أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٣

ومنهم المجلسي صاحب بحار الأنوار. وتوفي بشيراز سنة ١١٢٢٠ هـ ودفن عند جده غياث الدين المنصور صاحب المدرسة المنصورية المتوفي سنة ٩٤٨ هـ وله مؤلفات كثيرة منها :

١ ـ سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر : ويشتمل هذا المؤلف على تراجم شعراء القرن الحادي عشر ، وهو ذيل لريحانة الالباء لشهاب الدين الخفاجي انتهى من تأليفه سنة ١٠٨٢ هـ وجمع فيه أخبار المعاصرين ونخباً من أقوالهم وممن تقدمهم وقسمه إلى خمسة أقسام ، وهومجموعة أدبية قيمة ، طبعت في مصر بمطبعة الخانجي سنة ١٣٢٤ هـ في ٦٠٧ ص.

٢ ـ سلوة الغريب واسرة الأريب وهي رحلته إلى حيدر آباد سنة ١٠٦٨ هـ فرغ منها في جمادى الثانية سنة ١٠٧٥ هـ منها نسخة في برلين وكربلاء في كتب السيد محمد باقر الحجة كتبت سنة ١٢٠٤ هـ وأخرى في طهران عند السيد محمد باقر بحر العلوم وطبعت سنة ١٣٠٦ هـ.

٣ ـ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة منه نسخة في برلين ومنه نسخة في النجف في مكتبة آية كاشف الغطاء بخط علي الشيرازي الحائري فرغ من كتابتبها سنة ١٣٢٦ هـ في كربلاء. والكتاب جامع كبير في التاريخ والتراجم والآداب وغيرها وهو مرتب على اثنتي عشر طبقة : الصحابة. والتابعين. والمحدثين. وعلماء الدين. والحكماء. والمتكلمين. وعلماء العربية والصفوية. والملوك والسلاطين. والأمراء. والوزراء. والشعراء. والنساء.

وقد طبع الكتاب في النجف ـ المطبعة الحيدرية سنة ١٣٨٢ هـ ١٩٦٢ م في ٥٩٠ ص ويحتوي المطبوع على الطبقة الأولى والرابعة والحادية عشرة.

٤ ـ بديعية : وهو كتاب حافل بغرائب الأدب شرع فيه بديعيته وسماها « أنوار الربيع في أنوار البديع » فرغ من الشرح سنة ١٠٩٣ هـ وطبع في إيران سنة ١٣٠٤ هـ (١).

__________________

١ ـ وأخيراً طبع في النجف بتحقيق البحاثة المعاصر هادي شاكر ، يقع في سبعة أجزاء.

١٨١

٥ ـ حديقة العلم : طبع في حيدر آباد الدكن سنة ١٢٦٦ هـ.

٦ ـ الطراز الأول فيما عليه من لغة العرب المعول : وهو من الكتب اللغوية النفيسة ، وفيه نبذ تأريخية وعلمية وغيرها ، جاء في المجلد الأول « ان أبلغ ما نطقت به البلغاء بادئ بدأ ، وأفصح ما بدأت الفصحاء به الكلام أبداً حمد الله الذي أنطق العرب بأعرب لسان وشرف منهم النسب بأشرف إنسان وأحل العربية من اللغات محل الغرّة من الجبين .. وجاء في مقدمته :

« ولغة العرب نوعان ، احدهما عربية حمير ، وهي التي تكلموا بها منها من عهد هود ومن قبله وبقي بعضها إلى اليوم. وثانيهما العربية المحضة التي نزل بها القرآن ، وأول من أنطق لسانه بها اسماعيل بن ابراهيم ، وهي أوسع اللغات مذهباً ، وأكثرها ألفاظا .. ».

ويبدو أنه كان مشتغلاً بتأليفه إلى يوم رحلته من الدنيا ولم يتمّه ، ومن هذا الكتاب نسخة نفيسة في مكتبة آل كاشف الغطاء المجلد الأول في ٥٥٢ ص والثانية ـ أوله باب الجيم ـ فصل الهمزة يزيد على الأول قليلاً وكلاهما بخط مؤسس المكتبة الشيخ علي بن محمد رضا آل كاشف الغطاء ، فرغ من كتابة الأول في رجب ١٣٢٢ هـ ومن كتابة الثاني في ربيع الآخر سنة ١٣٣٠ بالقطع الكبير ، والثالث وهو بخط مؤلفه الجيد بالقطع الكبير ، وكان قبلاً في حيازة الشيخ محمد السماوي.

