أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٣

وله معاتباً صديقه الحاج صالح بن لطف الله بقوله :

أخي صالح اني عهدتك صالحاً

لديّ وعوني في الورى ومناصحي

وسيفي الذي فيه أصول وجنتي

إذا فوقت نحوي سهام الفوادح

فمالك أبديت التغيّر والقلى

لصبٍ إلى نحو القلى غير جانح

ومالي ذنب استحق به الجفا

ولا العذر في الهجران منك بواضح

فان اقترف ذنباً فكن خير غافرٍ

وان اجترح جرماً فكن خير صافح

صدود وإعراض وهجرٌ وجفوة

اتقوى على ذا مهجتي وجوارحي

أسرك اني من ودادك انثني

بصفقة حر خاسر غير رابح

وان يرجف الحساد عنا بريبة

تكون حديثاً بين غادٍ ورائح

عهدتك طوداً لا تمليك في الهوى

نميمة واش أو سعاية كاشح

وخلتك لا تلوي على طعن

مريب ولا تصغي إلى نبح نابح

اعيذك أن تدعى خليلاً مماذقاً

يرى أنه في ودّه شبه مازح

كما نسبوا قدماً جميل بثينة

إلى انه في وده غير ناصح

فقالوا وقد جاءوا عليها بتهمة

وما كاتم سرّ الهدى مثل بائح

( رمى الله في عيني بثينة بالقذى

وفي الغرّ من أنيابها بالفوادح )

فقد عابه أهل الغرام جميعهم

فمن طاعن يزري عليه وقادح

ولا عجب أنا بلينا بحاسد

نموم بالقاء العداوة كادح

ففي ترك ابليس السجود لآدم

أدل دليل للتحاسد واضح

وفي قتل قابيل أخاه بصيرة

لمن كان عنه العقل ليس بنازح

ودع كل ودٍ غير ودي فانما

سواي الصدى الحاكي لترجيع صائح

فما كل من يدعى جواداً بجائدٍ

ولا كل من يسمى جواداً بقارح

ولا كل سعدٍ في النجوم بذابح

ولا كلما يدعى سماكا برامح

٢٨١

ولا كل برق إذ يشام بماطر

ولا كل زند بالأكف بقادح

ولا كل طير في الغصون بساجع

ولا كل زهر في الرياض بنافح

ولا كل من يبدي الولاء بصادق

ولا كل خلٍ للوداد بصالح

فكم ضاحك بالوجه والصدر منطوٍ

على وجه قلب بالعداوة كالح

فان تبد هجراً فأجن وصلاً وكن إذاً

كمثل إناء بالذي فيه ناضح

اقول : اختصرنا الترجمة عن ( شعراء بغداد ) للخاقاني ج ٢ ص ٣٧٧.

وهناك مَن يعده من شعراء كربلاء ولقّبه بالحائري ، ومدفنه كان بكربلاء ، وقد توفي ولا عقب له.

٢٨٢

السيد عباس المكي

المتوفى حدود سنة ١١٨٠

هو من أعلام القرن الثاني عشر قدم إلى كربلاء في عام ١١٣١ هـ وكان نادرة عصره وألمعي دهره ممن صاغ النظم والنثر أحسن صياغة ويعرف بالرحالة عباس بن علي بن حيدر بن نور الدين المكي الموسوي الحسيني صاحب التصانيف القيمة ومنها ( نزهة الجليس ومنية الأدب الأنيس ) كان جوالاً في الآفاق في طلب العلم ، أخذ الرواية عن أستاذه أبي الفتح السيد نصر الله الحائري أثناء أدائه فريضة الحج بصحبة والده عام ١١٣٠ هـ.

وجاء في سلسلة نسبه : فهو السيد عباس ابن السيد علي بن نور الدين علي ابن علي بن نور الدين بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن محمد بن تاج الدين المعروف بأبي الحسن العاملي الموسوي بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن حمزة ابن سعد الله بن حمزة بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله ابن محمد بن طاهر بن الحسين بن موسى بن ابراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام.

ولد السيد المكي بمكة سنة ١١١٠ هـ ونشأ بها ونال حظوة في العلم والكمال ودرجة قصوى بالأدب وها هو كتابه ( نزهة الجليس ) يعطي صورة عنه.

