منهج الرّشاد في معرفة المعاد - ج ١

محمّد نعيم بن محمّد تقي [ الملا نعيما العرفي الطالقاني ]

منهج الرّشاد في معرفة المعاد - ج ١

المؤلف:

محمّد نعيم بن محمّد تقي [ الملا نعيما العرفي الطالقاني ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
ISBN: 964-444-108-7
ISBN الدورة:
964-444-109-5

الصفحات: ٣٨٢

المعدوم بعينه يستلزم أن لا يكون هنا إعادة بعينه. وكذلك الوقت مع كونه مشخّصا سواء اعيد أم لا ، لم يكن هناك إعادة معدوم بعينه.

لا يقال : سلّمنا أنّ هذين الوصفين متغايران ، وأنّ هذين الوقتين متغايران ، لكن لا نسلّم أنّ الواقع في أحدهما ليس هو الواقع في الآخر بعينه ، وأنّ الموصوف بأحدهما مغاير للموصوف بالآخر بعينه. وهذا كما أنّ زيدا إذا كان في زمان موصوفا بعدم الكتابة ، ثمّ صار في زمان آخر موصوفا بالكتابة ، فيصدق عليه أنّه موجود في الوقتين وموصوف بالكتابة وبعدمها ، مع أنّ الوجود في الوقتين المتغايرين ، وصدق ذينك الوصفين عليه ، لا يستلزم أن يكون من حيث وجوده في أحد الزمانين واتّصافه بأحد الوصفين المتغايرين ، مغايرا لنفسه من حيث وجوده في الزمان الآخر واتّصافه بالوصف الآخر.

لأنّا نقول : هذا مسلّم فيما إذا كان التشخّص ، أي نحو من الوجود الخاصّ أو ما هو لازم له باقيا في الحالين كما في المثال المذكور ، وأمّا إذا لم يكن باقيا كما في صورة إعادة المعدوم بعينه فلا يتميّز عند العقل أنّ الواقع في أحد الوقتين ، والموصوف بأحد الوصفين المتقابلين ، أهو الموجود في الوقت الآخر والموصوف بالوصف الآخر بعينه أم لا؟ بل ربّما يغلب على العقل أنّه غيره ، فتدبّر.

والحاصل أنّ فرض إعادة المعدوم بعينه ممّا يستلزم محالا على كلّ تقدير ، وما كان كذلك فهو محال بالضرورة. والله أعلم بالصواب.

في تحرير ما ذكره الشيخ بعد دليله الثاني

ثمّ إنّ قول الشيخ : «فإن كان المعدوم يجوز إعادته وإعادة جملة المعدومات التي كانت معه ، والوقت إمّا شيء له حقيقة وجود وقد عدم أو موافقه موجود (١) لعرض من الأعراض على ما عرفت من مذهبهم ، جاز أن يعود الوقت والأحوال فلا يكون وقت ووقت ، فلا يكون عود».

إن كان مبناه على فرض إعادة الوقت ، على أنّه من المشخّصات كالسابق على أن يكون المراد بقوله : «وإعادة جملة المعدومات التي كانت معه» إعادة جملة المعدومات

__________________

(١) وجود (خ ل).

٢٨١

التي لها مدخل في تشخّص المعدوم ، كان هذا الكلام منه من تتمّة السابق ، أي الدليل الثاني وزيادة بيان له ، فلذا قال في السابق في بيان لزوم المحال : «فإذا اعيد وقته كان المعدوم غير معاد» ، وقال هاهنا : «فلا يكون وقت ووقت فلا يكون عود» حيث رتّب عليه لزوم عدم كون عود أي ذلك المحال السابق ، وعلّله بأنّه لا يكون وقت ووقت ، وهو محال آخر على ما سيجيء بيانه.

وإن كان مبناه على فرض إعادة الوقت مطلقا ، سواء اعتبر كونه من المشخّصات أم لا بناء على أن يكون المراد بقوله : «وإعادة جملة المعدومات» إعادة جملة المعدومات مطلقا سواء اعتبر كونها من جملة المشخّصات للمعدوم أم لا ، فهذا الكلام منه يحتمل وجهين : أحدهما كونه من تتمّة السابق أيضا كما عرفت. والثاني كونه دليلا آخر ثالثا على المطلوب. أمّا كونه تتمّة للسابق ، فعلى سبيل التنزّل ، يعني أنّه قال أوّلا إنّ الوقت من جملة المشخّصات وأنّه لو اعيد المعدوم ، لوجب أن يعاد وقته الأوّل أيضا وأورد عليه محالا ، وهو أنّه يكون المعدوم غير معاد مع فرض إعادته ، لأنّ المعاد هو الذي يوجد في وقت ثان.

وقال ثانيا إنّا لو تنزّلنا عن ذلك وسلّمنا عدم كون الوقت من المشخّصات ، للزم ذلك المحال أيضا ، لأنّه لو جاز إعادة المعدوم لجاز إعادة الوقت أيضا ، لأنّه أيضا من جملة المعدومات ، بل جاز إعادة كلّ حال وصفة معدومتين كانتا مع المعدوم ، فإنّ المفروض جواز إعادة المعدوم ، أيّ معدوم كان ، ولا دليل هنا يخصّص الحكم ببعض المعدومات دون بعض ، فالوقت اذا اعيد سواء فرض كونه مشخّصا أو غير مشخّص ، لزم أن لا يكون هنا وقت ووقت ، ولزم أيضا أن لا يكون عود.

ومنه يعلم بيانه على تقدير كونه دليلا آخر. والحاصل أنّه إذا جاز إعادة المعدوم ، لجاز أن يعاد وقته الأوّل أيضا نفسه ، سواء كان الواقع هناك هو ذلك الوقت فقط من دون وجود وقت آخر ثان ، هو يكون ظرفا له أو مظروفا له أو يكون الواقع هناك وقت آخر كذلك ، وعلى كلّ تقدير فيلزم أن لا يكون وقت ووقت ، إذ يكون حينئذ الوقت الأوّل ثانيا ، والثاني أوّلا ، فلا يكون امتياز وتقدّم وتأخّر بين أجزاء الزمان بالذات ، والقول به سفسطة ، ومع ذلك فلا يكون حينئذ إعادة معدوم كما هو المفروض.

أمّا على تقدير فرض كون الوقت من جملة المشخّصات سواء كان الموجود هناك

٢٨٢

هو الوقت الأوّل فقط ، أو كان الموجود معه وقت آخر ثان أيضا ، يكون أحدهما ظرفا للآخر فظاهر كما مرّ بيانه سابقا.

وأمّا على تقدير فرض عدم كون الوقت من المشخّصات ، فكذلك أيضا لأنّ الوقت الأوّل وإن لم يكن من جملة المشخّصات لكن وجود المعدوم المعاد فيه يستلزم كونه مبتدأ فقط ، إن لم يكن هناك وقت سواه ، ومبتدأ ومعادا جميعا إن كان.

وعلى كلّ تقدير فليس هنا إعادة المعدوم فقط ، بل إمّا ابتداء وجود فقط ، أو ابتداء وجود مع إعادة معدوم. وأيضا لا يكون هنا إعادة معدوم بعينه كما مرّ بيانه ، فتذكّر.

وأيضا على تقدير فرض وقتين هناك سواء فرض كون الوقت من المشخّصات أم لا ، يلزم التسلسل في الزمان كما مرّ بيانه أيضا. وبالجملة يلزم على تقدير هذا الفرض أي فرض إعادة الوقت مطلقا ، سواء كان مشخّصا أم لا ، ما يلزم على تقدير فرض إعادته على تقدير كونه مشخّصا كما فصّلناه ، إلّا بعضا ممّا يختصّ بتقدير كونه مشخّصا ، فتدبّر تعرف.