٧ ـ الحدائق الندية في شرح الفوائد الصمدية ، والفوائد الصمدية للشيخ البهائي الحارثي في النحو ، وهو شرحه الكبير لها وله شرحان آخران متوسط وصغير. طبع كتاب الحدائق سنة ١٢٩٧ هـ ومنه نسخ كثيرة وتوجد نسخة عصر المصنف في إيران ، وكان فراغه منه سنة ١٠٧٩ هـ.

٨ ـ نغمة الأغاني ورنة المثاني ، أرجوزة ذكرت برمتها في كشكول الشيخ يوسف البحراني المطبوع المتداول ، ومنها نسخة بخط السماوي في

١٨٢

مكتبة الحكيم في النجف ـ قسم المخطوطات برقم ٢٩.

٩ ـ أغلاط الفيروز آبادي في القاموس ، نقل عنه السيد مرتضى الزبيدي في تاج العروس.

١٠ ـ ملحق السلافة أو ذيل السلافة وهو تراجم كثيرة ألحقها بالسلافة وكانت من مراجع السيد الأمين في أعيان الشيعة. منها نسخة في « قم » عند السيد شهاب الدين التبريزي.

١١ ـ ديوان شعره ، وتوجد منه نسخ كثيرة في مكتبات النجف وغيرها (١).

١٢ ـ رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين ـ الإمام علي بن الحسين بن علي عليهم‌السلام ، واشتهرت هذه الصحيفة باسم « الصحيفة السجادية الكاملة » وكان شروع السيد المدني في الشرح سنة ١٠٩٤ هـ وفرغ منه في ١١١٦ هـ. ورتبه على أربع وخمسين روضة ، لكل دعاء روضة ، ويعتبر هذا الشرح أطول الشروح ، وأوله : « اللهم إنا نحمدك حمداً تؤتينا به من نعمك الحسان نعمة شاملة » ألّفه للسلطان حسين الصفوي ، ومن هذا الشرح نسخ كثيرة منه في مكتبة السيد الحسن الصدر نسخة نفيسة على حواشيها خط المؤلف ، وطبع الشرح في العجم سنة ١٢٧١ هـ.

وترجم له الشيخ اغا بزرك الطهراني في ( الذريعة ) عندما ذكر ديوانه المخطوط في قسم الديوان وفي الضمن ذكر أخاه السيد محمد محيى ابن السيد نظام الدين أحمد ، وان من شعره قوله :

يا راحلين وقلبي راحل معهم

مهلاً فلولاكم والله ما رحلا

وان للسيد علي خان مع أخيه هذا مراجعات سنة ١٠٧٨.

__________________

١ ـ أقول : لم نعثر على نسخة تامة وكل ما رأيناه هو بعض الديوان.

١٨٣

ومن غرر شعر شاعرنا المدني قوله يمدح أمير المؤمنين عليه‌السلام لما ورد إلى النجف الأشرف مع جمع من حجّاج بيت الله : اخذناها من ديوانه المخطوط :

يا صاح! هذا المشهد الأقدسُ

قرّت به الأعين والأنفسُ

والنجف الأشرف بانت لنا

أعلامه والمعهد الانفسُ

والقبة البيضاء قد أشرقت

ينجاب عن لألائها الحندس

حضرة قدسٍ لم ينل فضلها

لا المسجد الأقصى ولا المقدس

حلّت بمن حلّ بها رتبة

يقصر عنها الفلك الأطلس

تود لو كانت حصا أرضها

شهب الدجى والكنّس الخنس

وتحسد الأقدام منّا على

السعي إلى أعتابها الأرؤس

فقف بها والثم ثرى تربها

فهي المقام الأطهر الأقدس

وقل : صلاةٌ وسلامٌ على

من طاب منه الأصل والمغرس

خليفة الله العظيم الذي

من ضوئه نور الهدى يقتبس

نفس النبي المصطفى أحمد

وصنوه والسيد الأرؤس

المعلم العيلم بحر النّدا

وبرّه والعالم النقرس (١)

فليلنا من نوره مقمر

ويومنا من ضوءه مشمس

أقسم بالله وآياته

أليّة تنجي ولا تغمس

إن عليّ بن أبي طالب

منار دين الله لا يطمس

ومن حباه الله أبناء ما

في كتبه فهو لها فهرس

أحاط بالعلم الذي لم يحط

بمثله بليا ولا هرمس (٢)

__________________

١ ـ النقرس : الطبيب الماهر.

٢ ـ الهرامسة ثلاثة : هرمس الأول وهو عند العرب ادريس. وعند العبرانيين اخنوخ وهو أول من درس الكتب ونظر في العلوم وانزل الله عليه صحائف. هرمس الثاني : كان بعد الطوفان وهو بارع في علم الطب والفلسفة. هرمس الثالث : سكن مصر وكان بعد الطوفان مشهور بالطب والفلسفة.

