نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-200-5
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٦٣٨

وأجيب (١) بأنّ عود الضمير إليه تعالى مؤكّد لهذا الغرض أيضا ، لأنّه لمّا حثّ على الرجوع إلى أقوال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حذّر عن مخالفة أمر الله تعالى ، فكان مؤكّدا للحثّ على المتابعة.

سلّمنا (٢) ، لكن لم قلت : إنّ عدم الإتيان بمثل فعله مخالفة لفعله؟

لا يقال : المخالفة ضدّ الموافقة ، لكنّ موافقة فعل الغير أن يفعل مثل فعله ، فمخالفته أن لا يفعل مثل فعله ، وهو يصدق مع فعل الضدّ وعدم الفعل.

ولأنّ المعقول من المختلفين هما اللّذان لا يقوم أحدهما مقام الآخر ، وهو متحقّق في الوجود والعدم ، فإنّه لا يقوم أحدهما مقام الآخر البتّة.

لأنّا نقول : إنّها في الأصل وإن كانت كذلك ، لكنّها في عرف الشرع ليست كذلك ، ولهذا لا يسمّى إخلال الحائض بالصّلاة مخالفة للمسلمين ، بل هي عبارة عن عدم الإتيان بمثل فعله ، إذا كان الإتيان به واجبا.

وعلى هذا لا يسمّى ترك مثل فعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخالفة إلّا إذا دلّ فعله على الوجوب ، وإذا بيّنّا ذلك بهذا ، لزم الدور (٣).

وفيه نظر ، فإنّه ليس من شرط المخالفة وجوب الفعل ، ولهذا يصدق في المندوب ، بل وفي جميع الأحكام.

__________________

(١) المجيب هو الرازي في محصوله : ١ / ٥٠٦.

(٢) أي سلّمنا عود الضمير إلى الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) الاستدلال للرازي في محصوله : ١ / ٥٠٦ ـ ٥٠٧.

٥٤١

وإنّما لم يوصف فعل الحائض بمخالفة المسلمين ، لاشتماله على وصف ذمّ ، مع أنّ تركها من فعل المسلمين ، لأنّ حكمه تعالى في حقّها ذلك.

بل الوجه أن يقال : الممنوع منه إنّما هو المخالفة في الواجب ، لا مطلق الفعل ، فالاستدلال به على الوجوب دور.

وعلى الثاني : أنّ التأسّي هو الإتيان بمثل فعل الغير على وجهه لا مطلقا ، فليس مطلق فعل الرسول سببا للوجوب في حقّنا ، فإنّ فعله قد لا يكون واجبا ، فلو فعلناه واجبا لم يكن تأسّيا.

وقال أبو الحسين : إنّه ليس تهديدا ، لأنّ الإنسان قد يرجو المنافع ، كما يرجو دفع المضارّ ، ولو كان تهديدا لدلّ على وجوب التأسّي ، وقد بيّنّا أنّ التأسّي في الفعل هو إيقاعه على الوجه الّذي أوقع عليه ، فالآية تدلّ على ما نقوله ، قال : وقد قيل : إنّ قوله (لَكُمْ)(١) ليس من ألفاظ الوجوب ، ولو دلّ على الوجوب لقال «عليكم».

واعترضه : بأنّه لا يصحّ الاستدلال بذلك على نفي الوجوب ، لأنّ معنى قولنا : «لنا أن نفعل كذا» هو أنّه لا حظر علينا في فعله ، والواجب ليس بمحظور الفعل. (٢)

وفيه نظر ، فإنّ المعترض منع من الاستدلال به على الوجوب ، ولم يستدلّ به على نفيه.

__________________

(١) الأحزاب : ٢١.

(٢) المعتمد : ١ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

٥٤٢

وعلى الثالث : أنّه إن لم يفد قوله (وَاتَّبِعُوهُ)(١) العموم ، يسقط الاستدلال ، وإن أفاده فبتقدير أن لا يكون ذلك الفعل واجبا عليه وعلينا ، وجب ان نعتقد فيه عدم الوجوب ، فالحكم بالوجوب يناقضه ، فلا يكون متحقّقا ، ونمنع كون هذا الأمر للوجوب.

