تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٤٩

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

[استحداث القضاة الأربعة بالديار المصرية]

وفيها جدّد بالدّيار المصريّة القضاة الأربعة (١) ، من كلّ مذهب قاض ، وسبب ذلك توقّف القاضي تاج الدّين ابن بنت الأعزّ عن تنفيذ كثير من الأحكام ، وكثر توقّفه ، فكثرت الشّكاوى منه ، وتعطّلت الأمور. فوقع الكلام في ذي الحجّة بين يدي السّلطان ، وكان الأمير جمال الدّين ايدغديّ العزيزيّ يكره القاضي تاج الدّين ، فقال له : نترك لك مذهب الشّافعيّ ، ويولّى معك من كلّ مذهب قاض. فمال السّلطان إلى هذا. وكان لأيدغديّ العزيزيّ محلّ عظيم عند السّلطان ، فولي قضاء الحنفيّة الصّدر سليمان ، وقضاء المالكيّة شرف الدّين عمر السّبكيّ ، وقضاء الحنبليّة شمس الدّين محمد بن العماد. واستنابوا النّواب. وأبقى على الشّافعيّ النّظر في أموال الأيتام ، وأمور بيت المال. ثمّ فعل ذلك بدمشق (٢).

[خروف على صورة فيل]

وفيها أحضر بين يدي السّلطان خروف ولد على صورة الفيل ، له خرطوم وأنياب (٣).

[الاهتمام بعمارة مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم]

وفيها وقع الاهتمام بعمارة مسجد الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوجّه إليه الصّنّاع

__________________

(١) انظر خبر استحداث القضاة في : ذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٢٣ ، ونهاية الأرب ٣٠ / ١١٧ ، والعبر ٥ / ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، ودول الإسلام ٢ / ١٦٨ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٢١٧ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٤٥ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٥٣٩ ، وعقد الجمان (١) ٤٠٧ ، ٤٠٨ ، والنجوم الزاهرة ٧ / ١٢١ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ٤١٢ ، وبدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٣٢١ ، ومرآة الجنان ٤ / ١٦١ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٢٢ و ٣٣٤ ، وشذرات الذهب ٥ / ٣١٢ ، وتاريخ الخلفاء ٤٨٠ وبدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٣٢١ (سنة ٦٦١ ه‍).

(٢) وقال أبو شامة إنه وصل إلى دمشق ثلاثة تقاليد للقضاة شمس الدين محمد بن عطاء الحنفي ، والزين عبد السلام بن الزواوي المالكي ، وشمس الدين عبد الرحمن بن الشيخ أبي عمر الحنبلي ، وجعل كل واحد منهم قاضي القضاة من المذاهب الأربعة ولكل منهم نائب ، وهذا شيء ما أظنّه جرى في زمان سابق ، فلما وصلت العهود الثلاثة لم يقبل المالكي فوافق الحنبلي واعتذر بالعجز ، وقبل الحنفي فإنه كان نائبا للشافعية ، فاستمر على الحكم .. (ذيل الروضتين ٢٣٥ ، ٢٣٦).

(٣) خبر الخروف في : نهاية الأرب ٣٠ / ١١٥ وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٢٢.

٢١

والأخشاب والآلات والمال ، فبقيت الصّنّاع فيه أربع سنين (١).

[إقامة الخليفة ببرج القلعة]

وفي رمضان حجب الملك الظّاهر الخليفة ، وجعله في برج بقلعة مصر ، لكون أصحابه كانوا يخرجون إلى البلد ، ويتكلّمون في أمر الدّولة (٢).

[مصادرة أمير الموصل]

وفيها ولي أمور الموصل رضيّ الدّين الباني ، فعذّب الّذي كان قبله زكيّ الدّين الإربليّ وصادره.

[هرب الجاثليق إلى هولاكو]

وفيها قبض ببغداد مرمكيخا (٣) الجاثليق على نصرانيّ قد أسلم وسجنه بداره الّتي كانت للدّويدار الكبير ، وعزم على تغريقه. فهاجت العامّة ، وحاصروا البيت ، وأحرقوا باب داره ، وقتلوا أصحابه. ثمّ ركب الشّحنة ، وقتل طائفة ، وسكنت الفتنة. وذهب الكلب إلى هولاكو ، وبنى بيعة بقلعة أرسن (٤).

[وصول فيلين إلى بغداد]

ووصل شخص إلى بغداد بفيلين ، ثمّ سار ليقدّما للملك (٥).

__________________

(١) خبر عمارة مسجد الرسول في : نهاية الأرب ٣٠ / ١١٥ ، ١١٦ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٥٠٢ ، والعبر ٥ / ٢٧٣ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٢١٨ ، ومرآة الجنان ٤ / ١٦١ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٢٣ ، وذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٢٥ ، وشذرات الذهب ٥ / ٣١٢.

(٢) خبر حجب الخليفة في : العبر ٥ / ٢٧٣ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٢١٧ ، ٢١٨ ، ومرآة الجنان ٤ / ١٦٢ ، وتاريخ الخلفاء ٤٨٠.

(٣) هكذا في الأصل ، بالكاف. وفي الحوادث الجامعة : «مرمليخا» باللام.

(٤) الخبر في الحوادث الجامعة ١٧٠ وليس فيه اسم القلعة.

(٥) خبر الفيلين في : الحوادث الجامعة ١٧١ في حوادث سنة ٦٦٤ ه‍.

٢٢

سنة أربع وستين وستمائة

فيها ظهر للنّاس موت الطّاغية هولاكو.

[تسمير مقدّمين من عربان الشرقية]

وفيها سمّر على الجمال أحد وعشرون نفسا من مقدّمي العربان بالشّرقيّة من ديار مصر ، وسيّروا مسمّرين إلى بلادهم فماتوا.

