مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ٢

الشيخ علي كاشف الغطاء

مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي كاشف الغطاء


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مطبعة العاني
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٩
الجزء ١ الجزء ٢

الشهر فيما بعده بالوجدان وهكذا ثالثية اليوم الى آخر الشهر.

رابعا : استصحاب بقاء الفرد الجزئي لاثبات آثار كلية فانه إنما يثبت آثار كلية بواسطة ثبوت الكلي له وهو واسطة غير شرعية فمثلا استصحاب خمرية هذا الخمر الجزئي لاثبات حرمة شربه ونجاسته فانهما انما يثبتان لهذا الجزئي بواسطة انطباق عنوان كلي الخمر عليه وللآخوند (ره) في كتابه الكفاية تحقيق وتفصيل لا نرتضيه.

والحق في الجواب ان استصحاب الجزئي ان كان يستلزم استصحاب الكلي بأن كان اليقين بالجزئي يقينا بذلك الكلي والشك في بقائه شك في بقاء ذلك الكلي بحيث يكون مندكا فيه فيرتب أثر ذلك الكلي بواسطة ان استصحابه الجزئي استصحاب للكلي والأثر في الحقيقة من جهة استصحاب الكلي كما في المثال المذكور ومثله ما لو نذر بأن يتصدق كل جمعة عن زيد بدرهم ما دام حيا فانه اذا شك في حياته استصحبها فيجب عليه التصدق بدرهم ولا يقال ان ذلك بواسطة صدق كلي عنوان الوفاء بالنذر اذ لم يكن وجوب التصدق من آثار مطلق الحياة لزيد بل من آثار عنوان الوفاء بالنذر اللازم للحياة والوفاء ليس أثرا شرعيا لأنا نقول ان اليقين السابق بالحياة كان يقينا بها وبأن التصدق وفاء للنذر المتعلق بها والشك في الحياة شك في ذلك فاستصحاب الحياة استصحاب للوفاء بالنذر ومثله وجوب الانفاق على زوجته ووجوب عزل سهمه من الوقف أو غير ذلك فان وجوب الإنفاق من آثار كونه زوجا ووجوب العزل من آثار كونه موقوفا عليه إلا إن اليقين بحياة زيد كان يقينا بزوجيته ويقينا بأنه موقوف عليه. نعم لو كان الوقف على البالغ وكان استصحاب حياته الى هذا الزمن يوجب بلوغه لا يصح الاستصحاب وكان أصلا مثبتا.

٤١

والحاصل إن اليقين السابق بالجزئي اذا كان يقينا بالكلي كان استصحابه استصحابا لوجود الكلي في هذا الفرد لا فرق في ذلك بين الكلي الذاتي كالنوع والفصل والجنس وبين الكلي العارض سواء كان محمولا بالضميمة كالأسود على الانسان أو خارج المحمول كالفوق للسطح.

نعم ذكر استاذنا الشيخ كاظم الشيرازي أن استصحاب الجزئي إنما يصح فيما اذا كان الأثر الشرعي مرتبا عليه بخصوصه وأما اذا كان مرتبا عليه بما هو كلي يستصحب نفس الكلي لأن الاستصحاب انما هو لترتيب الأثر فالذي يستصحب ما يرتب عليه الأثر.

وأما اذا كان الكلي ليس موجودا في السابق ولم يكن متيقنا به سابقا فالآثار المرتبة عليه لا تترتب على استصحاب الجزئي حتى لو كان ذاتيا فاستصحاب وجود العلقة في الرحم لا يثبت آثار الانسانية لها في مدة يقتضي انها لو كانت باقية لصارت جنينا انسانيا حيث انه لم يكن اليقين بها يقينا بالانسانية ولم تكن الانسانية إذ ذاك موجودة بوجودها.

خامسا : استصحاب حياة الابن الى زمن موت أبيه لاخراج حصته فانه لازمة ثبوت بنوته فاخراج حصته أثر لبنوته وهي لازم عقلي وجوابه ان استصحاب حياته استصحاب لبنوته إذ البنوة متيقنة سابقا كتيقن حياته فاستصحابها مندك في استصحاب الحياة وفان فيه وان أبيت فأنا نستصحب وجود الابن ومن آثاره الشرعية ثبوت الارث له فان ثبوت الارث للابن أثر شرعي.

سادسا : استصحاب بقاء الولد الى زمان صدور الوقف من أبيه بأن كان الوقف قد صدر من أبيه على أولاده وكان أحدهم غائبا يشك في حياته فان القوم قد ذهبوا الى استصحاب حياته الى

٤٢

زمن صدور الوقف وتعزل حصته فانه قد يقال انه أصل مثبت لأنه يثبت انه موقف عليه.