٢٨٣

وكان يحسن عدة لغات كالتركية والفارسية والهندية وهي التي أجادها بحكم أسفاره ، ولم يكن يقتصر في نظمه على اللغة العربية بل كان ينظم باللغة الدارجة ، فقد روى السيد الامين في الاعيان وقبله الشرواني في الحديقة بيتاً على طريقة ( المواليا ) العراقي :

دموع عيني بما تخفي الجوانح وشن

وعلي غار الهوى من كل جانب وشن

وأنت يا من شحذ أسياف لحظه وسن

تروم قتلي بها بالله بيّن إلي

من جوّز القتل في شرع المحبة وسن

ترجم له السيد الامين في الاعيان وذكر جملة من أشعاره وقال : توفي في جبشيت من جبل عامل في حدود سنة ١١٧٩ وقد قارب السبعين ، وكان جده نور الدين هاجر إلى مكة فولد أبوه فيها وولد هو فيها أيضا. ذكره صاحب حديقة الأفراح فقال : فصيح ألبسه الله حلّة الكمال وبليغ نسج القريض على أبدع منوال.

وقال السيد عباس المكي في كتابه ( نزهة الجليس ) يصف رحلته :

فلما أسفر الصباح عن وجه الهنا والانشراح رابع ربيع الأول عام ألف ومائة وواحد وثلاثين من هجرة النبي المرسل ، توكلنا على الرب العلي ورحلنا من مشهد علي ، قاصدين زيارة الشهيد المبتلى المدفون بكربلا ، الحسين بن علي ومن معه من الشهداء الصابرين رضوان الله عليهم أجمعين ، ففي خامس الشهر المذكور أتينا على الموضع الذي يسمى بالخان الأخير ، ومررنا في طريقنا بقبر النبي ذي الكفل عليه‌السلام فزرنا وبلغنا المرام ، وفي سادس الشهر دخلنا أرض الحائر مشهد الحسين الطاهر سلام الله عليه وعلى أخيه وعلى جده وأبيه وأمه وبنيه وسائر مواليه ومحبيه.