١٨٤

لولاه لم تخلق سماء ولا

أرض ولا نعمى ولا ابؤس

ولا عفى الرحمن عن آدم

ولا نجا من حوته يونس

هذا أمير المؤمنين الذي

شرايع الله به تحرس

وحجّة الله التي نورها

كالصبح لا يخفى ولا يبلس

تالله لا يجحدها جاحد

إلا امرء في غيّه مركس

المعلن الحق بلا خشية

حيث خطيب القوم لا ينبس

والمقحم الخيل وطيس الوغى

وإذا تناهى البطل الأحرس

جلبابه يوم الفخار التقى

لا الطيلسان الخزّ والبرنس

يرفل من تقواه في حلّة

يحسدها الديباج والسندس

يا خيرة الله الذي خيره

يشكره الناطق والأخرس

عبدك قد أمّك مستوحشاً

من ذنبه للعفو ويستأنس

يطوي إليك البحر والبر لا

يوحشه شيء ولا يونس

طوراً على فلك به سابح

وتارة تسري به عرمس (١)

في كل هيماء يرى شوكها

كأنه الريحان والنرجس

حتى أتى بابك مستبشراً

ومن أتى بابك لا ييأس

أدعوك يا مولى الورى موقناً

انّ دعائي عنك لا يحبس

فنجني من خطب دهرٍ غدا

للجسم منّي أبداً ينهس

هذا ولولا أملي فيك لم

يقرّ بي مثوى ولا مجلس

صلّى عليك الله من سيد

مولاه في الدارين لا يوكس

ما غرّدت ورقاء في روضة

وما زهت أغصانها الميّس

__________________

١ ـ العرمس : الناقة الصلبة.

١٨٥

وقال في كتابه ( أنوار الربيع في أنواع البديع ) : طبعة النجف ج ١ ص ٦٤. ومن براعاتي في الرثاء قولي في مرثية الحسين بن علي عليهما‌السلام.

كل نجم سيعتريه أفولُ

وقصارى سفر البقاء القفول

لا حق إثر سابق والليالي

بالمقادير راحلات نزول

وقال أيضاً : وقولي من قصيدة مرثية في الحسين بن علي عليهما‌السلام :

يا مصاباً قد جرّع القلب صابا

كل صبر إلا عليك جميل

ان الديوان المخطوط في مكتبة المدرسة الشبرية بالنجف الاشرف ـ قسم المخطوطات ـ والذي هو بخط البحاثة الشيخ محمد السماوي رحمه‌الله قد جمع الكثير من شعر السيد علي خان وجاء مرتباً على حسب حروف الهجاء لكن هاتين القصيدتين لم نعثر عليهما لا في الديوان ولا في غيره بالرغم من مواصلة البحث ، وتوجد نسخة تحتوي على قسم من شعره في الغزل والفخر والمديح والمراسلات في مكتبة كاشف الغطاء العامة بالنجف الأشرف ـ قسم المخطوطات ـ تسلسل ٩٣٠.

وهذه احدى روائعه وهي في روضة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

