أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٣

حسن العمري الموصلي الفاروقي

حسن بن عبد الباقي بن ابي بكر الموصلي الملقب بعبد الجمال ، ولد في حدود ١١٠٠ هـ وتوفي ببغداد عام ١١٥٧ هـ ، وكان من أشهر شعراء الموصل في عصره وله ترجمة وافية في ديوانه المطبوع في الموصل سنة ١٣٨٦ هـ بمطبعة الجمهورية وتحقيق محمد صديق الجليلي كما ترجمه الأدباء الذين كتبوا عن أدباء الموصل.

قال السيد الأمين في الأعيان ج ٢١ ص ٩٢ ، هو ابن أخ عبد الباقي العمري الموصلي الشاعر المشهور ، ونظم حسن قصيدة في رثاء الحسين عليه‌السلام أولها :

قد فرشنا لوطئ تلك النياق ..

ولم يتيسر لنا الاطلاع عليها. فقال السيد حسن ابن السيد باقر ابن السيد ابراهيم ابن السيد محمد الحسني البغدادي المعروف بالسيد حسن الاصم المعروف بالعطار المتوفى ١٢٤١. مقرضاً لها بقصيدة أولها :

حبذا واخدات تلك النياق

حيث وافت بكتبكم بالعراق

إلى أن يقول :

حيث زفت إلى إمام همام

سبط خير الورى على الاطلاق

وسليل البتول بضعة طه

صاحب الحوض واللوى والبراق

اقول وفي ج ٢٥ من الأعيان ص ٢٢٣ نسب هذه القصيدة للسيد حسين البغدادي من أواسط أو أوائل المائة الثانية عشرة.

٢٤١

واليكم قصيدة للمترجم له ، كما جاء في الديوان ما نصه :

ما أنشأه الأديب حسن بن عبد الباقي بن أبي بكر الموصلي يمتدح سيدنا ومولانا أمير المؤمنين ويعسوب الدين الامام عليا ابن ابي طالب كرم الله وجهه وذلك لما قادته السعادة الازلية من غلالة التوفيق لزيارة المشهدين الشريفين في سلخ جمادى الآخرة من سنة ١١٤٣ ، وكتبها على باب الحضرة المنورة :

