مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ٢

الشيخ علي كاشف الغطاء

مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي كاشف الغطاء


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مطبعة العاني
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٩
الجزء ١ الجزء ٢

لانطباق العام عليه قهرا فمع فرض دلالة الدليل على عمومية الزمان للعام بأية واسطة وضعا أو بمقدمات الحكمة فهذا الفرد كان داخلا هذا القسم منه ولم يحدث إلا خروج قسم منه وهو لا يوجب تبدل الدلالة عليه.

وبعبارة أخرى العموم الزماني كالعموم الافرادي فكما إنّ خروج بعض الافراد عن العام لا يمنع من التمسك بالعام في باقي الافراد ولا يوجب تعدد الحكم كذلك خروج قطعة من العموم الزماني لا يمنع من التمسك بالعموم الزماني ولا يوجب تعدد الحكم فلا وجه لما قيل من ان العموم الزماني اذا خصص لم يبق ذلك الحكم العام لزوال عمومه فاثبات الحكم للباقي إثبات لغير مدلوله ووجه فساده نقضا بأنه لو تم لكان جاريا في العموم الافرادي والعموم الزماني وحلا بان الحكم نفس الحكم وانما أخرج منه بعض مدلوله.

الايراد الخامس وينسب الى المرزا النّائينيّ هو ان العموم الزماني تارة يكون موضوعه متعلق الحكم بمعنى إنه يلاحظ العموم في نفس المتعلق للحكم وتكون آنات الزمان قيدا له بحيث يكون كل آن معروضا للحكم بحيث يرد الحكم الشرعي على العموم بحيث يمكن أن يتكفل اعتباره نفس دليل الحكم كقولك اكرم العلماء في كل زمان وكقولك يجب الصوم في كل يوم من شهر رمضان فيكون وجوب واحد واردا على صوم كل يوم من الشهر. واخرى يكون العموم الزماني موضوعه نفس الحكم الشرعي يرد الحكم عليه بحيث لا يمكن أن يتكفل بيان العموم الزماني نفس دليل الحكم بل لا بد من بيانه بدليل منفصل لأن استمرار الحكم ودوام وجوده فرع ثبوت الحكم كما لو قلنا (الحكم الفلاني مستمر أو دائمي وجوده) فانه يكون نفس الحكم موضوعا للدوام

٦١

والاستمرار الزماني. والمحمول انما يثبت بعد تحقق الحكم اذا عرفت ذلك ففي الصورة الاولى يتمسك بالعموم عند الشك في التخصيص ولا تصل النوبة الى الاستصحاب لتكفل الدليل بيان الحكم لكل آن من آنات متعلق الحكم. وأما في الصورة الثانية فلا يصح التمسك بالعموم عند الشك في التخصيص أو في مقداره بل لا بد من الرجوع الى الاستصحاب لانه لم يحرز موضوعه وهو الحكم فلو قال (أكرم العلماء) وفهمنا من مقدمات الحكمة استمرار وجود هذا الحكم ثم شك في الوجوب لاحتمال تخصيصه فلا يصح التمسك بالعموم فان التمسك به يتوقف على احراز موضوعه وهو وجود الحكم والمفروض الشك فيه فلا بد من الرجوع الى استصحاب حكم العام عند الشك في أصل التخصيص والرجوع الى استصحاب حكم الخاص عند الشك في مقداره لأن الدليل كان متكفلا لعموم أزمنة وجود الحكم والشك في التخصيص الزماني يوجب الشك في وجود الحكم فيكون التمسك بالعموم الزماني تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية نظير من يتمسك ب (اكرم العلماء) في وجوب من شك في كونه منهم.

وجوابه إن الحكم وتوابعه من استمرار ضرورة أو توقيت له يتمسك بدليله عند احراز ما جعل موضوعا له فالعموم الزماني للحكم من توابع الحكم فيتمسك به عند ما يحرز موضوع نفس الحكم فما دل على دوام وجوب اكرام العلماء اذا شك في تخصيصه أو مقداره اذا أحرز ان الشخص عالم يتمسك به لأن قيود الحكم تابعة للحكم سلمنا لكن الحكم قد أحرز في أول الأزمنة قبل زمان الشك في استمراره فيكون الاستمرار قد أحرز موضوعه وهو الحكم فيصح التمسك بدليل استمرار الحكم عند الشك في استمراره كما هو الشأن في كل محمول مشكوك أحرز موضوعه.

٦٢

الايراد السادس إنه لا بد من ملاحظة الخاص فان أخذ الزمان فيه بنحو الظرفية كما هو طبع الزمان والمكان فيتمسك باستصحاب حكم الخاص اذا لم يكن للعام عموم استغراقي وان أخذ الزمان في الخاص بنحو القيدية والعام لم يكن له عموم استغراقي فلا يصح التمسك بالعام لعدم دلالته ولا يصح التمسك باستصحاب حكم الخاص لانه مع قيدية الزمان لموضوعه يكون موضوع حكم الخاص هو خصوص ذلك الزمان فلا يصح استصحاب حكمه للزمان الآخر لأنه يكون من قبيل استصحاب حكم موضوع لموضوع آخر فلا بد من الرجوع الى دليل آخر وفيه ما عرفت انه مع عموم العام استغراقا شموليا أو بدليا أو مجموعيا يرجع اليه اذا لم يكن عموم للمخصص وإلّا فيرجع للمخصص ومع عدم العموم لهما يرجع لاستصحاب حكم المخصص اذا أخذ الزمان بنحو الظرفية في المخصص أو كان المخصص مهملا وأما اذا أخذ الزمان في المخصص بنحو القيد فيرجع لأصل آخر لعدم صحة استصحاب حكم المخصص لاختلاف الموضوع وعدم صحة التمسك بالعام لعدم دلالته ولا استصحاب حكمه لانقطاعه بحكم المخصص.