[زيارة السلطان الخليل والقدس]

وفي أوّل شعبان برز السّلطان من مصر لقصد صفد ، فنزل عين جالوت بعد أن زار الخليل عليه‌السلام ، وجلس على سماطه وأكل العدس حتّى شبع ، وفرّق مالا جليلا في أهل بلد الخليل وفي الفقراء. وتوجّه إلى القدس الشّريف ، وبلغه أنّ العادة جارية بأن يؤخذ من اليهود والنّصارى حقوق على زيارة مغارة الخليل عليه‌السلام ، فأنكر ذلك ، وكتب به توقيعا قاطعا ، واستمرّ منعهم وإلى الآن ، فأحمد لله (١).

[غارات قلاوون وآيدغدي على الإفرنج]

وجهّز الأمير سيف الدّين قلاوون الألفيّ ، والأمير جمال الدّين أيدغديّ العزيزيّ للإغارة على بلاد السّاحل ، فأغاروا على بلاد عكّا ، وصور ، وطرابلس ، وحصن الأكراد ، فغنموا وسبوا ما لا ينحصر (٢).

__________________

(١) خبر الزيارة في : السلوك ج ١ ق ٢ / ٥٤٤.

(٢) انظر خبر الغارات في : الروض الزاهر ٢٥١ ، ٢٥٢ ، وذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٣٧ ، والمختصر

٢٣

[فتح صفد]

ثمّ نزل السّلطان على صفد (١) في ثامن رمضان ونصبت المجانيق وآلات الحصار ووقع الجدّ والحصار والقتال ، ونصبت السّلام على القلعة وسلّطت النّصوب على الأساس واشتدّ المراس ، وصبر الفريقان على الباس. والسّلطان مباشر ذلك بنفسه ، فذلّ أهل الحصن ، وطلبوا الأمان والإيمان ، فأجلس السّلطان في دست المملكة الأمير سيف الدّين كرمون ، وكان يشبه الملك الظّاهر ، فنزلت رسلهم فاستحلفوه ، فحلف لهم وهم لا يشكّون أنّه السّلطان. وكان في قلب الملك الظّاهر منهم لما فعلوه بالمسلمين.

فلمّا كان في يوم الجمعة ثامن عشر شوّال طلعت أعلام السّلطان على صفد ، وأنزل من بها من الدّيويّة وغيرهم. وكان قد وقع الشّرط على أنّهم لا يأخذون شيئا من أموالهم ، فاطّلع عليهم أنّهم أخذوا شيئا كثيرا ، فأمر السّلطان

__________________

= في أخبار البشر ٤ / ٣ ، والتحفة الملوكية ٥٦ ، ودول الإسلام ٢ / ١٦٩ ، والعبر ٥ / ٢٧٥ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٢١٨ ، ومرآة الجنان ٤ / ١٦٢ ، والدرّة الزكية ١١٦ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٢٥ ، وتاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٨٦ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٥٤٥ ، وعقد الجمان (١) ٤٢١ ، والنجوم الزاهرة ٧ / ١٣٨ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ٤١٢ ، ٤١٣ ، وشذرات الذهب ٥ / ٣١٤ ، وتاريخ الأزمنة ٢٤٩ ، وتاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ (تأليفنا) ج ١ / ٥٥٥ ، ٥٥٦.

(١) انظر عن (فتح صفد) في : الروض الزاهر ٢٥٤ ـ ٢٦٣ ، وحسن المناقب السريّة المنتزعة من السيرة الظاهرية لشافع بن علي بن عباس (توفي ٧٣٠ ه‍) ، والتحفة الملوكية ٥٧ ، ونزهة المالك والملوك ، ورقة ١٠٤ ، وتاريخ الدولة التركية ، لمجهول ، ورقة ١٠ ب ، والمختصر في أخبار البشر ٤ / ٣ ، ونهاية الأرب ٣٠ / ١٣٠ ، والدرّة التركية ١١٧ ، ١١٨ ، وذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٢٧ ـ ٣٣٧ ، ودول الإسلام ٢ / ١٦٩ ، والعبر ٥ / ٢٧٥ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٢١٨ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، ومرآة الجنان ٤ / ١٦٢ ، وتاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٨٦ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٥٤٥ ـ ٥٤٨ ، وعقد الجمان (١) ٤٢١ ، ٤٢٣ ، والنجوم الزاهرة ٧ / ١٣٨ ، ١٣٩ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ٤١٣ ، وتاريخ الأزمنة ٢٤٩ ، وشذرات الذهب ٥ / ٣١٤ ، وبدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٣٢٥ ، وتاريخ الحروب الصليبية لرنسيمان ٣ / ٥٥٠ ، والظاهر بيبرس للدكتور سعيد عاشور ٦٥ ، ومملكة صفد في عهد المماليك لطه ثلجي الطراونة ٤٨ ـ ٥١ ، والإعلام والتبيين ٦٢.

٢٤

بضرب أعناقهم على تلّ هناك ، وكانوا نحو مائتين أقيالا أبطالا فيهم أولاد ملوك (١).

ثمّ حصّنها وعمّرها وشحنها بالرّجال والأسلحة والعساكر ، واستناب عليها علاء الدّين الكبكيّ.

قال سعد الدّين في «تاريخه» : الّذي قيل إنّه قتل من العسكر نحو ألف نفس عليها ، ومن الغزاة والرّعيّة كثير ، والجرحى قليلة ، وقاسوا عليها شدّة.

وحكى العلم سنجر الحمويّ أنّه قتل على صفد قريب ثمانمائة فارس ممّن نعرف ، منهم أمراء وخاصّكيّة.

[الغارة على سيس]

ووصلت رسل صاحب سيس فلم يلتفت عليهم السّلطان ، وجهّز لها عسكرا فأغاروا وسبوا ، وأسروا خلقا ، منهم ابن صاحب سيس وابن أخته. وكان مقدّم العسكر صاحب حماة ، وشمس الدّين الفارقانيّ (٢).

[انتقام السلطان من أهل قاره]

وخرج السّلطان لتلقّيهم ، فمرّ بقاره (٣) ، في ذي الحجّة فأمر بنهبها واستباحتها ، وأسر منها أكثر من ألف نفس ، ووسّط الرّهبان وصيّرت كنيستها

__________________

(١) التحفة الملوكية ٥٧.