نعم بلغت يا صاحِ نفسي سؤالها

وليس عليها كالنفوس ولا لها

فزمزم ودع ذكر الحطيم وزمزم

فقد جعلت ذكر المقام مقالها

مقام هو الفردوس نعتاً ومشهداً

وجنة خلد قد سقيت زلالها

فيا قبة الأفلاك لست كقبة

المقام مقاماً بل ولست ظلالها

فكم هبطت للأرض منك كواكب

لتلثم حصباء بها ورمالها

وكم ودّ بدر التم حين حجبتها

رجال حفاة أن يكون نعالها

فتلك سماء بالمصابيح زينت

وان فخرت كان الهلال هلالها

وتأمن عين الشمس كسفاً ولا ترى

إذا اكتحلت ذاك التراب زوالها

فهاتيك في وجه الوجود كوجنة

وقبر ابن عمّ المصطفى كان خالها

وصيٌ وصهر وابن عمّ وناصرٌ

وحامي الورى طراً وماحي ضلالها

عليّ أمير المؤمنين ومن حوى

مقاماً محا قيل الظنون وقالها

فمن يوم اسمعيل بعد محمدٍ

إذا عدّت الاحساب كان كمالها

وضرغامها والمرتضى وأمامها

وحيدرها والمرتضى وجلالها

واكرمها والمرتجى ويمينها

وأعلمها والملتجى وشمالها

فكيف ترى مثلاً لأكرم عصبة

إذا كنت تدرى بالوصيّ اتصالها

فلا تسم الأعصاب من صلب آدم

وان سُمت لا تسوى جميعا عقالها

لها السؤدد الأعلى على كل عصبة

ولم تر بين العالمين مثالها

٢٤٢

لقد حازت السبطين بدري محمد

وبضعته الزهراء نوراً وآلها

فيا خير من أرخت أزمّة نوقها

اليه حداة زاجرات جمالها

ويا خير من حجّت اليه من الورى

بنو آمل ألقت اليه رحالها

ويا خير مأوى للنزيل وملتجى

إذا أزمة أبدى الزمان عضالها

ألا أيها الممتاز من آل هاشم

ومن كان فيهم عزّها واكتمالها

ألا يا أبا السبطين يا خير مَن رقى

لمنزلة حاشا الورى أن ينالها

أزلتَ ظلام الشرك يا آية الهدى

وأفنيتَ أصنام العدى ورجالها

وأطلعت شمس الحق والكفر قد دجى

ولولاك يا فخر الوجود أزالها

اتيناك نسعى والذنوب بضائع

وقد حملت منّا الظهور ثقالها

ولمّا تنافسنا ببذل نفائس

وانفسنا أهدت اليك ابتهالها

عفا الله عني لم أجد غير مهجة

وادرى إذا ما قد رضيت امتثالها

فو الله مهما حلّ حضرتك التي

تحج بنو الآمال نال نوالها

اغثني اغثني من هوى النفس علنّي

أرى للتقى بعد الشفاء مآلها

اجرني اجرني من ذنوب تراكمت

فما لي سوى الألطاف منك ومالها

أعني أعني من عناء وأزمة

أزلها أبا السبطين واصرم حبالها

فدهم الليالي العاديات مغيرة

وقد أوسعت أيّام عسري مجالها

وضاق فسيح الأرض حتى كأنني

حملت على ضعفي الفلا وجبالها

كأن الدواهي حرة قد تزوجت

بقلبي ولم تبذل لغيري وصالها

بذلت لها عمري صداقاً ولم تلد

سوى حرقة قد أرضعتها اشتعالها

وسوف أراها طالقاً بثلاثة

على يدهم اني اعتقدت زوالها

أبا الحسنين المرتضى وحسينه

وفاطمة هبني لمدحي عيالها

فمن مطلعي حتى الختام بمدحهم

نعم بلغت يا صاح نفسي سؤالها

٢٤٣

تقاريض للقصيدة الحسينية :

قال السيد حسين المشهدي (١) مقرضاً قصيدة الحسن بن عبد الباقي الموصلي ـ ابن اخت عبد الباقي العمري ـ التي رثى فيها الحسين عليه‌السلام وأولها : قد فرشنا لوطئ تلك النياق ـ فقال :

أمنتجع المولى الشهيد لك البشرى

فقد عظم الله الكريم لك الاجرا

لقد سرت من دار السلام ميمماً

إلى حرم زاكٍ فسبحان من أسرى

وخضت ظلام الليل شوقاً لقربه

كذاك يغوص البحر من طلب الدرا

وشنفت اسماع الورى بلآلئ

لجيد مديح السبط نظّمتها شعرا

ودبجت من نسج الخيال مطارفا

ممسكة الأذيال قد عبقت نشرا

يطرزها مدح الحسين بن أحمد

عماد الهدى عين العلى بضعة الزهرا

فجاءت بالفاظ هي الخمر رقةً

وفرط صفا لكن لها نشأة اخرى

تنوب عن الشمس المنيرة في الضحى

سناءاً وان جنّ الدجى تخلف البدرا

وقفنا على تشبيبها ورثائها

فألبابنا سكرى وأجفاننا عبرى

فيالك من نظم رقيق صغت له الـ

ـقلوب فاذكت من توقدها جمرا

ولا غرو إن بكت معاني نظامها الـ

ـعيون بالفاظ قد ابتسمت ثغرا

هي الروضة الغناءُ أينع زهرها

فلا عدمت من فيض أعشابه قطرا

فيا حسن الأخلاق والاسم من له

محاسن فاقت في السنا الانجم الزهرا

هنيئاً لك الفخر الذي قد حويته

بشعر بمدح الآل قد زاحم الشعرى

فقد شكر الرحمن سعيك فيهم

وعوضكم عن كل بيت بهم قصرا

فمدحهم للمرء خير تجارة

مدى الدهر لا يخشى بها تاجر خسرا

وكن واثقاً بالله في دفع شدة

شكوت اليهم من مقاماتها ضُرا

__________________

١ ـ ترجمة السيد الأمين في الأعيان ج ٢٧ ص ٢٧٦ ونقل هذه الترجمة البحاثة علي الخاقاني في الجزء الثاني من شعراء الحلة ص ٢٣٧.

٢٤٤

ولا تضجرن من حادث الدهر ان عرا

فسوف يعيد الله عسركم يسرا

وجد لنظامي بالقبول تفضلاً

وبالعذر ان الحرّ من عذر الحرا

وقال الحاج جواد بن الحاج عبد الرضا بن عواد البغدادي مقرضاً :

