الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: ٣٤٣
ونوافل الجمعة والأدعية وأداء الجمعة على وجهها والسعي إليها ؛ جمعاً بين الأدلّة .
وقد روى علماؤنا أنّ صوم داود على نبيّنا وآله وعليه السلام ، فَعَله رسول الله صلّى الله عليه وآله (١) .
قال رسول الله عليه وآله السلام : ( أحبّ الصيام إلى الله تعالى صيام أخي داود عليه السلام ، كان يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، وأحبّ الصلاة إلى الله تعالى صلاة أخي داود ، كان يرقد شطر الليل ويقوم ثُلْثه ثم يرقد آخره ) (٢) .
المطلب الرابع : في صوم الإِذن والتأديب
مسألة ١٣٧ : لا ينعقد للعبد الصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه ؛ لأنّه مملوك ليس له التصرّف في نفسه ، ومنافعه مستحقّة لغيره ، وربما تضرّر السيد بضعفه بالصوم ، فإن أذن له مولاه ، صحّ . هذا في صيام التطوّع .
ولقول زين العابدين عليه السلام : « وأمّا صوم الإِذن فالمرأة لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذن زوجها ، والعبد لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه ، والضيف لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن صاحبه ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : مَنْ نزل على قوم فلا يصوم تطوّعاً إلّا بإذنهم » (٣) .
أمّا الفرض فلا ، وكذا ليس له أن ينذر الصوم إلّا بإذن مولاه . وهذا كلّه
__________________
(١) الكافي ٤ : ٨٩ ـ ٩٠ / ١ و ٢ ، الفقيه ٢ : ٤٩ / ٢١٠ ، الخصال : ٣٩٠ / ٨٠ ، التهذيب ٤ : ٣٠٢ / ٩١٣ .
(٢) صحيح البخاري ٢ : ٦٣ و ٤ : ١٩٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨١٦ / ١٨٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ / ٢٤٤٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٤٦ / ١٧١٢ ، سنن النسائي ٣ : ٢١٤ ـ ٢١٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٣ و ٤ : ٢٩٥ ـ ٢٩٦ .
(٣) الكافي ٤ : ٨٣ ـ ٨٦ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ ـ ٤٨ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ ـ ٢٩٦ / ٨٩٥
لا خلاف فيه . ولا فرق بين أن يكون المولى حاضراً أو غائباً .
مسألة ١٣٨ : ليس للمرأة أن تصوم تطوّعاً إلّا بإذن زوجها ، سواء كان الزوج حرّاً أو عبداً ؛ لأنّه مالك لبُضْعها ، وله حقّ الاستمتاع ، وربما يمنعه الصوم عنه ، فلم يكن سائغاً لها إلّا برضاه .
ولا فرق بين أن يكون زوجها حاضراً أو غائباً .
واشترط الشافعي حضوره (١) .
وليس بجيّد ؛ لما اشتمل عليه حديث الزهري عن زين العابدين عليه السلام (٢) .
ولو كان عليها صوم واجب ، لم يعتبر إذنه ، بل يجب عليها فعله ، ولا يحلّ له منعها عنه .
ولو كان الواجب موسّعاً ، ففي جواز منعها من المبادرة لو طلبت التعجيل إشكال .
مسألة ١٣٩ : الضيف لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مضيفه ؛ لما تقدّم في حديث الزهري عن زين العابدين عليه السلام (٣) .
ولما فيه من جبر قلب المؤمن ومراعاته ، فكان مستحبّاً .
ومَنْ صام ندباً ودُعي إلى طعام ، استحبّ إجابة الداعي إذا كان مؤمناً ، والإِفطار عنده ؛ لأنّ مراعاة قلب المؤمن أفضل من ابتداء الصوم .
ولما رواه داود الرقّي عن الصادق عليه السلام ، قال : « لإِفطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضِعْفاً أو تسعين ضِعْفاً » (٤) .
ولا ينبغي للمضيف أن يصوم إلّا بإذن الضيف ؛ لئلّا يلحقه الحياء ، رواه
__________________
(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٥ ، المجموع ٦ : ٣٩٢ .
(٢ و ٣) تقدّم في المسألة ١٣٧ .
(٤) الكافي ٤ : ١٥١ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٥١ / ٢٢١ ، علل الشرائع : ٣٨٧ ، باب ١٢٠ حديث ٢ ، ثواب الأعمال : ١٠٧ / ١ .
الصدوق عن الصادق عليه السلام (١) .
وكذا لا ينبغي للولد أن يتطوّع بالصوم إلّا بإذن والده ؛ لأنّ امتثال أمر الوالد وطاعته أولى ؛ لما رواه الصدوق ـ رحمه الله ـ عن الصادق عليه السلام ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : ( من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه وأمره ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه ، ومن بِرّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن أبويه وأمرهما ، وإلّا كان الضيف جاهلاً ، وكانت المرأة عاصيةً ، وكان العبد فاسداً ، وكان الولد عاقّاً ) (٢) .