وتوضيح الجواب أن الواسطة تارة تكون متحققة بالوجدان كما فيما نحن فيه فان الوقف على الاولاد موضوعه مركب من البنوة والوقف عليه والجزء الأول متحقق بالاستصحاب.

والثاني بالوجدان ومثله ما لو ذبح الحيوان وشك في حياته حال الذبح ومثله لو وجد السمك خارج الماء ميتا ولم يكن معه أمارة وتارة تكون الواسطة ليست متحققة بالوجدان بل هي لازم عادي أو عقلي لوجود المستصحب في حد نفسه وذاته كالبلوغ اللازم للحياة والكون في الحيز اللازم لها فانه بالوجدان ليس البلوغ والكون في البيت بمتحقق وانما هما لازمان للحياة ومثله ما لو كان عنده ولد صغير عاقل وله أموال يتصرف فيها بحسب ولايته ثم غاب عنه مدة يكون قد بلغ فيه سن الرشد وشك في حياته فان استصحاب حياته لإثبات بلوغه ليرتب عليه حرمة التصرف في أمواله من الأصل المثبت.

سابعا : استصحاب جزئية الشيء أو شرطيته للمأمور به أو المانعية فان الجزئية أو الشرطية للمأمور به أو المانعية إن أريد استصحاب نفس وجودها كأن كان مستقبلا للقبلة في طائرة أو سيارة ثم شك في بقاء الاستقبال لاثبات أنّ عمله جامع لهذا الشرط فهو أصل مثبت لأن أثر هذا الاستصحاب هو إثبات أنّ العمل جامع للشرط أو للجزء أو لعدم المانع وهو أمر عقلي تكوينى إذ جمع العمل للشرط تابع للواقع لا لحكم الشرع ولازمه جواز الاكتفاء به وان أريد استصحاب نفس الشرطية أو الجزئية أو المانعية أو عدمها للشيء لعروض بعض الأحوال كما لو شك في بقاء شرطية الاستقبال فيما اذا صلى مستلقيا أو حال الغرق

٤٣

فهي ليس بمجعولة شرعا وانما المجعول منشأ انتزاعها وهو الأمر بالشيء مع ذلك الشرط في هذه الحال أو مع ذلك الجزء في هذه الحال أو مع عدم ذلك المانع في هذه الحال فهي ليست بمجعولة للشارع حتى تستصحب ولا يترتب عليها أثر شرعي لأن أثر شرطية الشيء لشيء أو جزئيته أو عدم مانعيته هو عدم الاطاعة بدونه وهو حكم عقلي.

والجواب عن استصحاب ذات الشرط أو الجزء أو عدم المانع فانه يصح لاثبات اكتفاء الشارع بالوجود الاستصحابي فانه لا يلزم أن يكون الأثر من الأمور التشريعية بل يكفي أن يكون أمره بيد الشارع بما هو شارع وجودا وعدما ونفيا واثباتا فيكفي أن يكون اثر المستصحب هو الاكتفاء والاجزاء وعدم المؤاخذة فانه بيد الشارع الاكتفاء وعدم المؤاخذة بدليل جعل الشارع قاعدة الفراغ والتجاوز وأصالة الصحة بل صحيحة زرارة في الوضوء تدل على صحة استصحاب وجود الشرط والقول بوجوب كونه من سنخ الأحكام الشرعية تحكّم لا دليل عليه وذكر المرحوم الشيخ عبد الحسين آل أسد الله في شرحه على الكفاية انه قد ذهب الى ذلك الحاج آغا رضا الهمداني (ره) في حاشيته على الرسائل. بل هذا الاشكال كالاجتهاد في مقابل النص فان أهم روايات الاستصحاب واردة في استصحاب بقاء الشرط كالطهارة أو عدم المانع كالنجاسة فراجعها.

وأما استصحاب الشرطية ونحوها للشيء عند الشك في بقائها له في حال من الاحوال فهو أيضا صحيح لما عرفت من ان الشرطية والجزئية والمانعية مجعولة للشارع فيصح استصحابها كما يصح استصحاب نفس الحكم الشرعي أو عدمه.