(٢) انظر خبر سيس في : تاريخ مختصر الدول ٢٨٥ ، وتاريخ الزمان ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، والروض الزاهر ٢٦٩ ـ ٢٧٢ ، والمختصر في أخبار البشر ٤ / ٣ ، ٤ ، والتحفة الملوكية ٥٨ ، ونزهة المالك والمملوك ، ورقة ٦٣ ب ، والدرّة الزكية ١١٨ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٢١٨ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٤٧ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٣٧ ـ ٣٣٩ ، وتاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٨٦ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٥٥١ ، ٥٥٢ ، وعقد الجمان (١) ٤٢٢ ، ٤٢٤ ، والنجوم الزاهرة ٧ / ١٤٠ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ٤١٤ ، وبدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٣٢٥ ، وتاريخ الأزمنة ٢٤٩ ، وتاريخ الدولة التركية ، لمجهول ، ورقة ١٠ ب. وفي الحوادث الجامعة ١٧١ أن الظاهر بيبرس سار بنفسه إلى بلاد الأرمن.

(٣) يقال : قاره ، وقارا. انظر عنها في (معجم البلدان ٤ / ٢٩٥).

٢٥

جا معا ، وأنزلها التّركمان وغيرهم ومن أسلم منهم ، وذلك لأنّهم كانوا يسرقون المسلمين ويبيعونهم ببلاد الفرنج بالسّاحل.

ثمّ رجع السّلطان والأسرى والغنائم الّتي من سيس وقاره بين يديه (١).

وسار إلى الكرك في أوّل سنة خمس (٢).

[محاولة اغتيال الأمير الحلّي نائب السلطان]

وكان قد استناب على الدّيار المصريّة الأمير عزّ الدّين الحلّي ، فجلس في ذي الحجّة بدار العدل ، فجاء إنسان ومعه قصّة ، وتقدم بها إلى الحلّي ، ثمّ وثب بسكّين معه فجرحه ، فقام إليه وإلى القاهرة الصّارم المسعوديّ ليدفعه عنه ، فضربه بتلك السّكّين فقتله. وقام الحلّي جرى والوزير وقاضي القضاة تاج الدّين (٣) ، وقتلت الجنداريّة ذلك الرّجل ، ولم يتحقّق له خبر.

[عمل جسر على نهر الشريعة]

وفيها أمر السّلطان بعمل جسر على الشّريعة بقرب دامية ، فلمّا تكامل بنيانه اضطرب بعض أركانه ثمّ أصلح (٤).

__________________

(١) انظر خبر قاره في : ذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٤٤ ، والتحفة الملوكية ٥٨ ، والمختصر في أخبار البشر ٤ / ٤ ، ودول الإسلام ٢ / ١٦٩ ، والعبر ٥ / ٢٧٥ ، ٢٧٦ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٢١٨ ، ومرآة الجنان ٤ / ١٦٢ وفيه «داره» وهو وهم ، والدرّة الزكية ١١٩ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٣٨ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٥٥٣ ، وعقد الجمان (١) ٤٢٤ ، ٤٢٥ ، والنجوم الزاهرة ٧ / ١٤٠ ، وتاريخ ابن سباط ٩ / ٤١٤ ، ٤١٥ ، وتاريخ الأزمنة ٢٤٩ ، وشذرات الذهب ٥ / ٣١٤.

(٢) التحفة الملوكية ٥٩.

(٣) العبارة غامضة ، وفي نهاية الأرب ٣٠ / ١٢٩ ، والخبر في : الروض الزاهر ٢٤٩.

(٤) انظر عن (جسر الشريعة) في : الروض الزاهر ٢٤٦ ، ونهاية الأرب ٣٠ / ١٢٧ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٤٧ ، وذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٤٦ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٤٠ ، وعقد الجمان (١) ٤٢٧ ، ٤٢٨ ،

٢٦

[إخراج سبيل إلى مكة]

وفيها أخرج السّلطان من مصر سبيلا إلى مكّة (١).

[إقامة البرواناه عند الملك أبغا]

وفيها توجّه صاحب الرّوم ركن الدين كيقباذ والبرواناه بهديّة وتحف ، وهنّوا أبغا بالملك ، ثمّ عاد ركن الدّين وتخلّف معين الدّين البرواناه ، فتكلّم مع أبغا وقال : هؤلاء بنو سلجوق أصحاب الرّوم ما يؤمنوا ، وربّما لركن الدّين باطن مع صاحب مصر. فقال أبغا : قد ولّيتك نيابة الرّوم ، فإن تحقّقت أحدا يخالف طاعتي فأقتله.

ثمّ إنّ البرواناه افتتح قلعة لأبغا ، فعظم بذلك عنده ، وتخوّف منه ركن الدّين كيقباذ (٢).

[فتح يافا]

وفيها افتتح السّلطان يافا (٣).

__________________

(١) الروض الزاهر ٢٤٧.

(٢) خبر البرواناه في : عيون التواريخ ٢٠ / ٣٣٩ ، ٣٤٠.

(٣) سيأتي أن فتح يافا في سنة ٦٦٦ ه‍. وجاء في تاريخ الدولة التركية لمؤرّخ مجهول ، ورقة ١٠ ب فتحت في سنة ٦٦٥ ه‍. وكذا في : الإعلام والتبيين ٦٢.

٢٧

سنة خمس وستّين وستمائة

[كسر فخذ السلطان]

في أوّلها توجّه السّلطان جريدة إلى الكرك ، وتصيّد بنواحي زيزى ، فتقنطر به الفرس فانكسرت فخذه ، فأقام يداويها حتّى تصلح بعض الشيء. وسار في محفّة إلى غزّة. وحصل له عرج منها (١).

[سفر صاحب حماة إلى مصر]

وفيها سافر صاحب حماة الملك المنصور إلى مصر ، فاحتفل به السّلطان وأكرمه (٢).

[سفر صاحب حماة إلى الإسكندرية]

ثمّ سافر إلى الإسكندريّة متفرّجا (٣) ، فرسم السّلطان لمتولّيها أن يحمل إليه كلّ يوم مائة دينار برسم النّفقة ، وأن ينسج له في دار الطّراز ما يقترحه (٤).

