منهج الرّشاد في معرفة المعاد - ج ١

محمّد نعيم بن محمّد تقي [ الملا نعيما العرفي الطالقاني ]

منهج الرّشاد في معرفة المعاد - ج ١

المؤلف:

محمّد نعيم بن محمّد تقي [ الملا نعيما العرفي الطالقاني ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
ISBN: 964-444-108-7
ISBN الدورة:
964-444-109-5

الصفحات: ٣٨٢

كان الطلّاب الطّالقانيّون يتوجّهون إلى الحوزة العلميّة في قزوين حين كانت عاصمة لإيران وقبل انتقال مركز الحكومة الصّفويّة إليها ، وبعد انتقال المركز إلى مدينة اصفهان المباركة الّتي كانت تعدّ حقّا جنّة ثانية مدّة مديدة. وكانوا يواصلون دراستهم فيها ما كان ذلك يسيرا. وكان بعضهم يذهب إلى أصفهان للإفادة من أساتذتها المعروفين. وكان بين أهل الطّالقان عدد كبير من العلماء ، وأولي القريحة ، والخطّاطين المشهورين. وعرف النّاس فيها بالجدّ والمثابرة والعزم الوطيد والقناعة والرّأفة.

وكان صديقي العزيز الأستاذ القدير الفريد في عصرنا غلام حسين أميرخاني أستاذ خطّ النّستعليق ، والأستاذ البارع المغفور له درويش عبد المجيد الطّالقانيّ سقى الله تربته مخترع الخطّ الجميل الجذّاب من أهل الطّالقان ، ويترجم ذلك ذوقهم وقريحتهم.

وكان السّيّد شرف الدّين محمود الطّالقانيّ نجل السّيّد علاء الدّين بن السّيّد جلال الدّين الطّالقانيّ من مدرّسي الفلسفة الكبار في قزوين. وكان قد تعلّم الحكمة والعرفان من ابن أبي جمهور الأحسائيّ. وكانت طهران يومئذ قليلة السّكّان ونسبة الّذين يعرفون القراءة والكتابة فيها ١٠% ، أمّا نسبتهم في مدينتنا (آشتيان) فهي ٧٠% ، وأمّا نسبتهم في الطّالقان فهي ٦٠%.

وكان عدد من العرفاء وأولي القريحة الأدبيّة في فراهان الشّاملة مدنا متعدّدة الواقعة بين أراك (سلطان آباد) وهمدان. (١) وبزّ أبناء آشتيان ، وتفرش ، وجرجان أيضا معاصريهم زمنا ، ثمّ أفل نجمهم بعد قرنين.

* * *

__________________

ـ وأفاد من دروس سماحة آية الله العظمى الأستاذ المحقّق المغفور له السّيّد محمّد الدّاماد الّذي كان متوغّلا في التّدريس. زرته مرّتين أو ثلاث مرّات قبل سبع سنين تقريبا في مشهد مع جماعة من الّذين كانوا يحضرون درسه في التّفسير ، وكانوا من محبّيه ، وكنت لم أره منذ ثلاثين سنة.

(١) كان المغفور له الميرزا بزرگ قائم مقام العديم المثيل في درايته وذكائه وطيب نفسه وخبرته ، والفريد في سلامة روحه من أعاظم تلك المدينة. وكان نجله أبو القاسم أيضا من كبار عصره وعرف بذكائه ودرايته التّامة ، ولا نظير له في الإنشاء. ولم يبلغ ما بلغ أبوه في إدارة شئون الدّولة ، وكان له في القسوة باع. وكان إعماء خسرو ميرزا وأخيه عملا في غاية القبح ، وما فعله إلّا لكي لا يحلّ خسرو ميرزا محلّ محمّد شاه عاشق ميرزا آقاسي الّذي جعل أمور الدّولة إلى رجل غير كفوء وهو الآخوند الإيروانيّ عدد سنين ، وأصيب هو بنقرس شديد ، وكان يعتقد أنّ الحاج لا يرى مصلحة أن يشفيه ، وإذا رأى مصلحة في ذلك فهو يشفيه.

٢١

كان الشّيخ محمّد تقي فرشته (١) ابن الشّيخ محمّد جعفر ابن الشّيخ محمّد كاظم الطّالقانيّ المتوفّى سنة ١١٨٦ ه‍. وهو تلميذ أبيه والميرزا حسن اللاهيجيّ مؤلّف زواهر الحكم المشتمل على دورة من أصول عقائد الشّيعة ، وقد طبع مع (منتخبات فلسفي) الّذي أعددته.

توفّي الشّيخ محمّد جعفر سنة ١١٦١ ه‍. وكان من تلاميذ والده في الفلسفة والكلام ، وقرأ علم الحديث على الملّا محمّد باقر.

كان الشّيخ محمّد كاظم القزوينيّ الطّالقانيّ المتوفّى سنة ١٠٩٤ ه‍. من تلاميذ الشّيخ البهائيّ في الفقه ، ومن تلاميذ ميرداماد وفندرسكي.

درس الآخوند الملّا نعيما الطّالقانيّ بن الشّيخ محمّد تقيّ عند أبيه وغيره من الأساتذة بقزوين. ثمّ غادرها إلى أصفهان دار العلم لإكمال دراسته والحصول على الاجتهاد. ودرس الفقه والأصول عند أفضل المجتهدين في عصره وهو محمّد بهاء الدّين المعروف بالفاضل الهنديّ نجل تاج الدّين حسن الأصفهانيّ. وتعلّم الحكمة المتعالية عند شيخنا الأقدم الملّا محمّد صادق الأردستانيّ ، ثمّ أصبح في عداد المدرّسين العلماء تدريجا.

ولمّا كان الفاضل الهنديّ مدرّسا لكتاب الشّفاء ، ثمّ لخصه بعد ثماني عشرة سنة تقريبا ، فربما درس الملّا نعيما إلهيّات الكتاب المذكور عند ذلك الأستاذ الفذّ.

يعدّ كتاب كشف اللثام في الفقه من الكتب النّادرة المثال في عصر الفقه الاستدلاليّ. وقد أثنى عليه فحول الفقهاء. وكان صاحب كتاب جواهر الكلام ـ عظّم الله قدره ـ يوليه اهتماما خاصّا عند تصنيف كتابه المذكور ، كما كان يرجع إليه. وعند ما بلغ مبحث الزّكاة توقّف عن العمل ، ولمّا سئل عن سبب ذلك ، قال : كشف اللثام من مصادر كتاب جواهر الكلام لذا أوصيت أن يؤتى ببقيّة أجزائه من أصفهان.

توفّي الفاضل الهنديّ يوم سقوط أصفهان ودفن في مقبرة «تخت بولاد». وزرت قبره في سفرتي السّابقة إلى أصفهان واستمددت منه ما يزيد همّتي. وكان الفقيد أصفهانيّا ، عرف بالفاضل الهنديّ بسبب مرافقته لأبيه في سفرته القصيرة إلى الهند.

وهمّ الفاضل الهنديّ في أيّام شبابه بإعداد تفسير جامع للقرآن الكريم. ونقل بعض

__________________

(١) انظر : مجلّة الحوزة العلميّة بقمّ ، العدد ٥٨ ، ص ١٧٤.

٢٢

الأعلام أنّه بلغ قرابة ٣٥ أو ٣٦ جزءا.

