نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-200-5
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٦٣٨

وعن الثالث : ما تقدّم ، من أنّ الكون الّذي هو غصب منهيّ عنه ، وهو بعينه صلاة ، فلا يكون مأمورا به ، والكون المطلق قد ينقسم إلى نوعي الغصب والصلاة ، وهما وإن انفكّ أحدهما عن الآخر ، إلّا أنّهما في هذه الصورة متلازمان ، إذ فعل العبد هنا : الحركة ، والسكون ، لا غير ، وهما منهيّان.

وأيضا ، لو صحّت الصّلاة لصحّ صوم يوم النحر بالجهتين.

والاعتذار بأنّ نهي التحريم لا يعتبر فيه تعدّد الّا بدليل ، ضعيف ، وهذه المسألة قطعيّة.

أمّا من يعتقد البطلان ، فلاستلزام الصّحّة الجمع بين الضدّين ، وهو مستحيل قطعا.

ومن يعتقد الصحة ، فيعتمد على الإجماع.

تذنيب

قال أبو هاشم : من توسّط أرضا مغصوبة عصى باللبث والخروج ، وجعل الخروج متعلّق الأمر والنهي معا.

وهو خطأ ، لاستلزامه التكليف بالمحال ، فإنّ الخروج متعيّن عليه للأمر ، فيعلم أنّ انتفاء المعصية به وبشرطه (١) ، فلا يكون متعلّق النهي.

وفيه نظر ، فإنّ الخروج تصرّف في ملك الغير ، فيكون حراما ، ويمتنع

__________________

(١) في «أ» و «ج» : فيعلم انتفاء المعصية وشرطه.

٨١

وجوبه ، بل الواجب ترك التصرّف في كلّ آن ، وكونه في الزّمن الثاني لا يتمّ إلّا بالخروج مستندا إلى فعله الّذي هو التوسّط ، فلا يستلزم وجوبه.

المبحث الخامس : في التضادّ بين تحريم الوصف ووجوب الأصل

اعلم أنّ الشيء إذا كان حرام الوصف ، كان مضادّا لوجوب أصله ، وهو مذهب الشافعي ، خلافا لأبي حنيفة.

وصورة المسألة : أنّه إذا أوجب الصّوم وحرّم إيقاعه في يوم العيد ، أو أوجب الطواف، ونهى عن إيقاعه مع الحدث.

والأصل في ذلك : أنّ القائلين بصحّة الصلاة في الدّار المغصوبة ، قسّموا النّهي إلى ما يرجع إلى ذات المنهيّ عنه ، فيضادّ وجوبه ، وإلى ما يرجع إلى غيره ، فلا يضادّ وجوبه ، وإلى ما يرجع إلى وصف المنهيّ عنه ، لا إلى أصله ، وقد اختلفوا :

فعند أبي حنيفة ، الصّوم ، من حيث إنّه صوم ، مشروع مطلوب ، ومن حيث إنّه واقع في يوم النحر ، غير مشروع.

والطواف ، مشروع وإيقاعه في حال الحدث منهيّ عنه.

والبيع من حيث إنّه بيع مشروع ، ومن حيث وقوعه مقرونا بشرط فاسد أو زيادة في العوض في الربويّات ، منهيّ عنه.

والطلاق ، من حيث إنّه طلاق ، مشروع ، ومن حيث وقوعه في الحيض ، منهيّ عنه.

٨٢

وحراثة الولد ، من حيث إنّه حراثة ، مشروع ، ومن حيث وقوعه في غير المنكوحة مكروه.

فجعل أبو حنيفة هذا قسما ثالثا ، وزعم أنّ ذلك يوجب فساد الوصف ، لا انتفاء الأصل ، لأنّه راجع إلى الوصف لا [إلى] الأصل ، فجعل الحرام هو إيقاع الصوم يوم النحر ، لا الصّوم الواقع فيه.

والشافعي ألحق هذا بكراهة الأصل ، ولم يجعله قسما آخر ، والشافعي خرج عن قاعدته في طلاق الحائض ، وتأوّل ذلك بأن صرف النّهي عن أصله ، ووصفه إلى تطويل العدّة ، أو لحوق الدّم عند الشكّ في الولد.

وأبو حنيفة خرج عن قاعدته في بطلان صلاة المحدث دون طوافه ، لأنّ الدليل دلّ على كون الطهارة شرطا في صحّة الصلاة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا صلاة إلّا بطهور» (١) فهو نفي الصّلاة لا نهي.

لنا : أنّه لا فرق عند أهل اللغة بين قوله : حرّمت عليك الصوم في هذا اليوم ، وبين قوله : حرّمت عليك إيقاعه فيه ، إذ لا معنى لإيقاع الصّوم في اليوم سوى فعله فيه ، فإذا كان فعله فيه محرّما ، كان ذلك مضادّا لوجوبه لا محالة.