__________________

(١) خبر وقوع السلطان في : التحفة الملوكية ٥٩ (في حوادث سنة ٦٦٤ ه‍.) ، والمقتفي للبرزالي (مخطوطة توبكابي باسطنبول) ج ١ / ورقة ٢ ب ، ونهاية الأرب ٣٠ / ١٣٣ ، والدرّة الزكية ١٢١ ، والعبر ٥ / ٢٧٩ ، وذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٦٠ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٥٥٥.

(٢) خبر صاحب حماة في : الروض الزاهر ٢٧٤ ، والتحفة الملوكية ٦٠ ، والمقتفي للبرزالي ١ / ورقة ٣ ب ، ونهاية الأرب ٣٠ / ١٣٤ ، والمختصر في أخبار البشر ٤ / ٤ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٥٥٦.

(٣) التحفة الملوكية ٦٠.

(٤) الخبر في : الروض الزاهر ٢٧٤ ، والمقتفي للبرزالي ١ / ورقة ٣ ب ، ونهاية الأرب ٣٠ / ١٣٤ ، والمختصر في أخبار البشر ٤ / ٤ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٢١٨ ، ٢١٩ ، والسلوك ج ١

٢٨

[عمارة الجامع بالحسينيّة]

وفيها أمر السّلطان بعمل الجامع بالحسينيّة ، وتمّت عمارته في شوّال سنة سبع وستّين ، وجاء في غاية الحسن.

وبني في ميدان قراقوش ، وأحكر ما بقي من الميدان ، وقرّر لمصالح الجامع. ورتّب به خطيب حنفيّ (١).

[سفر السلطان إلى الشام]

وفي جمادى الآخرة توجّه السّلطان إلى الشّام وصحبته صاحب حماة ، فنزل على صفد ، واهتمّ بعمارتها وتحسينها وتحصينها ، ثمّ قدم دمشق. ثمّ سار إلى الكرك (٢).

[ولاية قضاة وناظر أحباس بمصر]

وفي شعبان ولي قضاء القضاة بالقاهرة والوجه الشّرقيّ الإمام تقيّ الدّين ابن رزين الحمويّ ، وولي قضاء مصر والوجه القبليّ محيي الدّين عبد الله بن القاضي شرف الدّين ابن عين الدّولة. وولي نظر الأحباس الشّيخ تاج الدّين عليّ بن القسطلانيّ (٣).

__________________

= ق ٢ / ٥٥٦ ، وعقد الجمان (٢) ٧.

(١) انظر خبر الجامع في : التحفة الملوكية ٥٩ (في حوادث سنة ٦٦٤ ه‍) ، والمقتفي للبرزالي ١ / ورقة ٤ أ ، ونهاية الأرب ٣٠ / ١٣٣ ، ١٣٤ ، والدرّة الزكية ١٢٣ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٤٩ ، وعيون التواريخ ٣٤٨ ، وذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٦١ ، وعقد الجمان (١) ٤٠٧ (سنة ٦٦٣ ه‍) ، وتاريخ الخلفاء ٤٨٠ ، وبدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٣٣١ (سنة ٦٦٨ ه‍).

(٢) انظر عن (سفر السلطان) في : الروض الزاهر ٢٧٢ و ٢٨٠ ، والمختصر في أخبار البشر ٤ / ٤ ، والتحفة الملوكية ٦٠ ، والمقتفي للبرزالي ١ / ورقة ٤ أ ، ونهاية الأرب ٣٠ / ١٣٣ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٢١٩ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٤٨ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ٤١٥ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٤٨ ، ٣٤٩.

(٣) انظر عن (القضاة) في : ذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٦٢ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٤٩ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٥٦٢.

٢٩

[ولايات تدريس ونظر بالمدارس]

وولي تدريس الشّافعيّة بالصّالحيّة صدر الدّين ابن القاضي تاج الدّين ، وفوّض نظر الخانقاه السّعيديّة إلى قاضي الحنابلة ، وولي نظر مدرسة الشّافعيّ بهاء الدّين عليّ بن عيسى بن رمضان نيابة عن الصّاحب فخر الدّين ابن خير. وهذه المناصب كلّها كانت بيد القاضي تاج الدّين (١).

[سفر الأمير الحلّي إلى الحجّ]

وفيها توجّه الأمير عزّ الدّين الحلّي إلى الحجّ ، وناب في السّلطنة بدر الدّين بيليك الظّاهر بن الخزندار (٢).

[تسمير ابن صاحب ميّافارقين وغيره]

ودخل السّلطان مصر في ذي الحجّة ، فأمر بتسمير جماعة ، منهم الملك الأشرف ابن صاحب ميّافارقين شهاب الدّين غازي ، والأمير أقوش (٣) القفجاقيّ الصّالحيّ الّذي ادّعى النّبوّة من نحو ثلاثة أشهر.

ومنهم النّاصح ضامن بلاد واحات ، وكان بإرخميم (٤) ، فأنهي إلى السّلطان ما هو فيه من الأمر المطاع ، وأنه يخاف من خروجه بأرضه ، وأنهي إليه أنّه اتّفق مع رجل نصرانيّ ومع الملك الأشرف وهم بخزانة البنود محبوسين ، على أن ينقبوا خزانة البنود ويخرجوا إلى واحات ، فيسلطن فيها الملك الأشرف ابن غازي ، ويكون النّاصح وزيره ، والنّصرانيّ كاتبه ، فسمّروا (٥).

__________________

(١) انظر عن (ولايات التدريس) في : ذيل مرآة الزمان ٢٠ / ٣٤٠.

(٢) انظر عن (الحلّي) في : ذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٦٢ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٤٩.

(٣) وقع في المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٦٧ «أموش» وهو خطأ.

(٤) وقع في المختار من تاريخ ابن الجزري : «الناصح ضياء من بلاد راحات وكان يحميهم».

