أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٣

الشيخ محسن فرج

المتوفى ١١٥٢

الا أبلغ قريشاً حيث أمست

وان سلكت سبيل الغي جهلا

رسالة ناصح أن كيف أولت

سياسة أمرها مَن ليس أهلا

وتعزل لا أقيل لها عثار

إماما أمرها الرحمن أولى

فما من فادح في الكون إلا

له يوم الفعيلة كان أصلا

وتمسي في الطفوف بنو علي

وفاطمة بسيف الجور قتلى

جسوماً بالتراب معفرات

وفوق السمر روسهم تُعلّى

ألا مَن مخبري أدرت لؤي

وهاشم ما جرى في الطف أم لا

ألم تعلم بأن الآل أمست

يسومهم العدى سبيا وقتلا

مصاب ليله ألقى رداه

على وجه الصباح فعاد ليلا

سيبلي الدهر كل جديد خطب

وليس جديد خطب الطف يبلى

ستلقى ما جنت أبناء حرب

وتشرب بغيها علاً ونهلا

وتبصر غبّ ما فعلت قريش

وتعلم مَن بذاك الأمر أولى

إذا ما قام أروع هاشمي

به يملي الاله الأرض عدلا

بقيّة أولياء الله منهم

عليهم سلّم الباري وصلّى

٢٢١

الشيخ محسن بن فرج النجفي ( القطيفي ) ذكره مؤلف شعراء الغري صاحب الحصون المنيعة ج ٩ ص ٣٣٤ فقال : كان فاضلاً كاملاً أديباً راً ولم يسمع له شعر إلا في مدح أهل البيت عليهم‌السلام توفي في النجف الاشرف في حدود ١١٥٢ تقريباً ودفن فيها. وقد جاء شعره في الكتب كفلت مراثي الامام أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام (١) أقول وذكر السيد الامين في الدر النضيد بعض أشعاره كما ذكره في الأعيان بقوله : الشيخ محسن بن فرج النجفي الجزائري ، كان فاضلاً أديباً شاعراً ، وترجم له صاحب ( ماضي النجف وحاضرها ) وذكر جملة من شعره ج ٢ ص ١٧٤.

ومن شعره في الحسين (ع) :

لعمرك ما البعاد ولا الصدودُ

يؤرقني ولا ربع همودُ

ولم يجر الدموع حداء حاد

ولا ذكرى ليالي لا تعود

ولكن اسبل العينين خطب

عظيم ليس يخلقه الجديد

عشية بالطفوف بنو علي

عطاشا لا يباح لها الورود

تذاد عن الفرات وويل قوم

تذودهم أتعلم مَن تذود

الاويل الفرات ولا استهلت

على جنبيه بارقة رعود

ألم يعلم لحاه الله أن قد

قضى عطشا بجانبه الشهيد

ألم بجنبه ضيفاً قراه

صوارمها وخرصان تميد

به غدرت بنو حرب بن عبدٍ

وأعظم آفة المولى العبيد

__________________

١ ـ شعراء القطيف للشيخ علي منصور.

٢٢٢

إلا لا قدست سراً وبعداً

لتابعها كما بعدت ثمود

فما حفظت رسول الله فيه

هناك وما تقادمت العهود

بل استامته ما لو قد أرادت

مزيداً فيه أعوزها المزيد

عشية عزّ جانبه وقلّت

توابعه وقد سفه الرشيد

أرادت بسطه يمنى مطيع

وأين أبيّها مما تريد

ودون هوان نفس الحرّ هولٌ

يشيب لوقع أدناه الوليد

فاظلم يومهم في الطف يقظى

وأصبح صبحه وهُم رقود

فمن رأس بلا بدن يُعلّى

وجثمان يكفنه الصعيد

ومن أيد قد اقتطعت وكانت

بحار ندى إذا انتجع الوفود

ومن رحل يباح ومن أسير

عليل قد أضرّته القيود

وحاسرة يجوب بها الفيافي

على هزل المطى وغدٌ مريد

ظعائن كالاماء تذل حزناً

وتستلب المقانع والبرود

على الدنيا العفاء وقلّ قولي

على الدنيا العفاء وهل يفيد

مصاب قلّ أن يبكى دماءاً

وتلطم بالاكف له الخدود

محا صبراً ولا يمحيه إلا

قيام فتى تقام به الحدود

إمامٌ أنبياء الله تقفو

لواه والملائكة الجنود

وللشيخ محسن فرج :

