أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٥

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٣

وقال الشيخ القمي في الكنى والألقاب : شيخ الاسلام والمسلمين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الجبعي العاملي الحارثي ، قال صاحب السلافة في حقه ما ملخصه : هو علامة البشر ومجدد دين الأئمة عليهم‌السلام على رأس القرن الحادي عشر اليه انتهت رياسة المذهب والملة وبه قامت قواطع البراهين والأدلة وجمع فنون العلم فانعقد عليه الاجماع وتفرد بصنوف الفضل فبهر النواظر والاسماع فما من فن إلا وله فيه القدح المعلى ، والمورد العذب المحلّى ، ان قال لم يدع قولاً لقائل ، او طال لم يأت غيره بطائل ، مولده بعلبك عند غروب الشمس يوم الاربعاء لثلاث عشر بقين من ذي الحجة سنة ٩٥٣ وانتقل به والده وهو صغير الى الديار العجمية فنشأ في حجره بتلك الاقطار المحمية وأخذ عن والده وغيره من الجهابذ حتى أذعن له كل مناضل ومنابذ فلما اشتد كاهله وصفت له من العلم مناهله ولي بها شيخ الاسلام وفوضت اليه أمور الشريعة على صاحبها الصلاة والسلام ولم يزل آنفاً من الانحياش الى السلطان راغباً في العزلة عازفاً عن الاوطان يؤمل العود الى السياحة. ويرجو الاقلاع عن تلك الساحة فلم يقدر له حتى وافاه حمامه وترنم على أفنان الجنان حمامه وأخبرني بعض ثقات الأصحاب ان الشيخ قصد قبل وفاته زيارة المقابر في جميع من الأجلاء الأكابر فما استقر بهم الجلوس حتى قال لمن معه اني سمعت شيئاً فهل فيكم من سمعه؟ فأنكروا سؤاله واستغربوا مقاله وسألوه عما سمعه فأوهم وعمّى في جوابه ثم رجع الى داره فأغلق بابه فلم يلبث أن أصاب داعي الردى فأجابه وكانت وفاته لاثنتي عشرة خلون من شوال المكرم سنة ١٠٣١ باصبهان ونقل قبل دفنه الى طوس فدفن بها في داره قريباً من الحضرة الرضوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والتحية انتهى.

أقول وترجم له الخفاجي في ريحانة الالباء وذكر له شعراً كثيراً وروائع جميلة والبهائي نادرة من نوادر الزمان ، فقيه أصولي ، وفيلسوف حكيم ، وطبيب نطاسي ، ومهندس رياضي ، وفلكي نحوي ، وصوفي زاهد ، وسائح

١٠١

مؤرخ ، وأديب شاعر ، وباحث ماهر ، ولغوي مبدع ، وبحاثة محقق. جامع كل فنٍ غريب وحاوي كل علم عجيب.

وترجمه السيد عباس المكي في الجزء الاول من نزهة الجليس وعدد مؤلفاته وجوانب حياته وقال : كان مقبول الهيئة سمح الكف حسن المنظر عالي الهمة فمن شعره ارجوزته الوعظية :

ألا يا خائضاً بحر الأماني

هداك الله ما هذا التواني

أضعتَ العمر عصياناً وجهلاً

فمهلاً أيها المغرور مهلاً

مضى عمر الشباب وأنت غافل

وفي ثوب العمى والجهل رافل

الى كم كالبهائم أنت هائم

وفي وقت الغنائم أنت نائم

وطرفك لا يرى إلا طموحاً

ونفسك لم تزل أبداً جموحا

وقلبك لا يفيق من المعاصي

فويلك يوم يؤخذ بالنواصي

بلال الشيب نادى في المفارق

بحيّيّ على الذهاب وأنت غارق

ببحر الجهل لا تصغى لواعظ

ولو أطرى وأطنب في المواعظ

على تحصيل دنياك الدنية

مجدّاً في الصباح وفي العشية

وجهد المرء في الدنيا شديد

وليس ينال منها ما يريد

وكيف ينال في الاخرى مرامه

ولم يجهد لمطلبها قلامه

وقوله :