التنبيه الرابع عشر في استصحاب باقي المركب : ـ

إن المركب إذا تعسرت بعض أجزائه أو شروطه أو فقدت فهل يصح استصحاب حكمه للباقي وهذا الموضوع قد أشبعنا فيه الكلام في كتابنا (الاحكام).

والتحقيق أن يقال ان الباقي من الاجزاء ان كان عند العرف بقاء لموضوع الحكم صح الاستصحاب ألا ترى إنا نستصحب بقاء كرية الماء اذا نقص منه شيء يوجب الشك في كريّته فيما اذا كان العرف يرى أنّ نقصان الماء لم يغير موضوع الكرية وقد يستأنس لذلك بأن فقد بعض أجزاء الصلاة غير الاركان منها سهوا

٦٣

أو عجزا غير رافع للوجوب النفسي وقد مر منا بيان الميزان في بقاء موضوع الحكم في مبحث اشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب وفي استصحاب الامور التدريجية فراجع.

التنبيه الخامس عشر في أصالة الصحة واستصحابها : ـ

وقع الكلام من القوم في أصالة الصحة في فعل الانسان نفسه فيما اذا شك في صحة ما صدر منه وفساده وفي أصالة الصحة في فعل الغير وأقواله واعتقاداته والمهم بيان ما يثبت الصحة في ذلك ولو من القواعد الشرعية وتوضيح الحال يستدعي الكلام في مقامين :

المقام الاول في أصالة الصحة في الفعل بالنسبة الى الانسان نفسه وفيه موضوعان :

الموضوع الاول فيما اذا شك في أثناء عمله في صحة ما صدر منه بأن فقد ما احتمل اعتبار وجوده في العمل أو تحقق ما يحتمل اعتبار عدمه في العمل كما لو أطارت الريح ثوبه في اثناء صلاته فاحتمل انكشاف عورته في الصلاة أو تحرك في الصلاة حركة احتمل إنها فعل كثير أو احتمل صدور ما يبطل عقد البيع أو النكاح فهل يبني على صحة ويتم عمله أم لا. ولا بد أن تكون الشبهة موضوعية وإلا لو كانت الشبهة حكمية فلا بد من الرجوع الى الدليل أو الأصل العملي.

والحاصل إنه مع الشبهة الموضوعية قد يتمسك بالاستصحاب في البناء على صحة كما هو المحكي عن المشهور من التمسك باستصحاب الصحة فقد نقل التمسك به عن الشيخ والحلي والمحقق والعلامة وغيرهم. وانكره غير واحد من جهة أن المستصحب ان كان صحة مجموع العمل فهو غير صحيح لأن

٦٤

المفروض الشك في أثناء العمل فالعمل غير متحقق حتى يستصحب وان كان المستصحب صحة الاجزاء اللاحقة فهي كذلك لم تكن متحققة وان كان المستصحب صحة الاجزاء السابقة فالمراد بالصحة إن كان موافقة الأمر فهو مقطوع به لأن الفرض أنّ كل جزء قد أتى به على طبق ما هو مأمور به وان طروء الفساد لا يوجب خللا فيه وانما يوجب خللا في المركب وان كان المراد بالصحة ترتب الأثر فلا بد ان يكون المراد بصحة الجزء هو مجرد الأهلية والقابلية بمعنى إنه لو انضم إليه باقي الاجزاء والشرائط بما يعتبر فيها لترتب الأثر على المركب وإلّا فبنفسه وحده لا يترتب الأثر عليه وهذا أيضا متيقن بالنسبة الى الاجزاء السابقة فهو غير مشكوك وانما المشكوك هو حدوث شيء يوجب فساد الكل ويمنع من ترتب الأثر عليه ويمنع من موافقته للمطلوب وإلا فنفس الاجزاء صحيحة لأنها يترتب أثر جزئيتها عليها وانما المشكوك ترتب أثر الكل عليه.

واجيب عنه بوجوه : ـ

أحدها إن المستصحب هو صحة الاجزاء السابقة بمعنى إنه لو انضم الى الاجزاء السابقة باقي الاجزاء لحصل المركب المطلوب ويترتب عليه الأثر المسماة بالصحة التأهلية والشأنية ولا يخفى ما فيه فانه استصحاب تعليقي في الموضوع وقد عرفت بطلانه في مبحث الاستصحاب التعليقي مضافا الى انها متيقنة الثبوت للاجزاء السابقة ولو قطع بعدم لحوق الاجزاء الباقية. وقد رد على ذلك استادنا المرحوم الشيخ آغا ضياء إن المستصحب هو الصحة الفعلية للاجزاء السابقة لأن الصحة سواء كانت موافقة الأمر أو ترتب الأثر تكون تدريجية الحصول بحيث يكون كل جزء مؤثرا في مرتبة منها الى أن يتم أجزاء المركب فيتحقق من مجموعها صحة