ولو قال السيّد لعبده : أطلب منك الخياطة ، وأنهاك عن إيقاعها في وقت الزوال ، فإذا خاط وقت الزّوال ، لم يأت بالمطلوب ، فإنّ المكروه هي الخياطة وقت الزوال ، لا الوقوع في وقت الزوال ، مع بقاء الخياطة مطلوبة ، إذ ليس الوقوع في الوقت شيئا منفصلا عن الواقع.

__________________

(١) الفقيه : ١ / ٢٢ برقم ٦٧ ؛ وعوالي اللآلي : ٢ / ٢٠٩ برقم ١٣١ ، وج ٣ / ٨ برقم ١.

٨٣

والصّلاة في الأوقات المكروهة ، والأماكن المكروهة ، من الفقهاء من منع من صحّتها ، فلا يرد عليه شيء ، لتردّده في أنّ النّهي نهي عن إيقاع الصلاة من حيث إنّه إيقاع صلاة ، أو من أمر آخر مقرون به.

ومنهم من صحّحها ، وصرف النّهي عن أصل الصلاة ، ووضعها إلى غيره.

وتفاصيل المسائل ليس على الأصولي ، بل إلى نظر المجتهد في الفروع ، وليس على الأصولي إلّا حصر الأقسام الثلاثة ، وهو ما يرجع النّهي فيه إلى ذات المنهيّ أو وصفه ، أو خارج ، وبيان حكمها في التضادّ وعدمه.

المبحث السّادس : في أنّ النّهي هل يدلّ على الفساد؟

اختلف النّاس في ذلك والتحقيق أن نقول : المنهيّ عنه ضربان :

أحدهما ، لا يصحّ فيه معنى الفساد ، والصحّة ، والإجزاء ، كالجهل ، والظّلم ، ونحوهما ، ممّا لا يتعلّق به أحكام شرعيّة.

ومنها ، ما يصحّ فيه ذلك ، كالطّلاق ، والنكاح ، والبيع ، والصّلاة ، لتعلّق الأحكام بذلك.

فإذا قلنا : النّهي هل يدلّ على الفساد أم لا ، فإنّما نشير بذلك إلى الثاني من القسمين ، وقد اختلف العلماء :

فمنهم من قال : إنّه يدلّ على الفساد.

ومنهم من منع.

ومنهم من لم يجعله دالّا من حيث اللّغة ، ويدلّ من حيث الشرع.

٨٤

ونحن نقول : النهي إن كان عن الشيء لغيره ، لم يدلّ على الفساد ، وذلك كالنّهي عن البيع وقت النّداء ، خلافا للشيخ أبي جعفر الطّوسي من علمائنا (١) ولمالك وأحمد.

وإن كان النهي عن الشيء لنفسه ، أو لوصفه ، فإن كان الفعل من العبادات دلّ على الفساد ، وإن كان من المعاملات ، لم يدلّ على الفساد ، وهو اختيار أبي الحسين البصري (٢) وفخر الدين الرّازي. (٣)

وقال جمهور فقهاء الشّافعيّة ، ومالك ، وأبو حنيفة ، والحنابلة ، وأهل الظّاهر كافّة ، وجماعة من المتكلّمين : إنّ النّهي يدلّ على الفساد مطلقا.

وذهب جماعة من الأشاعرة كالقفال (٤) ، والغزّالي ، (٥) وغيرهما ، وجماعة من الحنفيّة ، وجماعة من المعتزلة ، كأبي عبد الله البصري (٦) ، وأبي الحسن الكرخي (٧) ، والقاضي عبد الجبّار إلى أنّه لا يدلّ على الفساد مطلقا.

__________________

(١) العدّة : ١ / ٢٦١ و ٢٦٦.

(٢) المعتمد : ١ / ١٧١.

(٣) المحصول في علم الأصول : ١ / ٣٤٤.

(٤) هو محمد بن علي بن اسماعيل الشاشي القفّال ، من أكابر علماء عصره ، وأوّل من صنّف الجدل الحسن من الفقهاء ، وعنه انتشر مذهب الشافعي ، ولد سنة ٢٩١ وتوفّي ٣٨١ ه‍ ، ومن كتبه أصول الفقه مطبوع. لاحظ الأعلام للزركلي : ٦ / ٢٧٤.

وهو غير محمّد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي القفّال (٤٢٩ ـ ٥٠٧ ه‍) ولأجل اشتراكهما في النّسبة واللّقب ربما يطرأ الاشتباه في الترجمة ، فما ذكرناه في المقام هو الصّحيح دون ما مرّ منّا في الجزء الأوّل ص ٤٧٠.

(٥) المستصفى : ٢ / ١٠٠.

(٦) تقدّمت ترجمته في الجزء الأوّل : ٢١٩.

(٧) تقدّمت ترجمته في الجزء الأوّل : ٢١٩.