يا نديمي بمهجتي أفديك

قم وهت الكؤس من هاتيك

هاتها هاتها مشعشعة

أفسدت نسك ذا التقى والنسيك

خمرة ان ضللت ساحتها

فسنا نور كاسها يهديك

يا كليم الفؤاد داوِ بها

قلبك المبتلى لكي تشفيك

١٠٢

هي نار الكليم فأجتلها

واخلع النعل واترك التشكيك

صاح ناهيك بالمدام فدم

في احتساها مخالفاً ناهيك

عمرك الله قل لنا كرماً

يا حَمام الأراك ما يبكيك

أترى غاب عنك أهل منىً

بعدما قد توطنوا واديك

ان لي بين ربعهم رشأ

طرفه ان تمت أساً يحييك

لست أنساه اذ أتى سحراً

وحده وحده بغير شريك

طرق الباب خائفاً وجلاً

قلت : مَن قال : كل مَن يرضيك

قلت صرّح فقال تجهل من

سيف ألحاظه يمكّن فيك

بات يسقي وبتّ أشربها

خمرة تترك المقلّ مليك

ثم جاذبته الرداء وقد

خامر الخمر طرفه الفتّيك

ثم وسّدته اليمين الى

ان دنى الصبح قال ليَ يكفيك

قال ماذا تريد قلت له

يا منى القلب قبلةً في فيك

قال خذها فقد ظفرت بها

قلت زدني فقال لا وابيك

قلت مهلاً فقال قم فلقد

فاح نشر الصَبا وصاح الديك

وقوله :

للشوق الى طيبة جفني باك

لو صار مقامي فلك الأفلاك

استنكفُ ان مشيت في روضتها

ألمشي على أجنحة الاملاك

وقوله :

من أربعة وعشرة إمدادي

في ست بقاع سكنوا يا حادي

في طيبة والغرى وسامراء

في طوس وكربلا وفي بغداد

وقوله في الإمامين الجوادين عليهما‌السلام :

١٠٣

ألا يا قاصد الزوراء عرّج

على الغربيّ من تلك المغاني

ونعليك اخلعن واسجد خضوعاً

إذا لاحت لديك القبّتان

فتحتهما لعمرك نار موسى

ونور محمد متقارنان

وقوله كما رواه الخفاجي في ريحانة الألباء :

هذا النبأ العظيم ما فيه كلام

هذا لملائك السماوات إمام

مَن يمّم بابَه يَنل مطلبه

مَن طاف به فهو على النار حرام

وللشيخ البهائي كما رواه السيد الأمين في الأعيان :

يا رب إني مذنب خاطئ

مقصّر في صالحات القرب

وليس لي من عمل صالح

أرجوه في الحشر لدفع الكرب

غير اعتقادي حبّ خير الورى

وإله ، والمرء مع مَن أحب

وقوله ـ وقد رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وتمتع بالنظر الى جماله :

وليلة كان بها طالعي

في ذروة السعد وأوج الكمال

قصّر طيب الوصل من عمرها

فلم تكن إلا كحلّ العقال

واتصل الفجر بها بالعشا

وهكذا عمر ليالي الوصال

إذ أخذت عيناي في نومها

وانتبه الطالع بعد الوبال

فزرته في الليل مستعطفاً

أفديه بالنفس وأهلي ومال

واشتكي ما أنبا فيه من الـ

ـبلوى وما ألقاه من سوء حال

فأظهر العطف على عبده

بمنطق يزري بعقد اللئال

فيا لها من ليلة نلتُ في

ظلامها ما لم يكن في خيال

امست خفيفات مطايا الرجا

بها واضحت بالأماني ثقال

سيقت في ظلمآئها خمرة

صافية صرفاً طهوراً حلال

١٠٤

وابتهج القلب بأهل الحمى

وقرّت العين بذاك الجمال

ونلتُ ما نلت على أنني

ما كنت استوجب ذاك النوال

وذكر السيد في السلافة للشيخ البهائي قوله :