يا عين هذا المصطفى أحمدُ

خير الورى والسيد الأمجدُ

وهذه القبة قد أشرقت

دون علاها الشمس والفرقد

وهذه الروضة قد أزهرت

فيها المنى والسئول والمقصد

وهذه طيبة فاحت لنا

أرجاؤها والسفح والفرقد

وعينها الزرقاء راقت فلم

يحلّها الاثمد والمرود

فما لاحزاني لا تنجلي

وما لنيراني لا تخمد

هذا المصلّى والبقيع الذي

طاب به المنهل والمورد

أرض زكت فخراً وفاقت علىً

فالأنجم الزهر لها حُسّد

١٨٦

حصباؤها الدر وأحجارها

وتربها الجوهر والعسجد

تمنّت الأقمار والشهبُ لو

كانت نواصيها بها تعقد

فما على من كحلت عينه

بتربها لو عافها الاثمد

بها مزايا الفضل قد جمعت

وفضلها في وصفه مفرد

يغبطها البيت وأركانه

وزمزم والحجر والمسجد

مشهد سعدٍ فضله باهرٌ

ملائك الله به سجّد

وكيف لا وهو مقام لمن

له على هام العلا مقعد

وموطن الصفوة من هاشم

يا حبذا الموطن والمشهد

خير قريش نسباً في الورى

زكا به العنصر والمحتد

وخيرة الله الذي قد علا

به العلى والمجد والسودّد

غرّته تجلو ظلام الدجى

وهو الاعزّ الاشرف الاسعد

الفاتح الخاتم بحر الندى

وبرّه والمنهج الاقصد

فضّله الله على رسله

وسائر الرسل به تشهد

آياته كالشمس في نورها

أبصرها الاكمه والأرمد

حنّ اليه الجذع من فرقه

وفي يديه سبّح الجلمد

والماء من بين أصابيعه

فاض إلى أن رُوي الورّد

والقمر انشق له طائعاً

وراح بالطاعة يستسعد

والشمس عادت بعد ليل له

وعودها طوعاً له أحمد

وكم له من آية في الورى

دان لها الأبيض والأسود

حديثها ما كان بالمفترى

والصبح لا يخفى ولا يجحد

فيا رسول الله يا خر مَن

يقصده المتهم والمنجد

سمعاً فدتك النفس من سامع

دعوة داعٍ قلبه مكمد

دعاك والوجد به محدق

لعل رحماك له تنجد

١٨٧

طال بي الاسر وطال الاسى

وما على ذلك لي مسعد

قد نفذ الصبر لما نالني

وكيف لا يفنى ولا ينفد

فالغارة الغارة يا سيدي

فانك الملجأ والمقصد

حبك ذخري يوم لا والد

يغني ولا والدة تسعد

وأنت في الدارين لي موئل

إذا جفى الأقرب والأبعد

فاكشف بلائي سيدي عاجلاً

علّ حرارات الاسى تبرد

وأدنني منك جواراً فقد

ضاق بي المضجع والمرقد

وبوّأني طيبةً موطناً

فانها لي سابق مولد

وهي لعمري مقصدي والمنى

لا الا بلق الفرد ولا الاثمد

ثم سلام الله سبحانه

عليك صب دائم سرمد

وآلك الغر الكرام الاولى

لهم احاديث العلى تسند

ما غردت في الروض ايكية

وما زكت أغصانها الميّد

وما غدا ينشدنا منشد

يا عين هذا المصطفى أحمد

وله في أبي طالب عمّ النبي ، ومؤمن قريش. عن ديوانه المخطوط في مكتبة المدرسة الشبرية بالنجف الأشرف :

أبو طالب عم النبي محمد

به قام أزر الدين واشتد كاهله

كفاه فخاراً في المناقب انه

موازره دون الانام وكافله

لئن جهلت قوم عظيم مقامه

فما ضرّ ضوء الصبح من هو جاهله

فلولاه ماقامت لاحمد دعوة

ولا انجاب ليل الغيّ وانزاح باطله

أقرّ بدين الله سراً لحكمةٍ

فقال عدوّ الحق ما هو قائله

وماذا عليه وهو في الدين هضبةٌ

اذا عصفت من ذي العناد أباطله

وكيف يحلّ الذم ساحة ماجد

أواخره محمودة وأوائله

عليه سلام الله ما ذرّ شارق

وما تليت أحسابه وفضائله

١٨٨

وقال واصفاً حاله في خروجه من الهند وسفره إلى الحج وزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