٨٥

ومنهم من قال : يدلّ من حيث الشرع ، لا من حيث اللّغة ، وإليه مال السيّد المرتضى (١).

فهنا مقامان :

[المقام] الأوّل : في أنّ النهي في العبادات يدلّ على الفساد

وبيانه : أنّ المراد بفساد العبادة ، عدم الإجزاء ، وهو متحقّق مع النهي ، لأنّه بعد الإتيان بالمنهيّ عنه ، لم يأت بالمأمور به ، فيبقى في عهدة التكليف.

أمّا المقدّمة الأولى ، فلأنّ المنهي عنه ، ليس المأمور به ، فإنّ المنهيّ عنه قبيح ، والمأمور به حسن ، وهو إنّما أتى بالمنهيّ عنه ، فلم يكن آتيا بالمأمور به ، كما لو أمر بالصّلاة فتصدّق.

وأمّا المقدّمة الثانية ، فظاهرة ، فإنّ تارك المأمور به عاص ، والعاصي يستحقّ العقاب ، لما تقدّم من أنّ الأمر للوجوب.

فإن قيل : يجوز أن يكون فعل المنهيّ عنه سببا للخروج عن العهدة ، فإنّه لا استبعاد في أن يقول الشارع : «لا تفعل في الثوب المغصوب فإن فعلت أسقطت عنك الفعل».

ولأنّ اللّفظ لا يدلّ عليه بمنطوقه ، إذ لا يفيد إلّا المنع من الفعل ، والفساد : عدم الإجزاء ، وهما متغايران ، ولا بمفهومه ، لانتفاء التلازم ، فإنّه لا يلزم من النهي الفساد ، كما لو قال : «لا تصلّ في الثوب المغصوب ، وإن صلّيت

__________________

(١) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ١٨٠.

٨٦

صحّت صلاتك» ولو كان الفساد لازما للنّهي ، لزم التناقض.

ولأنّ النهي لو دلّ على الفساد ، لكانت الصّلاة في الأماكن المكروهة ، والأوقات المكروهة ، فاسدة.

والجواب : قد بيّنا أنّ المنهيّ عنه مغاير للمأمور به ، وإذا لم يأت بالمأمور به ، لم يخرج عن العهدة ، فضلا عن أن يأتي بالمنهيّ عنه ، فإنّه أولى بعدم الخروج.

والمثال الّذي ذكروه ، لو وقع لدلّ على أنّ المنهيّ عنه ليس عن الصّلاة ولا عن صفتها ، بل عن وصف منفكّ ، كما في الصّلاة في الأماكن المكروهة.

والفرق بينه وبين الصلاة في المكان المغصوب : أنّ مماسّة الإنسان للثوب ليست جزءا من ماهيّة الصّلاة ، ولا مقدّمة لشيء من أجزائها ، فيكون آتيا بعين الصّلاة المأمور بها من غير خلل غير أنّه ضمّ إلى ذلك الفعل فعلا آخر محرّما ، ولا يقدح ذلك في الخروج عن العهدة.

وبه ظهر الجواب عن النّهي في الأماكن المكروهة ، والأوقات المكروهة ، لرجوع النهي هناك إلى وصف خارج عن ماهيّة الصلاة ، ومجموع الأمر والنّهي دلّ على الفساد بالالتزام ، فإنّ النّهي دلّ على المنع ، وقد ثبت أنّ المنهيّ عنه مغاير للمأمور به ، فلا يكون بفعله آتيا بالمأمور به ، فلا يخرج عن العهدة ، فلا يكون محرّما ، وهو المراد بالفساد هنا.

٨٧

المقام الثاني : في أنّ النهي في المعاملات لا يدلّ على الفساد

قد عرفت أنّ الفساد في المعاملات يراد به عدم ترتّب أحكامها عليها ، فإذا قيل : هذا بيع فاسد ، كان معناه : أنّه لم يفد الملك ، وإذا قيل : طلاق فاسد ، كان معناه : أنّه لم يفد بينونة ، ولا تحريما ، وإذا قيل : نكاح فاسد ، كان معناه : أنّه لم يثمر إباحة البضع.

إذا ثبت هذا فنقول : لو دلّ النّهي على الفساد بهذا المعنى ، لدلّ إمّا بالمطابقة ، أو بالتضمّن ، أو بالالتزام ، والكلّ باطل ، فانتفت الدلالة.

أمّا انتفاء الأوّلين ، فظاهر ، إذ قوله : «لا تبع» (١) مثلا ليس موضوعا للفساد بمعنى عدم ترتّب حكم البيع عليه ، ولا هو جزؤه.

امّا انتفاء الثالث ، فلأنّ شرط هذه الدّلالة ، الملازمة الذّهنية ، وهي منتفية ، فإنّه لا يلزم من تصوّر تحريم البيع ، تصوّر عدم ترتّب حكمه عليه.