بالذي ألهم تعذيبي

ثناياك العِذابا

ما الذي قالته عيناك

لقلبي فأجابا

وقوله وهو من الشعر القصصي ـ من سوانح الحجاز :

كان في الاكراد شخص ذو سداد

أُمّه ذات اشتهار بالفساد

لم تخيّب من نوالٍ طالباً

لم تمانع عن وصال راغباً

دارها مفتوحة الداخلين

رجلها مرفوعة للفاعلين

فهي مفعول بها في كل حال

فعلها تمييز أفعال الرجال

كان ظرفاً مستقراً وكرها

جاء زيد قام عمر ذكرها

جاءها بعض الليالي ذو أمل

فاعتراها الابن في ذاك العمل

شق بالسكين فوراً صدرها

في محاق الموت أخفى بدرها

مكّن الغيلان من أحشائها

خلص الجيران من فحشائها

قال بعض القوم من أهل الملام

لم قتلت الأم يا هذا الغلام

كان قتل الشخص أولى يا فتى

إن قتل الأم شيء ما أتى

قال يا قوم اتركوا هذا العتاب

إن قتل الأم أدنى للصواب

كنت لو أبقيتها فيما تريد

كل يوم قاتلاً شخصاً جديد

انها لو لم تذق حدّ الحسام

كان شغلي دائماً قتل الأنام

أيها المأسور في قيد الذنوب

أيها المحروم من سرّ الغيوب

أنت في أسر الكلاب العاوية

من قوى النفس الكفور العاتية

١٠٥

كل صبح ومساء لا تزال

من دواعي النفس في قيل وقال

كل داع خية ذات التقام

قل مع الحيات كم هذا المقام

ان تكن من لسعها تبغي الخلاص

أو ترم من عض هاتيك المناص

فاقتل النفس الكفور الجانية

قتل كرديٍ لأمٍّ زانية

أيها الساقي أدر كأس المدام

واجعلن في دورها عيشي مدام

خلص الأرواح من قيد الهموم

أطلق الأشباح من أسر الغموم

فالبهائي الحزين الممتحن

من دواعي النفس في أسر المحن

١٠٦

الشيخ محمد علي الطريحي

كان حياً ١٠٣٦

رواها الشيخ فخر الدين في ( المنتخب ) :

جاد ما جاد من دموعي السجام

لمصاب الكريم نجل الكرام

قلّ صبري وزاد حزني ووجدي

فهمومي كأسي ودمعي مدامي

إنما حسرتي وهمّي وحزني

ونحيبي وزفرتي واضطرامي

لسليل البتول سبط رسول الله

نور الإله خير الأنام

لست أنسى الحسين بالطف ملقىً

عافر الخد ناحر النحر دامي

لست أنساه وهو فيهم وحيداً

قد أحاطت به علوج اللئام

* * *

يا بني أحمد عصام البرايا

أنتم النور في دياجى الظلام

أنتم عدتي ليوم معادي

لست أخشى من الذنوب العظام

أنتم العارفون مقدار حبي

فهو كافٍ عن منطقي وكلامي

قلت في مدحكم وأخلصت ودّي

ورجائي وملجأي واعتصامي

فخذواها من مسلمي وفيٍّ

نجفي مهذب بالنظام (١)

__________________

١ ـ أورد السيد الامين في الاعيان هذه القصيدة ونسبها للشيخ محي الدين بن الشيخ محمود وهو وهم.

١٠٧

محمد علي الطريحي

كان حياً ١٠٣٦ هـ

هو الشيخ محمد علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن طريح بن خفاجي بن فياض ابن حيمه بن خميس بن جمعه بن سليمان بن داود بن جابر بن يعقوب المسلمي العزيزي. من أعلام أسرته المشاهير ووالد الشيخ فخر الدين ذكره المحقق الطهراني في الروضة النضرة في المائة الحادية بعد العشرة ص ١١٤ في ذكر اجازة حفيده الشيخ حسام الدين ابن الشيخ جمال الدين لتلميذه الشيخ محمد جواد بن كلب علي الكاظمي بقوله : الشيخ الورع التقي النقي. وذكره صاحب مخطوطة من كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) وعليها اجازات متعددة وهي اليوم بتملّك الشيخ محمد علي القمي الحائري بكربلاء.

