأنما

أجفانه ضمنت برعي الأنجم

برح الخفاء بحرقة لا تنطفي

ورسيس وجد في الصدور مخيم

يا يوم عاشوراء كم أورثتني

حزناً مدى الأيام لم يتصرم

ما عاد يومك وهو يوم أنكد

إلا وبتّ بليلة المتألم

يا قلب ذب وجداً عليه بحرقة

يا عين من فرط البكا لا تسأمِ

يا سيد الشهداء إني والذي

رفع السماء وزانها بالأنجم

لو كنت شاهد يوم مصرعك الذي

فضّ الحشاشة بالمصاب الاعظم

لأسلت نفسي فوق أطراف الظبى

سيلان دمعي فيك يا بن الأكرم

٣٤٤

وله أيضاً :

ما بعد رامة واللوى من منزل

عرّج على تلك المعاهد وانزل

هذي المعالم بين أعلام اللوى

قف نبك لا بين الدخول فحومل

إيهٍ أخا شكواي يوم تهامة

والحي بين ترحل وتحمل

اسعد وما للمستهام اخي الجوى

من مسعد أين الشجي من الخلي

ومنها :

وأجل مرزأة لفاطم وقعة

تتبدّل الدنيا ولم تتبدّل

يوم به ضاق الفجاج ورحبه

ذرعاً على ابن المرتضى المولى علي

يسطو على قلب الخميس كأنه

صبح يزيل ظلام ليل أليل

وله وهي من روائعه :