ولا استبعاد في أن يقول الشارع : نهيتك عن البيع ، وإن فعلت ، يحصل لك الملك ، كما في البيع وقت النّداء وكذا : «نهيتك عن إزالة النجاسة بالماء المغصوب ، أو عن الثوب المغصوب مع حصول الطّهارة ، ونهيتك عن الذبح بسكّين الغير ، لكن إن فعلت ، حلّت الذبيحة ، ولا تناقض.

بخلاف [قوله :] حرّمت عليك الطلاق ، وأمرتك به ، أو أبحتك إيّاه.

والوطء في الحيض يلحقه أحكام الوطء الصحيح ، من لحوق

__________________

(١) في «ب» و «ج» : إذ لفظ لا تبع.

٨٨

الولد ، ووجوب المهر ، والتحليل للزّوج الأوّل.

وأيضا ، النّهي عن العقد أو الإيقاع إنّما يدلّ إذا صدر عن حكيم (١) على قبحه ، ووجوب الإحلال به أو على كراهيته ، وقد يكون الفعل قبيحا مكروها ، وحكمه ثابت ، لأنّ قبح البيع ، لا ينافي ثبوت الملك به ، فإنّه قد ينهى عن البيع ، لأنّ الملك لا يقع به تارة ، ولأنّه مفسدة في نفسه ، وإن وقع به الملك تارة ، ولأنّه يتشاغل به عن واجب ، نحو البيع مع تعيّن وجوب التحريم.

وإذا أمكن ذلك ، أمكن أن يكون النّهي عن البيع أو غيره ، لغرض مغاير لانتفاء أحكامها.

لا يقال : ينتقض ما ذكرتم بالنّهي في العبادات ، فإنّه يدلّ على الفساد.

لأنّا نقول : قد بيّنا اختلاف الفساد في العبادات والمعاملات.

احتجّ القائلون بأنّه يدلّ على الفساد ، بوجوه :

الأوّل : الفعل المنهيّ عنه معصية ، والملك نعمة ، والمعصية تناسب المنع من النعمة ، ومحلّ الاعتبار بعد ظهور المناسبة ، جميع المناهي الواردة.

الثاني : المنهيّ عنه لا يجوز أن يكون منشأ المصلحة الخالصة أو الرّاجحة ، وإلّا لزم أن يكون الأمر والنهي بخلاف الحكمة ، ولا منشأ المصلحة المساوية ، وإلّا لكان النّهي عبثا.

وأيضا ، الاشتغال بالعبث محذور عند العقلاء ، والقول بالفساد يفضي إلى دفع هذا المحذور ، فوجب القول به ، فوجب أن يكون منشأ المفسدة الخالصة أو

__________________

(١) في «ب» : عن حكم.

٨٩

الرّاجحة ، وعلى كلّ التقديرين ، يجب الحكم بالبطلان ، لاشتماله على إعدام تلك المفسدة.

الثالث : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو ردّ» (١).

والمنهيّ عنه ليس من الدّين ، فيكون مردودا ، ولو ترتّب عليه حكمة ، لم يكن مردودا.

الرابع : الإجماع منعقد على الفساد ، فإنّه لم يزل العلماء يستدلّون على فساد الزنا ، والرّبا بمجرّد النهي.

الخامس : النّهي نقيض الأمر ، والأمر قد ثبت أنّه يدلّ على الإجزاء فالنّهي يدلّ على الفساد.

السادس : النّهي يدلّ على مفسدة خالصة ، أو راجحة ، والقول بالفساد سعي في إعدامها ، فيكون (٢) مشروعا ، قياسا على جميع المناهي الفاسدة.

السابع : لو ثبت أحكام المنهيّ عنه ، لكان طريق ذلك ، الشرع : إمّا أمر ، أو إباحة ، أو ايجاب وكلّ ذلك يمنع منه النهي. (٣)

الثامن : النهي عن الفعل إذا منع منه ، وجب أن يكون مانعا من أحكامه التابعة له.

__________________

(١) أخرجه أبو داود في سننه : ٤ / ٢٠٠ برقم ٤٦٠٦ ، وابن ماجة في سننه : ١ / ٧ برقم ١٤ ورواه ابن أبي جمهور الإحسائي في عوالي اللآلي : ١ / ٢٤٠ ، ونقله الشيخ الطوسي في العدّة : ١ / ٢٦٥.

(٢) الضمير يرجع إلى السعي في إعدام المفسدة. وفي بعض النسخ : «فلا يكون» وعلى هذا ، فالضمير يرجع إلى العمل المفهوم من سياق العبارة.

(٣) في «أ» : وكلّ ذلك يمنع من النّهي.

٩٠

التاسع : الإجزاء يعاقب الفساد ، فإذا كان بالنهي ينتفي كون الشيء شرعيّا ، فالإجزاء لا يعلم إلّا شرعا ، فليس بعد ذلك إلّا الفساد.

