أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٣

أحشاشة الزهراء بل يا مهجة الـ

ـكرار يا روح النبي الهادي

أأخي هل لك أوبة تعتادنا

فيها بفاضل برّك المعتاد

أترى يعود لنا الزمان بقربكم

هيهات ما للقرب من ميعاد

أأخيّ كيف تركتني حلف الأسى

مشبوبة الأحشاء بالإيقاد

رهن الحوادث لا تزال تصيبني

بسهامهنّ روائحاً وغوادي

تنتاب قاصمة الرزايا مهجتي

ويبيت زاد الهمّ ملء مزادي

قلب يقلّب بالأسى وجوانح

ما بين جمر غضى وشوك قتاد

يا دهر كيف اقتاد صرفك للردى

من كان ممتنعاً على المقتاد

عجباً لأرضك لا تميد وقد هوى

عن منكبيها أعظم الأطواد

عجباً بحارك لا تغور وقد مضى

مَن راحتاه لها من الامداد

عجباً لصبحك لا يحول وقد مضى

مَن في محياه استضاء النادي

عجباً لشمس ضحاك لم لا كوّرت

وتبرقعت من خفرها بسواد

عجباً لبدر دجاك لم لا يدّرع

ثوب السواد الى مدى الآباد

عجباً جبالك لا تزول ألم تكن

قامت قيامة مصرع الأمجاد

عجباً لذي الافلاك لم لا عطلت

والشهب لم تبرز بثوب حداد

عجباً يقوم بها الوجود وقد ثوى

في الترب منها علة الإيجاد

عجباً لمال الله أصبح مكسباً

في رائح للظالمين وغادي

عجباً لآل الله صاروا مغنماً

لنبي يزيد هديّة وزياد

عجباً لحلم الله جل جلاله

هتكوا حجابك وهو بالمرصاد

عجباً لهذا الخلق لم لا أقبلوا

كل إليك بروحه لك فادي

لكنهم ما وازنوك نفاسةً

أنى يقاس الذرّ بالأطواد

اليوم أمحلت البلاد وأقلعت

ديم القطار وجفّ زرع الوادي

اليوم برقعت الهدى ظلم الردى

وخبا ضياء الكوكب الوقاد

٣٠١

اليوم أعولت الملائك في السما

وتبدّل التسبيح بالتعداد

بحر تدفّق ثم غاض عبابه

من بعده واخيبة الورّاد

روض ذوى بعد النضارة والبها

من بعده واخيبة الوراد

بدر هوى بعد التمام وطالما

بالأمس كان دليلنا والهادي

سيف تعاوره الفلول وطالما

كان القضاء على الزمان العادي

جبل تصدّع وهو كان لنا حمى

من مصعبات في الامور شداد

مولاي يا ابن الطهر رزؤك جاعلي

دمعي شرابي والتحسر زادي

يا مهجة المختار يا مَن حبّة

أعددته زادي ليوم معادي

مولاي خذ بيد الضعيف غداً إذا

وافى بأعباء الذنوب ينادي

واشفع لأحمد في الورود بشِربة

يطفي بسلسلها غليل فؤادِ

لا أختشي ضيماً ومثلك ناصري

لا أتقي غيّاً وأنت رشادي

صلى الإله على جنابك ما حدا

بجميل ذكرك في البرية حادي

٣٠٢

الشيخ أحمد ابن الشيخ حسن الحلي النجفي المعروف بالنحوي وبالشاعر هو أبو الرضا توفي سنة ١١٨٣ بالحلة ونقل الى النجف ودفن بها

ورثاه السيد محمد زيني بقصيدة مؤرخاً فيها عام وفاته مطلعها :

أرأيت شمل الدين كيف يبدد

ومصائب الآداب كيف تجدد

ويقول في التاريخ :

أظهرت أحزاني وقلت مؤرخاً

الفضل بعدك أحمد لا يحمد

( وآل النحوي ) بيت من بيوت العلم والأدب نبغ منهم في أوائل القرن الثالث عشر في النجف غير واحد. وتعرف بقيتهم وأحفادهم الى اليوم في النجف ببيت الشاعر وكانوا يترددون بين النجف والحلة.

كان الشيخ النحوي من كبار العلماء وأئمة الأدب في عصر الشهيد السيد نصر الله الحائري معروفاً عند العامة والخاصة بالفضل والتوغل في العلوم العربية وآدابها ، ويظهر من بعض أشعاره انه كان معدوداً من شعراء السيد مهدي بحر العلوم ومحسوباً من ندمائه (١).

