نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-357-284-6
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٥٠٨

الفصل الثاني :

في التقليد

وفيه مطالب :

المطلب الأوّل : في ماهية التقليد

هو العمل بقول الغير من غير حجّة ملزمة ، مأخوذ من تقليده بالقلادة وجعلها في عنقه ، وذلك كالأخذ بقول العامي ، وأخذ المجتهد بقول من هو مثله. وحينئذ فالرجوع إلى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى ما أجمع عليه أهل العصر من المجتهدين ، ورجوع العامي إلى قول المفتي ، وعمل القاضي بقول الشاهدين ليس بتقليد ، لاشتماله على الحجّة الملزمة لوجوب قبول قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووجوب الرجوع إلى حكم الإجماع بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآيات الدالّة عليه ، ووجوب قبول قول المفتي والشاهدين للإجماع عليه وقيام الأدلّة كالنصوص ، وقد يسمّى ذلك تقليدا بعرف الاستعمال ، والنزاع لفظي.

وأمّا المفتي فهو الفقيه ، وقد تقدّم ، والمستفتي مقابله.

واعلم أنّ المفتي (١) إمّا أن يكون قد بلغ رتبة الاجتهاد ، أو لا يكون.

__________________

(١) في «ج» : المستفتى.

٢٤١

فإن كان الأوّل فما أدّى إليه اجتهاده لا يجوز له مخالفته ولا التقليد فيه ؛ وإن لم يكن قد اجتهد ، فقد ذهب قوم إلى أنّه لا يجوز له اتّباع غيره.

وإن كان الثاني فإن كان عامّيا صرفا فقد اختلفوا في جواز التقليد له ، وكذلك اختلفوا فيما إذا بلغ دون رتبة الاجتهاد. والحق أنّ من لم يبلغ رتبته يجوز له التقليد.

وإذا تقرّر هذا فإن كان الاجتهاد متجزيا ظهر الفرق بين المفتي والمستفتي ، فإنّ كلّ من كان أعلم من غيره في مسألة فهو مفت بالنسبة إلى ذلك الغير والغير مستفت وإن لم يقل بالتجزية فالمفتي هو الّذي يكون من أهل الاجتهاد ، وأمّا ما فيه الاستفتاء فهو المسائل الاجتهادية من الشرعيات دون العقليات.

المطلب الثاني : في المفتي

وفيه مباحث :

البحث الأوّل : في أنّه هل يجوز خلو الزمان عن مجتهد أم لا؟

اختلف الناس في أنّه هل يجوز خلو عصر من الأعصار عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه؟

فمنع منه قوم كالحنابلة وغيرهم ، وجوّزه آخرون.

٢٤٢

أمّا الإمامية فإنّ الزمان عندهم لا يجوز خلوّ المعصوم منه (١) مع وجود التكليف ، لكنّه لا يسمّى مجتهدا ، لأنّ الأحكام عندهم متلقّاة من الوحي أو مستنبطة منه.

وأمّا المعتزلة فالقائلون بوجوب التكليف أوجبوا وجود مجتهد في كلّ عصر فيه تكليف ، لاستحالة التكليف بما لا يطاق.

احتجّ الموجبون بوجوه (٢) :

الأوّل : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وحتى يظهر الدجال». (٣)

__________________

(١) اتّفقت الإمامية على أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله على خلقه ، إمّا ظاهر مشهور أو خائف مغمور. راجع اعتقادات الصدوق : ٩٤ ، باب الاعتقاد في عدد الأنبياء والأوصياء ؛ الهداية : ٨ ؛ غيبة الطوسي : ٢٤٣ ؛ رسائل في الغيبة للمفيد : ٢ / ١٥ ؛ كشف اليقين للعلامة : ٧٤ و ١٨٥ ؛ أصل الشيعة وأصولها : ٢٢٨ ؛ الشيعة في الإسلام : ٥٣ ؛ إحقاق الحق : ١٩ / ٧٠٥.

وقد وردت الروايات في ذلك عن الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام ؛ فعن علي أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «لا تخلو الأرض من قائم بحجّة الله ، إمّا ظاهر مشهور ، وإمّا خائف مغمور ، لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته». وقد ورد هذا الحديث بصيغ مختلفة وألفاظ متعددة. راجع : الكافي : ١ / ١٧٨ ، باب الأرض لا تخلو من حجة ؛ بصائر الدرجات : ٥٠٤ ، باب الأرض لا تخلو من حجّة ؛ أمالي الصدوق : ٢٥٣ ح ١٥ ؛ أمالي المفيد : ٢٥٠ ؛ مناقب آل أبي طالب : ١ / ٢١١ ؛ بحار الأنوار : ٢٣ / ١ ـ ٥٦ ، باب الاضطرار إلى الحجة وأن الأرض لا تخلو من حجة ؛ وغيرها كثير.