كيف ارتضيت قريش البغي سلطانا

رجساً فأوسعتِ منكِ النفس نقصانا

إلى أن يقول :

واقتادها الرجس يوم الطف سافرة

قود الذلول تثير الكون أحزانا

ألقت بكلكلها فيها يدبرها

ارجاس قوم حشاها الشرك اضغانا

تألبوا لقتال السبط وانتدبوا

من كل قاصية شيباً وشبانا

٢٢٣

حتى إذا هدرت هدر الفحول لظى

الهيجاء واشتبكت بيضا وخرصانا

وكشرّت نيبهم عن ناب مفترس

ضخم السواعد قالي الكف حرانا

أهوى إليها بابطال قد ادرعوا

من نسج داود في الهيجاء قمصانا

لا يرهبون سوى باري الوجود ولا

يثنون إلا عن الفحشاء أجفانا

تخالهم وصليل البيض يطربهم

تحت العجاجة ندمانا وألحانا

يا جادك الغيث أرضاً شرّفت بهم

إذ ضمنت من هداة الخلق أبدانا

افديهم معشراً غراً بهم وترت

ريحانة الطهر طه آل سفيانا

اضحى فريداً يدير الطرف ليس يرى

سوى المثقف والهندي أعوانا

يدعوهم للهدى آنا وآونة

يطفي لظى الحرب ضرّاباً وطعّانا

يا واعظاً معشراً ضلّوا الطريق بما

على قلوبهم من غيّهم رانا

وزاجراً فئة ضلّت بما كسبت

بالسيف حيناً وبالتنزيل أحيانا

ما هنت قدراً على الله العظيم ولم

يحجب فديتك عنك النصر خذلانا

لكنما شاء أن يبديك للملأ الأ

على ويجعل منك الصبر عنوانا

فعزّ أن تتلظى بينهم عطشا

والماء يصدر عنه الوحش ريانا

ويل الفرات أباد الله غامره

وردّ وارده بالرغم ظمآنا

لم يرو حرّ غليل السبط بارده

حتى قضى في سبيل الله عطشانا

فيا سماء لهذا الحادث انفطري

فما القيامة أدهى للورى شانا

ولترجف الأرض شجواً فأبن فاطمة

امسى عليها تريب الجسم عريانا

ما هان قدراً عليها أن تواريه

بل لا تطيق لنور الله كتمانا

أفدي طريحاً على الرمضاء قد جعلت

خيل الضلالة منه الجسم ميدانا

ما كان ضرهم لو انهم صفحوا

عن جسم من كان للمختار ريحانا

يا غيرة الله غاض الصبر فانهتكي

هتك النساء لما في كربلا كانا

هب الرجال بما تأتبي به قتلت

وإن تكن قتلت ظلماً وعدوانا

٢٢٤

ما بال صبيتها صرعى ونسوتها

أسرى يطاف بها سهلاً ووديانا

تهدى وهنّ كريمات النبي إلى

من كان أعظمهم لله كفرانا

والمسلمون بمرأى لا ترى أحداً

لله أو لرسول الله غضبانا

تعساً لها أمة شوهآء ما حفظت

نبيّها في بنيه بعد ما بانا

جزته سوءاً بإحسان وكان لها

يجزي عن السوء أهل السوء إحسانا

فويلها أيّ أوتار بها طلبت

وأي طالب وتر خصمها كانا

أو تارٌ الملك الجبار طالبها

والدين لله فيه كان ديانا

لا هُمّ أن كنت لم تنزل بما انتهكوا

من السماء عليهم منك حسبانا

فأدرك الثار منهم وانتقم لبني

الزهرآء ممن لهم بالبغض قد دانا

بالقائم الخلف المهدي من نطقت

به البشائر اسراراً وإعلانا

اظهر به دينك اللهم وامح به

ما كان أحكمه الشيطان بنيانا

واررد على آلك اللهم فيأهم

واعطنا بهم فضلاً وغفرانا

وآتهم صلوات منك فاضلة

ما رنّح الريح في البيداء أغصانا

وله يستنهض الحجة المنتظر :