ومن شعره الذي يرثي به الإمام الحسين (ع) قوله :

حاد ما جاد بالدموع السجام (١).

__________________

١ ـ عن شعراء الغري ج ٩ ص ٤٥٥.

١٠٨

الشيخ زين الدين حفيد الشهيد الثاني

وفاته ١٠٦٤

قال يرثي الحسين عليه‌السلام بقصيدة مخمسة (١) :

سلبت لوعتي لذيذ الرقاد

وكستني ثوب الضنا والسهاد

ورماني دهري بسهم العناد

وغرامي ما إن له من نفاد

كل يوم وليلة في ازدياد

لي حزن في كل آن جديد

وعناء يشيب منه الوليد

والتهاب يذوب منه الحديد

قد بكى رحمة لحالي الحسود

ودموع تسح سحّ الغوادي

لست أبكي لفقد عصر الشباب

وتقضي عهد الهوى والتصابي

وصدود الكواعب الاتراب

وتنائي الخليط والاحباب

من سليمى وزينب وسعاد

قد نهاني النهى عن التشبيب

وادكار الهوى وذكر الحبيب

فتفرغت للأسى والنحيب

مذ أتى زاجراً نذير المشيب

معلماً بالفناء حين ينادي

__________________

١ ـ ذكرها الشيخ علي بن محمد بن الحسن. شقيق المترجم له في كتابه ( الدر المنثور ) والشيخ الاميني في شهداء الفضيلة ص ١٥٧.

١٠٩

بل بكائي لأجل خطب جليل

أضرم الحزن في فؤاد الخليل

ورمى بالعناء قلب البتول

وأسال الدموع كل مسيل

فتردى الهدى بثوب الحداد

رزء من قدبكت له الفلوات

واقشعرّت لموته المكرمات

وهوت من بروجها النيرات

والمعالي لفقده قائلات

غاب والله ملجأي وعمادي

فجعة نكست رؤوس المعالي

واستباحت حمى الهدى والجلال

ورمت بالقذى عيون الكمال

قد أناخت بخير صحب وآل

عترة المصطفى النبي الهادي

يا لها فجعة وخطباً جسيما

أوقعت في حشى الكليم كلوما

وبقلب الامير حزناً مقيما

وأعادت جسم القسيم سقيما

جفنه للأسى حليف السهاد

لهف نفسي على رهين الحتوف

حين أمسى نهب القنا والسيوف

ثاوياً جسمه بأرض الطفوف

وهو ذو الفضل والمقام المنيف

وسليل الشفيع يوم المعاد

منعوه ورود ماء الفرات

وسقوه كاس الفنا والممات

بعد تقتيل اهله والحمات

وأحاطت به خيول الطغات

بمواضي الضبا وسمر الصعاد

١١٠

الشيخ زين الدين ابن الشيخ محمد شارح ( الاستبصار ) ابن الشيخ حسن صاحب المعالم ابن الشيخ زين الدين الشهيد الثاني العاملي الجبعي المكي المتوفى سنة ١٠٦٤

ولد بجبع سنة ١٠٠٩ وتوفي بمكة المكرمة ٢٩ ذي الحجة الحرام سنة ١٠٦٤ ودفن مع والده بالمعلّى عند أم المؤمنين خديجة الكبرى. في أمل الآمل : شيخنا الأوحد كان عالماً فاضلاً متبحراً محققاً ثقة صالحاً عابداً ورعاً شاعراً منشئاً أديباً حافظاً جامعاً لفنون العلم العقلية والنقلية لا نظير له في زمانه ، قرأ على أبيه وعلى الشيخ الأجل بهاء الدين العاملي وجماعة من علماء العرب والعجم وجاور بمكة مدة وتوفي بها. له شعر جديد (١).