مسألة ١٤٠ : صوم التأديب عبارة عن إمساك خمسة عن المفطرات : المسافر والحائض والنفساء والمريض والكافر والصبي ، وليس ذلك صوماً حقيقيّاً ؛ لأنّ هؤلاء قد كانوا مفطرين في أول النهار ، والصوم غير قابل للتجزّي ، لكن يستحب الإِمساك لهم ؛ تشبّهاً بالصائمين .
فإذا قدم المسافر إلى أهله وقد أفطر في سفره ، أمسك بقية النهار تأديباً ، وكذا لو أفطر مسافراً ثم قدم بلداً عزم على الإِقامة فيه عشرة أيام فزائداً ، سواء كان قدومه قبل الزوال أو بعده ، استحباباً وليس بفرض ، وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور وداود (٣) .
وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي : لا يجوز له الأكل بقية النهار (٤) .
__________________
(١) علل الشرائع : ٣٨٤ / ١ .
(٢) الفقيه ٢ : ٩٩ ـ ١٠٠ / ٤٤٥ .
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٣ ، التفريع ١ : ٣٠٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٧ ، المغني ٣ : ٧٤ ـ ٧٥ .
(٤) النتف ١ : ١٤٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٢ ، المغني ٣ : ٧٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ .
وعن أحمد روايتان (١) ، وقد تقدّم (٢) ذلك .
ويجوز له أن يدخل مفطراً .
وينبغي للمسافر الذي يجب عليه التقصير أن لا يتملّأ من الطعام ولا يتروّى من الماء ، بل يتناول منهما قدر الحاجة والضرورة ؛ لحرمة الشهر .
ولما رواه ابن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « إنّي إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل كل (٣) القوت وما أشرب كلّ الري » (٤) .
ويشتدّ استحباب اجتناب النساء ، فلا يواقع في نهار رمضان ، ويكره له ذلك كراهة شديدة ، وبه قال الشافعي (٥) .
وليس محرّماً ؛ لأنّ الصوم ساقط عنه ، فلا مانع له من الجماع المباح بالأصل .
وروى عمر بن يزيد ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، أنّه سأله عن الرجل يسافر في شهر رمضان ، أله أن يصيب من النساء ؟ قال : « نعم » (٦) .
وقال الشيخ رحمه الله : لا يجوز له مواقعة النساء (٧) ـ وبه قال أحمد ، حتى أنّ أحمد قال : تجب به الكفّارة كما يجب به القضاء (٨) ـ لقول الصادق
__________________
(١) المغني ٣ : ٧٤ ـ ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ و ٦٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ .
(٢) تقدّم في المسألة ٩٩ .
(٣) في التهذيب وفي النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق بدل كلّ : إلّا .
(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٠ ـ ٢٤١ / ٧٠٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ / ٣٤٢ ، والفقيه ٢ : ٩٣ / ٤١٦ .
(٥) راجع : الحاوي الكبير ٣ : ٤٤٧ .
(٦) الكافي ٤ : ١٣٣ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ / ٧٠٨ .
(٧) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ .
(٨) المغني ٣ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ .
عليه السلام : « إذا سافر الرجل في رمضان فلا يقرب النساء بالنهار فإنّ ذلك محرّم عليه » (١) .
وهو محمول على شدّة الكراهة ؛ جمعاً بين الأخبار .
ولو قدم من سفره مفطراً ، جاز له ترك الإِمساك ، وأن يأكل ويشرب ويجامع .
مسألة ١٤١ : يستحب للحائض والنفساء الإِمساك إذا طهرتا بعد الفجر ، وليس واجباً عليهما ؛ لأنّهما مفطرتان برؤية الدم ، وقد قلنا : إنّ الصوم لا يتجزّى ، لكن يستحب لهما الإِمساك ؛ تشبّهاً بالصائمين ؛ لحرمة الزمان ؛ لقول الصادق عليه السلام ، وقد سأله أبو الصباح الكناني ، في امرأة ترى الطهر في أول النهار في شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم كيف تصنع بذلك اليوم ؟ قال : « إنّما فطرها من الدم » (٢) .
وكذا الطاهر إذا تجدّد حيضها أو نفاسها في أثناء النهار ، فإنّها تفطر ذلك اليوم ، ويستحب لها الإِمساك تأديباً ؛ لما روى أبو الصباح عن الصادق عليه السلام ، في امرأة أصبحت صائمةً ، فلمّا ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت أتفطر ؟ قال : « نعم ، وإن كان قبل الغروب فلتفطر » (٣) .