٦٥

الكل فأذن لا قصور في استصحاب الصحة للاجزاء السابقة فانه بتحقق أول جزء من العبادة تتحقق الصحة والمؤثرية الفعلية فيتصف الجزء المأتي به بالمؤثرية وبالموافقة للأمر التدريجية فانه يتبع تدريجية التكليف المتعلق بالمركب تتدرج الموافقة الفعلية وحينئذ لو وقع مشكوك المانعية في الاثناء يشك في بقاء هذه الصحة أو انقطاعها فيجري فيها الاستصحاب كسائر الأمور التدريجية فاذا علم بتحقق جزء أو جزءين يقطع بتحقق الصحة لهما وبعد تحقق المشكوك المانعية يشك في بقاء الصحة بتلاحق بقية الاجزاء والشرائط فنستصحب وتوهم عدم شرعية المستصحب لكونه أمرا عقليا يدفعه بأنه أمر وضعه ورفعه بيد الشارع من جهة إن منشأه وهو التكليف بيد الشارع وهذا المقدار من شرعية المستصحب كاف في صحة الاستصحاب مضافا الى صحة استصحاب الصحة بمعنى قابلية الاجزاء السابقة المأتي بها وصلاحيتها فعلا للحوق بقية الاجزاء بها لتمامية أركان الاستصحاب في هذه الصحة فان الاجزاء السابقة قبل احتمال وجود المانع كانت متيقنة صحتها الفعلية بمعنى القابلية والصلاحية الفعلية للحوق الاجزاء الباقية بها وبعد حدوث ما احتمل مانعيته يشك في بقائها على القابلية المذكورة فتستصحب وتوهم كون هذا الاستصحاب من الاصول المثبتة باعتبار أن صحة الكل مرتبة على ابقاء هذه الصحة للاجزاء عقلا لا شرعا يدفعه بأنه من باب تطبيق الكبرى الشرعية على الصغريات فلا يكون من الاصول المثبتة الممنوعة. هذا ملخص ما نقله المرحوم الشيخ محمد تقي في تقريراته للمرحوم آغا ضياء العراقي وقد سبقه الى ذلك المرحوم الشيخ عبد الحسين آل أسد الله الكاظمي في شرحه للكفاية.

ولا يخفى ما فيه فان مع احتمال وجود المانع أو القاطع أو

٦٦

ما يحتمل مانعيته وقاطعيته لم يكن الشك في صحة الاجزاء السابقة بالمعنى الذي ذكره الخصم شكا في بقائها للاجزاء السابقة بل هو شك في أصل وجودها لها لانه مع احتمال حدوث ما له دخل وجودا أو عدما في المأمور به يشك في أصل الصحة الفعلية للاجزاء لانه يحتمل أن صحتها الفعلية الموجبة لصحة المركب الفعلية يكون للأمر الحادث دخل فيها فلم يحرز وجودها لها كيف والقابلية والفعلية والموافقة للتكليف التدريجي وترتب الاثر التدريجي الموجب لحصول الأثر للكل كل ذلك إنما يتيقن في الاجزاء السابقة اذا أحرز المأمور به المركب واما اذا شك في حصول شيء أو عدمه له دخل في المأمور به كان شكه شكا في أصل الصحة للاجزاء المأتي بها لا في بقائها ألا ترى إنه اذا لم يأت بالجزء الاول أو الوسط أو الأخير يقطع بزوال أصل الصحة الفعلية المذكورة عن الأجزاء لا زوال بقائها فان ذلك من قبيل الاجازة للعقد بنحو المؤثرية المتأخرة أو الشرط المتأخر نعم هذا يتم لو قلنا بقاعدة اليقين.

ثانيها استصحاب الهيئة الاتصالية التي كانت للعمل المركب قبل وجود هذه الزيادة أو النقيصة أعني استصحاب الجزء الصوري للمركب. ولا يخفى ما فيه فانه استصحاب لغير الصحة وانما هو استصحاب لجزء تدريجي من اجزاء المركب على إنه لا يتم إلّا فيما احتمل فساد المركب من جهة وجود القاطع وإلا لو احتمل فساده من جهة فقدان جزء أو وجود مانع لا يضر بالهيئة الاتصالية لم يجر الاستصحاب المذكور لأن الهيئة الاتصالية كان وجودها متيقنا.

ثالثها استصحاب عدم حصول المانع من صحة العمل أو عدم قطعه للهيئة الاتصالية شرعا فان الاستصحاب يجري فيه وفي بقاء

٦٧

الهيئة الاتصالية ويثبت صحة المركب بواسطة احراز بعضه بالوجدان وبعضه بالاستصحاب وفيه إن ذلك لم يكن من استصحاب نفس الصحة وانما هو استصحاب لبعض الاجزاء على إنه لا يتم فيما احتمل قاطعية القاطع من جهة مضادته عقلا للمركب فان استصحاب عدمه لا يثبت صحة المركب لانه أصل مثبت.