يا غيرة الله وابن السادة الصيدِ

ما آن للوعد أن يقضي لموعود

دينٌ بتشييده بعتم نفوسكم

ولم يكن بيعها قدماً بمعهود

غبتم فاقوى وهدّت بعد غيبتكم

منه يدُ الجور ركناً غير مهدود

وشيعة أخلصتك الودّ كنت بها

أبرّ من والدٍ برٍ بمولود

مغمودة العضب عمن راح يظلمها

وصارم الجور عنها غير مغمود

شأواً وما حال شاء غاب حافظها

عنها عشاءً فأمست في يدي سيد

إنا الى الله نشكو جور عادية

ما أن يرى جورها عنها بمردود

لم يرقبوا ذمة فينا ولا رقبوا

إلا كأن لم نكن أصحاب توحيد

٢٢٥

فكيف يا بن رسول الله تتركنا

في حيرة بين أرجاس مناكيد

مهما نكن فلنا حق الولاء لكم

وأنت بالحق أوفى كل موجود

يا ليت شعري متى قل لي نغادرها

نهب السيوف وأطراف القنا الميد

حيث الخضاب دماها والعجاج لها

طيب وبيض المواضي حلية الجيد

يوم به يا لثارات ابن فاطمة

شعار كل كميٍّ طيب العود

لا تبصر العين فيه غير خافقة الـ

ـرايات ثمة تحكي قلب رعديد

كلا ولا يقرع الأسماع فيه سوى

قرع الصوارم هامات الصناديد

يا نضرة الملك الرحمن عودي على

آل النبي بما قد فاتهم عودي

وغيرة الله ان هنّا عليك فما

بالدين هونٌ ولا بالسادة الصيد

فالمم به شعثنا اللهم منتصراً

بنا له يا عظيم المنّ والجود

٢٢٦

المولى أبو طالب الفتوني

كان حيّاً سنة ١١٥٠

المولى أبو طالب ابن الشريف ابي الحسن الفتوني العاملي الغروي :

عمرٌ تصرّم ضيعة وضلالا

ما نلت فيه من الرشاد منالا

يا نفس كفي عن ضلالك واعلمي

ان الإله يشاهد الأحوالا

وذري المساوي والذنوب وراقبي

رب العباد وأحسني الأعمالا

فإلى متى تبكين رسماً دارساً

وتخاطبين بجهلك الاطلالا

هلا بكيت السبط سبط محمد

نجل البتول السيد المفضالا

بأبي إماماً ليس ينسى رزؤه

في الناس ما بقي الزمان وطالا

أفديه فرداً في الطفوف وقد قضى

عطشا ونال من العدى ما نالا

لهفي له بين الطغاة وقد غدا

فرداً ينازل منهم الأبطالا

لهفي عليه مضمخاً بدمائه

تسفي عليه السافيات رمالا

فالأفق أظلم والكواكب كوّرت

حزناً عليه وأبدت الإعوالا

يا سادتي يا آل أحمد حبكم

دين الإله به استتم كمالا

وعليكم صلى المهيمن كلما

جرّ النسيم على الربى أذيالا

٢٢٧

المولى أبو طالب ابن الشيرف ابي الحسن الفتوني العاملي الغروي.

قال السيد في الأعيان ج ٦ ص ٤٤٧ :

المولى أبو طالب أبوه مذكور في حرف الشين ذكره بهذا العنوان السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري في ذيل إجازته الكبيرة الذي هو بمنزلة تتمة أمل الآمل وظاهره ان اسمه كنيته. فقال : كان فاضلاً محققاً متتبعاً في غاية الذكاء وحسن الادراك متقياً متعبداً متوسعاً في العقليات والشرعيات ، يروي عن أبيه وغيره من فضلاء العراق ، قدم الينا بعد وفاة والده وأقام أياماً وتباحثنا في كثير من المسائل وأفادني فوائد عظيمة ثم صعد إلى بلاد العجم وتوفي رحمه‌الله. وذكره في نشوة السلافة بالفاظ مسجعة على عادة أهل ذلك العصر فقال : الشيخ أبو طالب : ولد شيخنا العلامة ابي الحسن الشريف العاملي تشاغل في الادب فصار من أربابه فمن نظمه هذه القصيدة يرثي بها الحسين عليه‌السلام. أقول ولم يذكر السيد سنة وفاته ولا سنة ولادته ولكنه عندما ترجم والده المولى أبو الحسن الشريف بن محمد طاهر الفتوني أو الأفتوني العاملي النباطي في الجزء ٣٦. قال : انه توفي سنة ١١٣٩ هـ ، فاذا كان الأب في أواسط القرن الثاني عشر يكون الولد عادة في أواخر القرن الثاني عشر إذا لم يكن من المعمرين.