وفي نشوة السلافة ومحل الإضافة للشيخ محمد علي بشارة من آل موحي الخيقاني النجفي كما في نسخة مخطوطة رأيناها في مكتبة الشيخ محمد السماوي النجفي : اطلع من الادب على الخفايا وقال لسان حاله ( أنا ابن جلا

__________________

١ ـ أخذنا الترجمة عن أعيان الشيعة ج ٣ ص ١٥.

٣٠٣

وطلاع الثنايا ) تروّى من العربية والادب ونال منهما ما أراد وطلب ، له نظم منتظم يضاهي ثغر الصبح المبتسم أهـ. وفي هامش نسخة نشوة السلافة المخطوطة المذكورة ما لفظه : الشيخ الجليل أبو الرضا الشيخ أحمد ابن الشيخ حسن النجفي ثم الحلي عالم عامل وفاضل نال الغاية وجاوز من الكمال النهاية أخذ من كل فن من العلوم النقلية والعقلية ما راق وطاب ورزق من الاطلاع على غرائبها ما لم يرزق غيره والله يرزق من يشاء بغير حساب اهـ.

وقال عصام الدين العمري الموصلي في كتابه الروض النضر في ترجمة علماء العصر ، كما في نسخة مخطوطة رأيناها في مكتبة عباس عزاوي المحامي في بغداد من جملة كلام طويل مسجع على عادة أهل ذلك العصر : الشيخ أحمد النحوي الذي نحا سيبويه وفاق الكسائي ونفطويه لبس من الأدب بروداً ونظم من المعارف لآلئً وعقوداً صعد الى ذروة الكمال وتسلق على كاهل الفضل الى أسنمة المعالي فهو ضياء فضل ومعارف وسناء علم وعوارف.

غمام كمال هطله العلم والحجى

ووبل معال طلّه الفضل والمجد

له رتبة في العلم تعلو على السهى

فريد نهى أضحى له الحل والعقد

لم ترق رقيّه الأدباء ولم تحاكه الفضلاء وصل من الفصاحة الى أقصاها ورقى منابر الفضائل وأعوادها ووصل أغوار البلاغة وأنجادها ، وهو تلميذ السيد نصر الله الحائري وكنت أراه في خدمته ملازماً له أتم الملازمة ، له اليد العالية في نظم الشعر مشهور عند أرباب الأدب اهـ. وفي الطليعة : كان أحد الفضلاء في الحلة وأول الأدباء بها ، هاجر الى كربلاء لطلب العلم فتلمذ على يد السيد نصر الله الحائري وبعد وفاته رحل الى النجف فبقي مدة فيها ثم رجع الى الحلة وبقي بها حتى توفي ، وله مطارحات مع أفاضل العراق وماجريات ، وكان سهل الشعر فخمه منسجمه وعمّر كثيراً وهو في خلال ذلك قوي البديهة سالم الحاسة ، وكان أبوه الحسن ايضاً شاعراً فلذا يقال لهم بيت الشاعر كما يقال لهم بيت النحوي اهـ.

٣٠٤

له شرح المقصورة الدريدية وديوان شعره المخطوط. وله غزل ومديح ورثاء كبير وله في الحسين عليه‌السلام وفي غيره من الأئمة عليهم‌السلام مراث ومدائح كثيرة وله مقدمة الفرزدقية وهي للشاعر الفرزدق :

يا ربّ كاتم فضل ليس ينكتمُ

والشمس لم يمحها غيمٌ ولا قتمُ

والحاسدون لمن زادت عنايته

عقباهم الخزي في الدنيا وإن رغموا

أما رأيت هشاماً إذ أتى الحجر السـ

ـامي ليلمسه والناس تزدحم

أقام كرسيه كيما يخفّ له

بعض الزحام عسى يدنو فيستل

فلم يفده وقد سدّت مذاهبه

عنه ولم تستطع تخطو له قدم

حتى أتى الحبر زين العابدين إما

م التابعين الذي دانت له الأمم

فأفرج الناس طراً هائبين له

حتى كأن لم يكن بها إرم

تجاهلاً قال من هذا فقال له

أبو فراس مقالاً كله حكم

( هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ) إلى آخر القصيدة.

وخمسها الشيخ محمد رضا والشيخ هادي إبناه.

