الفصل في الملل والأهواء والنّحل - ج ٢

أبي محمد علي بن أحمد [ ابن حزم الأندلسي الظاهري ]

الفصل في الملل والأهواء والنّحل - ج ٢

المؤلف:

أبي محمد علي بن أحمد [ ابن حزم الأندلسي الظاهري ]


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا خلاف الإجماع المتيقن ، وخلاف للقرآن مجرد لأن الله تعالى يقول : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) [سورة النور آية رقم ٣ ، ٤].

فقد حرم الله تعالى قتلهم وافترض استبقاءهم مع إصرارهم ، ولم يجعل فيهم إلا رد شهادتهم فقط ، ولو جاز قتلهم فكيف كانوا يؤدون شهادة لا تقبل بعد قتلهم ..؟

قال أبو محمد رضي الله عنه : وقال الله عزوجل : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها) [سورة البقرة آية رقم ٢٥٦].

قال أبو محمد رضي الله عنه : لا خلاف بيننا وبينهم ، ولا بين أحد من الأمة في أن من كفر بالطاغوت ، وآمن بالله ، واستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها فإنه مؤمن مسلم ، فلو كان الفاسق غير مؤمن ، لكان كافرا ولا بدّ ، ولو كان كافرا لكان مرتدا يجب قتله ، وبالله تعالى التوفيق ، قال الله عزوجل : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) [سورة التوبة آية رقم ١٧]. وقال تعالى : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [سورة التوبة آية رقم ١٨] فوجب يقينا بأمر الله عزوجل أن لا يترك من يعمر مساجد الله بالصلاة فيها إلا المؤمنون.

وكلهم متفق معنا على أن الفاسق صاحب الكبائر مدعو ملزم عمارة المساجد بالصلاة ، مجبر على ذلك ، وفي إجماع الأمة كلها على ذلك ولو تركهم يصلون معنا ، وإلزامهم أداء الزكاة وأخذها منهم ، وإلزامهم صيام رمضان ، وحج البيت برهان واضح لا إشكال فيه ، على أنه لم يخرج عن دين المؤمنين ، وأنه مسلم مؤمن ، وقال عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ) إلى قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) [سورة المائدة آية رقم ٢ ـ ٣].

فخاطب تعالى المؤمنين بإياس الكافرين عن دينهم ، ولا سبيل إلى قسم ثالث. وقال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [سورة آل عمران آية رقم ٨٥].

فصح أن لا دين إلا دين الإسلام ، وما عداه شيء غير مقبول ، وصاحبه يوم القيامة خاسر ، وبالله تعالى التوفيق. وقال عزوجل : (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ

٢٦١

بَعْضٍ) [سورة التوبة آية رقم ٧١]. وقال تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [سورة الأنفال آية رقم ٧٣]. وقال تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [سورة المائدة آية رقم ٥١]. وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [سورة التغابن آية رقم ٢] فصح يقينا أنه ليس في الناس ولا في الجن إلا مؤمن أو كافر ، فمن خرج عن أحدهما دخل في الآخر ، فنسألهم عن رجل من المسلمين فسق وجاهر بالكبائر وله أختان إحداهما نصرانية والثانية مسلمة فاضلة لأيتهما يكون هذا الفاسق وليا في النكاح ووارثا؟ وعن امرأة سرقت وزنت ولها ابنا عم أحدهما يهودي والآخر مسلم فاضل أيهما يحل له نكاحها؟ وهذا ما لا خلاف فيه ولا خفاء فيه فصح أن صاحب الكبائر مؤمن.

وقال الله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) [سورة النساء آية رقم ١٠٣].

وقال تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [سورة المائدة آية رقم ٢٧].

فأخبرونا أتأمرون الزاني والسارق والقاذف والقاتل بالصلاة وتؤدبوه إن لم يصل أم لا؟ فمن قولهم نعم ولو قالوا لا لخالفوا الإجماع المتيقن. فنقول لهم : أفتأمرونه بما هو عليه أو بما ليس عليه وبما يمكن أن يقبله الله تعالى أم بما يوقن أنه لا يقبله ..؟

فإن قالوا نأمره بما ليس عليه ظهر تناقضهم إذ لا يجوز أن يلزم أحد بما لا يلزمه.

وإن قالوا بل ما عليه قطعوا بأنه مؤمن لأن الله تعالى أخبر أن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا. وإن قالوا نأمره بما لا يمكن أن يقبل منه أحالوا ، إذ من المحال أن يؤمر أحد بعمل هو على يقين من أنه لا يقبل منه. وإن قالوا : بل نأمره بما نرجو أن يقبل منه قلنا : صدقتم ، وقد صح بهذا أن الفاسق من المتّقين فيما عمل من عمل صالح فقط ومن الفاسقين فيما عمل من المعاصي. ونسألهم أتأمرون صاحب الكبيرة بتمتيع المطلّقة إن طلقها أم لا؟ فإن قالوا : نأمره بذلك لزمهم أنه من المحسنين المتّقين ، لأن الله تعالى يقول في المتعة : (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [سورة البقرة آية رقم ٢٣٦] و (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [سورة البقرة ١٨٠ ، ٢٤١].

فصح أن الفاسق محسن فيما عمل من صالح ومسيء فيما عمل من سيّيء. فإن قالوا : إن الصلاة عليه كما هي عندكم على الكفّار أجمعين قلنا ، لا سواء لأنها وإن كان الكافر وغير المتوضّئ والجنب مأمورين بالصلاة معذبين على تركها فإنا لا نتركهم يقيمونها أصلا بل نمنعهم منها حتى يسلم الكافر ويتوضأ المحدث ويغتسل الجنب ويتوضأ أو يتيمم وليس كذلك الفاسق بل مجبر على إقامتها.

٢٦٢

قال أبو محمد : وهذا لا خلاف فيه من أحد إلّا أن الجبائي المعتزلي ومحمد بن الطيب الباقلاني ذهبا من بين جميع الأمة إلى أن من كانت له ذنوب فإنه لا تقبل له توبة من شيء منها حتى يتوب من الجميع واتبعهما على ذلك قوم وقد ناظرنا بعضهم في ذلك وألزمناه أن يوجبوا على كل من أذنب ذنبا واحدا إن ترك الصلاة الفرض ، والزكاة ، وصوم رمضان والجمعة والحج ، والجهاد ، لأن إقامة كل ذلك توبة إلى الله من تركها فإن كانت توبته لا تقبل من شيء حتى يتوب من كل ذنب له فإنه لا تقبل له توبة من ترك صلاة ولا من ترك صوم ولا من ترك زكاة إلا حتى يتوب من كل ذنب له وهذا خلاف لجميع الأمة إن قالوه أو تناقض إن لم يقولوه مع أنه قول لا دليل لهم على تصحيحه أصلا وما كان هكذا فهو باطل قال الله تعالى : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة آية رقم ١١١].