وفي شعراء الغري : الشيخ أبو طالب بن ابي الحسن الشريف الفتوني كان حياً سنة ١١٥٠ ، وهو من العلماء المشتهرين فاضلاً محققاً متتبعاً في غاية الذكاء وحسن الإدراك ، ترجمه السيد عبد الله الجزائري في اجازته الكبيرة وقال : يروي عن أبيه وغيره من فضلاء العراق ، قدم الينا بعد وفاة والده وأقام أياماً يباحثنا في كثير من المسائل وأفاد فائدة عظيمة ثم صعد إلى بلاد العجم

٢٢٨

وتوفى هناك واعقب ولداً واحداً وهو الشيخ علي. ومن شعره مقرضاً كتاب ( نتائج الأفكار في محاسن الاشعار ) لصاحب ( النشوة ).

ومؤلف ألف الزمان رواؤه

ألف النواظر كل روض مزهر

الفاظه حاطت بكل فريدة

فتكفّلت بحفاظ كنز الجوهر

وجاء في ماضي النجف :

الشيخ أبو طالب ابن الشيخ أبو الحسن الفتوني من العلماء الادباء اجتهد في العلم حتى اطاعه عاصيه وغرف من بحره فأخذ ما يكفيه القى عصاه يوم كان شاباً يافعاً من الشعراء فكان في عدادهم قال السيد عبد الله الجزائري في إجازته الكبيرة ( كما مرّ ). وذكره في التكملة ووصفه بالعلم والفضل إلى أن قال : وهو أبو طائفة في النجف كان والده الشريف وقف أملاكا في النجف عليه وعلى اخته فاطمة إلى آخر ما قال ، أقول : برع في العلم ونشط في طلبه وصار من العلماء ، ضايقه الدهر وحاربه الزمان فترك مسقط رأسه النجف وسافر إلى ايران ومات هناك قال في نشوة السلافة بعد ذكر اسمه : تشاغل في الأدب فصار من أربابه وتعلق بغصن البلاغة فترك قشره وأخذ من لبابه فنظم فأبدع وأكثر واوزع فمن جيد نظمه هذه القصيدة يرثي بها أبا عبد الله الحسين « ع » : عمر تصرّم ضيعة وضلالا.

وآل الفتوني اسرة عريقة في العلم متقدمة في الفضل لمعت بالفضل في القرن التاسع الهجري واعتزّت بها النجف من ( فتون ) وهي إحدى قرى جبل عامل ، جنوب لبنان وذكر صاحب أمل الآمل نسب هذه الاسرة وانها تمتُ بأصلها إلى الصحابي الجليل ابي ذرّ الغفاري فكان بعض العلماء المتتبعين يخاطب رجالاً من هذه الاسرة وينعته بالفتوني العاملي الجندلي الغفاري.

ووالد المترجم له هو الشيخ أبو الحسن كان ـ كما يقول صاحب المستدرك

٢٢٩

على الوسائل ـ أفقه المحدثين وأكمل الربانيين الشريف العدل أفضل أهل عصره واطولهم باعاً ، وفي لؤلؤة البحرين : كان محققاً مدققاً ثقة عدلا صالحاً ، اجتمع به الوالد لما تشرف بزيارة النجف سنة ١١١٥ ووقع بينهما بحث في مسائل جرت.

وله من الآثار العليمة ( ضياء العالمين ) في الامامة يقع في ثلاث مجلدات ضخام لم يكتب أوسع منه ، يوجد بخطه الشريف عند آل الجواهري في النجف الاشرف وله ( الفوائد الغروية ) مجلدان في أصول الدين واصول الفقه ، وغير ذلك. كانت وفاته سنة ١١٣٨ ، واعقب الشيخ أبا طالب وهو والد الاسرة الفتونية.

