تذكرة الفقهاء - ج ٦

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٦

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: ٣٤٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

أمضاها وإن شاء حبسها ) (١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه جميل بن درّاج ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان : « إنّه بالخيار إلى زوال الشمس ، وإن كان تطوّعاً فإنّه إلى الليل بالخيار » (٢) .

وقال أبو حنيفة : يجب المضيّ فيه ، ولا يجوز الإِفطار إلّا لعذر ، فإن أفطر قضاه (٣) .

وروي عن محمد أنّه إذا دخل على أخ فحلف عليه ، أفطر وعليه القضاء (٤) .

وقال مالك : يجب بالدخول فيه ، ولا يجوز له الخروج عنه إلّا لعذر ، وإذا خرج منه لعذر لا يجب القضاء ـ وبه قال أبو ثور (٥) ـ لأنّ عائشة قالت : أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوّعتين فاُهدي لنا حَيْس ، فأفطرنا ، ثم سألنا رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : ( اقضيا يوماً مكانه ) (٦) .

ولأنّها عبادة تلزم بالنذر ، فلزمت بالشروع فيها كالحج والعمرة (٧) .

والخبر ضعيف عند المحدّثين (٨) ، ومحمول على الاستحباب .

__________________

(١) سنن النسائي ٤ : ١٩٣ ـ ١٩٤ .

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ـ ٢٨١ / ٨٤٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٢ / ٣٩٦ .

(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٢ ، المجموع ٦ : ٣٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢ ، المغني ٣ : ٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣١١ .

(٤) حلية العلماء ٣ : ٢١٢ .

(٥) المجموع ٦ : ٣٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢ .

(٦) أوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ٩٢ ، والشرح الكبير ٣ : ١١٣ ، وفي سنن أبي داود ٢ : ٣٣٠ / ٤٥٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٧٩ بتفاوت .

(٧) بداية المجتهد ١ : ٣١١ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٦٨ ، اختلاف العلماء : ٧٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢ ، المجموع ٦ : ٣٩٤ ، المغني ٣ : ٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١١٣ .

(٨) راجع : المغني ٣ : ٩٣ ، والشرح الكبير ٣ : ١١٥ .

٢٢١
 &

وإحرام الحجّ آكد من الشروع هنا ، ولهذا لا يخرج منه باختياره ولا بإفساده .

إذا عرفت هذا ، فإنّ جميع النوافل من سائر العبادات لا تجب بالشروع فيها إلّا الحج والعمرة ؛ فإنّهما يجبان بالشروع فيهما ؛ لتأكّد إحرامهما .

ولعموم قوله : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّـهِ ) (١) .

وعن أحمد رواية : أنّه لا يجوز قطع الصلاة المندوبة ، فإن قطعها قضاها (٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ ما جاز ترك جميعه جاز ترك بعضه كالصدقة .

أمّا لو دخل في واجب ، فإن كان معيّناً ـ كنذر معيّن ـ لم يجز له الخروج منه ، وإن كان مطلقاً ـ كقضاء رمضان أو النذر المطلق ـ فإنّه يجوز الخروج منه ، إلّا قضاء رمضان بعد الزوال .

مسألة ١٥٤ : كلّ صوم يلزم فيه التتابع إلّا أربعة : صوم النذر المجرّد عن التتابع وما في معناه من يمين أو عهد ؛ لأصالة البراءة . وصوم قضاء رمضان ، وصوم جزاء الصيد ، وصوم السبعة في بدل الهدي .

أمّا ما عدا هذه الأربعة ، كصوم كفّارة الظهار والقتل والإِفطار وكفّارة اليمين وأذى حلق الرأس وثلاثة أيام الهدي ؛ فإنّه يجب فيها التتابع .

قال الصادق عليه السلام : « صيام ثلاثة أيام في كفّارة اليمين متتابعاً لا يفصل بينهن » (٣) .

مسألة ١٥٥ : مَنْ وجب عليه صوم شهرين متتابعين‌ إمّا في كفّارة أو نذر أو شبهه إذا أفطر في الشهر الأول أو بعد انتهائه قبل أن يصوم من الشهر الثاني ‌

__________________

(١) البقرة : ١٩٦ .

(٢) المغني ٣ : ٩٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١١٥ .

(٣) الكافي ٤ : ١٤٠ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٨٣ / ٨٥٦ ، وفيهما : « متتابعات » بدل « متتابعاً » .

٢٢٢
 &

شيئاً ، استأنف .

وإن كان أفطر لعذر من مرض أو حيض وشبهه ، لم ينقطع تتابعه ، بل ينتظر زوال العذر ثم يتمّ صومه ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي في الحيض ، أمّا المرض فله قولان (١) ـ لمساواة المرض الحيض في كونه عذراً ، فتساويا في سقوط التتابع .

ولاشتماله على الضرر وربما تجدّد عذر آخر فيستمرّ التكليف ، وهو مشقة عظيمة .

ولأنّ رفاعة سأل الصادق عليه السلام ـ في الصحيح ـ عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهراً ومرض ، قال : « يبني عليه ، الله حبسه » قلت : امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها ؛ قال : « تقضيها » قلت : فإنّها قضتها ثم يئست من الحيض ؛ قال : « لا تعيدها أجزأها » (٢) .