التمسك بقاعدة الفراغ في إثبات الصحة

ما تقدم كان في التمسك بالاستصحاب في إثبات اصالة الصحة عند الشك في صحة العمل في اثناء العمل وقد يتمسك في إثباتها بقاعدة الفراغ والتجاوز عند ما يشك في صحة الكل من جهة الشك في صحة جزئه في أثناء إتيان العمل وعليه فتقدم على استصحاب عدم اتيانه لأن تشريع قاعدة الفراغ والتجاوز سواء قلنا إنهما قاعدتان أو قاعدة واحدة في موارد الاستصحاب المعارض لها ولكن هذا مبني على أمرين :

احدهما الحاق الشك في الصحة من جهة الشك فيما اعتبر فيه كما لو شك في الموالاة المعتبرة في حروف الكلمة أو بين آيات السورة أو في أجزاء تكبيرة الاحرام بالشك في نفس وجود الشيء فان أدلة قاعدة الفراغ والتجاوز قد يقال بل قيل انها مختصة بالشك في نفس وجود الشيء ولا تشمل الشك في وصفه من الصحة أو الكمال أو في شروطه.

والثاني على انها عامة لسائر الموارد من عبادات ومعاملات وإلا فقد يقال إن قاعدة الفراغ والتجاوز مختصة بالعبادات دون غيرها بل بالصلاة والوضوء والذي يمكن أن يقال في بيان ذلك إن عمدة أخبار القاعدة ما يدل على شمولها للشك في الشيء ولو من جهة صحته وحتى في المعاملات كصحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال «اذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك

٦٨

ليس بشيء» وموثّقة محمد بن مسلم «كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو» وما في موثّقة ابن أبي يعفور «إنما الشك في شيء لم تجزه» ووجه ظهورها أنها في بيان ضرب قاعدة كلية فلا وجه لاختصاصها بالعبادات وخصوصية المورد لا توجب خصوصية الوارد كما إن لفظ الشيء ظاهر في نفس الماهية والشك في نفس الماهية لا يتصور إلا باعتبار صفتها التي يتحقق بها ترتب أثرها عليها كالوجود والصحة فلا بد من تقدير عنوان ما يترتب عليه الأثر لأن حذف متعلق الشك يدل على إرادة العموم بل إن موثقة ابن أبي يعفور صريحة في الشك في الصحة فان الشك في الشيء الذي قد مضى يقتضي بأن وجوده قد تحقق في الماضي ويشك في صحته على ان الدال على الشيء يدل بالدلالة الالتزامية على صحته من جهة التلازم العرفي بينهما فان الشك في صحة الشيء شك في وجوده في نظر العرف. سلمنا ولكن مفهوم الأولوية يقتضي ذلك فانه إذا كان الشك في أصل الوجود ملغيا فبالطريق الاولى أن يلغى الشك في صحة الوجود. هذا وقد نقل الاجماع على خروج الطهارات الثلاث عن هذه الكلية فالشاك في اثناء الوضوء في فعل من افعاله قبل تمام الوضوء يأتي به وان دخل في فعل آخر وكيف كان فاذا أخذنا أصالة الصحة من قاعدة الفراغ والتجاوز كانت حجيتها بمقدار دلالتها عموما أو خصوصا إلا أن تخصيص بمورد وقد يتمسك بأصالة الصحة بظهور حال المسلم كما يظهر من جدنا كاشف الغطاء في المبحث السادس والثلاثين في كتابه كشف الغطاء من ان الأصل في فعل كل عاقل مكلف صادر عنه عن اختيار أن يكون صحيحا. قال الفاضل الأراكي في تعليقه على الكفاية عند تفسيره لكلام جدنا كاشف الغطاء بمعنى ان بناء العقلاء على ترتيب آثار التمام والصحة إنما

٦٩

يكون لأجل ارتكازها في أذهانهم بحيث لو انقدح احتمال الخلاف لا يعتنون به لأجل انتظام معاشهم ومعاشرتهم ولأنّ ذلك هو مقتضى الفطرة التي فطر عليها الناس فهي كالمعلومات الأولية الموهوبة من الله تعالى. نعم ردع الشارع عنها في بعض الصور التي ذكرها كاشف الغطاء قدس‌سره في كتابه.

الصحة بعد الفراغ من العمل : ـ

الموضوع الثاني فيما يشك في صحة العمل بعد الفراغ منه وبعد تجاوز محله كما لو شك في صحة صلاته بعد فراغه منها أو صحة بيعه ونكاحه بعد فراغه منها فانه يبني على صحته. والدليل على ذلك ان كان الاستصحاب فهو غير صحيح لانه قد تبدل يقينه بصحة العمل بالشك في صحته بمجموعه فلا يقين له سابق بالصحة وان كان أخبار قاعدة التجاوز والفراغ فهو صحيح حيث إنها تدل بعمومها على صحة العمل المركب بعد الفراغ منه وان كان السيرة والبناء من العقلاء الذي ادعاه جدنا كاشف الغطاء قدس‌سره فهو أيضا صحيح يدل على صحة العمل اذا شك فيه بعد الفراغ منه.