ألا يا ذوي الألباب والفهم والفطن

ويا مالكي رقّ الفصاحة واللسن

خذوا للاديب الموصلي قصيدة

بدرّ المعاني قلّدت جيد ذا الزمن

تسير بها الركبان شرقاً ومغرباً

فتبلغها مصراً وشاماً إلى عدن

غلت في مديح الآل قدراً وقيمة

فأنى لمستام يوفّي لها الثمن

تفنن في تشبيهها ورثائها

تفنن قمريّ ينوح على فنن

فاعظم بممدوح وأكرم بمادح

صفا قلبه للمدح في السر والعلن

فلو رام أن يأتي أديب بمثلها

لأخطأ في المرمى وضاق به العطن

فكيف وقد أضحى يقلد جيدها

بدر رثاء السبط ذي الهم والمحن

سليل البتول الطهر سبط محمد

ونجل الامام المرتضى وأخي الحسن

شهيد له السبع الطباق بكت دماً

ودكّت رواسي الأرض من شدّة الحزن

وشمس الضحى والشهب أمسين ثكلا

ووحش الفلا والانس والجن في شجن

على مثل ذا يستحسن النوح والبكا

وسحّ المآقي لا على دارس الدمن

فلله حبرٌ حاذق بات ناسجا

بديع برود لم تحك مثلها اليمن

حسينية أوصافها حسنية

بتقريظها غالى ذوو الفهم والفطن

فلا غرو إن أربى على البدر حسنها

فعنصرها يُعزي إلى والد حسن

جزاء آله العرش عن آل أحمد

أتمّ جزاء فهو ذو الفضل والمنن

٢٤٥

الشيخ محي الدين الطريحي

الشيخ محي الدين بن محمود الطريحي المتوفى ١١٥٨

جاد ما جاد من دموعي السجام

لمصاب الكريم نجل الكرام

قلّ صبري وزاد حزني ووجدي

فدموعي كأسي ودمعي مدامي

إنما حسرتي وهمي وحزني

ونحيبي وزفرتي واضطرامي

لسليل البتول سبط رسول الله

نور الإله خير الانام (١)

__________________

١ ـ أوردها السيد الامين وقال : هي شيخ محي الدين. اقول وقد تقدم في ترجمة الشيخ محمد علي الطريحي انها من شعره

٢٤٦

الشيخ محي الدين بن محمود بن أحمد بن طريح الطريحي المسلمي الرماحي من أبناء عم فخر الدين الطريحي صاحب مجمع البحرين ومعاصر له توفي في النجف الأشرف سنة ١١٥٨. كذا ذكر السيد الامين ، والصحيح ١١٣٠.

كان فاضلاً تقياً مصنفاً أديباً شاعراً له شعر كثير في الحسين (ع) وله ديوان شعر مجموع. وفي الطليعة : كان فاضلاً تقياً مصنفاً أديباً شاعراً ، له شعر كثير في الحسين (ع) وشعره في الطبقة الوسطى. وقال في نشوة السلافة : كان في العلم قدوة وصدرا وأجرى من ينبوعه بتحقيقه نهرا ، ان نثر فالدر نثاره أو نظم فاقت العقود أشعاره.

توفي في النجف الأشرف سنة ١١٣٠ ودفن في وادي السلام كما في ( الطليعة ) وفي كتاب ( ماضي النجف ) ساق نسبه هكذا : الشيخ محي الدين بن محمود ابن أحمد بن طريح ، وجد نسبه بهذه الصورة بخطه على ظهر الفخرية مؤرخ سنة ١١١٦ وكتب ولده الشيخ أمين الدين والد الشيخ علاء الدين تملكه للنسخة قال الشيخ الطهراني في الذريعة ـ قسم الديوان : ديوانه موجود في النجف وقد كتب هو بخطه تمام نسبه على ظهر ( الفخرية ) تأليف الشيخ الطريحي سنة ١١١٦ وترجم له في ( نجوم السماء ) ص ١٢٧.

وللسيد نصر الله الحائري قصيدة مثبتة في ديوانه المطبوع ص ١٩٥ يراسل بها الشيخ محي الدين ـ مطلعها :

عتبتم لكن بلا جرمِ

على مشوق ناحل الجسمِ

وله فيه أيضاً :

مولاي محي الدين مذ

قد غبتَ عن عياني

٢٤٧

أقلام هدبي كتبت

بحبر دمعي القاني

في طرس خدي كلما

أخفيت من أشجاني

وذكره السيد الامين بقوله :

هو أحد رجال العلم وفرسان الأدب وذكر له شعراً في المدح والوصف فمن شعره قوله يمدح والي البصرة حسين باشا ابن افراسياب السلجوقي :

