أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٣

وسقى الجرعاء من بطحآئها

صوب دمعي وسحاب يتهاما

سلبوا جفني رقادي بعدما

ألبسوا جسمي نحولا وسقاما

أطلقوا دمعي ولكن قيدوا

قلبي المضنى ولوعاً وغراما

يا وميض البرق بالله فسل

من ظبآء الحي ان جزت الخياما

احلال عندهم سفك دمي

أي شرع حلّلوا فيه حراما

أن يكن قتلي لهم فيه رضىً

ما عليهم قَودٌ فيه إذا ما

انّ للعرب عهوداً ووفى

ما لهذا العرب لم يرعوا الذماما

يا لقومي من لصّبٍ مدنفٍ

قلبه اضحى كئيباً مستهاما

من ضبى أجفان أجفان الظبى

كلّ جفن ارهفوا فيه حساما

ودمىً لو لم تكن الحاظها

ريشها الهدب لما كنّ سهاما

يا أهيل الودّ هل من زورةٍ

بعد ذا البعد ولو كانت مناما

ليت شعري أنها وحدي في الهوى

ذو عنىّ أم أن للصبّ هياما

لا رعى الله عذولي في الهوى

فلكم أودى باحشآئى ضراما

أو لا يعلم من أنّي لم

استمع يوماً من اللاحي ملاما

ما على الأعمى بذا من حرج

إنما فيه على مَن بتعاما

دع ملامي في الهوى يا لائمي

وذر العذل فذا العذل إلى ما

لم يمط عني أعبآء الهوى

غير مدحي خير من يولي المراما

أحمد الرسل الميامين ومن

ختم الله به الرسل الكراما

سيّد الكونين والهادي الذي

ضلّ من قد حاد عنه وتَحامى

خير خلق الله من اضحت لضىً

للورى إذ جآء برداً وسلاما

خصّ بالبعث الينا رحمةً

وهدىً عمّ به الله الاناما

وبشيراً ونذيراً للورى

وصراطاً مستقيماً وإماما

علّة الكون فلولاه لما

خلق الله ضيآء وظلاما

٢٦١

لا ولا آدم في الدنيا ولا

( يافثاً ) فيها ولا حشاما وساما

واصطفاه الله من بين الورى

خاتم الرسل وأعلاه مقاما

وبه اسرى بليل فدنى

قاب قوسين واقرأه السلاما

كم له من معجزاتٍ ظهرت

جلّ منها الدين قدراً واحتراما

وبراهين هدىً أنوارها

قد محت من مشرق الحق القتاما

من اولو العزم به قد شُرفوا

وحباه الله بالرسل اختتاما

فاقهم فضلاً فلو قيسوا به

جلّ قدراً في المعالي وتسامى

هو منهم وهموا منه غدوا

كنجوم قارنت بدراً تماما

أو كبحر والنبيون به

قطرات أو كدرٍّ فيه عاما

فاز في عقباه من لاذ به

ونجا فيها ولم يلق أثاما

ونجى مستمسك عاذ به

من سطى الدهر ولو لاقى الحماما

ويقيني من يكن معتصماً

برسول الله صدقاً لن يضاما

كيف في الدارين نخشى وهو

العروة الوثقى لدينا لا انفصاما

يا رسول الله ياذا الفضل يا

خير من لاذ به الجاني أثاما

وأمط عن مهجتي حرّ الظما

يوم آتيك غداً اشكو الاواما

يا رسول الله سمعاً مدحتي

فبها منك غداً ارجو المراما

فاجزني بمديحي كرماً

خير ما ارجوا غداً : إنّ الكراما

فعليك الله صلّى ما اغتدت

عيس وفادك في البيد ترامى

ونحا علياك ركب يممّوا

لثم اعتابك ضمّاً واستلاما

وقال عند خروجه من اصفهان متوجهاً الى النجف سنة ١١٢٠ ، مادحاً أمير المؤمنين عليه‌السلام. أخذناها عن ديوانه :