٢٣٠

السيد حسين رشيد الرضوي

المتوفى ١١٥٦

ألا هذه حزوى وتلك خيامها

بعيد على قرب المزار مرامها

ثوت بأعالي الرقمتين فناؤها

فشبّ وفي قلب المحبّ ضرامها

الى الله كم في كل يوم يريعني

على غير قصد ظعنها ومقامها

كأن فؤادي دارها وجوانحي

مواقد نيران ودمعي غمامها

تجلّت لنا في موقف البين وانثنت

وقد قوّضت عن سفح حزوى خيامها

فما نال منا لحظُها وقوامها

كما نال منّا نأيها وانصرامها

ألمياء مهلاً بعض ذا الهجر والقلا

فقد كاد أن يغتال نفسي حمامها

خليلي هل شاقتكما من ديارها

طلول عفت أعلامها واكامها

ألا تسعدان اليوم صباً متيماً

على نوب للدهر جدّ اصطدامها

وهل تنظران اليوم أيّ مصيبة

ألّمت بأبناء النبي عظامها

لهم كل يوم سيدٌ ذو حفيظة

كريم تسقّيه المنون لئامها

فيا عينُ جودي ثم يا عين فاسكبي

دموعاً تباري الغاديات سجامها

أبعد النبي المصطفى وابن عمه

وعترته في الأرض يزهو خزامها

وما عجبٌ للأرض قرّت بأهلها

وقد ضيم فيها خيرها وإمامها

٢٣١

سليل أمير المؤمنين اذا اغتدت

يسلّ عليه للحقود حسامها

قتيلٌ بسيف البغي يخضب شيبه

دم النحر قد أدمت حشاه سهامها

ذبيح يروّي الارض فضل دمائه

به قد غدى يحكي العقيق رغامها

صريع له تبكي ملائكة السما

ومكة يبكي حلها وحرامها

شهيد بأرض الطف يبكيه أحمدٌ

وطيبة يبكي ركنها ومقامها

وتبكيه عين الشمس بالدم قانيا

اذا حطّ منها للطلوع لثامها

وتبكي عليه الوحش من كل قفرة

وتندبه أرامها وحمامها

سليب عليه الجن ناحت وأعولت

بمرثية يشجي القلوب نظامها

فما أنس لا أنسى عظيم مصابه

وقد قصدته بالنفاق طغامها

جنود ابن سعد النحس وابن زيادهم

نحته فآوى بالقلوب هيامها

وقد منعوه الماء ظلماً وناله

هنالك من وقد الحروب اضطرامها

فواجههم بالنصح بدء قتالهم

فلم يثنهم عن نهج غيٍّ ملامها

يقول لهم يا قوم ما لقرابتي

وسبقيَ لا يُرعي لديكم ذمامها

هجرتم كتاب الله فينا وخنتم

مواثيق أهليه ونحن قوامها

ورمتم قتالي ظالمين وهذه

فرائض دين الله ملقى قيامها

لعمري لقد بؤتم بأعظم فتنةٍ

سيوردكم نار الجحيم أثامها

ورحتم بعار ليس يبلى جديده

وخطّة خسف ليس ينفد ذامها

تلقتكم الدنيا بعاجل زهرة

فراق لديكم بالغرور حطامها

فما عذركم يوم الحساب بموقف

يبرّح فيه بالانام أوامها

خصيمكم فيه الإله وجدنا

ونار جحيم ليس يخبوا ضرامها

فلم يُجدِ فيهم نصحه ومقاله

ومال الى نصح الكفاح اعتزامها

٢٣٢

فجاهدهم بالآل والصحب جاهداً

فأفناهُم سمر القنا واحتطامها

ولما رأى السبط المؤمل أهله

وأصحابه صرعى وقد حزّ هامها

تدرّع للهيجاء يقتحم العدى

بنفس علا في الحادثات مقامها

فجاهدهم حتى أباد من العدى

جموعاً على الشحناء كان التئامها

إلى أن هوى للأرض من فوق مهره

فدته البرايا غرّها وفخامها

فيا لك من شهم أصيب بفقده

عماد المعالى والندى وشمامها

فجاء اليه الشمر واحتز رأسه

وساق نساء السبط وهو أمامها

ومولاي زين العابدين مكبّل

أحاطت به للنائبات عظامها