(٢) ذكرها الآمدي في الإحكام : ٤ / ٢٣٩.

(٣) مسند أحمد : ٤ / ٩٩ و ٢٥٢ ؛ سنن الدارمي : ٢ / ٢١٣ ؛ صحيح البخاري : ٤ / ١٧٨ وج ٨ / ١٤٩ ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ؛ صحيح مسلم : ٦ / ٥٢ و ٥٣ (عبارة : وحتّى يظهر الدجال ، غير موجودة في هذه المصادر). عوالي اللآلي : ٤ / ٦٢ برقم ١٣ ؛ الإحكام : ٤ / ٢٣٩.

٢٤٣

وفيه نظر ، لعدم الملازمة بين ارتكاب الحقّ وبين وجود المجتهد ، لجواز الاستناد إلى قول المعصوم ، أو أن يقال : يجوز الإصابة دائما اتّفاقا.

الثاني : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وا شوقاه إلى إخواني» قالوا : يا رسول الله ألسنا إخوانك؟

فقال : «أنتم أصحابي ، إخواني قوم يأتون بعدي يهربون بدينهم من شاهق إلى شاهق ، ويصلحون إذا فسد الناس». (١)

وفيه نظر ، لعدم دلالته على وجوب وجود المجتهد في كلّ وقت ، بل يدلّ على وجود قوم صلحاء حال فساد الناس ، وليس ذلك من الاجتهاد في شيء.

الثالث : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «العلماء ورثة الأنبياء». (٢) وأحق الأمم بالوراثة بالورثة هذه الأمة ، وأحق الأنبياء بإرث العلم عنه نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وفيه نظر ، لدلالته على استحقاق الإرث للعلماء لا على وجوب وجود الوارث.

الرابع : التفقّه في الدين والاجتهاد فيه فرض كفاية بحيث يأثم الكلّ لو

__________________

(١) الإحكام : ٤ / ٢٣٩. لم نعثر عليه في المصادر الحديثية لكن ورد مضمونه في المصادر التالية : سنن النسائي : ١ / ٩٤ ؛ مجمع الزوائد : ١٠ / ٦٦ ؛ المعجم الأوسط : ٥ / ٣٤١ ؛ كنز العمال : ١٢ / ١٨٣ و ١٨٤.

(٢) سنن ابن ماجة : ١ / ٨١ برقم ٢٢٣ ؛ سنن أبي داود : ٢ / ١٧٥ ؛ سنن الترمذي : ٤ / ١٥٣ ؛ مجمع الزوائد : ١ / ١٢٦ ؛ الكافي : ١ / ٣٢ و ٣٤ ؛ بحار الأنوار : ١ / ١٦٤ و ٢ / ٩٢ و ١٥١.

٢٤٤

تركوه ، فلو جاز خلو العصر عن من يقوم به لزم اتّفاق أهل العصر على الخطأ والضلال ، وهو ممتنع بما تقدّم في دلائل الإجماع.

وفيه نظر ، إذ ترك الواجب على الكفاية قد لا يتعقّبه الإثم بأن يظن كلّ طائفة قيام الغير به ، فجاز في المتنازع ذلك.

الخامس : طريق معرفة الأحكام الشرعية إنّما هو الاجتهاد ، فلو خلا العصر عن مجتهد يمكن الاستناد إليه في معرفة الأحكام ، لزم تعطيل الشريعة واندراس الأحكام ، وهو ممتنع.

وفيه نظر ، لمنع حصر الطريق في الاجتهاد.

واعترض (١) على النصوص بالمعارضة بنقيضها كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ». (٢)

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ، ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم ، اتّخذ الناس رؤساء جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا». (٣)

__________________

(١) المعترض هو الآمدي في الإحكام : ٤ / ٢٤٠.

(٢) صحيح مسلم : ١ / ٩٠ ، باب أنّ الإسلام بدأ غريبا ؛ سنن ابن ماجة : ٢ / ١٣١٩ ، باب الإسلام بدأ غريبا ؛ مجمع الزوائد : ٧ / ٢٧٧ ، باب أنّ الإسلام بدأ غريبا.