لله أيام مضت بكربلا

محروسة من كل كرب وبلا

بمشهد الطهر الحسين ذي العلا

ونسل خير الخلق في كل الملا

فحفّني بجوده تفضّلا

ونلتُ ما كنتُ له مؤملا

٢٨٤

من زاره بالصدق فيه والولا

يعود محبوراً بلا شك ولا

فاسمع لما قد قال ذو الفعل الحسن

محمد الحر الأصيل ابن الحسن

قد أرخ المولد في رجيزه

مفيدة جليلة وجيزه

فقال في ذكر الحسين بن علي

نظماً بديع القول كالصبح الجلي

وكيف لا وهو الامام الرحله

نجل ثقات قادة أجلّه

خادم شرع المصطفى والمذهب

الطيب من الطيب بن الطيب

من ذكره في العرب سار والعجم

والشام والروم إلى أقصى إرم

بالفضل والتقوى مع العفاف

والبر والاحسان والالطاف

عليه من رب العباد الرحمه

تعمّه ولجميع الأمه

فاسمع فهذا قوله المفيد

قد قال وهو الفاضل المجيد

واسمع وقيت صولة الحوادث

نظمي تاريخ الإمام الثالث

روحي الفداء للحسين بن علي

ذي المجد والسؤدد والقدر العلي

مولده في عام أربعٍ مضت

في شهر شعبان لخمس انقضت

يوم الخميس سيدي قد ولدا

قيل بل السابع كان المولدا

وقيل في عام ثلاث فاعقل

آخر يوم من ربيع الأول

يكنى بعبد الله وهو السبط

لم يك مثله كريم قط

نسبه من أشرف الأنساب

حَسَبُه من أكرم الاحساب

نصّ عليه بالامامة النبي

فياله من فضل مجد عجب

وبعده أبوه وأخوه

ونال ذاك بعده بنوه

خير الورى في العلم والزهاده

والفضل والحلم وفي العبادة

كرمه وجوده قد بلغا

ما لم يحط به مقام البلغا

ولذّة الكرام في الاطعام

ولذّة اللئام في الطعام

فاق الورى في الجود والسماحة

والمجد والكمال والفصاحه

٢٨٥

أولاده ست وقيل عشر

وقيل تسع فانقدوه وادروا

منهم علي بن الحسين الأكبر

ثم علي بن الحسين الأصغر

فالأول ابن بنت كسرى الملك

ولم يكن في دينه بالمشرك

والثاني من ليلى الفتاة فاعرف

بنت أبي مرّة أعني الثقفي

وجعفر والأمُ من قضاعه

كانت على ما نقل الجماعه

سكينة أخت لعبد الله

فاحفظ وفكر لا تكن كاللاهي

من الرباب الحرة الأبيّة

بنت امرئ القيس الفتى الكلبية

وفاطم وأمها في القوم

بنتٌ لطلحة الشهير التيمي

قيل ومن اخوتهم محمد

علي الاوسط وهو الاسعد

وذاك زين العابدين الاشهر

وزينب بنت الحسين تذكر

وقتله بكربلاء اشتهرا

مضى شهيداً وبها قد قبرا

أمر يزيد وعبيد الله

ابن زياد الخبيث اللاهي

قاتله سنان وابن سعد

تعوضوا بنحسهم عن سعد

احدى وستون بها حلّ البلا

بقتله مع شهداء كربلا

في عاشر المحرم المنحوس

في يوم سبتٍ ما خلا من بؤس

أو يوم الاثنين وقيل الجمعة

حلّ البلا به بتلك البقعة

وعمره سبع وخمسون سنه

وبعدها مضى وحلّ مدفنه

عشر سنين اختص بالامامه

بعد أخيه إذ مضى أمامه

صلى عليه الله ثم سلّما

وزاده من فضله وكرّما

والنص فيه جاء بالامامه

كما أتى لمن مضى أمامه

من ربه وجده والوالد

ومن أخيه ويل كل جاحد

ومعجزاته نصوص منها

سبح الحصاة قد رووه عنها

ذلّت له الاسد وكم قد أخبرا

بما يكون فجرى ما قد جرى

٢٨٦

وفي اجابة الدعاء منه

غرائب قد نقلوها عنه

وما جري في قتله من عجب

من البراهين ففكر واعجب

وعند نبش قبره كم ظهرا

من معجز له عجيب بَهَرا

أحيا له الإله ميتاً إذ دعا

في خبرٍ صحّ وعاه مَن وعى

ورأسه إذ سار يتلو الكهفا

من فوق رمح أسفاً ولهفا

حدث شخصاً ذا شباب وصبا

فابيض شعره وصار أشيبا

أرى الورى أباه بعد موته

مخاطباً لهم عقيب فوته

وابيض شعر امرأة وشابت

فذهبت محاسن وغابت

ثم دعا فرجع الشباب من

بعد اليها فتعجّب واستبن

دعا لنخل يابس فاخضرا

واكل الأصحاب منه تمرا

وكم وكم من معجز رووه

والحاضرون كلهم رأوه

فتشرفت والحمد لله بالزيارة ولاح لي من جنابه الشريف اشارة فاني قصدته لحال ، وما كل ما يعلم يقال وقرت عيني بزيارة الشهيد علي الأصغر بن مولانا الحسين الشهيد الأكبر وزيارة سيدي الشهيد العباس بن علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وأما ضريح سيدي الحسين فبه جملة قناديل من الورق المرصع والعين ما يبهت العين ومن أنواع الجواهر الثمينة ما يساوي خراج مدينة ، وأغلب ذلك من ملوك العجم وعلى رأسه الشريف قنديل من الذهب الاحمر يبلغ وزنه منين بل أكثر وقد عقدت عليه قبة رفيعة السماك متصلة بالأفلاك وبناؤها عجيب ، صنعة حكيم لبيب.

