منهج الرّشاد في معرفة المعاد - ج ١

محمّد نعيم بن محمّد تقي [ الملا نعيما العرفي الطالقاني ]

منهج الرّشاد في معرفة المعاد - ج ١

المؤلف:

محمّد نعيم بن محمّد تقي [ الملا نعيما العرفي الطالقاني ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
ISBN: 964-444-108-7
ISBN الدورة:
964-444-109-5

الصفحات: ٣٨٢

وعلى التقديرين فيعود المحذور المذكور جذعا. (١)

قلت : لا عود للمحذور أصلا فإنّا لا نعني بكون هذا القيد معتبرا في مفهوم العود أنّه معتبر في مفهوم الوجود الذي حقيقته واحدة ، كالوجود العامّ المشترك فيه المتّحد بالحقيقة من حيث هو حقيقة واحدة ، بل نعني به أنّه معتبر في مفهوم العود الذي هو وجود خاصّ ، سواء أردنا بالوجود الخاصّ هو الأمر الذي ينتزع منه الوجود الانتزاعي وقلنا بتغاير الوجودات الخاصّة في الحقيقة كما هو الحقّ ، أو أردنا به تلك الحصّة المنتزعة من ذلك الوجود الخاصّ وقلنا بتغاير الحصص أيضا بتغاير الاعتبارات والإضافات إلى أمر خارج ، وكذا بتغاير المفروضات لها التي هي ممّا ينتزع منها تلك الحصص.

وعلى التقديرين فلا عود للمحذور ، إذ لا يلزم من اعتبار القيد في وجود خاصّ كالعود اعتباره أيضا في وجود خاص آخر كالوجود الابتدائي ، ولا اعتباره في مفهوم الوجود العامّ الواحد بالحقيقة حتّى يلزم أن يكون ما يقتضيه العود يقتضيه الوجود الابتدائي ، أو يقتضيه الوجود العامّ أو يختلف مقتضاه.

وكذلك لا نعني بكون ذلك القيد لازما لماهيّة الممكن المعدوم أنّه لازم لماهيّة الممكن مطلقا ، ولو كان ممكنا موجودا أو أنّه لازم لماهيّة الممكن المعدوم مطلقا ولو كان معدوما بالعدم السابق فقط ، بل أنّه لازم لماهيّة هذا الممكن المعدوم بالعدم الطارئ على وجوده السابق المسبوق بالعدم السابق ، وهذه الماهيّة باعتبار اتّصافها بهذا العدم الطارئ تكون مغايرة للماهيّات الممكنات الاخر معدومات أو موجودات ، فلا يلزم أن يكون القيد اللازم لها من هذه الجهة لازما لها من الجهة الاخرى ، أو لازما لغيرها من الماهيّات الممكنة ، حتّى يعود المحذور.

والحاصل أنّ إمكان اتّصاف المعدوم الممكن بالوجود الابتدائي ، وعدم إمكان اتّصافه بالعود ، واختلاف حاله في ذلك ، وكذا اختلاف حال الوجودين امتناعا وإمكانا ، يمكن أن يكون لأجل اختلاف الوجودين بسبب ذلك القيد المعتبر في مفهوم العود ، وكذا لأجل اختلاف حال الماهيّة أي ماهيّة المعدوم في الحالين بسبب ذلك القيد اللازم لها من حيث هي ، وأنّ مجموع الاختلافين أي الاختلاف في الصفة والموصوف ، يمكن أن يكون منشأ

__________________

(١) أي جديدا.

٣٤١

لاختلاف الحكم ، فإنّه لا شبهة في أنّ أحد الاختلافين يمكن أن يكون كافيا في ذلك حيث يمكن أن يكون الذات الواحدة حيث كانت هناك صفات متغايرة ومختلفة ، إمّا بالذات أو بالاعتبار ، مقتضية لصفة منها دون صفة اخرى مغايرة للاولى ، وكذا يمكن أن يكون الصفة الواحدة ، حيث كانت الذات الموصوفة بها باعتبار تقيّدها بقيد مغايرة لنفسها باعتبار تقيّدها بقيد آخر ممّا تقتضيها تلك الذات باعتبار ولا تقتضيها باعتبار آخر ، فكيف إذا كان هناك اختلاف في الموصوف والصفة جميعا كما فيما نحن فيه ، فتبصّر.

وبما ذكرنا يظهر الجواب الحقّ التفصيلي عمّا ذكره صاحب المواقف ، وبه ينحسم مادّة الشبهة ، سواء أوردت على التقرير الأوّل للسند أو على الثاني.

في الكلام فيما ذكره الشارح القوشجي نفسه في الجواب

عمّا ذكره صاحب المواقف

وأمّا ما ذكره الشارح نفسه بعد التمهيد المذكور ، فكأنّه لا يخلو عن إبهام بسببه صار منشأ لإيراد المحقّق الدواني عليه ، وتطبيقه على ما ذكرنا أو توجيهه بنحو آخر يندفع به عنه الإيراد وينحسم به مادّة الشبهة على التقريرين يحتاج إلى نوع عناية.

وبيان ذلك أنّ قوله : وإذا تمهّد هذا فنقول مقصود المانع أنّ العود ليس وجودا مطلقا على أيّ وجه كان ، بل هو وجود مقيّد بكونه حاصلا بعد طريان العدم ، فلم لا يجوز أن يمتنع اتّصاف ماهيّة المعدوم بهذا الوجود المقيّد ، ولا يمتنع اتّصافها بالوجود المطلق من غير لزوم انقلاب من الإمكان الذاتي إلى الامتناع الذاتي كما في إخوته ونظائره على ما تقدّم.

أشار بذلك إلى الجواب عن النقض والإلزام ، ولعلّه أراد به أنّ مقصود المانع أنّ العود ليس وجودا مطلقا على أيّ وجه كان ، بل هو وجود خاصّ مقيّد بكونه حاصلا بعد طريان العدم ، وهذا القيد داخل في مفهومه معتبر فيه ، وبه صار هذا الوجود وجودا خاصّا مخالفا لما لم يقيّد به من الوجود في الحكم لا بمجرّد الإضافة إلى الزمان كما ادّعاه صاحب المواقف ، كما أنّ هذا القيد لازم لماهيّة الممكن المعدوم أي لماهيّة هذا الممكن المعدوم المفروض الذي طرأ عليها العدم ، فلم لا يجوز أن يمتنع اتّصاف ماهيّة هذا الممكن المعدوم

٣٤٢

بهذا الوجود المقيّد أي العود الذي سبب اختلافه مع غيره في الحكم إنّما هو هذا القيد فقط ولا يمتنع اتّصافها بالوجود المطلق أي بما لم يقيّد بهذا القيد من الوجود كالوجود الابتدائي من غير لزوم انقلاب من الإمكان الذاتي إلى الامتناع الذاتي على ما ادّعاه صاحب المواقف ، كما لم يلزم الانقلاب في إخوته ونظائره على ما تقدّم من الأمثلة.