(٥) انظر خبر التسمير في : نهاية الأرب ٣٠ / ١٤٧ ، ١٤٨ ، والمختار من تاريخ ابن الجزري ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، وذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٦٣ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٤٩ ، ٣٥٠.

٣٠

[ظهور الماء ببيت المقدس]

وفيها ورد كتاب قاضي القدس إلى السّلطان يخبر بظهور الماء ببيت المقدس.

وسبب ذلك أنّ الماء انتزح من بئر السّقاية وبقي الوحل ، وعظمت مشقّة النّاس لأجل الوضوء ، وأنّ القاضي حضر بنفسه إلى البئر ، ثمّ نزل فأخبر أنّه شاهد قناة مسدودة بالرّدم من عهد بخت نصّر الّذي هدم بيت المقدس.

قال : فدخلت الصّخرة وأنا مهموم بسبب إعواز الماء ، فاجتمعت بالأمير علاء الدّين الرّكنيّ الأعمى ، فجرى الحديث ، واتّفق الرّأي على إحضار بنّائين من غزّة ، وكشف القناة السّليمانيّة (١) ، فحضروا فكشفوا الرّدم أوّلا فأوّلا إلى أن وصلوا إلى الجبل الّذي تحت الصّخرة المباركة ، فوجدوا بابا مقنطرا ، ففتحوا ردمه وإذا هم بالماء ، ففار على جماعة بقوّة كاد أن يغرّقهم ، فهربوا وصعدوا في الجبال ، وذلك في ذي الحجّة من السّنة (٢).

نقل هذا الكتاب محيي الدّين ابن عبد الظّاهر في «سيرة الملك الظّاهر» (٣) ، ثمّ قال : وجدت في كتاب «دير يامين» (٤) من تواريخ النّصارى أنّ ملك الموصل لمّا قصد أوراشلم ـ يعني بيت المقدس ـ في جيوشه اتّفق حزقيال هو وجماعته على دفن المياه الّتي ببيت المقدس ، فدفنوا جميع الينابيع الّتي بها ، وعفّوا أثرها لئلّا يتقوّى عليهم ملك الموصل سنحاريب بتلك المياه (٥).

__________________

(١) منسوبة إلى النبيّ سليمان عليه‌السلام.

(٢) نهاية الأرب ٣٠ / ١٤٩ ، ١٥٠ ، الروض الزاهر ٢٨٨ (في حوادث سنة ٦٦٦ ه‍) ، المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٦٧.

(٣) الروض الزاهر ٢٨٨.

(٤) في المطبوع من الروض : «يامين».

(٥) المختار من تاريخ ابن الجزري ٢٦٧ ، وفي الروض الزاهر ٢٨٩ «سحاريب».

٣١

قال ابن عبد الظّاهر : وقرأت في نبوّة زكريّا أنّه يخرج ماء عذب فيه حياة من أوراشلم ، نصفه إلى البحر الشّرقيّ ، ونصفه إلى البحر الغربيّ ، ويكون ذلك عند اعتدال الصّيف والشّتاء.

قال : فوقت ظهور الماء نزلت الشّمس برج الميزان ، وهو برج الاعتدال ، في يوم نزولها بعينه.

ثمّ وصل كتاب الأمير علاء الدّين الرّكنيّ يذكر أنّه دخل الصّنّاع فوجدوا سدّا معمولا بالشّيد والحجر ، فنقب فيه الحجّارون مدّة واحد وعشرين (١) يوما ، فوجدوا سقفا بالشّيد والكتّان مقلفطا ، فنقب فيه طول مائة وعشرين ذراعا ، فخرج الماء ، فلمّا قوي خروجه بحيث أنّه ملأ القناة تركوه (٢).

[انتصار أباقا على براق]

وفيها عبر جيحون براق ابن جغتاي بن القان قبلاي ، فسار لحربه أباقا ، فكان المصافّ بناحية هراة ، فانتصر أباقا ، وغنم جنده أشياء كثيرة ، وغرق خلق من جند براق (٣).

[عمارة صاحب الديوان ببغداد]

وفيها أنشأ صاحب الدّيوان ببغداد قصرا كبيرا ، وبستانا عظيما زرع فيه حتّى الفستق. وأنشأ رباطا (٤). وجهّز وفدا من بغداد غرم عليه أموالا ، فحجّوا وسلموا (٥).

__________________

(١) في الأصل : «وعشرون». وفي الروض الزاهر ٢٨٩ «مقدار عشرين يوما».

(٢) نهاية الأرب ٣٠ / ١٥٠ ، الروض الزاهر ٢٨٩ (سنة ٦٦٦ ه‍).

(٣) خبر أباقا وبراق في : الحوادث الجامعة ١٧٢.

(٤) الخبر حتى هنا في الحوادث الجامعة ١٧٢.

(٥) ورد هذا الخبر في الحوادث الجامعة ١٧٢ ، ١٧٣ في حوادث سنة ٦٦٦ ه‍.

٣٢

[قتل ابن الخشكريّ الشاعر]

وأمر بقتل ابن الخشكريّ الشّاعر لكونه فضّل شعره على القرآن. وقد كان مدح الصّاحب بقصيدة فأنشده ، فأذّن المؤذّن ، فأنصت الصّلاح ، فقال ابن الخشكريّ : يا مولانا اسمع الجديد ودع العتيق. فقتله في سنة ستّ وستين (١).

__________________

(١) الحوادث الجامعة ١٧٣ (حوادث سنة ٦٦٦ ه‍) ، البداية والنهاية ١٣ / ٢٥٣ (سنة ٦٦٦ ه‍).

٣٣

سنة ستّ وستّين وستّمائة

[ضرب ابن الفقّاعي حتى الموت]

في صفر عقد مجلس بين يدي السّلطان للضّياء بن الفقّاعيّ ، وجرى فيه ما اقتضى ضربه والحوطة عليه ، وأخذ خطّه بجملة عظيمة. ثمّ لم يزل يضرب إلى أن مات.

قال قطب الدّين (١) : أحصيت السّياط الّتي ضربها فكانت سبعة عشر ألفا ونيّف (٢).