وقد أقمت شهرين بمشهد مولاي الحسين بلدة من كل المكاره جنة كأنها من رياض الجنة ، نخيلها باسقات وماؤها عذب زلال من شط الفرات وأقمارها مبدرة ، وأنوارها مسفرة ووجوه قطانها ضاحكة مستبشرة وقصورها كغرف من الجنان مصنوعة فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة وفواكهها

٢٨٧

مختلفة الألوان وأطيارها تسبّح الرحمن على الأغصان وبساتينها مشرقة بأنوار الورود والزهور وعرف ترابها كالمسك ولونه كالكافور وأهلها كرام أمائل ليس لهم في عصره مماثل لم تلق فيهم غير عزيز جليل ورئيس صاحب خلق وخلق جميل وعالم فاضل وماجد عادل يحبون الغريب ويصلونه من برّهم ، وبرهم بأوفر نصيب ولا تلتفت إلى قول ابن اياس في نشق الازهار بأنهم من البخلاء الأشرار فلله خرق العادة فانهم فوق ما أصف وزيادة :

هينون لينون أيسار ذوو كرم

سواس مكرمة أبناء أيسار

ان يسئلوا الحق يعطوه وان خبروا

في الجهد ادرك منهم طيب أخبار

لا ينطقون عن الفحشاء ان نطقوا

ولا يمارون ان ماروا باكثار

فيهم ومنهم يعد المجد متّلداً

ولا يعدّثنا خزي ولا عار

من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم

مثل النجوم التي يسري بها الساري

واجتمعت بالرئيس المعظم والعظيم المفخم ذي الشرف الباذج والفخر الوضاح مولانا السيد حسين الكليدار ـ يعني صاحب المفتاح ـ وبأخيه الشهم النجيب الكريم النبيل العظيم مولانا السيد مرتضى حماه الله تعالى من حوادث القضا ووبالعالم العلامة الحبر التحرير الفهامة ذي الوصف الجميل والذكر الحسن مولانا الفاضل الملا أبو الحسن فجمع بيني وبين الأمير المظفر الشجاع الغضنفر البحر الغطمطم الأسد الغشمشم بحر الاحسان ومعدن الكرم الأمير حسين اوغلي بيك ايشك اغاسي باشي حرم سلطان العجم وكان قد استأذن من السلطان في ذلك العام ان يسير إلى العراق لزيارة الأئمة أعلام الهدى ومصابيح الظلام وهذا الأمير من أكابر أمراء اصفهان وهذا الخطاب هو خطاب الرئيس الحجاب على أبواب حريم السلطان فأشار علي ذلك الأمير المنصور المعان بالمسير صحبته إلى دار السلطنة اصفهان لكي يجمعني بالشاه حسين السلطان امنه الله من طوارق الحدثان :

إذا أذن الله في حاجة

أتاك النجاح على رسله

وقرّب ما كان مستبعداً

ورد الغريب إلى أهله

٢٨٨

فأعزني وأكرمني غاية الكرامة ومشيت صحبته إلى ديار العجم بالسلامة أحسن الله مبدأه وختامه ونلت كل خير من دولة هذا الأمير الرئيس ورزقت بصيته صيتاً بذلك المكان وقدراً عزيزاً نفيس وملأت صندوقي من عطاياه الجسيمة والكيس ، لكني لم أقم لتلك النعمة باداء بعض الشكر فلهذا خلعت من ملك النعيم واعتضت عن حلاوة الاقبال ، مرار تقلّب الاحوال بالبؤس والضر :

رزقتُ ملكا فلم أحسن سياسته

وكل مَن لا يسوس الملك يخلعه

ومَن غدا لابساً ثوب النعيم بلا

شكر عليه فعنه الله ينزعه

٢٨٩

السيد محمد بن أمير الحاج

المتوفى ١١٨٠

قال يرثي أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين (ع) من قصيدة :

بذلتَ أيا عباس نفساً نفيسة

لنصر حسين عزّ بالجدّ عن مثلِ

أبيت التتذاذ الماء قبل التذاذه

وحسن فعال المرء فرع عن الأصل

فأنت أخو السبطين في يوم مفخر

وفي يوم بذل الماء أنت أبو الفضل (١)

__________________

١ ـ عن ديوانه ( نفثات المصدور في تذكرة شموس الدين والبدور ) يحتوي على ٣٨ قصيدة كل قصيدة عبر عنها بنفثة ، والقصيدة الـ ٣٤ هي في سيدنا أبي الفضل العباس التي منها هذه الابيات والتي أولها :

بروحي فتى واسا الحسين بروحه

وجيش ابن سعد حل بالوعد والقتل

٢٩٠

السيد محمد بن الحسين بن محمد بن محسن بن عبد المطلب بن علي بن فاخر ابن أسعد بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن أحمد أمير الحاج الحسيني النجفي

توفي سنة ألف ومائة ونيف وثمانين في النجف الاشرف ودفن بها. كان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً تلمذ على السيد نصر الله الحائري ومدحه وله ( الآيات الباهرات في مدائح النبي والأئمة عليه وعليهم الصلوات ) شعر جعل فيه لكل معصوم تسع منظومات ذكر في كل واحدة منها آية بالشعر او الرجز أو الموشح أو المقامة.