وأنّ قوله : فقول هذا القائل : ولو جوّزنا كون الشيء ـ إلى آخره ـ ، لا تعلّق له بكلام هذا المانع ، لأنّه لا يقول بهذا التجويز ولا يلزمه أيضا. لعلّه أراد به أنّ قول هذا القائل أي صاحب المواقف : ولو جوّزنا كون الشيء الواحد أي الوجود الواحد ممكنا في زمان الابتداء ، ممتنعا في زمان الإعادة ، أو كون الماهيّة الواحدة ممكنة الاتّصاف بالوجود في زمان الابتداء ، ممتنعة الاتّصاف به في زمان الإعادة ـ إلى آخر ما ذكره ـ ، لا تعلّق له بكلام هذا المانع ، لأنّه لم يقل بوحدة الوجود في الحالين ، بل إنّه كما ظهر من التقرير الثاني لسند المنع قال : بأنّ الوجود في زمان الإعادة وجود خاصّ وتقيّد بقيد كان ذلك القيد سببا لاختلافه في الحكم وكونه مغايرا لما لم يقيّد به وبه صار ممتنعا ، وليس سبب ذلك هو الإضافة إلى الزمان حتّى يلزم ما ذكره القائل ، وكذلك لم يقل بوحدة الماهيّة في الحالين من جميع الجهات حتّى يلزم ما ادّعاه القائل ، بل إنّه كما ظهر من التقرير الأوّل للسند ، عنى بها ماهيّة الممكن المعدوم بالعدم الطارئ التي هي باعتبار الاتّصاف بهذا الوصف اللازم لها مغايرة لنفسها باعتبار عدم الاتّصاف به كما أنّها مغايرة لغيرها من الماهيّات الممكنات. وبذلك تمّ الجواب عن الإلزام.

ثمّ إنّ قوله : وكذا قوله الوجود أمر واحد ـ إلى قوله ـ ولو جوّزنا لأنّ حاصله ـ إلى آخر ما ذكره ـ ، إشارة إلى الجواب عمّا ذكره القائل أوّلا بطريق البرهان ، ولعلّه أراد به أنّ قول القائل هذا القول أيضا لا تعلّق له بكلام المانع ، لأنّ حاصل هذا القول الذي ذكره القائل ، أنّ الوجود المعاد إذا اقتضى لذاته أمرا ، يجب أن يقتضي الوجود المبتدأ لذاته ذلك الأمر وبالعكس ، لأنّهما متّحدان ذاتا وحقيقة وإنّما اختلافهما بحسب أمر خارج هو الزمان عنده ، فإذن يتلازم الوجودان أي المبتدأ والمعاد إمكانا ووجوبا وامتناعا لأنّ الأشياء المتوافقة في الماهيّة كالوجودين ، يجب اشتراكها في هذه الامور المستندة إلى ذواتها أو أنّ مع وحده حقيقة الوجودين في الحالين وكون اختلافهما بحسب الأمر الخارج إذا كانت

٣٤٣

الذات الموصوفة بهما في الحالين واحدة أيضا ، كماهيّة المعدوم والحال أنّ الأشياء المتوافقة في الماهيّة ، يجب اشتراكها في اقتضاء الذات الواحدة ايّاها كذلك ، فلا يجوز أن يختلف اقتضاؤها إيّاها.

والمانع لم يقل بخلاف ذلك ولم يلزم أيضا من كلامه خلافه ، بل اللازم من كلامه أنّ الوجودين المبتدأ والمعاد وإن كانا متّحدين بحسب الحقيقة لكنّهما متغايران بحسب الإضافة إلى أمر خارج ، وليس هو الزمان كما ادّعاه ، بل ذلك القيد الذي اعتبر في الوجود المعاد ولم يعتبر في الوجود المبتدأ وكذلك الذات وإن كانت واحدة في الحالين لكنّها بحسب اتّصافها بالمقيّد بذلك القيد مغايرة لنفسها بحسب عدم اتّصافها به. فيجوز حينئذ أن يختلف اقتضاء الماهيّة والوجود جميعا أي يجوز أن يقتضي ماهيّة المعدوم ، أي هذا المعدوم المفروض عدم الاتّصاف بأحدهما يعني الوجود المعاد ولا يقتضي عدم الاتّصاف بالآخر أو يقتضي الاتّصاف بالآخر يعنى الوجود المبتدأ لكونهما مختلفين متغايرين ولو بالاعتبار وكذا لكون الذات مختلفة ومتغايرة لنفسها ولو بالاعتبار.

وكذلك يجوز أن يقتضي أحد الوجودين جواز اتّصاف ماهيّة المعدوم به أو لا يقتضي عدم جواز اتّصافها به ، ويقتضي الآخر عدم جواز اتّصافها به ، لكون الذات مختلفة ولو بالاعتبار وكذا لكون الوجودين متغايرين ومختلفين ولو بهذا الاعتبار فقط إن لم نقل بكونهما متغايرين في الحقيقة ، وكون كلّ واحد منهما وجودا خاصّا مغايرا للآخر بحسب الذات أيضا.

والحاصل أنّ منشأ الاختلاف في الحكم فيما نحن فيه إنّما هو اختلاف في الصفة أي في الوجود واختلاف في الموصوف أي الذات الموصوفة بهما جميعا ، وأنّ مجموع الاختلافين اللذين أحدهما كاف في اختلاف الحكم كما أشرنا إليه ، سبب لذلك ، وأنّ اختلاف الاقتضاء ممكن حينئذ سواء اسند إلى الذات أو إلى الوصف ، ثمّ إنّه حيث كان اختلاف الحال مستندا إلى ذلك القيد الذي هو معتبر في الوجود المعاد ولازم لماهيّة ذلك المعدوم ، لا إلى حقيقة الوجود المتّحدة ، ولا إلى ماهيّة الممكن المعدوم مطلقا. فلا ينافي هذا أن لا يجوز أن يقتضي أحد الوجودين لذاته وبحسب حقيقته المتّحدة من غير قيد معتبر معه أمرا إن كان فرض اقتضاء ذاتي مستند إلى حقيقته الواحدة ولا يقتضيه الوجود

٣٤٤

الآخر لذاته ، أو يقتضي عدمه ، وأن لا يجوز أن يقتضي الذات الواحدة من جهة ذاتها بذاتها مع قطع النظر عن قيد والاتّصاف بوصف أمرا مرّة لو كان لها اقتضاء كذلك وأن لا تقتضيه مرّة اخرى أو تقتضي عدمه.

وهذا الذي ذكرنا هو توجيه كلام الشارح بحيث تنحسم به مادّة الشبهة ، وينكشف به الإبهام ، ومنه يظهر اندفاع ما أورده المحقّق الدواني عليه في الحاشية عليه.

٣٤٥

في الإشارة إلى اندفاع ما أورده المحقّق الدواني عن الشارح القوشجي

حيث قال : وقف الشارح عند ظاهر لفظ هذا القائل ولم يأت بما ينحسم مادّة الشبهة ـ إلى آخر ما ذكره ـ واقتفى أثره المحشّي الشيرازي ، حيث نسج الكلام على منواله وبنى على أساسه.

وبيان الاندفاع : أنّه لا خفاء فيما ذكره من أنّ مقصود هذا القائل ـ أي صاحب المواقف ـ أنّه لو جاز أن يكون الشيء بعد ما طرأ عليه العدم ممتنعا وقبله ممكنا كما قيل في التقرير الأوّل للسند ، لجاز أن يكون الحادث في زمان عدمه ممتنعا وفي زمان وجوده واجبا.

وأيضا لو جاز كون الشيء ممكن الاتّصاف بالوجود الأوّل ، ممتنع الاتّصاف بالوجود الثاني كما قيل في التوجيه الثاني للسند ، لجاز كون الحادث ممتنع الاتّصاف بالوجود في زمان عدمه ، واجب الاتّصاف بالوجود في زمان الوجود.

فإنّ العلّة المذكورة في الوجهين للسند جارية فيما ادّعاه أيضا.