ولا يخفى عليك بما بيّناه أنّه يلزم على كل تقدير محالات عديدة ، وإن كان الشيخ قد اكتفى بذكر بعضها لحصول الغرض به.

ثمّ إنّ قول الشيخ : «والوقت إمّا شيء له حقيقة وجود أو موافقة وجود لعرض من الأعراض» ـ على ما عرفت من مذهبهم ـ إشارة إلى ما حقّقه في الطبيعيّات من الشفاء في فصل تحقيق ماهيّة الزمان فليطالع ثمّة.

وبالجملة أشار به إلى كون الزمان أمرا واقعيّا في نفس الأمر كسائر الامور الواقعيّة لا أمرا اعتباريّا محضا ، وأنّ فرض إعادته على تقدير القول بإعادة المعدوم ، ليس بممتنع ، كما في نظائره من الواقعيّات المعدومة.

وكذلك التسلسل فيه محال كما في غيره من الامور الواقعيّة.

وبما حرّرنا الدليل وقرّرناه ، يندفع عنه اعتراض أورده الشارح القوشجي في شرح التجريد هنا.

قال : إنّه استدلال بمقدّمتين لا تجتمعان في الصدق ، لأنّ الوقت إن كان من المشخّصات لم يصحّ القول بأنّ المبتدأ في زمان سابق والمعدوم في زمان لاحق ، لامتناع التغاير بين المبتدأ والمعاد بحسب العوارض المشخّصة ، وإن لم يكن مشخّصا ، لم يصحّ

٢٨٣

القول بأنّه يلزم إعادته ، لأن اللازم إنّما هو إعادة العوارض المشخّصة لا إعادة جميع العوارض. ـ انتهى. (١)

وبيان الاندفاع ظاهر باختيار كلّ من الشقّين.

أمّا باختيار الشقّ الثاني فبأن يقال : إنّا لم نقل بإعادة الوقت حينئذ ، لأنّه من جملة المشخّصات ، بل لأنّه من جملة المعدومات ، وكونه ممّا كان له حقيقة عند وجوده ، والمفروض إعادة المعدوم مطلقا ، إذ لا دليل على تخصيص الحكم ببعض المعدومات دون بعض ، وعلى تقدير إعادته يلزم المحال كما ذكرنا.

وأمّا باختيار الشقّ الأوّل فبأن يقال : لا يخفى أنّ التغاير بين المبتدأ والمعاد بكون الأوّل واقعا في وقت أوّل والثاني واقعا في وقت ثان ، ممّا لا يمكن إنكاره ، سواء كان ذلك تغايرا بحسب العوارض المشخّصة أم لا ، فإذا فرض إعادة المعدوم بعينه وفرض معه إعادة الوقت أيضا ، لأنّه من جملة مشخّصاته ، لزم من ذلك محال مبنيّ على ذلك التغاير ، فأمّا أن يلزم هو من فرض إعادة الوقت ، فذلك باطل ، لأنّه على تقدير فرض جواز إعادة المعدوم لا امتناع في فرض إعادة الوقت معه أيضا ، ولا سيّما إذا كان من مشخّصاته. فبقي أن يكون منشأ لزوم ذلك المحال فرض إعادة المعدوم ، فهو باطل وهو المطلوب.

ثمّ إنّ قول الشيخ : «على أنّ العقل يدفع هذا دفعا ولا يحتاج فيه إلى بيان وكلّ ما يقال فيه فهو خروج عن طريق التعليم ، دليل آخر على المطلوب ثالث أو رابع قد ادّعى فيه بداهة الحكم بامتناع إعادة المعدوم بعينه.»

في تحرير ما ذكره الشيخ في الشفاء أخيرا

وهذه البداهة قد ادّعاها غير الشيخ أيضا ، كما نقله الفاضل الأحساوي عن بعضهم بعد ذكر الأدلّة الثلاثة على امتناع العود والإيراد عليها حيث قال :

قال بعض من منع أنّ هذه الوجوه تنبيهيّة لا استدلاليّة ، فلا يرد عليها ما ذكره ، فإنّ الحكم بامتناع إعادة المعدوم من الأحكام الضروريّة ، فإنّ من انعدمت هويّته بالكلّية ، لا يصحّ اتّصافه بشيء من الصفات الضروريّة ، والعود صفة ضروريّة ثبوتيّة لا حقة له.

__________________

(١) شرح التجريد : ٧٣.

٢٨٤

فلا يصحّ ثبوتها لمن لا هويّة له قطعا. (١) وكما قد ادّعى تلك البداهة بعض من الفضلاء أيضا ، ونبّه على ذلك بأنّه نظير الطفرة في المكان ، وكما أنّ تعلّق الجسم بمكان ثمّ تعلّقه بمكان ثالث من غير أن يتعلّق بمكان ثان بين المكانين محال بالبديهة ، حيث يلزم منه وجوده في مكان أوّل ، ثم انعدامه في المكان الثاني ، ثم وجوده في مكان ثالث ، وهذا محال بالبديهة ، كذلك تعلّق شيء موجود بزمان أي وجوده فيه ثمّ انعدامه في زمان آخر بعده ، ثمّ تعلّقه بزمان ثالث أي وجوده فيه ، محال بالبديهة. ولا يخفى عليك وقع النظير والتنبيه.

ثمّ إنّه لا يخفى أنّه لا يرد على الحكم بالبداهة الاعتراض الذي نقله الفاضل الأحساوي عن بعضهم ، حيث قال : واعترض عليه بأنّ تجويز نقيضه يمنع من كونه ضروريّا ، فإنّ الشيء مع جواز النقيض لا يصحّ أن يكون ضروريا.

وحاصل الاعتراض أنّ الحكم البديهي كيف يكون مختلفا فيه بين العقلاء كما فيما نحن فيه.

وبيان عدم الورود أنّ الحكم البديهي ، قد يكون خفيّا لعدم تصوّر الأطراف أو لخفائه ، ولذلك ربّما أمكن أن يكون مختلفا فيه بين العقلاء ، وأمّا بعد تصوّر أطرافه فيكون بداهة ذلك الحكم ظاهرة لا سترة فيها ، خصوصا بعد ذكر المنبّه عليه.

ولا يخفى أنّ ما نحن فيه من هذا القبيل ولا أظنّك أن تكون في مرية من هذا إن خلّيت ونفسك. والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

وهذا الذي ذكرناه كلّه إنّما هو تحرير ما في الشفاء ، وبما حرّرنا كلامه في الدليل الأوّل يعلم تحرير ما ذكره في التعليقات في هذا المطلب ، فإنّه عند النظر الدقيق ، لا مخالفة بينهما في أصل المدّعى إلّا في بعض الخصوصيّات ، ولذا لا نبالي بإعادة تحريره.

فنقول : إنّ تحريره أن يقال : إذا وجد شيء وقتا ما ثمّ لم يعدم واستمرّ وجوده في وقت آخر وعلم ذلك أو شوهد ، علم أنّ الموجود واحد ، وأمّا إذا عدم فلا. لأنّه لو كان الموجود ثانيا عين السابق وجاز إعادة المعدوم بعينه ، فلا يخفى أنّه يمكن أن يفرض حينئذ محدث جديد يكون مماثلا للمعاد في الموضوع والحدوث والزمان وغير ذلك ولا يخالفه إلّا بالعدد وإلّا في النسبة التي ينبغي أن تنظر أنّهما هل يمكن أن يختلفا فيها أم لا؟ فليكن

__________________

(١) المجلي : ٤٩٩.