وبنتُ عتليٍّ تندب السبط لوعة

يصدّع قلب الراسيات كلامها

أخي يا أخي لولا مصابك لم أبحُ

بأسرار حزن فيك عزّاكتتامها

أخي يا أخي عدنا أسارى أميه

بنا فوق متن العيس يقصد شامها

أخي ما لهذي القوم لم أر عندهم

ذرارى رسول الله يرعى احترامها

أخي بين أحشائي اليك تلهّبٌ

وعيناي مذ فارقت غاب منامها

أخي ليس لي في العيش بعدك مطمعٌ

عُرى الصبر مني اليوم بان انفصامها

أخي فاطم الصغرى تحنّ غريبة

بحزن الى لقياك طال هيامها

الى أن أتوا أرض الشآم بأهله

فلا كان يوما في البلاد شأمها

فعاد يزيد ينكث الثغر لاهياً

تدار عليه في الكؤوس مدامها

فأظلمت الآفاق من سوء فعله

الى شفة للوفد طال ابتسامها

وقد طالما كان النبي محمد

يروق لديه رشفها والتثامها

فيا لك من خطب تشيب لهوله

ولائد من أن حان منها فطامها

مصائب صوب الدمع يهمي لعظمها

فمبدؤها يذكي الجوى وختامها

إمام الهدى إني بحبك واثقٌ

وما شقيت نفسٌ وأنت إمامها

٢٣٣

أغثها أغثها سيدي بشفاعة

ولطف فقد أخنى عليها اجترامها

فقد لازمت قدما مدايحك التي

مدى الدهر فيها فوزها واغتنامها

وكن مدركاً مولاي في كشف شدة

أضرّ بجسمي برحها ولمامها

انا الرضويّ العبد مادح مجدكم

رياض الثنا تزهو بمدحي كمامها (١)

__________________

١ ـ عن الديوان المخطوط ص ٢٨ مكتبة الامام الحكيم العامة رقم ٣٩٠ قسم المخطوطات بخط الشيخ محمد السماوي.

٢٣٤

كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي في مجلة الاعتدال السنة ٦ ص ٨٤ فقال :

هو السيد مير حسين ابن السيد مير رشيد ابن السيد قاسم وقد دعاه الشيخ عبد الرحمن السويدي في « حديقة الزوراء » بالسيد مير حسين الرشيدي النجفي وقال : مدح الوزير حسن باشا بقصيدة ، ولم نرها في ديوانه الذي نقلنا أكثر ما في هذه الترجمة عنه ، قلت لازم صاحبنا الاستاذ السيد نصر الله الحائري وبه تخرج وتأدب وهو أكبر أساتذته بلا ريب ، وللسيد مير حسين شعر كثير وقد اشتهر برقة غزله وتشبيبه وأولع بالتسميط والتخميس وهو لا يبارى في هذا الفن ولكنه لم يسمط إلا القطع الغزلية غالباً وتسميطه مشهور لا تخلو منه المجاميع الأدبية. مدح جماعة من وجوه النجف والحائر وبغداد وجرد جملة كبيرة من شعره في مدائح الرسول وأهل بيته سماها في صدر ديوانه « ذخائر المآل » وكان جمعه لديوانه سنة ١١٤٤ وأهداه إلى استاذه السيد الحائري وقد ظفرنا بنسخة الاصل من هذا الديوان في مجلدة صغيرة بخطه النفيس وهاك شذرة من أحواله نقلاً عن ظهر هذه النسخة.

جاء به أبوه الى النجف ( كانت وفاة أبسنة ١١٢٤) فاشتغل بها ورحل الى كربلاء فتلمّذ عند السيد نصر الله الحائري مدة ثم عاد الى النجف وتلمّذ عند السيد صدر الدين شارح وافية التوفي ثم مرض مرضاً شديدا بقي يلازمه مدة وتوفي قبل الستين وبعد الألف والماية والست والخمسين قبل شهادة استاذه السيد نصر الله الحائري وكان يكتب خطاً جيداً للغاية وهو من أسرة السيد صدر الدين شارح الوافية وله في ديوانه قصيدة يمدحه بها ».