(٣) صحيح البخاري : ١ / ٣٤ ، كتاب العلم ؛ صحيح مسلم : ٨ / ٦٠ ، باب رفع العلم ؛ سنن ابن ماجة : ١ / ٢٠ ؛ سنن الترمذي : ٤ / ١٣٩ برقم ٢٧٩٠ ؛ مسند أحمد : ٢ / ١٦٢ ؛ تحف العقول : ٣٧ ؛ مستدرك الوسائل : ١٧ / ٢٤٥ و ٣٠٨ ؛ أمالي المفيد : ٢٠ ، المجلس ٣ ؛ بحار الأنوار : ٢ / ٨٣ و ١١٠ و ١٢١ وج ٧٤ / ١٤١.

٢٤٥

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تعلّموا الفرائض وعلّموها الناس ، فإنّها أوّل ما ينسى». (١)

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خير القرون القرن الّذي أنا فيه ، ثمّ الّذي يليه ، ثمّ الّذي يليه ، ثمّ تبقى حثالة كحثالة التمر لا يعبأ الله بهم». (٢)

وفيه نظر ، لعدم دلالتها على خلو العصر من مجتهد ، فإنّ غرابة الإسلام قد يجامع وجود مجتهدين قليلين ، وكذا قبض العلماء يصدق مع قبض الأكثر ، ونسيان الفرائض لا يستلزم نفي المجتهد ، وانتهاء الحال إلى الحثالة يجامع قلة المجتهدين كما يصدق مع عدمهم.

وعلى الآخرين بأنّ التفقّه في الدين والتأهّل للاجتهاد فرض كفاية في كلّ عصر ، إذا لم يمكن اعتماد العوام على الأحكام المنقولة إليهم في كلّ عصر عمّن سبق من المجتهدين في العصر الأوّل بالنقل المغلب على الظن ، ولكن لا نسلّم امتناع ذلك.

وفيه نظر ، لما يأتي من امتناع تقليد الميت.

واحتجّ المجوّزون (٣) بأنّ الامتناع ليس ذاتيا لعدم المحال لو فرض واقعا ، ولا بغيره لأصالة عدمه.

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ٢ / ٩٠٨ ؛ مستدرك الحاكم : ٤ / ٣٣٢ ؛ سنن البيهقي : ٦ / ٢٠٩.

(٢) الإحكام : ٤ / ٢٤٠. ولم نعثر عليه في المصادر الحديثية بهذا النص ، ولكن ورد نحوه في المصادر التالية : عمدة القاري : ١٤ / ١٨٠ ؛ تفسير ابن كثير : ٣ / ٣٣١ ؛ البداية والنهاية : ٦ / ٢٨٣.

(٣) وهو مختار الآمدي في الإحكام : ٤ / ٢٣٩.

٢٤٦

البحث الثاني : في تكرر الاجتهاد

المجتهد إذا أدّاه اجتهاده إلى حكم ما وأفتى به ثمّ سئل ثانيا عن تلك المسألة هل يجب عليه الاجتهاد ثانيا ، أم لا؟

قال قوم : يجب تكرر الاجتهاد ، لاحتمال أن يتغيّر اجتهاده ويطّلع على ما لم يطّلع عليه أوّلا.

وقال قوم : لا يجب ، لأنّه فعل الواجب وخرج عن عهدة التكليف بالاجتهاد ، والأمر لا يقتضي التكرار ، والأصل عدم اطّلاعه على ما لم يطّلع عليه أوّلا.

وقال آخرون بالتفصيل ، وهو انّه إن كان ذاكرا للطريق الأوّل فهو مجتهد ويجوز له الإفتاء ، كما لو اجتهد في الحال. وإن نسيه لزم أن يستأنف الاجتهاد ، لأنّه في حكم من لم يجتهد.

وفيه نظر ، لأنّ غير المجتهد لا يظن الحكم وهذا ظان له ، فيجب عليه العمل بما ظنّه ؛ ولأنّ تجويز الاطّلاع ثانيا على ما لم يطّلع عليه أوّلا لو منع من العمل بما أدّاه اجتهاده مع الذكر أو النسيان ، لم يستقر العمل بالاجتهاد إلّا مع إفادة اليقين بوجود المانع.