ذريني تعنينى الأمور صعابها

فان الأماني الغر عذب عذابها

٢٦٢

إذا عرضت لي من اموري لبانة

فسيان عندي بعدها واقترابها

فلا بد من يوم يرينى اجتلاؤه

وجوه الأماني قد أُميط نقابها

فلا تعذلي من أرهف العزم خائضاً

غمار المنايا حيث عبّ عبابها

ترامى به من كل هو جاء ضامر

أمونٍ كأمثال الحباب انسيابها

يؤم بهاشهم إلى غاية غدت

تشاد باكناف المعالي قبابها

وآنس من أرض الغري مسارحاً

ولاح لعيني سورها وشعابها

فثمّ أريح اليعملات من السرى

وطيّ قفار مدلهم إهابها

احط بها رحلي وألقي بها العصى

إلى أن يفادي النفس مني ذهابها

مواطن انس فالبرية قد غدت

إليها رجا الدارين تحدى ركابها

سمت شرفاً سامي السماك فكاد في

ثراها الثريا أن يكون غيابها

الا إن أرضاً حلّ في تربها أبو

تراب لكحل للعيون ترابها

أخو المصطفى من قال في حقه أنا

مدينة علم وابن عمّي بابها

إمام هدى جاء الكتاب بمدحه

وجاء به الرسل الكرام كتابها

طويل الخطى تلقاء كل كتيبة

إذا شبّ في نار الهياج التهابها

إذا لم تطر قبل الفرار نفوسهم

فبالبيض والسمر اللدان استلابها

وقال يمدحه عليه‌السلام وانشدها في شيراز أيام صباه. وهي من ديوانه :

هلا رثيت لمدنف

سئمت مضاجعه الوسائد

مثل الذي ما زال مفتقراً

إلى صلة وعائد

لله أيام الغري

وحبذا تلك المعاهد

فلكم صحبتُ بارضها

آرامها الغيد النواهد

وسحبت أذيال الصبا

مرحا وجفن الدهر راقد

والشمل منتظم لنا

بربوعها نظم الفرائد

٢٦٣

مضت على عجل بها

الأيام كالنعم الشوارد

يا دارنا بحمى الغري

سقيتِ منهلّ الرواعد

يا سعد وقيتَ النوى

وكفيت منها ما أكابد

بالله ان جزت الغريّ

فعج على خير المشاهد

واخلع بها نعليك ملتثم

الثرى لله ساجد

وقل السلام عليك يا

كهف النجاة لكل وافد

ومحط رحل المستضام

المستجير وكل وارد

يا آية الله التي

ظهرت فأعيت كل جاحد

والحجة الكبرى المناطة

بالأقارب والأباعد

لولاك ما اتضح الرشاد

ولا اهتدى فيه المعاند

كلا ونيران الضلالة

لم تكن أبداً خوامد

والدين كان بناؤه

لولاك منهدّ القواعد

حارت بك الأوهام

واختلفت بنعماك العقائد

أنت المرجى في الفوادح

والمؤمل في الشدائد

تدعو الأنام إلى الهدى

وعليهم في ذاك شاهد

خذها أبا حسن إلى

علياك أبكاراً خرائد

أرجو بها يوم المعاد

النصر ان قلّ المساعد

صلى عليك الله ما

ارتضع الثرى درّ الرواعد

٢٦٤

عبد الله الشبراوي

ذكر الشبراوي الشيخ عبد الله الشافعي المتوفى ١١٧٢ في كتابه ـ الاتحاف بحب الاشراف ـ فصلاً في مشهد رأس الحسين عليه‌السلام في مصر والكرامات التي كانت له ثم قال : ولنذكر نبذة من القصائد التي مدحتُ بها آل البيت الشريف وتوسلتُ فيها بساكن هذا المشهد المنيف ، فمما قلت فيه :