مرّ بنا أنّ عددا من المفسّرين أفلحوا في إعداد تفاسيرهم إذ نشئوا في بيئة تفسيريّة وكان لهم باع في التّفسير ، وفي حقل العبادة والطّاعة عبروا من مقام الظّاهر إلى الباطن في الأقلّ ، وألسنتهم تنطق بهذه العبارة الملكوتيّة للآيات : «كأنّي أنظر إلى عرش الرّحمن بارزا» (١) من هذا المنطلق ، المفسّر غافل بالنسبة إلى أهل التّأويل.

ونقل الخاصّة والعامّة عن خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

«انّ القرآن انزل على سبعة أحرف ، لكلّ آية منها ظهر وبطن ، ولكلّ حرف حدّ ومطلع.» (٢)

وذكر الشّيخ الكبير صدر الدّين القونويّ وجمع كثير من محقّقي العامّة ما نصّه :

قال عليّ عليه‌السلام : «لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب.» (٣)

المراد من التّفسير هنا الحقيقة الجامعة بين التّفسير والتّأويل. والتّأويل رجوع الشيء إلى أصله ، واتّصال المرتبة النّازلة من القرآن الكريم بالمرتبة العالية منه. لذا فانّ حظّ من كان في مرتبة البطون القرآنيّ شهود الكلام الغيبيّ ، والآيات القرآنيّة عنده من محكمات الكتاب الحقّ.

القرآن نازل من المقام الرّبوبيّ ، ويستظهره الحفّاظ أو يكتبونه على الورق ، وهو رفيع الدّرجات ، وإن كان نزوله من مقام الغيب مختلف. وإنّ حظّ خاتم الأنبياء منه هو الحقيقة الواردة على مقامه : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى). (٤) ولا حاجز بينه وبين الحقّ تعالى ، فلا جرم أنّه كما قال : «نزلت نزلة يسيرة». ونزل القرآن الكريم على قلبه المبارك صلى‌الله‌عليه‌وآله مع الاتّصاف بمقام الجمع الثّاني لكافّة الحقائق القرآنيّة ، ولكلّ مرتبة أحكام.

* * *

قلنا : كانت بين الطّالقان وقزوين علاقة عريقة ممتدّة. وبعد أن أصبحت أصفهان مركزا للإمبراطوريّة الشّيعيّة بهمّة الشّاه عبّاس الأوّل ، كان كثير من طلّاب العلم يذهبون إليها لمواصلة دراساتهم العليا بعد إكمال المرحلة التّمهيديّة في مناطقهم ، ولم تضارع النّجف

__________________

(١) يستشفّ هذا المضمون من حديث حارثة. انظر : الكافى ٢ : ٥٤.

(٢) تفسير الصافي ١ : ٥٢.

(٣) بحار الانوار ٩٢ : ٩٣.

(٤) النجم : ٩.

٢٣

الأشرف يومئذ اصفهان بسبب حرارة جوّها ، وافتقارها إلى الماء العذب الصّافي ، وعدم جامعيّتها في العلوم المتداولة. وعند ما سيطر الأوباش على أصفهان ، اختفى كثير من طلّاب العلم ، وتوجّه بعضهم إلى العتبات المقدّسة. وعلى الرّغم من أنّ اصفهان لم تستعد مجدها الغابر ، لكن نبغ فيها رجال كبار كانت لهم صفة الأستاذيّة. وكان طلّاب العلم يرونها مكانا مناسبا لكسب أنواع العلوم. وكان طلّاب الطّالقان يدرسون في حوزتها ، كما كان فيها مدرّسون مشهورون من أهل الطّالقان.

كان مير سيّد حسن الطّالقاني أستاذ الحزين اللّاهيجيّ فقيها أصوليّا حكيما عارفا شاعرا مشهورا ومن أحفاد الشّيخ الأجلّ العارف المشهور الشّيخ زاهد الجيلانيّ. وكان المذكور يدرس العلوم النّقليّة في العتبات المقدّسة ، ودرس العرفان النّظريّ عند العارف المحققيّ وبلغ فيه درجة رفيعة. كما بلغ الشّيخ محمد علي المعروف بالحزين اللاهيجيّ مكانة سامية عنده. وكان هذا الشّيخ يرى أنّ مير سيّد حسن الطّالقانيّ لا مثيل له في العرفان النّظريّ.

وقام الشّاه سلطان حسين باخراج جميع أحفاد الشّيخ زاهد الجيلانيّ الّذين كانوا يحظون باحترام الصّفويّين من اصفهان بارشاد مربّيه الملّاباشي ، وبحجّة واهية تتلخّص في أنّ العرفان شجرة الزّقّوم ، أخرجهم بنحو مهين وخرب المكان الّذي كان يقيم فيه الملّا محسن الفيض العزاء. وممّن نفي عن مدينته العالم الكبير في زمانه الملّا محمّد صادق الأردستانيّ الّذي عانى من البرد الشّديد والثّلج الكثير في الطّريق بين نجف آباد واصفهان ، وفقد ابنه الصّغير بسبب ذلك.

ونفي أيضا المغفور له الحزين اللّاهيجيّ. وكان هذا الرّجل أفضل أحفاد الشّيخ زاهد في عصره. وترك اصفهان خائفا مترقّبا ولسان حاله يقول : (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). وكان يتنقّل من مكان إلى آخر حائرا ، وكان الوضع في اصفهان سيّئا بسبب أخبارها المرعبة وكانت شمس الصّفويّين آخذة بالأفول تدريجا ، ويعود قرب هذا الأفول إلى عصر الشّاه سليمان. وفقد هذا الملك قدرته على اتّخاذ القرار منذ أواسط حكومته بسبب عجزه الشّديد. مع هذا ، ما دام وزيره الأعظم المغفور له الشّيخ علي خان زنگنه المعبّر عنه باعتماد الدّولة على أريكة السّلطة وكان حيّا ، فانّه كان ينجز الأعمال بنحو من الأنحاء. و

٢٤

كان يقلّل حوالات الشّاه المدمّرة لإيران إلى أدنى حدّ ، ويبدي خوفه وذعره من خلوّ خزينة الدّولة.

ويعدّ الشّيخ علي خان زنگنه (أمير كبير) الحكومة الصّفويّة في عصره. وكان المغفور له الميرزا محمّد خان زنگنه رجلا كفوءا ذا دراية ، خدم بلاده في الحكومة القاجاريّة بتبريز آمرا عسكريّا. وكان كيّسا عارفا بالآداب. وكان الميرزا تقي خان أمير كبير ـ قدس‌سره ـ يعمل تحت إشرافه برهة من الزّمن ، وتعلّم منه طريق السّلوك وعلم الأدب إلى حدّ ما. وكان الميرزا محمّد خان من أحفاد الشّيخ علي خان.

كان الميرزا بزرگ قائمقام أحد السّياسيّين الكبار في العصر القاجاريّ. وكان من دهاة عصره وعظماء زمانه. بعد موته ، عرف الأجانب الّذين كانوا يتعاملون مع الحكومة الإيرانيّة وعبّاس ميرزا نائب السّلطنة أنّهم صنعوا من عبّاس ميرزا غولا كبيرا في نظرهم بسبب فهم الميرزا بزرگ ونبوغه وعلمه ، فبانت لهم نقاط ضعفه.