العاشر : لو لم يعقل من النهي الفساد ، لم يكن التحريم دليلا عليه ، وكان لا يعقل من قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ)(١) فساد هذه الأنكحة وبطلانها.

الجواب عن الأوّل : إفادة الملك عن المعصية نعمة أيضا ، فتناسب الشرعيّة ، ويمنع الفساد في جميع المناهي الواردة ، مع أنّه يجوز أن يكون الحكم عليه بالصحّة مناسبا للنهي ، فإنّ زوال الملك عن البائع ، لارتكابه المنهيّ عنه ، أمر مناسب له.

وعن الثاني : ما تقدّم ، من جواز كون الفساد لا من نفس المنهيّ عنه ، بل لمنعه عن فعل مطلوب للشارع.

وعن الثالث : أنّ البيع وقت النّداء يوصف بأمرين :

أحدهما : أنّه غير مطابق لأمر الله تعالى.

والثاني : أنّه سبب الملك ، والقول بالأوّل إدخال في الدّين ما ليس منه ، فكان ردّا ، وأمّا الثاني فلا نسلّم أنّه ليس من الدين ، حتّى يكون القول به ردّا ، فإنّه نفس النزاع.

وأيضا ، إنّما يكون مدخلا للفعل في الدّين ، إذا اعتقد أنّه من الدّين ، فإنّ الزّاني ، وفاعل المباح لا يكون مدخلا للزنا والفعل المباح في الدين ، فلا يخلو إمّا أن يريدوا أنّ الفاعل لما نهي عنه مدخلا للفعل في الدين ، أو لأحكامه ، والأوّل

__________________

(١) النساء : ٢٣.

٩١

باطل ، فإنّ المزيل للنجاسة بالماء المغصوب ، لا يعتقد أنّ ذلك من الدين ، بل يعتقد أنّه بدعة.

وإن أرادوا الثاني ، منعنا أنّه ليس من الدّين.

لا يقال : فحينئذ لو فعل الإنسان ذلك معتقدا أنّه من الدّين ، لزم أن يكون مردودا عليه ، فلا يثبت أحكامه.

لأنّا نقول : إنّما يجب أن يكون ردّا من الدّين ، لا غير ، وإنّما يكون كذلك ، إذا جعلناه بخلاف ما اعتقده ، كما لو قال انسان : «من رام الدخول إلى داري ، فهو مردود» أفاد أنّه مردود من الدّار ، (ولا يلزم عدم ثبوت أحكامه) (١).

وأجاب قاضي القضاة بوجوه :

الأوّل : لفظ «الرّد» يفيد نفي استحقاق الثواب ، لأنّ «الرّدّ» ضدّ «القبول» ، والقبول يفيد استحقاق الثواب ، فلفظ «الرّدّ» كالنهي ، في اقتضاء القبح ، ونفي استحقاق الثواب ، ونحن نقول : إنّ المنهيّ عنه لا يستحقّ به الثواب.

الثاني : يجب أن نبيّن أنّ الحكم بإجزاء الفعل ليس من الدين ، ثمّ نردّه ، وهذا إنّما يتوجّه على من قال في استدلاله : «إنّ الإجزاء ليس من الدين» ، لا إلى من قال : «إنّ الفعل نفسه ليس من الدّين».

ثمّ استدلّ بذلك على انتفاء أحكامه.

الثالث : النّهي أبلغ من لفظ «الردّ» لأنّ طاعات الكافر مردودة ، وليست منهيّا عنها ، فإذا لم تظهر دلالة النّهي على الفساد ، فلفظ «الردّ» أولى بذلك.

__________________

(١) ما بين القوسين يوجد في «ج».

٩٢

الرابع : هذا خبر واحد لا يصحّ التعلّق به في ذلك. (١)

وعن الرّابع : بالمنع من رجوع الصحابة إلى النهي في الفساد في الجميع ، ولهذا حكموا في كثير من المنهيّات بالصحّة ، فلا بدّ وأن يكون أحد الحكمين للقرينة ، فعليكم الترجيح.

وهو معنا ، لأنّا لو حكمنا بالفساد ، لكان الحكم بعدمه في بعض الصور تركا للظاهر.

ولو قلنا : إنّه لا يقتضي الفساد ، كان إثباته في البعض لدليل منفصل ، لا يكون تركا للظاهر.

وعن الخامس : لا يلزم من دلالة الأمر على الإجزاء ، دلالة النّهي على الفساد ، لإمكان اشتراك الأشياء المتضادّة في الأحكام.

سلّمنا ، لكن لما دلّ الأمر على الإجزاء ، وجب أن لا يدلّ النّهي عليه ، لا أن يدلّ على الفساد.

وعن السادس : ما تقدّم من أنّ النهي قد يكون لوصف عارض لا لفساد في الماهيّة.