آل طه ومَن يقل آل طه

مستجيراً بجاهكم لا يردُّ

حبكم مذهبي وعقد يقيني

ليس لي مذهب سواه وعقدُ

منكم أستمد بل كل من في الكون

من فيض فضلكم يستمد

بيتكم مهبط الرسالة والوحي

ومنكم نور النبوّة يبدو

ولكم في العلا مقامٌ رفيعٌ

ما لكم فيه آل يس ندّ

يا بن بنت الرسول مَن ذا يضاهيك

افتخاراً وأنت للفخر عقد

يا حسيناً هل مثل أمك أمّ

لشريف أو مثل جدّك جدّ

رام قوم أن يلحقوك ولكن

يبنهم في العلا وبينك بُعدُ

خصك الله بالسعادة في دنياك

ثم بالشهادة بَعد

لك في الحشر يا حسين مقام

ولأعداك فيه خزيٌ وطرد

يا كريم الدارين يا مَن له الدهر

على رغم من يعاند عبد

أنت سيف على عداك ولكن

فيك حلم وما لفضلك حدّ

كل من رام حصر فضلك غرّ

فضل آل النبي ليس يُعَدّ

٢٦٥

طيبة فاقت البقاع جميعاً

حين أضحى فيها لجدّك لحدُ

ولمصر فخر على كل مصر

ولها طالعٌ بقبرك سعدُ

مشهدٌ أنث فيه مشهد مجدٍ

كم سعى نحوه جوادٌ مُجِدّ

وضريح حوى علاك ضريحٍ

كله مندل يفوح ونَدّ

مدد ما له انتهاء وسرّ

لا يضاهى ورونق لا يُحَد

رضيَ الله عنكم آل طه

ودعاء المقلّ مثلي جهد

وسلام عليكم كل وقت

ما تغنّت بكم تهامُ ونجدُ

انا في عرض تربة أنت فيها

يا حسيناً وبعدُ حاشا أُرَدّ

أنا في عرض جدك الطاهر الطهر

إذا ما الزمان بالخطب يعدو

أنا في عرض جدك المصطفى مَن

كل عام له الرحال تُشدّ

قال : وقلت فيهم ايضاً رضي الله تعالى عنهم :

آل بيت النبي ما لي سواكم

ملجأ أرتجيه للكرب في غد

لست أخشى ريب الزمان وأنتم

عمدتي في الخطوب يا آل أحمد

مَن يضاهي فخاركم آل طه

وعليكم سرادق العزّ ممتد

كل فضل لغيركم فإليكم

يا بني الطهر بالإصالة يُسند

لا عدمنا لكم موائد جود

كل يومٍ لزائريكم تُجَدّد

يا ملوكاً لهم لواء المعالي

وعليهم تاج السعادة يُعقد

أيّ بيت كبيتكم آل طه

طهّر الله ساكنيه ومجّد

روضة المجد والمفاخر أنتم

وعليكم طير المكارم غرّد

ولكم في الكتاب ذكر جميل

يهتدي منه كل قارٍ ويسعد

وعليكم أثنى الكتاب وهل بعد

ثناء الكتاب مجدُ وسؤدد

ولكم في الفخار يا آل طه

منزل شامخ رفيع مشيّد

قد قصدناك يا بن بنت رسول الله

والخير من جنابك يُقصَد

يا حسيناً ما مثل مجدك مجدٌ

لشريف ولا كجدّكَ من جد

٢٦٦

يا حسيناً بحق جدّك عطفاً

لمحبٍّ بالخير منك تعود

كل وقت يودّ يلثم قبراً

أنت فيه بمقلتيه ويشهد

سادتي انجدوا محباً أتاكم

مطلق الدمع في هواكم مقيد

وأغيثوا مقصّراً ما له غير حماكم

إن أُعضل الأمر واشتد

فعليكم قصرت حبي وحاشا

بعد حبي لكم أُقابلُ بالرد

يا إلهي ما لي سوى حب آل

البيت آل النبي طه الممجد

أنا عبد مقصّرٌ لست أرجو

عملاً غير حبّ آل محمد

وقال :

يا آل طه من أتى حبكم

مؤملاً إحسانكم لا يضام

لذنابكم يا آل طه وهل

يُضام من لاذ بقوم كرام

تزدحم الناس بأعتابكم

والمنهل العذب كثير الزحام

من جاءكم مستمطراً فضلكم

فاز من الجود بأقصى مرام

يا سادتي يا بضعة المصطفى

يا من له في الفضل أعلا مقام

أنتم ملاذي وعياذي ولي

قلب بكم يا سادتي مستهام

وحقكم إني محبّ لكم

محبة لا يعتريها انصرام

وقفت في أعتابكم هائماً

وما على من هام فيكم ملام

يا سبط طه يا حسين على

ضريحك المأنوس مني السلام

مشهدك السامي غدا كعبة

لناطواف حوله واستلام

بيت جديد حلّ فيه الهدى

فصار كالبيت العتيق الحرام

تفديك نفسي يا ضريحاً حوى

حسيناً السبط الامام الهمام

إني توسّلت بما فيك من

عزٍّ ومجد شامخ واحتشام

يا زائراً هذا المقام اغتنم

فكم لمن يسعى اليه اغتنام

ينشرح الصدر إذا زرته

وتنجلي عنك الهموم العظام

كم فيه من نور ومن رونق

كأنه روضة خير الأنام

٢٦٧

عبدالله الشبراوي

قال أحمد بن محمد بن ابراهيم الانصاري اليمني الشرواني في كتابه ( حديقة الافراح ) المطبوع بالقاهرة ما نصه :

الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي المصريّ عارف حاذق كنز الحقائق والدقائق ، نثره رائق ودرّ نظمه فائق.