الصحة في فعل الغير : ـ

المقام الثاني في ثبوت الصحة في فعل الغير سواء كان قد صدر منه سابقا أو متلبسا به فعلا أو سيصدر منه في المستقبل كأن يوكله في النكاح أو البيع أو ينيبه عنه في العبادة أو يستأجره عليها بمعنى إنه بحسب الظاهر يرتب عليه آثار الواقع فلو رأى إنسانا يصلي على الميت أو يغسله بنى على صحة ذلك واقعا ولا يجب عليه أن يتفحص عن صحة صلاته ولا تكفينه ومن باعه شيئا بنى على صحة بيعه له ولا يجب عليه أن يتفحص بأنه اشتراه قبل بلوغه

٧٠

أو سرقه أو غير ذلك فهو أصل من الاصول العملية يثبت به الحكم في الشبهات الموضوعية واستدل عليه بآيات وروايات قابلة للمناقشة والعمدة في الاستدلال عليه.

أولا الاجماع العملي المستفاد من سيرة علماء المسلمين في جميع الاعصار والامصار حتى في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والائمة الأطهار فان العلماء التابعين لهم لا إشكال في اجرائهم هذا الأصل في ترتيب الآثار الواقعية في سائر أعمال المسلمين بل في سائر أعمال الناس التي لا يعلمون بمخالفتهم لهم ومباينتهم لهم فيها فيشترون منهم دون التفحص عما يشترونه ويبيعون عليهم دون التفحص عن بدله ويستكرون دوابهم وامتعتهم. نعم فيما يعلمون بمباينتهم لهم في الرأي بالصحة لا يجرون الأصل المذكور ولا ريب ان هذا الاجماع من العلماء في عصر المعصومين يفيد القطع برأيهم.

وثانيا بالسيرة من المسلمين بل من سائر الملل والنحل في سائر أمور معاشهم وضروريات حياتهم.

وثالثا يحكم العقل بلزوم اختلال النظام فانه لو لا الحمل على الصحة لاحتاج كل عمل وكل أمر صادر من الغير الى الفحص الكثير الموجب للحرج الشديد والعسر العظيم واختلال نظام الموجب للارتباك حتى في شئون الحياة وينبغي التعرض لأمور.

المراد بالصحة : ـ الصحة الفاعلية أو الواقعية أو العذرية : ـ

أحدها المراد بالصحة في كلمات القوم هو الصحة الواقعية التي تترتب عليها آثار العمل الاختياري الصحيح في الواقع بعنوانه الأولي وهي التي تدل عليها الأدلة في نفس الأمر والواقع ويقابلها الفساد في الواقع. وليس مرادهم بالصحة الفاعلية وهي الصحة

٧١

بنظر العامل للعمل أعني الصحة المدلول عليها بما هو معتبر عند العامل للعمل أو بما يراه من العنوان الثانوي فيه أو للتقية ويقابلها الفساد في نظر العامل. وليس مرادهم الصحة العذرية التي هي حسن الظن بالعامل ويعذر بها الفاعل في فعله والتي هي عبارة عن حسن العمل ويقابلها قبح الفعل وذلك لأن كلام القوم في الصحة الواقعية. ولأن البحث عنها هو المثمر ثمرة جيدة. والأدلة المتقدمة تثبتها فان السيرة المذكورة قامت عليها. والنظام يختل لو لا الحمل عليها.

ما يشترط في الفاعل في حمل فعله على الصحة : ـ

ثانيها يشترط فيمن يحمل عمله على الصحة شروط :

أولها وثانيها ان يكون بالغا عاقلا كما هو المحكي عن جدي كاشف الغطاء حيث إن الأدلة التي قدمنا ذكرها لا يحرز دلالتها على اكثر من ذلك مع ان العقلاء لا يحملون على الصحة الواقعية عمل المجنون أو الصبي بل يتفحصون عنها فلا بد من احراز ان العامل الذي يحمل عمله على الصحة من إحراز انه حين العمل بالغ عاقل والاحراز إما بالوجدان أو بأمارة مجعولة أو بأصل عقلائي معتبر.

وثالثا أن لا يكون رأي العامل في الصحة مباينا للحامل فان العقلاء لا يحملونه إذ ذاك على الصحة لأن عمله بمقتضى القاعدة يكون صادراً على طبق رأيه. ولا يشترط في الحمل على الصحة العلم بالمطابقة في الرأي فمجرد احتمال الموافقة كاف في الحمل ولذا ترى العقلاء لا يتفحصون عن العمل ولو كان علم الفاعل بالصحة شرطا للزم التفتيش عن حال الفاعل مع إن سيرتهم مستمرة على ترتيب آثار الصحة بلا التفات الى حال الفاعل وللزم اختلال النظام اذ الاطلاع على حال الناس في المعاملات وغيرها يوجب استيعاب الوقت في الفحص واستفراغ الوسع في التفتيش

٧٢

وأما لو تصرف في أحد المشتبهين فلا يجوز حمله على الصحة اذا كان عالما بعلم المتصرف الاجمالي بناء على تنجز العلم الاجمالي وأما لو علم أو احتمل أن المتصرف يعلم المحرم منهما بعينه فلا مانع من حمله على الصحة.

ورابعا ان يكون مختارا لا مضطرا ولا مكرها على العمل فانه وان كان معذورا لكن لا يحمل على الصحة الواقعية عند العقلاء لأنه لا يملك نفسه في إتيانه بالعمل بما هو الصحيح بل بما هو مضطر ومكره عليه.