هي الشمس أم نار على علم تبدو

أم البدر أم عن وجهها أسفرت هند

وذلك برق لامع أم مباسم

تبدّت لنا أم لاح في نحرها العقد

وتلك رماح الخط تلوي متونها

يد الريح أم تيهاً يميس بها القد

وذا عطرها قدفاح أم نشر عنبر

أم اهتاج من حزوى العرار أو الرند

هو الدهر لم يبلغ به السؤل ماجد

وكم نال منه فوق بغيته الوغد

سيفري أديم الأرض في خطو شيظم

هو الماء إذ يمشي أو النار إذ يعدو

إلى حلّة فيها حسين أخو الندى

أبو المجد خدن الفضل والعلم الفرد

نتيجة اقيال سرات أماجد

غيوث اذا استندوا ليوث اذا استعدوا

وجارى السحاب الجون كفيه فانثنى

مقراً بفضل لا يطاق له جحد

بمدحك عاد الشعر غضاً كأنما

غذته بمضغ الشيح عرفاء أو نهد

وله في وصف فانوس ـ المصباح ـ

كأنما الفانوس في حلّة

حمراء من نسج رفيع رقيق

والشمعة البيضاء في وسطه

ذات اعتدال مثل سهم رشيق

صعدة بلور لها حربة

من ذهب في خيمة من عقيق

أو كاعب بيضاء عريانة

قائمة في كلّة من شقيق

وقال في أمل الآمل :

الشيخ الفقيه محي الدين بن محمودبن أحمد بن طريح النجفي

عالم فاضل محقق عابد صالح أديب شاعر ، له رسائل ومراثي للحسين

٢٤٨

عليه‌السلام ، وديوان شعر. وهو من المعاصرين.

والشيخ محي الدين بن كمال الدين هو سبط شيخنا المترجم له ولهذا السبط ترجمة وافية توفي سنة ١١٤٨ ورثاه الشيخ أحمد النحوي بقصيدة وعدد عشرة علماء من آل طريح في بيت واحد وأرخ عام وفاته ، ومطلعها :

لا غرو إن فاضت عيون عيوني

وعلت بسح دم شجون شجوني

وتصاعدت حرقي ودام على المدى

قلقى وطال لما اجنّ حنيني

إلى ان قال :

أودى بعضب للنوائب قاطع

يفري من الأعداء كل وتين

أودى بترب المجد حلف المفخر

السامى مميت الجهل ( محي الدين )

العالم القدسي والحبر الذي

لم يرض من نيل العلى بالدون

محي رسوم فروض شرعة أحمد

الهادي وشاهر عضبها المسنون

الشامخ العرنين نجل الشامخ

العرنين نجل الشامخ العرنين

إلى ان قال :

من نسل آل طريح القوم الاولى

تتلى مآثرهم ليوم الدين

علماء علامون بان علاهُم

بالذات واستغنى عن التبيين

إلى ان قال مؤرخاً :

والدهر أعلن بالنداء مؤرخاً

المجد مات لموت محي الدين

٢٤٩

السيد نصر الله الحائري

المتوفى ١١٦٨

يا بقاع الطفوف طاب ثراك

وسقى الوابل الملث حماك

وحماك الإله من كل خطب

فلقد أخجل النجوم حصاك

ووجوه الملوك تحسد فرشا

تحت اقدام زائر وافاك

حيث قد صرت مرقداً لإمام

واطئ نعله لفرق السماك

الحسين الشهيد روحي فداه

نجل مخدوم سائر الافلاك

شنف عرش الإله مولى نداه

طوق جيد الاقيال والاملاك

افتك الناس يوم طعن وضرب

وهو مع ذاك أنسك النساك

ذو سماح كالبحر عمّ البرايا

وحديث كالدرّ في الاسلاك

كل ما شئت من مديح فقل فيه

وجانب مزالق الاشراك

نجل خير النساء بضعة كه

من سمت ذاتها عن الادراك

من عليه فليندب الخلق طراً

وعليه فلتبك عين البواكي

ما كفاهم قتل المطهر حتى

أوطؤا الصدر منه جُرد المذاكي

كان ضيفا لديهم فقروه

ـ لا سقاهم حياً ـ بطعن دراك

٢٥٠

السيد أبو الفتح عز الدين نصر الله بن الحسين بن علي الحائري الموسوي الفائزي (١) المدرس في الروضة الشريفة الحسينية المعروف بالمدرس وفي كلام عبد الله السويدي البغدادي انه يعرف بابن بطة وكذا في نشوة السلافة.

استشهد بقسطنطينية على التشيع سنة ١١٦٨ عن عمر يقارب الخمسين ، عالم جليل محدث أديب شاعر خطيب كان من أفاضل أهل العلم بالحديث متبحراً في الأدب والتاريخ حسن المحاضرة جيد البيان طلق اللسان ماهراً في العربية له مؤلفات مذكورة مشهورة وديوان شعر جمعه السيد حسين رشيد ، ولما ذهّب نادر شاه قبة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام سنة ١١٥٥ قال المترجم له قصيدة بهذه المناسبة ويؤرخ تذهيب القبة وقدخمّس هذه القصيدة تلميذه الشيخ أحمد النحوي وأولها :