وقال تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [سورة الطلاق آية رقم ٢].

وقال تعالى : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة التحريم آية رقم ٤].

فصح يقينا بهذا اللفظ أن فينا غير عدل وغير صالح ، وهما منا ونحن المؤمنين فهو مؤمن بلا شك. وقال تعالى : (فَإِنْ تابُوا) يعني من الشرك (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) [سورة التوبة آية رقم ١١].

وهذا نص جلي على أن من صلى من أهل شهادة الإسلام وزكى فهو أخونا في الدين ولم يقل تعالى ما لم يأت بكبيرة فصح أنه منا وإن أتى بالكبائر.

قال أبو محمد : فإن ذكروا قول الله تعالى : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) [سورة النساء آية رقم ١٤٣].

وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ) [سورة المجادلة آية رقم ١٤].

وراموا بذلك إثبات أنه لا مؤمن ولا كافر فهذا لا حجة لهم فيه لأن الله تعالى إنما وصف بذلك المنافقين المبطنين للكفر المظهرين للإسلام فهم لا مع الكفار ولا منهم ولا إليهم لأن هؤلاء يظهرون الإسلام وأولئك لا يظهرونه ، ولا هم مع المسلمين ولا منهم ولا إليهم لإبطانهم الكفر وليس في هاتين الآيتين أنهم ليسوا كفارا وقد قال عزوجل : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [سورة المائدة آية رقم ٥١]. فصح يقينا أنهم كفار لا مؤمنون أصلا وبالله تعالى التوفيق.

ويقال لمن قال إن صاحب الكبيرة منافق : ما معنى هذه الكلمة؟ فجوابهم الذي

٢٦٣

لا جواب لأحد في هذه المسألة غيره هو أن المنافق من كان النفاق صفته ، ومعنى النفاق في الشريعة هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر ، فيقال له وبالله تعالى التوفيق : لا يعلم ما في النفس إلّا الله تعالى ثم تلك النفس التي ذلك الشيء فيها فقط ، ولا يجوز أن يقطع على اعتقاد أحد الكفر إلّا بإقراره بلسانه بالكفر أو بوحي من عند الله تعالى ومن تعاطى علم ما في النفوس فقد تعاطى علم الغيب ، وهذا خطأ متيقن يعلم ضرورة وحسبك من القول سقوطا أن يؤدي إلى المحال المتيقن وقد قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ربّ مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟ فقال عليه‌السلام : «إني لم أبعث لأشق عن قلوب الناس» (١) وقد ذكر الله تعالى المنافقين فقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) [سورة التوبة آية رقم ١٠١]. فإذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يعرف المنافقين وهم معه وهو يراهم ويشاهد أفعالهم فمن بعده أحرى أن لا يعلمهم. وقد كان الزناة على عهده صلى‌الله‌عليه‌وسلم والسّرقة وشرّاب الخمر ومضيّعو فرض الصلاة في الجماعة والقليلون عهدا والقذفة فما سمى عليه‌السلام قط أحدا منهم منافقين بل أقام الحدود فى ذلك وتوعد بحرق المنازل وأمر بالدية والعفو وأبقاهم في جملة المؤمنين وأبقى عليهم حكم المؤمنين واسمه ، وقد قلنا إن التسمية في الشريعة لله عزوجل لا لأحد دونه ولم يأت قط عن الله عزوجل تسمية صاحب الكبيرة منافقا. فإن قالوا قد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال وقد ذكر خصالا : «من كنّ فيه كان منافقا خالصا وإن صام وصلّى وقال إني مسلم» (٢) وذكر عليه‌السلام تلك الخصال فمنها : «إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر» (٣). وذكر عليه‌السلام أن من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها.

قلنا له وبالله تعالى التوفيق : صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد أخبرناك أن المنافق هو من أظهر شيئا وأبطن خلافه مأخوذ في أصل اللغة من نافقاء اليربوع وهو باب في جانب جحره مفتوح قد غطاه بشيء من تراب وهذه الخلال كلها التي ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) جزء من حديث طويل عن أبي سعيد الخدري رواه البخاري في المغازي باب ٦١ ، ومسلم في الزكاة (حديث ١٤٤) وأحمد في المسند (٣ / ٤).

(٢) جزء من حديث طويل عن أبي سعيد الخدري رواه البخاري في المغازي باب ٦١ ، ومسلم في الزكاة (حديث ١٤٤) وأحمد في المسند (٣ / ٤).

(٣) لفظ الحديث كما رواه مسلم في كتاب الإيمان (حديث ١٠٦) عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خلّة منهن كانت فيه خلّة من نفاق حتى يدعها : إذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر».

٢٦٤

كلها باطن صاحبها خلاف ما يظهر فهو منافق هذا النوع من النفاق وليس هو النفاق الذي يبطن صاحبه الكفر بالله ، برهان ذلك ما ذكرناه آنفا من إجماع الأمة على أخذ زكاة مال كل من وصفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنفاق وعلى إنكاحه ونكاحها إن كانت امرأة وموارثته وأكل ذبيحته وتركه يصلي مع المسلمين وعلى تحريم دمه وماله ولو تيقنا أنه مبطن للكفر لوجب قتله وحرم إنكاحه ونكاحها وموارثته وأكل ذبيحته ولم نتركه يصلي مع المسلمين ولكن تسمية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذكرنا منافقا كتسمية الله عزوجل الزارع كفارا إذ يقول تعالى : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) [سورة الحديد آية رقم ٢٠]. لأن أصل الكفر في اللغة التغطية فمن ستر شيئا فهو كافر له وأصل النفاق في اللغة ستر شيء وإظهار خلافه فمن ستر شيئا وأظهر خلافه فهو منافق فيه وليس هذان من الكفر الدياني ولا من النفاق الشريعي في شيء وبهذا تتآلف الآيات والأحاديث كلها وبالله تعالى التوفيق.

ثم نقول لمن قال بهذا القول : هل أتيت بكبيرة قط ..؟ فإن قال لا قيل له هذا القول كبيرة لأنه تزكية وقد نهى الله عزوجل عن ذلك فقال : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) [سورة النجم آية رقم ٣٢].

وقد علمنا أنه لا يعرى أحد من ذنب إلّا الملائكة والنبيين صلى الله عليهم وسلم وأما من دونهم فغير معصوم ، بل قد اختلف الناس في عصمة الملائكة والنبيين عليهم الصلاة والسلام وإن كنا قاطعين على خطأ من جوّز على أحد من الملائكة ذنبا صغيرا أو كبيرا بعمد أو خطأ وعلى خطأ من جوّز على أحد من النبيين ذنبا بعمد صغيرا أو كبيرا ، لكنا أعلمنا أنه لم يتفق على ذلك فقط. وإن قال بلى قد كانت لي كبيرة قيل له هل كنت في حال موافقتك الكبيرة شاكا في الله عزوجل أو في رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو كافرا بهما أم كنت موقنا بالله تعالى وبالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبما أتى به موقنا بأنك مسيء مخطئ في ذنبك؟ فإن قال : كنت كافرا أو شاكا فهو أعلم بنفسه ويلزمه أن يفارق امرأته وأمته المسلمتين ولا يرث من مات له من المسلمين ثم بعد ذلك فلا يجوز له أن يقطع على غيره من المذنبين بمثل اعتقاده في الجحد ونحن نعلم بالضرورة كذب دعواه وندري أننا في حيز ما كان منا من ذنب مؤمنون بالله تعالى وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وإن قال بل كنت مؤمنا بالله تعالى وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حال ذنبي قيل له هذا إبطال منك للقول بالنفاق والقطع به على المذنبين.