وكان نجل الميرزا بزرگ شخصيّة عظيمة ، وأديبا وشاعرا كبيرا ، بيد أنّه كان قاسيا ، مصابا بغرور متأصّل في نفسه ، ولم يكن كأبيه في أداء الأعمال وإنجازها ، لكنّه إذا قيس بمن جاء بعده فإنّه يبزّهم. وكان نائب السّلطنة عبّاس ميرزا متفوّقا أيضا على أقاربه تفوّقا بيّنا. وإنّ أحد الأعمال القبيحة الّتي قام بها القائمقام إعماء خسرو ميرزا وأخيه ظانّا أنّه يقدّم خدمة لمحمّد شاه.

* * *

اتّخذ عدد من طلّاب العلم والمعرفة القادمين من الطّالقان قزوين سكنا لهم بعد ما قدموا إليها من أجل الدّراسة ، فتلقّبوا بها على كرور الأيّام والسّنين.

كان سماحة الأستاذ سيّد أماجد الحكماء والفقهاء المغفور له السّيّد أبو الحسن القزوينيّ أعلى الله مقامه يقول : جاء جدّنا الأعلى من الطّالقان إلى قزوين للدّراسة وتوطّنها. ونحن ذكرنا أنّ والدة الميرزا أبي الحسن القزوينيّ هي بنت العالم الجليل السّيّد علي القزوينيّ صاحب التّعليقات والحواشي على قوانين الأصول للميرزا القمّيّ. وكتب السّيّد عليّ شرحا مفصّلا على معالم الأصول ، وهو في كمال الإتقان ، وقد تعرّض فيه إلى حواشي الشّيخ الأجلّ محمّد تقي على المعالم ، وعنوانه : هداية المسترشدين. وكان السّيّد

٢٥

عليّ من أعاظم تلاميذ الشّيخ الأنصاريّ ، والسّيّد حسين كوه كمري.

وكان المغفور له الميرزا رفيعا القزوينيّ من أجلّة تلاميذ الشّيخ الأنصاريّ ، وفي العلوم العقليّة من تلاميذ الملّا اسماعيل بن محمّد سميع الأصفهانيّ. وكان معاصرا للأستاذ الشّهير الحكيم المتألّه السّبزواريّ رضوان الله عليه. وذهب والده وأخوه الملّا شفيعا من الطّالقان إلى قزوين لطلب العلم ، وتوطّناها. كما أنّ جدّ السّادة (شهيدي قزويني) و (الملّا صالح) وأخاه الآخر ، كانوا من أهل برغان قريبا من كرج أو بين قزوين وكرج ، ودرسوا في قزوين ، وتقدّم أولاده في العلم.

* * *

الطّالقان منطقة من المناطق التّابعة لطهران ، وتقع في الشّمال الغربيّ منها. وهي منطقة جبليّة ، وقسم مهمّ منها في وادي شاهرود وأغلب قراها محاذية للرّوافد المتفرّعة من نهر المدينة المذكورة. ويبلغ عدد قراها ثماني وسبعين قرية. وعدد سكّانها ، على ما جاء في الجزء الخامس من معجم معين (قسم الأعلام) الّذي أعدّه الأستاذ الجليل فضيلة الدكتور معين رحمه‌الله ، أربعة وعشرون ألفا وثلاثمائة نسمة.

ولعلّ عددهم قد زاد في هذه البرهة الّتي أكتب فيها مقدّمتي (١٤١٧ ه‍). وربما تبعت الطّالقان غيرها من المدن الصّغيرة والقرى في هجرة أهاليها إلى المدن الكبيرة.

القرى والقصبات بمنزلة الرّئة للبلاد. وما دام النّفط ، والغاز ، والمعادن موجودة وتباع ، فالمصيبة أقلّ ، ولكن إذا نفدت هذه الثّروات فانّ البلدان النّفطيّة تتحوّل إلى بلدان مستجدية ، فلا بدّلها من التّفكير بمصيرها.

الطّالقان التّابعة لقزوين هي غير الطّالقان التّابعة لخراسان ، الّتي كان منها العالم المحدّث أبو محمّد بن محمود بن خدّاش (المتوفّى ٢٤٤ ه‍) الّذي كان يسكن بغداد. واستمع الحديث من جماعة ، وهو نفسه كان ناقلا للحديث ، ومات في التّسعين من عمره.

وكان أبو عبد الله السيّديّ من أهل الطّالقان التّابعة لقزوين ، ومن أئمّة علم الحديث ، وأكابر الصّوفيّة في عصره. توفّي سنة ٣٢٠ ه‍.

وكان منها أيضا العالم المحدّث أبو الحسن عبّاد بن عبّاس بن عبّاد (المتوفّى سنة ٣٣٤

٢٦

أو ٣٣٦ ه‍) وقد سمع الحديث من جماعة وهو والد العالم المعروف الصّاحب بن عبّاد.

واخترع الأستاذ الكبير وفنّان الأعصار والدّهور الميرزا عبد المجيد الطّالقانيّ المعروف بدرويش عبد المجيد خطّ النّستعليق ، وكان ذا ذوق رفيع وقدرة خلّاقة ، ولم يبلغ أحد من أولي الفنّ ما بلغه هذا الشّخص. وربّى تلاميذ فنّانين كان لهم صيتهم الذّائع. وحظي باحترام الجميع ، ودعاه حكّام السّلالة الزّنديّة إلى شيراز ليلحق بهم ، فأصابته الحمّى في اصفهان ولم يستطع أن يستجيب لطلبهم. وكتب في آخر رسالة بعثها إليهم يخبرهم أنّ الحمّى الشّديدة قد أنهكت بنيته ، وأنّ الأطبّاء أبدوا عجزهم عن معالجته.

* * *

بعد أن انتقلت العاصمة إلى أصفهان في العصر الصّفويّ ، وجدها (سلطاني بزرگ) أفضل مكان يجدر أن يكون عاصمة لأسباب متنوّعة ، فظفر بأحسن موضع لحكومته بهمّته العالية. وتتمتّع المدينة بمناخ يندر مثله ، وبيئة تبعث على النّشاط ، وكانت فيها مدارس متعدّدة. والأهمّ من ذلك كلّه أنّ لها سوابق خاصّة من حيث عراقتها ، ولذا كانت محطّا لأنظار الشّعراء ، وقاعدة لإقبالهم على تلك الجنّة الثّانية الّتي كان نهر (زنده رود) أو (زاينده رود) رصيد حياتها :

كأنّ حنين الزنرود خلالها

حنين أسود للمجاعة تزأر

ترى ماءها مثل اللّجين وأرضها

كجنّة عدن روضها يتعطّر

وعند ما انتقلت العاصمة إلى طهران ، ظلّت اصفهان محافظة على مركزها العلميّ مدّة مديدة ، وكانت لقزوين حوزة علميّة مهمّة نوعا ما ، بيد أنّ الطلّاب كانوا يقصدون اصفهان لنيل الدّرجات العالية من العلم. ولكن تبدّلت طهران إلى حوزة علميّة مهمّة ، ورغب فيها أساتذة كبار ، وتقاطر عليها طلّاب العلم من الطالقان ، وقزوين وزنجان ، وأمصار أخرى منها آذربايجان ، ومدن القفقاز الشّيعيّة المهمّة ـ مع أنّ حوزتها كانت حديثة ـ لدراسة الحكمة والعرفان والفقه والعلوم الرّياضيّة ، وزادتها دار الفنون [جامعة طهران] أهمّيّة.