حكم المنون عليك غالب

غالبته أو لم تغالب

لا شك أن سهامه

في كل ناحية صوائب

فليطرقنك هاجماً

لو كان دونك الف حاجب

لا تدفع الموت الجنود

ولا الأسنّة والقواضب

أين الملوك الطالعون

على المشارق والمغارب

ذهبوا كأن لم يخلقوا

والكل في الآثار ذاهب

لا ثابت يبقى ولا

ينجو من الحدثان هارب

قد فاز من لاقى المنية

وهو محمود العواقب

متمسكاً بولاء عترة

أحمد من آل غالب

وإذا تعاورك الزمان

وهاج نحوك بالنوائب

فاذكر مصيبتهم بعَرَ

صة كربلا تنسى المصائب

٣٤٥

تالله لا أنسى الحسين

وقد وقفن به الركائب

مستخبراً ما الارض قا

لوا كربلا يا ابن الاطايب

قال انزلوا فاذا الكتائب

حوله تتلوا الكتائب

فتبادرت أنصاره

كالأسد ما بين الثعالب

أسدٌ نواجذها الأسنّة

والسيوف لها مخالب

بيض كأن رماحهم

وسيوفهم شهب ثواقب

وكأنهم تحت العجا

ج كواكب تحت الغياهب

فتراكمت سحب الفضا

فتحججت تلك الكواكب

وبقي الحسين مع العدى

كالبدر ما بين السحائب

يلقى الصفوف مكبّراً

والسيف بالهامات خاطب

كالليث في وثباته

وَثَباته بين المضارب

يسطو بعزمٍ ثاقب

كالسيف مصقول الضرائب

حتى هوى عن سرجه

كالنجم أو كالبدر غارب

لهفي له فوق الثرى

كالطود منهدّ الجوانب

لهفي له وحريمه

من حول مصرعه نوادب

يندبنه بمدامع

من حرّ أجفان سواكب

أحسين بعدك لا هنا

عيش ولا لذّت مشارب

والجسم منك مجدّلٌ

في الترب منعفر الترائب

ما أوحش الدنيا وقد

نعبت بفرقتك النواعب

ها نحن بعدك ياغريب

الدار أمسينا غرائب

وتقول من فرط الأسى

والشجو للأحشاء لاهب

يا راكباً تعدو به

حرف من القود النجائب

عج بالغريّ وقف على

عتبات أحمى الناس جانب

٣٤٦

واشرح له ما راعنا

بالطف من فعل النواصب

واقصر فما عن صدره

خبرٌ من الاخبار عازب

واطلق عنانك قاصداً

قمر الهدى شمس المذاهب

واجلس على أعتابه

واندب وقل والدمع ساكب

مولاي يا كهف الورى

من شاهد منهم وغائب

فجعتك حرب بالحسين

وبالعشيرة والأقارب

تبكي لمصرعه الحروب

أسىً وتندبه المحارب

والبدر أمسى كالحاً

والشمس ناشرة الذواب

ونساه من شجو عليه

ذوات أكباد ذوائب

أمست تجاذب من لظى

الانفاس ما أمست تجاذب

ما بين علج سالبٍ

أسلابهن وبين ضارب

مستصرخات لم تجد

غير الصدى أحداً مجاوب

ان صحن أين ليوب غالب

صاح أين ليوث غالب

وبنو العواهر والقيو

د تقودها قود الجنائب

الله أكبر انها

لمن الغرائب والعجائب

يستأصلون معاشراً

بلغوا بهم أقصى المطالب

أبني المراثي والمما

دح والمعالي والمناقب

ما أن ذكرت مصابكم

إلا وهيّج لي مصائب

وإليكم من عبدكم

مجلوّة الأطراف كاعب

فهي العصا طوراً أهشّ

بها ولي فيها مآرب

لا بد ما تأتي لكم

وتعود منكم بالرغائب

صلى الإله عليكم

ما حجّ بيت الله راكب

٣٤٧

عبد الله العويّ الخطي

المتوفى حدود ١٢٠١

جاء في كتاب ( شعراء القطيف ) :

هو العلامة الشيخ عبد الله بن حسين بن درويش المعروف بالعوي الخطي. وآل العوي قبيلة معروفة من قبل بآل درويش تسكن البحرين فحدثت في تلك الظروف حوادث أدت بهم كغيرهم إلى الترحل إلى القطيف وكان ذلك أواخر القرن الثاني عشر فنزل والد المترجم حسين وعائلته بستاناً يقال له ( البشري ) الموجود حالياً وكان بعيداً عن البلاد بأكثر من المتعارف بالنسبة إلى الدور المتقاربة فكان أصحابه وجماعته وقومه وعماله الذين يعملون معه في الغوص إذا جاؤوا قد يسألون إلى أين؟ فيقولون إلى العوي وكذا غيرهم من أهلي البلاد إشارة إلى المكان البعيد الذي لا تسكنه إلا العواوي جمع عوى ، راجع عن معلوماته حياة الحيوان للدميري ، فذهبت عليهم ونسي الناس لقبهم الأول آل درويش ، ويوجد مثل هذا كثير قديماً وحديثاً وبعد سنيات قلائل من نزول والده القطيف توفي حدود التاريخ المذكور وخلف ولداً يدعى بالشيخ علي نبغ نبوغاً باهراً في العلم والصلاح والتقوى وأسندت إليه في زمانه سائر المهمات الشرعية فكان أحد أعلام القرن الثالث عشر تغمد الله الجميع بالرحمة والرضوان ، وخلف أيضاً أثراً قيماً من المراثي لأهل البيت تقتطف منه هاتين القصيدتين. انتهى

أقول نكتفي بالاشارة إلى هذا الشاعر وعدّه من هذه الحلبة في عداد شعراء أهل البيت عليهم‌السلام.

٣٤٨

محمد الدرازي آل عصفور

قال في مطلع قصيدة ذكرها الشيخ لطف الله :

أين الشفيق على الزهرا يواسيها

في نوحها ونُعاها في غواليها

قد خانها الدهر كيداً في أطايبها

وافجعتاه لها قوموا نعزيها

قال الشيخ الاميني في ( شهداء الفضيلة ) بعدما ترجم لولده الشهيد الشيخ حسين ما نصه : ووالد الشهيد ، هو الشيخ محمد ـ أحد العلماء المبرزين ، أطراه صاحب الأنوار بالعلم والعمل والفضل والكمال والورع ، ولد سنة ١١١٢ له تآليف جيدة منها كتاب ( مرآة الاخبار في أحكام الاسفار ) ورسالة في الصلاة ، ورسالة في أصول الدين ، ورسالة في وفاة أمير المؤمنين (ع) يوسف صاحب الحدائق والشيخ عبد العلي ، ويروي عنه ولداه العالمان العلمان : الشيخ حسين والشيخ أحمد.