اذا ما امتطيت الفلك مقتحم البحر

ووليت ظهري الهند منشرح الصدر

فما لمليك الهند إن ضاق صدره

عليّ يدٌ تقضي بنهي ولا أمر

ألم يصغ للأعداء سمعاً وقد غدت

عقاربهم نحوي بكيدهم تسري

فأوتر قوس الظلم لي وهو ساخط

وسدّد لي سهم التغطرس والكبر

وسدّ عليّ الطرق من كل جانب

وهمّ بما ضاقت به ساحة الصبر

إلى أن أراد الله إنفاذ أمره

على الرغم منه في مشيئته أمري

فردّ عليه سهمه نحو نحره

وقلّد بالنعماء من فضله نحري

واركبني فلك النجاة فاصبحت

على ثبج الدامآء سابحة تجري

فامسيت من تلك المخاوف آمناً

وعادت اموري بعد عسر إلى يسر

وكم كاشح قد راش لي سهم كيده

هناك فاضحى لا يريش ولا يبري

وما زال صنع الله ما زال واثقاً

به عبده ينجيه من حيث لا يدري

كأني بفلكي حين مدت جناحها

وطارت مطار النسر حلّق عن وكر

أسفت على المرسى بشاطئ جدّة

فجددت الافراح لي طلعة البر

وهبّ نسيم القرب من نحو مكّةٍ

ولاح سنا البيت المحرّم والحجر

وسارت ركابي لا تملّ من السرى

إلى موطن التقوى ومنتجع البر

إلى الكعبة البيت الحرام الذي علا

على كل عالِ من بناء ومن قصر

فطفت به سبعاً وقبّلت ركنه

واقبلت نحو الحجر آوي إلى حجر

ولو ساغ لي من ماء زمزم شربة

نقعت بها بعد الصدى غلة الصدر

هنالك الفيت المسرة والهنا

وفزت بما أملت في سالف الدهر

وقمت بفرض الحج طوعاً لمن قضى

على الناس حج البيت مغتنم الاجر

١٨٩

وسرت إلى تلك المشاعر راجياً

من الله غفران المآثم والوزر

وجئت منى والقلب قد فاز بالمنى

وما راعني بالخيف خوف من النفر

وباكرتُ رمياً للجمار وإنّما

رميت بها قلب التباعد بالجمر

أقمنا ثلاثاً ليتها الدهر كله

إلى أن نفرنا من منى رابع العشر

فأبتُ إلى البيت العتيق مودعاً

له ناوياً عودي اليه مدى العمر

ووجهت وجه ينحو طيبة قاصداً

إلى خير مقصود من البر والبحر

إلى السيد البر الذي فاض بره

فوافيت من بحر اسير إلى بر

إلى خيرة الله الذي شهد الورى

له أنه المختار من عالم الذر

فقبلت من مثواه أعتابه التي

أنافت على هام السماك بل النسر

وعفّرتُ وجهي في ثراه لوجهه

وطاب لي التعفير اذ جئت عن عفر

فقلت لقلبي قد برئت من الهوى

وقلت لنفسي قد نجوت من العسر

وقلت لعيني شاهدي نور حضرة

اضائت بها الأنوار في عالما الأمر

اتدرين ما هذا المقام الذي سما

على قمم الافلاك أم أنت لم تدر

مقام النبي المصطفى خر من وفى

محمد المحمود في منزل الذكر

رسول الهدى بحر الندى منبع الجدى

مبيد العدى مروي الصدا كاشف الضر

هو المجتبى المختار من آل هاشم

فيالك من فرع زكي ومن نجر

به حازت العليا لوي بن غالب

وفاز به سهما كنانة والنضر

قضى الله ان لا يجمع الفضل غيره

فكان اليه منتهى الفضل والفخر

و أرسه الرحمن للخلق رحمة

فانقذهم بالنور من ظلمة الكفر

وأودعه العلام أسرار علمه

فكان عليها نعم مستودع السر

واسرى به في ليلة لسمائه

فعاد وجيب الليل ما انشق عن فجر

وأوحى اليه الذكر بالحق ناطقاً

بما قد جرى في علمه وبما يجري

١٩٠

فانزله في ليلة القدر جملة

بعلم وما أدراك ما ليلة القدر

ولقّنه أياه بعدُ منجّماً

نجوماً تضيء الأفق كالانجم الزهر

مفصّل آيات حوت كل حكمة

ومحكم أحكام تجلّ عن الحصر

وأنهضه بالسيف للحيف ماحياً

وأيده بالفتح منه وبالنصر

فضائت به شمس الهداية وانجلت

عن الدين والدنيا دجى الغي في بدر

له خلق لو لامس الصخر لاغتدى

أرق من الخنساء تبكي على صخر

وجودٌ لو أن البحر اعطي معينه

جرى ماؤه عذباً بمد بلا جزر

إذا عبس الدهر الضنين لبائس

تلقاه منه بالطلاقة والبشر

وان ضنّ بالغيث السحاب تهلهلت

سحائب عشر من أنامله العشر

ففاضت على العافين كفّ نواله

فكم كفّ من عسر وكم فك من اسر

وكم للنبي الهاشمي عوارفٌ

يضيق نطاق الحمد عنهن بالشكر

اليك رسول الله أصبحت خائضاً

بحاراً يفيض الصبر في لجها الغمر

على ما براني من ضناً صحّ برؤه

وليس سوى رحماك من رائد بري

فانعم سريعاً بالشفاء لمسقم

تقلّبه الاسقام بطناً إلى ظهر

وخذ بنجاتي يا فديتك عاجلاً

من الضر والبلوى ومن خطر البحر

عليك صلاة الله ما اخضرت الربا

وماست غصون الروض في حلل خضر

وآلك أرباب الطهارة والنقى

وصحبك أصحاب النزاهة والطهر

وهذا لون من غزله ، أخذناه من ديوانه المخطوط :