وكانت حوزة طهران أقرب حوزة إلى طلّاب الطّالقان. وكان طلّاب العلوم النّقليّة والعقليّة في الماضي يذهبون إلى قزوين الّتي كانت مركزا مهمّا ردحا من الزّمن. أمّا في الفترة الّتي كان فيها السّيّد الدّاماد المعروف بالميرمحمّد باقر ـ أكبر فيلسوف إسلاميّ بعد

٢٧

عصر الخواجه نصير الدّين الطّوسيّ ، وكان معلما بارزا في علوم الفقه والأصول والرّجال والحكمة الإلهيّة ـ فإنّ وجوده في أصفهان اقتاد إليها طلّاب العلم. وتوجّه إليها طلّاب من الهند والقطيف والأحساء ، وغيرها من المناطق الشّيعيّة لحضور درس العالم المذكور. وكان الملّا صدرا (صدر الدّين الشّيرازيّ) وميرفندرسكي ، وجماعة من الأكابر من طلّابه. علما أنّ ميرفندرسكي كان معاصرا للملّا صدرا ، ولم يدرس صدر المتألّهين الحكمة والفلسفة إلّا عند المير محمّد باقر الدّاماد. وكان ميرفندرسكي فيلسوفا مشّاء تابعا لابن سينا. وأفاد من درس العلّامة چلبي بيك في قزوين ، ومن حوزة درس الملّا ميرزا جان الشّيرازيّ المشهور بفاضل باغنوي في فارس. (١).

البحث في معنى المعاد

إنّ أحد المباحث المعضلة في القرآن الكريم والأحاديث والرّوايات المأثورة عن أهل بيت الوحي والرّسالة عليهم‌السلام هو بحث المعاد. وينبغي ألّا يرجع الّذين لا حظّ لهم من العلم الإلهيّ (٢) إلى القرآن الكريم في هذه المسألة.

يعتقد جمهور المتكلّمين بالمعاد الجسمانيّ. وينبغي الاهتمام التّامّ بهذا البحث الخطير وهو أنّ الحنابلة لا يقولون ببقاء الرّوح ، ويرون أنّ النّفس الإنسانيّة النّاطقة مادّيّة صرفة ، ويذهبون إلى أنّ القيامة هي هذا العالم المادّيّ المتصرّم المتقضّي ، وينكرون بصراحة

__________________

(١) نسبة إلى (باغ نو) القريبة من شيراز. وهو العالم المعروف بالملّا ميرزا جان. كان من أساتذة العلوم العقليّة في شيراز. درس عنده العلّامة چلبي بيك في شيراز. ذكر أصحاب السّير والتراجم أنّ ميرفندرسكي درس في البداية عند العلّامة چلبي بيك تبريزيّ ، ثمّ نال درجة عالية عند (إشراق) وهو الميرداماد نفسه.

(٢) طلب سيّد العارفين بسرّ الأنبياء وإمام العالم أمير المؤمنين عليه‌السلام من أصحابه أن يحاجوا الخوارج بالأحاديث الصّحيحة لا بالقرآن الكريم ، لأنّ القرآن «حمّال ذو وجوه».

ابتعد البعض عن المباحث العميقة للمعاد المذكور في القرآن. ومن المباحث المحيّرة والعويصة مبحث هبوط الإنسان. قال تعالى : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ). (البقرة / ٣٦) الخطاب هنا للجميع ، وفي بعض الحالات لآدم وحوّاء.

وردت في كتاب العقل والجهل من كتاب أصول الكافي روايات مأثورة عن حملة الوحي لا يتيسّر إدراكها لشدّة غموضها. جاء في كتاب العقل : أوّل ما خلق الله العقل فقال له : أقبل فأقبل ، وقال له : أدبر فأدبر ... الصّعود والنّزول في العقل (الصّادر الأوّل) وفي الإنسان ، لأنّ طبيعة الانسان بعد الهبوط لها صعود أيضا بالوجود التّبعيّ (إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ). (البقرة / ١٥٦).

٢٨

عودة الأرواح إلى الأجسام وما ماثل ذلك من مباحث ، ولا يهتمّون بالآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة. ولم يفهموا أنّ الهويّة الإنسانيّة والحقيقة البشريّة لا تنعدم ، وأنّ الإنسان يلتحق بملكوت الوجود بعد الموت.

إنّ أجهل النّاس وأضلّهم عن صراط الحقّ هم الّذين لا يعتقدون بجهة التّجرّد والبقاء في الإنسان ، ولا بتحقّق وجود البرزخ بعد الموت ، ولا بعالم المثال وعالم العقل.

هذا الضّرب من الأقوال ينسب إلى كافّة علماء العامّة وبعض الخاصّة من المحدّثين الّذين لا يمتلكون اطّلاعا كافيا حول الكلام التّحقيقيّ والعلم الإلهيّ.

تنبيه

تنقسم المسائل المرتبطة بالمعاد إلى قسمين :

في قسم من هذه المسائل ، يستطيع العقل المنوّر بنور الإيمان ـ في المباحث المتعلّقة بمعرفة النّفس وكيفية ظهور الإنسان في هذه النّشأة من الوجود ، وفي الإلهيّات المتكفّلة بكثير من الحقائق ـ أن يبلغ نقطة معيّنة عن طريق الحضور في مجلس الأساتذة الكبار ، وعبر تجريد الذّهن ، والدّراسات الدّقيقة في مرحلة الدّراسة.

إنّ فترة الشّباب وربيع الحياة فترة تكون فيها القوى الدّماغيّة للإنسان ، وبالنتيجة نفسه ، على استعداد تامّ لاستيعاب المسائل العلميّة ، وتستطيع أن تدرك كثيرا من المباحث العالية ، وأخيرا فإنّ طريق الفهم مفتوح ، والمحجّة واضحة.

القسم الآخر من المسائل والمباحث المرتبطة بمعرفة النّفس في مستوى يعجز العقل البشريّ عن إدراكها وإن كانت له قوّة إدراك قليلة المثيل ، وهو أعجميّ في هذا المجال. وأخيرا فانّه في هذه المسائل العويصة ، يتعثّر في الأوّليّات المرتبطة بالآخرة. بعامّة ، إنّ إدراك مباحث ما وراء الطّبيعة صعب المنال ، بيد أنّه سهل المنال في المباحث المتعلّقة بالآخرة.

لم يتجاوز ما كتبه الرّئيس ابن سينا (١) عظّم الله قدره في المعاد عدّة صفحات ، فكيف بالآخرين؟ أمّا في الشّئون العامّة وسائر المباحث فقد وفّى الكلام حقّه. ولا يدرك ما بعد

__________________

(١) ما زال الرّئيس ابن سينا حيّا بعد ألف سنة ومطالبه الحيّة الخاصّة ليست قليلة في آثاره.

٢٩

الدّنيا من عوامل ونشئات إلّا من زكّى نفسه فيها ، ومن بلغ المقامات الرّفيعة بعكوفه على العبادة وفقا لتعاليم أهل البيت عليهم‌السلام ، ومن فتحت لهم أبواب الغيب تدريجا.

ما لم يصل السّالك إلى العلم الحاصل من الأعمال فانّ انغماره أو رجوعه إلى الكثرة محتمل. وفي مجال الآية الكريمة المباركة (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) وردت إشارات لطيفة من أصحاب الولاية الكليّة إلى العلم الحاصل من العمل ، وهي موجودة أيضا في الآيات القرآنيّة مثل قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ). ونقلت في هذا الموضوع أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام وسائر الائمّة ورثة علومهما ومقاماتهما وأحوالهما لا يتيسّر إدراك مضامينها عن طريق العقل النّظريّ.