إلّا أنّ مقصود الشارح كما بينّا مراده أنّ العلّة المذكورة ليست جارية فيه ، إنّما تكون جارية فيه لو كان مقصود المانع في التقرير الأوّل للسند جواز أن يكون الشيء بعد ما طرأ عليه العدم بمجرّد كونه في ذلك الزمان وإضافته إليه ممتنعا وقبله بمجرّد كونه واقعا في الزمان القبل وإضافته إليه ممكنا من غير اعتبار قيد آخر هنا. وكذا لو كان مقصوده في التقرير الثاني للسند جواز كون الشيء ممكن الاتّصاف بالوجود الأوّل من حيث كونه وجودا أوّلا واقعا في الزمان الأوّل ، وممتنع الاتّصاف بالوجود الثاني من جهة كونه وجودا ثانيا واقعا في الزمان الثاني من غير اعتبار قيد آخر معتبر معه ، فإنّه على هذا التقدير

٣٤٦

يجري العلّة المذكورة في الوجهين فيما ذكره أيضا ، ويرد ما أورده عليه ، وليس ذلك مقصود المانع ، بل إنّما مقصوده في التقرير الأوّل للسند جواز أن يكون الشيء بعد ما طرأ عليه العدم ممتنعا باعتبار قيد معتبر معه ، هو لازم ماهيّته أي طريان العدم الذي هو منشأ الاختلاف حال ذلك الشيء في الاتّصاف بالوجود ، ومنشأ امتناعه ، أي امتناع وجوده مرّة اخرى ، ولا مدخل في ذلك للزمان أصلا وإن كان مقارنا معه ، وأن يكون قبل ذلك ممكنا ، أي أن يكون مع عدم اعتبار ذلك القيد معه كما هو قبل طريان العدم ممكن الوجود.

وكذلك مقصود المانع في التقرير الثاني جواز كون الشيء ممكن الاتّصاف بالوجود الأوّل ، لا من جهة كونه وجودا واقعا في الزمان الأوّل ، بل من جهة كونه وجودا مطلقا بمعنى عدم تقيّده بقيد مناف ، كقيد طريان العدم. وكذا جواز كون الشيء ممتنع الاتّصاف بالوجود الثاني ، لا من جهة كونه وجودا ثانيا واقعا في الزمان الثاني ، بل من جهة تقيّده بقيد معتبر في مفهومه ، وهو طريان العدم ، وإن كان مقارنا للزمان.

ولا يخفى أنّ العلّة المذكورة بهذا المعنى الذي ذكرناه ليست جارية فيما ذكره القائل في الحادث ، وأجراها المحقّق الدواني فيه ، إذ الحادث في زمان عدمه لم يقيّد بقيد لازم لماهيّته أو داخل في ماهيّته ، يمكن أن يكون ذلك القيد منشأ لامتناعه ، وكذا هو في زمان وجوده لم يقيّد بقيد كذلك يمكن أن يكون سببا لوجوبه ، وكذلك الوجود في زمان عدمه لم يقيّد بقيد معتبر في مفهومه أو لازم له ، يوجب كون الحادث ممتنع الاتّصاف به ، وكذا هو في زمان وجوده لم يقيّد بقيد كذلك يكون منشأ لوجوب اتّصاف الحادث به.

نعم في هذه الصور قد قيّد الحادث أو وجوده بقيد الوقوع في الزمان المختلفين ، وقد عرفت مرارا أنّ اختلاف الزمان بمجرّده لا يصير منشأ لاختلاف حال الشيء ولا لاختلاف حال الوجود إمكانا وجوبا وامتناعا.

وهذا الذي ذكرنا في توجيه كلام الشارح ، وإن كان غير مصرّح به في كلامه في الجواب الذي ذكره ، لكنّه ظاهر منه بقرينة ما سبق منه فى التمهيد الذي ذكره. فانّه ينادي به عند التأمّل الصادق فيما ذكره من أنّ الوجود وكذا العدم قد يقيّد بقيد سلبي أو إضافي ، فلا يقتضي الشيء ، إيّاه ، بل يمتنع اتّصافه به ، كما فصّله من الأمثلة ، فإنّ كلامه ظاهر في أنّ سبب ذلك الامتناع ليس إلّا ذلك القيد ، لا اختلاف الزمان. كيف وهو قد ذكر في صدر

٣٤٧

التمهيد أنّه قد تقدّم أنّه لا يجوز الانقلاب بين هذه المفهومات الثلاثة ، بأن يكون شيء واجبا في زمان ، ثم يصير ممكنا أو ممتنعا في زمان آخر أو بالعكس ، لأنّ مقتضى ذات الشيء لا يختلف ولا يتخلّف بحسب الأزمنة ، حيث نفى كون الزمان بمجرّده سببا لاختلاف الحال في ذلك وكأنّ المحقّق الدواني في إيراده على الشارح نظر إلى ظاهر كلامه في الجواب ، حيث لم يصرّح بكون منشأ الاختلاف هو القيد ، بل أجمل بحيث كونه هو الزمان ، ولم ينظر إلى ما ذكره في التمهيد.

ومن هذا يظهر أنّ المحقّق الدواني وقف على ظاهر لفظ الشارح في الجواب وذهل عمّا ذكره في التمهيد له ولم يأت بشيء ويظهر انعكاس التشنيع ، فتدبّر.

ثم إنّ قول المحقّق الدواني : إلّا أنّه تسامح في قوله : لأنّ الأشياء المتوافقة في الماهيّة ـ إلى قوله ـ : ولو جوّزنا ، وكان حقّ العبارة أن يقول : لأنّ الأشياء المتوافقة في الماهيّة يجب اشتراكها في اقتضاء الذات الواحدة ، إيّاها.

ذكر المحشّي الشيرازي أنّه دفع للإيراد الثاني للشارح على الوجه الأوّل لإبطال السند بتغيير العبارة وعنى بالإيراد الثاني للشارح ، قوله : وكذا قوله : الوجود أمر واحد ـ إلى قوله ـ ولو جوّزنا لأنّ حاصله أنّ الوجود المعاد إذا اقتضى لذاته أمرا ـ إلى آخره ـ وهو وإن لم يبيّن صريحا أنّ مفاد هذا الإيراد ما ذا؟ وأنّ مبنى دفعه على ما ذا؟ لكنّه يفهم من بعض أقواله بعد ذلك كما سنشير إليه في شرح كلامه أنّ مفاد إيراد الشارح أنّ ما ذكره القائل ، ليس في مقابلة كلام المانع ، ولا يضرّه ، لأنّ حاصل ما ذكره القائل أنّ الوجود المعاد إذا اقتضى لذاته أمرا ، يجب أن يقتضي الوجود المبتدأ أيضا لذاته لذلك الأمر بعينه ، لأنّهما متّحدان ذاتا وحقيقة ، وإنّما اختلافهما بحسب أمر خارج ، وهذا لا يضرّ المانع ، لأنّه لم يقل بخلافه ، ولم يلزم أيضا من كلامه خلافه ، بل اللازم من كلامه أنّ الوجودين المبتدأ والمعاد متغايران بحسب الإضافة إلى أمر خارج ، فيجوز أن يقتضي ماهيّته المعدوم لذاته عدم الاتّصاف بأحدهما ، يعنى الوجود المعاد ، ولا يقتضي عدم الاتّصاف بالآخر يعني المبتدأ.