وأمّا المستحاضة : فإنّها بحكم الطاهر يجب عليها الصيام ، ويشترط في صحّته أن تفعل ما تفعله المستحاضة من الأغسال إن وجبت عليها ، فإن أخلّت بالأغسال أو ببعضها الواجب عليها ، وجب عليها قضاء الصوم ؛ لانتفاء الغسل الذي هو شرط الصوم .
ولما رواه علي بن مهزيار ، قال : كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلّت وصامت شهر
__________________
(١) علل الشرائع : ٣٨٦ ـ ٣٨٧ ، باب ١١٩ ، حديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ / ٧٠٤ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ / ٣٤١ .
(٢ و ٣) الكافي ٤ : ١٣٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤١٨ .
رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا ؟ فكتب عليه السلام : « تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كان يأمر المؤمنات بذلك » (١) .
قال الشيخ رحمه الله : إنّما لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أنّ عليها لكلّ صلاتين غسلاً ، أو لا تعلم ما يلزم المستحاضة ، فأمّا مع العلم بذلك والترك له على التعمّد فإنّه يلزمها القضاء (٢) .
إذا عرفت هذا ، فلو كان الدم كثيراً وأخلّت بغسل الغداة ، وجب عليها القضاء . وكذا لو أخلّت بغسل الظهرين .
أمّا لو أخلّت بغسل العشاءين ، فالأقرب عدم وجوب القضاء ؛ إذ غسل الليل لا يؤثّر في صوم النهار ، ولم يذكره علماؤنا .
مسألة ١٤٢ : المريض إذا برئ وكان قد تناول المفطر ، أمسك بقية النهار تأديباً لا واجباً ؛ لقول زين العابدين عليه السلام ، في حديث الزهري : « وكذلك مَنْ أفطر لعلّة في أول النهار ثم قوي بقية يومه اُمر بالإِمساك عن الطعام بقية يومه تأديباً وليس بفرض » (٣) .
هذا إذا كان قد تناول شيئاً يفسد الصوم ، فإن كان بُرؤه قبل الزوال ، أمسك وجوباً ، واحتسب به من رمضان ، وإن كان بُرؤه بعد الزوال ، أمسك استحباباً ، وقضاه على ما تقدّم .
مسألة ١٤٣ : الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ في أثناء النهار ، أمسكا استحباباً لا وجوباً ، سواء تناولا شيئاً أو لم يتناولا ، وسواء زال عذرهما قبل
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٣٦ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤١٩ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ / ٩٣٧ .
(٢) التهذيب ٤ : ٣١١ ذيل الحديث ٩٣٧ .
(٣) الفقيه ٢ : ٤٦ ـ ٤٨ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ ـ ٢٩٦ / ٨٩٥ .
الزوال أو بعده ، وهو أحد قولي الشيخ (١) رحمه الله .
وفي الآخر : يجدّدان نية الصوم إذا زال عذرهما قبل الزوال ولم يتناولا ، ولا يجب عليهما القضاء (٢) .
والمعتمد : الأول ؛ لأنّ المتقدّم من الزمان على الإِسلام والبلوغ لا يصح صومه ، والصوم لا يقبل التجزّي .
واحتجاج الشيخ ـ رحمه الله ـ بأنّ الصوم ممكن في حقّهما ، ووقت النية باقٍ ، وقد صار الصبي مخاطباً ببلوغه .
وبعض اليوم إنّما لا يصح صومه إذا لم تكن النية يسري حكمها إلى أوّله ، أمّا إذا كانت بحال يسري حكمها إلى أول الصوم ، فإنّه يصح ، وهو هنا كذلك .
وهو ممنوع ، لأنّ النية هنا لا يسري حكمها إلى أول الصوم ؛ لأنّه قبل زوال العذر غير مكلّف ، والنية إنّما يصح فعلها قبل الزوال للمخاطب بالعبادات ، أمّا غيره فممنوع .
المطلب الخامس : في الصوم المحظور
مسألة ١٤٤ : يحرم صوم العيدين بإجماع علماء الإِسلام .
روى العامة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، نهى عن صوم هذين اليومين ، أمّا يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم ، وأمّا يوم الفطر ففطركم عن صيامكم (٣) .
ومن طريق الخاصة : قول زين العابدين عليه السلام : « وأمّا صوم
__________________
(١) النهاية : ١٥٩ ـ ١٦٠ ، الخلاف ٢ : ٢٠٣ ، المسألة ٥٧ .
(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦ .
(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣١٩ / ٢٤١٦ .
الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى » (١) .
قال الشيخ رحمه الله : القاتل في أحد الأشهر الحرم يجب عليه صوم شهرين متتابعين وإن دخل فيهما العيدان وأيام التشريق (٢) ؛ لأنّ زرارة سأل الباقر عليه السلام عن رجل قتل رجلاً خطأً في الشهر الحرام ، قال : « يغلّظ عليه الدية ، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم » قلت : فإنّه يدخل في هذا شيء ؛ قال : « وما هو ؟ » قلت : يوم العيد وأيام التشريق ؛ قال : « يصوم فإنّه حقّ لزمه » (٣) .
