منهج الرّشاد في معرفة المعاد - ج ١

محمّد نعيم بن محمّد تقي [ الملا نعيما العرفي الطالقاني ]

منهج الرّشاد في معرفة المعاد - ج ١

المؤلف:

محمّد نعيم بن محمّد تقي [ الملا نعيما العرفي الطالقاني ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
ISBN: 964-444-108-7
ISBN الدورة:
964-444-109-5

الصفحات: ٣٨٢

لكونه معدوما مطلقا بالفرض ، إلّا أنّ هذه القضية التي حكمنا فيها بأنّ المعدوم المطلق لا يخبر عنه ، سواء عبّرنا عن الحكم بالحكم الإيجابي أو الحكم السلبي ، وعبّرنا عن المحمول فيها بالأمر السلبي كما ذكرنا أو نحو ذلك ، من نحو قولنا : المعدوم المطلق ليس يجوز ، أو ليس يصحّ الإخبار عنه ، أو الحكم عليه ، أو بالأمر الإيجابي أو بالأمر العدولي كما في قولنا : المعدوم المطلق غير مخبر عنه ، أو ممّا لا يخبر عنه ، أو ممّا يمتنع الإخبار عنه ، أو نحو ذلك ، قد قصدنا فيه سلب الإخبار عنه ، إذ هو الغرض ، لا إثبات امتناع الإخبار ، أو عدم الإخبار ، وإن عبّرنا به ، وحيث كان المقصود ذلك فلا يقتضي هذا السلب وجود الموضوع في الواقع ، بل إنّما يقتضي وجوده في الذهن فقط ، كما هو مقتضى الحكم السلبي ، وحيث فرضناه معدوما مطلقا ، فالموجود في الذهن منه سواء قلنا بوجود الأشياء بأعيانها في الذهن ، أو بأشباحها وأمثالها وصورها فيه ، ليس هو ماهيّة المعدوم المطلق ، إذ لا ماهيّة ولا وجود واقعيّا له ، وكذا ليس هو صورة وشبحا ومثالا له يطابقه من بعض الوجوه وإن كان يخالفه من بعض الوجوه الاخر ، كما في الصورة الذهنية للأشياء الواقعيّة ، حيث لا واقعيّة للمعدوم المطلق أصلا ، بل إنّما هو الصورة التي اخترعها النفس وفرضتها المعدوم المطلق لكنّه ليس ماهيّته ولا شبحه بوجه من الوجوه.

وحيث كان الأمر كذلك فلا تناقض في هذه القضية من جهة أنّا حكمنا بكون المعدوم المطلق ممّا لا يصحّ الإخبار عنه أصلا لا إيجابيّا ولا سلبيّا. ومع هذا قد حكمنا بالإخبار السلبي عنه لأنّ الحكم الأوّل إنّما هو على حقيقة المعدوم المطلق وماهيّته أو شبحه ، والحكم الثاني على أمر آخر سوى ذلك فرضناه معدوما مطلقا واخترعناه في الذهن ، فالموضوع في الحكمين مختلف ، وحيث كان مختلفا فلا تناقض ، إذ من شروطه وحدة الموضوع.

٢٦١

في الإشارة إلى الجواب عن شبهة المعدوم المطلق

وبهذا يظهر الجواب عن الشبهة المشهورة بين القوم ، على قولهم : المعدوم المطلق أو المجهول المطلق لا يخبر عنه. فتدبّر فيه. فإنّه الجواب الحقّ عن ذلك ولا تصغ إلى غيره ممّا ذكره فيه أقوام ، فإنّه لا يفيد إلّا زيادة الإلباس والإبهام.

وكذلك ظهر ممّا ذكرنا أنّ المعدوم الواقعي أيضا وإن كان له وجود في الذهن بمحض الفرض ، ممّا لا يخبر عنه خبرا إيجابيّا أصلا كالمعدوم المطلق ، لأنّ معنى قولنا : «إنّ المعدوم كذا» كما حقّقه الشيخ ، أنّ وصف كذا حاصل للمعدوم ، وإذ لا فرق بين الحاصل والموجود ، فيكون كأنّا قلنا إنّ هذا الوصف موجود وجودا واقعيّا للمعدوم ، وإذا كان للوصف وجود واقعي وثبوت في نفس الأمر للمعدوم ، فيجب أن يكون للمعدوم أيضا وجود وثبوت كذلك ؛ والمفروض خلافه ، إذ المفروض أنّه إمّا معدوم مطلقا أو معدوم في الواقع ، وإن كان له وجود فرضيّ اختراعي. بل نقول كما حقّقه أيضا أنّه لا يخلو إمّا أن يكون ما يوصف به المعدوم ويحمل عليه موجودا وحاصلا للمعدوم ، أو لا يكون موجودا وحاصلا له.

فإن كان موجودا وحاصلا للمعدوم ، فلا يخلو إمّا أن يكون في نفسه موجودا في الواقع أو معدوما فيه ، فإن كان موجودا في الواقع فيكون للمعدوم مطلقا أو في الواقع ، صفة موجودة وجودا واقعيّا ، وإذا كانت الصفة موجودة وجودا واقعيّا فالموصوف بها أيضا موجود كذلك ، لحكم العقل بأنّ الصفة الموجودة في الواقع ، لا يمكن ثبوتها للمعدوم مطلقا أو للمعدوم في الواقع ، وإذا كان الموصوف موجودا فيلزم أن يكون المعدوم مطلقا أو في الواقع موجودا في الواقع ، وهذا محال.

٢٦٢

وإن كانت الصفة المثبتة معدومة في نفسها مطلقا أو في الواقع ، فكيف يكون المعدوم في نفسه موجودا لشيء ، فإنّ ما لا يكون موجودا في نفسه يستحيل أن يكون موجودا للشيء ، إذ العقل السليم يحكم بأنّ الوصف الذي يكون موجودا لشيء حتّى العدميات الانتزاعية يجب أن يكون موجودا في الواقع نحو وجود ، حتّى يمكن أن يثبت لشيء ، وليس المراد بقولنا : إنّه يجب أن يكون الوصف موجودا في نفسه حتّى يمكن أن يثبت للموصوف ، أنّه يجب أن يكون موجودا في الخارج ، أو في الواقع بوجود مباين لوجود الموصوف أوّلا حتّى يمكن أن يثبت ثانيا للموصوف ويتحدّ معه نوعا من الاتّحاد لكي يرد أن ذلك لو صحّ فإنّما يصحّ في بعض المحمولات العرضيّة ، وفي بعض العوارض ، كما في قولنا : الجسم أبيض ، ولا يعمّ الجميع ، إذ كثير من المحمولات إنّما وجودها بوجود الموضوع ، إمّا بالذات كما في الذاتيّات أو بالعرض كما في العرضيّات ، وليس لها وجود مباين لوجود الموضوع أوّلا ، بل المراد أنّ الوصف المثبت يجب أن يكون له وجود وثبوت في نفسه ، أي في الواقع وفي نفس الأمر ، مع قطع النظر عن الفرض الذهني ، حتّى يمكن أن يثبت للموصوف ، وإن كان له وجود بوجود الموضوع في ظرف الاتّصاف مثل وجوده.

وبالجملة فهذا الحكم حكم. يحكم به العقل الصريح ، ولا يرد عليه النقض بثبوت الوجود للموجود ، فإنّه مندفع بما هو المحقّق في محلّه ولا يسع المقام ذكره ، وقد حقّقناه في رسالة أصل الاصول بما لا مزيد عليه ، فليرجع إليها.