على كلّ تقدير إذا عرفت هذا فلو اجتهد لم يمنع منه إجماعا ، فإن أدّاه اجتهاده الثاني إلى خلاف فتواه في الأوّل رجع عن الأوّل وأفتى بالثاني ، ويعرّف المستفتي أوّلا برجوعه عن ذلك القول ، لأنّ المستفتي إنّما يعوّل

٢٤٧

على قوله ، فإذا ترك هو قول نفسه بقي عمل المستفتي بغير موجب.

وقد روي عن ابن مسعود أنّه كان يقول في تحريم أمّ المرأة مشروط بالدخول ، فذاكر الصحابة فكرهوا أن يتزوّجوا ، فرجع ابن مسعود إلى المستفتي وقال : سألت أصحابي فكرهوا.

البحث الثالث : في الإفتاء عن الحكاية

اختلفوا في أنّ من ليس من أهل الاجتهاد هل يجوز له الإفتاء بمذاهب غيره من المجتهدين ، وبما يحكيه عن الغير؟

فمنع منه أبو الحسين البصري (١) وجماعة من الأصوليّين ، لأنّه إنّما يسأل عمّا عنده لا عمّا عند غيره ، ولأنّه لو جاز الإفتاء بطريق الحكاية عن مذهب الغير لجاز للعامي ذلك. والتالي باطل بالإجماع ، فالمقدّم مثله ، والشرطية ظاهرة.

وقال آخرون بالجواز إذا ثبت ذلك عنده بنقل من يثق بقوله.

وقال آخرون بالتفصيل وهو من وجهين :

الأوّل : قال قوم (٢) : إن كان المفتي مجتهدا في المذهب بحيث يكون له أهلية الاطّلاع على مأخذ المجتهد المطلق الّذي يقلّده ، وقدرة التفريع على قواعد إمامه وأقواله ، متمكّنا من الجمع والفرق والنظر والمناظرة كان له

__________________

(١) نقله عنه الآمدي في الإحكام : ٤ / ٢٤١.

(٢) وهو مختار الآمدي في الإحكام : ٤ / ٢٤١.

٢٤٨

الإفتاء تميّزا له عن العامّي ، لانعقاد الإجماع من أهل كلّ عصر على قبول مثل هذا النوع من الفتوى ، وإن لم يكن كذلك فلا.

الثاني : قال آخرون (١) : إن حكى عن ميت لم يجز الأخذ بقوله ، إذ لا قول للميت ، لانعقاد الإجماع مع خلافه بعد موته دون حياته ، فدلّ على أنّه لم يبق له قول.

وفائدة تصنيف الكتب مع موت مصنّفها استفادة طريقة الاجتهاد من تصرّفهم في الحوادث ، وكيفية بناء بعضها على بعض. ومعرفة المجمع عليه من المختلف فيه.

واعترض بأنّ الراوي إذا كان ثقة متمكّنا من فهم كلام المجتهد الفقيه العالم الّذي مات ثمّ روى للعامّي قوله ، حصل عند العامّي ظنّ صدقه. فيظن أنّ حكمه تعالى ما روى له ، والعمل بالظن واجب ، فيجب على العامّي العمل به. ولانعقاد الإجماع في زماننا على جواز العمل بهذا النوع من الفتوى ، لعدم المجتهد في هذا الزمان ، والإجماع حجة.

وفيه نظر ، لأنّ غير المجتهد عامّي ، فلا عبرة بالإجماع حينئذ.

وإن حكى عن حي مجتهد فإن سمعه منه مشافهة ، جاز له العمل به ، وجاز للغير المحكى له العمل أيضا ، ولهذا ساغ للحائض الرجوع إلى قول زوجها فيما يحكيه عن المجتهدين.

__________________

(١) راجع المحصول : ٢ / ٥٢٦ ـ ٥٢٧.

٢٤٩

وإن رجع إلى حكاية من يوثق به ، فحكمه حكم السماع كما أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينفذ الآحاد إلى القبائل لتعريف الأحكام ، ولو لا وجوب القبول عليهم لما كان للإنفاذ فائدة.

وإن رجع إلى كتاب ، فإن وثق به جرى مجرى المكتوب من جواب المفتي في جواز العمل به ، ولهذا كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكتب الكتب وينفذها إلى الأقطار.

وإن لم يثق به لم يجز العمل ، لكثرة ما يتّفق من الغلط في الكتب ، وهذا هو الأجود عندي.