قال أبو محمد : ففي إجماع الأمة كلها دون مختلف من أحد منهم على أن

٢٦٥

صاحب الكبيرة مأمور بالصلاة مع المسلمين وبصوم شهر رمضان والحج وبأخذ زكاة ماله وإباحة مناكحته وموارثته وأكل ذبيحته وبتركه يتزوج المرأة المسلمة الفاضلة ويبتاع الأمة المسلمة الفاضلة ويطأها وتحريم دمه وماله وأن لا تؤخذ منه جزية ولا يصغر برهان صحيح على أنه مسلم مؤمن وفي إجماع الأمة كلها دون مخالف على تحريم قبول شهادته وخبره برهان على أنه فاسق فصح يقينا أنه مؤمن فاسق ناقص للإيمان عن المؤمن الذي ليس بفاسق قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) [سورة الحجرات آية رقم ٦].

فأمّا من قال إنه كافر نعمة فما لهم حجة أصلا إلّا أن بعضهم فزع بقول الله تعالى : (الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) [سورة إبراهيم آية رقم ٢٨].

قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لأن نص الآية مبطل لقولهم لأنّ الله تعالى يقول متصلا وبئس القرار : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) [سورة إبراهيم آية رقم ٢٩].

فصح أن الآية في المشركين بلا شك. وأيضا فقد يكفر المرء بنعمة الله ولا يكون كافرا بل مؤمنا بالله تعالى كافرا لأنعمه بمعاصيه لا كافرا على الإطلاق وبالله تعالى التوفيق.

٢٦٦

الكلام فيمن يكفر ولا يكفر

قال أبو محمد : اختلف الناس في هذا الباب فذهبت طائفة إلى أن من خالفهم في شيء من مسائل الاعتقاد أو في شيء من مسائل الفتيا فهو كافر ، وذهبت طائفة إلى أنه كافر في بعض ذلك فاسق غير كافر في بعضه على حسب ما أدتهم إليه عقولهم وظنونهم ، وذهبت طائفة إلى أن من خالفهم في مسائل الاعتقاد فهو كافر وأن من خالفهم في مسائل الأحكام والعبادات فليس كافرا ولا فاسقا ولكنه مجتهد معذور إن أخطأ مأجور بنيته ، وقالت طائفة بمثل هذا فيمن خالفهم في مسائل العبادات وقالوا فيمن خالفهم في مسائل الاعتقادات إن كان الخلاف في صفات الله عزوجل فهو كافر ، وإن كان فيما دون ذلك فهو فاسق ، وذهبت طائفة إلى أنه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا وأن كل من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنه الحق فإنه مأجور على كل حال إن أصاب الحقّ فأجران وإن أخطأ فأجر واحد وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي رضي الله عن جميعهم وهو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسألة من الصحابة رضي الله عنهم ما نعلم منهم في ذلك خلافا أصلا إلّا ما ذكرنا من اختلافهم في تكفير من ترك صلاة متعمدا حتى خرج وقتها أو ترك أداء الزكاة أو ترك الحج أو ترك صيام رمضان أو شرب الخمر. واحتج من كفّر بالخلاف في الاعتقادات بأشياء نوردها إن شاء الله عزوجل.

قال أبو محمد : ذكروا حديثا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة (١). وحديثا آخر «تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة كلها في النار حاشا واحدة فهي في الجنة» (٢).

__________________

(١) رواه أبو داود في السنّة باب ١٦ ، وابن ماجة في المقدمة باب ١٠ ، وأحمد في المسند (٢ / ٨٦ ، ٥ / ٤٠٧).

(٢) رواه أبو داود في السنّة باب ١ ، والترمذي في الإيمان باب ١٨ ، وابن ماجة في الفتن باب ١٧ ، وأحمد في المسند (٢ / ٣٣٢ ، ٣ / ١٤٥).

٢٦٧

قال أبو محمد : هذا حديثان لا يصحان أصلا من طريق الإسناد وما كان هكذا فليس حجة عند من يقول بخبر الواحد فكيف من لا يقول به. واحتجوا بالخبر الثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بالكفر أحدهما» (١).

قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لأن لفظه يقتضي أنه يأثم برميه بالكفر ولم يقل عليه‌السلام إنه بذلك كافر.

قال أبو محمد : والجمهور من المحتجين بهذا الخبر لا يكفرون من قال لمسلم يا كافر في مشاتمة تجري بينهما فبهذا خالفوا الخبر الذي احتجوا به.

قال أبو محمد : والحق هو أن كل من ثبت له عقد الإسلام فإنه لا يزول عنه إلّا بنفي أو إجماع وأما بالدعوى والافتراء فلا. فوجب أن لا يكفر أحد بقول قاله إلّا بأن يخالف ما قد صح عنده أن الله تعالى قاله أو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاله فيستجيز خلاف الله تعالى وخلاف رسوله عليه الصلاة والسلام وسواء كان ذلك في عقد دين أو في نحلة أو في فتيا وسواء كان ما صح من ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منقولا نقل إجماع تواترا أو نقل آحاد إلّا أن من خالف الإجماع المتيقن المقطوع على صحته فهو أظهر في قطع حجته ووجوب تكفيره لاتفاق الجميع على معرفة الإجماع وعلى تكفير مخالفته ، برهان صحة قولنا قول الله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) [سورة النساء آية رقم ١١٥].

قال أبو محمد : هذه الآية نص بتكفير من فعل ذلك. فإن قال قائل : إن من اتبع غير سبيل المؤمنين فليس من المؤمنين. قلنا له وبالله تعالى التوفيق : ليس كل من اتبع غير سبيل المؤمنين كافرا لأن الزنا وشرب الخمر وأكل أموال الناس بالباطل ليست من سبيل المؤمنين وقد علمنا أن من اتبعها فقد اتبع غير سبيل المؤمنين وليس مع ذلك كافرا ولكن البرهان في هذا قول الله عزوجل : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [سورة النساء آية رقم ٦٥].