نعم قد يكون الشيء موجودا في نفسه ولا يكون موجودا لشيء آخر ،

وأمّا إن لم تكن تلك الصفة موجودة للمعدوم ، فهو نفي الصفة عن المعدوم ، ويكون حكما سلبيّا لا إيجابيّا. فإنّه إن لم يكن نفيا للصفة عن المعدوم كان مقابل هذا ، فكان وجود الصفة له ، إذ لا واسطة بين النفي والإثبات ، وقد تبيّن أنّ وجود الصفة له باطل. نعم نفي الصفة عنه ممكن كما مرّ بيانه.

وقد استبان من ذلك أنّ الحكم الإيجابي كما يقتضي ثبوت الموضوع في الواقع ، كذلك يقتضي ثبوت المحمول في الواقع وأنّ المعدوم المطلق كما لا يكون مخبرا عنه مطلقا ، كذلك لا يكون مخبرا به مطلقا ، وأنّ المعدوم في الواقع ، ـ وإن كان موجودا في الذهن ـ كما لا يكون مخبرا عنه خبرا إيجابيّا ، كذلك لا يكون مخبرا به خبرا إيجابيّا ، وكلّ ذلك ظاهر

٢٦٣

بأدنى تأمّل فيما تلوناه عليك.

وحيث ذكرنا أنّ المراد بالإيجاب وما هو الغرض الأصلي منه الإيجاب في الواقع ، وإن عبّر عنه بالسلب ، كذلك المراد بالسلب وما هو الغرض الأصلي منه السلب في الواقع ، وإن عبّر عنه بالإيجاب المحض أو بالعدول ، ظهر منه ،

أنّ قولنا : المعدوم المطلق لا يخبر عنه ، خبر سلبي كما عرفت. وكذلك قولنا : اجتماع النقيضين محال ، وشريك البارئ ممتنع. إلى غير ذلك من الأخبار الكذائية كلّها أخبار سلبيّة ، إذ الغرض الأصلي فيها سلب الوجود والشيئيّة ونفي الجواز والإمكان ، وإن عبّرت بالمحمولات الإيجابية صورة أو بالعدوليّة ، فكلّها لا يقتضي سوى وجود الموضوع في الذهن ، وجودا فرضيّا اختراعيّا.

وأنّ قولنا : المعدوم يعاد أو يمكن أن يعاد أو يصحّ أن يعاد ، أو نحوه ، خبر إيجابي ، إذ المقصود الأصلي منه الإيجاب والإثبات ، وإن عبّر فيه عن المحمول بأمر سلبي ، كقولنا : المعدوم لا يمتنع عوده ، وأنّه لو كان هذا الخبر ونحوه صادقا ، اقتضى من جهة كونه إيجابا ثبوت الموضوع في الواقع ، كثبوت المحمول فيه ، فتثبّت ولا تتخبّط ، والله أعلم بالصواب.

ثمّ إنّك إذا أحطت خبرا بما تلونا عليك اتّضح لك بطلان قول من يقول : إنّ المعدوم يعاد ، أو يصحّ أن يعاد ، أو يمكن أن يعاد ونحو ذلك ، لأنّه خبر إيجابي ، بل أوّل شيء يخبر عنه أي أوّل خبر إيجابي اخبر فيه عن المعدوم. أمّا أنّه خبر إيجابي ، فظاهر ، لأنّه لا سترة في أنّ المحمول فيه أمر ثبوتي ، المقصود إثباته للمعدوم. وأمّا أنّه أوّل خبر كذلك ، لأنّ الإخبار فيه ، إنّما هو بالإعادة. أي بثبوت الوجود الثانوي للمعدوم ، وكما أنّ الوجود نفسه أوّل بالنسبة إلى سائر الصفات والأحوال المثبتة للشيء ، كذلك الإخبار به أوّل بالنسبة إلى الإخبار بسائر الصفات والأحوال. وحينئذ نقول : إنّ المخبر عنه في هذا الخبر الإيجابي إمّا ما هو معدوم مطلق ، فذلك باطل ، لأنّ المعدوم المطلق كما مرّ بيانه لا يخبر عنه مطلقا حتّى الخبر السلبي ، فكيف يمكن أن يخبر عنه بالإيجاب كما فيما نحن فيه. وإمّا هو معدوم في الخارج أو الواقع ، موجود في الذهن فيكون مفاد الخبر أنّ المعدوم في الخارج أو الواقع يعاد أو يمكن أن يعاد في الواقع عودا واقعيّا ، وحينئذ نقول مطابقا لما في التعليقات : إنّ

٢٦٤

المعدوم ، إذا اعيد أو فرض إعادته ، فلا يخفى أنّه يمكن حينئذ فرض أن يوجد حينئذ موجود آخر أيضا وليس هو بمعاد ، بل موجود مبتدأ يكون هو مثلا للمعدوم المعاد لو وجد بدله أو معه ، أي أن يكون مماثلا له في الحدوث والموضوع والزمان وغير ذلك من الأحوال والصفات ، ولا يخالفه إلّا بالعدد أي بالشخص وإلّا في النسبة التي ينبغي أن ينظر أنّهما هل يمكن أن يختلفا فيها أم لا ـ كما سيأتي بيانها ـ إذ لا يخفى أنّ فرض وجود المثل بهذا المعنى غير ممتنع وكذا المفروض.

وحينئذ نقول : إمّا أن يكون كلّ واحد من المثل المبتدأ وما فرض كونه معادا ، منسوبا إلى الموجود السابق الذي فرض انعدامه ثمّ عوده ، بأن يكونا عينه أو لا يكون شيء منهما منسوبا إليه كذلك ، أو يكون واحد منهما كالمعاد منسوبا إليه دون الآخر أي المثل المبتدأ.

وعلى الأوّل فيكون كلّ منهما معادا وعين السابق وهذا باطل. لأنّ المفروض أنّ واحدا منهما معاد دون الآخر.

وأيضا يلزم أن يكون شيئان اثنان عين شيء واحد وهو باطل. وأن لا يكون بين الاثنين فرق أصلا مع فرض الاثنينيّة ، وهو أيضا باطل.

وعلى الثاني فيكون كلّ منهما موجودا مبتدأ ولا يكون شيء منهما معادا ؛ هذا خلف.

وعلى الثالث فنسأل ونقول : لم صار ما هو المفروض معادا منسوبا إلى الموجود السابق بالعينيّة ولم يصر المثل المفروض منسوبا إليه بالعينيّة مع تشابههما من كلّ وجه إلّا في العود ، وما وجه الفرق بينهما في ذلك؟ فان اجيب بأنّهما كانا كذلك لأنّهما كانا كذلك ، فهو مصادرة على المطلوب ، وأخذ المطلوب في بيان نفسه.