٢٨٥

الموجود السابق «ألف» وليكن المعاد «ب» وليكن المحدث الجديد المماثل له «ج». فنقول : إمّا أن يكون كلّ من «ب» و «ج» منسوبا إلى «ألف» بأن يكونا عينه ، وإمّا أن لا يكون شيء منهما منسوبا إليه كذلك ، وإمّا أن يكون أحدهما وهو «ب» منسوبا إليه دون الآخر وهو «ج».

وعلى الأوّل يكون كلّ من «ب» و «ج» منسوبا إلى «ألف» وعينه ، فيكون الشيئان الاثنان المتخالفان بالعدد عين شيء واحد بالذات أي «ألف» ، فهو محال بالضرورة.

وأيضا يكون كلّ منهما معادا ليس شيء منهما مثلا مستأنفا ؛ هذا خلف.

وعلى الثاني فلا يكون شيء منهما معادا كما هو المفروض ، بل يكون كلّ منهما مثلا مستأنفا وموجودا ابتدائيّا ؛ هذا خلف.

وعلى الثالث فنسأل ونقول لم صار «ب» مثلا منسوبا إلى «ألف» بالعينيّة ولم يصر «ج» منسوبا إليه كذلك ، ولم صار «الف» أولى ل «ب» دون «ج» ؛ فإن اجيب بأنّهما كذلك ، لأنّهما كذلك ، فهو نفس هذه النسبة وأخذ المطلوب في بيان نفسه ، بل للخصم أن يقول بالعكس وأنّ «ألف» كان ل «ج» وأنّ «ج» منسوب إلى «ألف» دون «ب». وإن اجيب أنّ «ألف» أولى ل «ب» ، لأنّه كان «ب» قبل هذه الحالة ، أي في حال العدم منسوبا إلى «ألف» بالعينيّة وكون «ألف» أولى له ، ولا كذلك «ج» ، فيحصل هنا خبر إيجابيّ ثبوتيّ ، بل خبران إيجابيّان ثبوتيّان وهو أنّ «ب» في حال العدم كان «ألف» وأنّه في تلك الحال كان «ألف» أولى له ، وقد حكم فيهما بثبوت أمر واقعي للموضوع في الواقع واتّصافه به ، فيقتضي وجوده في ظرف الثبوت وظرف الاتّصاف ، أي في الواقع ، وقد فرض عدمه في الواقع ، فأمّا أن يصار إلى القول بصيرورة المعدوم الواقعيّ في حال العدم وعلى وصف العدم موجودا في الواقع حينئذ وهو محال بالضرورة. وأمّا أن يصار إلى القول بأنّ ذلك المعدوم في حال عدمه ، له وجود في نفس الأمر في علم البارئ تعالى شأنه أو في المبادئ العالية ، وذلك أيضا وجود واقعيّ له ، فذلك أيضا باطل ، لأنّك قد عرفت فيما تقدّم أن الوجود العلميّ وجود ذهني له ، لا واقعيّ ، لأنّ الوجود الواقعي لا نعني به إلّا ما يترتّب عليه الآثار المطلوبة منه وليس كذلك.

بلى إذا صحّ مذهب من يقول إنّ الشيء يوجد فيفقد من حيث هو موجود ، ويبقى من

٢٨٦

حيث ذاته بعينه ذاتا لم يفقد من حيث هو ذات ، ثمّ يعاد إليه الوجود ، كالمعتزلة القائلة بثبوت المعدوم وبإعادة المعدوم ، أمكن أن يقال بالإعادة وبصحّة ذلك الخبر الإيجابي أو ذينك الخبرين الإيجابيّين في حال عدم وجود الموضوع حتّى يبطل ذلك المذهب من وجوه اخرى كما تبيّن في محلّه.

وإذا لم يسلّم ذلك ولم يجعل للمعدوم في حال العدم ذات ثابتة كما هو عند غيرهم ، وهو الحقّ ، لم يكن أحد الحادثين بخصوصه ك «ب» مثلا مستحقا لأن يكون قد كان له «ألف» وهو الموجود السابق دون الحادث الآخر ك «ج» ، بل إمّا أن يكون كلّ منهما معادا إذا كان كلّ منهما منسوبا إلى «ألف» بالعينيّة وهو خلاف الفرض ، ومع هذا يلزم صيرورة الاثنين المتخالفين بالعدد واحدا ، وأن لا يكون بينهما امتياز أصلا مع فرض الامتياز بالشخص ، أو لا يكون ولا واحد منهما معادا ، إذا لم يكن شيء منهما منسوبا إلى «ألف» بالعينيّة ، وهذا أيضا خلاف الفرض. وإذا كان المحمولان الاثنان يوجبان كون الموضوع لهما مع كلّ واحد منهما غير نفسه مع الآخر بالاعتبار ، فإن استمرّ الموضوع موجودا واحدا وذاتا ثابتة واحدة ، كان باعتبار الموضوع الواحد القائم موجودا وذاتا شيئا واحدا وبحسب اعتبار المحمولين شيئين اثنين ، كما إذا فرضنا أنّه وجد شيء وقتا ما ثمّ لم يعدم واستمرّ وجوده في وقت آخر وعلم ذلك أو شوهد ، وفرضنا صدق المحمولين عليه أي «ألف» و «ب». أو الوجود السابق والوجود اللاحق ، فإذا افقد استمراره في نفسه ذاتا واحدة كما في صورة انعدامه ، وفرض صدق ذينك المحمولين عليه ، بقي له الاثنينيّة الصرفة الذاتيّة الواقعيّة لا الاعتباريّة فقط.

وبالجملة إذا فرضنا انعدام الموجود السابق وفقدان ذاته ، وفرضنا صدق «ألف» عليه حين الوجود السابق ، وصدق «ب» عليه حين الوجود اللاحق ، لا يعلم حينئذ أنّه ذات واحدة صدق عليه المحمولان ، وكان هو مع صدق أحد المحمولين مغايرا لنفسه بالاعتبار مع صدق الآخر عليه ، بل المعلوم هنا هو الاثنينيّة الصرفة وأنّ «ألف» و «ب» متغايران بالذات وشيئان اثنان في الواقع.

وبالجملة أنّه يلزم على كلّ تقدير مع لزوم المحال المختصّ به ، أن لا يكون بين المعاد والمثل المستأنف المفروض امتياز في اختصاص المعاد بصفة الإعادة دون المثل ، وهذا

٢٨٧

خلاف الفرض ، فمن أين يمكن أن يقال بإعادة المعدوم بعينه وهو المطلوب.

وبما ذكرنا تمّ تحرير كلامه في التعليقات ، ومنه يعلم أنّ كلامه في الكتابين متوافقان في أصل المقصود ، لا تخالف بينهما.

إلّا في بعض الخصوصيات في التقرير والعبارة.