ولو أفطر في الشهر الأول أو بعد إكماله قبل أن يصوم من الثاني شيئاً لغير عذر ، استأنف ، بإجماع فقهاء الإِسلام ؛ لأنّه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في عهدة التكليف .

ولو صام من الشهر الثاني شيئاً بعد الشهر الأول ولو يوماً ثم أفطر ، جاز له البناء ، سواء كان لعذر أو لغير عذر ، عند علمائنا كافة ـ خلافاً للعامة كافّة (٣) ـ لأنّه بصوم بعض الشهر الثاني عقيب الأول تصدق المتابعة ؛ لأنّها أعمّ من المتابعة بالكلّ أو بالبعض ، والأعم من الشيئين صادق عليهما ، فيخرج عن العهدة بكلّ واحد منهما .

__________________

(١) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣٢٠ ، وراجع : المهذب للشيرازي ٢ : ١١٨ ، والإِشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٤٤٤ ، وحلية العلماء ٧ : ١٩٤ ، وفتح العزيز ٦ : ٥٣٤ .

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٤ / ٨٥٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٤ / ٤٠٢ .

(٣) كما في المعتبر للمحقق الحلي : ٣٢٠ .

٢٢٣
 &

ولرواية الحلبي ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليه السلام : « في كفّارة الظهار صيام شهرين متتابعين ، والتتابع أن يصوم شهراً ويصوم من الآخر أيّاماً أو شيئاً منه » (١) .

فروع :

أ ـ لا يجوز لمن عليه صوم شهرين متتابعين أن يصوم ما لا يسلم له الشهر الأول ومن الثاني شيئاً ، فليس له أن يصوم شعبان منفرداً إلّا إذا صام قبله ولو يوماً من آخر رجب .

ولا تكفي متابعة شهر رمضان ؛ لأنّه صوم استحقّ بأصل التكليف ، والتتابع وصف لصوم الكفّارة ، وأحدهما غير الآخر ، فلا يقوم أحدهما مقام الآخر .

ب ـ لا شك في أنّه إذا صام من الثاني شيئاً ثم أفطر ، يحصل به التتابع ، لكن هل يكون الإِفطار له سائغاً أو حراماً ؟ قولان لعلمائنا .

والمعتمد : الأول ؛ لأنّ الصادق عليه السلام حدَّ التتابعَ « بأن يصوم شهراً ويصوم من الآخر أياماً أو شيئاً منه » (٢) .

نعم الأولى تركه ؛ لاشتماله على الخلاف وترك المسارعة إلى فعل الطاعة .

ج ـ لو سافر قبل أن يصوم من الثاني شيئاً ، فإن تمكّن من ترك السفر ، انقطع تتابعه ووجب عليه الاستئناف ، وإن كان مضطرّاً ، لم ينقطع ويُتمّ بعد رجوعه .

د ـ المرض والحيض والنفاس أعذار‌ يصحّ معها التتابع والبناء مطلقاً .

مسألة ١٥٦ : العبد إذا وجب عليه صوم شهر متتابع في كفّارة وشبهها‌ ،

__________________

(١ و ٢) الكافي ٤ : ١٣٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٨٣ / ٨٥٦ .

٢٢٤
 &

والحُرّ إذا وجب عليه شهر متتابع بنذر وشبهه ، فصام خمسة عشر يوماً ثم أفطر لعذر أو غيره ، جاز له البناء ، وإن أفطر قبل ذلك لغير عذر ، استأنف ، ولعذر يبني ؛ لما روي عن الصادق عليه السلام ، في رجل جعل عليه صيام شهر فصام منه خمسة عشر يوماً ثم عرض له أمر ، قال : « إن كان صام خمسة عشر يوماً فله أن يقضي ما بقي ، وإن كان أقلّ من خمسة عشر يوماً لم يجزئه حتى يصوم شهراً تامّاً » (١) .

مسألة ١٥٧ : صوم ثلاثة أيام بدل الهدي في الحج متتابعة إجماعاً ، فلو صام يوماً ثم أفطر ، استأنف مطلقاً .

وإن صام يومين ثم أفطر فكذلك ، إلّا أن يصوم يوم التروية وعرفة ، فإنّه يفطر العيد ، ويأتي بثالث بعد انقضاء أيام التشريق ؛ لأنّ يحيى الأزرق سأل أبا الحسن عليه السلام ، عن رجل قدم يوم التروية متمتّعاً وليس له هدي ، فصام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : « يصوم يوماً آخر بعد أيام التشريق » (٢) .

أمّا لو كان الثالث غير العيد ، بأن صام يومين غير يوم التروية وعرفة ثم أفطر الثالث ، استأنف .

واعلم أنّ كلّ صوم يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر ، بنى ، وإن كان لغير عذر ، استأنف ، إلّا في المواضع الثلاثة ، وهي : تتابع الشهرين ، أو الشهر ، أو ثلاثة أيام بدل الهدي بالعيد (٣) .