المطلب الثالث : في المستفتي وشرائط الاستفتاء ومحلّه

وفيه مباحث :

الأوّل : في العامّي

اتّفق المحقّقون على أنّه يجوز للعامّي تقليد المجتهدين في فروع الشرع ، وكذا من ليس بمجتهد وإن كان محصلا لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد ، بل يجب عليه ذلك والأخذ بقول المفتي.

وقال بعض معتزلة بغداد : لا يجوز ذلك إلّا بعد أن يتبيّن له صحّة اجتهاده بدليله.

وقال أبو علي الجبّائي : يجوز ذلك في مسائل الاجتهاد دون غيرها كالعبادات الخمس. (١)

__________________

(١) للاطّلاع على الأقوال راجع الإحكام : ٤ / ٢٣٤.

٢٥٠

لنا وجوه (١) :

الأوّل : قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٢) أمر بالسؤال ، وهو عام لكلّ من لا يعلم وهو عام أيضا.

وفيه نظر أمّا أوّلا : فللمنع من العموم ، إذ ليست الصيغة من صيغ العموم. وأمّا ثانيا : فلوروده عقيب إرسال الرجال (٣) فيعود عليه.

الثاني : الإجماع فإنّه لم تزل العامّة في زمن الصحابة والتابعين قبل حدوث المخالفين يرجعون في الأحكام إلى قول المجتهدين ويستفتونهم في الأحكام الشرعية ، والعلماء يسارعون إلى الأجوبة من غير إشارة إلى ذكر دليل ولا ينهونهم عن ذلك ، فكان إجماعا.

الثالث : العامّي إذا حدثت به حادثة [فإن لم يكن] متعبّدا بشيء [فهو باطل] وليس مجازا إجماعا ، بل لا بدّ من طريق [الاستدلال] ، وليس البحث والنظر في الدليل المثبت للحكم [أمرا ميسورا] للإفضاء ذلك إلى تعطيل المعاش والاشتغال بالفكر في فروع المسائل عن مصالح العباد ، وهو يستلزم خراب الدنيا وفساد الحرث والنسل ، وذلك من أعظم الحرج المنفي بقوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٤) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا ضرر

__________________

(١) راجع المحصول : ٢ / ٥٢٧ ؛ الإحكام : ٤ / ٢٣٤.

(٢) النحل : ٤٣.

(٣) إشارة إلى قوله سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النحل : ٤٣.

(٤) الحج : ٧٨.

٢٥١

ولا إضرار في الإسلام» (١) ، ولا يكفي التمسّك بالبراءة الأصلية إجماعا. [فتعيّن الثاني أي التقليد](٢).

الرابع : لو لزمه الاستدلال لم يكن حال كمال عقله لوجهين :

أ. أنّ الصحابة لم يلوموا تارك طلب العلم ولم يطلب رتبة المجتهد في أوّل كمال عقله.

ب. يمنعه ذلك من الاشتغال بأمور الدنيا كما بيّنّا.

ولا حال حدوث الواقعة ، وإلّا لوجب عليه اكتساب صفة المجتهد عند نزول الحادثة ، وهو غير مقدور.

لا يقال : المانعون من جواز التقليد لا يقولون بالإجماع ولا بخبر الواحد ، ولا يجوز التمسّك بالظواهر المحتملة. وحينئذ يسهل الأمر عليهم ، فإنّهم قالوا : ثبت أنّ الأصل عقلا في اللّذات الإباحة ، وفي المضار التحريم ؛ فإن ورد في بعض الحوادث نصّ قاطع في متنه ودلالته يقتضي ترك ذلك الأصل ، عملنا به. وإلّا وجب البقاء عليه ، فالعامّي إذا حدث به نازلة وبه شيء من الذكاء ، عرف حكم العقل فيه ؛ وإن كان في غاية البلادة ، نبّهه المفتي على حكم العقل.

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ٣١٣ ؛ مجمع الزوائد : ٤ / ١١٠ ؛ من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٣٣ وج ٤ / ٣٣٤ برقم ٥٧١٨ ؛ عوالي اللآلي : ١ / ٣٨٣ برقم ١١ وج ٢ / ٧٤ برقم ١٩٥ ؛ بحار الأنوار : ٧٣ / ٣٤٥.

(٢) ما بين المعقوفتين إضافة منا يقتضيه كمال المعنى ؛ والعبارة في جميع النسخ مشوشة وتمّ تصحيحها وفق «المحصول» و «الإحكام».