وإن اجيب بأنّ المعاد حين الإعادة صار عين الموجود السابق ، لأنّه كان قبل الإعادة وفي حال العدم عين الموجود السابق الذي عدم ، وكذا هو كان غير المثل الذي وجد حينئذ ، فينعقد هنا خبران إيجابيّان : أحدهما أنّ المعاد حين العدم كان غير المثل المستأنف ، ولا يخفى أنّ الحكم في كلّ من الخبرين حكم واقعي حكم فيه بأمر واقعي أي العينيّة الواقعيّة في الأوّل ، والمغايرة الواقعيّة في الثاني على المعدوم وحال العدم ، فإنّه قد حكم فيهما حكما ثبوتيّا واقعيّا كما هو المفروض بأنّ المعدوم في الواقع حال كونه معدوما

٢٦٥

عين الذي وجد أوّلا ثم عدم وفرض إعادته ، وكذا هو في تلك الحال مغاير للمثل المبتدأ في الواقع ، وبالجملة أنّ المعدوم في حال العدم موصوف في الواقع بتلك العينيّة وتلك المغايرة الواقعيّتين ، فقد صار المعدوم في الواقع موجودا في الواقع على النحو الذي أومأنا إليه فيما سلف ، إذ لا يخفى أنّ المحمول في هاتين القضيّتين أمر ثبوتي واقعي كان الفرض إثباته للمعدوم الموضوع ، وثبوت الشيء للشيء في الواقع ، فرع ثبوت المثبت له في ظرف الثبوت وظرف الاتّصاف أي في الواقع ، فإمّا أن يلتزم صيرورة المعدوم الواقعي في حال العدم موجودا واقعيّا حينئذ حتّى يمكن إثبات العينيّة الواقعيّة والمغايرة الواقعيّة له في الواقع ، فهذا باطل بالضرورة. وإمّا أن يلتزم أن ثبوت المعدوم بمهيّته الذهنيّة في نفس الأمر في علم البارئ تعالى شأنه أو في المبادئ العالية كاف في ذلك ، وهذا أيضا باطل ، لأنّ ثبوت المعدوم بمهيّته ، الذهنية في نفس الأمر ، ليس ثبوتيّا خارجيّا أو واقعيّا ، يترتّب عليه الآثار المطلوبة منه ، حتّى يمكن أن يثبت له الأمر الواقعي في الواقع ، وإلّا لكان قولا بثبوت المعدومات في الواقع وهو باطل ، كما تقرّر في محلّه.

وكذلك وجوده في علم البارئ تعالى شأنه أو المبادئ العالية ليس إلّا ثبوتا ذهنيّا لا واقعيّا ، إذ لا نعني بالوجود الذهني إلّا ما لا يكون منشأ لترتّب الآثار الخارجية أو الواقعيّة المطلوبة منه عليه ، وهو كذلك ، كثيرا من المعدومات الممكنة لها وجود وثبوت في علم البارئ أو المبادئ العالية ، ومع هذا لا يترتّب عليها أثر خارجي أو واقعي مطلوب منها أصلا.

والحاصل أنّ ذلك وجود ذهني للمعدوم ، سواء قيل بوجود الأشياء بأعيانها في الذهن أو بأشباحها فيه ، حيث لا يترتّب عليها أثر خارجي أو واقعي مطلوب منه ، فإنّ الوجود الذهني ما يكون كذلك سواء كان بمحض اختراع ذهن ذاهن أو لا وبالجملة هو ما لا يترتّب عليه الآثار المطلوبة منه ، وأمّا الوجود الواقعي أو الخارجي ، فهو ما يترتّب عليه أثر واقعي ، سواء كان ذلك في الخارج أو في الذهن ، لكن لا من حيث هو موجود ذهني كما عرفت بيانه فيما تقدّم.

٢٦٦

حاصل الدليل الذي ذكره الشيخ في الشفاء أوّلا

وذكره في التعليقات أيضا على بطلان إعادة المعدوم

وحاصل هذا الدليل أنّه على تقدير فرض إعادة المعدوم ، لا يخفى أنّه يمكن فرض محدث جديد يكون هو مثلا للمعاد بالمعنى الذي ذكرنا ، وعلى تقديره فإمّا أن يلزم كون كلّ منهما معادا ، وهو خلاف الفرض ، أو أن لا يكون شيء منهما معادا ، وهو أيضا خلاف الفرض ، أو أن يصير المعدوم مع فرض عدمه موجودا ، وهذا أيضا باطل. وعلى كلّ التقديرات فيلزم عدم امتياز المعاد عن المستأنف الجديد المفروض في اختصاصه بصفة العود دون المستأنف. وهو أيضا خلاف الفرض.

ولا يخفى أنّ هذه المحالات لم تلزم من فرض المثل لكونه ممكنا في الواقع ، فبقي أن يكون منشؤها فرض إعادة المعدوم بعينه وهو المطلوب.

ثمّ إنّ ما قرّرناه في توجيه كلام الشيخ في الشفاء هو المحمل الصحيح له فينبغي أن يحمل هو عليه. وكذا يدلّ عليه كلامه في التعليقات عند النظر الدقيق ، كما أنّه يدلّ عليه كلامه في الشفاء عند النظر الأدقّ ، وإن كانت بعض المقدّمات مطويّة في كلّ من الكلامين ، فتدبّر تعرف.

ثمّ إنّ هذا المحال الذي ذكرنا أنّه يلزم على تقدير فرض المعدوم معادا ، كما قرّرنا ، لا يخفى أنّه لا يلزم على تقدير فرض المعدومات الممكنة موجودات ابتدائية وإن فرضناها أمثالا ، أي مماثلة في الحدوث والموضوع والزمان وغيرها من الأحوال والصفات ، ومتخالفة بالعدد ، فإنّ التمايز بينها إنّما هو بعد الوجود الخارجي الواقعي ، وأمّا هي في حال العدم فلا تمايز واقعيّا بينها ، ولا تغاير حتّى يمكن أن يحكم بأنّ أحدها مثلا مغاير للآخر في الواقع ويلزم ذلك المحال.

نعم التمايز الذهني والتغاير الفرضي بينها في حال العدم مسلّم ، لكنّه على تقديره لا يلزم كون المعدوم في الواقع مع فرض عدمه موجودا في الواقع ، ولهذا إنّما قلنا حيث قلنا بلزوم ذلك المحال في ذينك الخبرين الضمنيّين الواقعيّين ، أي قولنا : المعدوم في حال العدم عين الموجود السابق ، وقولنا : إنّ المعدوم في حال العدم مغاير للموجود المبتدأ المماثل له في الواقع ، لا في قولنا : المعدوم يعاد أو يصحّ أن يعاد ، مع أنّ المحمول فيه أيضا

٢٦٧

أمر واقعي ثبوتي ، والغرض إثباته للموضوع في الواقع ، وهو يقتضي ثبوت الموضوع في الواقع ، والمفروض انتفاؤه فيه لكونه معدوما في الواقع ، لأنّ هذا الخبر يمكن أن يؤخذ على طريق قولنا : المعدوم الممكن يجوز أن يوجد ، وقولنا : من سيوجد يجوز أن يتعلّم ، وقولنا : إنّ القيامة تكون ، حيث إنّ المحمول في الجميع وإن كان أمرا ثبوتيّا واقعيّا وكان الغرض إثباته للموضوع في الواقع ، لكنّ الحكم الذهني به وإن كان في حال العدم إلّا أن ذلك الثبوت ليس في حال العدم ، بل بعد الحكم ، وفي حال الوجود ، أي أنّ الموضوع المعدوم إذا فرض وجوده وحصل له الوجود ثبت له ذلك المحمول في الواقع ، سواء كان المحمول نفس الوجود ، كما في قولنا : القيامة تكون ، والمعدوم الممكن يجوز أن يوجد ، أو غيره بالذات ، كما في قولنا : من سيوجد يجوز أن يتعلّم ، أو بالاعتبار كما في قولنا : المعدوم يعاد ، وحينئذ يقتضي ثبوت الموضوع في الواقع ، وأمّا في حال العدم فلا ثبوت واقعيّا للمحمول للموضوع. نعم الحكم الذهني به ، كان واقعا في حال العدم ، وذلك ظاهر في النظائر المذكورة ، وكذا في قولنا : المعدوم يعاد ونحوه ، فإنّ هذا الحكم الذهني وإن كان في حال العدم وقبل الإعادة ، إلّا أنّ ثبوت الإعادة له إنّما هو حين الإعادة وحين الوجود ثانيا ، ففي حال العدم لم يكن أمر واقعى ثابتا له في الواقع ، حتّى يلزم صيرورة المعدوم مع عدمه موجودا ، بل إنّما ذلك الثبوت في حال وجوده ، والمفروض ثبوت الموضوع ثبوتا واقعيّا في تلك الحال ، فلا إشكال.