أورد الشيخ زين الدين ـ هذا ـ السيد علي خان المدني ترجمة في سلافة العصر وذكر الكثير من شعره ، وترجم له أيضاً المحبي في خلاصة الأثر في القرن الحادي عشر ج ٢ ص ١٩١ ، وترجم له أيضاً سيدنا الصدر الكاظمي في تكملة أمل الآمل ، وجاء ذكره في خاتمة مستدرك الوسائل ص ٣٩٠.

وفي كتاب ( شهداء الفضيلة ) عندما ذكر أحفاد الشهيد الثاني قال :

الشيخ زين الدين بن محمد بن الحسن بن زين الدين ـ الشهيد الثاني.

هو أستاذ صاحب الوسائل ، قال في أمل الآمل : شيخنا الأوحد كان عالماً فاضلاً متبحراً ، مدققاً محققاً ثقة صالحاً عابداً ورعاً شاعراً منشياً أديباً جامعاً حافظاً لفنون العلم النقليات والعقليات ، جليل القدر عظيم المنزلة لا نظير له في زمانه ، قرأ على أبيه وعلى الشيخ بهاء الدين العاملي وعلى مولانا

__________________

١ ـ عن أعيان الشيعة ج ٣٣ ص ٣٠٢.

١١١

محمد أمين الاسترابادي وجماعة من علماء العرب والعجم ، جاور مكة وتوفى بها ودفن عند خديجة الكبرى. قرأت عليه جملة من كتب العربية والرياضة والحديث والفقه وغيرها ، وكان له شعر رائق وفوائد وحواشي كثيرة وديوان شعر صغير رأيته بخطه ، ولم يؤلف كتاباً مدوناً لشدة احتياطه ولخوف الشهرة. انتهى.

وأطراه صاحب الدر المنثور وذكر كثيراً من شعره. وقال صاحب السلافة : انه زين الأئمة وفاضل الأمة وملث غمام الفضل وكاشف الغمة ، شرح الله صدره للعلوم شرحاً وبنى له من رفيع الذكر صرحاً إلى زهد أسس بنيانه على التقوى وصلاح أهلّ به ربعه فما أقوى وآداب تحمر خدود الورد من أنفاسها خجلاً وشيم أوضح بها غوامض مكارم الأخلاق وجلا.

رأيته بمكة شرفها الله تعالى والفلاح يشرق من محياه وطيب الاعراق يفوح من نشر رياه وما طالت مجاورته بهاحتى وافاه الأجل ، وانتقل من جوار حرم الله إلى جوار الله عز وجل فتوفى سنة اثنتين وستين وألف رحمه الله تعالى. وله شعر خلب به العقول وسحر ، وحسدت رقته أنفاس نسيم السحر ، فمنه ما كتب إلى الوالد من مكة المشرفة مادحاً وذلك عام ١٠٦١ :