٢٥٢

وكما أنّ طلب المعاش غير مانع من الاشتغال في مسائل الأصول ، كذا لا يمنع من معرفة هذا القدر اليسير ، لأنّ وجود نص قاطع المتن والدلالة يدركه بأدنى إشارة من قول المفتي. وإن لم يوجد نبّهه على حكم الأصل.

نعم المنع من التقليد يصعب عند الموجبين للعمل بالقياس وخبر الواحد ، أمّا من يمنعهما فلا صعوبة ولو منع المعاش عن ذلك لكان منعه عن وجوب النظر في مسائل الأصول أولى ، لما فيها من الصعوبة والافتقار إلى الكدّ الشديد ، ومعلوم أنّ الصحابة كانوا يلومون من لم يتعلّم علم الكلام في أوّل زمان بلوغه.

لأنّا نقول (١) : الواجب في معرفة مسائل الأصول معرفة أدلّة التوحيد والنبوة إجمالا لا تفصيلا ، وهو سهل يحصل بأدنى تأمّل ، بخلاف فروع الشرع المفتقرة إلى علوم كثيرة وبحث شديد. وإنّما يتمّ هذا الفرق إذا حصل الفرق بين صاحب الجملة والتفصيل. وهو باطل ، لأنّ الدليل المركّب من مقدّمات عشر مثلا ، لو حصلت مقدّماته للمستدلّ بأسرها حصل العلم من غير زيادة ، لأنّ العشرة مستقلة بالانتاج فيستحيل ضم أخرى إليها مؤثّرة فيه.

وإن لم يحصل العلم بأسرها ، بل حصل بعضها بالضرورة أو بالدليل والبعض بالتقليد، كانت النتيجة مستندة إلى التقليد ، فالتمسّك بالدليل لا يقبل الزيادة ولا النقصان ، كما يقال : صاحب الجملة يكفيه الاستدلال على ثبوت الصانع بالحوادث المتجدّدة. وهو باطل، لأنّ هذه الحوادث لا بدّ لها من مؤثر ،

__________________

(١) راجع المحصول : ٢ / ٥٢٨ ـ ٥٣٠.

٢٥٣

وهو معلوم للعوام ؛ وذلك المؤثر مختار ، وهو غير معلوم لهم ، فإنّه ما لم يثبت أنّه ليس بموجب لم يجب اسناده إلى المختار ، فقطع العامّي بأنّه مختار من دون الاستدلال عليه ، يكون تقليدا في هذه المقدّمة وفي النتيجة.

وإذا شاهد فعلا خارقا للعادة صدر عن بشر أو استدلّ به على ثبوته من غير أن يبرهن على أنّه من فعله تعالى دون خاصية نفس الرسول ، أو خاصية دواء أو فعل جنّي ، أو ملك.

وعلى أنّه تعالى فعله لغرض التصديق لا غير كان مقلّدا في بعض المقدّمات ، فكذا في النتيجة فبطل فرقهم بين صاحب الجملة والتفصيل. فلم يبق إلّا أن يقال : «أدلّة الأصول على التفصيل سهل» (١) وهو مكابرة ، أو أنّه يجوز التقليد فيهما ، فينتفي الفرق بينهما.

احتجّ المانعون بوجوه (٢) :

الأوّل : قوله تعالى : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٣). والتقليد قول بغير المعلوم فكان منهيا عنه.

الثاني : أنّه تعالى ذمّ المقلّدين في قوله تعالى : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ)(٤) فلا يكون جائزا لقبح الذم على الجائز.

__________________

(١) أي أنّ الإحاطة بالأدلة على تفصيلها وتدقيقها شيء سهل ويسير.

(٢) ذكرها الرازي في المحصول : ٢ / ٥٣١ ـ ٥٣٢.

(٣) البقرة : ١٦٩.

(٤) الزخرف : ٢٣.

٢٥٤

الثالث : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة» (١) خرج بعض العلوم عنه ، للإجماع ، فيبقى العلم بفروع الشريعة داخلا فيه.

الرابع : القول بجواز التقليد يفضي إلى بطلانه ، لأنّه يقتضي جواز تقليد من يمنع من التقليد ، فيكون باطلا.

الخامس : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اجتهدوا فكلّ ميسّر لما خلق له» (٢) أمر بالاجتهاد مطلقا.

السادس : التقليد ارتكاب لما لا يؤمن معه الخطأ والضرر ، فيكون منهيا عنه.