والمحصّل أنّ المانع جوّز اختلاف اقتضاء ماهيّة المعدوم بالنسبة إلى الوجودين ، ولم يجوز اختلاف اقتضاء الوجودين ، ولا ينافي ما ذكره المانع أن لا يجوّز اختلاف اقتضاء الوجودين أي أن لا يجوّز أن يقتضي أحد الوجودين لذاته أمرا ولا يقتضيه الوجود

٣٤٨

الآخر ، فليس كلام القائل في مقابلة كلام المانع ، ولا يضرّه أيضا.

وكذلك يفهم منه أنّ مبنى دفع هذا الإيراد على أنّه إنّما يرد هذا على ظاهر كلام القائل ، حيث قال : «لأنّ الأشياء المتوافقة في الماهيّة يجب اشتراكها في هذه الامور» وأراد بالأشياء هنا الوجودين المبتدأ والمعاد. وأمّا إذا غيّرت هذه العبارة إلى قولنا : لأنّ الأشياء المتوافقة في الماهيّة يجب اشتراكها في اقتضاء الذات الواحدة إيّاها كما ذكره المحقّق الدواني فلا ورود له بل يكون حينئذ كلام القائل مقابلا لكلام المانع ويضرّه ، وهذا ظاهر وعلى هذا فيكون قول المحقّق الدواني ، وقوله : ولو جوّزنا ـ إلى آخره ـ ، معناه أنّه لو جوّز كون الشيء ممكنا ـ إلى آخره ـ تفسيرا لكلام القائل بناء على هذا التعليل المغيّر.

كلام مع المحشّي الشيرازي

ولا يخفى عليك بعد ما أحطت خبرا بما ذكرنا في توجيه كلام الشارح ، أنّ مقصود الشارح من هذا الإيراد ليس ما فهمه المحشّي وأن تغيير العبارة لا يضرّ بحال المانع. فإنّ للشارح أن يقول : إنّ الأشياء المتوافقة في الماهيّة ، إنّما يجب اشتراكها في اقتضاء الذات الواحدة إيّاها إذا كان اقتضاؤها إيّاها من جهة كون تلك الأشياء متوافقة في الماهيّة وواحدة من جميع الجهات ، وأمّا إذا كانت تلك الأشياء مختلفة بحسب الإضافة إلى أمر خارج أي ذلك القيد المنافي كما بيّناه فلا يجب الاشتراك في ذلك. وكذلك له أن يقول : إنّ وحدة الذات من جميع الجهات غير مسلّمة هنا ، بل هي باعتبار ذلك القيد أيضا مختلفة مغايرة لنفسها باعتبار كما بينّاه أيضا.

ثمّ نقول من رأس في بيان مقصود الشارح : إنّ مقصوده أنّه إذا كان الوجودان المتّحدان بالحقيقة مختلفين بحسب أمر خارج كما هو المفروض فلا ينفع في مطلوب القائل أخذ اتّحاد الذات وأنّ الأشياء المتوافقة في الماهيّة يجب اشتراكها في اقتضاء الذات الواحدة إيّاها ، لأنّه مع وحدة الذات أيضا إذا كان المحمولان كالوجودين مختلفين ولو بحسب أمر خارج كالقيد المذكور ، يجوز اختلاف اقتضائها لذينك المحمولين ، ويمكن اتّصافها بأحدهما دون الآخر ، بل يجوز اختلاف اقتضاء ذينك المحمولين أيضا بحسب اتّصاف الذات الواحدة بهما إمكانا وامتناعا ، بل بحسب أنفسهما أيضا امتناعا وإمكانا وإن كان

٣٤٩

يرجع الحكم بامتناع أنفسهما أو إمكانهما إلى الحكم بامتناع اتّصاف تلك الذات بهما أو إمكان اتّصافها بهما.

ومعنى ذلك القول أنّ الأشياء المتوافقة في الماهيّة يجب اشتراكها في اقتضاء الذات الواحدة إيّاها من حيث كون تلك الأشياء متوافقة في الماهيّة وعدم كونها مختلفة بوجه ، لا من حيث كونها مختلفة أيضا ولو بحسب أمر خارج. على أنّ وحدة الذات من جميع الجهات فيما نحن بصدده غير مسلّمة ، فانّك قد عرفت ممّا ذكر لك من التقريرين (١) لسند المنع أنّه كما أنّ الوجود المعاد باعتبار تقيّده بطريان العدم وكونه معتبرا في مفهومه مخالف للوجود المبتدأ باعتبار عدم تقيّده به ، كذلك ذات المعدوم المفروض باعتبار ذلك القيد اللازم له مغاير لنفسه باعتبار عدم تقيّده به وعدم لزومه له. فكما أنّ الوجودان مختلفان ، كذلك الذات مختلفة ولو بالاعتبار ، وكما أنّ الذات الواحدة من جميع الوجوه يجوز اختلاف اقتضائها بالنسبة إلى صفتين مختلفين ولو بالاعتبار ، كذلك الذات الواحدة بالذات المختلفة بالاعتبار يجوز اختلاف اقتضائها لصفة واحدة غير مختلفة ولو بالاعتبار.

والحاصل أنّ منشأ الاختلاف في الحكم يجوز أن يكون اختلافا في المحمول ، وكذا اختلافا في الموضوع ، وأحدهما كاف فيه ، فكيف بالمجموع ، وأنّه يجوز اختلاف الاقتضاء حينئذ سواء اسند إلى الموضوع أو إلى المحمول.

فيظهر ممّا ذكرنا ورود إيراد الشارح على القائل ، وعدم اندفاعه عنه بتغيير التعليل. وهذا الذي ذكرنا هو مع قطع النظر عمّا أورده عليه المحشّي الشيرازي على تقدير تغيير التعليل المذكور كما سيأتي بيانه.

ثمّ إنّ قول المحقّق الدواني : «والحاصل أنّ الاختلاف سواء اعتبر في الموضوع أو في المحمول وحكم باختلافهما في الإمكان والامتناع ، يجري في الحادث ، إلّا أن ظاهر عبارته أشبه بالابتناء على الوجه الأخير.» معناه أنّ الاختلاف سواء في الموضوع أي الذات أو الشيء أو المعدوم كما هو مبنى التقرير الأوّل لسند المنع أو في المحمول ، أي الوجود كما هو على التقرير الثاني له وحكم باختلاف وحكم باختلاف الموضوع

__________________

(١) في التقريرين (خ ل).

٣٥٠

المختلف باعتبار هذا الاختلاف والمحمول المختلف به في الإمكان والامتناع كما ادّعاه المانع يجري نظير ذلك في الحادث أيضا كما ادّعاه القائل ، وبيّنه المحقّق المذكور في صدر الحاشية أي أن يكون هناك اختلاف في الموضوع أو المحمول بالامتناع والوجوب فسواء قرّر سند المنع بالتقرير الأوّل أو بالتقرير الثاني يرد عليه إيراد القائل ، إلّا أنّ ظاهر عبارة القائل أشبه بابتناء إيراده على الوجه الثاني أي على التقرير الثاني لسند المنع كما هو ظاهر كلامه.

وبالجملة فما ذكره المحقّق الدواني هنا ، هو حاصل كلامه فيما تقدّم وقد عرفت ما فيه.