وقال مخمساً هذه الابيات في مدح أهل البيت عليهم‌السلام (١) :

بنيتم بني الزهراء في شامخ الذرى

مقاماً يردّ الحاسدين إلى الورا

أناديكم صدقاً وخاب من افترى

بني أحمدٍيا خيرة الله في الورى

سلامي عليكم إن حضرنا وإن غبنا

لقد بيّن الباري جلالة أمركم

وأبدى لنا في محكم الذكر ذكركم

أمرتم فشرفنا بطاعة أمركم

طهرتم فطهرنا بفاضل طهركم

وطبتم فمن آثار طيبكم طبنا

__________________

١ ـ أقول : الاصلي لأبي هاشم الجعفري وهو داود بن القاسم بن اسحاق بن عبد الله بن جعفر توفى سنة ٢٥٢ هـ.

٣٠٥

مواليّ لا أحصي جميل ثنائكم

ولا أهتدي مدحاً لكنه بهائكم

ظفرنا بكنز من صفايا صفائكم

ورثنا من الآباء عقد ولائكم

ونحن إذا مِتنا نورّثه الابنا

وله يمدح صاحب نشوة السلافة بهذه القصيدة :

برزت فيا شمس النهار تستري

خجلاً ويا زهر النجوم تكدري

فهي التي فاقت محاسن وجهها

حسن الغزالة والغزال الأحورِ

يقول فيها :

من آل موح شهب أفلاك العلى

وبدور هالات الندى والمفخر

وهم الغطارفة الذين لبأسهم

ذهل الورى عن سطوة الإسكندر

وهم البرامكة الذين بجودهم

نسي الورى فضل الربيع وجعفر

لم يخل عصر منهم أبداً فهم

مثل الأهلة في جباه الأعصر

لا سيما العلم الذي دانت له الـ

أعلام ذو الفضل الذي لم ينكر

ولقد كسا نهج البلاغة فكره

شرحاً فأظهر كل خاف مضمر

وعجبت من ريحانة النحو التي

لم يذو فاخرها مرور الأعصر

فذروا السلافة ان في ديوانه

في كل بيت منه حانة مسكر

ودعوا اليتيمة ان بحر قريضة

قذفت سواحله صنوف الجوهر

ما ( دمية القصر ) التي جمع الأولى

كخرائد برزت بأحسن منظر

يا صاحب الشرف الأثيل ومعدن الـ

ـكرم الجزيل وآية المستبصر

خذها إليك عروس فكرٍ زفّها

صدق الوداد لكم وعذر مقصر

فاسلك على رغم العدى سبل العلى

واسحب على كيوان ذيل المفخر

وله في تقريظ القصيدة الكرارية والمنظومة الشريفية الكاظمية أوردها صاحب نشوة السلافة وأولها :

ألفظك أم أزهار جنة رضوان

ومعناه أم آثار حكمة لقمان

٣٠٦

وله أرجوزة في مدح شيخه السيد نصر الله الحائري جاعلاً أعجاز أبياتها من ألفية ابن مالك وهي ١٢٠ بيتاً (١).

خلف ثلاثة أولاد كلهم علماء شعراء أدباء مشهورون وهم : الشيخ محمد رضا والشيح حسن والشيخ هادي.

ونظم هذه القصيدة في طريق سرّ من رأى بمشاركة ولده الشيخ محمد رضا فالصدور له والاعجاز لولده ، وتتضمن مدح الامامين : علي الهادي والحسن العسكري :

أرحها فقد لاحت لديك المعاهد

وعما قليل لديار تشاهد

وتلك القباب الشامخات ترفعت

ولاحت على بعد لديك المشاهد

وقد لاحت الأعلام أعلام من لهم

حديث المعالي قد رواه مجاهد

حثثنا اليها العيس قد شفها النوى

وقد أخذت منها السرى والفدافد

مصاب المطايا عندنا فرحة اللقا

مصائب قوم عند قوم فوائد

نؤمّ دياراً يحسد المسك تربها

وتغبط حصباء بهن القلائد

نؤم بها دار العلى سر من رأى

ديار لآل الله فيها مَراقد

ديار بها الهادي إلى الرشد وابنه

ونجل ابنه والكل في الفضل واحد

أقاموا عماد الدين دين محمدٍ

وشيدت بهم أعلامه والقواعد

فلولاهم ما قام لله راكع

ولولاهم ما خرّ لله ساجد

ورب غبي يجحد الشمس ضؤها

فتحسبه في يقظة وهو راقد

تلوح له منهم عليهم دلائل

وتبدو له منهم عليهم شواهد

بدا منكراً من غيّه بعض فضلهم

ولا ينفع الإنكار والله شاهد

قصدت معاليهم ولي في مديحهم

قصائد ما خابت لهن مقاصد

__________________

١ ـ منها :