قال بعض العارفين :

«إنّ شجرة طوبى أصل لجميع شجرات الجنّات كآدم ظهر من البنين ؛ فإنّ الله لمّا غرسها بيده ونفخ فيها من روحه ، زيّنها بثمرة الحليّ والحلل الّذين فيها زينة للابسها ؛ فنحن أرضها كما جعل ما على الأرض زينة لها ...»

نقل العامّة والخاصّة ما نصّه :

«إنّ طوبى شجرة أصلها في دار عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وليس مؤمن إلّا وفي داره غصن منها ؛ وذلك قول الله تعالى : (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ). (١)

كان مولى الموالي أمير المؤمنين عليه وعلى أولاده السّلام ذا ولاية كلّيّة ، وحقيقة هذه الولاية سارية في جميع الأشياء بظهورات مختلفة باعتبار الاستعدادات. ولظهورها في مجال متعدّد خاصّيّة المجلى : (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً). (٢) وفي الحديث الصّحيح : «ويل لمن كان شفعاؤه خصماءه.» ولا بدّ من الإذعان «انّ لرسول الله شفاعة مقبولة» وهذا حديث تلقّته جميع الفرق صاحبة الرّأي بالقبول ، وأوّله بعضهم.

حقيقة طوبى وأس أساسها عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. لذا عبّر عنه بعض العارفين بقولهم : «أقرب النّاس إلى رسول الله عليهما‌السلام وسرّ الأنبياء وإمام العالم». والمراد من المأثور «طوبى شجرة في الجنّة» الجنّة نفسها. من هنا نقل في الحديث المتّفق عليه بين

__________________

(١) الرعد : ٢٩.

(٢) الإسراء : ٨٢.

٣٠

الفريقين أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ ، يدور معه حيثما دار. ولهذا الحديث معان متعدّدة ، ومعناه الحقيقيّ وحقيقته يدلّان على أنّ حظّ أمير المؤمنين عليه‌السلام من المقامات مقام «أو أدنى» ، وتلك الحقيقة (عليّ عليه‌السلام) صاحبة جنّة الأسماء والذّات. وجنّة الأفعال وحدها قاصرة عن قبول الإحاطة العلويّة وصاحب جنّة الصّفات والذّات في نهاية القرب من ربّ الأرباب : «يدور مع الحقّ حيثما دار ويدور الحقّ معه حيثما دار».

إنّ قرب أولي السّلوك من طلّاب التّوحيد ـ الّذين ذاقوا طعم العلم الحاصل من العمل ـ إلى الحقّ هو إمّا من قبيل قرب النّوافل ، وصاحب هذا المقام يعلم أنّ النّافلة غير ملزمة ، بيد أنّ نيل مقام القرب التّامّ لا يحصل بلا عبور من قرب النوافل. ومن خواصّ قرب النّوافل هي أنّ الحقّ تعالى قال : العبد يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى كنت سمعه وبصره ... وإمّا كبعض أرباب السّلوك أصحاب قرب الفضائل. وفي هذا القرب تكون إرادة العبد مندكّة في إرادة الحقّ. وقد فرض الحقّ تعالى عليهم الأعمال والعبادات الّتي يلتزم العبد بأدائها ، على خلاف القرب الحاصل من النّوافل الّتي يسوق الحقّ الملتزمين بها إلى مقام القرب ، بيد أنّ الأثر المترتّب على الفرائض لا يترتّب عليها.

وهم ودفع

القائلون بالتّناسخ ينكرون المعاد ، ويعتقدون أنّ النّفس في انتقال دائم من جسم إلى آخر ، من هنا فهم ينكرون الحشر والنّشر أي : المعاد.

نقل عن الأئمّة عليهم‌السلام أنّهم قالوا : من قال بالتّناسخ فهو كافر.

من مفاسد التّناسخ إنكار المعاد. ومن الأمور المسلّم بها أنّ عودة الرّوح إلى البدن في القيامة معاد ، وأنّ عودتها وتعلّقها بالبدن في الدّنيا تناسخ. وهذا البحث لا يرتبط بإحياء الأموات ، بل هو أمر آخر.

إنّ مسألة الرّجعة ليست من سنخ إحياء الأموات في النّشأة الدّنيويّة ، وظهور أصحاب الولاية الكلّيّة من المحمّديّين في عالم الدّنيا من غوامض المسائل والمباحث في هذا الباب. ولا يتيسّر إدراك معنى الرّجعة وكيفيّة تحقّقها لكلّ أحد.

٣١

إنّ من الآيات العظيمة المحيّرة المربّية للعارف والعاميّ هي الموت في نشأة عالم المادّة بأمر الحقّ ، والإحياء فيه أيضا. وهذا الضّرب من الموت والحياة هو غير الموت في هذا العالم والحياة في عالم الآخرة : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ.) (١) ولو مات أحد في هذه الدّنيا وحيي بأمر الله تعالى ، فانّ موتا آخر سيدركه أيضا.

الضّرب الآخر من الموت المقارن للحياة يرتبط بمن تقوم قيامتهم في هذا العالم ولا تأثير لنفخة إسرافيل في مقام السّفر إلى الآخرة مطلقا. والموت الّذي سيدرك سكّان الملك والملكوت في آخر المطاف يعني أنّهم سيجاورون الحقّ لمحة البرق بسبب العبادات وتعلّق مشيئة الحقّ بهم ـ إذ بلغوا مقام البقاء بعد الفناء والفناء عن الفناءين والصّحو الآخر ـ وإذا كتفت نفوسهم بذاتها واستغنت عن معلّم بشريّ ، فمعلّمها شديد القوى ، ؛ وحظيت «بجذبة من جذبات الحقّ يوازي عمل الثّقلين». والّذين لا يتحقّقون بقرب الفرائض ، فإنّ سيرهم محبّي.

جاء في آية كريمة مباركة أنّ الّذين لم تقم قيامتهم في هذه الدّنيا فإنّ أثر صعقة الفناء وحكم الفناء باق إلى أن ينبّههم الحقّ بقدرته الباهرة تبعا لاستعداداتهم كي يجزوا بأعمالهم. وإنّ الّذين تجري عليهم أحكام الصّعق ينقسمون إلى أقسام : بعضهم لا يقع عليه العذاب بسبب أعمالهم الصّالحة ، وإن كانت الأكثريّة الساحقة غير مشمولة بحكم قرب النّوافل والفرائض ، بيد أنّ أولي السّعادة يفوزون. وعلى الرّغم من أنّ منشأ تلك الأعمال المتجسّدة في صور المعاصي يشملهم في بداية ظهور غضب الحقّ ، ولكنّ النّاجين أكثر من الهالكين في النّار ، والموحّدون لا يخلدون في نار غضب الحقّ ، إلّا أنّ المكث والتّفنّن في العذاب النّاتج من حالات وملكات معيّنة في حدّ أنّ الله تعالى نفسه عالم بحقيقته ومدّته وبالعذاب النّاتج من غضبه ـ وقودها النّاس ، أي : العاصون ، والحجارة ، أي : القلوب الّتي هي أقسى من الحجر.