وقال الزركلي في ( الأعلام ) : عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي : فقيه مصري ، له نظم. تولى مشيخة الأزهر. من كتبه ( شرح الصدر في غزوة بدر ) ، وديوان شعر سماه ( منائح الالطاف في مدائح الاشراف ) وعنوان البيان نصائح وحكم.

قال : ونبهني الأستاذ أحمد خيري الى أن الجبرتي ذكر وفاته يوم الخميس ٦ ذي الحجة سنة ١١٧١ هـ وأن مولده سنة ١٠٩١ هـ.

أقول : وفي مقدمة ديوانه المطبوع بالمطبعة المليجية بمصر سنة ١٣٢٤ عبّر عنه بـ ( شيخ الاسلام ).

ومن قوله مادحاً أهل البيت عليهم‌السلام :

إن العواذل قد كووا

قلبي بنار العذل كيّ

ومرادهم أسلو هواك

وأنت نقطة مقلتيّ

عذلوا وما عذروا وكم

وصل الأسى منهم إليّ

كم شنّعوا وتفوّهوا

وتقوّلوا كذباً عليّ

٢٦٨

وأنا وحقّك لا تؤثر

عنديَ العزال شيّ

حاشا يتكون لقولهم

يا منيتي أثرٌ لديّ

يا حاديَ الاضعانِ يطوي

البيدَ بالأحباب طيّ

مهلاً بهم حتى أمتّع

ناظري منهم شويّ

يا عاذلي فيهم لقد

أسمعت لو ناديت حيّ

قل لي بأيّة سُنّةٍ

الحبّ عار أم بأي

يا صاحبيّ ومن قضى

إني أحاور صاحبيّ

ما حلتُ عن عهدي ولو

قطع العواذل اخدعيّ

لا يا أخي ولا اقول

لعاذلي لا يا أخيّ

لا والذي جعل الهوى

في شرع أهل الغي غيّ

ما همت يوماً بالرباب

ولا بهند ولا بميّ

لكن شغفت بحب آل

البيت بيت بني قصيّ

المنتمين بذلك النسب

الشريف الى لؤيّ

قومٌ إذا ما أمّهم

ذو كربة نادوه : هي

هم عمدتي ووسيلتي

مهما لواني الدهر ليّ

يا آل طه قد حسبتُ

عليكم في حالتي

وبجاهكم آل النبي

تمسكت كلتا يديّ

أرجو بكم حسن الختام

إذا ارتهنتُ بأصغري

وقال معتزلاً :

يا مليحاً قد أبدع الله شكله

وظريفاً لم تنظر العين مثله

إن لي حاجة اليك فحقق

حسن ظني فإنها منك سهله

قبلة أجتني بها ورد خديكَ

واشفي بها الفؤاد المولّه

٢٦٩

وجُد بها كلما أراك وإلا

أكتفي منك كل شهر بقُبله

واتخذها عندي يداً وجميلاً

سيما إن سمحت من غير مهله

واغتنم يا مليح أجري فإني

صرت بين الورى بحبك مثله

قتلتني معاطف منك هيفٌ

ولحاظ سيّافة شرّ قتله

وهداني ضياء وجهك لمّا

تهتُ في غيهب الشعور المضله

فاتق الله في فتاك وقل لي

قتلُ مثلي يباح في أي مله

رفقتي في الهوى شموس وندما

ني بدورٌ وأهل ودي أهلّه

وفؤادي وإن تصبّر مغرى

مغرم يعرف الغرام محلّه

فاتخذني عبداً فإني أنا الصا

دق في الودّ واترك الناس جمله

أنا أهواك يا مليح ولكن

يعلم الله أنه لا لعلّه

أنا عفّ الضمير تأنف نفسي

في الهوى كل خصلة تغضب الله

سل ولاة الغرام عني وعن عفة

نفسي فتلك فيّ جِبلّة

لست أرضى الهوان في مذهب

الحب ولا أطلب الوصال بذلّة

مذهبي أعشق الجمال ومهما

لاح ظبيٌ أهواه أول وهله

وإذا ما أدعى العذول سلوّي

فعلى صبوتي أقيم الأدلّة (١)