٤٤

نعم أورد استاذنا كاظم الشيرازي أن القابلية للجعل التي هي مصححه للاستصحاب هي القابلية للجعل التشريعي الذي يكون فيه أعمال المولوية والعبودية فليس كل ما كان متعلقا لجعل المولى أو قابلا لتصرفه فيه يصح استصحابه كما في الاحكام التكليفية المتعلقة بغير المستصحب (بالكسر) اذا كان موضوعا لأثر شرعي له فانها وان كانت قابلة للجعل إلا ان المصحح لاستصحابها ترتب الأثر العملي عليها دون نفسها بل وكذا الاحكام التكليفية للمكلف اذا لم يكن لها أثر عملي تعبدي وحينئذ فاستقلال الأحكام الوضعية بالجعل لا يصحح استصحابها ولا استصحاب ما كانت مترتبة عليه فضلا عن نفسها ولا يخفى ما فيه فانها اذا كانت مجعولة لأي عرف لا بد لغرض هناك فللجاعل أن يرفعها أو يبقيها لذلك الغرض.

التنبيه التاسع في المستصحب المجعول شرعيا او ذا اثر شرعي في ظرف الشك : ـ

إنه لا يلزم أن يكون المستصحب في زمان اليقين به مجعولا شرعيا أو ذا أثر شرعي وانما يلزم أن يكون مجعولا شرعيا أو ذا أثر شرعي في ظرف الشك فمثلا اليقين السابق بعدم التكليف بالشيء من الازل لم يكن اليقين به يقينا بمجعول شرعي ولا له أثر شرعي ولكن زمان الشك به وهو حال البلوغ يكون مجعولا شرعيا فيصح استصحابه وهكذا مثل التراب مع وجود الماء المعلوم طهارته لا يثبت له جواز التيمم به لكنه لو شك في طهارته مع ذهاب الماء كان يترتب على استصحاب طهارته زمان الشك جواز التيمم به وذلك لأن ظرف الشك في البقاء هو ظرف التعبد من الشارع والتعبد لا بد أن يكون بمجعول شرعي إما نفس المستصحب أو أثره.

٤٥

إن قلت إنه اذا كان المتيقن ليس بمجعول شرعي ولا له أثر مجعول شرعي كعدم التكليف فبقاؤه لم يكن بيد الشارع.

قلنا إن الشيء اذا كان جعله أو جعل أثره بيد الشارع في ظرف فله ان يجعله أو أثره في ذلك الظرف وعدم التكليف لما كان بيد الشارع جعل التكليف كان عدمه بيده في ظرف الشك وقد أورد الاستاذ الشيخ كاظم الشيرازي على استصحاب العدم الازلي للتكاليف بأنه إن أريد منه استصحاب عدمها في الواقع بمعنى التنزيل في العدم الواقعي فلا إشكال في كون ذلك باعتبار الآثار وإلا فباستصحاب عدم التكليف لا ينعدم لو كان موجودا في الواقع وعليه فلا يصح الاستصحاب اذا لم يكن له أثر شرعي وان كان بمعنى العدم في الظاهر فمن المعلوم ان جعل العدم فيه لا محقق له سوى عدم الجعل فينعدم الجعل بتحقق عدم الحكم الظاهري من غير تأثير لعدم الجعل.

وجوابه يظهر مما قدمناه من ان تحقق العدم فعلا بيد الشارع.

التنبيه العاشر في استصحاب المركب : ـ

إن المركب من أجزاء تارة تكون له وحدة امتزاجية خلطية بحيث أن أجزاءه لا يتميز بعضها عن بعض في الخارج وتكون هي المركب لدى الحقيقة كالسكنجبين المركب من امتزاج الخل بالعسل وكالانسان من النفس والبدن فهذا النحو من المركب لا إشكال من ان جريان الاستصحاب في اجزائه لا يثبت وجوده إلا بالأصل المثبت وتارة يكون المركب عبارة عن اجزاء خارجية انضمامية ينضم بعضها لبعض كأجزاء الصلاة وأجزاء البيت المركب من سور ومرافق بحيث تكون متميزة بعضها عن بعض فيصح استصحابها ويثبت بها المركب ولا يكون ذلك من الاصل المثبت لأن المركب

٤٦

عبارة عن وجودها منضمة بعضها لبعض فلو أحرز بعض أجزاء هذا المركب بالوجدان والبعض الآخر بالأصل ثبت المركب لانه ليس له حقيقة وراء ذلك كعنوان الحدوث فانه على القول بأن المركب من عدم سابقا ووجود متصل به لا حق فيمكن احراز وجوده باحراز بعض اجزائه بالأصل وبعضها بالوجدان كما لو شككنا في حدوث موت زيد يوم الخميس أو يوم الجمعة فنستصحب عدمه الى يوم الجمعة فيثبت حدوثه يوم الجمعة لانه إحراز وجوده فيه بالوجدان وأحرز عدم وجوده الى يوم الجمعة بالاستصحاب ومن هذا القبيل جعل أول يوم من الشهر هو يوم ثبوت الشهر.