وفي طريقه سهل بن زياد وهو ضعيف ، ومع ذلك فهو مخالف للإِجماع .
مسألة ١٤٥ : لو نذر صوم العيدين لم ينعقد نذره عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ومالك (٤) ـ لأنّ صومه حرام ، فلا ينعقد النذر عليه ، كالليل .
ولأنّه نذر في معصية فلا يصح ؛ لقوله عليه السلام : ( لا نذر في معصية الله ) (٥) .
وقال عليه السلام : ( لا نذر إلّا ما ابتغي به وجه الله ) (٦) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٨٣ ـ ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ ـ ٤٧ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ ـ ٢٩٦ / ٨٩٥ .
(٢) النهاية : ١٦٦ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨١ .
(٣) الكافي ٤ : ١٣٩ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٦ .
(٤) المجموع ٦ : ٤٤٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٨ .
(٥) سنن الترمذي ٤ : ١٠٣ ـ ١٠٤ / ١٥٢٥ ، سنن النسائي ٧ : ١٩ ، سنن الدارقطني ٤ : ١٦ / ٤٦ ، سنن البيهقي ١٠ : ٦٩ ، ومسند أحمد ٢ : ٢٠٧ و ٤ : ٤٣٢ و ٤٤٣ .
(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٥٨ / ٢١٩٢ ، ومسند أحمد ٢ : ١٨٥ .
وقال عليه السلام : ( مَنْ نذر أن يعصي الله فلا يَعْصِه ) (١) .
وقال أبو حنيفة : ينعقد ، وعليه قضاؤه ، ولو صامه أجزأ عن النذر ، وسقط القضاء (٢) .
أمّا لو نذر صوم يوم ، فظهر أنّه العيد ، فإنّه يفطره إجماعاً .
والأقرب : أنّه لا يجب عليه قضاؤه ؛ لأنّه نذر صوم زمان لا يصح الصوم فيه ، فلم ينعقد ، كما لو علم .
مسألة ١٤٦ : صوم أيّام التشريق حرام لمن كان بمنى عند علمائنا وأكثر العلماء (٣) ؛ لما رواه العامة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال : ( أيّام التشريق أيّام أكل وشرب وذكر الله عزّ وجلّ ) (٤) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن صوم ستة أيّام » (٥) وذَكَرها .
ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادق عليه السلام ، عن صيام أيّام التشريق ، فقال : « أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا » (٦) .
وللشافعي قولان ، أحدهما : الجواز للمتمتّع إذا لم يجد الهدي ؛ لأنّ [ ابن ] (٧) عمر وعائشة قالا : لم يرخص في صوم أيّام التشريق إلّا لمتمتّعٍ إذا
__________________
(١) صحيح البخاري ٨ : ١٧٧ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٣٢ / ٣٢٨٩ ، سنن الترمذي ٤ : ١٠٤ / ١٥٢٦ ، سنن النسائي ٧ : ١٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٨٧ / ٢١٢٦ ، سنن الدارمي ٢ : ١٨٤ ، سنن البيهقي ١٠ : ٦٨ ، ومسند أحمد ٦ : ٣٦ و ٤١ و ٢٠٨ و ٢٢٤ .
(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ١٣١ ، المجموع ٦ : ٤٤٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٩ ـ ٤١٠ .
(٣) المغني ٣ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١١١ ـ ١١٢ .
(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٠ / ١١٤١ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٢٤٥ .
(٥) التهذيب ٤ : ١٨٣ / ٥٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٧٩ / ٢٤١ .
(٦) التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٢ / ٤٢٩ .
(٧) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر .
لم يجد الهدي (١) (٢) .
وقولهما ليس حجّةً .
مسألة ١٤٧ : يحرم صوم يوم الشك على أنّه من شهر رمضان ، وصوم نذر المعصية ، وهو : أن ينذر إن تمكّن من زنا أو قتل مؤمن وشبهه من المحارم صام ( أو صلّى ) (٣) وقصد بذلك الشكر لا الزجر ؛ لقوله عليه السلام : ( لا نذر إلّا ما اُريد به وجه الله تعالى ) (٤) .
ويحرم أيضاً صوم الصمت ـ قاله علماؤنا ـ لأنّه غير مشروع عندنا ، فيكون بدعةً .
ولحديث الزهري عن زين العابدين عليه السلام (٥) .
ويحرم صوم الوصال عند علمائنا ـ وللشافعي قولان (٦) ، هذا أحدهما ـ لما رواه العامة عن ابن عمر قال : واصَلَ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، في رمضان فواصَلَ الناس ، فنهى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، عن الوصال ، فقالوا : إنّك تواصل ؛ فقال : ( إنّي لست مثلكم إنّي أظلّ عند ربي يطعمني ويسقيني ) (٧) .