وينقطع العذاب عن البعض لأسباب مجهولة غامضة على الجميع ، ثمّ يعود بعد مدّة لمسوّغات اقتضت ، وينقطع مرّة أخرى بعد مضيّ فترة. ويمنى العصاة بعد قطع العذاب

__________________

(١) الزّمر : ٦٨.

٣٢

بعذاب أشدّ ، وهو الخوف من رجوع عذاب أبلغ إيلاما لا يمكن وصفه.

(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ). علاقة الحقّ تعالى بنظام الوجود لا يخصّ «جهة دون جهة».

لمّا كان الحقّ تعالى لا يتناهى ، وكان وجودا صرفا وبسيط الحقيقة ، فهو مرتبط بالخلق من جهات مختلفة. وجاء التّعبير عن معيّة الحقّ للموجودات بالمعيّة القيّوميّة ، وكما قال أعلم الخلائق وأقرب الموجودات إلى رسول الله وسرّ الأنبياء والأولياء : فهو تعالى دان في علوّه وعال في دنوّه ، وقيل ـ ونعم ما قيل ـ : نسبة خلق الأوّل إليه كنسبة خلق الآخر.

لذا تصرّف الحقّ في الأشياء هو من جهات عديدة «ولكلّ وجهة هو مولّيها». والموجودات متفاوتة من حيث الطّلب ، ولكن قد يتصوّر أنّ جميع الأشياء والممكنات تطلب الحقّ من وجه واحد.

تنقل أمور عجيبة وغريبة ومحيّرة حول الأنبياء والأولياء صلوات الله عليهم. والتّفنّن في شرائعهم أظهر وأبرز عند العارفين أولي الوجد والإقبال.

كلّما تجلّى من الأسماء الكلّيّة وفروعها الخاصّة على المظهر الإنسانيّ أكثر ، كانت عجائب الخلقة فيه أظهر. قال تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (١)

لا يستساغ كثيرا أن نتطرّق إلى التّأويل الصّرف القائل : «انّ أبرهة النّفس الحبشيّة لمّا قصد تخريب كعبة القلب الّذي هو بيت الله حقيقة والاستيلاء عليها ...».

عند ما مرّ عزير على قرية خاوية ، أملى عليه ذوقه وشوقه إلى سرّ القدر وطلبه شهود الإحياء ، فقال مستبعدا : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها)؟

استبعاد الأنبياء قدرة الله المطلقة ليس له صورة حقيقيّة : فالحقّ تعالى أماته مائة عام

__________________

(١) البقرة : ٢٥٩.

٣٣

ثمّ بعثه ، ووقع ما وقع من ناحية القدرة الإلهيّة المطلقة إظهارا عينيّا واستجابة لطلب عزير مشاهدة إحياء الأموات عينا.

إنّ ما ذكر حول عزير يماثل ـ من جهة ـ طلب إبراهيم عليه‌السلام إذ خاطب الحقّ قائلا : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى).

إنّ القصد من هذين المثالين إحياء الموتى لا الرّجوع إلى الحقّ في الآخرة.

صرّح بعض الباحثين أنّ سؤال إبراهيم عليه‌السلام المبدأ الفيّاض وطلب عزير عليه‌السلام ليسا على سبيل الاستبعاد ، وإن توهّم أهل الظّاهر ذلك «فالمتحقّق بمقام النّبوّة والولاية لا يستبعد من الله القادر الموجد المحيي المميت أن يعيد الأموات ويوجدها مرّة أخرى ، بل المؤمن بالأنبياء والكامل في إيمانه لا يستبعد ذلك ، فإنّه يقدح في إيمانه.»

لا وجه لتوجيه الإماتة والإحياء عند عزير وإبراهيم صلوات الله عليهما على التّمثّل البرزخيّ والإنشاء في عالم المثال الكلاميّ. وقام بعض أرباب التّأويل بإدخال آيات الإعجاز الصّريحة في باب التّأويل بنحو يدفع الإنسان الجاهل بالمبادئ العامّة للتّفسير والتّأويل إلى الإنكار تماما. وقصّة أصحاب الفيل مشهورة وقد وقعت في زمن قريب جدّا من زمن النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله.

من اللافت للنّظر أنّ إحياء الأموات وإماتة الأحياء لا ينحصران في طريق واحد ، ولو كانت السّنّة الإلهيّة جارية ـ بنحو عامّ ـ على أنّ الموجودات الّتي يشملها الحشر والنّشر مختلفة : فحشر الإنسان استقلاليّ ، والحيوانات تحشر تبعا للإنسان.

كان القدماء يظنّون أنّ الأرض في وسط عالم الأجسام ، وعروض الفناء محال عليها.

لا شكّ أنّ للأرض وسائر الكرات عمرا خاصّا وسيحين الوقت الّذي تخلو فيه الأرض من أهلها ، وتفنى. والآيات المباركة النّازلة في أمر القيامة كقوله تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ، وقوله سبحانه : (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) ، وقوله جلّ شأنه : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) ، صريحة في المعاد مع فناء النّشأة الدّنيويّة.

قال بعض المحقّقين : «الدّنيا باقية ما دام فيها هذا الكامل». المراد من الكامل خاتم الأولياء الّذي هو من أشراط السّاعة ، وبه يرتبط قيام القيامة. والمراد من خاتم الأولياء

٣٤

المهديّ الموعود ، ومحمّد من أسمائه ، إذ قال خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اسمه اسمي وكنيته كنيتي وله المقام المحمود.

القصد من المقام المحمود مقام قرب قوسين أو أدنى. ومن بلغ هذا المقام فهو أقرب النّاس إلى الله وسرّ الأنبياء والأولياء.

چو او با خواجه دارد نسبت تام

از او با ظاهر آمد رحمت عام(١)

النّسبة التّامّة هي النّسبة المعنويّة والظّاهريّة.

والمهديّ عليه‌السلام منسوب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نسبة البنوّة كما نقل العامّة والخاصّة. (٢)

ظهور كلّ او باشد به خاتم

بدو يابد تمامى هر دو عالم(٣)

المراد من الخاتم خاتم الأولياء. والدّليل على صحّة هذا الكلام عجز البيت المتقدّم : به يبلغ العالمان (الدّنيا والآخرة) كمالهما.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يرضى عنه ساكن السّماء وساكن الأرض. لا يدع السّماء من قطرها شيئا إلّا صبّته مدرارا.

وتظهر الأرض بركاتها به حتّى «يتمنّى الأحياء إحياء الأموات.»(٤)

شود او مقتداى هر دو عالم

خليفه گردد از اولاد آدم

حول ظهور خاتم الولاية المحمّديّة المطلقة ، انظر : شرح گلشن راز ، ص ٣٠٩ فما بعدها. فقد جاء فيه كثير من الإشكالات والموضوعات السّامقة في أطوار ولاية الإمام المهديّ عليه‌السلام وأصل الولاية ، بدأ بها الكتاب وانتهى بمطالب تخصّ أنصار الولاية.

__________________

(١) لمّا كانت له مع الله نسبة تامّة ، فقد ظهرت منه الرّحمة العامّة.