__________________

(١) رواه البخاري في الأدب ٧٣ عن عبد الله بن عمر وعن أبي هريرة ، ورواه عن ابن عمر : مسلم في الإيمان حديث ١١١ ، والترمذي في الإيمان باب ١٦ ، ومالك في الكلام باب ١ ، وأحمد في المسند (٢ / ١٨ ، ٤٤ ، ٤٧ ، ٦٠ ، ١١٢ ، ١١٣ ، ١٤٢).

٢٦٨

قال أبو محمد : فهذا هو النص الذي لا يحتمل تأويلا ولا جاء نص يخرجه عن ظاهره أصلا ولا جاء برهان بتخصيصه في بعض وجوه الإيمان.

قال أبو محمد : وأما ما لم تقم الحجة على المخالف للحق في أي شيء كان فلا يكون كافرا إلا أن يأتي نص بتكفيره فيوقف عنده كمن بلغه وهو في أقاصي الزنج ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقط فتمسك عن البحث عن خبره فإنه كافر. فإن قال قائل : فما تقولون فيمن قال أنا أشهد أن محمدا رسول الله ولا أدري أهو قرشي أم تميمي أم فارسي ولا هل كان بالحجاز أو بالخراسان ولا أدري أحي هو أم ميت ولا أدري لعله هذا الرجل الحاضر أم غيره ..؟ قيل له : إن كان جاهلا لا علم عنده بشيء من الأخبار والسير لم يضره ذلك شيئا ووجب تعليمه فإذا علم وصح عنده الحق فإن عاند فهو كافر حلال دمه وماله ، محكوم عليه بحكم المرتد ، وقد علمنا أن كثيرا ممن يتعاطى الفتيا في دين الله عزوجل نعم وكثيرا من الصالحين لا يدري كم لموت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا أين كان ولا في أي بلد كان ويكفيه من كل ذلك إقراره بقلبه ولسانه أن رجلا اسمه محمد أرسله الله تعالى إلينا بهذا الدين.

قال أبو محمد : وكذلك من قال : إن ربه جسم من الأجسام فإنه إن كان جاهلا أو متأولا فهو معذور لا شيء عليه ويجب تعليمه ، فإذا قامت عليه الحجة من القرآن والسنن فخالف ما فيها عنادا فهو كافر يحكم عليه بحكم المرتد وأما من قال إن الله عزوجل هو فلان لإنسان بعينه أو أن الله تعالى يحل في جسم من أجسام خلقه أو أن بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبيا غير عيسى ابن مريم فإنه لا يختلف اثنان في تكفيره لصحة قيام الحجّة بكل هذا على كل أحد ولو أمكن أن يوجد أحد يدين بهذا لم يبلغه قط خلافه لما وجب تكفيره حتى تقوم عليه الحجة.

قال أبو محمد : وأما من كفّر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ لأنه كذب على الخصم وتقويل له ما لم يقل به وإن لزمه فلم يحصل على غير التناقض فقط والتناقض ليس كفرا بل قد أحسن إذ قد فر من الكفر. وأيضا فإنه ليس للناس قول إلا ومخالف ذلك القول ملزم خصمه الكفر في فساد قوله وطرقه ، فالمعتزلة تنسب إلينا تجوير الله عزوجل وتشبيهه بخلقه ونحن ننسب إليهم مثل ذلك سواء بسواء ، ويلزمهم أيضا تعجيز الله عزوجل وأنهم يزعمون أنهم يخلقون كخلقه وأن له شركاء في الخلق وأنهم يستغنون عن الله عزوجل ومن أثبت الصفات يسمي من نفاها باقية لأنهم قالوا تعبدون غير الله تعالى لأن الله تعالى له صفات وأنتم تعبدون من لا صفة له ومن نفى

٢٦٩

الصفات يقول لمن أثبتها أنتم تجعلون مع الله عزوجل أشياء لم تزل وتشركون به غيره وتعبدون غير الله لأن الله تعالى لا أحد معه ولا شيء معه في الأزل وأنتم تعبدون شيئا من جملة أشياء لم تزل وهكذا في كل ما اختلف فيه حتى في الكون والجزء وحتى في مسائل الأحكام والعبادات فأصحاب القياس يدعون علينا خلاف الإجماع وأصحابنا يثبتون عليهم خلاف الإجماع وإحداث شرائع لم يأذن الله عزوجل بها وكل فرقة فهي تنتفي بما تسميها به الأخرى وتكفر من قال شيئا من ذلك فصح أنه لا يكفر أحد إلّا بنفس قوله ونص معتقده ولا ينفع أحد أن يعبر عن معتقده بلفظ يحسن به قبحه لكن المحكوم هو مقتضى قوله فقط وأما الأحاديث الواردة في أن ترك الصلاة شرك فلا تصحّ من طريق الإسناد وأما الأخبار التي فيها من قال لا إله إلّا الله دخل الجنة فقد فات أحاديث أخر بزيادة على هذا الخبر لا يجوز ترك تلك الزيادة وهي قوله عليه‌السلام : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّا الله وأني رسول الله ويؤمنوا بما أرسلت به» (١) فهذا هو الذي لا إيمان لأحد بدونه.

قال أبو محمد : واحتج بعض من يكفر من سب الصحابة رضي الله عنهم بقول الله عزوجل : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) إلى قوله : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) [سورة الفتح آية رقم ٢٩].

قال : فكل من أغاظه أحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو كافر.

قال أبو محمد : وقد أخطأ من حمل الآية على هذا لأن الله عزوجل لم يقل قط إن كل من غاظه واحد منهم فهو كافر وإنما أخبر تعالى أنه يغيظ بهم الكفار فقط ونعم هذا حق لا ينكره مسلم وكل مسلم فهو يغيظ الكفار وأيضا فإنه لا يشك أحد ذو حس سليم في أن عليّا قد غاظ معاوية وأن معاوية وعمرو بن العاص غاظا عليا وأن عمارا قد أغاظ أبا الغادية (٢) وكلهم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد غاظ بعضهم

__________________

(١) الحديث روي في الصحاح بألفاظ وأسانيد متعددة ، فرواه البخاري في الإيمان باب ١٧ ، والزكاة باب ١ ، والصلاة باب ٢٨ ، واستتابة المرتدين باب ٣ ، والاعتصام بالكتاب والسنّة باب ٢ ، ٢٨. والجهاد باب ٩٥. والترمذي في الإيمان باب ١ و ٢ ، وتفسير سورة ٨٨. والنسائي في الزكاة باب ٣ ، والإيمان باب ١٥ ، والجهاد باب ١ ، وتحريم الدم باب ١. وابن ماجة في المقدمة باب ٩ ، والفتن باب ١. والدارمي في السير باب ١٠. وأحمد في المسند (١ / ١١ ، ٧٨ ، ٢ / ٣١٤ ، ٣٤٥ ، ٣٧٧ ، ٤٢٣ ، ٤٣٩ ، ٤٧٥ ، ٤٨٢ ، ٢٠٥ ، ٥٢٧ ، ٢٨٥ ، ٣ / ١٩٩ ، ٢٢٤ ، ٣٠٠ ، ٣٣٢ ، ٣٩٤ ، ٤ / ٩ ، ٥ / ٢٤٦).