وعن السابع : لا نسلّم انحصار طريق دلالة ثبوت الأحكام في الأمر ، والإيجاب ، والإباحة ، فإنّه قد يقول : «نهيتكم عن البيع ، وإذا بعتم على هذا الوجه ، فقد ملكتم» أو بالعقل. (٢)

__________________

(١) نقل تلك الوجوه عن قاضي القضاة أبو الحسين البصري في المعتمد : ١ / ١٧٥.

(٢) أي قد يكون ثبوت الحكم أو إجزاء الفعل معلوما بالعقل.

٩٣

وعن الثامن : بالمنع من الملازمة ، والأحكام تابعة لوجود الفعل أو لصحّته معا.

وعن التاسع : إن أردتم بأنّ النّهي ينفي كونه شرعيّا أنّه ينفي كونه مرادا ، أو طاعة وقربة ، فيصح ، وإن أردتم نفي الأحكام الشرعيّة ، فممنوع.

وإذا كان الإجزاء والفساد لا يعلمان إلّا شرعا فيجب أن لا يستفيد أحدهما من مطلق الأمر.

لا يقال : إجزاؤه لا يعلم إلّا شرعا ، ولا شرع فيه ، فيكون فاسدا.

لأنا نقول : وفساده لا يعلم إلّا شرعا ، ولا شرع فيه ، فيكون صحيحا.

والصّواب ، التوقّف عن حكم بصحّة أو فساد على دليل مفصل.

وعن العاشر : أنّ مطلق التحريم لا يدلّ على الفساد ، كما قلنا في النّهي ، وإنّما علم فساد أنكحة الأمّهات ، بغير وضع النهي في اللّغة ، وعلى الجملة بدليل.

المبحث السابع : في مواضع من هذا الباب وقع فيها الخلاف

الأوّل : قال أبو عبد الله البصري (١) : المنهيّ عنه إذا كان متى فعل على الوجه المنهيّ عنه انتفى عنه شرط من شرائطه الشرعيّة ، فإنّه يجب أن يفسد ، كبيع «الغرر».

ومتى لم ينتف عنه شرط من شرائطه الشرعيّة لم يفسد.

__________________

(١) تقدّمت ترجمته في الجزء الأوّل : ٢١٩.

٩٤

اعترضه أبو الحسين (١) : بأنّ الفساد يجب لو كان ذلك شرطا في صحّته ، ولو لم يكن شرطا في صحّته ، لم يجب فساده.

ولا فرق بين الشرط الشرعي وغيره ، فلا معنى للتقييد بكونه شرعيّا.

وأيضا ، إذا فسد لانتفاء شرطه الشرعي ، فإن علمتم ذلك بظاهر النّهي ، فقد سلّمتم أنّ ظاهر النهي يدلّ على الفساد ، وإن علمتم بقرينة ، فأخبرونا عن تلك القرينة ، لتكونوا قد أشرتم إلى الفرق بين ما لا يدلّ على الفساد.

وإن قالوا : علمنا أنّ ذلك شرط في الصحّة بدليل غير النهي ، نحو أن نعلم أنّ الوضوء شرط في الصلاة ، ثمّ نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصّلاة بغير وضوء ، فيعلم أنّها فاسدة بغير وضوء.

وقد أشار قاضي القضاة إلى ذلك.

قلنا : فحينئذ نعلم الفساد بما دلّ على أنّ الوضوء شرط في صحّتها ، فإنّا إذا علمنا ذلك ، علمنا فساد الصلاة إذا لم يكن الوضوء ، سواء نهينا عن الصّلاة بغير وضوء ، أو لا.

الثاني : المنهيّ عنه الفاسد هو ما توصّل به إلى تحليل محرّم في الأصل ، كأكل الميتة ، واستحلال الفروج ، وغير الفاسد ما لم يكن وصلة إلى محرّم في الأصل ، وهذا باطل ، فإنّ مرادهم إن كان أنّ الحرام صار به حلالا على التحقيق ، فهو مناقضة ، لأنّه إذا صار به حلالا ، فهو صحيح غير فاسد ، إذ لا معنى لكون الوصلة صحيحة ، إلّا أنّها وصلة إلى تحليل هذا المحرّم من الفروج.

__________________

(١) المعتمد : ١ / ١٧٩.

٩٥

ثمّ هنا أمور نهي عنها ، وهي وصلة إلى تحليل ما كان حراما ، وهي غير فاسدة كبيع حاضر لباد ، هو منهيّ عنه ، وقد صار به ملك الغير حلالا للمشتري.

وإن أرادوا بذلك انّه إذا توصّل بالمنهيّ عنه إلى تحليل ما هو حرام في نفسه ، فلا يجوز (١) أن يصير حلالا ، لزم تعليل الشّيء بنفسه ، لأنّ معنى كون هذه الوصلة المنهيّ عنها فاسدة ، كونها لا توصل إلى تحليل هذا المحرّم ، فكأنّهم قالوا : إنّما لم يوصل إلى إباحة هذا المحرّم ، لأنّه لا يوصل إلى إباحته.