والحاصل أنّ هذا الحكم ، ليس حكما على معدوم المطلق حتّى يمتنع ، بل هو كما ذكره الفاضل الأحساوي في التحقيق الذي ادّعى أنّهم غفلوا عنه ، حكم على المعدوم الخارجي الموجود في الذهن ، بأنّه يعاد ، أو يصحّ أن يعاد في الخارج في المستقبل في حال وجوده ، نظير قولنا : المعدوم الممكن يمكن أن سيوجد ، ولا إشكال فيه بوجه.

وعلى هذا فيندفع ما قالوه : من أنّ الإعادة صفة ثبوتيّة واقعيّة ، قد حكم في تلك القضيّة بثبوتها للمعدوم ثبوتا واقعيّا وهو يقتضي ثبوت الموضوع في الواقع ، والمفروض خلافه. ووجه الاندفاع ظاهر ، فتدبّر.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ إيراد ذلك المحال على قولنا : المعدوم يعاد ونحوه ، ممّا لا وجه له ، بل إنّما ينبغي أن يورد على ذينك الخبرين الضمنيّين ... ، أي قولنا : إنّ المعدوم المعاد في

٢٦٨

حال العدم هو عين الذي وجد أوّلا ثمّ عدم ، أو مغاير للمثل المبتدأ في الواقع ، كما وجّهنا به كلام الشيخ ، وبه ينبغي أن يوجّه كلام من قال : إنّ المعدوم لا يصحّ عليه الحكم بالعود ، أو إنّ المعدوم لا يبقى له هويّة ليصحّ الحكم عليه بالعود ، كما نقله الفاضل الأحساوي رحمه‌الله في الاحتجاج الأوّل ، أو أنّه لا يصحّ الحكم عليه بصحّة العود كما قاله المحقّق الطوسي رحمه‌الله في التجريد ، لا أن يحمل على ظاهره ، وهو أنّ الحكم بالعود لكونه صفة ثبوتيّة لا يمكن أن يكون على المعدوم.

في الإشارة إلى دفع ما أورده الشارح القوشجي على المحقّق الطوسي

وبعبارة اخرى كما ذكره الشارح القوشجي في شرح قول المحقّق الطوسي : «لو صحّ إعادة المعدوم لصحّ الحكم عليه بصحّة العود ، لكن المعدوم ليس له هويّة ثابتة ، فيمتنع الإشارة العقليّة إليه ، وما لا يمكن أن يشار إليه لا يصحّ الحكم عليه.» وإن كان إذا حمل على ظاهره أيضا لا يرد عليه كثير ممّا أورده الشارح القوشجي من الإيراد بالوجوه الثلاثة عليه ، حيث قال : «والجواب عنه من وجوه :

الأوّل بالمعارضة ، وهي أن يقال لو امتنع إعادة المعدوم ، لصحّ الحكم عليه بامتناع العود ، لكن المعدوم ليس له هويّة ثابتة ويساق الكلام إلى آخره.

لا يقال : الحكم بصحّة العود لكونه إيجابا يستدعي وجود الموضوع ، فلا يصحّ الحكم على المعدوم بصحّة العود ، بخلاف الحكم بامتناع العود ، فإنّه يجوز اعتباره سلبا ، بأن يقال : يمتنع عوده في معنى لا يصحّ عوده ، والسالبة لا تقتضي وجود موضوعها ، فيصحّ الحكم السلبي على المعدوم.

لأنّا نقول : يجوز مثل هذا الاعتبار في الحكم بصحّة العود ، بأن يقال : معنى يصحّ عوده : لا يمتنع عوده ، فليعتبر حتّى يصحّ ، على أنّ السلب يشارك الإيجاب في اقتضاء الإشارة العقليّة إلى المحكوم عليه ، فلو امتنع الحكم الإيجابي على المعدوم لامتناع الإشارة العقليّة إليه على ما ذكرت ، لامتنع الحكم السلبي عليه أيضا وتمّت المعارضة ، وإلّا لم يتمّ دليلك.

الثاني النقض ، وهو أن يقال : ما ذكرتموه من الدليل على عدم صحّه الحكم على

٢٦٩

المعدوم بصحّة العود لو تمّ ، لدلّ على أنّه لا يصحّ أصلا حكم من العقل على ما ليس بموجود في الخارج ، مع أنّا نحكم على ما ليس بموجود في الخارج أحكاما صادقة ولا شبهة فيها كقولنا : المعدوم الممكن يجوز أن يوجد ، ومن سيوجد يجوز أن يتعلّم ، واجتماع النقيضين محال ، وشريك البارئ ممتنع ، إلى غير ذلك ممّا لا يعدّ ولا يحصى ، بل قولكم : المعدوم لا يصحّ الحكم عليه ، حكم على ما ليس ؛ بموجود في الخارج بعدم صحّة الحكم عليه.

الثالث المنع ، وهو أن يقال : لا نسلّم أنّه لو صحّ إعادة المعدوم لصحّ الحكم عليه بصحّة العود ، فإنّ امتناع حكم العقل على المعدوم بصحّة العود بكونه لا هويّة له يتصوّرها ليحكم عليها ، لا يستلزم امتناع العود ، لجواز وقوعه بتأثير الفاعل من غير أن يتصوّره متصوّرا أو يحكم عليه بشيء من الأحكام. ولو سلّم فقوله : لكنّ المعدوم ليس له هويّة ثابتة ، إن أراد أنّه ليست له هويّة ثابتة في الجملة أو في الذهن فهو ممنوع ، وإن أراد أنّه ليس له هويّة ثابتة في الخارج فذلك أيضا ممنوع عند المعتزلة القائلين بثبوت المعدوم في الخارج ، فلا يقوم حجّة عليهم ، وأمّا عندنا فمسلّم ، لكن نمنع قوله : فيمتنع الإشارة العقليّة إليه ، لأنّ الإشارة العقليّة لا تتوقّف على الهويّة الخارجيّة ، بل يكفيها الهويّة الذهنيّة ، ولو سلّم أنّها تتوقّف على الهويّة الخارجيّة ، فنقول : إمّا أن يريد أنّه ليس له في زمان من الأزمنة هويّة خارجيّة على معنى دوام السلب ، فذلك أيضا ممنوع ، لأنّ المعدوم في زمان كونه موجودا له هويّة خارجيّة ، وإمّا أن يريد أنّه ليس له هويّة خارجيّة في زمان كونه معدوما لا دائما فذلك مسلّم ، لكن حينئذ نمنع قوله : فيمتنع الإشارة العقليّة ، إلّا أن يريد أنّه يمتنع الإشارة العقليّة إليه في زمان كونه معدوما ، وذلك غير مفيد ، لجواز أن يكون الحكم عليه بصحّة العود في زمان كونه موجودا ، كحكمنا على زيد في زمان وجوده بأنّه يجوز أن يعدم ثمّ يعاد. ـ انتهى كلامه.» (١)

وبيان عدم ورود الإيرادين الأوّلين ظاهر ممّا حقّقناه فيما تقدم فلا نعيده. نعم النقض بقولنا : المعدوم الممكن يجوز أن يوجد ، ومن سيوجد يجوز أن يتعلّم ، وأمثال ذلك ، وارد كما ذكرنا.

وقد أورده المحقّق الدواني أيضا في الحاشية عليه ، عليه ، حيث قال في قوله : لو صحّ

__________________

(١) شرح التجريد : ٧٢.