(٢) هو أبو الغادية المزني الشامي الجهني يسار بن سبع. انظر ترجمته في تاريخ البخاري الكبير

٢٧٠

بعضا فيلزم على هذا تكفير من ذكرنا وحاشا لله من هذا.

قال أبو محمد : ونقول لمن كفّر إنسانا بنفس مقاله دون أن تقوم عليه الحجة فيعاند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويجد في نفسه الحرج مما أتى به : أخبرنا هل ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا من الإسلام الذي يكفر من لم يقل به إلّا وقد بينه ودعا إليه الناس كافة؟ فلا بد من نعم ومن أنكر هذا فهو كافر بلا خلاف فإذا أقر بذلك سئل : هل جاء قط عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لم يقبل إيمان أهل قرية أو أهل حلة أو إنسان أتاه من حر أو عبد أو امرأة إلا حتى يقرّ أنّ الاستطاعة قبل الفعل أو مع الفعل أو أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق أو أن الله تعالى يرى أو لا يرى أو أن له سمعا وبصرا وحياة أو غير ذلك من فضول المتكلمين التي أوقعها الشيطان منهم ليوقع بينهم العداوة والبغضاء؟ فإن ادعى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يدع أحدا يسلم حتى يوقفه على هذه المعاني كان قد كذب بإجماع المسلمين من أهل الأرض وقال ما ندري أنه فيه كاذب فادعى أن جميع الصحابة رضي الله عنهم تواطئوا على كتمان ذلك من فعله عليه‌السلام وهذا محال ممتنع في الطبيعة ثم فيه نسبة الكفر إليهم إذ كتموا ما لا يتم إسلام أحد إلّا به. وإن قالوا : إنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يدع قط أحدا إلى شيء من هذا ولكنه مودع في القرآن وفي كلامه صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قيل له : صدقت وقد صح بهذا أنه لو كان جهل شيء من هذا كله كفرا لما ضيع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيان ذلك للحر والعبد والحرة والأمة ومن جوّز هذا فقد قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يبلّغ كما أمر وهذا كفر مجرد ممن أجازه فصح ضرورة أن الجهل بكل ذلك لا يضر شيئا وإنما يلزم الكلام فيها إذا خاض فيها الناس فيلزم حينئذ بيان الحق من القرآن والسنة لقول الله عزوجل : (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) [سورة المائدة : ٨] ولقول الله عزوجل : (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) [سورة آل عمران : ١٨٧].

فمن عند حينئذ بعد بيان الحق فهو كافر لأنه لم يحكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا سلم لما قضى به وقد صح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن رجلا لم يعمل خيرا قطّ فلما حضره الموت قال لأهله إذا مت فأحرقوني ثم ذروا رمادي في يوم راح نصفه في البحر ونصفه في البر فو الله لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذابا لم يعذبه أحدا من خلقه

__________________

(٨ / ٤٢٠) وتاريخ البخاري الصغير (١ / ١٦٠) والجرح والتعديل (٩ / ١٣١٧) والثقات (٣ / ٤٣٨) وتعجيل المنفعة (١١٩٨ و ١٣٦٤).

٢٧١

وإن الله عزوجل جمع رماده فأحياه وسأله ما حملك على ذلك قال خوفك يا رب وإن الله تعالى غفر له لهذا القول (١).

قال أبو محمد : فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عزوجل يقدر على جمع رماده وإحيائه وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله وقد قال بعض من حرف الكلم عن مواضعه إن معنى لئن قدر الله عليّ إنما هو لئن ضيق الله عليّ كما قال تعالى : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) [سورة الفجر : ١٦].

قال أبو محمد : وهذا تأويل باطل لا يمكن لأنه كان يكون معناه حينئذ لئن ضيّق الله عليّ ليضيقن عليّ وأيضا فلو كان هذا لما كان لأمره بأن يحرق ويذرّ رماده معنى ولا شك في أنه إنما أمر بذلك ليفلت من عذاب الله تعالى.

قال أبو محمد : وأبين شيء في هذا قول الله تعالى : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) إلى قوله : (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) [سورة المائدة : ١١٢ ، ١١٣].

فهؤلاء الحواريون الذين أثنى الله عزوجل عليهم قد قالوا بالجهل لعيسى عليه‌السلام هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ولم يبطل بذلك إيمانهم وهذا لا مخلص منه وإنما كانوا يكفرون لو قالوا ذلك بعد قيام الحجة وتبينهم لها.

قال أبو محمد : وبرهان ضروري لا خلاف فيه وهو أن الأمة مجمعة كلها بلا خلاف من أحد منهم وهو أن كل من بدل آية من القرآن عامدا وهو يدري أنها في المصاحف بخلاف ذلك أو أسقط كلمة عمدا كذلك أو زاد فيها كلمة عامدا فإنه كافر بإجماع الأمة كلها ثم إن المرء يخطئ في التلاوة فيزيد كلمة وينقص أخرى ويبدل كلامه جاهلا مقدرا أنه مصيب ويكابر في ذلك ويناظر قبل أن يتبين له الحق ولا يكون بذلك عند أحد من الأمة كافرا ولا فاسقا ولا آثما فإذا وقف على المصاحف أو أخبره بذلك من القراء من تقوم الحجة بخبره فإن تمادى على خطئه فهو عند الأمة كلها كافر بذلك لا محالة وهذا هو الحكم الجاري في جميع الديانة.

__________________

(١) رواه البخاري في أحاديث الأنبياء باب ٥٠ و ٥٤ ، والرقاق باب ٢٥ ، والتوحيد باب ٣٥. ومسلم في التوبة حديث ٢٤ و ٢٥ و ٢٧. والنسائي في الجنائز باب ١١٧. وابن ماجة في الزهد باب ٣٠. والدارمي في الرقاق باب ٩٢. ومالك في الجنائز باب ٥٢. وأحمد في المسند (١ / ٥ ، ٣٩٨ ، ٢ / ٢٦٩ ، ٣٠٤ ، ٣ / ١٣ ، ١٧ ، ٦٩ ، ٧٧ ، ٧٨ ، ٤ / ٤٤٧ ، ٥ / ٤ ، ٣٥ ، ٣٠٤ ، ٣٨٣ ، ٣٩٥ ، ٤٠٧).

٢٧٢

قال أبو محمد : واحتج بعضهم بأن قال : قال الله تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [سورة الكهف : ١٠٤].

قال أبو محمد : آخر هذه الآية مبطل لتأويلهم لأن الله عزوجل وصل قوله : (يُحْسِنُونَ صُنْعاً) بقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً) [سورة الكهف : ١٠٥ ، ١٠٦].