مسألة ١٥٨ : يكره للمسافر النكاح في نهار رمضان مع وجوب القصر‌ ، وليس محرَّماً ، فإن كانت مسافرةً معه ، جاز لهما معاً الجماع .

وكذا لو قدم من سفره ووجدها مفطرةً لمرض أو حيض طهرت منه ‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٧ / ٤٣٦ ، التهذيب ٤ : ٢٨٥ / ٨٦٣ .

(٢) التهذيب ٥ : ٢٣١ / ٧٨١ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٩ / ٩٩٢ .

(٣) أي : لا يستأنف صومه إذا كان إفطاره في صومه الثلاثة أيام حاصلاً بالعيد .

٢٢٥
 &

حينئذٍ ؛ لسقوط فرض الصوم عنهما .

ولو غرّته فقالت : إنّي مفطرة ؛ فوطأها ، أفطرت ولا كفّارة عليه عن نفسه ؛ لإِباحة الفطر له ، ولا عَنْها ؛ لغروره ، ولا صنع له فيه ، ويجب عليها كفّارة عن نفسها .

ولو علم بصومها ، فإن طاوعته ، وجب عليها الكفّارة عن نفسها ، ولا يجب عليه شي‌ء .

وإن أكرهها ، فلا كفّارة عليه عن نفسه ، وتجب عليه كفّارة عنها .

ولا فرق في الإِكراه بين أن يغلبها على نفسها ، أو يتهدّدها بضرب وشبهه فتُطاوعه ، ولا تفطر في الحالين .

وقال الشافعي : لا تفطر في الاُولى ، وفي التهدد قولان (١) .

مسألة ١٥٩ : يكره السفر في رمضان إلّا لضرورة‌ ـ إلّا إذا مضت ثلاثة وعشرون يوماً من الشهر فتزول الكراهة ـ لما فيه من التعريض لإِبطال الصوم ، ولمنعه عن ابتداء العبادة وإحراز فضيلته في شهر رمضان ، وبعد ثلاثة وعشرين مضى أكثر وقت العبادة مشغولاً بها .

وكذا تنتفي الكراهة مع الضرورة ، كالخوف على فوات مال أو هلاك أخ أو المضيّ في حجّ أو زيارة ؛ لأنّ الصادق عليه السلام قال : « إذا دخل شهر رمضان فليس للرجل أن يخرج إلّا في حج أو في عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه ، وليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه ، فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء » (٢) .

وروى أبو بصير سأل الصادق عليه السلام : جُعلت فداك يدخل علَيَّ ‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٤ و ٣٢٥ و ٣٣٦ ، فتح العزيز ٦ : ٣٨٦ و ٣٩٩ .

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٦ / ٦٢٦ .

٢٢٦
 &

شهر رمضان فأصوم بعضه ، فتحضرني نية في زيارة قبر أبي عبدالله عليه السلام ، فأزوره واُفطر ذاهباً وجائياً أو اُقيم حتى اُفطر وأزوره بعدما اُفطر بيوم أو يومين ؟ فقال : « أقم حتى تفطر » قلت له : جُعلت فداك فهو أفضل ؟ قال : « نعم أما تقرأ في كتاب الله ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (١) » (٢) .

وروى ابن بابويه أنّ تشييع المؤمن أفضل من المقام عن الصادق عليه السلام ، عن الرجل يخرج يشيّع أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة ، فقال : « إن كان في شهر رمضان فليفطر » فسُئل أيّهما أفضل يصوم أو يخرج يشيّع أخاه ؟ فقال : « يشيّعه إنّ الله عزّ وجلّ وضع الصوم عنه إذا شيّعه » (٣) .

مسألة ١٦٠ : لو وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز عن ذلك ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على الصدقة ، قال : « فلْيصم ثمانية عشر يوماً عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام » (٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو قدر على صيام شهر لا غير ، ففي وجوبه إشكال ، وكذا لو تمكّن من صيام شهرين لكن متفرّقة ، ففي وجوبه إشكال .

والأقرب : أنّ الثمانية عشر متتابعة ، مع احتمال عدمه .

مسألة ١٦١ : لو نذر صوم يوم بعينه فوافق ذلك أن يكون مسافراً‌ ، أفطر وقضاه ، إلّا أن يقيّد نذره بالسفر والحضر فيصومه مسافراً .

ويصح نذر صوم يوم من شهر رمضان ـ خلافاً لبعض (٥) علمائنا ـ وإن‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٥ .

(٢) التهذيب ٤ : ٣١٦ / ٩٦١ .

(٣) الفقيه ٢ : ٩٠ / ٤٠١ .

(٤) التهذيب ٤ : ٣١٢ / ٩٤٤ .

(٥) هو أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٥ .

٢٢٧
 &

كان الصوم واجباً بغير النذر ؛ لما فيه من التشديد في فعل الواجب .

ولو أفطره ، فإن قلنا بعدم انعقاده ، فلا بحث ، وإن قلنا بانعقاده ، ففي تعدّد الكفّارة إشكال .

أمّا لو نذر صومه في السفر عن رمضان أو غيره لم يصحّ .