وخامسا ان لا يقر ويعترف الفاعل إقرارا معتبرا عند العقلاء بعدم صحة فعله فان العقلاء لا يجرون أصالة الصحة لإثبات صحة عمله فاذا اعترف العامل بأنه يلعب ولم يصلّ على الميت لا تجري أصالة الصحة في عمله. كما ان الصحة لا تثبت الصحة الفعلية اذا أقر بتحديد سلطنته على العمل وانما تثبت مقدار سلطنته على العمل كما لو أقر بأنه وكيل عن زيد أو نائب عنه أو انه عقد فضولي عن المالك وقد أجازه المالك أو اشتراه من الغير كذلك وشك في وكالته أو نيابته أو إجازة المالك له فأصالة الصحة لا تثبت ذلك وانما ثبتت صحته بنحو الوكالة أو الفضولية.

سادسا ان لا يكون في مقابلته خصم قال جدنا كاشف الغطاء فيما حكى عنه شارح الرسائل الحاج محمد باقر «إن الاصل فيما خلقه الله تعالى من الأعيان من الاعراض والجواهر هو الصحة وكذا ما أوجده الانسان البالغ العاقل من أقوال وأفعال من مسلم أو كافر هو الصحة فيبنى على الصحة حتى يقوم شاهد على الخلاف إلا أن يكون في مقابلته خصم». وعليه فلو قام في مقابلته خصم تسقط أصالة الصحة ويعمل بما يقتضيه غيرها من الطرق أو الاصول المعتبرة. وذلك لأن حجية أصل الصحة من باب بناء

٧٣

العقلاء واختلال النظام وهما لا يقتضيان الاخذ بهذا الأصل عند المخاصمة ولا أقل من ان ذلك هو القدر المتيقن بل لعل السيرة عليه فان المخاصمة عند العقلاء توجب التوقف وعدم إجراء اصالة الصحة ولعل ما وقع من النزاع في اصالة الصحة عدم ملاحظة الشروط المذكورة.

ما يشترط في العمل الذي يحمل على الصحة : ـ

ثالثها يشترط في حمل العمل على الصحة :

أولا أن يصح أن يتصف بها وبالفساد فالتطهير اذا قلنا بانه نور نفساني لا يتصف بالصحة والفساد لأن الشك إنما يكون في وجوده وعدمه لا في صحته وفساده.

نعم لو قلنا بانه مركب من الغسلات للاعضاء مع الترتيب اتصف بهما كما هو الحق عندنا وذلك لأن الشك انما يكون في الصحة والفساد.

وثانيا ان يحرز صدور العمل بعنوانه بالعلم أو ما يقوم مقامه من الامارات الصحيحة أو الاصول المعتبرة ويكون الشك في أجزائه أو شرائطه فلو كان الشك في الاخلال بالعمل بنحو يوجب الشك في أصل وجوده كمن شك في إخلال الغير بالصلاة ونحوها من جهة أنه يحتمل أنه يلعب لا أنه يصلي فلا وجه لجريان أصالة الصحة لإثبات انه يصلي صلاة صحيحة لأن الشك يكون في وجود العمل لا في صحته. والادلة انما قامت على اصالة الصحة في الشك في الصحة لا في الوجود وبهذا تعرف إنه لا تجري أصالة الصحة في الافعال ذات العناوين القصدية كالصلاة والزكاة اذا شك في الاخلال بها من جهة الشك في نية الفاعل لها ولو رأينا الكافر يصلي لا نجري اصالة الصحة في صلاته لأنا نحتمل إنه غير ناو

٧٤

لفعل الصلاة وكذا لو شك في العقود والايقاعات التي يحتاج تحققها الى قصد إنشائها من جهة الشك في قصد إنشائها لانه في الحقيقة يكون الشك شكا في الوجود لها لا في صحتها ولذا لو شك في أن الكلام الصادر من مسلم كان تحية أو شتما لا يجب عليه رد السلام لعدم احراز إنه تحية بأصالة الصحة. نعم لو قطع بانه تحية لكن احتمل أنها بداعي السخرية فأصالة الصحة تقتضي صحتها.

والحاصل انه لا بد في إجراء اصالة الصحة في عمل الغير من احراز العمل بعنوانه المطلوب صحته أما بالعلم أو بما يقوم مقامه من الأمارات الصحيحة أو بالاصول المعتبرة كما لو كان هناك ظهور حال في كون العامل بصدد النية للعبادة أو في مقام إنشاء المعاملة التي هو بصددها. وأما الامور التي لا يحتاج تحققها الى قصد عنوانها فمجرد فعلها من الغير يكفي في إجراء أصالة الصحة فيها كمن تراه يغسل ثوبه النجس وشككت في صحة غسله من عصره أو تعدده صح لك اجراء أصالة الصحة لإثبات صحة غسله وكما لو أعطيته لآخر فغسله وشككت في صحة غسله بني على صحته قال بعض اساتذتنا لو أخبرك الاجير بغسل ثوبك أو بالصلاة على الميت أو عن الميت فيمكن بقاعدة (من ملك شيئا ملك الاقرار به) أو بقاعدة الائتمان أن يثبت وجود العمل وبالشك في صحة ذلك العمل تجري أصالة الصحة.