ومن طريق الخاصة : قول زين العابدين عليه السلام : « وصوم الوصال
__________________
(١) سنن الدارقطني ٢ : ١٨٥ ـ ١٨٦ / ٢٧ و ٢٩ و ٣٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٩٨ بتفاوت .
(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٣ و ٤٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠ .
(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ط » .
(٤) سنن أبي داود ٣ : ٢٢٨ / ٣٢٧٣ ، ومسند أحمد ٢ : ١٨٥ بتفاوت .
(٥) الكافي ٤ : ٨٣ ـ ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ ـ ٤٨ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ ـ ٢٩٦ / ٨٩٥ .
(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢١١ ، المغني ٣ : ١١١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٧ .
(٧) صحيح البخاري ٣ : ٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٧٤ / ١١٠٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ٨٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٠٦ / ٢٣٦٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٨٢ بتفاوت .
حرام ، وصوم الصمت حرام » (١) .
والثاني للشافعي : إنّه مكروه غير محرّم (٢) ـ وهو قول أكثر العامة (٣) ، وكان عبدالله بن الزبير يواصل (٤) ـ لأنّه ترك الأكل والشرب المباح ، فلم يكن محرّماً ، كما لو تركه حال الفطر .
ويبطل بما لو ترك الأكل والشرب يوم العيد .
واختلف قول الشيخ ـ رحمه الله ـ في حقيقة الوصال ، فقال في النهاية والمبسوط : هو أن يجعل عشاءه سحوره (٥) ؛ لقول الصادق عليه السلام : « الوصال في الصوم أن يجعل عشاءه سحوره » (٦) .
وقال في الاقتصاد : هو أن يصوم يومين من غير أن يفطر بينهما ليلاً (٧) ـ وهو قول العامة (٨) ـ لما روي عن الصادق عليه السلام ، أنّه قال : « إنّما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا وصال في صيام ؛ يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار » (٩) .
مسألة ١٤٨ : صوم الدهر حرام ؛ لدخول العيدين وأيّام التشريق فيه ، ولا خلاف في تحريمه مع دخول هذه الأيّام .
__________________
(١) تقدمت الإِشارة إلى مصادره في الصفحة السابقة الهامش (٥) .
(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢١١ .
(٣) المغني ٣ : ١١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٦ .
(٤) المغني ٣ : ١١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢١١ ، المجموع ٦ : ٣٥٨ .
(٥) النهاية : ١٧٠ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٣ .
(٦) الكافي ٤ : ٩٥ ـ ٩٦ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩٨ / ٨٩٨ ، والفقيه ٢ : ١١٢ / ٤٧٧ .
(٧) الاقتصاد : ٢٩٣ .
(٨) المغني ٣ : ١١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٦ ، المجموع ٦ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٩ .
(٩) الكافي ٤ : ٩٢ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠٧ / ٩٢٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٨ ـ ١٣٩ / ٤٥٢ .
روى العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( مَنْ صام الدهر ضُيّقت عليه جهنم ) (١) .
ومن طريق الخاصة : قول زين العابدين عليه السلام : « وصوم الدهر حرام » (٢) .
إذا ثبت هذا ، فلو أفطر هذه الأيّام التي نهي عن صيامها هل يكره صيام الباقي ؟ .
قال الشافعي وأكثر الفقهاء : ليس بمكروه (٣) ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، نهى عن صيام ستّة أيام من السنة (٤) ؛ فدلّ على أنّ صوم الباقي جائز .
وقال أبو يوسف : إنّه مكروه ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله نهى عنه (٥) ؛ ولو أراد بالنهي هذه الأيّام لأفردها بالذكر دون صوم الدهر (٦) .
ويحرم صوم الواجب سفراً ـ عدا ما استثني ـ ولا يجزئ . ويحرم صوم المرأة ندباً مع منع الزوج ، والعبد مع منع المولى .
__________________
(١) سنن البيهقي ٤ : ٣٠٠ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ٧٨ .
(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ٢١٠ ، الهامش (٥) .
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٥ ، المجموع ٦ : ٣٨٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢ ، المغني ٣ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٨ .
(٤) سنن الدارقطني ٢ : ١٥٧ / ٨ .
(٥) راجع : صحيح مسلم ٢ : ٨١٤ ـ ٨١٥ / ١٨٦ و ١٨٧ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٤٤ / ١٧٠٥ و ١٧٠٦ ، ومصنف ابن أبي شيبة ٣ : ٧٨ .
(٦) المجموع ٦ : ٣٨٩ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٧٩ .
الفصل الثامن في اللواحق
مسألة ١٤٩ : الشيخ والشيخة إذا عجزا عن الصوم وجَهَدهما الجُهْد الشديد ، جاز لهما الإِفطار إجماعاً .