ولو نذر صوم الدهر واستثنى الأيام المحرَّم صومها ، انعقد .

فلو كان عليه قضاء من رمضان أو وجب عليه بغير ذلك ، لزمه أن يصوم القضاء مقدّماً على صوم النذر ؛ لأنّه واجب ابتداءً بأصل الشرع .

فإذا صامه فالزمان الذي قضى فيه هل يدخل تحت النذر ؟ إشكال ينشأ : من ظهور استحقاقه للقضاء ، فلم يدخل في النذر ، كشهر رمضان ، ومن دخوله في النذر ؛ لأنّه لو صامه عن النذر وقع عنه ، وبقي القضاء في ذمته .

إذا ثبت هذا ، فلا كفّارة عليه في هذه الأيام التي فاتته من نذره ؛ لأنّه لا يمكنه فعلها ، كالمريض إذا أفطر ثم اتّصل مرضه بموته .

وقال بعض الشافعية : تلزمه الكفّارة ؛ لأنّه عجز عن صوم الواجب عجزاً مؤبّداً فلزمته الكفّارة ، كالشيخ الهم (١) .

وهو معارض ببراءة الذمة .

وإذا وجب على صائم الدهر واجباً ، كفّارة مخيّرة أو مرتّبة ، صام عن الكفّارة ؛ لأنّه كالمستثنى .

وإذا نذر صوم قدوم زيد ، لم ينعقد ؛ لأنّه إن قدم ليلاً ، لم يجب صومه ؛ لعدم الشرط ، وإن قدم نهاراً ؛ فلعدم التمكّن من صيام اليوم المنذور .

وقال الشيخ رحمه الله : إن وافق قدومه قبل الزوال ولم يكن تناول شيئاً مُفطراً ، جدّد النيّة ، وصام ذلك اليوم ، وإن كان بعد الزوال ، أفطر ، ولا قضاء عليه فيما بَعْد (٢) .

__________________

(١) المجموع ٦ : ٣٩١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢ .

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨١ .

٢٢٨
 &

ولو نذر يوم قدومه دائماً ، سقط وجوب اليوم الذي قدم فيه ، ووجب صومه فيما بَعْدُ .

ولو اتّفق في رمضان ، صامه عن رمضان خاصة ، وسقط المنذور ؛ لأنّه كالمستثنى ، ولا قضاء عليه .

ولو صامه عن النذر ، وقع عن رمضان ولا قضاء عليه . وفيه إشكال .

وإذا نذر صوم يوم بعينه ، فقدَّم صومه ، لم يجزئه ؛ لأنّه قدَّم الواجب على وقته ، فلا يحصل به الامتثال ، كما لو قدّم رمضان .

مسألة ١٦٢ : لو نذر صوم يوم بعينه دائماً ، فوجب عليه صوم شهرين متتابعين‌ لإِحدى الكفّارات ، قال الشيخ : يصوم في الشهر الأول عن الكفّارة ؛ تحصيلاً للتتابع ، وإذا صام من الثاني شيئاً ، صام ما بقي عن النذر ؛ لسقوط التتابع (١) .

وقال بعض علمائنا : يسقط التكليف بالصوم ؛ لعدم إمكان التتابع ، وينتقل الفرض إلى الإِطعام (٢) . وليس بجيّد .

ويحتمل صوم ذلك اليوم عن النذر ، ثم لا يسقط التتابع لا في الأول ولا في الأخير ؛ لأنّه عذر لا يمكنه الاحتراز عنه .

ولا فرق بين تقدّم وجوب الكفّارة عن النذر وتأخّره . وقول الشيخ فيه بعض القوة .

وإذا نذر أن يصوم في بلد معيّن ، للشيخ قولان ، أحدهما : يتعيّن البلد (٣) . والثاني : أنّه يصوم أين شاء (٤) .

__________________

(١) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ٣٥٩ ، والمحقق في شرائع الإِسلام ٣ : ١٨٨ .

(٢) ابن إدريس في السرائر : ٣٥٩ .

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٢ .

(٤) حكاه عنه المحقق في شرائع الإِسلام ٣ : ١٨٩ .

٢٢٩
 &

والوجه أن يقال : إن كان الصوم في بعض البلاد يتميّز عن الصوم في الآخر ، تعيّن ما نَذَره ، وإلّا فلا . والأقرب : عدم تميّز البلاد في ذلك .

مسألة ١٦٣ : إذا نذر صوم سنة معيّنة‌ ، وجب عليه صومها ، إلّا العيدين وأيّام التشريق لمَنْ كان بمنى ، فإن لم يشترط التتابع حتى أفطر في أثنائها ، قضى ما أفطره ، وصام الباقي ، ووجب عليه الكفّارة في كلّ يوم يُفطره ؛ لتعيّنه للصوم بالنذر على ما تقدّم .

وإن شرط التتابع ، استأنف .

وقيل : إن جاز النصف ، بنى ولو فرّق (١) .

هذا إذا كان إفطاره لغير عذر ، وإن كان لعذر بنى ويقضي ولا كفّارة عليه .

ولو نذر صيام سنة غير معيّنة ، تخيّر في التتالي والتفريق إن لم يشترط التتابع .