سلّمنا ، لكن صريحه اتّباع شخصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس مرادا ، لإضمار الفعل والقول معا ، لزيادة خلاف الأصل ، مع اندفاع الضرورة بدونه ، وليس أحدهما أولى ، بل القول ، للإجماع عليه ، والخلاف في الفعل ، كيف والمتابعة في الفعل إنّما تجب في الفعل الواجب لا مطلق الفعل.

وعلى الرابع بذلك أيضا (٢).

وفيه نظر ، لدلالتهما على وجوب المتابعة ، لما ثبت من أنّ الأمر للوجوب ، وانّما يتحقّق في الجميع.

أمّا أوّلا ، فلعدم دليل التخصيص ببعض الأفعال ، ويلزم منه الإجمال.

وأمّا ثانيا ، فلأنّ المفهوم من المتابعة المطلقة الموافقة في كلّ الأفعال.

وأمّا ثالثا ، فلأنّ المراد إيجاب طاعته ، وانقياد العباد إلى امتثال أمره ، خرج عنه المندوب وما ليس بواجب بدليل بيّنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيبقى الباقي على الأصل.

__________________

(١) الأعراف : ١٥٨.

(٢) الجواب للرّازي في محصوله : ١ / ٥٠٧.

٥٤٣

وعلى الخامس : بالمنع من كون فعله إتيانا لنا ، لمقابلة قوله (وَما نَهاكُمْ)(١) والثاني بالقول فكذا الأوّل.

ولأنّ الإتيان إنّما يتأتّى في القول ، لأنّا نحفظه ، وامتثاله يصير كأنّنا أخذناه ، وكأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاناه. (٢)

وفيه نظر ، لأنّ الترك كالنّهي ، فصحّت المقابلة بالفعل في النّهي.

وأيضا ، لا منافاة بين الأمر بالامتثال في المأتيّ به ، فعلا كان أو قولا ، والانتهاء إذا نهى بالقول ، والإتيان قد يكون في الترك ، وبامتثاله نصير كأنّنا أخذناه.

وعلى السادس : بأنّ الطاعة هي الإتيان بالمأمور [به] أو المراد ، على اختلاف الرّأيين ، ونحن لا نسلّم أنّ مجرّد فعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدلّ على أنّا أمرنا بمثله ، أو أريد منّا مثله ، فإنّه نفس النزاع.

وعلى السابع : بأنّ غايتها الدلالة على أنّ حكم أمّته مساو لحكمه في الوجوب والندب والاباحة ، ولا يلزم من ذلك أن يكون كلّ ما فعله واجبا ليكون فعلنا له واجبا.

وعلى الثامن : بالمنع من أنّهم فعلوا ذلك واجبا ، ويمكن أن يكونوا لمّا

__________________

(١) الحشر : ٧.

(٢) الاستدلال لأبي الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٣٥٠ ، ونقله الرازي في محصوله : ١ / ٥٠٧ ـ ٥٠٨.

٥٤٤

سمعوا قوله تعالى : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)(١) ورأوه قد خلع نعله ، ظنّوا أنّه مأمور به غير مباح ، لأنّه لو كان مباحا لما ترك به المسنون في الصلاة ، على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لهم : «لم خلعتم»؟ فقالوا : لأنّك خلعت ، فقال : «إنّ جبرئيل عليه‌السلام أخبرني أنّ فيها أذى» فدلّ ذلك على أنّه ينبغي أن يعرفوا الوجه الّذي أوقع عليه فعله ثمّ يتّبعوه ، وهذا هو قولنا.

ولأنّه دليل لنا ، لأنّ إنكاره عليهم يدلّ على أنّ متابعته في مطلق فعله ليست واجبة إلّا مع علم الوجوب.

وعلى التاسع : بأنّ فهم المتابعة إنّما كان لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خذوا عنّي مناسككم» فلما خالفهم سألوه عن السبب.

على أنّ فيه نظرا من وجوه :

الأوّل : الإجماع على التشارك في الحجّ بينه وبينهم ، فسألوه عن المخالفة.

الثاني : اتّفقوا على الإحرام ، وأمرهم بفسخ إحرامهم دونه ، فسألوه عن المخالفة.

الثالث : سألوه لتجويز النّسخ أو لكونه من خواصّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الرابع : سألوه عن سبب المخالفة ، وليس فيه دلالة على وجوب الموافقة.