قال الشيخ الاميني رحمه‌الله : وعندنا كثير من شعره في رثاء الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما‌السلام. وكتب إليه أخوه صاحب الحدائق قصيدة فيها اطراؤه ، ذكرها في الكشكول ص ٧٠ من الجزء الثاني وفي الذريعة للشيخ الطهراني ما نصه : ديوان الشيخ محمد بن أحمد بن عصفور الشاخوري في مراثي الحسين ـ وهو أخ صاحب الحدائق وتلميذ الشيخ حسين الماحوزي ـ في مدرسة البخارائي بالنجف كتب سنة ١٢٧٠.

٣٤٩

السيد صادق الأعرجي

المتوفى ١٢٠٤

يا راكب الوجناء أعقبها ألونى

طيّ المهامه من ربي ووهادِ

عرّج باكناف الطفوف فإن لي

قلباً إلى تلك المعاهد صادي

وأذل بها العبرات حتى ترتوي

تلك الربى ويعبّ ذاك الوادي

دمنٌ أغار على مرابعها البلى

قسراً وشنّ بهنّ خيل طراد

وتطرقتها الحادثات وطالما

قعدت لطارفهن بالمرصاد

لله كيف تدكدكت تلك الربى

وعدت على تلك الطلول عوادي

وتعطلت تلك الفجاج وأقتفرت

تلك العراص وخفّ ذاك النادي

يا كربلا ما أنت إلا كربة

عظمت على الأحشاء والأكباد

كم فتنة لك لا يبوخ ضرامها

تربي مصائبها على التعداد

ماذا جنيتِ على النبي وآله

خير الورى من حاضر أو بادي

كم حرمة لمحمد ضيعتها

من غير نشدان ولا إنشاد

ولكم دماء من بنيه طللتها

ظمأ على يد كل رجسٍ عادي

ولكم نفوس منهم أزهقتها

قسراً ببيض ظباً وسمر صعاد

ولكم صببت عليهم صوب الردى

من رائح متعرض أو غادي

غادرتهم فيء العدى وأزحتهم

عن طارف من فيئهم وتلاد

أخنى الزمان عليهم فابادهم

فكأنهم كانوا على ميعاد

٣٥٠

لهفي لهاتيك الستور تهتكت

ما بين أهل الكفر والالحاد

لهفي لهاتيك الصوارم فللت

بقراع صمّ للخطوب صلاد

لهفي لهاتيك الزواخر أصبحت

غوراً وكنّ منازل الوراد

لهفي لهاتيك الكواكب نورها

في الترب أخمد أيّما اخماد

فلبئسما جزوا النبي وبئسما

خلفوه في الأهلين والأولاد

يا عين إن أجريت دمعاً فليكن

حزناً على سبط النبي الهادي

وذري البكا إلا بدمع هاطل

كالسيل حطّ إلى قرار الوادي

واحمي الجفون رقادها لمن احتمت

أجفانه بالطف طعم رقاد

تالله لا أنساه وهو بكربلا

غرض يصاب باسهم الأحقاد

تالله لا أنساه وهو مجاهد

عن آله الأطهار أيّ جهاد

فرداً من الخلان ما بين العدى

خلواً من الأنصار والأنجاد

لهفي له والترب من عبراته

ريان والأحشاء منه صوادي

يدعو اللئام ولا يرى من بينهم

أحداً يجيب نداه حين ينادي

يا أيها الأقوام فيم نقضتم

عهدي وضيعتم ذمام ودادي

ويجول في الابطال جولة ضيغم

ظام الى مهج الفوارس صادي

أردوه عن ظهر الجواد كأنما

هدموا به طوداً من الاطواد

يا غائباً لا ترتجى لك أوبة

أسلمتني لجوى وطول سهاد

صلى عليك الله يا ابن المصطفى

ما سار ركب أو ترنم حادي

٣٥١

السيد صادق بن علي بن حسين بن هاشم الحسيني الاعرجي النجفي المعروف بالفحام ينتهي نسبه إلى عبيد الله الاعرج بن الحسين الاصغر بن علي السجاد (١). ولد في قرية الحصين (٢) إحدى قرى الحلة سنة ١١٢٤ وتوفي بالنجف الاشرف يوم ٢١ شعبان سنة ١٢٠٤ بموجب تاريخ السيد أحمد العطار في قصيدته وبموجب تاريخ السيد محمد زيني بقوله في قصيدته التي يرثيه بها ( قد شق قلب العلم فقدك صادق ) وقبره في النجف بمحلة المشراق مزور متبرك به.