قال يتشوق إلى مصر ويمدح أهل البيت « ع » :

أعد ذكر مصرَ إن قلبي مولع

بمصرَ ومَن لي أن ترى مقلتي مصرا

وكرر على سمعي أحاديث نيلها

فقد ردّت الأمواج سائلة نهرا

بلادٌ بها مدّ السماح جناحه

وأظهر فيها المجد آيته الكبرى

رويداً إذا حدثتني عن ربوعها

فتطويل أخبار الهوى لذة اخرى

__________________

١ ـ عن ديوانه المطبوع بمصر.

٢٧٠

إذا صاح شحرور على غصن بانة

تذكرت فيها اللحظ والصعدة السمرا

عسى نحوها يلوي الزمان مطيتي

وأشهد بعد الكسر من نيلها جبرا

لقد كان لي فيها معاهد لذة

تقضت وأبقت بعدها أنفساً حسرى

أحنّ الى تلك المعاهد كلما

يجدد لي مرّ النسيم بها ذكرى

اما والقدود المائسات بسفحها

وألحاظ غادات قد امتلأت سحرا

وما في رباها من قوام مهفهف

علا وغلا عن ان يباع وان يشرى

لئن عاد لي ذاك السرور بأرضها

وقرّت بمن أهواه مقلتي العبرا

لأعتنقن اللهو في عرصاتها

وأسجد في محراب لذاتها شكرا

رعى الله مرعاها وحيّا رياضها

وصب على أرجائها المزن والقطرا

منازل فيها للقلوب منازه

فلله ما أحلى ولله ما أمرا

يذكرني ريح الصبا لذة الصِبا

بروضتها الغنّا وقد تنفع الذكرى

على نيلها شوقاً أصبّ مدامعي

وأصبوا الى غدران روضتها الغرّا

كساها مديد النيل ثوباً معصفراً

وألبسها من بعده حلّة خضرا

وصافح أغصان الرياض فأصبحت

تمدّ له كفاً وتهدي له زهرا

وأودع في أجفان منتزهاتها

نسيماً اذا وافاه ذو علة تبرا

اذا حذّرتني بلدة عن تشوّقي

الى نيل مصر كان تحذيرها أغرى

وان حدثوني عن فرات ودجلة

وجدت حديث النيل أحلى اذا مرّا

سأعرض عن ذكر البلاد وأهلها

وأروى بماء النيل مهجتي الحرّا

وكم لي الى مجرى الخليج التفاتة

يسل بها دمعي على ذلك المجرى

جداول كالحيات يلتف بعضها

ولست ترى بطناً وليست ترى ظهرا

وكم قلت للقلب الولوع بذكرها

تصبّر فقال القلب لم استطع صبرا

أما والهوى العذري والعصبة التي

أقام لها العشاق في فنهم عذرا

٢٧١

لئن كنت مشغوفاً بمصر فليس لي

بها حاجة إلا لقاء بني الزهرا

أجل بين الدنيا وأشرف أهلها

وأنداهُم كفاً وأعلاهم قدرا

هم القوم ان قابلت نور وجوههم

رأيت وجوهاً تخجل الشمس والبدرا

وان سمعت اذناك حسن صنيعهم

وجئت حماهم صدّق الخبرُ الخبرا

لهم أوجهٌ نور النبوة زانها

بلطف سرى فيهم فسبحان من أسرى

هم النعمة العظمى لأمة جدهم

فيا فوز من كانوا له في غدٍ ذخرا

اذا فاخرتهم عصبة قرشية

فجدهم المختار حسبهم فخرا

ملوك على التحقيق ليس لغيرهم

سوى الاسم وانظرهم تجدهم به أحرى (١)

__________________

١ ـ عن الديوان.