وإلّا أنّ كلامه في التعليقات في كونه بحيث يمكن أن ينفهم منه انفهاما ظاهرا أنّ اللازم على تقدير فرض إعادة المعدوم وفرض وجود مثل له ثلاثة محالات ، يلزم كلّ منها عن تقدير كما فصّلناه مخالف لكلامه في الشفاء ، فإنّ انفهامه منه ، ليس بتلك المثابة ، حيث إنّه في التعليقات ، أشار إلى جميعها ، فإنّ مفاد كلامه فيها أنّه على فرض إعادة المعدوم وفرض وجود مثل له مستأنف ، ليس أحد الحادثين كالمعاد مستحقا لأن يكون له الموجود السابق دون المثل المستأنف ، وأنّ المعاد ليس مختصّا بصفة الإعادة ، دون المثل المفروض ، بل إمّا أن يكون كلّ منهما معادا أو لا يكون شيء منهما معادا ، وأنّه في الشفاء أشار إلى أنّ اللازم هو واحد من تلك المحالات. حيث قال : ومن تفهيمنا هذه الأشياء يتّضح لك بطلان قول من يقول إنّ المعدوم يعاد ، لأنّه أوّل شيء يخبر عنه ، وذلك لأنّ المعدوم إذا اعيد يجب أن يكون بينه وبين ما هو مثله لو وجد فرق ، فإن كان مثله إنّما ليس هو ، لأنّه ليس الذي كان وعدم وفي حال العدم كان هذا غير ذلك ، فقد صار المعدوم موجودا على النحو الذي أومأنا إليه فيما سلف.

وإلّا أنّ ما في الشفاء ظاهره أنّ ذلك المحال اللازم هو صيرورة المعدوم موجودا وينفهم منه عدم صحّة ذلك الحكم الإيجابي الضمني اللازم على تقدير فرض الإعادة. أي قولنا : إنّ المعاد حال العدم هو الموجود السابق وأنّه غير المحدث الجديد المفروض مثلا له ، وأنّ ما في التعليقات ظاهره عدم صحّة نسبة المعاد بالعينيّة إلى الموجود السابق دون المثل المستأنف ، وعدم أولوية استحقاق المعاد لأن يكون قد كان له الموجود السابق دون المثل المفروض.

وهذان الأمران اللذان يستفادان من هذين الكلامين وإن كان أحدهما غير الآخر بحسب المعنى الظاهري ، إلّا أنّ مآلهما واحد عند التحقيق.

ويلزم منهما محال آخر أيضا ، هو بالمآل راجع إليهما ، وهو عدم امتياز المعاد عن

٢٨٨

المثل المستأنف المفروض في اختصاصه بصفة الإعادة كما هو المفروض ؛ هذا خلف. وينبغي أن يحمل أحد الأمرين على الآخر ، بل أن يحمل كلّ من الكلامين على أنّه يلزم من الفرض المذكور كلّ من ذينك الأمرين اللذين مآلهما واحد ، ويلزم منهما المحال الآخر الذي هو راجع إليهما أيضا.

وكذا ينبغي أن يحمل ما في الشفاء في الدليل الأوّل على تمام ما في التعليقات في هذا المطلوب ، وبالعكس تطبيقا بين الكلامين ، وتصحيحا لهما بقدر الإمكان ، والله المستعان.

نقل كلام من المحقّق الدواني في هذا المقام والإشارة إلى ما فيه

ثمّ إنّ المحقّق الدواني في الحاشية على شرح التجريد في مقام توجيه كلام المحقّق الطوسي رحمه‌الله في الدليل الأوّل على هذا المطلب ، وأن ليس غرضه منه ما فهمه الشارح القوشجي منه ، وأورد عليه الاعتراض بالوجوه الثلاثة بعد أن نقل كلام الشيخ في التعليقات ، قال بهذه العبارة :

وليس فيه استدلال على امتناع العود بامتناع الحكم على المعدوم كما ذكره المتأخّرون ، وكيف يتصوّر من عاقل مثل هذا الاستدلال ، بل محصّله أنّ العدم عبارة عن فقدان الذات ، وبطلانه ، فلا يكون موضوع الوجودين والعدم شيئا واحدا ، لعدم انحفاظ وحدة الذات حال العدم. فامتياز المعاد عن المستأنف المفروض ، واختصاصه بصفة الإعادة إن كان لكونه ثابتا من حيث الذات في حال العدم ، فهو باطل ، لأنّ المعدوم لا هويّة له ، وإن كان لكونه معروض الوجود أوّلا فهو عين النسبة التي وقع النظر في إمكانها ، وذلك غير متصوّر مع فقدان الاستمرار ، لأنّه يوجب الاثنينيّة الصرفة. والظاهر أنّ ذلك مقصود المصنّف ، وكلامه ظاهر الانطباق عليه من غير كلفة ، فإنّ ظاهر قوله : «فلا يصحّ الحكم عليه بصحّة العود» أنّه لا يصدق الحكم عليه بها فيندفع عنه تلك الإيرادات المبنيّة على ما قرّره.

نعم يبقى أن يقال : المعدوم في الخارج يجوز أن يبقى في نفس الأمر بحسب الذهن ، فينحفظ وحدته بحسب ذلك الوجود ، ويندفع بأنّ الموجود في الذهن في الحقيقة هو الهويّة المكتنفة بالمشخّصات الذهنيّة ، واتّحادها مع الموجود الخارجي بمعنى أنّها بعد

٢٨٩

التجريد عينه ، فليست إيّاه مطلقا بالفعل ، فتأمّل. ـ انتهى كلامه. (١)

وأقول : قوله : «وليس فيه استدلال ـ إلى آخره.»

قد عرفت ممّا قرّرنا كلام التعليقات أنّه يستفاد منه ذلك الاستدلال أيضا لكن لا في قولنا : «المعدوم يعاد» كما فهمه الشارح القوشجي واعترض عليه ، بل في ذلك الخبر الضمني المتضمّن له القول بصحّة الإعادة ، أي قولنا : «المعدوم حال العدم عين الموجود السابق أو غير المثل المستأنف» وإن كان دلالة كلام الشفاء عليه أظهر.

وبالجملة لا غبار على هذا الاستدلال بهذا الوجه ، لو استدلّ به أحد ويتصوّر ذلك من العقلاء.

وقوله : «بل محصّله أنّ العدم عبارة ـ إلى آخره ـ» هذا إشارة إلى بعض ما يستفاد من كلام التعليقات من لزوم المحالات لا إلى كلّه ، فإنّك قد عرفت أنّه يدلّ على أنّه على تقدير فرض إعادة المعدوم وفرض وجود مثل مستأنف معه يرد محالات عديدة وهذا أحدها. وكأنّه في قوله : «بل محصّله» اكتفى به ، لكونه لازما على كلّ تقدير من التقديرات كما بينّاه سابقا.

وقوله : «فامتياز المعاد عن المستأنف المفروض واختصاصه بصفة الإعادة».

هذا منه ، يدلّ على أنّ مراده فيما نقلنا عنه في كلام الشارح سابقا من قوله : «إذ محصّله أنّا نفرض المثل المذكور ونقول لا امتياز بينهما أصلا ، إذ لو كان بينهما امتياز ـ إلى آخره ـ» عدم الامتياز بينهما في كون المعاد مختصّا بصفة الإعادة دون المثل لا عدم الامتياز بينهما مطلقا كما هو ظاهرة ، حتّى يرد أنّ ذلك مع فرض كونهما متخالفين بالعدد خلاف الفرض كما أوردنا ، وإن كان الإيراد الآخر الذي أوردنا عليه هنالك من أنّ الاعتراف بعدم إمكان المثل مع فرض وجوده كما فعله لا يجدي شيئا وارادا عليه ، فتذكّر.

وقوله : «إن كان لكونه ثابتا من حيث الذات ـ إلى قوله ـ لأنّه يوجب الاثنينيّة الصرفة» ، هذا حاصل ما فهمه من كلام الشيخ ، وقد ذكرنا أيضا تقريره بعبارة اخرى هي ألصق بكلامه ، فتذكّر.

وقوله : «والظاهر أنّ ذلك مقصود المصنّف رحمه‌الله وكلامه ظاهر الانطباق عليه من غير

__________________

(١) راجع هامش شرح التجريد : ٧٢ وفيه : «بالعقل» مكان «بالفعل».