كان رحمه‌الله من أجلة العلماء لا يكاد أحد يملّ مجلسه وكان إماماً في العربية لا سيما في اللغة حتى سمي : قاموس لغة العرب. وكتب الشيخ اليعقوبي في البابليات عنه فقال :

درس على المرحوم السيد محمد مهدي بحر العلوم وغيره فقد ألّف وكتب ونظم حتى جمعت أشعاره في مجلدين على حروف المعجم وبرع في الفقه والاصول والكلام والحكمة على الأساتذة الذين تخرج عليهم من الجهابذة العظماء كالسيد محمد الطباطبائي والشيخ خضر المالكي الجناجي كما في ( سعداء النفوس ) وما برح حتى حصل على درجة الاجتهاد واصبح علماً يشار اليه بالبنان وله بيتان في رثاء استاذه الشيخ خضر المالكي المتوفي سنة ١١٨٠ وقد كتبا على قبره :

__________________

١ ـ وفي الذريعة ـ قسم الديوان ـ ساق نسبه هكذا :

السيد صادق الفحام بن محمد بن الحسن ( الحسين ) بن هاشم بن عبد الله بن هاشم بن قاسم بن شمس الدين بن أبي هاشم سنان ، قاضي المدينة بن القاضي عبد الوهاب بن القاضي كتيلة بن محمد بن ابراهيم بن عبد الوهاب ـ كلهم قضاة المدينة ـ ابن الأمير أبي عمارة المهنا ـ جد آل المهني ـ ابن الامير ابي هاشم داود بن الامير أبي أحمد القاسم بن الامير أبي علي عبيد الله بن الامير أبي الحسن طاهر المحدث ، ممدوح المتنبي ـ ابن يحيى النسابه بن الحسن ابن جعفر الحجة ابن عبيد الله الاعرج ابن الحسين الاصغر ابن الامام السجاد عليه‌السلام.

٢ ـ وكانت تدعى قديماً ( حصن سامه ).

٣٥٢

يا قبر هل أنت دارٍ من حويت ومن

عليه حولك ضجّ البدو والحضر

أضحى بك الخضر مرموساً ومن عجب

يموت قبل قيام القائم « الخضر »

وفي بعض المصادر التي لا يعول عليها أنه قرأ على الشيخ خضر شلال الذي قرأ على أولاد الشيخ خضر المالكي وأحفاده والمتوفى سنة ١٢٥٥ أي بعد وفاة الفحام باحدى وخمسين سنة وذلك خطأ ظاهر كما لا يخفى.

وذكره صاحب « الروضات » في عداد الفقهاء الذين تخرج عليهم الفقيه الشيخ جعفر الكبير صاحب كشف الغطاء في ترجمة الشيخ المذكور.

وتعرض لذكره خاتمة المحدثين الشيخ النوري في كتابه « دار السلام » ج ٢ ص ٣٩٣ نقلا عن الشيخ جواد بن العلامة الشيخ حسين نجف في قصة طويلة شاهدنا منها قوله عن السيد المترجم : ان السيد بحر العلوم والشيخ جعفر تلمذا عليه في الأدب وكانا يقبلان يده بعد رياستها وفاء حلق التعليم. قلت : ولذلك يعبر عنهما دائماً في ديوانه بالولدين الاكرمين. ونسب له النوري أحمد البلاغي والشيخ راضي نصار وكانوا قد خرجوا من النجف الاشرف الى الهاشمية لزيارة السيد الجليل القاسم بن الامام الكاظم (ع) وممن تخرج عليه الأديب الفذ والشاعر الفحل الشيخ محمد رضا النحوي وقد أبّنه بقصيدة عصماء يتجلى فيها وفاؤه لاستاذه فلقد بكاه الولد على أبيه والتلميذ على مؤدبه ومربيه وفيها يقول :

ويا والداً ربيت دهراً ببره

ومن بعد ما ربى وأحسن أيتما

لقد كنت لي بالبرّ مذ كنت ( مالكا )

ولا عذر لي أن لا أكون ( متمما )