[هديّة صاحب اليمن إلى السلطان]

وفيها وصل رسول صاحب اليمن الملك المظفّر شمس الدّين يوسف بن عمر بتقادم ، فيها : فيل ، وحمار وحش ، وخيول ، ومسك ، وعنبر ، وصينيّ ، وأشياء ، وطلب معاضدة السّلطان له وأنّه يخطب له في بلاده ، فبعث إليه الأمير فخر الدين أياز المقرئ ومعه خلعة وسنجق وتقليد بالسّلطنة (٣).

__________________

(١) في ذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٧٤.

(٢) وانظر خبر ضرب ابن الفقاعي في : المقتفي للبرزالي ١ / ورقة ٨ أ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٥٣ ، وذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٧٤ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٥٩ ، وعقد الجمان (٢) ٣٣.

(٣) انظر خبر الهدية في : الروض الزاهر ٢٩٠ ، والمقتفي للبرزالي ١ / ورقة ٩ أ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٥٣ ، وذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٧٤ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٥٩ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٥٦٣ ، ٥٦٤.

٣٤

[فتح يافا]

وفي جمادى الآخرة خرج السّلطان إلى الشّام واستناب بيليك الخزندار. فأتته رسل صاحب يافا فاعتقلهم ، وأمر العسكر بلبس السّلاح ليلا ، وسار فصبّح يافا ، فهربوا إلى القلعة ، وملك المدينة بلا كلفة ، وطلب أهل القلعة الأمان ، فأمّنهم وعوّضهم عمّا نهب لهم أربعين ألف درهم ، وركبوا في البحر إلى عكّا. ثمّ هدمت يافا وقلعتها (١).

[حصار الشقيف]

ثمّ سار طالبا الشّقيف فنازلها ، وظفر بكتاب من عكّا إلى الشّقيف استفاد منه أشياء كتبها إليهم كانت سبب الخلف بينهم. واشتدّ الحصار والزّحف والمجانيق ، فطلبوا الأمان ، فتسلّم السّلطان الحصن ، وكان فيه نحو خمسمائة رجل. فساروا إلى صور. وكان الحصار عشرة أيّام (٢).

[غارة السلطان على طرابلس]

ثمّ سار السّلطان جريدة فأغار على طرابلس (٣) ، وخرّب قراها ، وقطّع

__________________

(١) انظر عن (فتح يافا) في : الروض الزاهر ٢٩٢ ، ٢٩٣ ، والتحفة الملوكية ٦١ ، ٦٢ ، والمقتفي للبرزالي ١ / ورقة ٩ أوب ، ونزهة المالك والمملوك ، ورقة ٦٣ أ ، وتاريخ الدولة التركية ، لمؤرّخ مجهول ، ورقة ١٠ ب (سنة ٦٦٥ ه‍) ، والإعلام والتبيين ٦٢ ، والدرّة الزكية ١٢٤ ، ١٢٥ ، والمختصر في أخبار البشر ٤ / ٤ ، والعبر ٥ / ٢٨٣ ، ودول الإسلام ٢ / ١٧٠ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٢١٩ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٥١ ، وذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٧٤ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، وعقد الجمان (٢) ١٩ ، ٢٠ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ٤١٦.

(٢) انظر خبر الشقيف في : الروض الزاهر ٢٩٥ ـ ٢٩٧ ، والتحفة الملوكية ٦٢ ، والمقتفي للبرزالي ١ / ورقة ٩ ب ، ونزهة المالك والمملوك ، ورقة ٦٣ أ ، وتاريخ الدولة التركية ، ورقة ١٠ ب. (سنة ٦٦٥ ه‍) ، والإعلام والتبيين ٦٢ ، ٦٣ ، والدرّة الزكية ١٢٥ ، ١٢٦ ، والعبر ٥ / ٢٨٣ ، ودول الإسلام ٢ / ١٧٠ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٥١ ، وذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٧٤ ، ٣٧٥ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٦٠ ، وعقد الجمان (٢) ٢٠ ، ٢١ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ٤١٦ ـ ٤٢٣.

(٣) انظر خبر الغارة على طرابلس في : الروض الزاهر ٢٩٩ ـ ٣٠٥ ، وذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٨٢ ،

٣٥

أشجارها ، وغوّر أنهارها ، ورحل ، فنزل على حصن الأكراد بالمرج الّذي تحت الحصن ، فنزل إليه رسول بإقامة وضيافة ، فردّها وطلب منهم دية رجل من أجناده قتلوه مائة ألف دينار ، ثمّ رحل إلى حمص وحماة ، ثمّ إلى فامية (١).

[فتح أنطاكية]

ثمّ رحل ليلا ، وأمر العسكر بلبس العدّة فنزل على أنطاكية في أوّل رمضان ، فخرجوا إليه يطلبون الأمان ، وشرطوا أشياء لم يجبهم إليها ، وزحف عليها فافتتحها في رابع رمضان (٢) ، وصمّد غنائمها ، ثمّ قسّمها على الجيش بحسب مراتبهم ، وحصروا من قتل فيها من النّصارى ، فكانوا فوق الأربعين ألفا.

وأما ابن عبد الظّاهر فقال : ما رفع السّيف عن رجل بمدينة أنطاكية قطّ حتّى لو حلف الحالف ما سلم منها أحد لصدق.

ثمّ قال : وكان بها على ما يقال مائة ألف وثمانية آلاف من الذّكور ،

__________________

= والتحفة الملوكية ٦٢ ، والمقتفي للبرزالي ١ / ورقة ٩ ب ، والدرّة الزكية ١٢٦ ، والمختصر في أخبار البشر ٤ / ٤ ، ٥ ، ونهاية الأرب ٢٨ / ورقة ٩٣ ، ودول الإسلام ٢ / ١٧٠ ، والعبر ٥ / ٢٨٣ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٥١ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٦٠ ، وتاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٨٧ ، وصبح الأعشى ٨ / ٢٩٩ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٥٦٦ ، وعقد الجمان (٢) ٢١ ، والنجوم الزاهرة ٧ / ١٤٢ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ٤٢٤ ، وتاريخ الأزمنة ٢٥١ ، وتاريخ الطائفة المارونية ١ / ١١٢ ، وشذرات الذهب ٥ / ٣٢٢ ، وتاريخ طرابلس (تأليفنا) ١ / ٥٥٦ ، ٥٥٧ ، والإعلام والتبيين ٦٣.