مقدار ما تثبته أصالة الصحة : ـ

رابعها أصالة الصحة إنما تثبت صحة العمل من الشخص بالنسبة اليه وثبت الصحة بمقدار ما يكون العمل به صحيحا وأما إثباتها صحة العمل من الشخص بالنسبة اليه فلأنه هو كان مجراها

٧٥

ولا تثبت صحته اذا كانت مترتبة على عمل آخر من شخص آخر فمثلا البيع الفضولي بين شخصين اذا شك في صحته فتارة يشك فيها من جهة إن العقد وقع بالفارسية أو أن القبول سبق الايجاب أو لم يقع بعده فوريا فأصل الصحة يجري فيه ويلغي الشك المذكور.

وتارة يكون الشك في صحته منهما من جهة أن المالك أجازه أم لا. فاصالة الصحة لا تجري فيه لإثبات صحته من هذه الجهة وهكذا لو صدر إيجاب لعقد البيع أو النكاح أو نحوهما من شخص فتارة يشك في صحة العقد من هذا الشخص من جهة إن الايجاب فيه لم يكن بالعربية فأصل الصحة يجري فيه من هذه الجهة واخرى يشك في صحة هذا العقد من هذا الشخص من جهة إن القبول تحقق من المشتري أم لا. فاصالة الصحة لا تجري لإثبات تحقق القبول وذلك لأن أصل الصحة إنما يثبت صحة العمل بعد احراز صدوره من الغير ولو في المستقبل. وفي المقام كان العمل من الغير كالاجازة من المالك والقبول من المشتري مشكوكا صدوره لا أنه مشكوك صحته ومنه يظهر أنّ صحة عقد الوقف من الواقف وعقد الهبة من الموهب اذا شك فيهما من جهة قبض الموقوف عليه أو الموهوب له برضاه فلا تجري أصالة الصحة في العقد المذكور لإثبات الصحة من جهة قبض الغير. نعم لو شك في صحة تحقق العمل القائم باثنين صح اجراء أصالة الصحة فيه كما لو رأيت اثنين وقع التعامل بينهما بنحو البيع بالايجاب والقبول وشككت في صحته من جهة انك شككت في أنه بالعربية أو القبول تعقب الايجاب أو الثمن لم يكن بالباطل صح إجراء أصالة الصحة لرفع ذلك الشك. كما لو رأيت شخصا يبيع سلعة على شخص وان لم تكن تلك السلعة بيده وشككت أنه اشتراها من الغير ببيع غير

٧٦

صحيح أو ببيع فضولي لم تتحقق إجازة المالك بالنسبة إليه أو أخذها بغصب أو بهبة بدون اقباض الموهب له برضاه أو أخذها كرها أو اشتراها من غير البالغ فانه تجري اصالة صحة بيعه عليك ولا تعتني بهذه الاحتمالات.

نعم لو ادعى عليه شخص ذلك سقط أصل الصحة ويرجع لامارات معتبرة أو أصول مقررة ولو اعترف البائع بأنها مبيعة عليه بالبيع الفضولي أو بالوكالة فان عليه أن يثبت اجازة المالك له أو وكالته عنه لأن أصالة الصحة لا تثبت في الظاهر إلا مقدار ما للعامل من الحق وهو باعترافه بالفضولية أو الوكالة اثبتت ان للغير الحق فيها وانّ سلطنته على السلعة سلطنة فضولية أو بالوكالة فاذا ادعى الموكل عدم الوكالة والفضولي عدم الاجازة وادعى البائع صدورهما من المالك فان أصالة الصحة حتى لو قلنا بجريانها لا تثبت إلا السلطنة للبائع بذلك المقدار الذي يكون به مدعيا والمالك منكرا فيكون الأصل مع المالك ومنه يظهر صورة ما اذا شك في الصحة من جهة حدوث المبطل لها بعد العمل كما لو شك في صحة العقد من جهة احتمال فسخه أو الوصية من جهة العدول عنها أو النكاح من جهة صدور الطلاق فان أصالة الصحة تجري لرفع ذلك الاحتمال نعم لو شك في ابطال العمل من الغير فأصالة الصحة لا تثبت الصحة للعمل كما في بيع الرهن اذا شك في صحته من جهة رجوع الراهن قبل البيع فانّ أصالة الصحة لا تثبت صحة بيع الرهن من هذه الجهة ولا توجب عدم تحقق المبطل له وهو رجوع الراهن قبل البيع.

والحاصل ان اصل الصحة لما كان من باب بناء العقلاء فيؤخذ بالقدر المتيقن منه وهو ثبوت صحة العمل الفعلية ما لم يعترف العامل بخلافها من ان عمله فاسد "أو عبث" واما اذا

٧٧

اعترف بالوكالة أو الفضولية فأصل الصحة لا يثبت الصحة إلا بنحو الوكالة والفضولية فلو أدعى المالك عدم الوكالة وعدم الإجازة أخذ بقول المالك.