٢٧٠

إعادة المعدوم لصحّ الحكم بصحّة العود هكذا :

«لقائل أن يقول : لو تمّ هذا لزم أن لا يوجد المعدوم أصلا ، فيلزم انتفاء الحوادث ، بأن يقال : لو صحّ إيجاد المعدوم لصحّ الحكم عليه بصحّة الإيجاد ـ إلى آخر ما ذكر ـ وهذا النقص أظهر ممّا ذكره الشارح ـ انتهى.» (١)

وقد عرفت أن وروده إنّما هو على التقرير الذي ذكره الشارح المذكور ، دون التقرير الذي وجّهنا به كلام الشيخ ، ويجري في كلام المحقّق الطوسي أيضا.

وأمّا عدم ورود إيراده الثالث ، فلأنّه من المستبين عند العقل السليم ، أنّه إذا جاز عود المعدوم ووقع ذلك أيضا بتأثير الفاعل في الواقع كما هو المفروض ، لصحّ عند العقل الحكم عليه بصحّة العود حكما واقعيّا ، ووجب أن يتصوّره متصوّر ويحكم عليه بذلك ، وإذا لم يصحّ ذلك فيعلم منه أنّه كان ممتنعا ، فتسليم صحّة العود ، وعدم تسليم الحكم بذلك عليه كأنّه سفسطة.

ثمّ نقول : إنّ المراد أنّ المعدوم ليس له هويّة ثابتة في الخارج ، أو في الواقع ، والقول بثبوت المعدوم في الخارج كما هو عند المعتزلة قول باطل كما حقّق في محلّه ، والإشارة العقليّة مطلقا وإن كانت لا تتوقّف على الهويّة الخارجيّة ، بل على الهويّة الذهنيّة كما في الأحكام السلبيّة ، لكنّ الإشارة العقليّة في الأحكام الإيجابيّة الواقعيّة الخارجيّة الصادقة كما هو المفروض عند القائل بإعادة المعدوم في قوله : المعدوم يعاد ، تتوقّف على الهويّة الخارجيّة لاقتضاء هذه الأحكام وجود الموضوع في الواقع وفي الخارج حين ثبوت المحمول الواقعي له كما مرّ بيانه.

ولا يخفى أن ليس للمعدوم في الخارج تلك الهويّة الخارجيّة في زمان كونه معدوما وحين إثبات العود له.

وأمّا ثبوت تلك الهويّة له في زمان كونه موجودا ، فإن اريد به زمان وجوده الابتدائي كما هو ظاهر كلامه ، فذلك غير كاف في ذلك ، لأنّ المفروض انعدام تلك الهويّة الخارجيّة الحاصلة في زمان وجوده الابتدائي ، فكيف يكون ثبوت الموضوع الذي اقتضاه قولنا : «المعدوم يعاد» منوطا بذلك الوجود الذي عدم ولم يبق حين الحكم ولا حين ثبوت

__________________

(١) راجع هامش شرح التجريد : ٧٢.

٢٧١

المحمول ، أي العود له ، وإن اريد به زمان وجوده العودي ، كما ذكرنا سابقا من أنّه يجوز أن يبنى هذا الحكم على أنّه إذا وجد المعدوم ثانيا وثبت له الوجود ، ثبت له العود في الواقع. وحينئذ يكون ذلك المحمول ، أي العود ثابتا له في الواقع ، ويكون قد اقتضى وجود الموضوع في الواقع ، وإن كان الحكم الذهني به في زمان عدمه ، كما في قولنا : المعدوم الممكن سيوجد ، والقيامة تكون ، فذلك مسلّم.

ولا يخفى أنّه أيضا يرد إيرادا على التقرير الذي ذكره الشارح المذكور ، دون التقرير الذي ذكرنا ، فتأمّل.

في الإشارة إلى قول المحقّق الطوسي

ثمّ إنّ هاهنا دقيقة اخرى ، ينبغي التنبيه عليها. وهي أنّ قول المحقّق الطوسي رحمه‌الله : «والمعدوم لا يعاد لامتناع الإشارة إليه ، فلا يصحّ الحكم عليه بصحّة العود» (١) وإن كان الظاهر من قوله : فلا يصحّ الحكم ، عدم الصحّة بمعنى الامتناع ، وكذا الظاهر من الحكم عليه بصحّة العود ، الحكم في القضيّة التي كان محمولها مفهوم صحّة العود ، وموضوعها المعدوم ، حتّى يكون معنى الكلام : أنّه يمتنع الحكم عليه بأنّه يصحّ عوده كما فهمه الشارح القوشجي ، لكن لا يخفى أنّ المحقّق الطوسي لم يجعل هذا القول دليلا على قوله : «والمعدوم لا يعاد» سواء أراد به أنّه لا يمكن أن يعاد أولا يصحّ أنّ يعاد كما هو الظاهر ، أو أراد أنّه لا يعاد بالفعل ، كما هو الاحتمال ، بل جعل الدليل عليه قوله : «لامتناع الإشارة إليه» وجعل ذلك القول نتيجة له ومتفرّعا عليه.

ولا يخفى أيضا أنّ قوله : «لامتناع الإشارة إليه» بظاهره مجمل أو مطلق ، يشمل امتناع الإشارة العقليّة إلى هويّة المعدوم مطلقا ، سواء كانت هويّة ذهنيّة أو خارجيّة ، وكذا خصوص الهويّة الخارجيّة ، وكذا يشمل امتناع الإشارة إليه في حال وجوده السابق أو اللاحق ، أي حين الإعادة أو في حال العدم قبل الإعادة وبعد الوجود السابق ، إلّا أنّ الفحص والتدقيق يقتضي أن يكون مراده رحمه‌الله بامتناع الإشارة إليه ، امتناع الإشارة إلى هويّته الخارجيّة الواقعيّة في حال العدم ، ويكون حاصل دليله : أنّ المعدوم لا يعاد ، بل

__________________

(١) شرح التجريد : ٧٢.

٢٧٢

لا يصحّ إعادته ، لأنّ ذلك يقتضي أن يكون له هويّة خارجيّة مشارا بها إلى خارج في حال العدم في الحكم بأنّه هو عين الموجود السابق أو غير المثل المستأنف كما بيّنا ، والحال أنّه ليس له تلك الهويّة الخارجيّة ، وحيث كان الحال كذلك فلا يصحّ الحكم عليه بأنّه يصحّ إعادته ، ومعناه حينئذ أنّه لا يكون ذلك الحكم الذي ادّعاه القائلون بجواز الإعادة حقّا وصادقا ومطابقا للواقع ، بل باطلا ، لا أنّه يمتنع ذلك الحكم إذ المفروض أنّهم حكموه ، فعلى هذا فلا إيراد على المحقّق الطوسي رحمه‌الله اصلا ، فتبصّر.

في الإشارة إلى دفع إيراد عن الشيخ وعن المحقّق الطوسي

ثمّ إنّه بما قرّرنا في توجيه كلام الشيخ ، وذكرنا من معنى المثل المبتدأ يندفع عنه إيراد آخر أورده الشارح المذكور على هذا المقام ، بناء على ما قرّره كلام المحقّق الطوسي ، حيث قال هكذا :

«وجه آخر وهو أنّه لو جاز إعادة المعدوم لجاز أن يوجد مثله بدلا عند مبتدأ في وقت إعادته ، فإذا جاز أن يوجد فرد من أفراد ماهيّة نوعيّة ، لا يكون نوعها منحصرا في شخص مكتنف بعوارض مشخّصة بعد العدم. وجاز أن يوجد ابتداءً فلم يبق فرق بين المبتدأ والمعاد ، فإنّ الفارق بينهما لا يكون الماهيّة ولا عوارضها ، لعدم الاختلاف فيهما ، ويمكن أن يحمل قوله : «ولم يبق فرق بينه وبين المبتدأ» على هذا الوجه.