فهذا يبين أن أول الآية في الكفار المخالفين لديانة الإسلام جملة ثم نقول لهم لو نزلت هذه الآية في المتأولين من جملة أهل الإسلام كما تزعمون لدخل في جملتها كل متأول مخطئ في تأويل في فتيا لزمه تكفير جميع الصحابة رضي الله عنهم لأنهم قد اختلفوا وبيقين ندري أن كل امرئ منهم فقد يصيب ويخطئ ، بل يلزمه تكفير جميع الأمة لأنهم كلهم لا بد من أن يصيب كل امرئ منهم ويخطئ بل يلزمه تكفير نفسه لأنه لا بد لكل من تكلم في شيء من الديانة من أن يرجع عن قول قاله إلى قول آخر تبين له أنه أصح إلّا أن يكون مقلدا فهذه أسوأ لأن التقليد خطأ كله لا يصح ومن بلغ هاهنا فقد لاح غوامر قوله وبالله تعالى التوفيق.

وقد أقر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لم يفهم آية الكلالة فما كفره بذلك ولا فسّقه ولا أخبره أنه آثم بذلك لكن أغلظ له في كثرة تكراره السؤال عنها فقط وكذلك أخطأ جماعة من الصحابة رضي الله عنهم في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الفتيا فبلغه عليه‌السلام فما كفّر بذلك أحدا منهم ولا فسّقه ولا جعله آثما لأنه لم يعانده عليه‌السلام أحد منهم وهذا كفتيا أبي السنابل بن بعكك (١) في آخر الأجلين والذين أفتوا أنّ على الزاني غير المحصن الرجم وقد نقضنا هذا في كتابنا المرسوم بكتاب : «الإحكام لأصول الأحكام» وأيضا فإن الآية المذكورة لا تخرج على قول أحد ممن خالفنا إلّا بحذف وذلك أنهم يقولون إن الذين في قوله تعالى : (الَّذِينَ

__________________

(١) هو أبو السنابل بن بعكك بن الحارث بن عميلة بن السباق بن عبد الدار العبدري القرشي ، صحابي قيل اسمه عمرو ، وقيل عبد ربه ، وقيل حبة ، وقيل حنة ، وقيل عامر ، وقيل أصرم. أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (١٢ / ١٣١) وتقريب التهذيب (٢ / ٤٣١) والكنى والأسماء (١ / ٣٢) وتفسير الطبري (٩ / ١٠٦٠١) والجرح والتعديل (٩ / ٣٨٧) وطبقات ابن سعد (٨ / ٢٨٧ ، ٢٨٨).

٢٧٣

ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) هو خبر مبتدأ مضمر ولا يكون ذلك إلا بحذف الابتداء كأنه قال هم الذين ولا يجوز لأحد أن يقول في القرآن حذف إلا بنص آخر جلي يوجب ذلك أو إجماع على ذلك أو ضرورة حس فبطل قولهم وصار دعوى بلا دليل.

وأما نحن فإن لفظة الذين عندنا على موضوعها دون حذف وهو نعت للآخرين ويكون خبر الابتداء وقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وكذلك قوله تعالى : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) [سورة المجادلة : ١٨].

فنعم هذه صفة القوم الذين وصفهم الله تعالى بهذا في أول الآية ورد الضمير إليهم وهم الكفار بنص أول الآية.

وقال قائلهم أيضا : فإذا عذرتم المجتهدين إذا أخطئوا فاعذروا اليهود والنصارى والمجوس وسائر الملل فإنهم أيضا مجتهدون قاصدون الخير.

فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أننا لم نعذر من عذرنا بآرائنا ولا كفرنا من كفرنا بظننا وهوانا وهذه خطة لم يؤتها الله عزوجل أحدا دونه ولا يدخل الجنة والنار أحد أحدا بل الله تعالى يدخلها من يشاء فنحن لا نسمي بالإيمان إلا من سماه الله تعالى به كل ذلك على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا يختلف اثنان من أهل الأرض لا نقول من المسلمين بل من كل ملة في أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قطع بالكفر على أهل كل ملة غير الإسلام الذين تبرأ أهله من كل ملة حاشا التي آتاهم بها عليه‌السلام فقط فوقفنا عند ذلك فقط ، ولا يختلف أيضا اثنان في أنه عليه‌السلام قطع باسم الإيمان على كل من اتبعه وصدّق بكل ما جاء به وتبرأ من كل دين سوى ذلك فوقنا أيضا عند ذلك ولا مزيد. فمن جاء نصّ في إخراجه عن الإسلام بعد حصول اسم الإسلام له أخرجناه منه سواء أجمع على خروجه منه أو لم يجمع ، وكذلك من أجمع أهل الإسلام على خروجه عن الإسلام فوجب اتباع الإجماع في ذلك. وأما من نص في خروجه عن الإسلام بعد حصول الإسلام ولا إجماع في خروجه أيضا عنه فلا يجوز إخراجه عن ما قد صح يقينا حصوله فيه وقد نص الله تعالى على ما قلنا فقال : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) [سورة آل عمران ٨٥].

وقال تعالى : (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) [سورة النساء : ١٥٠].

وقال تعالى : (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) [سورة التوبة : ٦٥ ، ٦٦].

٢٧٤

فهؤلاء كلهم كفار بالنص وصح الإجماع على أن كل من جحد شيئا صح عنده بالإجماع أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى به فقد كفر وصح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى أو بملك من الملائكة أو بنبي من الأنبياء عليهم‌السلام ، أو بآية من القرآن ، أو بفريضة من فرائض الدين ، فهي كلها آيات الله تعالى بعد بلوغ الحجة إليه فهو كافر ، ومن قال بنبيّ بعد النبي عليه الصلاة والسلام ، أو جحد شيئا صح عنده أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاله فهو كافر لأنه لم يحكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما شجر بينه وبين خصمه.

قال أبو محمد رضي الله عنه : وقد شقق أصحاب الكلام فقالوا : ما تقولون فيمن قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قم صل فقال : لا أفعل ، أو قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ناولني ذلك السيف أدفع به عن نفسي ، فقال : لا أفعل.

قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا أمر قد كفوا وقوعه ، ولا فضول أعظم من فضول من اشتغل بشيء قد أيقن أنه لا يكون أبدا ، ولكن الذي كان وقع فإننا نتكلم فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قال أبو محمد رضي الله عنه : قد أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل أهل الأرض وهم أهل الحديبية بأن يحلقوا ، وينحروا ، فتوقّفوا حتى أمرهم ثلاثا ، وغضب عليه‌السلام ، وشكا ذلك إلى أم سلمة فما كفروا بذلك ولكن كانت معصية تداركهم الله بالتوبة منها ، وما قال مسلم قط إنهم كفروا بذلك لأنهم لم يعاندوه ، ولا كذبوه ، وقد قال سعد بن عبادة والله يا رسول الله لئن وجدت لكاعا يتفخذها رجل أدعهما حتى آتي بأربعة شهداء ..؟ قال : نعم قال : إذن والله يقضي إربه ، والله لأتجلّلهما بالسيف (١). فلم يكن بذلك كافرا ، إذ لم يكن معاندا ولا مكذبا ، بل أقر أنه يدري أن الله تعالى أمر بخلاف ذلك وسألوا أيضا عمن قال : أنا أدري أن الحج إلى مكة فرض ، ولكن لا أدري أهي بالحجاز ..؟ أم بخراسان ..؟ أم بالأندلس ..؟ وأنا أدري أن الخنزير حرام لا أدري أهو هذا الموصوف الأقرن أم الذي يحرث به ..؟

قال أبو محمد رضي الله عنه : وجوابنا هو أن من قال هذا ، فإن كان جاهلا علّم ، ولا شيء عليه ، فإن المشببين لا يعرفون هذا إذا أسلموا حتى يعلموا ، وإن كان عالما فهو عابث مستهزئ بآيات الله تعالى ، فهو كافر مرتد حلال الدم والمال ، ومن قذف عائشة رضي الله عنها فهو كافر لتكذيبه القرآن وقد قذفها مسطح وحمنة ولم

__________________

(١) رواه الإمام أحمد في المسند (١ / ٢٣٨).

٢٧٥

يكفرا لأنهما لم يكونا حينئذ مكذبين لله تعالى ، ولو قذفاها بعد نزول الآية لكفرا ، وأما من سب أحدا من الصحابة رضي الله عنهم ، فإن كان جاهلا فمعذور وإن قامت عليه الحجة فتمادى غير معاند فهو فاسق ، كمن زنى وسرق ، وإن عاند الله تعالى في ذلك ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو كافر ، وقد قال عمر رضي الله عنه بحضرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن حاطب ـ وحاطب مهاجر بدري ـ دعني أضرب عنق هذا المنافق فما كان عمر بتكفيره حاطبا كافرا بل كان مخطئا متأولا ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «آية المنافق بغض الأنصار». (١) وقال لعلي : «لا يبغضك إلا منافق» (٢).

قال أبو محمد رضي الله عنه : ومن أبغض الأنصار لأجل نصرتهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو كافر لأنه وجد الحرج في نفسه مما قضى الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من إظهار الإيمان بأيديهم ، ومن عادى عليّا لمثل ذلك فهو أيضا كافر ، وكذلك من عادى من ينصر الإسلام لأجل نصرة الإسلام لا لغير ذلك ، وقد فرق بعضهم بين الاختلاف في الفتيا والاختلاف في الاعتقاد بأن قال : قد اختلف أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الفتيا فلم يكفر بعضهم بعضا ولا فسق بعضهم بعضا.

قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا ليس بشيء فقد حدث إنكار القدر في أيامهم فما كفرهم أكثر الصحابة رضي الله عنهم وقد اختلفوا في الفتيا واقتتلوا على ذلك وسفكت الدماء كاختلافهم في تقديم بيعة عليّ على النظر في قتلة عثمان رضي الله عنه وقد قال ابن عباس رضي الله عنه : من شاء باهلته عند الحجر الأسود ، أن الذي أحصى رمل عالج لم يجعل في فريضة واحدة نصفا ، ونصفا وثلثا.

قال أبو محمد رضي الله عنه : وهنا أقوال غريبة جدا فاسدة ، منها أن أقواما من الخوارج قالوا : كل معصية فيها حد فليست كفرا ، وكل معصية لا حد فيها فهي كفر.

قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا تحكم بلا برهان ودعوى بلا دليل ، وما كان هكذا فهو باطل قال تعالى : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة : ١١١]. فصح أن من لا برهان له على قوله فليس صادقا فيه.

__________________

(١) رواه البخاري في الإيمان باب ١٠ ، ومناقب الأنصار باب ٤. ومسلم في الإيمان حديث ١٢٧ و ١٢٨.

(٢) رواه بلفظ : «لا يحبّ عليّا منافق ، ولا يبغضه مؤمن» الترمذي في المناقب باب ٢٠ ، والنسائي في الإيمان باب ١٩ و ٢٠ ، وأحمد في المسند (٦ / ٢٩٢).

٢٧٦

قال أبو محمد رضي الله عنه : فصح بما قلنا أن كل من كان على غير الإسلام وقد بلغه أمر الإسلام فهو كافر ، ومن تأول من أهل الإسلام فأخطأ فإن كان لم تقم عليه الحجة ، ولا تبين له الحق فهو معذور مأجور أجرا واحدا لطلبه الحق وقصده إليه ، مغفور له خطؤه إذ لم يتعمّده لقول الله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [سورة الأحزاب : ٥].

وإن كان مصيبا فله أجران ، أجر لإصابته ، وأجر آخر لطلبه إياه ، وإن كان قد قامت الحجة عليه وتبين له الحق فعند عن الحق غير معارض له تعالى ولا لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو فاسق لجرأته على الله تعالى بإصراره على الأمر الحرام ، فإن عند عن الحق معارضا لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو كافر مرتد حلال الدم والمال لا فرق في هذه الأحكام بين الخطأ في الاعتقاد في أي شيء كان من الشريعة وبين الخطأ في الفتيا في أي شيء كان على ما بينا قبل.

قال أبو محمد رضي الله عنه : ونحن نختصر هاهنا إن شاء الله تعالى ونوضح كل ما أطلنا فيه ، قال تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [سورة الإسراء : ١٥] وقال تعالى : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [سورة الأنعام : ١٩] وقال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [سورة النساء : ٦٥]. فهذه الآيات فيها بيان جمع هذا الباب فصح أنه لا يكفر أحد حتى يبلغه أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمن بلغه فلم يؤمن به فهو كافر ، فإن آمن به ثم اعتقد ما شاء الله تعالى أن يعتقده في نحلة أو فتيا أو عمل ما شاء الله تعالى أن يعمله دون أن يبلغه في ذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حكم بخلاف ما اعتقد أو ما قال أو عمل ، فلا شيء عليه أصلا حتى يبلغه ، فإن بلغه وصح عنده فإن خالفه مجتهدا فيما لم يبين له وجه الحق في ذلك فهو مخطئ معذور مأجور مرة واحدة كما قال عليه‌السلام : «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر» (١). وكل معتقد أو قائل أو عامل فهو حاكم في ذلك الشيء وإن خالفه بعمله معاندا للحق معتقدا بخلاف ما عمل به فهو مؤمن فاسق ، وإن خالفه معاندا بقوله أو قلبه فهو كافر مشرك سواء ذلك في المعتقدات والفتيا للنصوص التي أوردناها وهو قول إسحاق بن راهويه وغيره ، وبه نقول وبالله تعالى التوفيق.