٢٩٠

كلفة» ، فإنّ ظاهر قوله فلا يصحّ الحكم عليه بصحّة العود أنّه لا يصدق الحكم عليه بها لما كان ظاهر قول المحقّق الطوسي «والمعدوم لا يعاد لامتناع الإشارة إليه فلا يصحّ الحكم عليه بصحّة العود» أنّه لا يصحّ الحكم عليه بها في القضيّة التي وقع محمولها هذا المفهوم أي صحّة العود ، وموضوعها المعدوم ، أي قولنا : المعدوم يصحّ عوده أو يجوز عوده أو يعاد ، وكان ظاهر عدم صحّة هذا الحكم امتناعه ، وكان هذا دالّا على ما فهمه الشارح القوشجي منه ، وأورد عليه الاعتراض بالوجوه الثلاثة ، مع أنّه كان هذا الادّعاء غير مطابق للواقع ، حيث إنّه لو امتنع هذا الحكم لما حكم به القائلون بجواز الإعادة والحال أنّهم قد حكموا بذلك ، فلذا قال : إنّ معنى قوله : «فلا يصحّ الحكم عليه بصحّة العود» أنّه لا يصدق الحكم عليه بها أي لا يكون ذلك الحكم حقّا مطابقا للواقع ، بل باطلا وأشعر بذلك أنّ ذلك نتيجة للدليل ، ومتفرّع عليه ، لا أنّه دليل على المطلوب ، كما فهمه الشارح القوشجي وأورد عليه. وأنّ حاصل الدليل الذي ذكره المحقّق الطوسي على امتناع إعادة المعدوم ، هو أن يقال : إنّ المعدوم لا يعاد ، أي لا يصحّ عوده ، لأنّه لو جاز عوده لجاز فرض وجود مثل له مستأنف ، كما ذكر ، وحينئذ نقول : فامتياز المعاد عن المثل المفروض في اختصاصه بصفة الإعادة مع تماثلهما إنّما يكون بأن يجوز الإشارة العقليّة إلى هويّته الخارجيّة في حال العدم لحصول الامتياز المذكور حتّى يصحّ أن يقال : إنّه منسوب إلى الموجود السابق دون المثل المستأنف ، وليس كذلك ، لامتناع الإشارة العقليّة إلى هويّته الخارجيّة ، فلا يصحّ الحكم عليه بصحّة العود.

ومعناه أنّه لا يكون ذلك الحكم الذي حكمه مجوّزو الإعادة صادقا وحقّا مطابقا للواقع بل باطلا غير مطابق له ، لا أنّه يكون ذلك الحكم ممتنعا إذ لا امتناع في أصل ذلك الحكم. كيف وقد حكم به كثير من العقلاء أي المجوّزون للإعادة. وهذا على ما فهمه المحقّق الدواني من كلام الشيخ في التعليقات.

وأمّا على ما فهمناه منه ومن كلامه في الشفاء ، فنقول : لو جاز عود المعدوم لجاز فرض وجود مثل له.

فإمّا أن لا يكون شيء منهما منسوبا إلى الموجود السابق بالعينيّة فهذا يقتضي أن لا يكون شيئا منهما معادا ؛ هذا خلف.

٢٩١

وإمّا أن يكون كلّ منهما منسوبا إليه كذلك ، فهذا يقتضي أن يكون كلّ منهما معادا ، وهو أيضا خلاف الفرض.

وإمّا أن يكون أحدهما وهو المعاد ، منسوبا إليه كذلك دون المثل المفروض ، فهذا يقتضي أن يكون للمعاد في حال العدم نسبة إلى الموجود السابق بالعينيّة ، بل إلى المثل أيضا بالغيريّة فيقتضي أن يحكم هناك بحكمين واقعيّين ثبوتيّين يقتضيان وجود الموضوع في الخارج والإشارة العقليّة إلى هويّته الخارجيّة ، وليس الأمر كذلك ، لامتناع الإشارة العقليّة إلى هويّة المعدوم في حال العدم ومع وصف العدم. وعلى هذا أيضا فلا يكون الحكم عليه لصحّة العود حقّا مطابقا للواقع بل باطلا.

في الإشارة إلى توجيه الدليل الأوّل

الذي ذكره المحقّق الطوسي على هذا المطلب

وعلى التوجيهين فحمل كلام المحقّق الطوسي على ما ينفهم من كلام الشيخ في الكتابين ممكن بلا سترة ، وقد أشرنا إليه فيما سبق أيضا إلّا أنّه يحتاج إلى أدنى عناية وليس ذلك تكلّفا. ولو سلّمنا كونه تكلّفا ، فلا يخفى أنّه تكلّف سهل ، يرتكب مثله ، ولا سيّما في مقام التوجيه كثيرا ، ولذلك قال المحقّق الدواني : «والظاهر أنّ ذلك مقصود المصنّف ، وكلامه ظاهر الانطباق عليه من غير كلفة ـ إلى آخره ـ.» وقوله : «نعم يبقى أن يقال ـ إلى آخره ـ» هذا الإيراد إنّما يرد على ما قرّره كلام الشيخ في التعليقات به ، ومبناه على وجود الأشياء بأعيانها في الذهن كما هو التحقيق عندهم. وأمّا على ما قرّرناه وذكرنا أنّه محتمل فيه ، وهو ظاهر كلامه في الشفاء ، فلا يرد إيراد ، إذ لا سترة في أنّ ذلك الخبر الضمني اللازم على تقدير الفرض المذكور يقتضي وجود الموضوع في الخارج ، مع كون المفروض عدمه في الخارج ، وفي أنّ وجوده في الذهن في نفس الأمر سواء قيل بوجود الأشياء بأعيانها في الذهن ، أو قيل بوجودها بأشباحها فيه ، ليس وجودا خارجيّا أو واقعيّا له كما يقتضيه ذلك الخبر ، كما بيّناه فيما سبق.

وبالجملة فعلى ما قرّرناه لا يرد إيراد ، ولو أورد أيضا يكون اندفاعه ظاهرا بأدنى تأمّل. وأمّا على ما قرّره هو ، فمع ورود الإيراد الذي أورده عليه لا يخلو ما ذكره في وجه اندفاعه

٢٩٢

عن نظر وتأمّل. ولذلك أمر بالتأمّل وذلك النظر مثل النظر الذي أورده فيه المحشي م ن الشيرازي ، حيث قال في قوله : «ويندفع بأنّ الموجود في الذهن ـ إلى آخره ـ» فيه نظر ظاهر ، فإنّ كون الموجود في الذهن شخصا ذهنيّا محفوفا بعوارض ، يكون بعد التجريد عين الشخص الخارجي ، لا ينفي كونه عين الشخص الخارجي محفوظا في الذهن وموجودا فيه محفوفا بتلك العوارض. بل الحقّ في الجواب أن يقال : إنّ الحكم بأنّ «ب» مثلا في الخارج هو ما كان «ألف» فى الخارج يستدعي حفظ الذات واستمراره في الخارج ، ولا ينفع كونها في الذهن محفوظة ، نعم الحفظ في الذهن إنّما ينفع العلم بأنّ «ب» كان «ألف» وأمّا أنّ «ب» كان «ألف» في الخارج فلا بدّ فيه من أن لا يكون الذات مفقودة في الخارج ، فليتأمّل. ـ انتهى.