إذا ضامك الدهر يوماً وجارا

فلذ بحمى أمنع الخلق جارا

علي العليّ وصنو النبي

وغيث الورى ثم غيث الحيارى

هزبر النزال وبحر النوال

وشمس الكمال التي لا توارى

كان شخصية لامعة في عصره ، له مجلس تدريس في الحضرة الحسينية المطهرة يحضره طائفة كبيرة من أفاضل أهل العلم العراقيين والمهاجرين ، سافر إلى إيران عدة مرات منها في عصر السلطان نادر شاه. وعندما هاجم هذا

__________________

١ ـ أقول وسلسلة نسبه هكذا : نصر الله بن الحسين بن علي بن يونس بن جميل بن علم الدين ابن طعمة بن شرف الدين بن نعمة الله بن أبي جعفر أحمد بن ضياء الدين يحيى بن أبي جعفر محمد بن شرف الدين أحمد المدفون في عين التمر ـ شفاثة ابن أبي الفائز بن محمد بن أب الحسن علي بن أبي جعفر محمد خير العمال ابن أبي فويرة علي المجدور بن أبي عاتقة أبي الطيب أحمد ابن محمد الحائري بن ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم (ع).

٢٥١

السلطان حدود العراق وحاصر بغداد حوالي ثمانية أشهر ، ولذلك حديث مشهور في تاريخ العراق مما اضطر الدولة العثمانية ان تعقد الصلح مع نادر على ان يكف عن غاراته هذه من جانب نادر ، وأما العثمانيين فعليهم ان يعترفوا بمذهب الشيعة رسمياً وان يكون لهم محراب خامس في مكة المكرمة ، وإمام للصلاة في الحرم وان يكون أمير الحاج للشيعة من قبله على الطريق البري العراقي.

ان السلطان بذل سياسة كبرى من أجل توحيد كلمة المسلمين واماتة الخصومات والعنعنات الطائفية وتوجه للنجف لزيارة الإمام امير المؤمنين عليه‌السلام وقام يتذهيب القبة العلوية والمأذنتين والايوان الشرقي ـ وهي أول قبّة كسيت بالذهب في العراق ، وكان من أعظم أهدافه ان يجمع علماء الاسلام على الوثام وهكذا كان فقد أحضر الشيخ علي أكبر الطالقاني ـ من علماء دار السلطنة ومفتيها وشيوخ الاسلام من إيران والافغان وأحضر الشيخ عبد الله الالوسي من بغداد ، فكتبوا الحكم والمحضر ووقعوه وأقاموا الجمعة جيمعاً بجامع الكوفة وكانوا في حدود خمسة آلاف وخطيبهم نصر الله الحائري وختم السلطان نادر بتوقيعه ، وكانت كتابتها بالفارسية ، وأشهد عليهم صاحب المرقد الشريف أمير المؤمنين وإمام المتقين.

كان رحمه‌الله كثير الاعتكاف في روضة سيدنا العباس بن أمير المؤمنين عليه‌السلام مشغولاً بالدراسة والتدريس ، وسافر إلى الاستانة بمهمة رسمية من قبل نادر شاه وهناك وشى مفتي صيدا عليه عند السلطان العثماني فأمر بقتله فاستشهد في ( اسطنبول ) ١١٦٨ هـ.

وكتب الشيخ محمد رضا الشبيبي في مجلة الاعتدال النجفية عنه فقال :

يُعد الاستاذ المحدث الأديب السيد نصر الله الحائري رحمه‌الله من أئمة الأدب في منتصف القرن الثاني عشر ، شدت اليه الرحال وكانت له في الحائر

٢٥٢

مدرسة مشهورة وخزانة من أنفس خزانات الكتب في عصره جلب اليها النسخ المختارة من الأقطار البعيدة فقد كان الاستاذ المشار اليه رحالة كثير الأسفار وقد زار القسطنطينية وعواصم البلاد الايرانية وسواها غير مرة. وقد روى عنه وقرأ عليه أشهر أدباء العصر الذي يلي عصره أو الطبقة التي تلي طبقته ومنهم بعض آل النحوي ومنهم على الغالب الاستاذ اللغوي الأديب السيد صادق الفحام النجفي وهذا من أشهر أدباء العصر المذكورين الذين تخرجوا على الحائري والسيد مير حسين الرضوي النجفي صاحب الديوان.