بنفسي من قد جاز لون الدجى فرعا

ولم يكفه حتى تقمصه درعا

بدي فكأن البدر في جنح ليلة

أو الشمس وافت في ظلام الدجى تسعى

نمته لنا عشر المحرم جهرة

تطارح أترباً تكنفه سبعا

١٩١

تبدى على رزء الحسين مسوّدا

وما زال يولي في الهوى كربلا منعا

وقد سلّ من جفنيه عضبا مهنداً

كان له في كل جارية وقعا

هناك رأيت الموت تندى صفاحه

وناعي الهوى ينعى وأهل الهوى صرعى

أقول : وهذه الأبيات من السيد جواب على أبيات جاءت من عفيف الدين بن عبد الله بن حسين الثقفي المتوفى بشيراز سنة تسع عشرة ومائة وألف وهي :

بروحي مجبولاً على الحب طبعه

وقلبي مجبول على حبّه طبعا

يراقبُ أيام المحرّم جاهداً

فيطلع بدراً والمحب له له يرعى

كلُفت به أيام دهري منصف

ووجه الصبا طلق وروض الهوى مرعى

جنينا ثمار الوصل من دوحة المنى

ليالي لا واشٍ ولا كاشح يسعى

فلله أيام تقضت ولم تعد

يحق لعيني ان تسحّ لها دمعا (١)

أقول ومن هذا نعرف ان الحداد على الحسين عليه‌السلام ولبس السواد قديماً يرجع إلى القرون المتقدمة.

__________________

١ ـ عن نفحة الريحانة للمحبي ج ٤ ص ١٤١.

١٩٢

ابن خليفة المقري الكاظمي

المتوفى حدود ١١٢٠

أيفرح بالحياة شجٍ حزين

وتطمع بالرقاد له جفونُ

تحرك قلبه أيدي الرزايا

وللحزن الطويل به سكون

يميناً بالذي برء المنايا

وتلك يمين برٍّ لا يمين

إذا ما هلّ عاشور استهلت

عيون من دم مني العيون

لك الويلات من شهر مشوم

وان طالت بمدتها السنين

أيمسي فيك مغصوباً حسين

وقد أودى به الداء الدفين

وأسرته الأكارم من طريح

ذبيح منه قد قطع الوتين

بنفسي وهو خلوٌ من مُعين

عليه حرّم الماء المعين

بنفسي صحبة الاطهار دارت

عليهم للمنون رحىً طحون

بأشفار الضبى هذا جريح

وأطراف القنا هذا طعين

بنفسي السبط مجروحاً ومنه

بحرّ الترب قد عفر الجبين

ومنه الخيل تعلو فوق صدر

يهزّ سريره الروح الامين

وزينب حوله ولها عليه

عيون قد جرت منها عيون (١)

__________________

١ ـ المجموع الرائق مخطوط السيد أحمد العطار ج ٢ ص ٢٨٩.

١٩٣

هو عبد الرضا بن أحمد بن خليفة أبو الحسن المقري الكاظمي من أفذاذ القرن الثاني عشر وعلمائه وأفاضله الجامعين لفضيلتي العلم والأدب ترجمه سيدنا أبو محمد الحسن في ( تكملة الامل ) وأطراه بالعلم والفضل ، وقال : توفي حدود سنة ألف وماية وعشرين ، وعزى إليه ديوانه المرتب على الحروف في مدح الأئمة عليهم‌السلام ، قال الاميني وقد وقفنا عليه ونقلنا عنه ما أثبتناه وهو يربو على الثلاثة آلاف والخمسمائة بيتاً (١). أقول قد وقفت على ديوانه الموجود في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف ـ قسم المخطوطات برقم ٢٧٨ وأكثره في مدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومدح أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وقصائد كثيرة في الامام الحسين والأئمة الاثني عشر مرتباً على الحروف بخط المرحوم الشيخ محمد السماوي وكل ما نقلناه فهو عنه.

اما السيد الامين في الاعيان فقد ترجم له في مكانين من موسوعته ( الاعيان ) الأول في الجزء ٣٠ وأسماه خلف بن خليفة المقري وقال : وجدنا له قصيدة في بعض المجاميع العراقية التي فيها شعر لجملة من شعراء الشيعة ولم يذكر اسمه غير انه في آخرها ذكر نفسه وأباه ونسبته. انتهى

أقول انه لم يذكر اسمه وإنما أراد أنه خلف عمن سلف فتخيّل السيد ان اسمه ( خلفاً ) والقصيدة التي ذكرها السيد في الاعيان أولها :

لمصاب الحسين لا تعذلوني

وعلى رزئه الجليل اعذروني

وفي آخرها يخاطب أهل البيت عليهم‌السلام :

أنتم أنتم دليلي دليلي

أنتم أنتم أصول لديني

__________________

١ ـ الغدير ج ١١ ص ٣٦١.