فمن شعره قوله من قصيدة :

شريت دنياي من جهلي بضرتها

بيع الجهالة فيه يغبن الرجل

انتهى

أقول وهو شارح ميمية أبي فراس الحمداني والشرح مطبوع في ايران اسمه ( شرح شافية أبي فراس في مناقب آل الرسول ومثالب بني العباس ).

وفي كتاب ( شعراء من كربلاء ) تأليف الأخ البحاثة سلمان هادي الطعمة ان السيد محمد بن أمير الحاج وفاته عام ١١٨٠ هـ ١٧٦٦ م ووصفه بالأديب الجليل الشاعر الماهر قال : ومن آثاره ( الآيات الباهرات ) و ( تاريخ نور الباري ) وقد ذكره الشيخ محمد السماوي في أرجوزته المسماة بـ ( مجالي اللطف بأرض الطف ) فقال :

وكالهمام ابن أمير الحاج

محمد بدر الهدى الوهاج

تلميذه الثاني الذي قد أمّه

وصنف المصنفات الجمّة

له بسبط المصطفى زواهر

فهو به قد أرخوه ( ظافر )

٢٩١

وذكر العلامة الشيخ اغا بزرك الطهراني في ( الذريعة ) بخصوص ديوانه : ديوان ابن أمير الحاج هو السيد محمد بن الحسين الحسيني ، من ذرية الحسين الأصغر كما سرد نسبه في الآيات الباهرات ، وله تاريخ نور الباري الذي فرغ من نظمه سنة ١١٧٧ وقد أهدى الآيات الباهرات إلى استاذه السيد نصر الله المدرس الحائري واشار فيه إلى ديوانه العربي هذا بقوله :

لو كان للشعر سلطان لكان به

ديوان شعري سلطان الدواوين

قال : وقد عثرنا له على قصيدة قالها مؤرخاً عام الشروع بتذهيب القبة العلوية المنورة :

الله أكبر لاح قرص الـ

ـشمس في أرض الغري

أم قبة الفلك الذي

فيها أضاء المشتري

أم طور سيناء الكليم

ـكليم به كبدر نيّر

بل قبة النبأ العظيم

وصهر طه الأطهر

قد ريم في تذهيبها

زياً وحسن المنظر

هي قطب دائرة الوجود

وشمس كل الأدهر

فلذا دعا تاريخها

الشمس قبة حيدر ١١٥٥

وذكر صاحب الذريعة ان نسخة من ديوانه في مكتبة الشيخ محمد السماوي قال في الذريعة ج ٣ ص ٢٩٢ : والنسخة التي رأيتها في مكتبة الشيخ محمد السماوي والظاهر أنها بخط الناظم.

وقال الشيخ الطهراني في ( الذريعة ) وللسيد أبي جعفر محمد بن أمير الحاج الحسين أرجوزة في تاريخ المعصومين الأربعة عشر عليهم‌السلام.

أقول ورأيت في ديوانه المخطوط بمكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف ـ قسم المخطوطات رقم ٧٤٥ ان بعض قصائده في أهل البيت عليهم‌السلام

٢٩٢

سماها بـ ( نور الباري ) وقال :

سميت ما قد برقت أشعاري

بلمعة تاريخ نور الباري

وله روائع في وصف الحرم الحسيني بكربلاء ومقتطفات يصف بها الزجاجيات والهدايا والتحف وقد علق ببالي قوله :

ترب الطفوف لقد حوى

شرفاً على كل التراب

إذ حل فيه سيدٌ

يدعى أبوه أبو تراب

ومن البديع قوله في قبّة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام :

شبّهت قبة حيدر

إذ ذهّبت ومنارتين

بالنجم ، بل بالبدر ،

بل بالشمس ، بل بالفرقدين

٢٩٣

الشيخ حسن الدمستاني

المتوفى ١١٨١

مَن يلهه المرديان الملل والأملُ

لم يدر ما المنجيان العلم والعملُ

من لي بصيقل ألباب قد التصقت

بها الرذائل والتاطت بها العلل

قد خالطت عقلهم أحكام وهمهم

وخلط حكمهما في خاطر خطل

خذ رشد نفسك من مرأة عقلك لا

بالوهم من قبل ان يغتالك الاجل

مطى الانام هي الايام تحملهم

الى الحمام وان حلّوا او ارتحلوا

لم يولد المرء إلا فوق غاربها

يحدو به للمنايا سائق عجل

يا منفق العمر في عصيان خالقه

أفق فإنك من خمر الهوى ثمل

تعصيه لا أن انت في عصيانه وجلٌ

من العقاب ولا من مَنّه خجل

أنفاس نفسك أثمان الجنان فهل

تشرى بها لهباً في الحشر يشتعل

تشحّ بالمال حرصاً وهو منتقل

وأنت عنه برغم عنك منتقل

ما عذر من بلغ العشرين ان هجعت

عيناه او عاقه عن طاعة كسل

ان كنت منتهجاً منهاج رب حجىً

فقم بجنح دجىً لله تنتفل

ألا ترى أولياء الله كيف قلت

طيب الكرى في الدياجي منهم المقل

يدعون ربهم في فك عنقهم

من رقّ ذنبهم والدمع ينهمل

نحف الجسوم فلا يدرى اذا ركعوا

قسى نبل هم أم ركّع نبل

خمص البطون طوى ذبل الشفاه ظمى

عمش العيون بكا ما عبّها كحل

٢٩٤

يقال مرضى وما بالقوم من مرض

أو خولطوا خبلا حاشاهم الخبل

تعادل الخوف فيهم والرجاء فلم

يفرط بهم طمع يوماً ولا وجل

ان ينطقوا ذكروا أو يسكتوا فكروا

أو يغضبوا غفروا او يقطعوا وصلوا

او يُظلموا صفحوا او يوزنوا رجحوا

او يسألوا سمحوا او يحكموا عدلوا

ولا يلمّ بهم من ذنبهم لممٌ

ولا يميل بهم عن وردهم ميَل

ولا يسيل لهم دمع على بشر

إلا على معشر في كربلا قتلوا

ركب برغم العلى فوق الثرى نزلوا

وقد أعدّ لهم في الجنة النزل

تنسي المواقف أهليها مواقفهم

بصبرهم في البرايا يضرب المثل

ذاقوا الحتوف باكناف الطفوف على

رغم الانوف ولم تبرد لهم غلل

افدى الحسين صريعاً لا صريخ له

إلا صرير نصول فيه تنتصل

اليس ذا ابن علي والبتول ومن

بجدّه ختمَت في الامة الرسل (١)

__________________

١ ـ عن ديوانه المسمى بـ ( نيل الاماني أو ديوان الدمستاني ).

٢٩٥

الشيخ حسن بن محمد بن علي بن خلف بن ابراهيم بن ضيف الله بن حسن ابن صدقة البحراني الدمستاني.

توفي في بلدة القطيف يوم الاربعاء ٢٣ ربيع الاول سنة ١١٨١ والمدفون في المقبرة الغربية من مقبرتي الحباكة جنوب مسجد العابدات. كان عالماً فاضلاً فقيهاً محدثاً رجالياً محققاً مدققاً ماهراً في علمي الحديث والرجال. قال صاحب أنوار البدرين : كان مع ما هو عليه من العلم والفضل يعمل بيده ويشتغل لمعيشته وعياله. له مؤلفات جليلة ذكرها صاحب أعيان الشيعة منها : منظومة في نفي الجبر والتفويض ، ارجوزة في اثبات الامامة والوصية ، ارجوزة في التوحيد. أما شعره فهو كثير بعدد حروف الهجاء ، ومن أشهرها ملحمة الطف ، وقد جاء في ديوانه المطبوع في النجف الاشرف والمسمى بـ ( نيل الاماني ) أربع وأربعون قصيدة.