وللسيد نصر الله يتشوق إلى كربلاء المقدسة :

يا تربة شرفت بالسيد الزاكي

سقاك دمع الحيا الهامي وحياك

زرناك شوقاً ولو أن النوى فرشت

عرض الفلاة لنا جمراً لزرناك

وكيف لا ولقد فقتٍ السماء علاً

وفاق شهب الدراري الغر حصباك

وفاق ماؤك أمواه الحياة وقد

أزرى بنشر الكبا والمسك رياك

رام الهلال وان جلّت مطالعه

أن يغتدي نعل من يسعى لمغناك

وودت الكعبة الغراء لو قدرت

على المسير لكي تحظى بمرآك

أقدام من زار مثواك الشريف غدت

تفاخر الرأس منه ، طاب مثواك

ولا تخاف العمى عين قد اكتحلت

أجفانها بغبار من صحاراك

فانت جنّتنا دينا وآخرة

لو كان خلّد فيك المغرم الباكي

وليس غير الفرات العذب فيك لنا

من كوثر طاب حتى الحشر مرعاك

وسورة المنتهى في الصحف منك زهت

طوبى لصب تملّى من محياك

كم خضت بحر سراب زادني ظمأ

سفينه العيس من شوقي للقياك

كم قد ركبت اليك السفن من شغف

فقلت يا سفن بسم الله مجراك

لله أيام انس فيك قد سلفت

حيث السعادة من أدنى عطاياك

فكم سقيت بها العاني كؤوس منى

ممزوجة بالهنا سقياً لسقياك

وكم قطفنا بها زهر المسرّة

وصال قوم كرام الأصل نسّاك

٢٥٣

كأنهم أبحر جوداً ولفظهم

كأنه درر من غير أسلاك

فالآن تنهلّ سحب الدمع من كمد

مهما تبدت بروق من ثناياك

حياك ربي وحيّا سادة نزلوا

في القلب مني وان لاحوا بمغناك

ولا برحت ملاذاً للأنام ومصـ

ـباح الظلام وبرء المدنف الشاكي (١)

وقال :

يا شموساً في الترب غارت وكانت

تبهر الخلق بالسنا والسناء

يا جبالاً شواهقاً للمعالي

كيف وارتك تربة الغبراء

يا بحاراً في عرصة الطف جفت

بعدما أروت الورى بالعطاء

يا غصوناً ذوت وكان جناها

دانياً للعفاة في اللأواء

آه لا يطفئ البكا غليلي

ولو أني اغت رفت من داماء

كيف يطفى والسبط نصب لعيني

وهو في كربة وفرط عناء

لست أنساه في الطفوف فريدا

بعد قتل الأصحاب والأقرباء

فإذا كرّ فرّ جيش الأعادي

وهم كثرة كقطر السماء

فرموه بأسهم الغدر بغيا

عن قسي الشحناء والبغضاء

ومن الجد قد دنا قاب قوسيـ

ـن من الله ليلة الاسراء

فاتاه سهم رماه عن السر

ج صريعاً مخضباً بالدماء

فبكته السما دما وعليه الـ

ـجن ناحت في صبحها والمساء

يا بني أحمد سلام عليكم

من حزين مقلقل الاحشاء

طينتي خُمّرت بماء ولاكم

وأبونا ما بني طين وماء

وانا العبد ذو الجرائم نصر اللـ

ـه نجل الحسين حلف البكاء

ارتجي منكم شرابا طهورا

يثلج الصدر يوم فصل القضاء

فاسمحوا لي به وكونوا ملاذي

من خطوب الزمان ذي الاعتداء

وعليكم من ربكم صلوات

تتهادى ما فاح نشر الكباء

__________________

١ ـ ديوانه المطبوع بالنجف الأشرف سنة ١٣٧٣.

٢٥٤

لطف الله بن محمد البحراني

حتى مَ تسأل عن هواك الأرسما

غياً وتستهدي الجماد الابكما (١)

وألام تسأل دمنة لم تلف في

أرجائها إلا الأثافي جثّما

خلتِ الديار من الأنيس فما القطين

بها القطين ولا الحما ذاك الحما

سفه وقوفك بين أطلال خلت

وعفت وغيّرها البلاء وأعدما

ضحك المشيب بعارضيك فنح أساً

أسفاً على عمر مضى وتصرّما

فالعمر أنفس فايت فتلاف ما

ضيّعت منه وخذ لنفسك مغنما

وإذا أطلّ عليك شهر محرم

فابك القتيل بكربلاء على ظما

قلبي يذوب إذا ذكرت مصابه ا

لمرّ المذاق ومقلتي تجري دما

والله لا أنساه فرداً يلتقي

بالرغم جيشاً للضلال عرمرما

والسّمر والبيض الرقاقة تنوشه

حتى أصيب بسهم حتفٍ فارتما

فهوى صريعاً في الرغام مجدّلاً

يرنو الخيام مودّعاً ومسلّما

ومضى الجواد الى الخيام محمحماً

دامي النواصي بالقضيّة معلما

فخرجن نسوته الكرائم حسّراً

ينثرن دمعاً في الخدود منظّما

فبصرن بالشمر الخبيث مسارعاً

بالسيف في النحر الشريف محكّما

فدعته زينب والأسى في قلبها

يبدو المجنّ ويظهر المستكتما

__________________

١ ـ عن مجموعة قديمة يرجع تاريخها الى عصر الناظم ، ورأيتها في مجموعة خطية للشيخ محمد علي اليعقوبي وهي اليوم في مكتبة ولده الخطيب الشيخ موسى اليعقوبي.