ولو نذر صوم شهر ، تخيّر بين ثلاثين يوماً وبين صوم شهر هلالي من أول الهلال إلى آخره ، ويجزئه ولو كان ناقصاً .

وإذا صام في أثناء الشهر ، أتمّ عدّة ثلاثين ، سواء كان تامّاً أو ناقصاً .

ولو نذره متتابعاً ، وجب عليه أن يتوخّى ما يصحّ فيه ذلك ، ويجتزئ بالنصف . ولو شرع في أول ذي الحجة ، لم يجزئ ؛ لانقطاع التتابع بالعيد .

ولو نذر أن يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، فوالى الصوم ، قال ابن إدريس : وجب عليه كفّارة خُلْف النذر (٢) . وفيه نظر .

ويشترط في نذر الصوم التقرّب ، فلو نذر صومه لا على وجه التقرّب ، بل لمنع النفس أو على جهة اليمين ، لم ينعقد .

__________________

(١) حكاه عن بعض الأصحاب ، المحقّق في شرائع الإِسلام ٣ : ١٩٢ .

(٢) السرائر : ٩٦ .

٢٣٠
 &

ولو نذر صوماً ولم يعيّن ، أجزأه صوم يوم .

ولو نذر أن يصوم زماناً ، وجب عليه صوم خمسة أشهر .

ولو نذر أن يصوم حيناً ، كان عليه أن يصوم ستة أشهر ؛ لقوله تعالى : ( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ) (١) .

روى السكوني عن الباقر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال في رجل نذر أن يصوم زماناً ، قال : « الزمان خمسة أشهر ، والحين ستة أشهر ؛ لأنّ الله تعالى يقول : ( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ) » (٢) .

ولا ينعقد نذر العبد إلّا بإذن مولاه . وكذا الزوجة لا ينعقد إلّا بإذن الزوج .

مسألة ١٦٤ : يستحب السحور إجماعاً .

روى العامة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( تسحّروا فإنّ في السحور بركةً ) (٣) .

ومن طريق الخاصة : ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام « أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : إنّ الله تعالى وملائكته يصلّون على المستغفرين والمتسحّرين بالأسحار ، فليتسحّر أحدكم ولو بشربة من ماء » (٤) .

ويستحب تأخيره ؛ لما رواه العامة عن زيد بن ثابت قال : تسحّرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ثم قُمْنا إلى الصلاة ، قلت : كم كان قدر ‌

__________________

(١) إبراهيم : ٢٥ .

(٢) الكافي ٤ : ١٤٢ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠٩ / ٩٣٣ ، وفيهما : السكوني عن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام . . .

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٣٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٧٠ / ١٠٩٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٤٠ / ١٦٩٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٨٨ / ٧٠٨ ، سنن النسائي ٤ : ١٤٠ ، مسند أحمد ٢ : ٤٧٧ .

(٤) الفقيه ٢ : ٨٧ / ٣٨٩ ، المقنع : ٦٤ .

٢٣١
 &

ذلك ؟ قال : خمسين آيةً (١) .

ومن طريق الخاصة : أنّ رجلاً سأل الصادق عليه السلام ، فقال : آكل وأنا أشكّ في الفجر ، فقال : « كُلْ حتى لا تشك » (٢) .

ولأنّ القصد القوّة على الطاعة .

قال أحمد بن حنبل : إذا شكّ في الفجر يأكل حتّى يستيقن طلوعه . وهو قول ابن عباس والأوزاعي (٣) ، وهو الذي نقلناه عن الصادق عليه السلام .

ويستحب تعجيل الإِفطار بعد صلاة المغرب إن لم يكن هناك مَنْ ينتظره للإِفطار ، ولو كان ، استحبّ تقديمه على الصلاة .

روى العامة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : ( يقول الله تعالى : أحب عبادي إليَّ أسرعهم فطراً ) (٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام وقد سئل عن الإِفطار قبل الصلاة أو بعدها ، فقال : « إن كان (٥) قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم ، فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك ، فليصلّ وليفطر » (٦) .

مسألة ١٦٥ : يستحب الإِفطار على التمر أو الزبيب أو الماء أو اللبن‌ ؛ لأنّ الباقر عليه السلام قال : « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ، يفطر على ‌

__________________

(١) أوردها نصّاً ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٨٢ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٧٧١ / ١٠٩٧ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٤٠ / ١٦٩٤ ، وسنن النسائي ٤ : ١٤٣ بتفاوت .

(٢) الفقيه ٢ : ٨٧ / ٣٩٠ .

(٣) المغني ٣ : ١٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٨٣ ، مسائل أحمد : ٩٣ .

(٤) أوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١١٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٨١ ، وفي سنن الترمذي ٣ : ٨٣ / ٧٠٠ ، ومسند أحمد ٢ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ : ( أعجلهم ) بدل ( أسرعهم ) .

(٥) في المصادر زيادة : « معه » .

(٦) الكافي ٤ : ١٠١ ( باب وقت الإِفطار ) الحديث ٣ ، التهذيب ٤ : ١٨٥ ـ ١٨٦ / ٥١٧ ، والفقيه ٢ : ٨١ / ٣٦٠ .