جمع شعره ابنه الشيخ احمد في مجلد مشتمل على ١٠٩ صفحات ، كتبه بخطه وانتهى من تدوينة في اواخر ذي الحجة عام (١١٩٠ ) هـ كذا ذكر الشيخ الطهراني في ( الذريعة ).

أقول وقبل ثلاثين سنة من هذا التاريخ استعرتُ ديوان الشيخ دمستاني ودوّنت منه ٢٢ قصيدة فهي اليوم في احد أجزاء ( سوانح الافكار في منتخب الاشعار ) بخطي ، وسبق وان نشرت مختصر مقتل الحسين واسميته

__________________

١ ـ الدمستاني نسبة الى دمستان بكسر الدال المهملة وفتح الميم وسكون السين المهملة بعدها مثناة فوقية والف ونون : قرية من قرى البحرين أصله منها ثم جاء الى القطيف وتوفي فيها.

٢٩٦

( عبرة المؤمنين ) طبع بمطبعة النعمان بالنجف الاشرف وذكرت فيه ملحمة الشيخ الدمستاني ، وهي مشهورة لدى خطباء المنبر الحسيني وكثيراً ما تكون موضع الشاهد في مواقفهم الخطابية.

ومن شعره في رثاء الحسين (ع) :

اتغتر من أهل الثناء بتمجيد

وانك من عقد العلى عاطل الجيد

فقم لاقتحام الهول في طلب العلى

بسمر القنا والبيض والقطع للبيد

ألم تر أن السبط جاهد صابرا

بانصاره الصيد الكرام المذاويد

فثابوا الى نيل الثواب وقصدوا

صدور العوالي في صدور الصناديد

وجادوا بأسنى ما يجود به الورى

وليس وراء الجود بالنفس من جود

فأوردهم مولاهم مورد الرضا

هنيئاً لهم فازوا بأعظم مورود

وظلّ وحيداً واحد العصر ماله

نصير سوى ماض وأسمر أملود

على سابق لم يحضر الحرب مدبرا

وما زال فيها طارداً غير مطرود

يميناً بيمناه التي لم يزل بها

شواظ حتوف او منابع للجود

لقد شاد في شأن الشجاعة رفعة

وشاد علاً أركانها أيّ تشييد

أيا علة الايجاد أنتم وسيلتي

إلى الله في إنجاح سؤلي ومقصودي

عرفت هداكم بالدليل أفاضة

من المبدع الفياض من غير تقليد

فأخرجت من قاموس تيار فضلكم

جواهر أخبار صحاح الاسانيد

وأرسيت آمالي بجودي جودكم

فانجح بها حيث استقرت على الجودي

فها حسنٌ ضيف لكم يسأل القرى

وما الضيف عن باب الكرام بمصدود

فمنّوا بإدخالي غداً في جواركم

وأصلي وفرعي والديّ ومولودي

٢٩٧

الشيخ أحمد النحوي

المتوفى ١١٨٣

لو كنت حين سلبت طيب رقادي

عوّضت غير مدامع وسهادِ

أو كنت حين أردت لي هذا الضنا

أبقيت لي جسداً مع الأجسادِ

أعلمت يا بين الأحبة أنهم

قبل التفرق أعنفوا بفؤادي

أم ما علمت بأنني من بعدهم

جسد يشف ضناً عن العواد

يا صاحبي وأنا المكتّم لوعتي

فتظن زادك في الصبابة زادي

قف ناشداً عني الطلول متى حدا

بظعائن الأحباب عنها الحادي

أو لا فدعني والبكاء ولا تسل

ما للدموع تسيل سيل الوادي

دعني أروي بالدموع عراصهم

لو كان يروي الدمع غلة صادي

من ناشد لي في الركائب وقفة

تقضي مرادي من أهيل ودادي

هي لفتة لذوي الظعون وإن نأوا

يحيا بنفحتها قتيل بعادِ

هيهات خاب السعي ممن يرتجي

في موقف التوديع مثل مرادي

رحلوا فلا طيف الخيال مواصل

جفني ولا جفتِ الهموم وسادي

أنّى يزور الطيف أجفاني وقد

سدت سيول الدمع طرق رقادي

بانوا فعاودني الغرام وعادني

طول السقام وملّني عوّادي