شام برقا لاح بالابرق وهنا

فصبا شوقاً الى الجزع وحنّا

وجرى ذكر اثيلات النقا

فشكى من لاعج الوجد وأنّا

دنف قد عاقه صرف الردى

وخطوب الدهر عما يتمنى

شفّه الشوق إلى بان اللوى

فغدا منهمل الدممع معنى

أسلمته للردى أيدي الأسى

عندما أحسن بالأيام ظنا

طالما أمّل إلمام الكرى

طمعاً في زورة الطيف وأنى

كلما جنّ الدجى حنّ إلى

زمن الوصل فأبدى ما أجنا

وإذا هبّ نسيم من رُبا

حاجر أهدى له سقماً وحزنا

يا عريباً بالحمى لولاكم

ما صبا قلبي إلى ربع ومغنى

١١٢

كان لي صبر فأوهاه النوى

بعدكم يا جيرة الحي وأفنى

قاتل الله النوى كم قرحت

كبداً من ألم الشوق وجفنا

كدّرت مورد لذاتي وما

تركت لي من جميل الصبر ركنا

قطعت أفلاذ قلبي والحشا

وكستني من جميل السقم وهنا

فإلى كم أشتكي جور النوى

وأقاسي من هوى ليلى ولُبنى

قد صحا قلبي من سكر الهوى

بعدما أزعجه السكر وعنّى

ونهاني عن هوى الغيد النهى

وحباني الشيب إحساناً وحسنا

وتفرغت إلى مدح فتى

سنّة المعروف والأفضال سنّا

يجد الربح سوى نيل العلا

من مراقي المجد خسراناً وغبنا

سيد السادات والمولى الذي

أمّ إنعاماً وأفضالاً ومَنا

لم يزل في كل حين بابه

مأمناً من نوب الدهر وحصنا

غمرت سحب أياديه الورى

نِعماً فهو للفظ الجود معنى

نسخ الغامر من أفضاله

( حاتماً ) و ( الفضل ) ذا الفضل و ( معنى )

ورث السؤدد عن آبائه

مثل ما قد ورثوا بطناً فبطنا

حلّ من أوج العلى مرتبة

صار منها النسر والعيّوق أدنى

تهزء الأقلام في راحته

برماح الخط لما تتثنى

جادنا من راحيته سحب

تمطر العسجد لاماء ومزنا

يا عماد المجد يا من لم تزل

من معاليه ثمار الفضل تُجنى

عضني الدهر بأنياب الأسى

تركتني في يد الاسواء رهنا

هائماً في لجّة الفكر ولي

جسد أنحله الشوق وأضنى

كلما لاح لعيني بارق

من نواحي الشام أضناني وعنا

تتلظى كبدي شوقاً إلى

صبية خلفت بالشام و ( أفنى )

ركبت امالنا شوق الى

ورد انعامك والافضال سفنا

بعدما أنحلت العيس السرى

وأبادت في فيافي البيد بُدنا

وباكنا فك يا كهف الورى

من تصاريف صروف الدهر لذنا

١١٣

ونُهني مجدك العالي بما

حازه بل كلما حاز تهنى

وابق يا مولى الموالي بالغاً

من مقامات العلى ما تتمنى (١)

ومن شعره :

ولما رأينا منزل الحي قد عفا

وشطّت أهاليه وأقوت معالمه

لبسنا جلابيب الكآبة والأسى

وأضحى لسان الدمع عنا يكالمه

وقوله :

كم ذا أواري الجوى والسقم يبديه

وأحبس الدمع الأشواق تجريه

شابت ذوائب آمالي وما نجحت

وليل هجرك ما شابت نواصيه

ولاهب الوجد في الاحشاء يخمده

رجا الوصال وداعي الشوق يذكيه

رفقاً بقلبي المعنى في هواك فما

أبقيت بالهجر منه ما يُعانيه

وكيف يقوى على الهجران ذو كبد

جرت لطول التئاني من مآقيه

ما زال جيش النوى يغزو حشاشته

حتى طواه الضنى عن عين رائيه

يا من نأى وله في كل جارحة

مني مقام إذا ما شطّ يدنيه

هل أنت بالقرب بعد اليأس منعطف

وراجع من لذيذ العيش صافيه

فقد تمادى الجوى فينا ورقّ لنا

قاسي قلوب العدى مما نقاسيه (٢)

ومن قوله أيضاً كما في السلافة :

سئمت لفرط تنقلي البيداءُ

وشكت لعظم ترحلي الانضاء

ما ان أرى في الدهر غير مودع

خلا وتوديع الخليل عناء

أبلى النوى جلدي وأوقد في الحشا

نيران وجد ما لها إطفاء

فقدت لطول البين عيني ماءها

فبكاؤها بدل الدموع دماء

__________________

١ ـ شهداء الفضيلة للشيخ الأميني.

٢ ـ أعيان الشيعة ج ٣٣.