والجواب أنّه إن أراد بمثله ما يشاركه في ماهيّته وتشخّصه معا كما يظهر من قوله : «فإنّ الفارق بينهما لا يكون الماهيّة ولا عوارضها المشخّصة لعدم الاختلاف فيهما» ، فوجود المثل بهذا المعنى محال ، إذ يلزم منه أن يتشخّص شخصان بتشخّص واحد ، فيكون الشخص الواحد مشتركا بينهما ، فلا يكون تشخّصا لأنّ مقتضى التشخّص التوحّد المانع من الشركة مطلقا. ولو سلّم فلم لا يجوز الامتياز بعوارض غير مشخّصة ، فإنّ المعاد ما قد وجد ، ثمّ عدم ، والمثل المبتدأ ما لا يكون كذلك.

لا يقال : فعلى هذا إذا وجد فرد مكتنف بعوارض مشخّصة فبم يعلم أنّه الذي وجد أوّلا ثمّ عدم وليس موجودا مبتدأ.

لأنّا نقول : لا استحالة في عدم التميّز بينهما عند العقل ، إذ ربما يلتبس على العقل ما هو

٢٧٣

متميّز في نفس الأمر ، على أنّه كلام على السند الأخص.

وإن أراد بالمثل ما يشاركه في الماهيّة فقط ، فلزوم عدم الفرق ممنوع ، لجواز الامتياز بالعوارض المشخّصة. ـ انتهى كلامه.»

وبيان الاندفاع : أنّا لا نريد بالمثل المبتدأ ما يشارك المعاد في الماهيّة والتشخّص معا ، فإنّ ذلك محال ، حيث إنّه لا يجوز أن يتشخّص شخصان بتشخّص واحد ، لأنّ ذلك يرفع الاثنينيّة الواقعيّة بين الاثنين وهو ممتنع ، بل نريد بالمثل ما يشارك المعاد في الماهيّة وفي الموضوع والحدوث والزمان وغير ذلك من الصفات والأحوال ، ويخالفه بالعدد ، أي بالشخص ، كما دلّ عليه كلام الشيخ في التعليقات ، ولا يخفى أنّ فرض وجود المثل بهذا المعنى غير ممتنع.

ثمّ إنّا نسوق الكلام إلى آخره ونقول : إنّه إذا جاز إعادة المعدوم بعينه فلا سترة في إمكان فرض وجود المثل بهذا المعنى الذي ذكرناه حينئذ ، فإمّا أن يلزم عدم الامتياز بين المعاد والمثل المبتدأ أصلا مع فرض كونهما متمايزين بالعدد وبالشخص ، وإمّا أن يلزم أن لا يكون شيء منهما معادا مع فرض كون أحدهما معادا ، وإمّا أن يلزم صيرورة المعدوم الواقعي مع فرض عدمه موجودا واقعيّا ، كما فصّلنا ذلك ، وذكرنا أنّ كلّا من تلك المحالات يلزم على تقدير.

ولا يخفى أنّ لزوم تلك المحالات ليس منشأه فرض وجود المثل بهذا المعنى ، لكونه ممكنا في الواقع لا مانع منه ، فبقي أن يكون منشؤه فرض إعادة المعدوم ، وهو المطلوب ، وحينئذ فلا إيراد على هذا الدليل أصلا ولا يحتاج أيضا في دفع إيراد الشارح المذكور إلى ما ذكره المحقّق الدواني في الحاشية ، حيث قال في قوله : «والجواب أنّه إن اراد ـ إلى آخره ـ : أنت خبير بأنّ هذا إنّما يرد على تقرير المتأخّرين كما ذكره الشارح ، وأمّا على ما نقل عن الشيخ في التعليقات فلا ، لأنّه لا يتوقّف على أخذ إمكان هذا المثل ، إذ محصّله أنّا نفرض المثل المذكور ، ونقول (١) لا امتياز بينهما أصلا ، إذ لو كان بينهما امتياز لكان لكون أحدهما هو بعينه الذي كان ثابتا حال العدم ، بخلاف الآخر ، لكن هذا محال فما فرضناه معادا يكون بعينه هو المستأنف المفروض ، لامتناع الامتياز فلا يكون معادا. ـ انتهى

__________________

(١) أقول (خ ل).

٢٧٤

كلامه.»

كلام مع المحقّق الدواني

مع انّه يرد على ما ذكره هذا المحقّق أنّه إذا سلّم عدم إمكان المثل ، ففرض وجوده لا يفيد شيئا ، إذ ربما كان منشأ لزوم هذا المحال هو فرض وجود المثل ، لا فرض إعادة المعدوم ، فهذا منه رحمه‌الله غريب. مثل حمله كلام الشيخ في التعليقات على ما ذكره ، حيث إنّه لم يدع فيه عدم الامتياز بين المعاد والمستأنف ، إلّا لكون أحدهما هو بعينه الذي كان ثابتا حال العدم بخلاف الآخر ، وكيف يدّعي ذلك والحال أنّه فرضهما متخالفين بالعدد أي بالشخص. وكيف يكون الامتياز بين الشيئين المتخالفين بالعدد منحصرا في ذلك الامتياز الذي ذكره. اللهم إلّا أن يراد بعدم الامتياز بينهما إلّا من هذا الوجه ، عدمه من جهة كون أحدهما معادا والآخر مثلا مستأنفا لا مطلقا.

وأنت تعرف بعد التأمّل الصادق أنّ كلامه في التعليقات موافق لكلامه في الشفاء في ذلك ، وينبغي أن يقرّر على ما قرّرناه ، وسنزيده توضيحا فانتظر.

على أنّ في قول الشارح المذكور : «ولو سلّم فلم لا يجوز الامتياز بعوارض غير مشخّصة» كلاما قد ذكره المحقّق الدواني في الحاشية عليه ، وهو أنّه على تقدير عدم الامتياز بالماهيّة والتشخّص يكون ما يعرض لأحدهما عارضا للآخر فلا يتحقّق بالعوارض غير المشخّصة أيضا يعني أنّ عروض عارض لأحدهما دون الآخر ، يحتاج إلى تشخّصه وامتيازه ، والمفروض خلافه. وقد قال أيضا في قوله : «على أنّه كلام على السند الأخص» بهذه العبارة : «يعني أنّه يتوجّه على قوله فإنّ المعاد ما قد وجد ثمّ عدم ، والمثل المبتدأ ما لا يكون كذلك ، ولو ذكر بدله عارض آخر غير مشخّص ، لم يتوجّه ذلك ، وقد علمت أنّه على تقدير عدم الامتياز بالماهيّة والتشخّص يكون ما يعرض لأحدهما عارضا للآخر ، فلا يتصوّر الامتياز بالعوارض غير المشخّصة أيضا.

نعم يكون ذلك الشخص مع بعض العوارض غيرا لنفسه مع عارض آخر غير مشخّص ، فلا يصدق الحكم بأنّه مبتدأ لا معاد ، أو معاد لا مبتدأ أصلا ، فلا يتصوّر العلم بالامتياز أصلا ،

٢٧٥

فتأمّل. ـ انتهى كلامه.» (١)

وأيضا في قول الشارح المذكور : «لا استحالة في عدم التميّز بينهما عند العقل ، إذ ربما يلتبس على العقل ما هو متميّز في نفس الأمر» كلام لا يخفى ، فتأمّل.