٢٩٨

ويلاه ما للدهر فوّق سهمه

نحوي وهزّ عليّ كل حدادِ

أترى درى أن كنت من أضداده

حتى استثار فكان من أضدادي

صبراً على مضض الزمان فإنما

شيم الزمان قطيعة الأمجاد

نصبت حبائله لآل محمد

فاغتالهم صرعى بكل بلاد

وأباد كل سميدع منها ولا

مثل الحسين أخي الفخار البادي

العالم العلم التقي الزاهد الـ

ـورع النقي الراكع السجّادِ

خوّاض ملحمة وليث كريهة

وسحاب مكرمة وغيث إيادي

لم أنسَ وهو يخوض أمواج الردى

ما بين بيض ظبى وسمر صعاد

يلقى العدى عطلا ببيض صوارم

هي حلية الاطواق للاجياد

بيض صقال غير أن حدودها

أبداً الى حمر الدماء صوادي

ويهزّ أسمرَ في اضطراب كعوبه

خفقان كل فؤاد أرعن عادي

فترى جسوم الدارعين حواسراً

والحاسرين لديه كالزرّاد

حتى شفى غلل الصوارم والقنا

منهم وأرقدهم بغير رقاد

فدنا له القدَر المتاح وحان ما

خط القضاء لعاكف او بادي

غشيته من حزب ابن حرب عصبة

ملتفة الأجناد بالأجناد

جيش يغص له الفضا بعديده

ويضيق محصيه عن التعداد

بأبي أبيّ الضيم لا يعطي العدى

حذر المنية منه فضل قياد

بأبي فريداً أسلمته يد الردى

في دار غربته لجمع أعادي

حتى ثوى ثبت الجنان على الثرى

من فوق مفتول الذراع جواد

لم أدرِ حتى خرّ عنه بأنها

تهوى الشواهق من متون جياد

الله أكبر يا لها من نكبة

ذرّت على الأفاق شبه رماد

رزءٌ يقلّ لوقعه حطم الكلى

والعط للأكباد لا الأبراد

يا للرجال لسهم ذي حنق به

أودى وسيف قطيعة وعناد

٢٩٩

فلقد أصاب الدين قبل فؤاده

ورمى الهدى من قبل ذاك الهادي

يا رأس مفترس الضياغم في الوغى

كيف انثنيت قريسة الأوغاد

يا مخمداً لهب العدى كيف انتحت

نوب الخطوب إليك بالإخماد

حاشاك يا غيظ الحواسد أن ترى

في النائبات شماتة الحساد

ما خلت قبلك أن عاريّ الظبا

يأوي الثرى بدلاً من الأغماد

أو تحجب الأقمار تحت صفائح الـ

ـلحاد شرّ عصائب الإلحاد

ما إن بقيت من الهوان على الثرى

ملقى ثلاثاً في ربى ووهاد

لكن لكي تقضي عليك صلاتها

زمر الملائك فوق سبع شداد

لهفي لرأسك وهو يرفع مشرقاً

كالبدر فوق الذابل المياد

يتلو الكتاب وما سمعت بواعظ

تخِذ القنا بدلاً عن الأعواد

لهفي على الصدر المعظم يشتكي

من بعد رشّ النبل رضّ جياد

يا ضيف بيت الجود أقفر ربعه

فاشدد رحالك واحتفظ بالزاد

والهفتاه على خزانة علمك السـ

ـجّاد وهو يقاد في الأصفاد

بادي الضنا يشكو على عاري المطى

عضّ القيود ونهسة الأقتاد

فمنِ المعزّي للرسول بعصبة

نادى بشملهم الزمان بداد

ومَن المعزي للوصيّ بفادح

أوهى القلوب وفتّ في الأعضاد

إن الحسين رميّة تنتاشه

أيدي الضغون بأسهم الأحقاد

وكرائم السادات سبي للعدى

تعدو عليها للزمان عوادي

حسرى تقاذفها السهول الى الربى

ما بين إغوار إلى إنجاد

هذي تصيح أبي وتهتف ذي أخي

وتعجّ تلك بأكرم الأجداد

أعلمت يا جداه سبطك قد غدا

للخيل مركضة بيوم طراد

أعلمت يا جداه أن أمية

عدّت مصابك أشرف الاعياد

وتعجّ تندب ندبها بمدامع

منهلّة الأجفان شبه غوادي

٣٠٠