١١٤

فارقت أوطاني وأهل مودتي

وخرائداً غيداً لهنّ وفاء

من كل مائسة القوام إذا بدت

لجمال بهجتها تغار ذُكاء

ما اسفرت والليل مرخٍ ستره

إلا تهتك دونها الظلماء

ترمي القلوب بأسهم تصمي وما

لجراحهن سوى الوصال دواء

شمس تغار لها الشموس مضيئة

ولها قلوب العاشقين سماء

هيفاء تختلس القلوب إذا رنت

فكأنما لحظاتها الصهباء

ومعاشر ما شان صدق ولائهم

نقض العهود ولا الوداد مِراء

ما كنت أحسب قبل يوم فراقهم

ان سوف يقضى بعد ذاك بقاء

فسقى ثرى وادي دمشق وجادها

من هاطل المزن الملث حياء

فيها أهيل مودتي وبتربها

لجليل وجدي والسقام شفاء

ورعى ليالينا التي في ظلها

سلفت ومقلة دهرنا عمياء

أترى الزمان يجود لي بايابها

ويتاح لي بعد البعاد لقاء

فإلى متى يا دهر تصدع بالنوى

اعشار قلب ما لهنّ قواء

وتسومني منك المقام بذلّة

ولهمتي عما تسوم إباء

فأجابني لولا التغرب ما ارتقى

رتب المكارم قبلك الاباء

فاصبر على مرّ الخطوب فإنما

من دون كل مسرّة ضراء

واترك تذكرك الشآم فإنما

دون الشآم وأهلها بيداء (١)

__________________

١ ـ نزهة الابصار ج ٣ ص ٤٦٦.

١١٥

ابن جمال

المتوفى ١٠٧٢ هـ

أرى الصبر يفنى والهموم تبيد

وجسمي يبلى والسقام جديد

وذكرني بالنوح والحزن والبكا

غريب بأكناف الطفوف فريد

عطاشى على شاطي الفرات فما لهم

سبيل إلى قرب المياه ورود

لقد صبروا لا ضيّع الله صبرهم

إلى أن فُنوا من حوله وأبيدوا (١)

__________________

١ ـ بطل العلقمي للشيخ عبد الواحد المظفر ، الجزء الثالث ص ٣٣٦.

١١٦

ابن الجمال

مولده ١٠٠٢

وفاته ١٠٧٢ هـ

" ١٥٩٣

" ١٦٦١ م

قال الزركلي في الاعلام ج ٥ ص ٧٤ :

علي بن أبي بكر بن علي نور الدين ابن الجمال المصري بن أبي بكر بن علي ابن يوسف الانصاري الخزرجي المكي الشافعي : فقيه فرضي ، من العلماء. مولده ووفاته بمكة. له تصانيف ، منها ( المجموع الوضاح على مناسك الايضاح ) و ( كافي المحتاج لفرائض المنهاج ) و ( قرة عين الرائض في فنّي الحساب والفرائض ) و ( التحفة الحجازية في الأعمال الحسابية ـ خ ) و ( فتح الوهاب على نزهة الحسّاب ـ خ ).

وترجم له المحبي ترجمة واسعة وعدد مصنفاته وآراء الفقيهة وما تفرّد به من الفتاوى. قال : وكانت وفاته يوم الاثنين لثمان بقين من شهر ربيع الثاني سنة اثنتين وسبعين وألف ، ودفن بمقبرة المعلاة (١).

وقال الشيخ القمي في الكنى : ابن جمال علي بن أبي بكر بن نور الدين علي الانصاري الخزرجي المكي الشافعي ، كان صدراً عالي القدر محققاً تشدّ اليه الرحال للأخذ عنه ، له مصنفات في الفقه والفرائض والحساب والحديث وغير ذلك ، توفي سنة ١٠٧٢.

__________________

١ ـ خلاصة الاثر ج ٣ ص ١٢٨.

١١٧

فخر الدين الطريحي

المتوفى ١٠٨٥

يا جد ذا نحر الحسين مضرج

بالدم والجسم الشريف مجرّدُ

يا جد حولي من يتاما اخوتي

في الذل قد سلبوا القناع وجردوا

يا جد من ثكلي وطول مصيبتي

ولما أعانيه أقوم واقعد

يا جد ذا صدرالحسين مرضض

والخيل تنزل من علاه وتصعد

يا جد ذا ابن الحسين مكبّل

ومغلل في قيده ومصفد

يا جد ذا شمر يروم بفتكه

ذبح الحسين فأيّ عين ترقد (١)

__________________

١ ـ عن نسخة مخطوطة للمنتخب.