بيان ذلك : أنّه لا يأمن فسق من قلّده وكذبه وغلطه في الاجتهاد ، فيلزم أمر العامّي باتّباع الخطأ والكذب والفسق ، وهو غير صادر من الشارع لقبحه.

السابع : لو جاز التقليد في الأمور الشرعية لجاز في مسائل الأصول.

والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية : أنّ المقتضي لجواز التقليد هناك ليس إلّا حصول أمارة

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ١ / ٨١ ؛ مجمع الزوائد : ١ / ١١٩ و ١٢٠ ؛ كنز العمال : ١٠ / ١٣٠ و ١٣١ و ١٣٨ ؛ الكافي : ١ / ٣٠ و ٣١ ؛ بحار الأنوار : ١ / ١٧١ و ١٧٢ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٠.

(٢) صحيح البخاري : ٦ / ٨٦ ، تفسير سورة الانشراح ؛ صحيح مسلم : ٨ / ٤٧ ، باب كيفية خلق الآدمي ؛ سنن ابن ماجة : ١ / ٣٠ ؛ سنن الترمذي : ٣ / ٣٠٢ برقم ٢٢١٩ ؛ مسند أحمد : ١ / ٨٢ و ١٥٧ وج ٣ / ٣٠٤. وقد علّق على هذا الحديث العلّامة الطباطبائي وناقشه في الميزان : ١١ / ٣٥ وما بعدها ، فراجع.

٢٥٥

توجب ظن صدق المفتي ، والعمل بالظن واجب ، وهذا المقتضي ثابت هنا ، فثبت الاكتفاء بالفتوى في الأصول.

والجواب عن الأوّل. النقض بالظنون الّتي يجب العمل بها ، كالأمور الدنيوية وقيم المتلفات وأروش الجنايات ، وخبر الواحد والقياس لو جوّزوا العمل بهما. وينتقض بالشهادة ، ولأنّه مشترك الإلزام فإنّ النظر والاجتهاد إنّما يثمر الظن ، وهو قول بما ليس بمعلوم ولا بدّ من سلوك أحدهما ، وليس في الآية دليل على تعيين امتناع أحدهما ، فإذن الواجب حملها على ما لا يعلم فيما يشترط فيه العلم.

وعن الثاني. بالحمل على ذمّ التقليد فيما يطلب فيه العلم جمعا بين الأدلّة.

وعن الثالث. أنّه متروك بالإجماع في صورة النزاع ، فإنّ الناس بين قائلين : قائل بوجوب التقليد ، وقائل بوجوب النظر والاجتهاد ، وكلاهما لا يفيدان العلم.

وعن الخامس. نمنع دلالته على الوجوب ، ولو دلّ على الاجتهاد فلا عموم له بالنسبة إلى كلّ مطلوب ، فلا يلزم دخول صورة النزاع فيه.

سلّمنا عمومه ، لكن يحمل على من له أهلية الاجتهاد جمعا بين الأدلة.

وعن السادس. أنّه مشترك الإلزام ، فإنّ العامّي وإن اجتهد فلا يأمن من وقوع الخطأ فيه ، بل هو أقرب إلى الخطأ لعدم أهليته.

٢٥٦

وعن السابع. بما تقدّم من الفرق بين ما يطلب فيه العلم وما يطلب فيه الظن.

وأمّا عموم جواز التقليد في مسائل الاجتهاد وغيرها ، فلأنّا لو كلّفناه الفصل بين الأمرين لكنّا قد ألزمناه بأن يكون من أهل الاجتهاد لتوقّف الفصل عليه ، فيعود المحذور.

احتجّ الجبّائي (١) : بأنّ ما ليس من مسائل الاجتهاد الحقّ فيه واحد ، فتجويز التقليد فيه يستلزم عدم الأمن من التقليد في خلاف الحق ، بخلاف مسائل الاجتهاد لتصويب كلّ مجتهد فيها.

والجواب. نمنع إصابة كلّ مجتهد.

سلّمنا ، لكن لا نأمن في مسائل الاجتهاد من التقصير في الاجتهاد من المفتي ، بل تركه ومن الإفتاء بغير ما أدّاه اجتهاده إليه.

فإن قلت : مصلحة العامّي العمل بما يفتيه المفتي.

قلنا : وكذا الأمر في صورة النزاع.

__________________

(١) نقله عنه الرازي في المحصول : ٢ / ٥٣٢.