ثمّ إنّ قوله : «والذي يحسم مادّة الشبهة أن يقال ـ إلى آخره ـ». حاصله أنّ ما ادّعاه القائل وأبطل به سند المنع الذي ذكره المانع سواء قرّر بالتقرير الثاني أو بالأوّل من أنّه يلزم على تقدير تجويز كون الشيء بعد ما طرأ عليه العدم ممتنعا وقبله ممكنا كما هو على التقرير الأوّل للسند تجويز أن يكون الحادث في زمان عدمه ممتنعا وفي زمان وجوده واجبا. وعلى تقدير تجويز كون الشيء ممكن الاتّصاف بالوجود الأوّل ، ممتنع الاتّصاف بالوجود الثاني كما هو على التقرير الثاني له تجويز أن يكون الحادث ممتنع الاتّصاف بالوجود في زمان عدمه ، واجب الاتّصاف بالوجود في زمان وجوده ، وهذا محال كما ذكره وبيّن وجهه ، إنّما يلزم إذا كان ما ادّعاه بحيث يمكن فرضه بوجه ، وليس كذلك ، إذ لا يخفى أنّ مراده من وجوب الوجود أو وجوب الاتّصاف بالوجود في هذا الفرض ليس هو الوجوب بالغير لأنّه خلاف صريح كلامه.

ولأنّه لو كان هو مراده لم يرد إلزاما على المانع ، لأنّ المانع لم يدّع إلّا الإمكان الذاتي في أحد الحالتين والامتناع الذاتي في الآخر لا الغيري.

ولأنّه لا امتناع في أن يكون الحادث في زمان عدمه أو اتّصافه بالوجود في زمان عدمه ممتنعا بالغير أي لأجل عدم علّته مثلا ، وأن يكون هو في زمان وجوده أو اتّصافه بالوجود في زمان وجوده واجبا بالغير ، أي لأجل حصول علّته التامّة مثلا ، بل مراده إنّما هو الوجوب الذاتي.

ومنه يظهر أنّ مراده من الامتناع أيضا هو الامتناع الذاتي لا الغيري.

ثمّ إنّ الوجوب الذاتي لا يمكن فرضه فيما فرضه ، أمّا على التقرير الأوّل للسند

٣٥١

واعتبار الاختلاف بحسب الزمان في الموضوع ، فلأنّ الموضوع وهو الحادث بوصف اقتران الزمان ومن حيث كونه في زمان وجوده محتاج في ذاته إلى غيره ، وهو الزمان أو اقترانه به ، فلا يكون واجب الوجود لذاته ، لأنّ واجب الوجود لذاته ما لا يحتاج في وجوب وجوده إلى غيره مطلقا ويكون هو واجبا لذاته ، مع قطع النظر عن كلّ ما سواه وهذا ليس كذلك ، فيكون فرض كونه واجب الوجود لذاته في زمان وجوده كما هو على هذا التقدير ممتنعا.

وأمّا على التقرير الثاني للسند واعتبار الاختلاف بحسب الزمان في المحمول أي الوجود ، فلأنّه لو كان الحادث مقتضيا بذاته للوجود في وقت معيّن أي وقت وجوده لم ينفكّ هذا الاقتضاء عنه ، فكان موجودا في ذلك الوقت دائما ، أي يجب أن يكون ذلك الوقت موجودا دائما ، وأن يكون هو في ذلك الوقت موجودا دائما ؛ هذا خلف. لكون المفروض وجود وقت آخر أيضا وعدمه في ذلك الوقت الآخر. فيكون فرض كونه واجب الاتّصاف لذاته بالوجود في وقت وجوده ممتنعا أيضا.

نعم لو أمكن فرض الوجوب الذاتي على التقديرين لربّما أمكن إلزام ما ادّعاه القائل على المانع على التقريرين وإذ ليس فليس.

وهذا محصول كلام المحقّق المذكور. ولا يخفى عليك أنّ ما ذكره من الوجه على امتناع فرض الوجوب الذاتي على التقديرين ، لو تمّ يجري في امتناع فرض الامتناع الذاتي أيضا في الحادث في زمان عدمه أو في اتّصافه بالوجود في زمان عدمه كما فرضه القائل وألزمه على المانع ، أمّا على التقدير الأوّل واعتبار الاختلاف بحسب الزمان في الموضوع ، فلأنّ الحادث بوصف اقتران الزمان أي زمان عدمه ، وإن لم يتصوّر هنا احتياج لكون الموضوع هو الحادث الممتنع بالذات ، لكونه ليس بشيء حتّى يتصوّر احتياجه إلى غيره في امتناعه. لكنّه يكون امتناعه بالنظر إلى غيره وهو اقتران الزمان أو الزمان ، فلا يكون امتناعه بالذات ، لأنّ الممتنع بالذات ما يكون امتناعه ذاتيّا ولو قطع النظر عن كلّ ما سواه وهذا ليس كذلك.

وأمّا على التقدير الثاني واعتبار الاختلاف في المحمول أي الوجود فبعين ما ذكره في امتناع فرض الوجوب الذاتي على هذا التقدير سواء بسواء ، لأنّه لو كان مقتضيا لذاته

٣٥٢

للعدم في وقت معيّن ـ أي وقت عدمه ـ لم ينفكّ عنه ذلك فكان معدوما في ذلك الوقت دائما ؛ هذا خلف. يعني أنّه يلزم على هذا التقدير أن يكون ممتنع الوجود في وقت عدمه دائما ؛ هذا خلف. بل يلزم مع فرضه واجب الوجود في وقت وجوده أن يكون واجب الوجود في وقت وجوده دائما ، وكذا ممتنع الوجود في وقت عدمه دائما ، أي أن يكون الوقتان موجودين دائما ، ويكون هو ممتنع الوجود دائما في وقت عدمه الذي يجب وجود ذلك الوقت دائما ، وواجب الوجود دائما في وقت وجوده التي يجب وجود ذلك الوقت دائما. وهذا من أشنع المحال.

بل يجري أيضا فيما ادّعاه المانع من امتناع المعدوم بعد طريان العدم ، أو امتناع اتّصافه بالوجود بعد طريان العدم ، حيث عرفت أنّ مراده من الامتناع هو الامتناع الذاتي لا الغيري ، وعرفت أنّ القائل بنى كلامه على أن هذا الامتناع إنّما هو لأجل الاقتران بالوقت أي اقتران الموضوع أو المحمول به ، وألزم عليه ما ادّعاه ، وعرفت أنّ المحقّق الدواني سلّم ذلك منه وبيان الجريان ظاهر بعين ما ذكرنا في امتناع فرض الامتناع الذاتي في الحادث في زمان عدمه أو في اتّصافه بالوجود في زمان عدمه.

كلام مع المحقّق الدواني

وحيث تحقّقت ما ذكرنا ، ظهر لك أنّه يرد على المحقّق الدواني الإيراد من وجهين :

الأوّل أنّه لم لم يتعرّض لإبطال فرض الامتناع الذاتي في الحادث في زمان عدمه ، مع أنّ دليله على إبطال فرض الوجوب الذاتي فيه في زمان وجوده لو تمّ يجري فيه أيضا كما ذكرنا ، وبه تنحسم مادّة الشبهة بالكلّية ، حيث إنّ القائل المذكور ادّعى أنّه يلزم على ما ادّعاه المانع أمران :

أحدهما الوجوب الذاتي في الحادث في زمان وجوده.

والآخر الامتناع الذاتي فيه في زمان عدمه.

وحسم مادّة هذه الشبهة إنّما يحصل بإبطال كلا الفرضين جميعا لا بإبطال أحدهما خاصّة كما فعله.