٢٣٢
 &

الأسودين » قلت : رحمك الله وما الأسودان ؟ قال : « التمر والماء أو الزبيب والماء » (١) .

وأنّ علياً عليه السلام ، كان يستحب أن يُفطر على اللبن (٢) .

ويستحب للصائم الدعاء عند إفطاره ؛ فإنّ له دعوةً مستجابةً ؛ لما رواه الباقر عليه السلام : « أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كان إذا أفطر قال : اللهم لك صُمْنا وعلى رزقك أفطرنا ، فتقبّله منّا ، ذهب الظمأ وابتلّت العروق وبقي الأجر » (٣) .

وكان الباقر عليه السلام ، يقول في كلّ ليلة من شهر رمضان عند الإِفطار إلى آخره : « الحمد لله الذي أعاننا فصُمْنا ورزقنا فأفطرنا ، اللهم تقبّل منّا وأعنّا عليه ، وسلّمنا فيه ، وتسلّمه منّا في يُسْر منك وعافية ، الحمد لله الذي قضى عنّا يوماً من شهر رمضان » (٤) .

مسألة ١٦٦ : يستحب تفطير الصائم‌ .

قال الصادق عليه السلام : « مَنْ فطّر صائماً فله مثل أجره » (٥) .

ورواه العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله (٦) .

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٩٨ / ٥٦٩ .

(٢) التهذيب ٤ : ١٩٩ / ٥٧٤ ، والمحاسن : ٤٩١ / ٥٧٨ .

(٣) الكافي ٤ : ٩٥ ( باب ما يقول الصائم إذا أفطر ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ١٩٩ ـ ٢٠٠ / ٥٧٦ وفيه : جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام .

(٤) الكافي ٤ : ٩٥ ( باب ما يقول الصائم إذا أفطر ) الحديث ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٠٠ / ٥٧٧ ، والفقيه ٢ : ٦٦ ـ ٦٧ / ٢٧٤ ، وفيها : أبو بصير عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : « تقول في كلّ ليلة » إلى آخره .

(٥) الكافي ٤ : ٦٨ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٠١ / ٥٧٩ ، والفقيه ٢ : ٨٥ / ٣٨٠ .

(٦) سنن الترمذي ٣ : ١٧١ / ٨٠٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٥٥ / ١٧٤٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٤٠ ، المعجم الكبير للطبراني ٥ : ٢٥٥ / ٥٢٦٧ ، والمغني ٣ : ١١١ ، والشرح الكبير ٣ : ٨٤ .

٢٣٣
 &

وعن الباقر عليه السلام قال : « خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله في آخر جمعة من شعبان ، فحمد الله وأثنى عليه وتكلّم بكلام ، ثم قال : قد أظلّكم شهر رمضان ، مَنْ فطّر فيه صائماً كان له بذلك عند الله عزّ وجلّ عتق رقبة ومغفرة ذنوبه فيما مضى ، قيل له : يا رسول الله ليس كلّنا يقدر أن يُفطّر صائماً ، قال : إنّ الله كريم يعطي هذا الثواب لمن لا يقدر إلّا على مَذْقَةٍ (١) من لبن يفطّر بها صائماً أو شربة من ماء عذب أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك » (٢) .

قال ابن عباس : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كان أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان ، وكان أجود من الريح المرسلة (٣) .

مسألة ١٦٧ : ليلة القدر ليلة شريفة نطق بفضلها القرآن العزيز‌ ، وهي أفضل ليالي السنة ، خصّ الله تعالى بها هذه الاُمّة . ومعنى القدر الحُكْم .

قال ابن عباس : سُمّيت ليلة القدر ، لأنّ الله تعالى يُقدّر فيها ما يكون في تلك السنة من خير ومصيبة ورزق وغير ذلك (٤) .

روى العامة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال : ( مَنْ صام رمضان وقام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه ) (٥) .

__________________

(١) الممذوق : اللبن الممزوج بالماء . والمَذْقَة : الشربة منه . لسان العرب ١٠ : ٣٣٩ و ٣٤٠ .

(٢) الكافي ٤ : ٦٦ ـ ٦٧ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٥٧ / ١٩٨ و ٤ : ٢٠٢ / ٥٨٣ ، وفي الكافي والموضع الأول من التهذيب ضمن حديث .

(٣) صحيح مسلم ٤ : ١٨٠٣ / ٢٣٠٨ ، صحيح البخاري ١ : ٥ و ٣ : ٣٣ ، سنن النسائي ٤ ١٢٥ ، مسند أحمد ١ : ٢٨٨ و ٣٦٣ .

(٤) المغني ٣ : ١١٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١١٦ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٠ .

(٥) صحيح مسلم ١ : ٥٢٣ ـ ٥٢٤ / ٧٦٠ ، صحيح البخاري ٣ : ٣٣ ، سنن الترمذي ٣ ٦٧ / ٦٨٣ بتفاوت .

٢٣٤
 &

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « ليلة القدر هي أول السنة وهي آخرها » (١) .