(٢) المراد هو الباحثون منهم ، لا المتفقّهون من بعض المذاهب ، إذ منهم من يقول : لم يولد بعد ، ومنهم من يقول : هو تابع لعيسى عليه‌السلام. وبعض الجهلة المغرورين ينكرونه ويزعمون أنّه من صنع اليهود. ومن الثّابت أنّ القائلين بهذا قليلون. ويستبين لنا في أدنى مراجعة أنّ العرفاء الباحثين الكبار ذهبوا إلى أنّ المهديّ عليه‌السلام هو آخر وليّ ذي مقام رفيع ، وهو صاحب الولاية المطلقة ووارث الأنبياء والأولياء جميعهم ، وإنّ ظهوره عليه‌السلام من الخفاء هو بأمر الحقّ. والمتصرّف في الباطن والظّاهر من أشراط السّاعة ومقدّمة لظهور الدّولة الحقّة على الإطلاق. وقد ناقشت ما يخصّ الإمام المهديّ الموعود بالتّفصيل في مقدّمتي على فصوص الحكم ، وفي التّعليقات على الفصّ الشّيثيّ.

(٣) تجلّى ظهوره تعالى في خاتم أوليائه ، وبه يبلغ العالمان (الدّنيا والآخرة) كمالهما.

(٤) سيصبح (الإمام عليه‌السلام) مقتدى العالمين وخليفة النّاس.

٣٥

* * *

يطيب لي أنّ أعبّر عن سروري لطبع كتاب منهج الرّشاد في معرفة المعاد (الكتاب النّفيس الّذي ألّفه الآخوند الملّا نعيما الطّالقاني أحد تلاميذ الحوزة المباركة للمغفور له الفقيه الباحث النّادر المثال في مراحل الفقه السّيّد محمّد الأصفهانيّ المشهور بالفاضل الهنديّ ، ومن تلاميذ الملّا محمّد صادق الاردستانيّ في الإلهيّات) بجهود صديقي العزيز فضيلة حجّة الإسلام والمسلمين علي أكبر إلهي الخراسانيّ رئيس مجمع البحوث الإسلاميّة في مشهد المقدّسة ، ومعاونه صديقي الفاضل الكريم محمّد رضا مرواريد.

إنّ طبع كتاب منهج الرّشاد بأجزائه الثّلاثة يستلزم مصاريف باهظة ، مع أنّه كتاب مفيد ، وقليل المثيل في مستواه. ولا يتولّى طبع هذا النّوع من الكتب إلّا من كان من طلّاب العلم والمعرفة ، وأدرك أهمّيّة الكتاب ـ بخاصّة مثل هذا الكتاب الّذي يدور حول المعاد بقسميه : الجسمانيّ ، والرّوحانيّ ـ وعرف نفاسته وعلم أنّ المؤلّف قد أدّى ما عليه بعد المعاناة والاضطلاع بتصنيف كتاب عميق ودقيق ، وأثر ثمين في أهمّ مباحث الكتاب والسّنّة.

إنّ الأشخاص الّذين يبادرون إلى طبع كتاب متقن ودقيق هم ممّن يعيرون اهتماما بمحتوى الكتاب ويعلمون أنّ الباحثين يرغبون في هذا النّوع من الكتب.

از محقّق تا مقلّد فرقهاست

آن يكى كوهست وآن ديگر صدا (١)

يحسن بي في ختام هذه المقدّمة أن أشكر جميع الإخوة الّذين ساهموا في طبع هذا الكتاب ونشره بنحو من الأنحاء ، وأرجو لكافّة الباحثين الأفاضل في مجمع البحوث الإسلاميّة مزيدا من الخير والتوفيق.

السّيّد جلال الدين الآشتيانيّ

مشهد المقدّسة

جمادى الآخرة ١٤١٧ ه

__________________

(١) شتّان بين المحقّق والمقلّد ، فذلك جبل وهذا صداه.

٣٦

مقدّمة المصحّح

نقلها الى العربية : علي هاشم الأسدي

بسم الله الرّحمن الرّحيم وبه نستعين

أرى من المناسب أن أكتب تمهيدا لهذا الكتاب بغية التّعرّف على مؤلّفه أكثر فأكثر ، مع أنّ الحكيم المتألّه سماحة الأستاذ السّيّد جلال الدّين الآشتياني دامت إفاداته قد صدّره بمقالة مفصّلة كمقدّمة له. ويشمل تمهيدي عددا من الموضوعات الآتية :

الموضوع الأوّل : أنا مع الأستاذ الآشتيانيّ دامت إفاداته في حديثه عن المرحوم الملّا نعيما وأسرته إذ قال : «كان رجال أسرته من علماء الدّين». وينبغي مراجعة المصادر الآتية للاطّلاع على ترجمة هذه الأسرة :

* مقدّمته الأستاذ الآشتيانيّ دامت إفاداته.

* مقدّمة أيضا على أصل الأصول للملّا نعيما في تسع عشرة صفحة ، طبعة سنة ١٩٧٩ م.

* مقدّمة على أصل الأصول المطبوع في الجزء الثّالث من «مختارات من آثار الحكماء الإلهيّين في ايران» في أربع صفحات.

* مقدّمة الإخوة محمّد رضا عطائي قوچاني ، ومحمّد رضا هادي نيكى ، ومحمّد حسن نصيري (نصير الإسلام) على منهج الرّشاد في عشرين صفحة.

* أعلام الشّيعة للعلّامة الطّهرانيّ ، أعلام القرن الحادي عشر والثّاني عشر ، ذيل عنوان الطّالقاني ، والبرغاني ، وأحيانا القزوينيّ.

* أعيان الشّيعة للسّيّد محسن الأمين ، ج ٤٧ ، ص ١٠١ ، طبعة قديمة وج ١٠ ، ص ٨١ طبعة جديدة.

* أمل الآمل للشّيخ الحرّ العامليّ ، ج ٢ ، ذيل عنوان الطّالقانيّ.

٣٧

* رياض العلماء للأفندي الأصفهانيّ ، ج ٥ ، ذيل عنوان الطّالقانيّ.

* الذّريعة للعلّامة الطّهرانيّ ، ج ٦ ، ١١ ، ١٥ ، ١٦ ، ١٧ ، ٢٦ (كتب الملّا نعيما).

* مينو در يا باب الجنّة قزوين للسّيّد محمد علي گلريز ، الطّبعة الثّانية (فصل الأسر).

* دائرة المعارف تشيّع ، الجزء الأوّل ، ذيل «آل طالقاني» ، «آل حكيمي» ، «آل برغاني».

* فهرس مخطوطات مكتبة مجلس الشّورى الإسلامي ، ج ٥ ، ج ١٩. (أصل الأصول ومنهج الرّشاد).

* فهرس مخطوطات مكتبة آية الله المرعشيّ (قم) ، ج ٦ ، ج ١٧. (حدوث العالم والعروة الوثقى).

* فهرس مخطوطات مكتبة مدرسة مروي ، طهران (منهج الرّشاد ، حدوث العالم ، تنقيح المرام).

* مجلّة الحوزة ، العدد ٥٨ ، مقاله «مدرسه فلسفى قزوين».

* مجله آيينه پژوهش (مرآة التّحقيق) العدد ١٥ ، مقالة بعنوان «ملّا نعيما ومنهج الرّشاد».

* مجله پيام حوزه (رسالة الحوزة) العدد ١٤ ، مقالة بعنوان «ملّا نعيماى طالقانى وخاندان او».

* مقدّمه كتاب موسوعة البرغاني في فقه الشّيعة ، للأخ عبد الحسين الصّالحيّ.

* المآثر والآثار ، اعتماد السّلطنة.

* تلاميذ العلّامة المجلسيّ ، للسّيّد الحسينيّ الأشكوريّ ، ذيل الطّالقانيّ.