الثالث : النهي عن الفعل إذا كان لمعنى يختصّه اقتضى فساده ، كبيع الغرر ، وإذا لم يكن لمعنى يختصّه ، لم يقتض فساده ، كالبيع وقت النّداء ، وهو باطل ، فإنّ المقتضي للفساد ، هو فقد شرط من شرائط الصحّة ، ولا يمتنع أن يرجع ذلك تارة إلى الشيء المنهيّ عنه ، كما لا يمتنع أن يرجع إلى غيره ، فإنّ بيع المحجور عليه منهيّ عنه ، لمعنى في العاقد لا في العقد ، ومع ذلك فهو فاسد.

لا يقال : ما يختص بالعاقد والمعقود عليه ، يتعلّق بالعقد ، ويرجع إليه.

لأنّا نقول : فيجب أن يفسد بيع حاضر لباد ، لأنّ النّهي عن ذلك ، إنّما كان لمعنى في المتعاقدين.

الرابع : قال بعضهم : ما نهي عنه لحقّ الغير لا يفسد ، وما نهي عنه لشرط شرعيّ ، فإنّه يفسد. وهذا باطل ، لأنّ الإنسان قد نهي عن بيع ملك غيره ، لحقّ ذلك الغير ، فإنّه لو أذن فيه ، جاز ، ومع ذلك يفسد العقد لو لم يأذن.

ويدخل في هذه الصّلاة في الدّار المغصوبة فقال جلّ الفقهاء ، وأبو

__________________

(١) في «ج» : لا يجوز.

٩٦

اسحاق النظام (١) : إنّ الصّلاة مجزئة ، مسقطة للفرض. ومنع الجبائيّان ، والإماميّة ، والظاهريّة ، والزيديّة من ذلك ، لما تقدّم.

ولأنّ صحّة الصّلاة إمّا أن يراد بها أنّها داخلة تحت التعبّد ، أو أنّها تقوم مقام ما يدخل تحت التعبّد ، والأوّل باطل ، لاستحالة التعبّد بالنّسخ ، والثاني يكفي في نفيه أن لا يدلّ دليل على أنّها تقوم مقام ما يدخل تحت التكليف وإذا لم يدلّ دليل على ذلك ، ولا هي داخلة تحت التّكليف ، وجب إعادتها لبقاء التّعبّد.

وعلى هذا التقرير ، لا يجوز صلاة من ستر عورته بثوب مغصوب ، وعليه المعتزلة ، واختلفوا في سترها بثوب مملوك إذا لبس فوقه ثوبا مغصوبا ، فجوّزها بعضهم ، لأنّ فعله في الثوب الأعلى ، ليس من الصّلاة.

ومنعها آخرون ، لأنّ قيامه وقعوده تصرّف في كلا الثوبين.

وهو الحقّ عندي.

وقالت المعتزلة أيضا : إنّ المودع أو الغاصب إذا طولب بردّ الوديعة والغصب ، فتشاغل بالصّلاة مع اتّساع الوقت ، لا تصحّ صلاته ، وإن ضاق الوقت بحيث يخاف الفوت لو تشاغل بالردّ لم تبطل إن لم يتضرّر المالك بالتأخير ضررا شديدا ، وإن تضرّر بطلت.

وكذا قالوا : لو صلّى وهو يرى من يغرق ، أو يهلك بنار ، ويرجو تخليصه بطلت.

__________________

(١) هو إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري ، أبو اسحاق النظّام من أئمة المعتزلة ، وانفرد بآراء خاصّة تابعته فرقة من المعتزلة سمّيت «النظاميّة» نسبة إليه ، وتوفّي سنة ٢٣١ ه‍. لاحظ الأعلام للزركلي : ١ / ٤٣.

٩٧

وهو حقّ ، لقبح الصلاة في هذه المواطن أجمع.

أمّا إيمان الغاصب في الدار المغصوبة ، فإنّه حقّ وطاعة ، لأنّ ذلك ليس تصرّفا في الدار ، (١) فلا يكون قبيحا ، وكذا لو منع من الخروج عن الدّار الّتي غصبها ، فإنّ صلاته صحيحة ، لأنّه مع المنع ينتفي تحريم القعود ، وإذا جاز له القعود ، صحّت صلاته.

وكذا لو صلّى في ملكه ، وقبض يده على رجل فمنعه من التصرّف ، لأنّ ذلك وإن كان قبيحا ، فليس من الصّلاة.

قالوا : والذّبح بسكّين مغصوبة لا يقتضي تحريم الذّبيحة ، لأنّ الذبح منهيّ عنه ، وقبيح ، إلّا أنّه لمّا كان وصلة إلى إباحة اللّحم كان كالبيع الّذي هو وصلة إلى إباحة التصرّف ، والنهي لا يدلّ على فساد مثل ذلك ، لأنّه نهي عنه لقبحه في نفسه ، لا لأنّه وصلة إلى إباحة اللحم.