وهل تجب الفدية ؟ قال الشيخ : نعم فيصدّق عن كلّ يوم بمُدٍّ من طعام (١) .
وبوجوب الكفّارة قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وسعيد بن جبير وطاوس وأحمد (٢) ، إلّا أنّ أبا حنيفة قال : يُطعم عن كلّ يوم نصف صاع من حنطة أو صاعاً من تمر (٣) .
__________________
(١) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٩ ، وفي النهاية : ١٥٩ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ هكذا : وتصدقا عن كل يوم بمُدَّيْن من طعام ، فإن لم يقدر عليه فبمُدّ منه .
(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٠ ، الحجّة على أهل المدينة ١ : ٣٩٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٧ ، النتف ١ : ١٤٨ ، الاختيار ١ : ١٧٧ ، المغني ٣ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠١ .
(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٧٢ و ٩٧ ، الحجّة على أهل المدينة ١ : ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٠ ، المجموع ٦ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ .
وقال أحمد : يُطعم مُدّاً من بُرّ أو نصف صاع من تمر أو شعير (١) .
لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : الشيخ الكبير يُطعم عن كلّ يوم مسكيناً (٢) .
ومن طريق الخاصة : ما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان ، فقال : « يتصدّق بما يجزئ عنه طعام مسكين لكلّ يوم » (٣) .
وقال المفيد (٤) ـ رحمه الله ـ والسيد المرتضى (٥) وأكثر علمائنا (٦) : لا تجب الكفّارة مع العجز ـ وبه قال مالك وأبو ثور وربيعة ومكحول (٧) ، وللشافعي قولان (٨) ، كالمذهبين ـ لأنّه ترك الصوم لعجزه ، فلا يجب به الإِطعام ، كما لو ترك لمرضه .
والفرق ظاهر .
أمّا لو لم يتمكّن من الصوم البتة ، فإنّه يسقط عنه ولا كفّارة . ولو عجز عن الكفّارة ، سقطت أيضاً .
إذا عرفت هذا ، فقد اختلف قول الشيخ ـ رحمه الله ـ في قدر الكفارة ،
__________________
(١) المغني : ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ .
(٢) صحيح البخاري ٦ : ٣٠ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٠٥ / ٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٣٠ .
(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٧ / ٦٩٤ ، الاستبصار ٢ : ١٠٣ / ٣٣٦ .
(٤) المقنعة : ٥٥ ـ ٥٦ .
(٥) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٦ .
(٦) منهم : سلّار في المراسم : ٩٦ ، والسيد ابن زهرة في الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٠٩ ، وابن إدريس في السرائر : ٩١ .
(٧) بداية المجتهد ١ : ٣٠١ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٧٠ ، المغني ٣ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، المجموع ٦ : ٢٥٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٧ ، المحلّى ٦ : ٢٦٥ .
(٨) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٥٨ و ٢٥٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، المغني ٣ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، المحلّى ٦ : ٢٦٥ .
فقال تارةً : مُدّان ، فإن عجز فمُدٌّ (١) ؛ لرواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام ، قال : « ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمُدّين من طعام » (٢) .
وتارة قال : مُدٌّ (٣) . وهو أقوى ؛ عملاً بالأصل .
وبما رواه محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : سمعته يقول : « الشيخ الكبير والذي به العُطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمُدٍّ من طعام ، ولا قضاء عليهما » (٤) .
مسألة ١٥٠ : ذو العُطاش الذي لا يرجى بُرؤه يفطر ويتصدّق عن كلّ يوم بمُدٍّ من طعام ، كما تقدّم . وهو أحد قولي الشيخ (٥) رحمه الله .
والثاني : أنّه يتصدّق بمُدَّيْن ، فإن عجز فبمُدٍّ (٦) ؛ للضرر المبيح للإِفطار ، كما اُبيح للمريض .
ولما رواه المفضّل بن عمر عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : إنّ لنا فتياناً (٧) وبناتٍ لا يقدرون على الصيام من شدّة ما يصيبهم من العطش ؛ قال : « فليشربوا مقدار ما تروى به نفوسهم وما يحذرون » (٨) .
وأمّا الصدقة : فلعجزه عن الصيام .
__________________
(١) النهاية : ١٥٩ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ ، التبيان ٢ : ١١٩ .
(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٨ / ٦٩٨ .
(٣) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣١٩ .
(٤) الكافي ٤ : ١١٦ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٥ ، التهذيب ٤ : ٢٣٨ / ٦٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٠٤ / ٣٣٨ .
(٥) راجع : الاستبصار ٢ : ١٠٤ ، الحديث ٣٣٨ و ٣٣٩ ، وذيله .
(٦) النهاية : ١٥٩ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ ، التبيان ٢ : ١١٩ .
(٧) في « ط ، ف » والطبعة الحجرية : شُبّاناً . بدل فتياناً .