٢٥٥

يا شمر دعه لنا ثمال أراملٍ

وملاذ أيتامٍ لنا يحمي الحما

حتى برا الرأس الشريف من القفا

فغدا على رأس السنان مقوّما

فارتجّت السبع الطباق وزلزلت

أركانها والأرض ناحت والسما

الله أكبر يا له من حادث

أضحى له المجد الرفيع مهدّما

الله أكبر يا له من حادث

أمسى له الأفق المنوّر مظلما

الله أكبر يا له من حادثٍ

أبكا المشاعر والمقام وزمزما

يا راكباً نحو المدينة قف بها

عند الرسول معزّياً متظلّما

وقل السلام عليك يا أزكى الورى

نسباً وأكرمهم وأشرف منتما

أوصيت بالثقلين أمتك التي

لم تألها نصحاً لها وتكرّما

ها قد أضاعت يا رسول الله ما

أتمَنَت بذمّتها وعهداً مبرما

هذا الحسين بكربلا عهدي به

شفتاه ناشفتان من حرّ الظما

وتركت نسوته الكرائم حسّراً

من حوله يمسحن منحره دما

واقصر من الشكوى ستسمع أنّةً

من قبره تدع الفؤاد مكلّما

وانحُ البتول وقل أيا ستّ النسا

أعلمت قاصمة الظهور بنا وما

ست النساء أما علمتِ بما جرى

رزؤٌ أراه من الرزايا أعظما

ست النساء ربيب حجرك في الثرى

عاري اللباس مسربلاً حُلل الدما

ست النساءحبيب قلبك قد قضى

ظامي الحشا والنهر في جنبيه ما

ست النساء رضيع ثديك رضّضت

خيل العدى أضلاعه والأعظما

يعزز عليّ بأن أقول معزياً

وأفوه عما في الضمير مترجماً

الرأس منه على سنان شاهق

والجسم من وقع السيوف مهسّما

وبناتك الخفرات في أيدي العدى

خلّفتهنّ مكشّفات كالأما

أبرزن من بعد الخدور حواسراً

سلب العدى منها الردا والمعصما

أخذت سباً حرقت خباً شتمت أباً

ما كان أهلا أنت سبّ وتشتما

٢٥٦

ودعا ابن سعد بالجمال فقرّبت

وسرى بها لحادي المجدّ مزمزما

بأبي حزينات القلوب يروعها

حادي الظعون على البرا مترنّما

بأبي البطون الطاويات من الطوى

بأبي الشفاه الناشفات من الظما

بأبي الدماء السائلات وأرؤساً

في العاسلات غدت تضاهي الأنجما

بأبي سكينة والرباب وزينباً

في الضعن يسترحمنَ من لم يرحما

وأمامهن الرأس فوق قناته

يتلو من القرآن آياً محكما

حتى أناخ على يزيد فقدّموه

بطشته لما رآه تبسّما

جذلان يقرع بالقضيب مقبّلاً

يحنو عليه المصطفى متلثّما

واقام عيداً في الشآم كما أقامت

في السماء له الملائك مأتما

فعلى يزيد ووالديه وتابعيه

ومن رضيه اللعن من رب السما

وعلى النبيّ محمدٍ والآل ما

هبّت صبا صلّى الإله وسلّما

مولاي يا بن الأكرمين وقلّ ما

نتج الكريم سوى النجيب الأكرما

مولاك لطف الله فوّض أمره

بيديك معتمداً عليك وسلّما

مولاي خذ بيدي غداً مع والديّ

ومن غدا في الحب مثلي مغرما

فامنن علينا بالقبول فإنّك

البرّ الوصول تعطفاً وتكرّما

وعليكم صلّى المهيمن ما دجا

ليلٌ وما الصبح المنير تبسّما

٢٥٧

قال الشيخ الطهراني في الذريعة قسم الديوان صفحة ٩٤٤ :

ديوان الشيخ لطف الله البحراني ابن محمد بن عبد المهدي بن لطف الله بن علي البحراني الذي صحح بعض أجزاء شرح النهج لابن أبي الحديد الموجود هو في مكتبة ( سبهسالار ) طهران كما في فهرسها ج ٢ ص ٤٨ وفرغ من التصحيح ١٥ شعبان سنة ١١٦٤ وهو من الشعراء الراثين للحسين عليه‌السلام الذين جمعههم حفيد هذا الشاعر وسمّيه وهو لطف الله بن علي بن لطف الله ابن محمد بن عبد المهدي ، وهم اربعة وعشرون شاعراً جمع مراثيهم هذا الحفيد في مجموعة في سنة ١٢٠١ وهذه المجموعة بخط الحفيد موجودة عند الشيخ محمد علي يعقوب الخطيب النجفي المعاصر انتهى.