همت بنون الصدغ حيث زانا

والفم حيث الميم منه بانا

افدي الذي صناه أضحى قمراً

أو واقع موقع ما قد ذكرا

٣٠٧

أؤمل للدارين منهم مساعداً

وظنّي كلٌ لي يمين وساعد

بني الوحي حاشا أن يخيب الرجا بكم

وأن ينثني في خيبة القصد قاصد

صلوني وعودوا بالجميل على الذي

له صلة منكم لديه وعائد

فإن تسعدوني بالرضا فزت بالرضا

وإلا فدلوني على من يساعد

وللشيخ أحمد النحوي قصيدة في مدح الامام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام أولها :

مهلاً بحقك لا تزجّ العيسا

قف نشفِ منهم بالوداع نفوسا

٤٥ بيتاً أثبتها العلامة السيد أحمد العطار في مخطوطه ( الرائق ) ج ٢ ص ٣٤٠

أقول ولأن الشاعر كان يعرف بالخياط كما يعرف بـ ( النحوي ) فقد وقع السيد الامين في الاشتباه فترجم له مرتين ظناً منه ان الشيخ أحمد بن حسن الخياط هو غير أحمد بن حسن النحوي فترجم له مرة ثانية في الجزء السابع من المجلد الثامن ص ٤٧٩.

وترجم له الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) وقال : كان يحترف الخياطة في أوائل أمره فلازمه لقب ( الخياط ) كما لازمه في كبره لقب النحوي والشاعر ولما وقف معاصره السيد صادق الفحام على قصيدة المترجم له التي تبلغ خمسين بيتاً ، وكل بيت فيه تاريخان قرّض عليها الفحام بمقطوعة كل بيت منها تاريخان مثبتة بديوانه المخطوط ، منها :

فرقان أحمد أعجاز مثانيه

سما وليس له ضدٌ يساميه

من كان كذّب دعوى ( أحمد ) سفهاً

الآن صحّت له دعوى تبنّيه

ومن شعره في الغزل :

قد قال لما قلت هل قبلة

تشفى بها قلب معنى هواك

بالجيد أم بالخد أم مبسمي

قلت بهذا وبهذا وذاك

٣٠٨

وله :

رمى بسهم ورنا

واللحظ منه ممرضي

قلت أصبت مهجتي

فقال هذا ( غرضي )

وله :

تملّك رقي شادن قد هويته

من ( الهند ) معسول اللمى أهيف القد

أقول لصحبي حين يقبل معرضاً

خذوا حذركم قد سل صارمه الهندي

وقال :

فديتك مالك لم تُقبل

إلي وقولي لم تقبل

أوحّد حسنك بين الورى

ففي نار هجرك لم أصطلي

ويا طيب هجرك لو لم تكن

تمكن وصلك من عذلي

فديتك مهلاً فاني قضيت

وعن حب حسنك لم أعدل

فديتك رفقاً وحق الهوى

سوى حسن وجهك لم حل لي

وكيف يرى القلب حباً سواك

وغيرك في القلب لم يحلل

فديتك من قمر لو بدا

فيا خجلة القمر الاكمل

فديتك غصناً إذا ما انثنى

فيا قسوة الغصن الاميل

وحقك يا من لباس الضنى

وخلع عذاري به لذّ لي

لئن كنت مستبدلاً بي سواي

فما أنا حاشا بمستبدل

وان كنت يا بدر سال هواي

فمثلك والله لا ينسلي

وإلا فلم قد وصلت الوشاة

وصيرتني عنك في معزل

وقد كان قلبك لي منزلاً

فمالي نُحيت عن منزلي

فآجرك الله في مغرم

بغير صدودك لم يقتل

ومن شعره عن ديوانه المخطوط قوله ، وقد سلك فيه المنهج العرفاني :