و « اُري رسول الله صلّى الله عليه وآله ، في منامه بني اُميّة يصعدون منبره من بعده يُضلّون الناس عن الصراط القهقرى ، فأصبح كئيباً حزيناً ، فهبط عليه جبرئيل فقال : يا رسول الله ما لي أراك كئيباً حزيناً ؟ قال : ( يا جبرئيل إنّي رأيت بني اُميّة في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يُضلّون الناس عن الصراط القهقرى ) فقال : والذي بعثك بالحقّ إنّ هذا لشي‌ء ما اطّلعت عليه ؛ ثم عرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآيٍ من القرآن يؤنسه بها ، منها : ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (٢) وأنزل عليه : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (٣) جعل ليلة القدر لنبيّه صلّى الله عليه وآله ، خيراً من ألف شهر من ملك بني اُميّة » (٤) .

إذا عرفت هذا ، فإنّها باقية لم ترتفع إجماعاً ؛ لما رواه العامة عن أبي ذر ، قال ، قلت : يا رسول الله ليلة القدر رُفعت مع الأنبياء أو هي باقية إلى يوم القيامة ؟ فقال : ( باقية إلى يوم القيامة ) قلت : في رمضان أو غيره ؟ فقال ( في رمضان ) فقلت : في العشر الأول أو الثاني أو الأخير ؟ فقال : ( في العشر الأخير ) (٥) .

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام : « ليلة القدر تكون في‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٦٠ / ١١ ، الفقيه ٢ : ١٠١ / ٤٥٢ .

(٢) الشعراء : ٢٠٥ ـ ٢٠٧ .

(٣) القدر : ١ ـ ٣ .

(٤) الكافي ٤ : ١٥٩ / ١٠ ، التهذيب ٣ : ٥٩ / ٢٠٢ ، والفقيه ٢ : ١٠١ / ٤٥٣ .

(٥) أوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١١٧ ، والشرح الكبير ٣ : ١١٦ ، وفي المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٣٧ نحوها .

٢٣٥
 &

كلّ عام ، لو رُفعت ليلة القدر لرُفع القرآن » (١) .

إذا عرفت هذا ، فأكثر العلماء على أنّها في شهر رمضان (٢) .

وكان ابن مسعود يقول : مَنْ يُقم الحول يُصِبْها (٣) ؛ يشير بذلك إلى أنّها في السنة كلِّها .

ويستحب طلبها في جميع ليالي رمضان ، وفي العشر الآخر آكد ، وفي ليالي الوتر منه آكد .

روى العامّة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال : ( اُطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين ) (٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ، إذا دخل العشر الأواخر شدّ المئزر واجتنب النساء وأحيى الليل وتفرّغ للعبادة » (٥) .

وقد اختلف العلماء ، فقال اُبيّ بن كعب وعبدالله بن عباس : هي ليلة سبع وعشرين (٦) .

وقال مالك : هي في العشر الأواخر ، وليس فيها تعيين (٧) .

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٥٨ / ٧ ، والفقيه ٢ : ١٠١ / ٤٥٤ ، وجملة « ليلة القدر تكون في كلّ عام » فيهما من كلام السائل .

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ١١٧ ، المجموع ٦ : ٤٥٠ و ٤٥٩ ، وتفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٥ .

(٣) المغني والشرح الكبير ٣ : ١١٧ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٥ .

(٤) أوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١١٨ ، والشرح الكبير ٣ : ١١٧ . وبتفاوت في مصنّف ابن أبي شيبة ٢ : ٥١١ و ٣ : ٧٦ ، ومسند أحمد ٣ : ٧١ .

(٥) الكافي ٤ : ١٥٥ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٠٠ / ٤٤٩ .

(٦) المغني والشرح الكبير ٣ : ١١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٥ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٤ ـ ١٣٥ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٨٨ .

(٧) حلية العلماء ٣ : ٢١٥ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٥ .

٢٣٦
 &

وقال ابن عمر : إنّها ليلة ثلاث وعشرين (١) .

وقال أبو حنيفة وأحمد : إنّها ليلة السابع والعشرين (٢) .

ومَيْلُ الشافعي إلى أنّها ليلة الحادي والعشرين (٣) .

وأمّا علماؤنا ، فنقل الصدوق عن الصادق عليه السلام قال : « في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير ، وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء ، وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها ، ولله عزّ وجلّ أن يفعل ما يشاء في خلقه » (٤) .

مسألة ١٦٨ : شهر رمضان شهر شريف تُضاعف فيه الحسنات ، وتُمحى فيه السيّئات‌ .

« قال رسول الله صلّى الله عليه وآله ، لمّا حضر شهر رمضان ، وذلك في ثلاث بقين من شعبان ، قال لبلال : نادِ في الناس ، فجمع الناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيّها الناس إنّ هذا الشهر قد خصّكم الله به ، وهو سيد الشهور ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، تُغلق فيه أبواب النار ، وتُفتح فيه أبواب الجنان ، فمَنْ أدركه ولم يُغْفر له فأبعده الله ، وَمْن أدرك والديه ولم يُغْفر له فأبعده الله ، ومَنْ ذُكِرْتُ عنده ولم يُصلّ عليَّ فأبعده الله » (٥) .

وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله ، إذا دخل شهر رمضان أطلق كلّ أسير وأعطى كلّ سائل (٦) .

__________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٦ .

(٢) الشرح الكبير ٣ : ١١٨ ، وأما قول أبي حنيفة فلم نعثر عليه في مظانّه .

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ١٣٥ .

(٤) الفقيه ٢ : ١٠٠ ـ ١٠١ / ٤٥١ .

(٥) الكافي ٤ : ٦٧ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٥٩ / ٢٥٥ ، التهذيب ٤ : ١٩٢ ـ ١٩٣ / ٥٤٩ .

(٦) الفقيه ٢ : ٦١ / ٢٦٣ .

٢٣٧
 &

وينبغي ترك المماراة في الصوم والتنازع والتحاسد .

قال الصادق عليه السلام : « إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده » ثم قال : « قالت مريم : ( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا ) (١) أي : صمتاً ، فإذا صُمْتم فاحفظوا ألسنتكم وغضّوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا » قال : « وسمع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، امرأةً تسابَّ جاريةً لها وهي صائمة ، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله بطعام ، فقال لها : كُلي ؛ فقالت : إنّي صائمة ؛ فقال : كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك !؟ إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب » (٢) .

ويكره إنشاد الشعر ؛ لما فيه من المنع للاشتغال عن الذكر .

قال الصادق عليه السلام : « لا يُنشد الشعر بليل ولا يُنشد في شهر رمضان بليل ولا نهار » قال له إسماعيل : يا أبتاه فإنّه (٣) فينا ؛ قال : « وان كان فينا » (٤) .

وروى حمّاد بن عثمان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سمعته يقول : « تكره رواية الشعر للصائم والمُحْرم في الحرم وفي يوم الجمعة ، وأن يُروى بالليل » قلت : وإن كان شعر حقّ ؟ قال : « وإن كان شعر حقّ » (٥) .

__________________

(١) مريم : ٢٦ .

(٢) التهذيب ٤ : ١٩٤ / ٥٥٣ ، والكافي ٤ : ٨٧ / ٣ .

(٣) في الطبعة الحجرية والفقيه : فإن كان . بدل فإنّه .

(٤) الكافي ٤ : ٨٨ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٦٨ / ٢٨٢ ، التهذيب ٤ : ١٩٥ / ٥٥٦ .

(٥) التهذيب ٤ : ١٩٥ / ٥٥٨ .

٢٣٨
 &

الفصل التاسع في الاعتكاف‌

ومطالبه ستة :

الأول : الماهية .‌

الاعتكاف لغةً : اللبث الطويل .

قال الله تعالى : ( مَا هَـٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ) (١) .

وأمّا في الشرع : فإنّه عبارة عن لبث مخصوص للعبادة .

وهو مشروع في شريعتنا والشرائع السابقة ، مستحب بإجماع العلماء .

قال الله تعالى : ( أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ ) (٢) .

وقال تعالى : ( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) (٣) .

وروى العامة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان يعتكف في العشر الأواخر (٤) .

__________________

(١) الأنبياء : ٥٢ .

(٢) البقرة : ١٢٥ .

(٣) البقرة : ١٨٧ .

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٦٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٣٠ / ١١٧١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٤ / ١٧٧٣ ، سنن الترمذي ٣ : ١٦٦ / ٨٠٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٣١ / ٢٢٦٢ و ٢٢٦٣ .

٢٣٩
 &

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ، إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد ، وضُربت له قبّة من شعر ، وشمّر المئزر وطوى فراشه » (١) .

مسألة ١٦٩ : وقد أجمع أهل العلم كافة على أنّه ليس بفرض‌ في ابتداء الشرع ، وإنّما يجب بالنذر وشبهه .

روى العامة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( مَنْ أراد أن يعتكف فليعتكف العشر الأواخر ) (٢) علّقه بالإِرادة ، ولو كان واجباً لما كان كذلك .

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « إذا اعتكف يوماً ولم يك اشترط فله أن يخرج ويفسخ اعتكافه ، وإن أقام يومين ولم يك اشترط فليس له أن يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام » (٣) .

وقد أجمع المسلمون على استحبابه ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان يعتكف في كلّ سنة ويُداوم عليه .

وأفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان .

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين وعُمرتين ) (٤) وداوَمَ على اعتكافها حتى قبضه الله تعالى .

فمَنْ رغب إلى المحافظة على هذه السنّة فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس يوم العشرين حتى لا يفوته شي‌ء من ليلة الحادي والعشرين ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ / ٥١٧ ، التهذيب ٤ : ٢٨٧ / ٨٦٩ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ ـ ١٣١ / ٤٢٦ .

(٢) أوردها ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٣ ، وبتفاوت في صحيح مسلم ٢ : ٨٢٥ / ٢١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٣١٥ .

(٣) الكافي ٤ : ١٧٧ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٦ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ ـ ٢٩٠ / ٨٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢١ ، وفي المصادر عن الإِمام الباقر عليه السلام .

(٤) الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣١ .

٢٤٠