أقول ثم ذكر ديوان الشيخ لطف الله الجدحفصي في رثاء الحسين وهو ابن الشيخ علي بن لطف الله البحراني المذكور آنفاً ، وهو المؤلف للمجموعة في سنة ١٢٠١ وقد أدرج في المجموعة مراثي من نظمه.

وللشيخ لطف الله بن الشيخ محمد قصيدة تزيد على المائة بيت أولها :

ألغير كاظمة يرقّ تغزلي

حيّا الحيا ساحاته من منزلي

في صفحة ١١٣ من مجموعة مخطوطة في مكتبة الإمام الصادق ـ حسينية آل الحيدري بمدينة الكاظمية رقم ٧٥ بخط محمد شفيع بن محمد بن مير عبد الجميل الحسيني سنة ١٢٤٢.

٢٥٨

الشيخ علي العادلي العاملي

عج بالديار سقاها الوابل الهطلُ

وجادها من ملثّ القطر منهملُ

ليت المطايا التي سارت بهم عقرت

يوم الرحيل ولازمّت لهم ابل

بانوا فلم يبق لي من بعدهم جلدٌ

كلا ولا مهجة تغتالها العلل

مصاب سبط رسول الله من ختمت

بجده أنبياء الله والرسل

دعوه للنصر حتى إذ أتى نكثوا

ما عاهدوه عليه بئس ما فعلوا

رووه يوم الرزايا بالكتائب والخيل

التي ضاق عنها السهل والجبل

والسبط في صحبه كالبدر حيث بدا

بين الكواكب لم يرهقهم الوجل

تسابقوا نحو إدراك العلى فجنوا

ثمارها بنفوس دونها بذلوا

من كل قرم أشمّ الانف يوم وغىً

ضرغام غاب ولكن غابه الاسل

فعفروا في الثرى نفسي الفداء لهم

صرعى تسحّ عليهم دمعها المقل

يا آل طه بكم نرجو النجاة غداً

من الخطايا إذا ضاقت بنا السبل

فانتم شفعاء للانام غداً

يوم الحساب إذا لم يسعد العمل

فدونكم من علي نجل أحمد يا

آل النبي رثا ما شابه خلل

والقصيدة طويلة موجودة في الديوان المخطوط بمكتبة الامام الحكيم العامة برقم ٧٤٥ قسم المخطوطات.

٢٥٩

الشيخ علي بن أحمد الملقب بالفقيه العاملي المشهدي الغروي يقول السيد الأمين : وجدنا له ديوان شعر في النجف بمكتبة الشيخ محمد السماوي أقول وله مراسلات أدبية مع الشاعر السيد نصر الله الحائري سنة ١١٢٢. قال الشيخ الأميني : وهو موصوف بالعلم والأدب والفضيلة ، له ديوان مرصوف مسبوك مرتب على أبواب وخاتمة (١) ، قرأ على المدرس الشريف الأوحد السيد نصر الله الحائري.

وذكره صاحب نشوة السلافة فقال : العالم النبيه الشيخ علي بن أحمد الفقيه نادرة هذا العصر والزمان ومدره الفصاحة والبيان ، لا تغمز له قناة ولا تقرع له صفاة ، شعره أنور من روض زاهر لا يطيق أن يأتي بمثله شاعر.

رائعة من روائعه في مدح النبي الكريم. عن ديوانه المخطوط :

سل وميض البرق إن لاح ابتساما

عن يمين الجزع مَن أبكى الغماما

وسل الوابل يا صاح إذا

بكر العارض يحدوه النعاما

هل ترى جيران ذياك الحمى

ضعنوا أم قطنوا فيه دواما

بل هموا بالمنحنى من أضلعي

لا حجازا يممّوها وشئاما

ليتهم حيث ألمّوا علموا

انما قلبي لهم أضحى مقاما

يا رعى الله بهاتيك الرّبى

جيرة الحيّ وان جادوا احتكاما

__________________

١ ـ وهذا الديوان أصبح في جملة مخطوطات مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف الاشرف ـ قسم المخطوطات رقم ٧٤٥ وقد كتب عليه : هذا ديوان الشيخ الامام العلامة فريد دهره ووحيد عصره قدوة الأدباء وقبلة الشعراء. الشاعر الأديب النبية علي بن أحمد الملقب بالفقيه ، العاملي نسباً والغروي مولداً ومسكنا.

٢٦٠