٢٥٧

البحث الثاني : في غير العامّي

الرجل الّذي تنزل به الواقعة إن كان عامّيا صرفا وجب عليه الاستفتاء كما تقدّم.

وإن كان عالما فإما أن يبلغ رتبة الاجتهاد ، أو لا.

والثاني يجوز له الاستفتاء على الأقوى.

والأوّل إمّا أن يكون قد اجتهد ، أو لا. فإن اجتهد وغلب على ظنّه حكم ، لم يجز له أن يقلّد مخالفه ويعمل بظن غيره إجماعا.

وإن لم يجتهد لم يجز له التقليد أيضا. وهو مذهب أكثر الأشاعرة.

وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وسفيان الثوري : يجوز للعالم أن يقلّد العالم مطلقا. وعن أبي حنيفة في ذلك روايتان. (١)

وفصّل آخرون وذكروا فيه وجوها (٢) :

الأوّل : قال الشافعي في القديم : يجوز لمن بعد الصحابة تقليد الصحابة ، ولا يجوز تقليد غيرهم.

الثاني. قال محمد بن الحسن الشيباني : يجوز للعالم تقليد الأعلم.

الثالث. قال بعض العراقيين : يجوز التقليد فيما يخصّه دون ما يفتي به.

__________________

(١) راجع المحصول : ٢ / ٥٣٤ ـ ٥٣٥.

(٢) ذكرها الرازي في المحصول : ٢ / ٥٣٥.

٢٥٨

الرابع. قال ابن سريج : يجوز أن يقلّد فيما يخصّه إذا خاف الفوات لو اشتغل بالاجتهاد.

لنا وجوه (١) :

الأوّل. أنّه مأمور بالاعتبار ، ولم يأت به ، فيكون عاصيا. ولا ينتقض بالعامي لعجزه. وفيه ما تقدّم.

الثاني. أنّه متمكّن من الوصول بفكره إلى حكم المسألة ، فيحرم عليه التقليد كما في مسائل الأصول. والجامع وجوب الاحتراز عن الخطأ المحتمل عند القدرة على الاحتراز عنه.

لا يقال : المعتبر في الأصول اليقين ولا يحصل بالتقليد بخلاف الفروع المعتبر فيها الظن ، ويمكن حصوله بالتقليد ، ولهذا حرم على العامي التقليد في الأصول دون الفروع.

وينتقض ما ذكرتموه بقضاء القاضي حيث يحرم مخالفته ، وإن تمكن من معرفة الحكم ، فإنّه لا معنى للتقليد سوى وجوب العمل من غير حجّة.

وينتقض بالقريب من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه يجوز أن يسأل الواسطة مع تمكّنه من سؤاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

لأنّا نجيب عن الأوّل. بأنّا إنّما أوجبنا على المكلّف تحصيل اليقين لقدرته ، والدليل حاضر ، فوجب عليه تحصيله حذرا من الخطأ المحتمل.

__________________

(١) ذكرها الرازي في المحصول : ٢ / ٥٣٥ ـ ٥٣٦.

٢٥٩

وهذا المعنى حاصل في مسألتنا للمكلّف والدليل المعيّن للظن الأقوى حاصل ، فوجب عليه تحصيله احترازا عن الخطأ المحتمل في الظن الضعيف.

وعن الثاني. أنّ الدليل لمّا دلّ على عدم قبح قضاء القاضي بالاجتهاد لم يكن العمل به تقليدا ، بل لذلك الدليل.

وعن الثالث. نمنع الاكتفاء بسؤال الواسطة مع القدرة على سؤال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

احتجّ المخالف بوجوه (١) :

الأوّل : قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٢). والعالم قبل اجتهاده لا يعلم ، فجاز له السؤال.

الثاني : قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(٣). والعلماء من أولي الأمر لنفوذ أمرهم على الأمراء والولاة.

الثالث : قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ)(٤). أوجب الحذر عند إنذار الفقيه مطلقا ، فيتناول العالم كالعامي.

الرابع : إجماع الصحابة عليه ، فإنّ عبد الرحمن بن عوف قال لعثمان :

__________________

(١) ذكرها مع الأجوبة عنها الرازي في المحصول : ٢ / ٥٣٦ ـ ٥٣٨.

(٢) النحل : ٤٣.

(٣) النساء : ٥٩.

(٤) التوبة : ١٢٢.

٢٦٠