إن قلت إن اتصال زمان الوجود بالعدم لا بد منه في تحقق الحدوث.

قلنا هو محرز أيضا بالوجدان لأن العدم يستصحب الى زمان الوجود فيكون العدم محرزا اتصاله بالوجود وبالوجدان وبهذا صح استصحاب بعض أجزاء الموضوعات المركبة للاحكام الشرعية لاحراز أجزائها الاخرى بالوجدان مثل أرث الولد لأبيه فان موضوعه مركب من موت الأب ومن حياة ولده فاذا أحرز أحدهما بالوجدان بأن مات الأب وشك في حياة الولد يستصحب حياة الولد لزمان ما بعد موت الأب ويثبت الارث للولد لثبوت أحد أجزاء موضوعه بالوجدان وهو موت الأب واستصحاب الجزء الآخر وهو حياة الولد الى موت الأب ومثال جواز تقليد المجتهد العادل فان موضوعه مركب من اجتهاد الشخص ومن عدالته فاذا أحرز شخص أحدهما بالوجدان والآخر بالأصل جاز تقليده وفي الحقيقة ان التركيب والانضمام بين الاجتهاد والعدالة يكون محرزا بالاستصحاب لأنك تستصحب أحدهما الذي كان منضمّا للآخر بوصف انضمامه له وبهذا يظهر لك صحة إثبات الموضوع بشرائطه

٤٧

وقيوده اذا أحرز بالوجدان وشك في حصول شرائطه وقيوده كما في الصلاة اذا شك في الطهارة فانه يستصحب طهارته ويأتي بالصلاة لأنه باستصحابه لطهارته فقد استصحب الطهارة بقيديتها لأجزاء الصلاة التي يحققها وهكذا لو شك في إيمان الرقبة فانّه يستصحبه بقيديته للرقبة.

وقد أورد على ذلك بأن استصحاب عدم تحقق الكل يعارض استصحاب عدم الجزء والشرط وقد نسب الى المحقق النائيني الجواب عنه بأن الشك في حصول الكل مسبب عن الشك في حصول الجزء والشرط والأصل في السبب حاكم على الأصل في المسبب فاستصحاب وجود الجزء والشرط مقدم على استصحاب عدم الكل وقد أورد عليه بأن الحكومة انما تتصور بين الأسباب الشرعية ومسبباتها كما في سببية طهارة الماء لطهارة الثوب المغسول به شرعا فانها كانت يجعل من الشارع لا في مثل السببية العقلية كسببية حصول الأجزاء لحصول المركب ويمكن الرد عليه بأن الكل المجعول شرعا بحصول أجزاء وشرائط اعتبرها الشارع فيه أيضا تكون السببية مجعولة شرعا بتبع جعل الأجزاء والشرائط ففي المركبات الشرعية تكون الأجزاء والشرائط شرعية ولو سلمنا فالوجه في حكومة الأصل في السبب على الأصل في المسبب جار في المقام كما سيجيء ان شاء الله منا بيانه. ولو سلمنا فالمركبات الشرعية وجودها عين وجود الاجزاء والشرائط منضما بعضها الى بعض لا سيما الموضوعات الشرعية المركبة كاجتهاد الشخص وعدالته الموضوع لجواز تقليده فلا اثنينية في البين حتى تكون بينهما سببية ومسببية.

٤٨

التنبيه الحادي عشر في استصحاب العدم الأزلي : ـ

لا يخفى أنه يصح استصحاب نفس عدم الماهية الأزلي فيقال لم يكن عندي حنطة أزكيها فكذا الآن وليس علي دين فكذا الآن وكذا يصح استصحاب العدم الأزلي للتكاليف المشكوكة وأما أعراض الماهيات فالمفارقة منها يصح استصحاب إعدامها الأزلية اذا كانت الماهية موجودة وشك في حصول ذلك العرض لها وأما الأعراض التي توجد بوجودها بحيث لو وجدت للماهية لا تنفك عنها أولا وآخرا لا يصح استصحاب اعدامها الازلية للماهية الموجودة كالقرشية للمرأة لأنها بوجود الماهية قد انتقض اتصافها بالعدم فانها كانت إعدامها بنحو عدم موضوعها لا بنحو العدم عن موضوعها وبعد وجود موضوعها تبدل بوجودها.