أماناً يا صبا نجدِ

فقد هيجت لي وجدي

٣٠٩

ويا برقا سرى وهناً

قريب العهد من هند

لقد أججت لي ناراً

تذيب القلب بالوقد

ويا ساداتنا هلا

رعيتم ذمة العبد

هجرتم مغرماً لم يد

ر بالهجران والصد

قضى في حبكم وجداً

وباع الغي بالرشد

فيا من ودهم قصدي

ويا من ذكرهم وردي

بليلات مضت معكم

وعيش ناعم رغد

وأيام لنا كانت

بجيد الدهر كالعقد

صلوا وارثوا لمشتاق

حليف الدمع والسهد

وان قاطعتم المضنى

وخنتم سالف العهد

فاني ذلك الخل

وودي فيكم ودي

إلى أن يجمع الشمل

وتطوى شقة البعد

ومن وصلكم تحظى

اذن في جنة الخلد

وتجني زهرة الوصل

وتجلو راحة السعد

وان مت وما نلت

بلقيا سادتي قصدي

فيا وجدي ويا حزني

لمن قد ناله بعدي

٣١٠

الشيخ حسن آل سليمان العاملي

المتوفى ١١٨٤

ما ضرّ من كان ذا لبٍّ وتفكير

لو قطّع النفس وجداً يوم عاشور

وكلّف القلب حزناً لا يخامره

تكلف الصبر حتى نفخه الصور

خطب أقام عمود الشرك منتصباً

وشدّ أعضاد أهل الغي والزور

خطب غدا منه عرش الله منصدعاً

وكوّر الشمس حزناً أي تكوير

لله يوم أقامت فيه قارعة

أهل الحفيظة والجرد المحاضير

من كل مقتلع الارواح مصلطم الـ

أشباح مفترس الاسد المغاوير

حامي الحقيقة مقدام الكتيبة

خوّاض الكريهة دفّاع المقادير

صوّام يوم هجير الصيف ملتزم

تلاوة الذكر قوّام الدياجير

يوم ترامت إلى حرب الحسين به

أبناء حرب على جدٍّ وتشمير

وروّت الأرض من نحر الحسين دماً

وغادرته طريحاً في الهياجير

يا للحماة حماة الدين من مضر

ويا ذوي الحزم والبيض البواتير

٣١١

الشيخ حسن آل سليمان العاملي

قال السيد الامين في الاعيان ج ٢١ ص ٤٣٧ :

توفي في رجب سنة ١١٨٤ هـ. وآل سليمان بيت علم وصلاح في جبل عاملة من زمن بعيد إلى اليوم ، وأحفادهم اليوم يسكنون قرية البياض في ساحل صور وكانوا قبل ذلك في مزرعة مشرف وعندهم مكتبة يتوارثونها عن أجدادهم تحتوي على مجموعة نفيسة من المخطوطات وبعض المطبوعات النادرة وقد ذهبت إلى القرية المذكورة وبقيت فيها عندهم أياماً وطالعت محتويات تلك المكتبة ونقلت منها في هذا الكتاب. وجدهم الذي ينسبون اليه هو الشيخ سليمان بن محمد بن أحمد بن سليمان العاملي المزرعي الذي وجدنا بخطه مقتل أمير المؤمنين علي عليه‌السلام فرغ منه ٢٥ صفر سنة ١٠٣٣ وعليه خاتمه بتاريخ ١٠٢٨ ويحتمل ان تكون نسبتهم إلى الشيخ سليمان بن محمد العاملي الجبعي تلميذ الشهيد الثاني الذي كان حياً سنة ٩٥١ وان يكون الشيخ سليمان المزرعي من أحفاده بل يحتمل ان يكونا شخصاً واحداً وان يكون أصله من جبع ثم انتقل إلى المزرعة اما الشيخ سليمان بن علي بن محمد بن محمد بن سليمان المزرعاني الذي كان حياً سنة ١١٥٢ فهو من أحفاد الشيخ سليمان المزرعي سمي باسم جده الذي كان مشهوراً كما جرت العادة بأن يسمى الاحفاد باسم جدهم المشهور ، والمترجم كان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً من مشاهير علماء عصره وأساطين فضلائه قرأ في جبل عاملة وفي العراق ذكره بعض مؤرخي جبل عاملة في ذلك العصر فقال في رجب سنة ١١٨٤ زادت الجنان شرفاً وزينت الحور العين لقدوم العالم الفاضل الأجل المؤتمن الشيخ حسن سليمان قدس الله روحه ونور ضريحه اهـ وكان يسكن بلدة انصار وقيل قلعة مارون في ساحل صور والظاهر انه كان أولاً يسكن انصار ثم سكن قلعة مارون

٣١٢

وكان في عصر الشيخ ناصيف بن نصار شيخ مشايخ جبل عاملة وعصر الشيخ عباس المحمد حاكم صور إلا انه كانت فيه حدة ، وذكره صاحب جواهر الحكم في كتابه وبالغ في الثناء عليه وقال بلغني ممن يوثق بنقله عن الثقات العارفين انه كان يفضل في العلم على الشيخ على الخاتوني والسيد أبي الحسن القشاقشي سوى انه كان حاد الطبيعة فلم تحمد الناس صحبته وكان الخاتوني حسن السلوك فقعد الشيخ حسن بن سليمان بيته ولم يخالط الناس لشدة ثورة طبعه.