قصرت لعمر الله غاية مقولي

وكنت له اذ يرتقي الأفق سلما

٣٥٣

آثاره :

له مؤلفات وآثار عديدة تلف أكثرها بعد وفاته منها ما ذكره شيخنا الجليل الشيخ « آغا بزرك » في كتابه « سعداء النفوس » حيث قال : له شرح على الشرائع من أول الطهارة إلى آخر صلاة ليلة الفطر رأيته في مجلد وهي نسخة الاصل. اهـ وقال صاحب « أحسن الوديعة في تراجم مشاهير مجتهدي الشيعة » ج ا ط بغداد ما ملخصه : العالم الفاضل والفقيه الكامل السيد صادق الفحام من أفاضل العلماء الاواخر كانت له صحبة مع العلامة الطباطبائي بحيث نقل انه كان يقدمه على سائر أقرانه ، له مؤلفات كثيرة لم نعثر عليها منها « تاريخ النجف » وشرح « شواهد القطر » كتبهما في مبادئ أمره ، وله شعر رائق ، توفي كما في بعض المجاميع الخطية لبعض المعاصرين سنة ١٢٠٩ اهـ. قلت والصواب ١٢٠٤ كما سيأتي تحقيق ذلك. ويظهر أن كتابه شرح الشواهد كان متداولاً في أيامه فقد رأيت في هامش كتاب الكشكول لمعاصره الشيخ يوسف البحراني المتوفى سنة ١١٨٦ ج ١ ص ٣٧٥ عند ذكر هذه الابيات :

ألمت بنا والليل من دونه ستر

ولاحت لنا شمساً وقد طلع البدر

إلى أن قال : اعلم ان هذه الأبيات من قصيدة استشهد في شرح القطر ببيت منها في بحث المفعول لأجله وهو آخر ما ذكرها هنا :

واني لتعروني بذكراك هزة

كما انتفض العصفور بلله القطر

ونسبها مولانا العالم الفاضل السيد صادق لأبي صخر الهذلي وقد ذكر أبياتاً منها. اهـ ومن آثاره ( رحلة ) دون فيها زيارته للامام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام سنة ١١٨٠ باسلوب نثري من المسجع القديم وهي ملحقة بديوانه ولا تخلو من فوائد تاريخية ومعلومات جغرافية عن العراق وإيران في ذلك العهد أي قبل قرنين من الزمن ـ ومن آثاره :

٣٥٤

ديوانه المخطوط :

جمع ديوان شعره في حياته على حروف المعجم ووضع له مقدمة لا تزيد على عشرة أسطر ورتبه على ثلاثة أبواب الأول في القريظ « اللغة الفصحى » والثاني والثالث « في الركباني » و « المواليات » وهما في اللغة العامية الدارجة في أرياف العراق وبواديه وعندي منه نسخة نقلت عن الأصل تقع في ٢٠٠ صفحة بخط معاصره العالم الأديب سيد أحمد زوين كتب في آخرها قد فرغ من تسويده أفل من مدباعه في هذه الصناعة أحمد بن سيد حبيب زوين الحسيني الأعرجي النجفي سنة ١٢٣٢ بعد وفاة الناظم بـ ٢٨ سنة وفيه قصيدة تناهز ١٨٠ بيتاً سماها « المرحلة المكية » قالها بمناسبة حجة إلى بيت الله الحرام سنة ١١٨٨ وتوجد من هذا الديوان نسخة ثانية ناقصة الآخر في مكتبة الشيخ السماوي أكملها عن النسخة التي لدينا والحق ان الاستفادة بالديوان تاريخياً لا تقل عن الاستفادة به أدبياً فانه وثيقة تاريخية قديمة ثمينة توقفنا على تاريخ كثير من الأحداث العراقية في دور الممالك وقبله وتسمي كثيراً من أعلام ذلك العصر في العلوم والأدب والادارة ممن لم نجد لهم ذكراً في غيره من الدواوين وكتب التراجم المتأخرة وحيث أن المترجم لم ينقطع عن التردد إلى الحلة فقد مدح جماعة من أشرفاها وكبرائها بقصائد مثبتة في الديوان كالسيد سليمان الكبير وآل النحوي وآل الحاج علي شاهين ـ من أقدم العائلات الحلية وممن ذكر فيه من النجف الشيخ خضر بن يحيى الجناجي وأولاده والسيد مرتضى الطباطبائي ـ والد بحر العلوم والشيخ أحمد الجزائري جد الاسرة الجزائرية وآل الخمايسي وآل الملا ـ سدنة الروضة الحيدرية يومئذ ومن بغداد آل العطار وآل السيد عيسى والسيد نصر الله في كربلاء والسيد أبو الحسن موسى العاملي عدا ما نظمه من المدائح والمراثي في أهل البيت (ع) وتواريخ العمارات التي أنشئت على مشاهدهم في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء ، وما إلى ذلك من مراسلاته مع « آل فتله » ورؤساء خزاعة ذوي السلطة والنفوذ يومئذ في الفرات الأوسط أمثال محمد وعباس وحمود أولاد حمد آل عباس