(١) يقال : فامية ، كما هنا ، وأفامية ، كما في المقتفي للبرزالي ١ / ورقة ٩ ب.

(٢) انظر عن (فتح أنطاكية) في : الروض الزاهر ٣٠٧ ، والتحفة الملوكية ٦٢ ـ ٦٤ ، والمقتفي للبرزالي ١ / ورقة ١٠ أ ، وتاريخ الدولة التركية ، ورقة ١٠ ب (سنة ٦٦٥ ه‍) ، والإعلام والتبيين ٦٣ ، والدرّة الزكية ١٢٦ ، ١٢٧ ، والحوادث الجامعة ١٧١ (حوادث ٦٦٤ ه‍) ، والمختصر في أخبار البشر ٤ / ٤ ، ٥ ، والعبر ٥ / ٢٨٣ ، ومرآة الجنان ٤ / ١٦٥ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٥١ ، ٢٥٢ ، وذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٨٣ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٦٠ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٥٦٧ ، ٥٦٨ ، وعقد الجمان (٢) ٢١ ـ ٢٩ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ٤٢٤ ، ٤٢٥.

٣٦

وذلك حسبما عدّه نائب التّتار الّذي ورد إليها شحنة ، واستخرج على الرّأس دينارا. هذا سوى من دخل إليها عند هجوم العساكر من الفلّاحين.

وأمّا قلعتها فلجئوا إليها وتحاشروا بها ، فكانوا ثمانية آلاف رجل (١) ، غير الحريم والأولاد ، فمات بها عالم كثير في زحمة الباب.

وأمّا الوزير والوالي وغيرهما فلمّا شاهدوا الحال هربوا في اللّيل في الجبال رجّالة ، فأصبح النّاس فطلبوا الأمان من القتل وأن يؤسروا. ثمّ خرجوا في أحسن زيّ وزينة كأنّهم الزّهر ، وصاحوا بين يدي السّلطان وسجدوا ، وقالوا بصوت واحد : العفو ، ارحمنا يرحمك الله. فرقّ قلبه ورحمهم ، ورفع عنهم القتل.

قلت : هذه مجازفة متناقضة.

وكان بها طائفة من الأسرى فخلّصهم الله. وكانت أنطاكية للبرنس صاحب طرابلس ، وهي مدينة عظيمة ، مسافة سورها اثنا عشر ميلا ، وعدد أبراجها مائة وستّة وثلاثون برجا ، وشرفاتها أربع وعشرون ألفا ، وفي داخلها جبل وأشجار ووحوش ، وماء تجري ، وفواكه مختلفة. وكان لها في يد النّصارى أكثر من مائة وسبعين سنة أو نحوها.

[تسلّم بغراس]

ثمّ إنّه تسلّم بغراس بالأمان ، وكان قد هرب أكثر أهلها (٢).

__________________

(١) التحفة الملوكية ٦٣.

(٢) انظر عن (بغراس) في : الروض الزاهر ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، والتحفة الملوكية ٦٤ ، والمقتفي للبرزالي ١ / ورقة ١٠ أ ، والإعلام والتبيين ٦٣ ، والدرّة الزكية ١٢٧ و ١٣٨ ، والمختصر في أخبار البشر ٤ / ٥ ، والعبر ٥ / ٢٨٣ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٢١٩ ، وذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٨٤ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٦١ ، وعقد الجمان (٢) ٢٩.

٣٧

[تسلّم در كوش]

وتسلّم در كوش ، وصالح أهل القصير على مناصفته ومناصفة القلاع المجاورة له (١).

[دخول السلطان دمشق]

ودخل دمشق في السّابع والعشرين من رمضان ، وكان يوما مشهودا (٢).

[صعقة غوطة دمشق]

وفيها كانت الصّعقة الكبرى الكائنة على غوطة دمشق في ثالث نيسان أحرقت الشّجر والثّمر والزّرع والكرم ، وهلك للنّاس ما لا يوصف.

وكان السّلطان قد احتاط على الغوطة ، وأراد أن يتملّكها ، وتعترّ النّاس بالظّلم والمصادرة ، وضجّوا واستغاثوا بالله ، فلمّا شدّدوا على المسلمين وألزموهم بوزن ضمان بساتينهم حتّى تطرّقوا إلى الأوقاف ، أحرق الله الجميع. وجاء الفلّاحون والضّمان بالتّمر والورق والكرم ، وهو أسود محروق ، ورفعوا الأمر إلى نوّاب السّلطنة فلم يلتفتوا عليهم وأهانوهم ، وألزموا بضمان أملاكهم ، والله المستعان.

قال قطب الدّين (٣) : احتاط السّلطان على البساتين وعلى القرى ، وهو نازل على الشّقيف. وكان قد تحدّث في ذلك مع العلماء ، فقال له القاضي شمس الدّين ابن عطاء الحنفيّ : هذا لا يجوز لأحد أن يتحدّث فيه. وقام مغضبا. وتوقّف الحال ، وكما وقعت الحوطة على البساتين صعقت بحيث عدمت الثّمار بالكليّة ، وظنّ النّاس أنّه يرقّ لهم ، فلمّا أراد التّوجّه إلى مصر

__________________

(١) انظر عن (دركوش) في : المقتفي للبرزالي ١ / ورقة ١٠ أ ، والدرّة الزكية ١٢٧.

(٢) المقتفي للبرزالي ١ ورقة ١٠ أ ، الدرّة الزكية ١٢٧ ، ذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٨٤ ، عيون التواريخ ٢٠ / ٣٦١ ، عقد الجمان (٢) ٣٠.

(٣) في ذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٨٥ ، ٣٨٦.