ومن ذريته الشيخ خليل سليمان العاملي الصوري المعاصر الذي هاجر معنا إلى النجف لطلب العلم ثم سكن كوت الامارة في العراق مدة من الزمن وتوفي في النجف وقد وجدنا لمترجم أشعاراً في بعض المجاميع العاملية المخطوطة وبعضها رد على الشيخ عبد الحليم بن عبد الله النابلسي الشويكي المتوفى سنة ١١٨٥ المعاصر لظاهر العمر ، وذكره المرادي في سلك الدرر وقال ان له رسالة في الكلام رد بها على معاصره الشيخ أبي الحسن العاملي الرافضي في تأليف له أودعه بعض الدسائس الرافضية والشيخ أبو الحسن هذا هو جد جد المؤلف وكان الشيخ عبد الحليم هذا من شعراء ظاهر العمر والمترجم من شعراء ناصيف وعلماء عصره في المجموع المشار إليه ما صورته للشيخ الفاضل والتحرير الكامل الشيخ حسن سليمان مجيباً عبد الحليم الصفدي « النابلسي » ويذكر يوم طيربيخا « وهو يوم كانت فيه وقعة بين عسكر ناصيف وعسكر ظاهر العمر وكانت الغلبة لعسكر ناصيف » ويظهر ان الشيخ عبد الحليم قال قصيدة ضد العامليين فأجابه المترجم بقصيدة ذكرها السيد الامين في ( الاعيان ) ج ٢١ كما ذكر له قطعة نبوية عدّد فيها صفات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣١٣

محمد بن عبد الله بن فرج الخطي

كان حياً سنة ١١٨٤

قال في قصيدة تربو على المائة بيتاً وأولها :

أبريق البروق ذاك الضياء

أم سنا لاح إذ سفرن الظباء

وبليل النسيم مرّ بليل

أم شذاها ضاعت به الارجاء

هي للقلب فتنة وعذاب

وهي للعين روضة غنّاء

إن يكن حال بيننا البعد كرها

فلها كان في القلوب ثواء

أنا باق على الوفاء وإن هم

نقضوا العهد عندهم والوفاء

نقضوا العهد نقض أرجاس حرب

لعهود بها إلى السبط جاؤوا

إلى أن يقول فيها :

ولقد باع نفسه برضى الله

وقد طاب بيعه والشراء

خضّب الوجه بالدماء فأبدى

شفقاً منه للصباح انجلاء

وقضى ظامئاً وما نال ورداً

لكن البيض من دماه رواء

وفي آخرها :

يا هداة الورى ويا سرّ خلق الله

يا من بهم يسود العلاء

كنتم علّة الوجود ابتداء

واليكم يوم الجزا الانتهاء

راجياً عبدكم محمد فوزاً

بجنان يدوم فيها البقاء

وعليكم من السلام سلام

كلما سحّ في الرياض الحياء

٣١٤

الشيخ محمد بن عبد الله بن فرج الخطي

نقلنا قصيدته الدالية عن مجموع لطف الله بن علي بن لطف الله بن يحيى بن راشد الجدحفصي المخطوط بقلمه سنة ١٢٠١ هـ وفي تحفة أهل الايمان ان المترجم له قد أعار كتاب ( شرح التجريد للاصفهاني ) للشيخ عبد علي بن محمد ابن حسين الماحوزي سنة ١١٨٤ هـ. ويفهم من هذا أن وفاة صاحب الترجمة بعد هذا التاريخ.

وهذا مطلع القصيدة المشار اليها :

يميناً بنا يا سائق العيس يا سعد

فلي بالحمى حيّ به بعُدَ العهد

وسر بي إلى تلك الربى علني أرى

بها نخفة يوماً بها يذهب الوجد

وطف بي على تلك الطلول عسى بها

يزول غرام في الفؤاد له وقد

وسل ناشداً في الحي عن قلب مغرم

ثوى عندهم ما كان يوماً له ردّ

وهل منهم من بعد ذا الهجر والقلى

وصال لمضنى شفه الشوق والوجد (١)

__________________

١ ـ عن مجموعة الشيخ لطف الله الجدحفصي.