وعلى العاشر : بأنّهم أمروا بالصّوم وصام معهم ، فظنّوا أنّ فعله بيان

__________________

(١) الأعراف : ٣١.

٥٤٥

الواجب فتبيّن لهم الاختصاص به ، وأنكر عليهم الموافقة.

ولأنّ الوصال لم يكن واجبا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل غايته أنّه كان مباحا ، ووجوب المتابعة فيما أصله غير واجب ممتنع ، بل ظنّهم أنّما كان في مشاركته في إباحة الوصال ونحن نقول به.

وعلى الحادي عشر : بذلك أيضا. (١)

فإنّ فيه نظرا ، فإنّ عبادته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكمل من عبادتهم ، فلمّا سألوه عن القبلة هل تثلم الصّوم وتنقضه؟ فأجاب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه يفعلها ، ولو أنقضت العبادة ، كان أولى بالامتناع منهم.

وعلى الثاني عشر : بعدم دلالته على وجوب بلّ الشعر في حقّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا غيره ، ولعلّه أراد بذلك الكفاية في الكمال لا في الوجوب.

وأيضا فيه نظر ، فإنّ استظهاره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التطهير أبلغ من غيره ، وإذا اكتفى فيه بما ذكر ، فغيره أولى.

وعلى الثالث عشر : بأنّ فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقع بيانا لقوله : «خذوا عنّي مناسككم» ولا خلاف في وجوب اتّباعه فيه إذا ورد بيانا لخطاب سابق ، وهو أبلغ دلالة من القول المجرّد عن الفعل ، لأنّه يدلّ بالمشاهدة على المقصود.

وأيضا ، فإنّ وجوب التحلّل وقع مستفادا من أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم بذلك ، غير أنّهم كانوا ينتظرون إنجاز وعد الله تعالى لهم بالفتح والظهور على قريش في

__________________

(١) الجواب للآمدي في الإحكام : ١ / ١٢٨.

٥٤٦

تلك السنة ، وأن ينسخ الله عنهم الأمر بالتحلّل وأداء ما كانوا فيه من الحجّ ، فلمّا تحلّل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آيسوا من ذلك فتحلّلوا.

وعلى الرابع عشر : بالمنع من استناد الإجماع إلى فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل إلى قوله : «إذا التقى الختانان» وسؤال عمر لعائشة إنّما كان ليعلم أنّ فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل وقع موافقا لأمره أم لا.

وخلع الخاتم مباح ، فلمّا خلع أحبّوا موافقته ، لا لاعتقادهم وجوبه عليهم.

وتقبيل الحجر غير واجب على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا على غيره ، أقصى ما في الباب : أنّ فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدلّ على ترجيحه من غير وجوب ، وهو متّفق عليه.

وعلى الخامس عشر : أنّ الاحتياط ان يحمل الفعل على الوجوب إذا دلّت الدلالة عليه ، فإذا لم تدلّ أمنّا ضرر تركه ، والخطر حاصل في اعتقاد وجوبه ، لأنّا لا نأمن أن يكون غير واجب ، فنكون معتقدين اعتقادا لا نأمن كونه جهلا.

ولأنّ الاحتياط إنّما يمكن القول به لو خلا عن احتمال الضرر قطعا ، وفيما نحن فيه يحتمل أن يكون الفعل حراما على الأمّة.

اعترض (١) بأنّه لو غمّ الهلال ليلة الثلاثين من رمضان ، احتمل أن يكون يوم الثلاثين يوم العيد ، ومع ذلك يجب صومه احتياطا ، وإن احتمل تحريمه.

__________________

(١) المعترض هو الآمدي في الإحكام : ١ / ١٢٩.

٥٤٧

بل الحقّ أنّ أولويّة الاحتياط إنّما هي لما ثبت وجوبه ، كالصلاة المنسيّ بعينها ، أو كان الأصل وجوبه ، كصوم ثلاثين ، أمّا ما عساه أن يكون واجبا وغيره ، فلا ، وما نحن فيه كذلك ، حيث لم يتحقّق فيه وجوب ولا الأصل وجوبه.