(٨) الكافي ٤ : ١١٧ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ / ٧٠٣ .
ولقول الصادق عليه السلام فيمن ترك الصيام ، قال : « إن كان من مرض فإذا برئ فليصمه ، وإن كان من كِبَر أو لعطش فبدل كلّ يوم مُدٌّ » (١) .
وأمّا سقوط القضاء : فلأنّه أفطر لعجزه عن الصيام والتقدير دوامه ، فيدوم المسبّب .
ولتفصيل الصادق عليه السلام ، والتفصيل قاطع للشركة .
وأمّا العطّاش الذي يرجى برؤه : فإنّه يفطر إجماعاً ؛ لعجزه عن الصيام ، وعليه القضاء مع البُرء ؛ لأنّه مرض وقد زال ، فيقضي ، كغيره من الأمراض .
وهل تجب الكفّارة ؟ قال الشيخ رحمه الله : نعم (٢) ، كما تجب في العطاش الذي لا يرجى زواله .
ومنع المفيد والسيد المرتضى (٣) .
إذا ثبت هذا ، فلا ينبغي لهؤلاء أن يتملّوا من الطعام ولا من الشراب ولا يقربوا النساء في النهار .
مسألة ١٥١ : الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا خافتا على أنفسهما ، أفطرتا ، وعليهما القضاء بلا خلاف بين علماء الإِسلام ، ولا كفّارة عليهما ؛ لما رواه العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( إنّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم ) (٤) .
ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ قال : سمعت الباقر عليه السلام ، يقول : « الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٣٩ / ٧٠٠ وفيه : « فليقضه » بدل « فليصمه » .
(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ ، الاقتصاد : ٢٩٤ .
(٣) المقنعة : ٥٦ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٦ .
(٤) سنن الترمذي ٣ : ٩٤ / ٧١٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٣ / ١٦٦٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٣١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٤٧ .
لا حرج عليهما أن تُفطرا في شهر رمضان لأنّهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تُفطر بمُدٍّ من طعام ، وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بَعْدُ » (١) .
إذا عرفت هذا ، فالصدقة بما تضمّنته الرواية واجبة .
ولو خافتا على الولد من الصوم ، أفطرتا إجماعاً ؛ لأنّه ضرر على ذي نفس آدمي محترم ، فأشبه الصائم نفسه . ويجب عليهما القضاء مع زوال العذر ، وعليهما الصدقة عن كلّ يوم بمُدٍّ من طعام ، ذهب إليه علماؤنا والشافعي وأحمد (٢) ـ إلّا أنّه يقول : مُدٌّ من بُرٍّ أو نصف صاع من تمر أو شعير (٣) ـ وبه قال مجاهد (٤) ؛ لقوله تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) (٥) .
قال ابن عباس : كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يُفطرا ويُطعما لكلّ يوم مسكيناً ، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا . رواه العامة (٦) .
ومن طريق الخاصة : ما تقدّم من حديث محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام (٧) ؛ فإنّه عليه السلام سوّغ لهما الإِفطار مطلقاً ، وأوجب عليهما القضاء والصدقة ، وهو يتناول ما إذا خافتا على الولد كما يتناول ما إذا خافتا على
__________________
(١) الكافي ٤ : ١١٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٨٤ ـ ٨٥ / ٣٧٨ ، التهذيب ٤ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ / ٧٠١ .
(٢) الاُم ٢ : ١٠٣ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٧ و ٢٦٨ و ٢٦٩ ، الوجيز ١ : ١٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦ ، مختصر المزني : ٥٧ ، المغني ٣ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣ .
(٣) المغني ٣ : ٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٧ .
(٤) المجموع ٦ : ٢٦٩ .
(٥) البقرة : ١٨٤ .
(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٩٦ / ٢٣١٨ .
(٧) تقدّم الحديث في صدر المسألة .
أنفسهما .
وتتصدّقان بما تقدّم (١) في الشيخ والشيخة ؛ لأنّه جبر لإِخلالهما بالصوم مع القدرة عليه .
والقول الثاني للشافعي : إنّ الكفّارة تجب على المرضع دون الحامل ـ وهو رواية عن أحمد (٢) ، وبه قال الليث بن سعد ـ لأنّ المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها ، بخلاف الحامل .
ولأنّ الحمل متّصل بالحامل ، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها (٣) .
والفرق لا يقتضي سقوط القضاء مع ورود النصّ به ، وهو : الآية والأحاديث .
وقال أبو حنيفة : لا تجب عليهما كفّارة ـ وهو مذهب الحسن البصري وعطاء والزهري وربيعة والثوري والأوزاعي وأبي ثور وأبي عبيد بن داود والمزني وابن المنذر ـ لأنّ أنس بن مالك روى عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( إنّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم ) (٤) .