وإن كان الجواب الحقّ الذي ذكره هو أيضا محلّ تأمّل. فلذا أمر بالتأمّل وكأنّ وجه التأمّل ، أنّ لقائل أن يقول : لعلّه كان العلم بأنّ «ب» كان «ألف» كافيا في المقصود ، أي في امتياز المعاد عن المثل المستأنف المفروض ، لا بدّ لنفي ذلك من دليل. وحيث كان هذا الجواب أيضا محلّ تأمّل كجواب المحقّق الدواني ، ظهر أن التقرير الأتمّ والأحسن ما ذكرناه ، فتبصّر.

ثمّ إنّه حيث اتّضح بما ذكرنا تقرير كلام المحقّق الطوسي في التجريد في دليله الأوّل ، واتّضح أيضا بما ذكرنا تقرير ما ذكره في دليله الثالث بقوله : «ولم يبق فرق بينه وبين المبتدأ وصدق المتقابلان عليه دفعة ويلزم التسلسل في الزمان» ، فلنتكلّم في تقرير دليله الثاني الذي ذكره بقوله : «ولو اعيد لتخلّل العدم بين الشيء ونفسه». (١)

فنقول : إنّ الظاهر أنّ مقصوده أنّه لو اعيد المعدوم بعينه ، أي لو جاز كون شيء واحد موجودا بوجود أوّلا ثمّ زوال ذلك الوجود عنه في زمان آخر ثمّ وجوده بذلك الوجود في زمان ثالث ، فإمّا أن يكون الموجود بالوجود أخيرا غير الموجود بالوجود أوّلا ، غيريّة بالذات وبالشخص ، وكذا الوجودان ، فحينئذ لا يكون إعادة معدوم أصلا فضلا عن أن يكون إعادة معدوم بعينه كما هو المفروض ، لكون الموجودين بالوجودين ، وكذا الوجودين متغايرين بالذات وبالشخص. وإمّا أن يكون عينه عينيّة بالذات وبالشخص

__________________

(١) شرح التجريد : ٧٢.

٢٩٣

فحينئذ يلزم أن يكون العدم متخلّلا بين الشيء ونفسه أي بين الموجود الأوّل ونفسه ، وكذا بين الوجود أوّلا ونفسه ، وهذا محال ، لأنّ تخلّل شيء إنّما يتصوّر بين شيئين لا بين شيء واحد.

مضافا إلى أنّه لا يتصوّر تخلّل نقيض شيء كالعدم بين شيء ونفسه كالوجود.

وأيضا يلزم منه أن يكون شيء واحد أي العدم سابقا على شيء واحد ، أي ذلك الموجود أو وجوده ، وكذا مسبوقا أيضا بذلك الشيء سابقيّة ومسبوقيّة بالزمان.

ويلزم أيضا منه سبق ذلك الشيء على نفسه بالزمان. إذ السابق على السابق على شيء سابق عليه ، وكذا المسبوق بالمسبوق به مسبوق به ، وكلّ ذلك ممتنع ، ولزومه على تقدير الفرض المذكور ظاهر بأدنى تأمّل.

وقد ذكر الشارح القوشجى في هذا الدليل كلاما بهذه العبارة : «ولو اعيد لتخلّل العدم بين الشيء ونفسه إذ المفروض أنّ المعاد هو المبتدأ بعينه ، وتخلّل شيء إنّما يتصوّر بين شيئين.

والجواب أنّه لا معنى لتخلّل العدم هنا سوى أنّه كان موجودا في زمان ، ثم زال عنه ذلك الوجود في زمان آخر ، ثمّ اتّصف به في زمان ثالث ، ومن هذا تبيّن أنّ التخلّل بحسب الحقيقة إنّما هو لزمان العدم بين زماني وجوده بعينه.

وأيضا لم لا يجوز التميّز بين الحالين بعوارض غير مشخّصة مع بقاء العوارض المشخّصة بحالها في الحالين ، فلا يلزم تخلّل العدم بين الشيء الواحد من جميع الوجوه.

وأيضا لو تمّ هذا الدليل لدلّ على امتناع بقاء شخص من الأشخاص زمانا ، وإلّا لزم تخلّل الزمان بين الشيء ونفسه ، لوجود ذلك الشخص في طرفي زمان البقاء. ـ انتهى كلامه.» (١)

وأقول : لا يخفى على المتأمّل أنّ ما أورده عليه غير وارد أصلا.

أمّا ما أورده أوّلا فلأنّ ما ذكره من معنى تخلّل العدم لا يجديه نفعا أصلا ، لأنّه لا خفاء في أنّ زمان العدم الذي فرض وقوع العدم فيه إذا كان متخلّلا بين زماني وجوده بعينه اللذين فرض وقوع الوجودين أي الوجود الواحد بعينه فيها لصدق حينئذ تخلّل العدم

__________________

(١) شرح التجريد : ٧٢ ـ ٧٣.

٢٩٤

نفسه بين الوجود الواحد بعينه نفسه وكذا بين الموجود الواحد بعينه نفسه الذي فرض كونه هو الموجود بذلك الوجود الواحد بعينه نفسه ويلزم منه المحال كما ذكرنا ، فتغيير العبارة لا يفيد شيئا بل هو تهافت.

وأمّا ما أورده ثانيا فلأنّا نقول : إنّ تلك العوارض غير المشخّصة إمّا أن تفيد أن يكون الموجود أخيرا غير الموجود أوّلا غيريّة بالذات وبالشخص أو لا تفيد ، وعلى الأوّل فلا يكون هناك إعادة معدوم أصلا فضلا عن أن يكون إعادة معدوم بعينه. وعلى الثاني فيكون الثاني عين الأوّل بعينه وبالذات وبالشخص ويلزم منه المحال. مع أنّ فرض حصول التميّز والمغايرة بعوارض غير مشخّصة مع بقاء العوارض المشخّصة بتمامها ممّا لا يمكن ، إذ معنى العوارض المشخّصة أن يكون التميّز والتغاير بها ، لا بغيرها من العوارض ففرض حصولهما بغيرها خلاف الفرض.

وأيضا إذا كانت العوارض المشخّصة باقية بحالها ، يكون ما يعرض لأحدهما عارضا للآخر أيضا ، لأنّ عروض عارض لأحدهما دون الآخر يحتاج إلى تشخّصه وامتيازه والمفروض عدمه. فعلى هذا فلا يتحقّق الامتياز بالعوارض غير المشخّصة أيضا. وقد أشرنا إلى ذلك فيما سبق أيضا.

وأمّا ما أورده ثالثا ، فلأنّك قد عرفت أنّه في صورة تخلّل زمان العدم بين زماني وجوده بعينه كما عبّر به عن معنى التخلّل ليس تخلّل زمان العدم بمجرّد كونه زمانا مطلقا ، أعمّ من أن يكون ذلك الزمان زمان العدم ، أو الوجود أو زمان الشيء المتخلّل أو زمان الشيء المتخلّل فيه بين زماني وجود ذلك الشيء من حيث هما أيضا زمان مطلقا منشأ للزوم المحال ، إنّما المنشأ له ، هو تخلّل زمان العدم من جهة كون الواقع فيه هو العدم ، أي تخلّل العدم الواقع فيه بين زماني وجوده بعينه أي بين ذينك الزمانين من حيث كون الواقع فيهما هو الشيء ونفسه أي بين ذينك الزمانين من حيث كون الواقع فيهما هو الشيء ونفسه أي الموجود بالوجود أوّلا والموجود به أخيرا ، وكذا الوجودان.