ثمّ إنّك بعد ما أحطت خبرا بما حقّقناه وفصّلناه ، ظهر لك أنّ الحجّة الثالثة التي نقلها الفاضل الأحساوي عن القائلين بامتناع الإعادة ، ليست هي حجّة اخرى ، بل هي مع الحجّة الاولى التي نقلها عنهم حجّة واحدة تقريرها ما ذكرنا ، وأنّه لا يرد عليها شيء ممّا أورده على تينك الحجّتين بناء على ما فهمه ، فتدبّر.

نعم الحجّة الثانية التي نقلها عنهم حجّة اخرى لهم على ذلك ، وسيأتي تقريرها على وجه لا يرد عليه أيضا ما أورده ، فانتظر.

وهذا الذي ذكرناه كلّه إنّما ذكرناه في مقام تحرير الدليل الأوّل الذي ذكره الشيخ في الشفاء على بطلان قول من يقول إنّ المعدوم يعاد.

وأمّا الكلام في تحرير الدليل الثاني الذي ذكره بقوله : «وعلى أنّ المعدوم إذا اعيد احتيج إلى أن يعاد جميع الخواصّ التي بها كان هو ما هو ، ومن خواصّه وقته ، فإذا اعيد وقته كان المعدوم غير معاد ، لأنّ المعاد هو الذي يوجد في وقت ثان.» فهو أن يقال :

لا يخفى أنّ المعدوم إذا اعيد بعينه كما هو المفروض ، احتيج إلى أن يعاد جميع الخواصّ والمشخّصات التي بها كان المعدوم هو ما هو ، أي متشخّصا وإلّا لم يكن معادا بعينه ، أي بشخصه كما هو المفروض.

ولا يخفى أيضا أنّا سواء قلنا إنّ العوارض المشخّصة هي المشخّصة بالحقيقة كما هو مذهب فريق منهم ، أو إنّ المشخّص بالحقيقة هو نحو من الوجود الخاصّ ، وأنّ تلك العوارض لوازم له وأمارات عليه كما هو مذهب الفارابي وهو الحقّ ، يكون الوقت من جملة تلك المشخّصات بدليل أنّا إذا صنعنا مثلا من طين مخصوص كوزا مخصوصا على مقدار مخصوص ، وهيئة وشكل مخصوصين ، بقالب خاصّ ، ثمّ كسرناه وهدمناه ، فصنعنا من ذلك الطين المخصوص بعينه من غير أن ينقص منه جزء أرضي أو مائي ، أو يزيد عليه بذلك القالب الخاصّ كوزا آخر على ذلك المقدار والشكل والهيئة ، وبالجملة بحيث يكون

__________________

(١) راجع هامش شرح التجريد : ٧٩.

٢٧٦

الثاني مماثلا للأوّل في الماهيّة وفي جميع الصفات والأحوال ، مغايرا له بحسب الزمان فقط ، نعلم بالضرورة أنّ الثاني ليس هو الأوّل بعينه ، بل غيره بحسب التشخّص ، وإن كان مماثلا له فيه.

والحاصل أنّا نعلم بديهة أنّ الأوّل شخص خاصّ ، والثاني شخص آخر مغاير له بحسب التشخّص في الواقع والخارج ، لا بحسب الذهن والاعتبار فقط ، كما زعمه بعض ، وإن كان مماثلا له ، وإذا ليس هنا أمر يفرض كونه منشأ لاختلاف الشخص إلّا الوقت ، فيعلم منه أنّ الوقت له مدخل في التشخّص ، وهو المطلوب.

وأيضا إذا كان هناك مثلا لوح خاصّ معيّن تلوّن في وقت خاصّ بلون خاصّ مشخّص ، ثمّ ازيل ذلك اللون عنه ، ثمّ لوّن في وقت آخر بعد ذلك بذلك اللون بعينه ذلك اللوح المخصوص مثل الأوّل ، نعلم بالبديهة أنّ اللون الثاني غير الأوّل بحسب التشخّص في الواقع ، وإن كان مماثلا له في الماهيّة والموضوع وسائر الصفات ، فيعلم من ذلك أيضا أنّ للوقت دخلا في التشخّص ، وأنّه من جملة المشخّصات ، كما أنّ الموضوع أيضا من جملة المشخّصات ، كما إذا كان هناك لو حان خاصّان قد تلوّنا في وقت واحد بلون خاصّ ، حيث نعلم بالضرورة أن أحد اللونين غير الآخر بالشخص ، وما ذلك إلّا لاختلاف الموضوع. وبالجملة الحكم بكون الزمان من جملة المشخّصات أو لازما لما هو مشخّص مما يحكم به الوجدان الصحيح ، وعليه منبّهات كثيرة تعلم بالتتبّع.

إلّا أنّا نعني بكون الزمان مشخّصا كما ذكره بعض أهل التحقيق ، مثل المحقّق الدواني وغيره ، أنّ لزمان وجود الشيء بوحدته الاتّصالية مدخلا في تشخّصه ، فاذا انقطع اتّصاله من حيث هو زمان الوجود بتخلّل العدم ، لم يبق الشخص ، ولا نعني بهذا أيضا أنّ الزمان المتّصل الممتدّ من آن حدوثه إلى آخر زمان البقاء ، له مدخل في تشخّصه ، حتى يرد أنّ هذا الأمر الممتدّ لم يوجد في شيء من آنات زمان وجوده ، مع أنّ زيدا مثلا كان مشخّصا في كلّ آن يفرض منها ، بل نعني به أنّ القدر المشترك بين تلك الأزمنة وبين الآنات المفروضة فيها ، له مدخل في تشخّصه بشرط الاتّصال وعدم الانقطاع بالعدم. أو أنّا نعني بكون الزمان مشخّصا أنّ لآن الحدوث مدخل في تشخّصه ، ولما بعده من الزمان مدخلا في حفظ ذلك التشخّص بشرط اتّصاله من حيث هو زمان الوجود.

٢٧٧

وكيفما كان فلا نعني بذلك ـ كما فهمه بعضهم كالشارح القوشجي وغيره ـ أنّ لأجزاء زمان الوجود من حيث التقضي والانصرام والتجدّد مدخلا أيضا في التشخّص ، حتّى يلزم تغيّر الشخص بتغيّر الزمان وتبدّله بتبدّله ، وأن يكون زيد الموجود في هذا الزمان غير زيد الموجود في الزمان السابق أو اللاحق ، ويناقض بأنّا قاطعون بخلافه ، حيث إنّا نعلم بالضرورة أن زيدا الموجود في هذه الساعة ، هو بعينه الذي كان بالأمس ، حتّى أنّ من زعم خلاف ذلك ينسب إلى السفسطة. وما يحكى من مناقضة الشيخ مع تلميذه بهمنيار ، حيث إنّه طالب الشيخ بالدليل على بقاء الذات في الإنسان حتّى يستدلّ به على التجرّد ، فأجاب عنه بالرجوع إلى الوجدان الصحيح ، ثمّ أورد بهمنيار على مسألة اخرى سمعها من الشيخ كلاما ، فقال الشيخ في جوابه : كيف تجعلني المسموع منه مع تجويزك تبدّل الذات ، فهو إن كان مبنيّا على تجويز بهمنيار تبدّل الذات بتبدّل الزمان فلعلّه محمول على ما ذكرنا ، فتدبّر.

وحيث ظهر أنّ الوقت من جملة المشخّصات ، وأنّ المعدوم إذا اعيد بعينه ، يجب أن يكون وقته الأوّل معادا أيضا. فنقول : إنّ وقته إمّا أن يعاد بحيث لا يكون هناك وقت غيره ، ويكون المعدوم معادا فيه ، فهذا باطل ، لأنّه حينئذ لا يكون معادا أصلا بل مبتدأ فقط ، لأن المعاد هو الذي يوجد في وقت ثان غير الوقت الأوّل ، وهذا قد وجد في الوقت الأوّل بعينه فقط.