١٩٤

ويقيني بكم يقيني واني

بولائي لكم يصحّ يقيني

ولكم قد عفرت لا لسواكم

وعلى الصدق أنتم تعرفوني

وتمسكت في شذاكم كما استمسكـ

في حبكم بحبل متين

هاكموها مراثياً من فتى القريّ

فمنكم غلت بدرّ ثمين

خلف من خليفة علّ يسقيه

غمامي ولي بكاس معين

وزن ما قاله الخليعي فيكم

أضرمت نار قلبي المحزون

يشير إلى قصيدة للخليعي المترجم في الجزء الرابع من هذه الموسوعة وأول القصيدة :

أضرمت نار قلبي المحزونِ

صادحات الحمام فوق الغصون

اما المكان الثاني ففي الجزء ٣٨ ص ٢٧ قال :

أبو الحسن الشيخ عبد الرضا بن أحمد بن خليفة المقري الكاظمي. توفي حدود سنة ١١٢٠ كان أديباً شاعراً كثير الشعر في الأئمة الاطهار ، رأيت له ديواناً مرتباً على الحروف كله في مدائح النبي وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم ، ومن عادته ان يذكر اسمه في آخر كل قصيدة. فمن محاسن قوله :

حتى متى لا تفكني الغصص

ولي بحبي للمصطفى حصص

شاع غرامي بآله وفشا

فللورى في محبتي قصص ـ انتهى.

وللشيخ عبد الرضا المقري الكاظمي في رثاء أبي عبد الله الحسين (ع) :

لست أبكي لمربع ومقيل

ما له من يد البلى من مقيل

بل بكائي على الحسين سليل الـ

ـطهر سبط النبي وابن البتول

بأبي وهو في الطفوف وقد

طاف به من عداه كل قبيل

١٩٥

وقال ، عن ديوانه المخطوط :

أفي عاشور أطمع بالرقاد

ولم أكحل جفوني بالسهاد

يمثل لي الحسين بكربلاء

تقلّبه أمية بالجياد

ومنه سنان ركّب في سنان

كريماً نوره كالشمس باد

ونسوته على قتب المطايا

يطاف بهن في كل البلاد

وقد سلبت سناها الشمس حتى

تبدّى الصبح في ثوب السواد

بروحي العابد السجاد خير

الورى من حاضر فيها وباد

عليل الجسم مغلول طليق

المدامع قيدوه بالصفاد

يرى راس الامام السبط أنى

توجه فوق عالية الصعاد

ونسوته على الاقتاب اسرى

بوادي للاعادي في البوادي

كأني بالبتول لدى التنادي

أمام العرش واقفة تنادي

وقال : عن ديوانه المخطوط :

قلب به جمرات الوجد تلتهب

ورسم جسم محت آثاره النوبُ

وأعينٌ كلما هلّ المحرم في الأ

رض استهلت دما لم تحكها السحب

أفدي الذي دون ان يأتي ببادرة

بكربلاء عليه دارت النوب

قضى على الماء عطشاناً ومن دمه

تروى الصوارم والخطية السلب

والهفتاه أمثل السبط منعفر

ومجده لم تصله السبعة الشهب

نساوه بين أبناء اللئام وما

في رحله من بقايا الرسل منتهب

يشهرن في المدن فوق البدن عارية

كل من السير أدمى جسمها القتب

مهتكات ولا ذنب جنين سوى

لهن أحمد جدٌ والوصيُ أب

وقال في مطلع قصيدة :

دموع على سفح الخدود لها قطر

تسح إذا ما شحّ في سفحه القطر

١٩٦

وقال في اخرى :

فؤاد به للوجد متقد جمرُ

وأدمع عيني من دمي أبداً حمر

وعن ديوانه أيضاً في الرثاء :

ما كنت ممن قدبكى أطلالا

عفى البلا ظلالها وظِلالا

لكن بكيت على الحسين وآله

بين الأعادي نسوة ورجالا

بأبي قتيل بالطفوف لقتله

في القبر فاطم اعولت إعوالا

وعليه أمسى المصطفى في قبره

متلهفاً يجري الدموع سجالا

وبكت له السبع الطباق وزلزل

الارضون حتى أهلها زلزالا

أسفي لمرضوض الجبين ونوره

الوضاح في جنح الدجى يتلالا

عار عليه فصّلت من نسجها

أيدي الرياح والبست سربالا

تطأ السنابك صدره ، وكريمه

من فوق معتدل الأسنة مالا

أيموت مثل السبط من حرّ الظما

وأبوه يسقي في غد سلسالا

ولثغره يعلو القضيب وطالما

من ريقه رشف النبي زلالا

وترضّ منه الخيل صدراً ضم

علم الله جل جلاله وتعالى

إن يرتدي حمر الملابس غدوة

فسيرتدي خضراً لها آصالا

أو يمسي منعفراً فإن له عُلا

مجد يجرّ على السهى أذيالا

قسماً بكم آل النبي وانه الـ

ـقسم العظيم وما سواه فلالا

ما هلّ شهر محرم إلا ومن

جفني أسلت المدمع الهمّالا

وله في مطلع أخرى :