وعلى السادس عشر : بالمنع من كون الإتيان بمثل فعل العظيم تعظيما له ، وفي كون تركه إهانة ، بل قد يكون تعاطي الإتيان بمثل فعل الغير حطّا من قدره واستنقاصا به ، فإنّه يقبح من العبد الجلوس على سرير سيّده ، والركوب على مركبه ، ولو فعله استحق الذمّ.

ثمّ لو كانت متابعته في أفعاله موجبة لتعظيمه ، وتركها موجبا لإهانته ، لوجب متابعته عند ما إذا ترك بعض ما تعبّدنا به من العبادات ، ولم يعلم سبب تركه ، وهو خلاف الإجماع (١).

وفيه نظر ، إذ الأمر ورد باتّباعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترك المخالفة له ، والمشاقّة بأن يكون في شقّ ونحن في آخر ، وهذا يقتضي كون الإتيان بجميع ما فعله تعظيما له ، ومبالغة في الامتثال بالتبعيّة ، والانقياد إلى الطاعة ، بخلاف جلوس العبد على سرير مولاه ، لأنّه الّذي يمتاز به المولى عنه ، وليس البحث في الفعل الّذي تعبّدنا فيه بشيء ، بل فيما جهلنا حاله ، بخلاف تركه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما تعبّدنا بالإتيان به.

وعلى السابع عشر : بأنّه لا يلزم من كون الفعل بيانا للقول أن يكون موجبا

__________________

(١) الاستدلال للآمدي في الإحكام : ١ / ١٢٩.

٥٤٨

لما يوجبه القول ، ولهذا فإنّ الخطاب القوليّ يستدعي وجوب الجواب ، ولا كذلك الفعل.

وعلى الثامن عشر : بتسليم كونه حقّا وصوابا بالنسبة إليه ، لا أنّ حكم أمّته حكمه.

وعلى التاسع عشر : بأنّ كون الواجب أكمل ، لا يقتضي كون جميع أفعاله واجبة ، بل أغلب أفعاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير الواجب من المندوب والمباح ، وليس حمل فعله على النادر أولى من حمله على الغالب.

وعلى العشرين : يمنع التنفير على تقدير عدم مشاركتنا في الفعل ، ولو ثبت في ذلك تنفير ، لكان إنّما يحصل لو لم يجب علينا مثل ما وجب عليه ، فإذا لم نعلم أنّ ما فعله واجب عليه فلا تنفير في كونه غير واجب علينا.

وعلى الحادي والعشرين : بأنّ الفعل آكد في الإبانة عن صفة الفعل من القول ، وليس الفعل وصفا للوجوب ، حتّى يكون أدلّ عليه من الأمر.

احتجّ القائلون بالندب بوجوه :

الأوّل : قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(١) جعل التأسّي به حسنة ، وأقلّ درجاتها الندب ، فيحمل عليه أخذا بالمتيقّن.

الثاني : الظاهر من أفعاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّها لا تكون إلّا حسنة ، وهي لا تخرج عن الواجب والندب ، وحمله على الندب أولى ، لأنّه الغالب من أفعاله.

__________________

(١) الأحزاب : ٢١.

٥٤٩

الثالث : تطابق أهل الاعصار على الاقتداء في الأفعال بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو يدلّ على انعقاد الإجماع على أنّه يفيد النّدب.

الرابع : فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس راجح العدم ، لامتناع الذّنب منه ، ولا مساويه ، وإلّا كان عبثا ، فتعيّن رجحان الوجود.

ولمّا انقسمت أفعاله إلى واجبة ومندوبة ، والقدر المشترك ، هو رجحان الوجود ، وعدم الوجوب ثابت بمقتضى الأصل ، فأثبتنا الرّجحان المطلق مع عدم الوجوب.

والاعتراض (١) على الأوّل : «بما تقدّم ، من أنّ التأسّي هو إيقاع الفعل على وجهه ، فلو فعله واجبا أو مباحا ، وفعلناه ندبا ، لما يحصل التأسّي».

وفيه نظر ، فإنّ استحباب التأسّي غير استحباب الفعل ، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا فعل فعلا علمنا وجهه ، استحبّ لنا الإتيان بمثله على وجهه ، وان لم نعلمه حملناه على الندب لأصالة البراءة.

وعلى الثاني : بالمنع من عموميّة الندب في أفعاله ، بل المباح.