والقول بأنّ المعاد لا يلزم أن يكون موجودا في وقت ثان البتّة ، بل هو الذي يوجد ثانيا ، سواء وجد في وقته الأوّل أو في وقت ثان آخر ، كما فهمه بعض من جوّز إعادة المعدوم ، ممّا لا معنى محصّل له ، لأنّ الثانويّة في قوله : «هو الذي يوجد ثانيا» لا يخفى أن ليس المراد بها الثانويّة بالعلّيّة أو بالطبع أو بالشرف أو بالرتبة ، وهذا كلّه ظاهر ، ولا الثانويّة بالذات كما فيما بين أجزاء الزمان ، لأنّ التقدّم والتأخّر بين وجود وجود ليس من هذا القبيل ، وهذا ظاهر أيضا ، بل المراد الثانويّة بحسب الزمان. وإذا كان كذلك فيكون معنى الوجود ثانيا الوجود في زمان ثان. فإذا وجد في زمانه الأوّل فلا يكون موجودا في زمان ثان. فلا يكون معادا أصلا بل مبتدأ فقط ؛ هذا خلف.

وأيضا إذا فرض كونه معادا أيضا ، فلا يكون ذلك إلّا بفرض الوقت ثانيا أيضا ، حتّى

٢٧٨

يمكن أن يفرض كون الموجود فيه معادا ، فيصدق على الوقت الأوّل أنّه أوّل من حيث كونه ثانيا ، وأنّه ثان من حيث كونه أوّلا. وكذا يصدق على الموجود فيه أنّه مبتدأ من حيث كونه معادا. ومعاد من حيث كونه مبتدأ ، خصوصا إذا كان المعاد معادا مع جميع خواصّه وحيثيّاته وعوارضه كما هو المفروض ، فيصدق المتقابلان على ذات واحدة في حال واحدة من حيثيّة واحدة ، إذ لا جهة مختلفة هنا بها يختلف الحال.

وأيضا يلزم رفع التفرقة والامتياز بين المبتدأ والمعاد ، وكذا بين الوقت الأوّل والثاني عند العقل. مع أنّ الامتياز بينهما ضروريّ عنده. وأمّا أن يعاد ذلك الوقت الأوّل ، بحيث يكون هناك وقت ثان أيضا ، ويكون أحدهما ظرفا للآخر ، ويكون كلاهما أي الوقتان معا ظرفين لوجود المعدوم المعاد ، فحينئذ يلزم أن يكون هو معادا من جهة وجوده في الوقت الثاني ، ومبتدأ من جهة وجوده في الوقت الأوّل ، ويصدق عليه حين الإعادة هذان الوصفان المتقابلان معا أعني أن يكون مبتدأ حين كونه معادا ومعادا حين كونه مبتدأ.

وهذا إن لم يسلّم امتناعه من جهة أنّ صدق الوصفين المتقابلين ليس من حيثيّة واحدة حتّى يكون تناقضا ممتنعا ، بل من حيثيّتين مختلفين حيث إنّ صدق المبتدأ عليه من جهة كونه موجودا في الوقت الأوّل ، وصدق المعاد عليه من جهة كونه موجودا في الوقت الثاني ، فلا سترة في أنّه حينئذ يكون الامتياز بين المبتدأ والمعاد ـ مع كونه ضروريّا عند العقل ـ مرتفعا ، حيث صدق على ذات واحدة في حال واحدة كونه مبتدأ ومعادا معا ، خصوصا إذا كان معادا مع جميع عوارضه وخواصّه كما هو المفروض.

وأيضا يلزم أن لا يكون معادا فقط كما هو المفروض ، بل يكون مبتدأ ومعادا جميعا ؛ هذا خلف.

وأيضا إذا فرض إعادة الوقت الأوّل في الوقت الثاني وكون أحدها ظرفا للآخر ، لزم أن يكون للزمان زمان ، وهذا باطل بالضرورة ، لأنّ التقدّم والتأخّر المفروضين بين زمان وزمان إنّما هما بالذات ، وليس كالتقدّم والتأخّر بين الزمانيّات ، لأنّ زمانا ما إذا كان متقدّما على زمان آخر لكونه واقعا في زمان متقدّم أو كان متأخّرا عن زمان آخر لكونه واقعا في زمان متأخّر كما في الصورة المفروضة لا بالذات لكان تأخّر ذلك الزمان المفروض كونه ظرفا للمتأخّر منه ، أو تقدّمه عبارة عن وقوعه في زمان متأخّر كذلك

٢٧٩

أو متقدّم وهكذا ويلزم التسلسل في الزمان ، وهذا باطل.

أمّا عند القائلين بوجود حقيقة للزمان في الواقع كما هو عند القائلين بامتناع إعادة المعدوم فظاهر ، لأنّه على تقديره يلزم التسلسل في الحقائق الواقعيّة في نفس الأمر ، وهذا باطل بالضرورة وبالبرهان.

وأمّا عند القائلين بكونه اعتباريّا كما هو عند القائلين بجواز إعادة المعدوم بعينه فكذلك ، لأنّ مرادهم به إن كان كونه اعتباريّا محضا ، لا حقيقة له في نفس الأمر أصلا ، فذلك باطل الضرورة ، وإن كان كونه اعتباريّا واقعيّا منتزعا من موجود في الواقع ، فذلك ممنوع ، ويكون التسلسل فيه أيضا باطلا كما في الأوّل.

وبما قرّرنا يندفع ما يتوهّم هنا من أنّه لا يلزم كون المعدوم مبتدأ ، لكونه واقعا في الزمان الأوّل ، وإنّما يلزم ذلك لو كان الوقت الأوّل أوّلا وليس كذلك ، بل إنّما هو اعيد بعينه ووقع ثانيا ، فيكون الموجود فيه معادا فقط كما هو المفروض لا مبتدأ أيضا.

في الإشارة إلى دفع توهّم هنا

وبيان الاندفاع أنّ المراد بوقوعه ثانيا ليس هنا إلّا فرض وقوعه في زمان ثان ، وهو باطل ، كما عرفت بيانه.

ومحصّل هذا الدليل على ما قرّرناه : إنّ المعدوم إذا اعيد ، فإمّا أن لا يعاد وقته الأوّل ، فهذا باطل ، لأنّه على تقديره يلزم أن لا يكون معادا بعينه ، لأنّ الوقت أيضا من جملة المشخّصات كما عرفت. وإمّا أن يعاد وقته الأوّل أيضا ، وهو إنّما يتصوّر على وجهين كما عرفت ، وعلى كلّ تقدير فيلزم أن لا يكون هناك إعادة معدوم مع سائر المفاسد اللازمة كما عرفت. وعلى تقدير أن يكون هناك إعادة معدوم ، فلا يلزم أن يكون المعدوم معادا بعينه أيضا كما هو المفروض ، لأنّه كما أنّ التفرقة بين الوقت الأوّل والثاني ضروريّة ، وأحدهما ليس هو الآخر بعينه ، كذلك التفرقة بين المبتدأ الواقع في الوقت الأوّل والمعاد الواقع في الوقت الثاني ضروريّة ، وأحدهما ليس هو الآخر بعينه.

وأيضا هذان الوصفان متقابلان ، فالموصوف بأحدهما لا يكون بعينه هو الموصوف بالآخر ، فلا يكون المعاد هو المبتدأ بعينه ، فلا يكون هنا إعادة المعدوم بعينه ، ففرض إعادة

٢٨٠