٣٥٥

الخزاعي ، والقسم الكثير من شعره رائع الاسلوب نقي الديباجة معرق في العربية يقفو فيه اثر أبي تمام حبيب بن أوس وقد قال من أبيات يذكر فيها انتسابه اليه في نظم الشعر :

حبيب الى قلبي حبيب وانني

لمقتبس من فضل نور حبيب

اديب جرت في حلبة النظم خيله

مغبرة في وجه كل اديب

ولكنني وحدي شققث غباره

الى صلوي (١) نهدٍ أغر نجيب

ولاغروان صلى جوادى دونهم

واذ يك قد جلى فغير عجيب

لاني من قوم اذا عنّ منبر

فلم يعن إلا منهم بخطيب

توفي بالنجف الأشرف في ٢١ شعبان سنة ١٢٠٤ وله من العمر ثمانون سنة ورثاه فريق من شعراء عصره ، منهم السيد أحمد العطار وأرخ عام وفاته قال :

لهفي على بدر هدى

تحت التراب قد أفل

وبحر علم كل حبر

عل منه ونهل

من قد حباه الله علماً

زانه حسن عمل

فسار ذكر فضله

بين الورى سير المثل

قد هد أركان التقى

والدين رزؤه الجلل

أرخت عام موته

في بيت شعر قد كمل

عز على الاسلام مو

ت الصادق المولى الأجل

انتهى

__________________

١ ـ صلوي مثنى صلى وهو مغرز ذنب الفرس. ويقال صلى الفرس اذا جاء مصلياً وهو الذي يتلو السابق لان رأسه يكون عند صلاه.

٣٥٦

من شعره قوله وهو في طريقه إلى زيارة الامامين العسكريين بسرّ من رأى.

أنخها فقد وافت بك الغاية القصوى

وألقت يديها في مرابع من تهوى

أتت بك تفري مهماً بعد مهمه

يظل بأيديها بساط الفلا يطوى

يحركها الشوق الملح فتغتدي

تشن على جيش الملا غارة شعوا

يعللها الحادي بحزوى ورامة

وما هيجتها رامة لا ولا حزوى

ولكنما حنت الى سر من رأى

فجاءت كما شاء الهوى تسرع الخطوا

إلى روضة ساحاتها تنبت الرضا

وتثمر للجانين أغصانها العفوا

إلى حضرة القدس التي عرصاتها

بحور هدى منها عطاش الورى تروى

فزرها ذليلا خاضعاً متوسلا

بها مظهراً لله ثم لها الشكوى

لتبلغ في الدنيا مرامك كله

وتأوي في الاخرى الى جنة المأوى

عليها سلام الله ما مر ذكرها

وذلك منشور مدى الدهر لا يطوى

نقلتها عن ( الرائق ) وفي الحاشية تشطير للعالم العامل الورع الشيخ حسين نجف أقول : وفي ( الرائق ) مخطوط السيد العطار جملة قصائد تشير اليها قال :

وقال السيد صادق بن السيد علي الاعرجي النجفي أيده الله

علام وقد جهزت جيش العزائم

أسالم دهراً ليس لي بمسالم

تحتوي على ٩٢ بيتاً كلها في مدح النبي (ص)

وله أيضاً في مدحه (ص) وقد نظمها في طريق مكة حين صد عن الحج

طوى عن فراش الكعاب الازارا

وعاف الكرى واستعار الغرارا

تتألف من ١٢٠ بيتاً

٣٥٧

وقال يمدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

حشاشة نفس لا يبوخ ضرامها

وغلة قلب لا يبل أوامها

وهي ٨٠ بيتاً

وقال أيضاً يمدح أمير المؤمنين (ع)

هي الدار بالجرعاء من جانب الحمى

فعوجا صدور اليعملات النجائب

تتكون من ٦٥ بيتاً. كل هذه في المجموع ( الرائق ) ج ٢ ص ٣٩٢.