٣٨

عقد بدار العدل مجلسا ، وأحضر العلماء ، وأخرج فتاوى الحنفيّة بأنّه يستحقّها بحكم أنّ عمر رضي‌الله‌عنه فتح دمشق عنوة ، ثمّ قال : من كان معه كتاب عتق أمضيناه ، وإلّا فنحن فتحنا البلاد بسيوفنا. ثمّ قرّر عليهم ألف ألف درهم عن الغوطة ، فسألوه أن يقسّطها عليهم ، فأبى ، وتمادى الحال إلى أن خرج متوجّها إلى مصر في ذي القعدة. فلمّا وصل إلى اللّجون عاوده الأتابك وفخر الدّين ابن خير وزير الصّحبة ، فاستقرّ الحال أن يعجّلوا منها أربعمائة ألف درهم ، ويعاد إليهم ما قبضه الدّيوان من المغلّ ، ويسقّط ما بقي كلّ سنة مائتي ألف درهم ، وكتب بذلك توقيع.

قلت : جاء على كلّ مدي بضعة عشر درهما ، وباع النّاس أملاكهم بالهوان ، وعجزوا ، فإنّ بعض الأمداء لا يغلّ في السّنة ستّة دراهم (١).

[أعجوبة دعاء الركابيّ]

أعجوبة اللهمّ أعلم بصحّتها قد خلّدها ابن عبد الظّاهر في «السّيرة الظّاهريّة» فقال : بعثت رسولا إلى عكّا في الصّلح ، فبالغوا في إكرامنا ونزلنا دارا على بابها أعلام وصلبان وجرص كبير كالكنائس ، فحرّكوا الأجراس ، ومعنا ركابيّ اسمه ريّان ، فنادى : يالله يالله كسّر هذه الأعلام واقطع هذه الأجراس ، وملّك السّلطان الملك الظّاهر عكّا ، فما استتمّ حديثه إلّا والجرص قد انقطع ، والأعلام قد وقعت ، وتكسّرت الرّماح.

[إطلاق سنقر الأشقر من الأسر]

قال قطب الدّين (٢) : وبعث صاحب سيس يستفكّ ولده من الأسر ، فطلب منه من جملة الفداء أن يسعى في خلاص الأمير شمس الدّين سنقر الأشقر

__________________

(١) وانظر خبر الصعقة باختصار في : العبر ٥ / ٢٨٣ ، ومرآة الجنان ٤ / ١٦٥ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٥٥ (سنة ٦٦٧ ه‍). وذيل مرآة الزمان ، ٣٨٥ ، ٣٨٦ ، وعيون التواريخ ٢٠ / ٣٦٢ ، ٣٦٣ وفيه شعر عن الصعقة ، و ٣٨٢.

(٢) في ذيل مرآة الزمان ٢ / ٣٨٤.

٣٩

من التّتار ، فبعث صاحب سيس إليهم متوسّلا بطاعته ، وبذل أموالا فلم يجيبوه. فلمّا استولى السّلطان على أنطاكية بعث إليه صاحب سيس يبذل القلاع الّتي كان أخذها من التّتار عند استيلائهم على حلب ، وهي دربساك (١) ، وبهسنا (٢) ، ورعبان (٣) ، فأبى عليه إلّا أن يحضر سنقر الأشقر ، فسار صاحب سيس إلى التّتار ، واستغاث بهم على الملك الظّاهر ، واستصحب معه أحد البحريّة علم الدّين سلطان ، فكان يجتمع بسنقر الأشقر سرّا وعليه زيّ الأرمن ، والأشقر يخاف أن يكون دسيسة عليه فلا يصغي إلى قوله فيقول : ما أعرف صاحب مصر ، ولا أخرج عن هؤلاء القوم. فلم يزل علم الدّين يذكر له أمارات وعلامات عرف منها صحّة قصده ، فأذعن للهرب. فلمّا خرج صاحب سيس لبس سنقر الأشقر زيّهم ، واختفى معهم ، فلمّا وصل به صاحب سيس من مصر ، فأحضر إليه وهو على أنطاكية ، ثمّ سيّره مع جماعة إلى سيس ، فوقفوا على النّهر به بالقرب من حدّ دربساك ، ووصل سنقر الأشقر مع جماعة من سيس ، فوقفوا على جانب النّهر ، ثمّ أطلق كلّ من الفريقين أسيرهم (٤) ، وتسلّم نوّاب السّلطان دربساك ورعبان ، وبقيت بهسنا (٥) ، سأل صاحب سيس من سنقر الأشقر أن يشفع له عند السّلطان في إبقائها له على سبيل الإقطاع ، فوعده بذلك ، ولمّا وصل الخبر خرج السّلطان من دمشق لتلقّيه ، فلمّا رآه ترجّل ،

__________________

(١) وقع في عيون التواريخ ٢٠ / ٣٦١ «دريساك» بالياء المثنّاة من تحتها ، وهو غلط. والمثبت هو الصواب. وهي بفتح الدال وسكون الراء المهملتين وفتح الباء الموحدة والسين المهملة ثم ألف وكاف. وهي ذات قلعة مرتفعة يمر فيها النهر الأسود وهي عن بغراس في الشمال بميلة إلى الشرق وبينهما نحو عشرة أميال. (تقويم البلدان ٣٦٠ و ٣٦١) (معجم البلدان).

(٢) بهسنا : قلعة حصينة بقرب مرعش وسميساط.

(٣) رعبان : مدينة بالثغور بين حلب وسميساط قرب الفرات في العواصم. (معجم البلدان).

(٤) الخبر باختصار في التحفة الملوكية ٦٤ ، والمقتفي للبرزالي ١ / ورقة ١٠ ب ، ونهاية الأرب ٣٠ / ١٥٣ ، ١٥٤ ، والمختصر في أخبار البشر ٤ / ٥ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٢١٩ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٥٦٩ ، ٥٧٠ ، وعقد الجمان (٢) ٣١ ، والروض الزاهر ٣٣٠.

(٥) في الأصل : «بهنسا» وهو تصحيف.

٤٠