الوجه الثاني أنّه لا يخفى أنّ ذلك القائل في مقام إبطال سند المنع الذي ذكره المانع

٣٥٣

سواء قرّر بالتقرير الأوّل أو الثاني ، حيث أورد الشبهة عليه بحيث تجري على التقريرين وأبطل بها سند منعه على ما فهمه من كلام المانع من أنّه ادّعى أنّ المعدوم بعد طريان العدم أو اتّصافه بالوجود بعد طريان العدم ، ممتنع امتناعا ذاتيّا وأنّه ليس هذا الامتناع إلّا لأجل الاقتران بالزمان.

ولا يخفى أنّ المحقّق المذكور أيضا سلّم ذلك من القائل كما دلّ عليه كلامه في مقام إيراده على الشارح بأنّ كلامه لا يحسم مادّة الشبهة ، فحيث كان هو بصدد حسم مادّة تلك الشبهة عن المانع ، كان في مقام معاضدة المانع ، فينبغي أن يكون حسمها بحيث يكون مع إبطال ما ذكره القائل ممّا لا يضرّ المانع بوجه. وهذا ليس كذلك فإنّه يهدم بنيان ما ذكره المانع أيضا ، لأنّه إذا لم يمكن فرض الامتناع الذاتي فيما هو مقترن بالزمان ، فكيف يدّعي المانع الامتناع الذاتي فيما ادّعاه. وهو أيضا نظير ما ادّعاه القائل في الفرض المذكور ، فهما في البطلان أو الصحّة سواء. وما الوجه في الفرق بينهما بتجويز أحدهما وإبطال الآخر ، بل ليس إيراد القائل إلّا مبنيّا على أنّه إذا صحّ فرض الامتناع الذاتي في المعدوم بعد طريان العدم ، والحال أنّه ليس ذلك إلّا لأجل الاقتران بالزمان ، لصحّ الإلزام الذي ذكره ، وأنّه إذا لم يصحّ ذلك فكما يبطل به الإلزام المذكور يبطل به ما ادّعاه المانع أيضا ، لكنّه أورد الإلزام على أحد التقديرين ، وسكن عن التقدير الآخر. ولا يخفى عليك أنّ إيرادنا بالوجه الأوّل ، وإن امكن دفعه عن المحقّق الدواني ، بأنّه لعلّه كان في مقام حسم الشبهة بصدد الاكتفاء والاختصار ، فأبطل فرض الوجوب الذاتي في الحادث بحيث يمكن أن يعلم منه بطلان فرض الامتناع الذاتي فيه أيضا بالمقايسة ، فلا ضير فيه أو أنّ غرضه كما فهمه المحشّي الشيرازي منه ، وسيأتي بيانه أنّ المحذور اللازم ، إنّما هو الوجوب الذاتي في الحوادث وغنائها عن المحدث لا الانقلاب. فلذا تعرّض لإبطال الوجوب الذاتي ولم يتعرّض لإبطال فرض الامتناع الذاتي إلّا أنّ الإيراد بالوجه الثاني ممّا لا يمكن دفعه عنه ، بل هو وارد عليه ، ويعلم منه أن حسم مادّة الشبهة عن المانع لا يمكن بالوجه الذي ذكره أصلا ، بل ينبغي أن يصار إلى ما ذكرناه سابقا ، ووجّهنا به كلام الشارح ، من أنّ غرض المانع وإن كان امتناع عود المعدوم امتناعا ذاتيّا ، لكنّه ليس للزمان مدخل في ذلك بوجه ، بل إنّما المدخل في ذلك لذلك القيد أي لقيد طريان العدم الذي هو لازم لماهيّة المعدوم وداخل في

٣٥٤

مفهوم العود ، كما بيّنا وجهه ، ويظهر منه أن حسم مادّة الشبهة إنّما يحصل به ، لا بما ذكره ذلك المحقّق ، ويظهر انعكاس التشنيع ، فتدبّر.

وحيث انتهى الكلام إلى هذا المقام فلا بأس للتعرّض لبيان ما ذكره المحشّي الشيرازي متعلّقا بما نقلنا عن المحقّق المذكور هنا ونسجه على منواله وكذا لبيان ما فيه.

فنقول : قوله في الحاشية : اعلم أنّ صاحب المواقف أبطل السند المذكور في الشرح ثانيا بوجهين : أحدهما من قوله : الوجود أمر واحد ـ إلى قوله ـ ولو جوّزنا ـ إلى آخره ـ.

والثاني من قوله : ولو جوّزنا ـ إلى آخر ما قال ـ أي أنّه في مقام إبطال السند المذكور في الشرح ثانيا ، أي السند بالتقرير الثاني الذي اعتبر فيه الاختلاف في جانب المحمول ، أي الوجود لا في مقام منعه ، حيث إنّ منعه لا يفيد وأنّه أبطله من وجهين.

الوجه الأوّل بطريق البرهان والثاني بطريق النقض الإجمالى والإلزام.

وقوله : ولمّا كان إبطال السند الأخصّ لا يفيد في دفع المنع ، نبّه رحمه‌الله على أنّ ما ذكره من الوجه الثاني لإبطال السند الثاني ، بطل به الوجه الأوّل من السند ، إلّا أنّ عبارته أشبه بإبطال الثاني ، فيه دلالة على أنّ السند الثاني أخصّ من المنع ، وكأنّ مراده بالأخصّيّة ، الأخصّيّة بحسب التقرير ، وإلّا فقد عرفت أنّ السند في الحقيقة أمر واحد مساو للمنع ودلالته أيضا على أنّ إبطال السند الأخصّ لا يفيد في دفع المنع ، بل ينبغي أن يبطل كلا السندين على التقريرين اللذين كلّ واحد منهما بخصوصه أخصّ من المنع ومجموعهما مساو له. فلذا نبّه المحقّق رحمه‌الله في كلامه في مقام توجيه كلام القائل والإيراد على الشارح ، على أنّ ما ذكره القائل من الوجه الثاني الذي ذكره بطريق الإلزام لإبطال السند الثاني أي بالتقرير الثاني يبطل به الوجه الأوّل من السند أيضا أي بالتقرير الأوّل الذي مبناه على اعتبار الاختلاف في الموضوع ، فيبطل به السندان جميعا ، فيبطل المنع رأسا إلّا أنّ عبارة القائل أشبه بإبطال السند الثاني.

وقوله : والأظهر أن يقول ما ذكره لإبطال السند الثاني يمكن إجراؤه في إبطال الأوّل ، لأنّ ما ذكره صريح في إبطال الثاني ، مناقشة مع المحقّق المذكور في قوله : إلّا أنّ ظاهر عبارته أشبه بالابتناء على الوجه الأخير وفيما فهمه منه أنّه نبّه عليه لأنّ ما ذكره القائل من الوجه الثاني للإبطال صريح في إبطال السند الثاني ، ولا يظهر منه أنّ نظره إلى إبطال السند

٣٥٥

الأوّل أيضا حتّى يبطل هو أيضا به فعلى هذا فالأظهر أن يقول المحقّق أنّ ما ذكره القائل من الوجه الثاني لإبطال السند الثاني يمكن اجراؤه في إبطال السند الأوّل أيضا ولا يخفى عليك أنّ هذه المناقشة سهلة.