والحاصل أنّ المنشأ لذلك هو التخلّل غير الشيء وخصوصا نقيضه بين ذلك الشيء ونفسه. ولا يخفى أنّه في صورة فرض زوال الوجود أوّلا وانقطاع استمرار حقيقة الموجود بذلك الوجود ، يتحقّق هذا التخلّل ويكون منشأ للمحال كما ذكرنا ، وأمّا في صورة بقاء

٢٩٥

الوجود واستمرار حقيقة الموجود ، فالمتخلّل بين زماني وجود ذلك الشيء وإن كان يكون هناك زمان ، لكن لا زمان غيره ونقيضه ، بل زمان وجوده بعينه.

وبالجملة أنّ الزمان المتخلّل ، وكذا الزمانان المتخلّل فيهما وإن كانت متغايرة بالذات ، لكن الواقع في تلك الأزمنة ، هو نفس ذلك الشيء بعينه ووجوده بعينه من غير أن يكون هو بحسب وجوده في تلك الازمنة غيرا لنفسه بالذات وبالشخص. وأمّا كونه بحسب حصوله في أحد تلك الأزمنة مغايرا لنفسه بحسب حصوله في الزمان الآخر ، فهو مغايرة بالاعتبار لا بالذات.

والحاصل أنّ ذلك عبارة عن بقاء الشيء بعينه بالذات في تلك الأزمنة ، ولا يلزم منه محال من تلك المحالات.

فإن قلت : على هذا أيضا يلزم المحال ، حيث إنّه يلزم منه أن يكون ذلك الشيء باعتبار حصوله في الزمان أوّل سابقا على نفسه باعتبار حصوله في الزمان الثاني. وكذا يلزم منه أن يكون هو باعتبار حصوله في الزمان الوسط مسبوقا بنفسه باعتبار حصوله في الزمان الأوّل ، وسابقا على نفسه باعتبار حصوله في الزمان الثالث.

قلت : لا ضير فيه ، فإنّ ذلك كلّه إنّما هو من حيث الاعتبار لا من حيث الذات.

فإن قلت : أيّ شيء أردت بذلك؟ فإن أردت به أنّ السابقيّة والمسبوقيّة الزمانيّتين ، إنّما تعرضان للزمان المفروض بالذات ولذلك الشيء الواقع فيه باعتبار ذلك الزمان وبواسطته كما في مطلق الزمان ومطلق الزمانيّات الواقعة في الزمان حيث إنّ التقدّم والتأخّر الزمانيّين ، إنّما يعرضان للزمان بالذات وللزمانيّات باعتباره وبواسطته ، فهذا مسلّم ، لكنّه لا يدفع لزوم المحال المذكور هنا ، ولا يكون منشأ للفرق بين الصورتين ، أي أن يكون سبق شيء على نفسه وكذا سابقيّته على شيء ومسبوقيّته به في صورة تخلّل زمان العدم بين زماني وجوده بعينه محالا ، وجائزا في صورة تخلّل زمان وجوده نفسه بين زماني وجوده بعينه ، مع أنّ كلّا منهما سابقيّة ومسبوقيّة ، باعتبار الزمان ، بل ينبغي أن يكون كلّ من الصورتين سواء في الامتناع أو الجواز.

وإن أردت به معنى آخر فلا بدّ له من بيان.

قلنا : أردنا به مع ذلك أمرا آخر أيضا يحكم به بديهة العقل ، وهو أنّه في صورة تخلّل

٢٩٦

زمان العدم حيث فرض زوال الوجود وانقطاع استمرار الذات ، وفرض عود الوجود والذات ينفرض هناك اثنينيّة ، إذ العود لا يكون إلّا أن يكون هناك اثنينيّة ، فإنّ معناه عود الموجود الأوّل أو الوجود الأوّل بعد انعدامه وحصوله مرّة اخرى أو في زمان آخر وحيث ينفرض اثنينيّته فينفرض هناك ذات وذات ، وحيث كان المفروض مع ذلك كون الذات الثاني عين الذات الأوّل بعينه ، وكون كلّ منها واقعا في زمان واحد الزمانين سابقا على الآخر بالذات ، فيلزم أن يكون العدم المتخلّل بينهما وكذا زمانه سابقا على شيء ومسبوقا بذلك الشيء بعينه ، وأن يكون ذلك الشيء سابقا على نفسه كما ذكرنا سابقيّة ومسبوقيّة من حيث الذات ، وإن كانتا تعرضان للذات بواسطة عروضهما للزمان ، وللزمان بالذات ، وأمّا في صورة تخلّل زمان الوجود بين زماني وجوده بعينه ، فحيث كان استمرار الذات واستمرار الوجود باقيين بحالهما فلا ينفرض هناك اثنينيّة من حيث الذات ، فلا يكون هناك ذات وذات ، فلو كانت هناك سابقيّة ومسبوقيّة لم تكونا من حيث الذات ، بل من حيث الاعتبار ، بمعنى أنّ الذات باعتبار ما سابق وبالاعتبار الآخر مسبوق ، بل بمعنى أنّ تلك السابقيّة والمسبوقيّة إنّما تعرضان في الحقيقة لذينك الاعتبارين أنفسهما ، لا للذات من حيث هي ، وإن كان عروضهما للاعتبارين أيضا بواسطة الزمان.

فالمحصّل أنّه يلزم حينئذ أن يكون أحد اعتباري تلك الذات وإحدى حيثيّاته سابقا على الاعتبار الآخر والحيثيّة الاخرى ، وكذا أن يكون أحد اعتباراته وإحدى حيثيّاته سابقا على بعض اعتباراته وحيثيّاته ، ومسبوقا ببعض آخر من اعتباراته وحيثيّاته ، فلا سابقيّة ولا مسبوقيّة تعرضان للذات ، من حيث هي.

ثمّ إنّه حيث كانت تلك الاعتبارات والحيثيّات متغايرة ، ليس واحد منها عين الآخر ، فلا يلزم من سابقيّتها ومسبوقيّتها سبق شيء على نفسه ، ولا أن يكون شيء واحد سابقا على شيء ومسبوقا به بعينه ، فتبصّر.

وحيث عرفت ما ذكرنا في تحرير هذا الدليل الذي ذكره المحقّق الطوسي وفي دفع اعتراضات الشارح القوشجي عنه ، ظهر لك تماميّة الدليل وعدم ورود شيء عليه.

وقد ذكر المحقّق الدواني أيضا في الحاشية عليه كلاما في مقام الجواب عن تلك الاعتراضات ، لا بأس بنقله مع بيانه ، عسى أن يكون ذلك موجبا لزيادة إيضاح المقام.

٢٩٧

قال : في قول الشارح القوشجي : «والجواب أنّه لا معنى لتخلّل العدم ـ إلى آخره ـ» (١) بهذه العبارة :

معنى تخلّل العدم بين الشيء ونفسه أن يكون عدمه مسبوقا وسابقا لشيء واحد بعينه بالسبق الزماني ، فإنّه إذا جاز الإعادة يكون «ألف» سابقا على عدمه وهو بعينه مسبوق بذلك العدم ، وهو محال ، لاستلزامه تقدّم الشيء على نفسه بالزمان ، وهو محال بالبديهة ، بحذاء الدور ، فإنّه محال لاستلزامه تقدّم الشيء على نفسه بالذات.

ومن هاهنا تبيّن ما في قوله : «إنّ التخلّل بحسب الحقيقة إنّما هو لزمان العدم بين زماني وجوده بعينه» فإن تخلّل زمان العدم بين زماني وجود شيء واحد بعينه يستلزم تخلّل العدم بين شيء واحد بعينه ، بأن يكون ذلك الشيء سابقا على ذلك العدم وهو بعينه مسبوق به.

فإن قيل : لا نسلّم لزومه ، بل يلزم تخلّل العدم بين وجودي شيء واحد بعينه.