ولو كان الذّبح ممّا يتعبّد به ، فكذلك ، (٢) لأنّا إذا علمنا انّ الغرض بالذّبح التصدّق باللّحم ، وعلمنا أنّ اللحم يصير مباحا بالذّبح بسكّين مغصوبة ، جاز التصدّق به.

والماء المغصوب ، إذا أزيل به النجاسة ، والسّكين المغصوبة إذا وقع بها الختان ، كالمملوك في إزالة النجاسة وإزالة ذلك القدر من اللّحم ، فلم يبق بعد إزالتها وبعد ما يجب قطعه في الختان ، شيء ، يتوجّه الأمر إليه فيمتثل.

__________________

(١) لأنّ الإيمان والاعتقاد قائم بالنّفس ولا يعدّ تصرّفا في المغصوب.

(٢) أي لو كان الذبح ممّا يقصد به الإنسان أمرا قربيّا كما إذا ذبح لغرض التصدق ، فهو أيضا كذلك أي لا تضر مغصوبيّة السكّين بالغرض المنشود.

٩٨

قالوا : والصّوم في شهر رمضان ، مع الخوف على النّفس ، يسقط به الفرض ، لأنّه لم يوجد عليه في الصوم أفعال ، وإنّما أخذ عليه الكفّ عن المفطرات. (١)

وليس بجيّد عند الإماميّة ، لأنّه قد أخذ عليه فعل نيّة الصوم ، ومن حقّها أن تكون طاعة. وكلّف الكفّ عن هذه الأفعال ، ومن حقّ الكفّ عنها أن يكون طاعة حتّى يكون صوما.

والكفّ مع الخوف على النّفس معصية وكلّف أن ينوي الصوم ، وفي ضمن كونه صوما كونه طاعة ، فإذا كان الصّوم معصية ، لم يمكن أن ينوي به الطاعة.

لا يقال : نيّة الصوم لا يدخل في ضمنها نيّة الطاعة ، ولا من حقّ الصوم أن يكون طاعة.

لأنّا نقول : نمنع ذلك ، لأنّه يجب أن يوقعه متقرّبا به إلى الله تعالى.

وأيضا ، يلزمكم مثله في الصّلاة.

وادّعاء الإجماع في أحدهما ، كادّعائه في الآخر.

وقد سأل المعتزلة أنفسهم فقالوا : كما لم يبق بعد إزالة النجاسة بالماء المغصوب نجاسة تزال ، فلم لا يقال مثله في الصّلاة في الدار المغصوبة ، وإن كانت قبيحة ، فإنّها تقوم مقام الصّلاة الواجبة في المصلحة ، فلا يبقى بعدها مصلحة.

__________________

(١) لاحظ المعتمد : ١ / ١٨٤.

٩٩

وأجاب قاضي القضاة : بأنّ الأمّة أجمعت بأنّ الّذي يسقط فرض الصّلاة ، هو ما دخل تحت التكليف ، ولهذا لمّا كانت الصّلاة بغير طهارة ، غير داخلة تحت التكليف ، لم تقم مقام الواجب ، والصّلاة في الدار المغصوبة ، لم يدخل تحت التكليف. (١)

قال السيّد المرتضى : تصحّ الصّلاة في الضّيعة المغصوبة ، لقضاء العادة بأنّ صاحبها لا يحظر على أحد الصلاة فيها ، والتّعارف كالإذن وكذا من ليس بغاصب لو دخل الدّار مجتازا ، للعادة بانّ النّاس يسوغون الصلاة لغير الغاصب.

امّا من صلّى وهو يدافع الأخبثين ، فإنّ صلاته صحيحة ، لأنّ وجه النهي تأثير المدافعة في التثبّت ، والخشوع ، والطمأنينة الكاملة ، ونحن نعلم صحّة الصّلاة وإن فقدت هذه ، وقد يدافع الأخبثين ، ويتصبّر على أداء ما يجب عليه.

ثمّ قال : الإيمان إذا جعلناه اعتقادا بالقلب ، أو قولا باللسان ، صحّ في الدّار المغصوبة ، لأنّه لا تعلّق له بالدّار على كلا التفسيرين ، بخلاف الصلاة ، حيث كان غاصبا ومتصرّفا في ملك غيره (٢).

وفيه نظر ، فإنّ الإيمان إذا جعلناه إقرارا باللّسان ، كان تصرّفا في ملك الغير بإحداث كونه في بعض أعضائه ، وهو منهيّ عنه ، ولزمه تجويز صلاة المومي بإخفائه لشدّة مرضه.

__________________

(١) لاحظ المعتمد : ١ / ١٨٥.

(٢) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ١٩٤ ـ ١٩٥.

١٠٠