مقدار الصحة الذي يثبت بأصل الصحة : ـ

هذا كله في إثبات أصالة الصحة للصحة من الشخص بالنسبة اليه واما مقدار إثباتها للصحة فهو انما يكون بمقدار ما يكون به العمل صحيحا لأن أصالة الصحة عمدة أدلتها لبّية من الاجماع وبناء العقلاء ولزوم الاختلال فلا إطلاق لها ولا عموم فلا بد من الأخذ بالقدر المتيقن سواء كانت امارة أو أصلا ، والقدر المتيقن لم يكن إلا خصوص مدلول الادلة المذكورة فمثلا لو شك في صحة العقد من البائع العاقل من جهة احتمال إن بيعه كان لسلعة لم يشترها من مالكها وهو بالغ كانت أصالة الصحة تثبت إن شراءه لها من مالكها وهو بالغ بمعنى أنها تثبت صحة بيعه من هذه الجهة وهي جهة البلوغ ولا تثبت كون مالكها بالغا بحيث يعطى ماله ويجوز نكاحه وكذا أصالة صحة صلاة الغير اذا شك فيها من جهة الشك في طهارة ثوبه انما تثبت صحتها من ناحية طهارة ثوبه ولا تثبت كون ثوبه طاهرا وهكذا لو صلى صلاة العصر وشك في الوقت إنها صحيحة لاحتمال أنه لم يصلّ الظهر فاصالة الصحة تثبت إن صلاته للعصر صحيحة من هذه الجهة ولكن لا تثبت إنه صلى الظهر بل عليه أن يصلي الظهر والتفكيك بين اللوازم والملزومات الشرعية اكثر من أن يحصى.

نعم الظاهر حجية الأصل المثبت في أصالة الصحة لأن حجيتها من باب بناء العقلاء وهم يرتبون الآثار عليها حتى بالوسائط العقلية فأصالة الصحة في غسل إمام الجماعة مع الشك في وجود

٧٨

الحاجب تثبت صحة غسله فانه لازم عدم الحاجب ولازم عدم الحاجب مباشرة الماء.

تقديم اصالة الصحة على سائر الأصول

خامسها تقدم هذه القاعدة على الاستصحاب وغيره من الاصول وذلك لأن ما من مورد يشك في صحة عمله أو فساده الا وكان الشك في بعض ما يعتبر فيه وجودا أو عدما يكون مجرى للاصل فلو لم تقدم على الاصول لم يبق مورد لها ولو فرض بقاء مورد لها فهو في غاية الندرة والشذوذ فيكون نصيبها بنحو العموم لغوا للزوم استعمال العام وارادة الفرد النادر منه مضافا للاجماع على عدم التفصيل بين مواردها.

اصالة الصحة في الاقوال : ـ

سادسها ذكر القوم أن أصالة الصحة تجري في الاقوال ولا ريب إن القول تارة يشك في صحته وفساده من جهة لغويته وغلطه أو عدمها أو يشك في قصده لمعناه أو لتعليم الغير ولا ريب في حمله على الصحة وانه ليس بلغو بحيث لو ادعى التكلم لغوا أو غلطا أو لتعليم الغير لم يسمع منه وتارة يشك في صحته من جهة اباحته وحرمته ولا ريب في حمله على الصحة وانه ليس بحرام وليس بعاص المتكلم به ولعله يدل على ذلك قوله تعالى (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) وقوله عليه‌السلام «ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وانت تجد لها في الخير سبيلا». وتارة يشك في صحته من حيث اعرابه ولكنه فيما يترتب على صحته من هذه الناحية الأثر الشرعي كأن ترى اماما يصلي جماعة وتحتمل فساد قراءته فتحمله على الصحة وتصلي خلفه وكذا لو شك في صحة العقد المعتبر فيه العربية بقواعدها فيبنى على

٧٩

صحته ويكون العقد مؤثرا.

وتارة من جهة مطابقته للواقع وعدمها ولم يثبت دليل على حمله على الصحة والمطابقة للواقع إلا في موارد خاصة كالخبر الصادر من الثقة وقول ذي اليد وقول المقر وقول الأمين في رد ما اؤتمن عليه أو تلفه من غير تفريط وقول أهل الخبرة في التقويم وأرش الجنايات وقول مباشر الغسل في الطهارة وقول النساء فيما لا يعلم إلا من قبلهن وقول المالك في اخراج الزكاة والخمس وقول أهل السوق في التذكية وقول الوكيل والنائب في العقود والايقاعات والاعمال التي ائتمنوا فيها.

أصالة الصحة في الاعتقادات

سابعها اصالة الصحة في الاعتقادات اذا شك في صحة اعتقاد الشخص فان عرف تفصيلا ينظر في مدركه ولا يحمل على الصحة واما اذا لم يعلم ما هو وانه هل هو اعتقاد صحيح أو لا. فالظاهر هو الحمل على الصحة فلو شك في اعتقاد الرجل إنه مشرك فهو نجس أم مسلم حمل على الصحة وساوره.

التنبيه السادس عشر في مخالفة الاستصحاب للأدلة : ـ

وفيه مقامان :

أحدهما في مخالفة الاستصحاب للدليل المفيد للقطع ولا ريب في تقديم الدليل القطعي عليه لانه يزيل الشك الذي هو مقوّم للاستصحاب تكوينا لا تنزيلا فيكون تقديمه عليه بنحو التخصص سواء وافق الاستصحاب أو خالفه.

ثانيهما في مخالفة الاستصحاب للدليل الظني المعتبر كالخبر الواحد وقد قام الاجماع منهم على تقديمه على الاستصحاب وعلى سائر الاصول والعمل به سواء وافق الاستصحاب أو خالفه فلا

٨٠