وعلى الثالث : أنّا لا نسلّم أنّهم استدلّوا بمجرّد الفعل ، فلعلّهم استندوا معه إلى قرائن أخرى.

وعلى الرابع : بأنّ فعل المباح ليس عبثا ، لاشتماله على منفعة ناجزة ، والعبث ، الخالي عن الغرض.

احتجّ القائلون بالإباحة : بأنّ الذنب لا يصدر عنه ، فينحصر فعله في

__________________

(١) المعترض هو الرازي في المحصول : ١ / ٥١٠ وقد تنظّر فيه المصنّف كما سيوافيك.

٥٥٠

الواجب ، والندب ، والمباح ، وهي مشتركة في رفع الحرج ، فيجب تحقّقه ، والزائد عليه مشكوك فيه ، والأصل عدمه ، عملا بالاستصحاب ، فقد ثبت انتفاء الحرج في فعله قطعا ، وانتفاء الرجحان ظاهرا ، فيكون مباحا ، إلّا ما دلّ الدليل على وجوبه أو ندبه ، وإذا كان مباحا ظاهرا في حقّه ، كان كذلك في حقّنا ، لدليل التأسّي.

والاعتراض : ما تقدّم على آية التأسّي ، مع أنّا نقول به فيما لم يظهر فيه قصد القربة.

احتج القائلون بالوقف : بأنّ فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متردّد بين أن يكون خاصّا به وغير خاصّ ، والثاني متردّد بين الأحكام الثلاثة ، ولا صيغة للفعل تدلّ على أحدهما بخصوصه ، وليس البعض أولى ، فيجب الوقف.

والاعتراض : إن أرادوا بالوقف أنّا لا نحكم بإيجاب ولا ندب إلّا أن يقوم دليل عليه ، فهو حقّ.

وإن أرادوا به أنّ الثابت أحد هذه ، لكنّا لا نعرفه بعينه ، فخطأ ، لأنّ ذلك يستدعي دليلا ، وقد بيّنّا أنّه لا دلالة للفعل على شيء سوى مطلق الترجيح ، مع ظهور قصد القربة ، وعلى نفي الحرج مطلقا ، مع عدم ظهوره.

٥٥١

المبحث الرّابع :

في وجوب التأسي

اختلف الناس في ذلك فذهب جماهير الفقهاء والمعتزلة إليه ، على معنى أنّه إذا علمنا أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل فعلا على وجه الوجوب ، فقد تعبّدنا أن نفعله على وجه الوجوب ، وإن علمنا أنّه تنفّل به ، كنا متعبّدين بالتنفّل به ، وإن علمنا أنّه فعل على وجه الإباحة ، كنا متعبّدين باعتقاد إباحته ، وجاز لنا فعله.

وقال أبو علي بن خلّاد (١) تلميذ أبي هاشم من المعتزلة : إنّا متعبّدون بالتأسّي به في العبادات ، دون غيرها من المناكحات والمعاملات.

وأنكر بعض النّاس ذلك كلّه.

احتجّ الأوّلون بوجوه :

الأوّل : قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً)(٢) ولو لا أنّه متّبع في أفعاله مقتدى به ، لم يكن للآية معنى.

__________________

(١) تقدّمت ترجمته ص ٥٢٩.

(٢) الأحزاب : ٣٧.

٥٥٢

الثاني : قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ)(١) جعل الاتّباع لازما للمحبّة الواجبة ، فلو لم تجب المتابعة ، لزم من عدمها عدم المحبّة الواجبة ، وهو حرام بالإجماع.

وقوله تعالى : (فَاتَّبِعُوهُ)(٢) وهو يتناول أفعال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يتناول أقواله.

الثالث : قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)(٣) جعل التأسّي من لوازم رجاء الله ، ويلزم من عدم التأسّي عدم الملزوم ، وهو كفر ، ولم يفرق الله تعالى بين أفعال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المباحة وغيرها.

الرابع : أجمعت الصحابة على الرجوع إلى أفعاله ، كالرجوع في الغسل من التقاء الختانين ، وتقبيل الحجر ، وغيرهما ممّا لا يحصى كثرة ، وهو يدلّ على أنّ أفعاله لا بدّ وأن يتّبع فيها.

اعترض (٤) على الأوّل : بأنّ التأسّي فى التزويج لا يدلّ على المتابعة في غيره.