٢٧٢

الحاج جواد عواد البغدادي

المتوفى ١١٧٨

خليليّ ربع الانس مني أمحلا

فلست أبالي مرّ عيشي أم حلا

وهانت على قلبي الرزايا فصار إن

دعاه البلا والخطب يوماً يقل بلى

فبالله عوجا في الحمى بمطيّكم

وان رمتما خوض الفلا فوقها فلا

فان جزتماه فاعمدا لرحالكم

وحلا وحُلا واسبلا الدمع واسئلا

من الدمن الادراس أين أنيسها

عسى عندها ردّ على ذي صدى علا

تناؤا فما للجفن بالسكب فترة

ولكنّ منه الدمع مازال مرسلا

وكم لي لفقد الإلف من ألف حسرة

وشجو إذا أظهرته ملاء الملا

ولي حَزَن يعقوبُ حاز أقلّه

وبي سقم أيوب في بعضه ابتلا

وكلّ بلآءٍ سوف يبلى ادّكاره

سوى مصرع المقتول في طف كربلا

فياويح قوم قد رأوا في محرم

ببغيهم قتل الحسين محلّلا

هم استقدموه من مدينة يثرب

بكتبهم واستمردوا حين أقبلا

وشنّوا عليه إذ أتى كلّ غارةٍ

وشبّوا ضراماً بات بالحقد مشعلا

رموه بسهم لم يراعوا انتسابه

لمن قد دنى من قاب قوسين واعتلا

فاصبح بعد التِرب والأهل شلوه

على التراب محزوز الوريد مجدّلا

٢٧٣

أبانوا له أضغان بدر فغيّبوا

شموساً ببطن الأرض أمسين أُفّلا

فما زال يردي منهم كل مارق

فيصلى جحيماً يلتقيه معجلا

فاذكرهم أفعال حيدر سالفاً

باسلافهم إذ جال فيهم وجندلا

فمذ لفظ الشهّم الجواد جواده

على الرمل في قاني النجيع مرمّلا

دعاهم دعيّ أوطئوا الخيل ظهره

ووجهاً له يبدوا اغرّ مبجّلا

وشمرّ شمرٌ ثم حزّ بسيفه

وريداً له ثغر التهاميّ قبّلا

وعلا سنان الرأس فوق سنانه

فيالك رأساً ليس ينفك ذا اعتلا

وساروا بزين العابدين مذلّلا

لديهم وقد كان الكريم المدلّلا

فاصبح من ذلّ الأسار معلّلا

وفي اسر أبناء الدعاة مغلّلا

فيا لك من رزءٍ جليل بكت له

السموات والارضون والوحش في الفلا

وشمس الضحى أضحت عليه كئيبة

وبدر الدجى والشهب أمسين ثكلا

فيا عترة المختار انّ مصابكم

جليل وفي الاحشاء ان حلّ انحلا

مصاب لقد أبكى النبي محمّداً

وفاطمةً والانزع المتبتّلا

فأجرِ الدما سفاح دمعي كجعفر

على مصرع الهادين الأمين أخي العلا

ويا وجد قلبي دمت مفتاح أدمعي

ولا زلت في تلخيص حزني مطوّلا

فلا زال ربي يا يزيد ورهطه

يزيدكم لعناً ويحشركم إلى

ويصليكم ناراً تلظّى بوقدها

عليكم لقد ساءت مقاماً ومنزلا

بما قد قتلتم سبط آل محمّدٍ

وجرّعتموه من أذى القتل حنظلا

لقد بؤتم في عارها وشنارها

وخزي مدى الأيام لن يتحولا

ففي أي عذر تلتقون نبيّكم

وقد سؤتم قرباه بالغدر والقلا

برئت إلى الله المهيمن منكُم

واخلص قلبي في بني المصطفى الولا

٢٧٤

فيا صاح قف وابك الحسين بن فاطم

ولا تبك من ذكرى حبيب ترحلا

فان قليلاً في عظيم مصابه

بكاؤك فامطر وابل الدمع مسبلا

سابكيكم ما إن بدا البرق في الدجا

وما سحّ ودقٌ في الربى وتهللا

اليك سليل المرتضى من عبيدكم

بديع نظام بالمعاني مجمّلا

قريض له يعنو جرير وطرفة

ويغدر لديه أمرؤ القيس أخطلا

وما قدر نظمي عند وصف علاكم

وقد جاء في الذكر الحكيم منزّلا

عليكم سلام الله ما انقضّ كوكب

وما انفض يوماً موكب وتزيّلا (١)

__________________

١ ـ عن الديوان المخطوط في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف برقم ٣٠ قسم المخطوطات.

٢٧٥

هو الحاج جواد بن الحاج عبد الرضا بن عواد البغدادي من معاصري السيد نصر الله الحائري ومن الشعراء المرموقين في عصره ينحدر من أسرة عربية من قبيلة شمر هبطت بغداد قبل أربعة قرون وعميد هذه الاسرة قبل قرنين في بغداد كان الحاج محمد علي عواد من الأعيان وأرباب الخير.