__________________

(١) رواه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنّة باب ٢٠ و ٢١. ومسلم في الأقضية حديث ١٥. وأبو داود في الأقضية باب ٢. والنسائي في الأحكام باب ٢ ، والقضاة باب ٣. وابن ماجة في الأحكام باب ٣. وأحمد في المسند (٤ / ١٩٨ ، ٢٠٤ ، ٢٠٥).

٢٧٧

الكلام في تعبد الملائكة ، وتعبد الحور العين

والخلق المستأنف وهل يعصي ملك أم لا

قال أبو محمد رضي الله عنه : قد نص الله عزوجل على أن الملائكة متعبدون قال تعالى : (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [سورة النحل : ٥٠]. ونص تعالى على أنه أمرهم بالسجود لآدم ، وقال تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) إلى قوله : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [سورة الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٩]. وقال تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [سورة النحل : ٤٩ و ٥٠].

قال أبو محمد رضي الله عنه : نص الله تعالى على أنهم مأمورون منهيون متوعدون مكرمون ، موعودون بإيصال الكرامة أبدا مصرفون في كتاب الأعمال وقبض الأرواح وأداء الرسالة إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والتوكل بما في العالم الأعلى والأدنى ، وغير ذلك مما خالقهم عزوجل به عليم ، وقوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) [سورة التكوير : ١٩ ـ ٢١]. فأخبر عزوجل أن جبريل عليه‌السلام مطاع في السموات أمين هنالك فصح أن هنالك أوامر وتدبير وأمانات وطاعة ومراتب ، ونص تعالى على أنهم كلّهم معصومون بقوله عزوجل : (عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٦ و ٢٧]. وبقوله : (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [سورة الأنبياء : ٢٠]. وبقوله : (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) [سورة فصلت : ٣٨]. فنص تعال على أنهم كلهم لا يسأمون من العبادة ولا يفترون من التسبيح والطاعة لا ساعة ولا وقتا ، ولا يستحسرون من ذلك ، وهذا خبر على التأبيد لا يستحيل أبدا ، ووجب أنهم متنعمون بذلك مكرمون به مفضلون بتلك الحال وبالتذاذهم بذلك ونص تعالى على أنهم كلهم معصومون قد حقت لهم ولاية ربهم عزوجل أبد الأبد بلا نهاية فقال تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ

٢٧٨

وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) [سورة البقرة : ٩٨]. فكفر تعالى من عادى أحدا منهم ، فإن قال قائل كيف لا يعصون والله تعالى يقول : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) [سورة الأنبياء : ٢٩].

قلنا : نعم ، هم متوعدون على المعاصي كما توعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ يقول له ربه : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [سورة الزمر : ٦٥]. وقد علم عزوجل أنه عليه‌السلام لا يشرك أبدا وأن الملائكة لا يقول أحد منهم أبدا إنّي إله من دون الله ، وكذلك قوله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [سورة الأحزاب : ٣٠]. وهو تعالى قد برأهن ، وعلم أنه لا يأتي أحد منهنّ بفاحشة أبدا بقوله تعالى : (وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) [سورة النور : ٢٦] لكن الله تعالى يقرر ما يشاء ويشرع ما يشاء ويفعل ما يشاء لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، فأخبر عزوجل بحكم هذه الأمور لو كانت ، وقد علم أنها لا تكون كما قال تعالى : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) [سورة الأنبياء : ١٧]. وكما قال : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) [سورة الزمر : ٤]. وكما قال تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [سورة الأنعام : ٢٨]. وكما قال تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) [سورة الإسراء : ٩٥] وكل هذا قد علم الله تعالى أنه لا يكون أبدا وبالله تعالى التوفيق.

فإن قال قائل : إن الملائكة مأمورون لا منهيون ، قلنا : هذا باطل لأن كل مأمور بشيء فهو منهي عن تركه وقوله تعالى : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) يدل على أنهم منهيون عن أشياء يخافون من فعلها ، وقال عزوجل : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) [سورة الحجر : ٨].

قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا مبطل ظن من ظن أن هاروت وماروت كانا ملكين فعصيا بشرب الخمر والزنا والقتل ، وقد أعاذ الله عزوجل الملائكة من مثل هذه الصفة بما ذكرنا آنفا أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وبإخباره تعالى أنهم لا يسأمون ، ولا يفترون ، ولا يستحسرون عن طاعته عزوجل ، فوجب يقينا أنه ليس في الملائكة البتة عاص لا بعمد ولا بخطإ ولا بنسيان وقال عزوجل : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [سورة فاطر : ١]. فكل الملائكة رسل الله عزوجل بنص القرآن ، والرسل معصومون فصح أن هاروت وماروت المذكورين في

٢٧٩

القرآن لا يخلو أمرهما من أحد وجهين لا ثالث لهما : إما أن يكونا جنّيين من أحياء الجن ، كما روينا عن خالد بن أبي عمران وغيره ، وموضعهما حينئذ في النحو بدل من الشياطين كأنه قال : ولكن الشياطين كفروا هاروت وماروت ويكون قوله : ما أنزل على الملكين نعتا بمعنى لم ينزل على الملكين ببابل ويتم الكلام هنا.

وإما أن يكونا ملكين أنزل الله عزوجل عليهما شريعة حق ثم نسخها فصارت كفرا كما فعل بشريعة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام فتمادى الشياطين على تعليمهما وهي بعد كفر ، كأنه قال تعالى : ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ، والذي أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت. ثم ذكر عزوجل ما كان يفعله ذلك الملكان فقال تعالى : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) [سورة البقرة : ١٠٢].

قال أبو محمد رضي الله عنه : فقول الملكين إنما نحن فتنة فلا تكفر قول صحيح ونهي عن المنكر ، وأما الفتنة ، فقد تكون ضلالا وتكون هدى ، قال الله عزوجل حاكيا عن موسى عليه‌السلام أنه قال لربه : (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) [سورة الأعراف : ١٥٥]. فصدق الله عزوجل في قوله ، وصح أنه يهدي بالفتنة من يشاء ويضل بها من يشاء. وقال تعالى : (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) [سورة الأنفال : ٢٨].

وليس كل أحد يضل بماله وولده ، فقد كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولاد ومال ، وكذلك لكثير من الرسل عليهم‌السلام ، وقال تعالى : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) [سورة المدثر : ٣١]. وقال تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) [سورة الجن : ١٧]. فهذه سقيا الماء التي هي جزاء على الاستقامة قد سماها الله تعالى فتنة ، فصح أن من الفتنة خيرا وهدى ، ومنها ضلالا وكفرا ، والملكان المذكوران كذلك كانا فتنة يهتدي من اتبع أمرهما في أن لا يكفر ، ويضل من عصاهما في ذلك ، وقوله تعالى : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) حق لأن أتباع رسل الله عليهم الصلاة والسلام هذه صفته يؤمن الزوج فيفرق إيمانه بينه وبين امرأته التي لم تؤمن ، وتؤمن هي فيفرق إيمانها بينها وبين زوجها الذي

٢٨٠