وعلى الثاني والثالث بمنع العموم فيهما ، إذ لا عموم فيهما ، ولهذا يحسن أن يقال : «لفلان أسوة بفلان في كلّ شيء ، أو في شيء معيّن ، دون غيره» ولو كان

__________________

(١) آل عمران : ٣١.

(٢) الأنعام : ١٥٥.

(٣) الأحزاب : ٢١.

(٤) نقله الآمدي في الإحكام : ١ / ١٣١ ، ثمّ أجاب عنه ـ كما سيوافيك ـ.

٥٥٣

لفظ الأسوة عامّا لم يقبل القسمة إليه وإلى ما ينافيه ، وإذا انتفى العموم كفى في العمل بمقتضاه التأسّي به في فعل ما ، ونحن نوجب التأسّي في أقواله ، وفيما دلّ الدليل على التأسّي به في أفعاله ، كقوله : «صلّوا» و «خذوا».

وعلى الرابع : المنع من استناد أفعالهم إلى التأسّي بأفعاله ، أمّا في المباح فإلى الأصل ، وأمّا في غيره من الأحكام فإلى قوله الدالّ عليها.

والجواب عن الأوّل : لا دلالة في الآية على خصوص المتابعة في ذلك ، ولو لا وجوب المتابعة في الجميع وإلّا لما فهم المؤمنون من إباحة ذلك للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إباحة ذلك لهم ، ولا يمكن الاستناد إلى الإباحة الأصليّة ، وإلّا لم يكن للتعليل معنى.

وفيه نظر ، لأنّ التخصيص ثابت بالتنصيص على هذا الحكم ، لقوله (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) فكيف يعتقد في مثل هذا العموم؟

وعن الثاني : أنّ المقصود من إيجاد التأسّي والاتّباع إظهار شرفه ، فإمّا أن يكون باتّباعه في جميع الأشياء ، وهو المطلوب أو في فعل معيّن ، ولا دلالة للفظ عليه ، أو مبهم ، وهو أبعد من عادة الشرع في خطابه ، لأنّه موضح وكاشف.

ولأنّه لا إظهار فيه لشرف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقولنا : «لك أسوة في فلان في جميع الأشياء» يفيد التأكيد ، وليس تكرارا خاليا عن الفائدة.

وقولنا : «في هذا الشيء» لا تناقض فيه ، لأنّ عموم المتابعة إنّما يستفاد من التأسّي المطلق ، والمتابعة المطلقة ، وهذا ليس بمطلق ، بل معيّن.

٥٥٤

أمّا إذا قلنا : «لك اسوة في فلان» فإنّه يفيد العموم ، إذ العرف إنّما يطلق ذلك إذا كان فلان قدوة لك في جميع الأشياء.

وقوله : (فَاتَّبِعُوهُ)(١) وإن لم يفد العموم ، فإنّه يفيد اتّباعه في أفعاله ، لأنّ ذلك اتّباع له ، والخطاب مطلق.

وأيضا ، فانّه إذا لم يكن للعموم ، أفاد التأسّي به في الجملة ، وهو المطلوب.

وعن الثالث : بأنّ المشهور المأثور عن الصحابة اتّفاقهم بعد اختلافهم على التمسّك بأفعاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والرجوع إليها ، واحتجاج بعضهم على بعض بها.

احتجّ المانعون : بالأصل.

وقوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(٢) إنّما يفيد التأسّي به في شيء واحد ، لكونه نكرة ، واخبارا عن الماضي ، وهو يكفي فيه وقوع التأسّي به فيما مضى.

والجواب : ما تقدّم من ثبوت التعميم.

والأصل مخالف لدليل ، وقد بيّنّاه.

__________________

(١) الأنعام : ١٥٣.

(٢) الأحزاب : ٢١.

٥٥٥

المبحث الخامس :

في جهة العلم بالتأسي

اعلم أنّه لا دلالة عقليّة على وجوب مثل فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا سمعيّة ما لم يعرف وجه فعله.