احتفظت اسرة الشاعر بتأريخ مجيد سجل لها المكارم والمآثر ولو لم يكن إلا هذا الشاعر لكان وحدة أمة وتأريخاً ، اتصل باكابر الشعراء وساجلهم فكان من الأقران السباقين في كافة الحلبات وقد اعتزّ به كافة أصدقائه فاعربوا عن حبهم له وتقديرهم اياه واليك ما قاله فيه صديقه السيد حسين بن مير رشيد الرضوي الحائري وقد أثبتت هذه القصيدة في ديوانه :

أشهى سلام كنسيم الصباح

قد صافح الزهر قبيل الصباح

ونشوة الراح وعصر الصبا

وغفلة الواشي ووصل الصباح

يهدى إلى حضرة مولى سما

على البرايا بالندى والسماح

من اسمه للوفد فالاً أتى

فكم لهم بالجود يسراً أتاح

أعني الجواد الندب كهف النجا

دام حليفاً للهنا والنجاح

وبعد فالبعد لعظمي برى

فماله عن فرط ظلمي براح

ومن عوادي الدهر يا ما جدي

من نوب أثخن قلبي جراح

فهل محيّا القرب منكم يَرى

والقنّ من جور الليالي يُراح

وقاكم الله صروف الردى

ما خطرت في الوشي غيد رداح

وما انتحاكم من محبٍ صبا

أشهى سلام كنسيم الصباح

٢٧٦

ذكره الشيخ محمد علي بشارة الخاقاني في كتابه ( نشوة السلافة ) فقال : أديب أحلّه الأدب صدر المجالس ونجيب طابت منه الفروع والمغارس فهو الجواد الذي لا يكبو والصارم الذي لا ينبو نشره يزري بمنثور الحدائق ونظمه يفوق العقد الرائق.

وذكره المحقق الطهراني في الكرام البررة ص ٨٧ فقال : الشاعر الأديب والكامل الأريب رأيت ديوان شعره اللطيف الصغير في خزانة كتب آل السيد عيسى العطار ببغداد وفيه قصائد ومقاطيع وتواريخ إلى سنة ١١٤٢ هـ وأدركه السيد حسين مير رشيد تلميذ السيد نصر الله الشهيد في حدود ١١٦٨ هـ ، وأورد له السيد حسين المذكور في ديوانه ( ذخائر المآل ) بعض قصائده في مدحه ومنها قوله :

اهدي لحضرتكم سلامه

بالسعد خصت والسلامه

إلى قوله مورّيا :

في ظل مولانا الجواد

المقتدى السامي مقامه

وذكره السماوي في الطليعة ص ٦٧ فقال : كان فاضلاً سرياً أديباً شاعراً وكان ذا يسر ممدّحاً تقصده الشعراء وللسيد حسين مير رشيد فيه مدايح جيدة ضمنها ديوانه وكان المترجم قوي العارضة ويعرف أحياناً باسم الحاج محمد جواد.

وذكره السيد الأمين في أعيانه ج ١٧ ص ١٥٥ فقال : كان حياً سنة ١١٢٨ هـ وهو شاعر أديب له ديوان شعر صغير جمعه في حياته رأينا منه نسخة في العراق سنة ١٣٥٢ هـ وهو معاصر للسيد نصر الله الحائري وبينهما مراسلات ، وابن عواد من بارزي شعراء عصره وممن مرّ عليه الثناء من أعلام المترجمين والشعراء وهو كما يبدو من شعره أديب له ديباجة طيبة شأن

٢٧٧

شعراء عصره الذين كافحوا في سبيل المحافظة على لغة الضاد واليك نماذج من قوله يقرظ كتاب ( نشوة السلافة ) :