فالجواب أنّ اختلاف الوجود يستلزم اختلاف الذات بديهة ، فإنّا نعلم قطعا أنّ الشيء الواحد لا يكون له وجودان خارجيّان ، فإنّ الوجود الخاصّ لكلّ شيء هو عينه في الخارج ، وإن كان غيره بحسب الاعتبار ، إذ نسبة الوجود إلى الماهيّة ، ليست نسبة العوارض التي يجوز تبدّلها واختلافها مع انحفاظ وحدة الذات ، إذ لا وحدة لها إلّا باعتبار الوجود.

ثمّ على تقدير جواز ذلك لا فرق بين الماهيّة والوجود في جواز الإعادة.

قال الشيخ في التعليقات : ولم لا يكون الوجود نفسه معادا ويكون الوقت أيضا معادا ، فيكون الحدوث أيضا معادا فيكون ليس هناك وجودان ولا وقتان ولا حدوثان اثنان ، بل واحد بعينه معاد ، ثمّ كيف يكون العود ولا اثنينيّة ، وكيف يكون اثنينيّة ويجوز أن يكون المعاد بعينه هو الأوّل.

ثمّ قول من يريد أن يهرب عن هذا منهم (٢) ويقول الوجود صفة ، والصفة لا توصف ولا تعقل ، وليست بشيء ولا موجودة ، وأنّ الوقت أو بعض الأشياء لا يحتمل الإعادة وبعضها يحتمل ، حتّى لا يلزمه أن فرض الإعادة للمعدوم قد يجعل المعاد غير معاد ،

__________________

(١) شرح التجريد : ٧٣.

(٢) ينهم (خ ل). النهم المبالغة في الجدّ في طلب الشيء.

٢٩٨

ويجوز أن يكون ما هو معاد ليس له حالتان أصلا ، قول ملفّق يفضحه البحث المحصّل. هذا لفظه ولمّا كان الشيخ يدّعي بداهة المدّعى ، لم يبال بذكر بعض المقدمات التنبيهيّة في صورة المنع. ـ انتهى.» (١)

وقال أيضا في قول الشارح المذكور : «وأيضا لو تمّ هذا الدليل ـ إلى آخره ـ» : لا يخفى أنّ الذات مستمرّة في زمان البقاء ، فلا يلزم تخلّل الزمان بين الشيء ونفسه ، بل تخلّله بين الشيء باعتبار وقوعه في الزمان الأوّل ، وبينه باعتبار وقوعه في الزمان الثاني ، لأنّ السابق بالسبق الزماني ، واللاحق بذلك اللحوق ، إنّما هو الزمان بالذات والشيء مع حصوله في الزمانين بالواسطة لا نفس الذات من حيث هي ، لأنّها مستمرّة ، فتدبّر. ـ انتهى كلامه. (٢)

وأقول : ما ذكره في الحاشية الاولى أوّلا غنيّ عن البيان ، وهو بعض ما ذكرنا في تحرير الدليل.

وقوله : فإن قيل لا نسلّم لزومه ـ إلى آخره.

مراد القائل أنّه لا يلزم من ذلك تخلّل العدم بين شيء واحد بعينه ، بل إنّما يلزم منه تخلّله بين وجودي شيء واحد بعينه. ولا نسلّم اتّحاد الوجودين ، بل إنّهما مختلفان وحيث كانا مختلفين فيلزم منه تخلّل العدم بين شيئين ولا محذور فيه.

وهذا الإيراد وإن كان يمكن الجواب أيضا عنه بأن يقال : إنّه لو كان كذلك لمّا كان الموجود بالوجود ثانيا عين الموجود بالوجود أوّلا فلا يكون حينئذ إعادة معدوم أصلا ، فضلا عن أن يكون إعادة معدوم بعينه كما هو المفروض ؛ هذا خلف. لكنّه لم يلتفت إليه ظاهرا بل تعرّض لإثبات المقدّمة الممنوعة ، بحيث يمكن أن يفهم هذا الجواب أيضا عنه. وقال : فالجواب أنّ اختلاف الوجود يستلزم اختلاف الذات بديهة ، فإنّا نعلم قطعا أنّ الشيء الواحد لا يكون له وجودان خارجيان ، فأثبت المقدّمة بكونها من البديهيّات المعلومة.

وقال أيضا فإنّ الوجود الخاصّ لكلّ شيء ، هو عينه في الخارج ، وإن كان غيره بحسب الاعتبار ، وهذا إمّا من تتمّة السابق ، بأن يكون فيه أيضا إثبات تلك المقدّمة بطريق

__________________

(١) راجع هامش شرح التجريد : ٧٣.

(٢) راجع هامش شرح التجريد : ٧٣.

٢٩٩

البداهة ، أو يكون فيه تنبيه على السابق الذي ادّعى البداهة فيه ، وإمّا بيان آخر يكون فيه إثبات تلك المقدّمة بطريق البرهان.

وعلى كلّ تقدير فهو مبنيّ على ما هو المستبين أو المحقّق عندهم من أنّ الوجود الخاصّ لكلّ شيء هو عينه في الخارج ، وإن كان غيره بحسب الاعتبار العقلي ، وأراد بالوجود الخاصّ منشأ الموجوديّة ومناط صدق الوجود بالمعنى العامّ الانتزاعي على الذات ومصداق حمل الموجود بهذا المعنى عليها. وكأنّه أشار بذلك إلى ما تقدّم منه ، في بعض حواشيه على الشرح المذكور حيث حقّق فيه أنّ الوجود بالمعنى العامّ الانتزاعي المشترك فيه بين الأشياء من المعقولات الثانية. وهو ليس عينا لشيء منها حقيقة. نعم مصداق حمله وهو المراد بالوجود الخاصّ على الواجب ذاته بذاته ومصداق حمله على غيره ، ذاته من حيث هو محمول الغير. (١)

فالمحمول في الجميع زائد بحسب الذهن ، إلّا أنّ الأمر الذي هو مبدأ انتزاع المحمول في الممكنات ذاته من حيثيّة مكتسبة من الفاعل ، وفي الواجب ذاته بذاته ، فإنّه في ذاته بحيث إذا لاحظه العقل انتزع منه الوجود المطلق بخلاف غيره. ـ انتهى ملخّصا.

ولا يخفى أنّ هذا الكلام منه يدلّ على ما ذكره هنا كما أنّ ما نقلناه عن الشيخ في الشفاء سابقا يدلّ عليه ، حيث قال : فإنّ لكلّ أمر حقيقة هو بها ما هو ، فللمثلّث حقيقة أنّه مثلّث وللبياض حقيقة أنّه بياض ، وذلك هو الذي ربما سمّيناه الوجود الخاصّ ولم نرد به الوجود الإثباتي.

وقال أيضا : إنّه من البيّن أنّ لكلّ شيء حقيقة خاصّة هي ماهيّته ومعلوم أنّ حقيقة كلّ شيء الخاصّة به ، غير الوجود الذي يرادف الإثبات ـ إلى آخر ما ذكره ـ كما نقلنا عنه هنالك.

وينبغي أن يحمل كلام الشيخ على ما دلّ عليه كلام المحقّق المذكور ، يعني أنّه أراد بالحقيقة في الحكم بأنّه عين الوجود الخاصّ الحقيقة من حيث كونها منشأ لانتزاع صفة الوجود الإثباتي عنه ، لا الحقيقة من حيث هي ، فإنّها من حيث هي ، بل من حيث كونها أيضا معروضة للوجود الإثباتي وموصوفة بها ، غير الحقيقة بمعنى الوجود الخاصّ

__________________

(١) في المصدر : مجعول الغير.

٣٠٠