٣١٥

الشيخ ابراهيم الحاريصي

المتوفى ١١٨٥

ألا إنني بادي الشجون متيمُ

ونار غرامي حرها يتضرمُ

ودمعي وقلبي مطلق ومقيد

وصبري ووجدي ظاعن ومخيم

أبيت وما لي في الغرام مساعد

سوى مقلة عبرى تفيض وتسجم

وأكتم فرط الوجد خيفة عاذلي

فتبدي دموعي ما أجنّ وأكتم

ويا لائمي كفّ الملام وخلّني

وشأني فإن الخطب أدهى وأعظم

فلو كنت تدري ما الغرام عذرتني

وكنت لأشجاني ترقّ وترحم

إلى الله أشكو ما لقيت من الجوى

فربي بما ألقاه أدرى وأعلم

ويا جيرة شطت بهم غربة النوى

وأقفر ربع الأنس والقرب منهم

أجيروا فؤاد الصب من لاعج الأسى

وجودوا عليه باللقا وتكرموا

وحقكم إني على العهد لم أزل

وما حلت بالتفريق والبعد عنكم

وقربكم أنسي وروحي وراحتي

وأنتم منى قلبي وقصدي أنتم

رعى الله عصراً قد قضيناه بالحمى

بطيب التداني والحواسد نوّم

وحيا الحيا تلك المعاهد والربى

فقد كنت فيها بالسرور وكنتم

إلى ان قضى التفريق فينا قضاءه

وأشمت فينا الحاسدون وفيكم

وشأن الليالي سلب ما سمحت به

ومن عادة الأيام تبني وتهدم

وما زال هذا الدهر يخدع أهله

ويقضي بجور في الأنام ويحكم

٣١٦

ويرفع مفضولاً ويخفض فاضلاً

وينصب في غدر الكرام ويجزم

أصاب بسهم الغدر آل محمدٍ

وأمكن أهل الجور والبغي منهم

وكانوا ملاذالخلق في كل حادث

نجاة الورى فيما يسوء ويؤلم

وأبحر جود لا تغيض سماحة

وأطواد حلم لا تكاد تهدم

وأقمار فضل في سماء من التقى

واعلام إيمان بها الحق يعلم

هم حجج الرحمن من بين خلقه

وعروته الوثقى التي ليس تفصم

وعندهم التبيان لا عند غيرهم

ومودع سرّ الله لا ريب فيهم

ومنهم إليهم فيهم العلمُ عندهم

وأحكام دين الله تؤخذ عنهم

ومن مثلهم والطهر أحمد جدهم

ووالدهم أزكى الأنام وأعظم

وصي رسول الله وارث علمه

وفارسه المقدام والحرب تضرم

وناصر دين الله والأسد الذي

هو البطل القرم الهمام الغشمشم

وقاتل أهل الشرك بالبيض والقنا

ومن كان أصنام الطغاة يحطم

وأول من صلى إلى القبلة التي

إليها وجوه العارفين تيمم

ومنها في الامام أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام :

فلما رأى ان لا محيص من الردى

وطاف به الجيش اللهام العرموم

سطا سطوة الليث الغضنفر مقدماً

وفي كفه ماضي الغرارين مخذم

وصال عليهم صولة علوية

فولوا على الأعقاب خوفاً وأحجموا

إلى أن دنا ما لا مردّ لحكمه

وذاك على كل الأنام محتم

فلله يوم السبط يا لك نكبة

لها في فؤاد الدين والمجد أسهم (١)

__________________

١ ـ أعيان الشيعة ج ٨ ص ٤٩٦.