وقوله : ولم يتعرّض رحمه‌الله لجريان الوجه الأوّل من وجهي إبطال السند في السند الأوّل ، ولا يخفى عليك جريانه بأن يقال : الماهيّة أمر واحد في حدّ ذاته لا يختلف إعادة وابتداءً فلا يختلف في اقتضاء إمكان الاتّصاف بالوجود الواحد. أي أنّ المحقّق لم يتعرّض لجريان الوجه الأوّل من وجهي إبطال السند الذي ذكره بطريق البرهان بقوله : الوجود أمر واحد في حدّ ذاته ، لا يختلف إعادة وابتداءً في ابطال السند الأوّل الذي ذكره الشارح بالتقرير الأوّل في ذيل قول المصنّف أوّلا ، ولا يخفى عليك جريانه فيه بأن يقال ـ إلى آخره.

ولا يخفى عليك أيضا أنّ المحقّق أشار إليه في قوله : وكأنّ حقّ العبارة أن يقول لأنّ الأشياء المتوافقة في الماهيّة يجب اشتراكها في اقتضاء الذات الواحدة إيّاها ، فتأمّل.

وقوله : ثمّ لمّا كانت المناقشة الاولى للشارح التي أشار إليها في التحقيق الذي مهّده تتوجّه على قوله : لجاز الانقلاب الذاتي بناء على أنّ هذا ليس انقلابا ذاتيّا اصطلاحا ، طوي في توجيه كلامه لدفعها حديث الانقلاب الذاتي واكتفى بلزوم غناء الحوادث عن المحدث.

كأنّه فهم هذا الاكتفاء من قول المحقّق في تقرير الشبهة على السند الأوّل : لجاز أن يكون الحادث في زمان عدمه ممتنعا ، وفي زمان وجوده واجبا ، ومن قوله في تقريرها على الثاني ، لجاز كون الحادث ممتنع الاتّصاف بالوجود في زمان عدمه ، واجب الاتّصاف بالوجود في زمان وجوده ، حيث لم يتعرّض للزوم الانقلاب ، بل إنّما تعرّض للزوم الوجوب الذي هو مستلزم للزوم غناء الحوادث عن المحدث ، وكذا فهمه من أنّه في مقام حسم مادّة الشبهة إنّما تعرّض لإبطال فرض الوجوب الذاتي ، لا لإبطال فرض الامتناع الذاتي أيضا ، حيث يعلم منه أنّ المحذور اللازم إنّما هو غناء الحوادث عن المحدث ، دون الانقلاب أيضا فلذا أبطله ولم يتعرّض لإبطال الانقلاب.

والحاصل أنّه لمّا كانت المناقشة الاولى للشارح التي أشار إليها بقوله : مقصود المانع

٣٥٦

أنّ العود ليس وجودا مطلقا ـ إلى آخره ـ ، وأشار إليها في التحقيق الذي مهّده تتوجّه على قول القائل ؛ لجاز الانقلاب الذاتي بناء على أنّه ليس انقلابا ذاتيّا اصطلاحا ، ولم يكن وجه لدفع تلك المناقشة ، طوى المحقّق في توجيه كلام القائل في تقرير الشبهة لدفع تلك المناقشة عنه حديث الانقلاب الذاتي الذي ذكره أيضا ، واكتفى من بين المحذورين اللذين ادّعى القائلون لزومهما بأحدهما وهو لزوم غناء الحوادث عن المحدث ، ولم يتعرّض للزوم المحذور الآخر ، وهو الانقلاب الذاتي.

وقوله : وحينئذ يندفع ما أورده الشارح بقوله : فقول هذا القائل : ولو جوّزنا ـ إلى قوله ـ ولا يلزمه أيضا ، لأنّ المراد من كون شيء واحد ممكنا في زمان وممتنعا في زمان آخر ، ليس باعتبار الوجود المطلق في كليهما ، بل إمّا باعتبار الوجود الخاصّ في كليهما أو باعتبار الوجود المطلق في الأوّل والخاصّ في الثاني. وحينئذ يظهر أنّ المانع جوّز هذا أي حين اكتفينا في توجيه كلام القائل بلزوم غناء الحوادث عن المحدث ، يندفع عنه ما أورده عليه الشارح بأنّ قوله : ولو جوّزنا كون الشيء الواحد ممكنا ـ إلى آخره ـ لا تعلّق له بكلام المانع ، لأنّه لا يقول بهذا التجويز ولا يلزمه أيضا.

وبيان الاندفاع أنّ مراد القائل بقوله : ولو جوّزنا ـ إلى آخره ـ. ليس تجويز كون شيء واحد ممكنا في زمان ، ممتنعا في آخر باعتبار الوجود المطلق في كليهما ، حتّى يكون مدّعيا للزوم الانقلاب الذاتي ويرد عليه ما أورده الشارح ، بل باعتبار الوجود الخاصّ في كليهما ، أو باعتبار الوجود الخاصّ في الثاني والمطلق في الأوّل كما ذكره الشارح أيضا في بيان مقصود المانع بقوله : إنّ العود ليس وجودا مطلقا ـ إلى آخره ـ وحينئذ يكون مفاد كلام القائل : إنّه لو جوّزنا كون الشيء الواحد ممكنا في زمان كزمان الابتداء باعتبار الوجود المطلق أو الخاصّ ، ممتنعا في زمان آخر كزمان الإعادة باعتبار الوجود الخاصّ ، معلّلا بأنّ الأوّل مطلق أو خاصّ ، وأنّ الثاني خاصّ ، لجاز أن يكون شيء واحد ممتنعا في زمان ، كزمان عدمه باعتبار الوجود المطلق أو الخاصّ ، واجبا في زمان آخر ، كزمان وجوده باعتبار الوجود الخاصّ ، معلّلا بالتعليل المذكور ، وحينئذ وإن لم يلزم الانقلاب الذاتي لكون الوجودين متغايرين ، أمّا على تقدير إرادة المطلق في الأوّل والخاصّ في الثاني فظاهر ، وأمّا على تقدير إرادة الخاصّ في كليهما ، فلأنّ المراد بالخاصّ في كلّ منهما

٣٥٧

ما هو غير الآخر ، لكنّه يلزم البتّة غناء الحوادث عن المحدث ، وهو كاف في المحذور.

ولا يخفى أنّه يكون هذا الإلزام حينئذ متعلّقا بكلام المانع واردا عليه ، ويظهر من المانع أنّه قال بهذا التجويز ، لا كما ادّعاه الشارح من عدم التعلّق وعدم القول وعدم اللزوم. وبهذا التوجيه كما يندفع إيراد الشارح عن كلام القائل ، كذلك يندفع عمّا ذكره المحقّق في توجيه كلام القائل ، حيث إنّه أيضا وإن كان موهما للزوم الانقلاب ولإرادة الوجود المطلق في كلتا الحالتين ، لكنّ المراد ما ذكر ، فتدبّر.

وأنت خبير بأنّ هذا التوجيه لا يحسم مادّة ما أورده الشارح على القائل ، فإنّك حيث عرفت ما بيّناه من مقصود الشارح ، لا يخفى عليك أنّ للشارح أن يقول على تقدير تسليم أنّ القائل أراد بقوله : ولو جوّزنا ـ إلى آخره ـ هذا المعنى مع كونه خلاف ظاهر كلامه ـ كما سيأتي بيانه ـ أنّ المانع وإن قال بامتناع الوجود في زمان الإعادة وكونه وجودا خاصّا ، لكنّه لم يقل بذلك بمجرّد اعتباره خاصّا مطلقا ، بل قال بأنّ امتناعه ، وكذا كونه خاصّا إنّما هو لأجل قيد مناف معتبر فيه ، ولازم لماهيّة المعدوم أي طريان العدم الذي صار منشأ للامتناع المذكور ، وليس هو في الوجود الابتدائي ، سواء اعتبرته وجودا مطلقا أي غير مقيّد بقيد كذلك كما فعله الشارح ، أو اعتبرته وجودا خاصّا آخر ، فلذلك كان ممكنا ، وكما أنّه ليس قيد مناف معتبرا مع الوجود الابتدائي ، كذلك ليس معتبرا فيما ذكره القائل من الإلزام ، حيث إنّه ليس مع الحادث في زمان عدمه قيد مناف يوجب امتناعه أو امتناع اتّصافه بالوجود ، وكذا ليس معه في زمان وجوده قيد يوجب وجوبه أو وجوب اتّصافه بالوجود ، سوى الاقتران بالزمان ، وهو بمجرّده لا يكون منشأ لذلك ، كما عرفت بيان ذلك كلّه فيما تقدّم.