ولأنّه فطر اُبيح لعذر ، فلم تجب به كفّارة كالمريض (٥) .
__________________
(١) تقدم في المسألة ١٤٩ .
(٢) في بعض المصادر : رواية عن مالك . وفي بعضها الآخر : قول مالك . ولم نعثر على رواية عن أحمد .
(٣) المغني ٣ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٧ و ٢٦٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٧ .
(٤) تقدّمت الإِشارة إلىٰ مصادرها في صفحة ٢١٦ ، الهامش (٤) .
(٥) المغني ٣ : ٨٠ ـ ٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣ ـ ٢٤ ، المجموع ٦ : ٢٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٩ ، مختصر المزني : ٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠ .
ولا دلالة في الحديث على سقوط الكفّارة . والمريض أحسن حالاً منهما ؛ لأنّه يفطر بسبب نفسه .
وللشافعي قول ثالث : إنّ الكفّارة استحباب (١) .
وقال ابن عباس وابن عمر : إنّ الكفّارة تجب عليهما دون القضاء ـ وهو قول سلّار (٢) من علمائنا ـ لأنّ الآية (٣) تتناولهما ، وليس فيها إلّا الإِطعام .
ولقول النبي صلّى الله عليه وآله : ( إنّ الله وضع عن الحامل والمرضع الصوم ) (٤) (٥) .
والجواب : أنّهما تطيقان القضاء فلزمهما ، كالحائض والنفساء . والآية أوجبت الإِطعام ولا إشعار لها بسقوط القضاء .
والمراد بوضع الصوم وضعه عنهما في حال عذرهما ، كما في قوله عليه السلام : ( إنّ الله وضع عن المسافر الصوم ) (٦) .
مسألة ١٥٢ : لا يجوز لمن عليه صوم واجب أن يصوم تطوّعاً ـ وعن أحمد روايتان (٧) ـ لما رواه العامة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( مَنْ صام تطوّعاً وعليه من رمضان شيء لم يقضه ، فإنّه لا يتقبّل منه حتى يصومه ) (٨) .
ومن طريق الخاصة : ما رواه الحلبي ـ في الحسن ـ أنّه سأل الصادق عليه السلام ، عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أيتطوّع ؟ فقال : « لا ،
__________________
(١) المهذّب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠ .
(٢) المراسم : ٩٧ .
(٣) البقرة : ١٨٤ .
(٤ و ٦) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ٢١٦ ، الهامش (٤) .
(٥) المغني ٣ : ٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤ ، المجموع ٦ : ٢٦٩ .
(٧) المغني ٣ : ٨٦ ـ ٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٩٠ ـ ٩١ .
(٨) مسند أحمد ٢ : ٣٥٢ .
حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان » (١) .
ولأنّ الصوم عبادة يدخل في جبرانها المال فلم يصحّ التطوّع بها قبل أدائها فرضاً كالحج .
احتجّ أحمد (٢) : بأنّها عبادة متعلّقة بوقت موسّع ، فجاز التّطوّع في وقتها كالصلاة (٣) .
وهو قياس في مقابلة النص فلا يُسمع .
وأيضاً فإنّ أداء الصلاة لا يمنع من فعل النافلة ؛ لأنّه لا يفوت وقتها ، أمّا قضاء الصلاة فإنّه لا يجوز التطوّع لمن عليه القضاء .
مسألة ١٥٣ : صوم النافلة لا يجب بالشروع فيه ، ويجوز إبطاله قبل الغروب ، ولا يجب قضاؤه ، سواء أفطر لعذر أو لغيره ـ وبه قال الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق (٤) ـ لما رواه العامة عن عائشة قالت : دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : ( هل عندكم شيء ؟ ) فقلت : لا ؛ قال : ( فإنّي صائم ) ثم مرّ بي بعد ذلك اليوم وقد اُهدي إليَّ حَيْس (٥) ، فخَبَأْتُ (٦) له منه وكان يُحبّ الَحيْس ، قلت : يا رسول الله اُهدي لنا حَيْس فخَبَأْتُ لك منه ؛ قال : ( أدنيه أما إنّي قد أصبحت وأنا صائم ) فأكل منه ، ثم قال : ( إنّما مَثَلُ صوم التطوّع مَثَلُ الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٢٣ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٧٦ / ٨٣٥ .
(٢) على قوله الثاني وهو الجواز .
(٣) المغني ٣ : ٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٩١ .
(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٥ ، المجموع ٦ : ٣٩٣ و ٣٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢ ، اختلاف العلماء : ٧٠ ، المغني ٣ : ٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣١١ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٦٨ .
(٥) الحَيْس : هو الطعام المتّخذ من التمر والأقِط والسمن . النهاية لابن الأثير ١ : ٤٦٧ « حيس » .
(٦) خَبَأت الشيء : إذا أخفيته . النهاية لابن الأثير ٢ : ٣ .