٣١٧

الشيخ ابراهيم بن عيسى العاملي الحاريصي

توفي يوم السبت ١٦ شعبان سنة ١١٨٥

عالم فاضل شاعر مجيد ، يعد في طليعة شعراء جبل عامل في ذلك العصر ، وعقبه في حاريص إلى اليوم ، وكان شاعر الشيخ ناصيف بن نصار شيخ مشايخ جبل عامل في ذلك العصر ، أي أمير أمرائه ، قال السيد الامين في الاعيان : ويظهر من شعره انه قرأ في مدرسة ( جويا ) (١) لقوله في ختام بعض قصائده في مدح الشيخ ناصيف :

إليك فريدة رقت وراقت

بجيد الدهر قد أمست حليّا

هدية شاعر داع مراع

أجاد بك ابن نصار الرويّا

فتى حاريص مغناه ولكن

تلقى العلم وفراً من ( جويا )

وكان له بها شيخ جليل

جميل حاز علماً أحمديا

وفي تبنين ما يرجو وأنتم

له ذاك الرجا ما دام حيا

قال : وتدل قصائده على اطلاع واسع وعلم بالوقائع التاريخية القديمة ومعرفة برجال التاريخ ، وفي شعره شيء كثير من الحكم والأمثال.

أقول وذكر جملة من شعره في الفخر والحماسة والمناظرة وأغراض أخر.

__________________

١ ـ قرية من قرى جنوب لبنان.

٣١٨

الشيخ حسين آل عمران القطيفي

المتوفى ١١٨٦

مرابعهم بعد القطين دواثرُ

سقاها وحياها من المزن هامرُ

ولا زال معتلّ النسيم إذا سرى

يراوحها في سيره ويباكر

وقفت بها أدعوا النزيل فلم أجد

سوى رسم دار قد عفته الأعاصر

فناديت في تلك المعاهد والربا

ألا أين هاتيك الوجوه النواضر

عهدت بها قوماً كأن وجوههم

مصابيح أمثال النجوم زواهر

فسرعان ما أودى بهم حادث الردى

ودارت على تلك الديار الدوائر

كأن لم تكن للمجد مأوى وللعلا

محلاً ولم يسمر بها قط سامر

لئن رحلوا عنها وشطوا فقد بقى

محامد لا تفنى له ومآثر

هم القوم لا يشقى الجليس بهم ولا

يفاخرهم في العالمين مفاخر

هم القوم إن نودوا لدفع كريهة

أجابوا صراخ المستغيث وبادروا

هُم منبع التقوى هُم منبع الهدى

وفي أزمات الدهر سحبٌ مواطر

اذا جلسوا يُحيوا النفوس معارفاً

وفي صهوات الخيل أسدٌ قساور

مساميح في اللأوا جحاجيح في الوغا

مصابيح اذ ليل الضلالة عاكر

٣١٩

نجوم الهدى رجم العدى معدن الندى

لكفّ الأذى يدعوهم مَن يحاذر

تخطّفهم ريب المنون فأصبحوا

والدهر تابٌ فيهم وأظافر

وألقى عصاه في خلال ديارهم

مقيماً كما ألقى عصاه المسافر

فهم بين مقتول وبين محلأ

وبين أسير قد حوته المطامر

اليك ولكن هوّن الخطب وقعة

تفطر منها مهجة ومراير

ويوم أتيح الدين منه بفادح

وعطل أفلاك السماء الدوائر

وشقّت له الشمس المنيرة جيبها

لعظم أسىً واستشعرته المشاعر

فلا افترّ ثغر الدهر من بعده أسى

ودمع العلا من اجله متحادر

وصدع دهى الاسلام ليس بملتق

به طرفاه ما له الدهر جابر

مصاب ابن بنت المصطفى مفخر العلا

ومَن كرمت أحسابه والعناصر

كأني به في كربلا مع عصابة

لهم جنن من باسهم ومغافر

مغاوير كالليث الغضوب جرآءة

مساعير نيران الحروب صوابر

يرون المنى خوض المنايا الى الردى

وقتلهم في الله نعم الذخائر

فكم مارق أردوه في حومة الوغا

وغودر في البوغآء رجس وغادر

الى أن قضوا من بعدما قصدوا القنا

وفلّ من الضرب الدراك البواتر

وحفت بسبط المصطفى زمر العدى

وقد شرعت فيه الرماح الشواجر

فظلّ يخوض الموت تحسب أنه

هو الليث أو صقر اذا انقض كاسر

ويمشي الى الهيجاء لا يرهب الردى

وقد زاغت الابصار بل والبصائر

فلم أرَ مكثوراً أبيدت حماته

بأشجع منه حين قلّ المظاهر

الى أن ثوى لما جرى قلم القضا

عليه وخانته هناك المقادر

فلله ملقى في الثرى متسنّما

على غارب العليا تطاه الحوافر

ولله عار بالعرى تحسد السما

به الارض إذ ضمته فيها مقابر

تنوح المعالي والعوالي لفقده

وتبكى له عين التقى والمنابر

٣٢٠