لا تنكروا دمعاً جرى وتسلسلا

وحشاً بقيد الحادثات تسلسلا

١٩٧

وله من قصيدة ، عن الديوان :

لم يشجني بعد النضارة أربع

درست معالمها الرياح الأربع

لكن شجاني من بعاشورا غدا

ظمآن من كاس المنون يجرّع

أفديه وهو مجرد والشمر في

صمصامه الاوداج منه يقطّع

ويقول ان المصطفى جدي

وأمي فاطم وأبي عليُ الانزع

يا للرجال أما لأحمد ناصر

في الله يرغب في الثواب ويطمع

أيحلّ قتل موحّد يا ويلكم

عمداً بلا ذنب وجرم يصنع

لهفي على الجسم المغادر بالعرى

شلواً على الرمضاء وهو مبضع

والخيل داست منه في جريانها

صدراً به سر النبوة مودع

وعلى ثنايا طالما لثمت بفي

المختار أحمد في قضيب تقرع

وقال يذكر اعتقاده بالله وبرسوله وأهل بيته. عن ديوانه :

أشهد الله انني أشهد ان لا

إله إلا الله الأزليُّ

أول آخر عزيز حكيم

ظاهر باطن شديد قوي

كان من قبل كل شيء ويبقى

حين لا حي غيره وهو حي

لم يكيّف ولا يجدد بأين

قد تعالى عن ذاك فهو العلي

وهو نور ولا يُرى ويرى

والكفر في القول إنه مرئي

وهو الله في السماوات والأرض

قديم بالملك ديومي

ونبيّ محمد أنزل الذكر

عليه والمعجز العربي

والمؤدي عن ربه ما به قد

جاءه والبلاغ منه الوحي

واعتقادي ان الأئمة اثنان

وعشر والنص فيهم جلي

واحد بعد واحد دون فصل

وعليهم بالأمر نص النبي

فعليٌ ثم ابنه الحسن المسموم

ثم الحسين ثم عليّ

١٩٨

وابنه باقر العلوم كذا جعفر

الصادق والكاظم الامام النقي

والرضا والجواد ثم عليٌ

بعدُ والعسكري والمهدي

شهد الله انني أتولاهم

واني من مبغضيهم بري

وبأن القران غير قديم

بل كلام من خلقه محكي

ومن الله ينزل الخير ، والشر

عن الله مطلقاً منفي

وبأني لا زلت ألعن قوماً

عصوا الله ، والكفور عصي

فعليهم لعائن الله والاملاك

والناس دائم سرمدي

والذي غير ما اعتقدت يرى

فهو غبن أو جاحد وغوي

ان هذي عقيدتي لم أحل عنها

وهذا هو الصراط السويُّ

١٩٩

الشيخ سُليمان الماحوزي

المتوفى ١١٢١

سل المنازل عن أربابها الأولِ

ذوي الكمال وأهل العلم والعملِ

وكيف بانوا وأنى بعدها نزلوا

وما جرى بعد ذاك الحادث الجلل

سل المنازل عنهم بعد رحلتهم

عنها يجيبك منها دارس الطلل

أين الأولى نشرت أعلام فضلهم

فما كليب وأهل الأعصر الأول

على الديار عفاء بعد رحلتهم

عنها فلا نفع بعد البين في الطلل

وإن نسيت فلا أنسى الحسين بها

فرداً تعرّى عن الاسباب والوصل

قد حلئوه زلال الماء ما رقبوا

فيه البتول وقربى سيد الرسل

وكرّ فيهم كليث الغاب صال على

سرب النعام فأدناه إلى الأجل

ينصبّ كالسيل من عال ولا عجب

بمن أبوه أمير المؤمنين علي

حدّث عن البحر يا هذا بلا حذر

وما تشاء فقل في العارض الهطل

وفي آخرها :

بها سليمان يرجو من عواطفكم

فوز المعاد وهذا منتهى أملي (١)

__________________

١ ـ عن مجموعة خطية في مكتبة الامام الصادق ـ حسينية آل الحيدري رقم ٧٥ وعن مجموعة الشيخ لطف الله المخطوطة سنة ١٢٠١ في مكتبة اليعقوبي.

٢٠٠