٣٥٨

لطف الله بن علي الجدحفصي

مرّ في هذا الكتاب عدة قصائد رويناها عن مجموعة الشيخ لطف الله ابن علي بن لطف الله وقال في آخرها :

فرغ من هذا المجموع البديع النظام الحاوي لفرائد مراثي ابي عبد الله الحسين بقلم العبد المذنب الجاني لطف الله بن علي بن لطف الله الجدحفصي البحراني باليوم الثامن عشر من شهر رجب الاصب من سنة ١٢٠١ الحادية والمائتين والألف من الهجرة. وصلى الله على محمد وآله وسلم. أقول : وأثبت الشيخ من شعره عدة قصائد ، ففي ص ٤٧ قال في مطلع قصيدة ما نصه : لكاتبها الجاني لطف الله بن علي بن لطف الله الجدحفصي عفى الله تعالى عنه. أقول هو حفيد الشيخ لطف الله بن محمد بن عبد المهدي الذي تقدمت ترجمته ص ٢٥٥ :

ماذا على الركب لو ألوى على الطللِ

فبتّ أقريه صوّب المدمع الهطلِ

وما عليه إذا استوقفته فعسى

أقضيه بعض حقوق للعلى قبلى

ربع لليلاي قد أقوت معالمه

وراعه البين بعد الحلي بالعطل

أغرى به الدهر عن لوم نوازله

فعاد خلواً من النزال والنزل

قد كان بالحيّ مأهولاً يطيب به

من النسائم بالابكار والاصل

بكل بدر يغار البدر منه حوى

وكل غصن يغير الغصن في الميل

٣٥٩

يا ربع انسي سقتك الغاديات ولا

برحت تزهو بنوار الندى الخضل

لقد تذكرت والذكرى تؤرقني

ما مرّ لي فيك في أيامي الأول

أيام أصبو إلى لهوي ويسعدني

شرخ الشباب ولا اصبو إلى عذل

أيام لا أتقي كيد الوشاة ولا

أخاف من مَيَل في الحب أو ملل

أيام ارفض عذالي وترفضني

وما لكي شافعي والهمّ معتزلي

فحبذا غرّ أيامي التي سلفت

وليتها لم تكن ولّت على عجل

لله وقفة توديع ذهلتُ لها

بمعرك البين بين البان والاثل

والحيّ قد قوضوا للظعن وانتدبوا

لوشك بينٍ وشُدت أرحل الابل

والوجد قد كاد أن يقضي هناك على

قلوب أهل الهوى من شدة الوهل

فبين باك وملهوف وذي شجن

بادي الكئابة في توديع مرتحل

ورب فاتنة الالحاظ ما نظرت

الا لتقتلني بالأعين النجل

أومت إليّ وقد جدّ الرحيل بها

والروع يخلط منها الدمع بالكحل

قالت وقد نظرت من بينها جزعي

لله أنتَ فما أوفاك من رجل

لقد بلوناك في البلوى فنعم فتى

ونعم خلٍ خلا من وصمة الخلل

فليت شعري وقد حمّ البعاد لنا

والبعد يا ربما أغراك بالبدل

فهل تحافظ عهدي أم تضيّعه

كما اضيعت عهود في الوصي علي

من بعد ما أوثق المختار عقدتها

بكل نص عن الله العليّ جلي

فاعقب الأمر ظلم الآل فاضطهدوا

بكل خطب من الاوغاد والسفل

وأعظم الرزء ، والارزاء قد عظمت

بالطف رزءٌ لهم قد جلّ عن مثل

ويسترسل في نظم المصيبة ويتخلّص بطلب الشفاعة من أهل البيت عليهم‌السلام ، وله مرثية يقول في أولها :

اهاجك ربع باللوى دارس الرسم

اغمّ ولما يبق منه سوى الوسم

٣٦٠