أمّا العقليّة ، فلأنّه لو علم بالعقل لعلم وجه وجوبه ، لامتناع وجوب ما لا يختصّ بوجه وجوب ، ويمتنع أن يعلم بالعقل وجوب شيء دون آخر ، إلّا وقد علم افتراقهما فيما اقتضى وجوب أحدهما ، ولا وجه يعقل لوجوب اتّباعه في أفعاله ، إلّا أن يقال : ما يجب على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب أن يكون واجبا علينا ، أو يقال : إذا لم يتّبعه في أفعاله نفّر ذلك عنه.

والوجهان باطلان ، أمّا الأوّل ، فلأنّه إنّما تعبّد بالفعل ، لأنّه مصلحة له ، ولا يعلم وجه كونه مصلحة ، ليعلم الاشتراك فيه ، بخلاف المعرفة (١) لأنّ وجه وجوبها مشترك بين العقلاء.

ولأنّه ، لا يجب اشتراك المكلّفين في جميع المصالح ، فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبيح له ما لم يبح لنا ، وأوجب عليه ما لم يوجب علينا.

__________________

(١) أي وجوب معرفة الله تعالى.

٥٥٦

وأمّا الثاني ، فلأنّ التنفير إن حصل بالمفارقة في فعل واحد ، لزم التنفر بما فارقناه من المناكح ، ووجوب صلاة الليل ، وغير ذلك من خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن حصل بالمفارقة في جميع الأفعال ، فهو باطل ، لانّه لو قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي متعبّد بما في العقل ، وبأداء ما أؤدّيه إليكم ، وما عدا ذلك مصلحة لكم دوني» لم يكن في ذلك تنفير ، فكذا ما ذكرناه.

على أنّه لو ثبت ذلك ، لم يحصل منه كوننا متعبّدين بمثل ما فعله من جهة العقل ، لأنّ الّذي يقبح هو مفارقته في الجميع ، لا في البعض ، فلا بدّ من دليل غير العقل يميّز لنا بين ما تعبّدنا به من أفعاله ، ممّا لم نتعبّد به.

لا يقال : لو لم يلزم الرجوع إلى أفعاله من جهة العقل لم يلزم الرجوع إلى أقواله ، ولأنّا لو لم نتّبعه في أفعاله ، كنّا قد خالفناه ، ولا يجوز مخالفته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

لأنّا نقول : الفرق ظاهر بين الأقوال ، والأفعال ، فإنّ الأقوال موضوعة في اللّغة لمعانيها ، من الأمر ، والنهي ، والخبر والحكمة تقتضي أنّ من خاطب قوما بلغتهم يعني بالخطاب ما عنوه ، وهذه [الطريقة] ليست ثابتة في الأفعال ، ولو كنّا متعبّدين بالرجوع إلى أفعاله ، لكان الوجه ما تقدّم من الأمرين.

ومخالفته هي أن لا نفعل ما أوجبه علينا ، أو أن نفعل ما حرّمه ، ونحن نمنع دلالة أفعاله على الإيجاب علينا ، ولا يوصف بكوننا مخالفين له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما اختصّ به من العبادات وغيرها.

وأمّا انتفاء الدلالة السّمعيّة إلّا مع علم الوجه فلما تقدّم في المبحث الرابع.

واعلم أنّ جماعة استدلّوا على أنّ أفعاله ليست على الوجوب بوجوه :

٥٥٧

الأوّل : لا دليل على وجوب مثل فعله علينا فيكون منفيّا.

وهو غلط ، فإنّه لا يلزم من نفي الدليل نفي المدلول.

الثاني : دليل اتّباعنا لأفعاله هو قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(١).

وقوله : (فَاتَّبِعُوهُ)(٢) وقد بيّنّا أنّ التأسّي [هو] إيقاع ما أوقعه على الوجه الّذي أوقعه ، واتّباعه إنّما هو مع اتّحاد الوجه.

اعترضه أبو الحسين : بأنّ دليل التأسّي والاتّباع اقتضى إيقاع ما أوقعه ، على الوجه الّذي أوقعه ، فمن أين ، أنّ ما لا يعلم الوجه فيه ، لا يجب علينا فعله؟

فإن قلتم : لعدم دليل على الاتّباع والتأسّي سوى الآيتين.

قلنا : فإذن الدالّ على عدم وجوب فعله علينا من غير اعتبار الوجه ، هو عدم الدليل ، وهذا هو الدليل الأوّل. (٣)

الثالث : إمّا أن يجب مثل فعله علينا باعتبار الوجه ، وهو قولنا ، أو من غير اعتباره ، فيجب علينا ، وإن علمنا أنّه أوقعه على وجه الندب ، وهو باطل بالإجماع وبدليل التأسّي.