* زندگى نامه علّامه مجلسى (سيرة العلّامة المجلسيّ) المرحوم مهدوي ، ذيل «شاگردان علّامه مجلسى» (تلاميذ العلّامة المجلسيّ).

الموضوع الثّاني : الجدّ الثّاني للملّا نعيما هو المرحوم الملّا محمّد كاظم الطّالقانيّ.

ذكره الشّيخ الحرّ العامليّ رحمه‌الله في أمل الآمل ٢ : ٢٩٥ بقوله :

«مولانا محمّد كاظم الطّالقانيّ أصلا القزوينيّ مسكنا من الأفاضل المعاصرين. كان مدرّسا في مدرسة النّوّاب في قزوين. مات في المحرّم سنة ١٠٩٤».

ونقل هذا الكلام نفسه في رياض العلماء ٥ : ١٥٣ ، وأعلام الشّيعة في القرن الحادي عشر : ٤٦٣.

وجاء في مقدّمة كتاب موسوعة البرغانيّ نقلا عن العلّامة الطّهرانيّ أنّ الشّيخ الحرّ العامليّ لا يطلق كلمة (مولانا) إلّا على أشخاص مثل الملّا محمّد تقيّ المجلسيّ ، والملّا

٣٨

محمّد صالح المازندرانيّ ، وهما أكبر منه سنّا وأعظم شأنا وشهرة. يضاف إلى ذلك أنّه لم يصفه بعبارة «من الفضلاء» بل قال : «من الأفاضل».

الجدّ الأوّل للملّا نعيما هو المرحوم الملّا محمّد جعفر الطّالقانيّ الملقّب ب «فرشته». وصفه العلّامة المجلسيّ رضوان الله تعالى عليه في إجازته له فقال : «المولى الأولى ، الفاضل الكامل ، الصّالح الفالح ، المتّقي الذكيّ الألمعيّ مولانا محمّد جعفر الطّالقانيّ خلف المولى المبرور المغفور مولانا محمّد كاظم الطّالقانيّ». تاريخ هذه الإجازة ١٠٩٥ ه‍ ، وتاريخ وفاته ١١٣٣ ه‍. له مقبرة في طالقان يزورها الوافدون. (١)

قال فضيلة عبد الحسين الصّالحيّ : كتاب اشتراط الحسّ في الشّهادة من آثاره الفذّة في كيفيّة شهادة الصّمّ البكم وهو يدلّ على تعمّقه في المسائل العقلانيّة. وقد جمع فيه بين الفقه والمسائل الفلسفيّة. ومن آثاره الأخرى «حواشى بر كتب فلسفى ورسائل حكمى». (٢)

كانت في قزوين مدرسة باسم مدرسة الملّا محمّد جعفر الطّالقانيّ عرفت فيما بعد بمدرسة حسن خان.

والد المترجم له هو الملّا محمّد تقي الطّالقانيّ رحمه‌الله أحد تلاميذ الميرزا حسن بن الملّا عبد الرّزّاق اللاهيجيّ. (٣) جاء في مقدّمة موسوعة البرغانيّ : «هو من أكابر علماء الإماميّة ومراجع التّقليد. ومن مؤلّفاته غاية المرام في شرح شرائع الإسلام.» ورد في أعلام الشّيعة في القرن الثّاني عشر : ١١٧ أنّه توفّي سنة ١١٦١.

أخو الملّا نعيما هو الملّا محمّد المشهور بالملائكة المتوفّى سنة ١٢٠٠ ه‍. وهو والد الملّا محمّد تقي البرغانيّ المعروف بالشّهيد الثّالث ، والملّا علي البرغانيّ ، والملّا محمّد صالح البرغانيّ مؤلّف الكتاب العظيم غنيمة المعاد في شرح الإرشاد المطبوع قسم منه في أجزاء تحت عنوان موسوعة البرغانيّ.

ومن مؤلّفاته تحفة الأبرار في تفسير القرآن. وهو أوّل من عرف من هذه الأسرة

__________________

(١) أعلام الشّيعة في القرن الحادي عشر : ٤٦٣ ؛ والقرن الثّاني عشر : ١٣٧ ؛ موسوعة البرغاني : ١٤ ؛ تلاميذ المجلسيّ : ٨٩ ؛ زندگى نامه علّامه مجلسى ٢ : ٢٤.

(٢) مجلّة حوزه ، العدد ٥٨ ، ص ١٨٤.

(٣) نفسه.

٣٩

بالبرغانيّ ، ومدفنه في برغان أيضا. (١)

الأخ الآخر للملّا نعيما هو الملّا محمّد جعفر الطّالقانيّ والد الملّا آغا القزوينيّ المشهور بالحكميّ. وهو والد الشّيخ أحمد الحكميّ. وكان الشّيخ أحمد المتوفّى سنة ١٣٤٠ تقريبا من زعماء علماء قزوين وقادة الحركة الدّستوريّة (المشروطة) ، ينتسب إليه الملّا آغا المتوفّى سنة ١٢٨٥ وقسم من أسرة الحكميّ في قزوين. (٢)

قال فيه اعتماد السّلطنة :

الآخوند الملّا آغا الحكميّ القزوينيّ من فحول فلاسفة الإسلام ، وكان «صدر الدّين» عصره. وكان طلّاب العلوم العقلانيّة يفدون على عتبته من أقصى نقاط ايران ويقبّلونها. وتربّى على يديه المرحوم آغا رضا قلي القزوينيّ الّذي طار صيته في البلاد. (٣)

نجل الملّا نعيما هو الملّا محمّد تقي الطّالقانيّ رحمه‌الله سمىّ جدّه. جاء في موسوعة البرغانيّ:

«هو حكيم ، فيلسوف ، زعيم ورئيس ، من أكابر علماء عصره ، وله رسالة في صلاة المسافر ورسالة في الرّضاع وغيرها».

الملّا يوسف حفيد الملّا نعيما ، المتوفّى زهاء سنة ١٢٦١ ، ابن الملّا محمّد تقيّ ، من حكماء القرن الثّالث عشر ، وكان مدرّسا للحكمة في المدرسة الصّالحيّة بقزوين ، وهو أوّل من عرف من هذه الأسرة بالحكميّ ، وأصبح لقبه عنوانا لأسرته. من آثاره حواش على أسفار الملّا صدرا. (٤)

قال فيه اعتماد السّلطنة : كان أوّل أستاذ لكتب الحكمة المتعالية في دار السّلطنة (قزوين) ، وربّى فيها أفاضل طلبة العلوم العقلانيّة ، وكان فذّا في زهده وعبادته. (٥)

حفيد الملّا نعيما ، نجل الملّا يوسف هو الشّيخ أحمد الحكميّ ، وكان من علماء قزوين أيضا. (٦)

ذكر الأستاذ الآشتيانيّ أنّ بين أحفاد الملّا نعيما المعروفين بلقب (نعيمائى) كثيرا من

__________________

(١) أعلام الشّيعة في القرن الثّاني عشر : ٧٠٥ ؛ موسوعة البرغانيّ : ١٤.

(٢) دائرة المعارف تشيع ١ : ١٦٣.

(٣) المآثر والآثار : ١٨٢.

(٤) دائرة المعارف تشيّع ١ : ١٦٣.

(٥) المآثر والآثار : ١٦٣.

(٦) دائرة المعارف تشيّع ١ : ١٦٣.

٤٠