هذا نص ما وجد على ظهر هذه النسخة من الديوان ، وخلاصة القول كما

٢٣٥

يبدو لنا من تصفح الديوان ان السيد مير حسين من شعراء الطبقة الوسطى في عصره وهو يكثر من استخدام البديع والصناعات اللفظية وشأنه في ذلك شأن أكثر الشعراء في عصور الجمود والتقليد ولكن للسيد مير حسين حسناته في هذا الباب ، ومن شعره :

أما والهوى العذري لم أقترف ذنباً

ولكن على رغمي أقول لك العتبى

أبيتُ على مثل الرماح شوارعاً

لما بي ولم أشهد طعاناً ولا ضرباً

وأرفل في ثوب الهوان وطالما

لبست رداء العزّ أسحبه سحبا

ولكنها الأيام جدّت صروفها

فشذّت « مقاماتي » شذوذ أبي يأبى

وكتب الى السيد نصر الله الحائري على ورقة هندية مذهّبة :

تأمل يا أخا العلياء واحكم

فحكمك في بني الآداب ماض

أليس الخط مع نظمي وطرسي

رياض في رياض في رياض

وله : قال ومعنى البيت التالي مما لم يسبق اليه :

ومدامة حمراء رائقة

أمست تفوق الشمس والبدرا

لا تستقر بكأسها طرباً

فكأنها من نفسها سكرى

وقال في منظرة من در النجف :

صفت ورقّت فجاءت

حسناً بمعنى عجاب

روح من الماء حلّت

في قالب من حباب

وله :

ما يمنعُ الانسان من جلسة

من غير بسط الفرش فوق الصعيد

من بعد قول الله سبحانه

منها خلقناكم وفيها نعيد

وله في النهي عن العزلة :

٢٣٦

من قال بالعزلة قولا فقد

اوجب اهل الشرع إغفاله

فكن بخلق الله مستأنساً

لا تصلح العزلة إلا له

وكتب الى بعض الأعيان صحبة كتاب ( قطر الندى )

يا بحر العلم ويا ندباً

قد جل نداه عن الحصرِ

قابل بقبولك عذر فتى

قد أهدى القطر الى البحر

وكتب عنه محمد حسن مصطفى في السلسلة الثالثة من كتابه ( مدينة الحسين ) كما جاءت ترجمته في مقدمة ديوان السيد نصر الله الحائري إذ هو الجامع للديوان وكاتبه بخطه الجيد وترجم له الشيخ الأميني في الغدير ونشرت مجلة ( الاعتدال ) النجفية في سنتها الثانية ص ٤٥٧ ان جمعية الرابطة الأدبية بالنجف شرعت بطبع ديوان الشاعر المترجم له ولم نر أثراً لذلك.

وكتب عنه الاستاذ حميد مجيد هدّو في مجلة ( البلاغ ) الكاظمية في العدد الثالث من السنة الثانية.

وهذه رائعة من مدائحه النبوية أخذناها عن مجلة الغرى النجفية :

جيرة الحي أين ذاك الوفاءُ

ليت شعري وكيف هذا الجفاء

لي فؤاد أذابَه لاعج الشوق

وجفنٌ تفيض منه الدماء

كلما لاح بارق من حماكم

أو تغنّت في دوحها الورقاء

فاض دمعي وحنّ قلبي لعصر

قد تقضّى وعز عنه العزاء

يا عذولي دعني ووجدي وكربي

إن لومي في حبّهم إغراء

هم رجائي إن واصلوا او تناؤا

ومواليّ أحسنوا أم أساؤا

هم جلوا لي من الحميّة قدماً

راحَ عشقٍ كؤوسها الأهواء

خمرة في الكؤوس كانت ولا كر

م ولا نشوة ولا صهباء

٢٣٧

ما تجلّت في الكاس إلا ودانت

سجّداً باحتسائها الندماء

ثم مالوا قبل المذاق سكارى

من شذاها فنطقهم إيماء

كنت جاراً لهم فأبعدني الدهـ

ـر فمن لي وهل يردّ القضاء

أتروني نأيت عنكم ملالا

لا ومن شرّفت به البطحاء

سرّ خلق الأفلاك آية مجدٍ

صدرت من وجوده الأشياء

رتب دونها العقول حيارى

حيث أدنى غاياتها الاسراء

محتد طاهر و ( خلق عظيم )

ومقام دانت له الاصفياء

خصّ بالوحي والكتاب ونا

هيك كتاباً فيه الهدى والضياء

يا أبا القاسم المؤمل يا من

خضعت لاقتداره العظماء

قاب قوسين قد رقيت علاءً

( كيف ترقى رقيّك الانبياء )