١١٨

الشيخ فخر الدين الطريحي

نبغ في القرن الحادي عشر الهجري الإمام الفقيه المحقق اللغوي الشيخ فخر الدين بن الشيخ محمد علي بن الشيخ أحمد إلى آخر ما مرّ في سلسلة نسب هذه الأسرة المنتهي نسبها إلى حبيب بن مظاهر الأسدي الشهيد بين يدي الإمام الحسين (ع) يوم كربلاء. وبنو أسد من أشرف القبائل وأكثرها عدداً.

ولد الشيخ فخر الدين في النجف الأشرف سنة ٩٧٩ هـ ونشأ محباً للعلم شغوفاً بالمعارف والكمالات فكتب وصنف وألّف ، وأجاد وأفاد كما شهد له أقرانه بذلك أمثال المجلسي صاحب بحار الانوار ، والحر العاملي صاحب الوسائل.

وهذه مصنفاته تشهد له بطول الباع وسعة الاطلاع ، فهذا كتاب ( مجمع البحرين ومطلع النيرين ) في الكتاب والسنّة وقد طبع مراراً وهو المرجع للباحثين والمتأدبين وكتاب ( غريب الحديث ) وكتاب ( الضياء اللامع في شرح الشرائع ) وكتاب ( غريب القرآن ) وبالجملة فمؤلفاته تقارب الثلاثين مؤلفاً.

قال الشيخ عبد المولى الطريحي في مؤلفه المخطوط ( تاريخ الأسرة الطريحية ) : للشيخ فخر الدين شعر جيد كثير قد ضمن أكثره في ( المنتخب ) وكأنه اقتصر في شعره على المديح والمراثي لأهل البيت عليهم‌السلام وأكثره في الإمام الشهيد الحسين عليه‌السلام ، وقد وجدتُ له أرجوزة خاصة في حديث الكساء. ومن شعره قوله كما في المنتخب :

يا عترة الهادي النبي ومَن هم

عزي وكنزي والرجا والمفزعُ

١١٩

وآليتكم وبرئت من أعدائكم

فأنا بغير ولائكم لا أقنع

صلى الإله عليكم ما أحييت

فكرٌ وأوقفت العيون الهمّعُ (١)

وقوله من أخرى :

سقى الله قبراً بالغري وحوله

قبور بمثوى الطف مشتملاتِ

ورمساً بطوس لابنه وسميه

سقته السحاب الغر صفو فرات

وفي طيبة منهم قبور منيرة

عليها من الرحمن خير صلاة (٢)

أقول كنت أثناء مطالعتي للمنتخب أستجلي من بعض عبارات الشيخ عظيم تمسكه بأهل البيت عليهم‌السلام وشدة ولائه لهم مما جعلني أعتقد انه على جانب عظيم من الولاء ، ومما جاء من قسم المنظوم قوله :

وإني لمطوي الضلوع على جوى

متى حلّ فوق الجمر يحترق الجمر

أحنّ إلى أنفاسكم ونسيمكم

وأذكركم والصب يقلقه الذكر

فقربكم مع قلة المال لي غنى

وبعدكم مع كثرة المال لي فقر

وجاء أيضا :

يا مخزن الوحي والتنزيل يا أملي

يا من ولاؤهم في القبر يؤنسني

حزني عليكم جديد دائم أبداً

ما دمت حياً إلى ان ينقضي زمني

كانت وفاة الشيخ الطريحي سنة ١٠٨٥ هـ في الرماحية ( وهي المدينة المعروفة الواقعة في أواسط الفرات بين ربوع قبائل خزاعة يوم كانت آهلة بالسكان وماثلة للعيان. ونقل للنجف ودفن في تربته وقبره معروف مشهور في داره التي يقطنها اليوم أسرة آل الطريحي بقرب مسجده الذي صلى فيه زمناً.

__________________

١ و ٢ ـ ورواها الشيخ محمد السماوي في ( الطليعة ).

١٢٠