فيظهر منه أنّه على تقدير إمكان حمل كلام القائل على هذا التوجيه أيضا لا يظهر وجه لورود الإلزام الذي أورده على المانع ، كما أنّه على تقدير حمله على اعتبار الوجود المطلق في كلتا الحالتين ، كما هو ظاهر كلامه لا يرد إلزامه أيضا عليه ، فإنّ المانع لم يقل باعتبار الوجود المطلق فيهما ، بل قال باعتبار الوجود المقيّد الخاصّ في الثاني ـ كما بيّن الشارح مقصوده ـ واعتبار المطلق أو خاصّ آخر في الأوّل.

فيظهر منه أنّ إيراد الشارح على القائل وارد على كلّ تقدير وغير مندفع عنه بوجه

٣٥٨

أصلا.

على أنّ هذا التوجيه مخالف لظاهر كلام القائل ، لأنّه يجعل ما ادّعاه القائل من لزوم الانقلاب الذاتي كما هو صريح كلامه لغوا ، بل باطلا ، لأنّ هذا الانقلاب إنّما يتصوّر إذا اريد الوجود المطلق في كليهما ، أو اريد وجود خاصّ بعينه ، من جهة واحدة في كليهما ، وإذ ليس فليس.

سلّمنا كونه مستدركا لا دخل له في المحذور ، كما فهمه المحشّي المذكور ، إلّا أنّه يجعل ما ادّعاه القائل في الشقّ الأوّل من الإلزام ، وهو كون الحادث في زمان عدمه ممتنعا مستدركا أيضا لا طائل تحته ، إذ لو كان المحذور اللازم ، هو غناء الحوادث عن المحدث وحده لكفى أن يقول يلزم حينئذ كون الحادث في زمان وجوده واجبا بالذات من غير تعرّض لبيان حاله في زمان عدمه.

سلّمنا أنّه تعرّض له مقابلة لكلام المانع ، حيث إنّه تعرّض لبيان حال الممكن أو لوجوده في زماني الابتداء والإعادة إلّا أنّه حينئذ لا يلزم ادّعاء لزوم كون الحادث في زمان عدمه ممتنعا ، بل يكفي أن يقال : إنّه يلزم كون الحادث في زمان عدمه ممكنا وفي زمان وجوده واجبا ، إذ على هذا أيضا يلزم غناء الحوادث عن المحدث ، كما هو المقصود. بل أنّ هذا التوجيه يجعل ما ادّعاه المحقّق في توجيه كلام القائل على التقريرين من لزوم كون الحادث في زمان عدمه أو اتّصافه بالوجود في زمان عدمه ممتنعا مستدركا أيضا بعين ما ذكرنا ، فتدبّر.

وقوله : فإن قيل في توجيه الانقلاب الذاتي ـ إلى قوله ـ بل رأى إسقاطه أولى.

لمّا كان هذا التوجيه يجعل حديث الانقلاب الذاتي الذي ادّعى القائل أي صاحب المواقف لزومه مستدركا أراد توجيه الانقلاب بمعنى لا يكون مستدركا.

فقال : أوّلا إنّ القائل لعلّه أراد بالانقلاب الذاتي مثل هذه الصورة أي أن يكون شيء واحد في زمان عدمه ممتنعا باعتبار الوجود المطلق أو الخاصّ ثمّ يصير في زمان وجوده واجبا باعتبار وجود خاصّ آخر. وهذا وإن لم يكن انقلابا ذاتيّا اصطلاحا ، لكنّه اطلق عليه لفظه تجوّزا.

ثمّ أجاب عنه بأنّ هذا المعنى لا يلائم ما ذكره القائل بقوله : وفي تجويز هذا الانقلاب

٣٥٩

مخالفة لبديهة العقل الحاكمة بأنّ الشيء الواحد يستحيل أن يقتضي لذاته عدمه في زمان ويقتضي لذاته وجوده في زمان آخر ، فإنّ المخالفة لبديهة العقل إنّما هي مسلّمة في الانقلاب الذاتي اصطلاحا ، لا في مثل هذه الصورة ، بل هي فيها منظور فيها فلأجل ذلك لم يتوجّه المحقّق لتوجيه الانقلاب ، بل رأى إسقاطه أولى.

وقوله : وقوله إلّا أنّه تسامح ـ إلى آخره ـ دفع للإيراد الثاني للشارح على الوجه الأوّل لإبطال السند ، بتغيير العبارة قد تقدّم بيانه مع ما فيه ، فتذكّر.

وقوله : ولا يخفى أنّه حينئذ ينبغي لتطبيق التعليل على الدعوى ، إمّا تغيير الدعوى أو تعميم الدليل عند قوله : لأنّ الأشياء المتوافقة في الماهيّة ، لأنّ هذا الدليل بظاهره لا ينطبق إلّا على الوجوب الذاتي ، ولا يتناول الإمكان والامتناع كما يظهر بأدنى تأمّل.

مناقشة مع المحقّق

وحاصلها أنّه عند تغيير العبارة بقولنا : لأنّ الأشياء المتوافقة في الماهيّة يجب اشتراكها في اقتضاء الذات الواحدة إيّاها ، يكون التعليل مختصّا بالوجوب الذاتي لأنّ اقتضاء الذات لتلك الأشياء المتوافقة التي اريد بها الوجودان أي الوجود المبتدأ والمعاد إنّما يتصوّر في الوجوب ، حيث إنّ ذات الواجب يقتضي بذاته الوجود لا في الامتناع والإمكان.

أمّا الإمكان ، فظاهر لأنّ ذات الممكن بذاته لا يقتضي شيئا من الوجود والعدم ، بل مقتضى ذاته عدم اقتضاء شيء منهما ، وكونهما بالنظر إليه على السواء. وأمّا الامتناع ، فلأنّ ذات الممتنع على تقدير أن يكون له اقتضاء ، يكون مقتضيا للعدم ، لا للوجود كما هو المفروض. وحيث كان هذا التعليل مختصّا بالوجوب الذاتي فينبغى لتصحيح التعليل ، إمّا تغيير الدعوى في كلام القائل أي حذف قوله : «إمكانا وامتناعا» ، والاكتفاء بقوله : =«وجوبا» في قوله : «فإذن يتلازم الوجودان أي المبتدأ والمعاد إمكانا ووجوبا وامتناعا» ، حتّى ينطبق التعليل على الدعوى ، أو تعميم الدليل عند قوله : «لأنّ الاشياء المتوافقة في الماهيّة» ، بحيث يشمل الإمكان والامتناع أيضا ، حتّى ينطبق عليه أيضا.

ولا يخفى أنّ كلّا من تغيير الدعوى أو تعميم الدليل غير مستقيم هنا. أمّا الأوّل ، فلأنّ

٣٦٠