ولك البدر شق نصفين جهراً

( يا سماء ما طاولتها سماء )

ودعوت الشمس الم نيرة ردت

لعلي تمدّها الأضواء

أنت نور علا على كل نور

ذي شروق بهديه يستضاء

لم تزل في بواطن الحجب تسري

حيث لا آدم ولا حواء

فاصطفاك الاله خير نبي

شأنه النصح والتقى والوفاء

داعياً قومه الى الشرعة السمـ

ـحاء يا للإله ذاك الدعاء

وغزا المعتدين بالبيض والسمر

فردت بغيضها الاعداء

وله الال خير آل كرام

علماء أئمة أتقياء

هم رياض الندى ودوح فخار

وسماح ثمارها العلياء

يبتغى الخير عندهم والعطايا

كل حين ويستجاب الدعاء

سادتي انتموا هداتي وأنتم

عدتي إن ألمّت البأساء

والى مجدكم رفعت نظاماً

كلئالٍ قد نَمّ منها الصفاء

خاطري بحرها وغواصها الفكر

ونظّام عقدهنّ الولاء

وعليكم صلى المهيمن ما لاح صبا

ح وانجابت الظلماء

أو شدا مغرم بلحن أنيقٍ

( جيرة الحي أين ذاك الوفاء )

٢٣٨

حسن عبد الباقي الموصلي

المتوفى ١١٥٧

جاء في ديوان الشاعر حسن بن عبد الباقي بن ابي بكر الموصلي أنه توجه لزيارة المشهدين الشريفين : العلوي والحسيني فعندما زار مرقد الإمام الحسين عليه‌السلام بكربلاء انشأ هذه المرثية وكتبها على جدار الباب الشريف :

قد فرشنا لوطئ تلك النياق

ساهرات كليلة الآماق

وزجرنا الحداة ليلا فجدّت

ثمّ ارخت أزمّة الأعناق

حبّذا السير يوم قطع الفيافي

ما أحيلا الوداع عند الفراق

وأمامي الإمام نجل عليّ

فخر آل البتول يوم السباق

لم تلد بعد جدّه وأبيه

امهات بسائر الآفاق

بسناء الحسين يا حبّذا الخلق

ويا حسن أحسن الأخلاق

أي أم تكون فاطمة الزهراء

أو والد على الحوض ساقي

أي جدّ يكون أفضل خلق الله

والمجتبى على الاطلاق

هل علمتم بما أهيم جنونا

ولماذا تأسفي واحتراقي

يوم قتل الحسين كيف استقرت

هذه الأرض بل وسبع الطباق

أيها الأرض هل بقي لك عين

ودماء الحسين بالاهراق

كيف لا تنسف الشوامخ نسفاً

ويحين الوجود للامحاق

٢٣٩

أغرق الله آل فرعون لكن

لم يكن عندهم كهذا النفاق

يا سماءاً قد زيّنت واستنارت

وبها البدر زائد الاشراق

هكذا يوم كربلا كان يزهو

فرقد فيك والنجوم البواقي

كيف بالله ما غدت كعيون

سابحات بأنهر الأحداق

كيف لم تجعل النجوم رجوماً

ورميت العداة بالاحراق

وآحياء الزمان من آل طه

وعتاب البتول عند التلاقي

ما تذكّرت يا زمان عليّا

كيف ترجو بأن ترى لك واقي

لو ترى جيد ذلك الجيد يوماً

ودماء على المحاسن راقي

كلّ عرق به الهداية تزهو

لعن الله قاطع الاعراق

انت تدرى بمن غدرت فأضحى

بدماء مرملاً بالعراق

هكذا كان لايقاً مثل شمر

يلتقى الآل بالسيوف الرقاق

حرم المصطفى وآل عليّ

سائبات على متون العتاق

بين ضمّ الحسين وهو قتيل

واعتناق الوداع أي اعتناق

يا ابن بنت الرسول قد ضاق أمري

من تناءٍ وغربة وافتراق

ودجا الخطب والمصائب ألقت

رحلها فوق ضيق هذا العناق

جئت اسعى إلى حماك وما لي

لك والله ما سوى الأشواق

وامتداح مرصّع برثاءٍ

فتقبّل هدية العشاق

وعلى جدك الحبيب صلاة

ما شدا طائر على الأوراق

٢٤٠