قم نزّه الطرف بهذا الكتاب

فحسنه قد جاز حدّ النصاب

هذا كتاب أم رضاب حلا

أم نفث سحرٍ أم نضارٌ مذاب

أم خمرة صهباء عادية

قلّدها المزج بدر الحباب

أم روضة بكرّها عارض

فازهرت بطحاؤها والهضاب

ما شاهدت مرآة شمس الضحى

الا توارت خجلاً في الحجاب

ولا رأته عذبات النقا

إلا اغتدت من حسد في عذاب

والبدر لو عاينه لاختفى

من الحيا تحت سجوف السحاب

والغيد لو تبصره لاستحت

وأصبحت في نكدٍ واكتئاب

فاستغن عن كل كتاب به

فغيره القشر وهذا اللباب

واقطف من الروض أزاهيره

واملأ من الدر النظيم الحقاب

ورد شراب الانس من حوضه

ودع طماع العين نحو السراب

واحسوا الحميا منه صرفاً ولا

تكن كمن يمزج شهداً بصاب

فطلعة البدر باشراقها

تغني الورى عن لمعان الشهاب

والقرم إذ أنكر آياته

فاتل عليه : ان شر الدواب

فأيد الله بتوفيقه

مؤلفاً أوضح نهج الصواب

فهو الذي أشعاره تخجل الـ

ـدر بالفاظ رشاق عذاب

كنغمة العود إذا انشدت

وما سواها كطنين الذباب

مولى علا هام العلى رفعة

فهو عليّ الاسم عالي الجناب

مدحته نظماً ونثراً عسى

يمنحني فضلاً برد الجواب

٢٧٨

لا زال رحب الصدر رحب الذرا

منوّه القدر خصيب الرحاب

يحصد من مدحي له المنتقى

حسن ثناء ودعاء مجاب

هطلت بارقة في الرُبى

وزمزم الحادي لسوق الركاب

فأجابه صاحب النشوة بقوله :

يا فارس النظم ومغواره

وصاحب النثر الذي لا يعاب

أنت الجواد المرتجى نيله

وكم ملأنا من عطاك العباب

كم أمّك الراجون في سيرهم

حتى أناخوا في حماك الركاب

اثنى عليك الوفد مع أنهم

لو سكتوا أثنت عليك الحقاب

ومن غدا في العلم برهانه

والعلم الهادي لطرق الصواب

تقريظكم من ذهب صغته

بل فاق للدر وتبر مذاب

كأنما النشرة من طرزه

وللثريا شبهٌ وانتساب

أسكرتني من خمر ألفاظكم

ما لم ينله عارف من شراب

حتى عرتني نشوة نلتها

وباسمها سميت هذا الكتاب

سألتني ردّ جواب لكم

وفي الذي قلت أتاك الجواب

لو رمت أن احصي أوصافكم

في مِدَحي يوما لطال الخطاب

لا زلت يا بحر الندى وافرا

ما طلع النجم بليل وغاب (١)

وقوله متوسلاً بالنبي (ص) :

ألا يا رسول الله ان مدنف شكا

إلى الناس هماً حلّ من نوب الدهر

__________________

١ ـ عن شعراء بغداد للخاقاني.

٢٧٩

فاني امرؤ أشكو إليك نوازلا

ألمت فضاق اليوم عن وسعها صدري

وأنت المرجى يا ملاذي لدفعها

فاني لديها قد وهت بي عرى صبري

فكم مبتلى مذ حط عندي رحله

ترحلّ عنه قاطن البؤس والضر

ولما رأيت الركب شدوا رحالهم

وقد أخذت عيس المطي بهم تسري

تجاذبني شوقي إليك لو أنّه

بذا الصبح لم يشرق وبالليل لم يسر

فكن لي شفيعاً في معادي فليس لي

سواك شفيع في معادي وفي حشري

وقال يصف نارجيلة :

ان عاب قليوننا المائي ذو حمقٍ

فليس يلحقنا من ذمه عار

أنى يعاب وفي تركيبه جمعت

عناصر كم بها للحسن اسرار

نار وماء وصلصال كذاك هوى

ترتاح منهن عند الشرب سمار

تأتمّ شرابه مستأنسين به

( كأنه علم في رأسه نار )

وكتب للشاعر الحاج محمد العطار عندما أهدى اليه ( يتيمة الدهر ) للثعالبي :

اليك أخا العلياء مني يتيمة

بديعة حسن أشرقت في بزوغها

إذا بلغت يوماً حماك تحققت

يقيناً بأن لا يتم بعد بلوغها

ودخل يوما دار صديق له فلم يجده ووجد عبداً أسوداً يقلي حبّ البن على النار فلما رآه ارتجل قائلاً :

قَلَوا للبن فوق النار حباً

فمال القلب منعطفاً عليه

اليه لحبّة القلب انجذاب

( وشبه الشيء منجذب اليه )

٢٨٠