اعترضه أبو الحسين : بتجويز أن تكون مصلحتنا أن نفعل مثل فعله ، إذا لم نعلم الوجه ، وإذا عرفنا أنّه أوقعه لا على وجه الوجوب ، كان فعلنا له واجبا

__________________

(١) الأحزاب : ٢١.

(٢) الأنعام : ١٥٣ و ١٥٥.

(٣) المعتمد : ١ / ٣٥١.

٥٥٨

مفسدة ، ولهذا لو ورد التصريح بالتعبّد بذلك شاع.

لا يقال : إذا كنّا لو عرفنا أنّه تنفّل به ، كان فعلنا لمثله واجبا مفسدة ، فيجب إذا فعلناه على وجه الوجوب ، ونحن لا نعلم الوجه الّذي أوقعه عليه أن نكون مقدمين على ما لا نأمن كونه مفسدة ، لتجويز كونه قد تنفّل به.

لأنّا نقول : إيقاعنا الفعل على وجه الوجوب ، إذا لم نعلم الوجه الّذي أوقعه هو المصلحة ، وإن أوقعه على جهة الندب ، وإذا علمنا ذلك من حاله ، فإيقاعنا له على وجه الوجوب مفسدة (١).

وفيه نظر ، فإنّ تجويز المصلحة لا يستلزم الوجوب ، وكيف يصحّ الجزم بكونه مصلحة مع تجويز المخالفة الّتي هي مفسدة.

الرابع : لو دلّ فعله على وجوب مثله علينا ، لدلّ عليه مطلقا ، من غير اعتبار وقت ، لعدم إمكان ان يدلّ على وجوب مثله في ذلك الوقت بعينه ، لتعذّره ، ولا يمكن أن يدلّ على وجوب مثله في مثل ذلك الوقت ، لأنّه ليس بأن يدلّ على ذلك ، بأولى من أن يدلّ على وجوب مثله في أقرب الأوقات إليه.

فظهر أنّه لو دلّ على وجوب مثله ، لدلّ عليه مطلقا ، فيجب إذا فعل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعلا ثمّ تركه ، وفعل ضدّه ، أن يدلّ فعله وفعل ضدّه على وجوبهما علينا في حالة واحدة ، وهو محال.

لا يقال : ينتقض بما إذا أمرنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ، وأمسك عن الأمر به ، فإنّه يستلزم أن يجب علينا الفعل وضدّه.

__________________

(١) المعتمد : ١ / ٣٥١ ـ ٣٥٢.

٥٥٩

لأنّا نقول : إمساكه عن الأمر ، ليس مشاركا للأمر به في صيغته الموضوعة للوجوب ، وضدّ الفعل مشارك للفعل في كونه فعلا ، فقد شاركه في دلالته على الوجوب.

اعترضه [أبو الحسين] : بأنّ فعله إمّا أن يدلّ على وجوب مثله في مثل وقته ، فيجب علينا مثل فعله في مثل وقته ، وفعل ضدّه في مثل وقت فعل ضدّه ، ولا امتناع في إيجاب الضّدّين في وقتين.

وإمّا أن يدلّ على وجوب مثله لا في وقت معيّن ، فيلزم إذا فعل فعلا وضدّه ، أن يجب علينا الفعل وضدّه في وقتين غير معيّنين حتّى نفعل كلّا منهما في وقت ، أيّ وقت شئنا.

على أنّه ينتقض بما إذا فعل فعلا. وقال : إنّه واجب ، ثمّ فعل ضدّه ، ونص على وجوبه أيضا. (١)

الخامس : لو دلّ فعله على وجوب مثله علينا ، لدلّ على وجوب مثله عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

اعترضه [أبو الحسين] : بأنّه دعوى مجرّدة عن برهان ، (٢) فللخصم أن يقول : قد دلّ الدليل عندي على وجوب مشاركتنا له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صورة الفعل ، ولم يدلّ على وجوب تكرار الفعل منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) المعتمد : ١ / ٣٥٢.

(٢) المعتمد : ١ / ٣٥٣.

٥٦٠