التنبيه الثاني عشر في استصحاب الأمور الاعتقادية : ـ

إن مورد الاستصحاب لا بد ان يكون قابلا للتعبد إما بنفسه كما اذا كان من المجعولات الشرعية أو بآثاره الشرعية اذا لم يكن منها من غير فرق بين كون المتيقن حكما تكليفيا أو وضعيا أصلا عمليا أو أصلا اعتقاديا أو موضوعا خارجيا أو شرعيا فيما اذا كانت أركان الاستصحاب محققة من يقين سابق وشك لا حق لعموم الدليل وصحة التنزيل.

ودعوى جريانه في بعض الموضوعات اللغوية مع أنها ليست كذلك كاستصحاب عدم النقل فانها ليست قابلة للتعبد لا بنفسها ولا بآثارها وانما يرتب على آثارها الأثر الشرعي فان أصالة عدم النقل يلزمها إرادة المعنى الحقيقي ويلزم إرادة المعنى الحقيقي كون الحكم الشرعي هو المعنى الحقيقي فاسدة فان حجية أصالة عدم النقل وعدم التخصيص وعدم الاضمار وأصالة الحقيقة

٤٩

واصالة عدم الاشتراك واصالة عدم القرينة ونحو ذلك إنما كانت لبناء العقلاء على حجية هذه الاصول في الموضوعات اللغوية لا من جهة أدلة الاستصحاب والموضوع المستنبط بها يسمى بالموضوع المستنبط وإنما عبّر بعضهم عنها بالاستصحاب لكونها تشبه الاستصحاب. نعم قد يشكل الأمر في الأمور الاعتقادية نظرا الى انها يطلب فيها العلم والاستصحاب لا يفيد العلم. فلا يكون مسقطا لوجوب الفحص لتحصيل العلم والمعرفة ولكن لا يخفى ان منها ما هو المطلوب فيه شرعا الانقياد والتسليم والاعتقاد بمعنى عقد القلب عليها الذي هو عبارة عن الموافقة الالتزامية وهي من الأعمال القلبية الاختيارية ككيفية علم الإمام فانه لو عقد قلبه عليها ثم شك في بقاء علم الإمام على تلك الكيفية فيستصحبها ويعقد قلبه عليها فان الاستصحاب يثبت الوظيفة للشاك سواء كانت من عمل الجوارح كما في الفرعيات أو من عمل الجوانح كما في الاعتقاديات فان المطلوب فيها هو عقد القلب عليها وعدم إظهار التشكيك فيها.

وأما ما كان المطلوب فيها هو القطع واليقين كمعرفة النبوة والامامة بناء على اعتبار العلم بهما فلو شك في بقائهما لنفس النبي أو الإمام من جهة البداء أو النسخ فلا يجري الاستصحاب لاثباتهما بل يجب عليه الفحص لمعرفتهما والقطع بثبوتهما أو نفيهما ومن ذلك الوجدانيات كالخوف والجوع والعطش لو شك في بقائها عنده وذلك لأن المطلوب فيها هو اليقين والوجدان وبالاستصحاب لا يحصل اليقين والوجدان وهكذا الكلام في سائر المجعولات الشرعية المعتبر العلم بهما اذا شك في بقائها للشخص وأما لو شك في بقاء وجود المتصف بها أو بقاء الآثار الاخرى العملية له كصلاة الجمعة خلفه فهو كسائر الموضوعات الخارجية

٥٠

فيستصحب وجوده وبقاء الآثار الشرعية له وبهذا ظهر لك أنه لو شك في وجود الامام عليه‌السلام استصحب وجوده أما لو شك في بقاء الإمامة أو النبوة له فلا يستصحب إمامته ولا نبوته لاعتبار العلم بهما.

ودعوى استصحاب نفسها لأنها من المجعولات الشرعية بنفسها ففيها ان الاستصحاب إنما هو مجعول لبيان وظيفة الشاك وما يعمله في مقام شكه فاذا كان المطلوب للشارع العلم به واليقين بالواقع وبالاستصحاب لا يحصل ذلك فيكون الشارع قد ألغاه في هذا المورد لطلبه اليقين بالمورد ولا يكون للشاك فيه وظيفة لا جوارحيّة ولا جوانحيّة فلا يكون مجرى للاستصحاب ولذا ما كان خارجا عن محل الابتلاء لا يجري الاستصحاب فيه لأن الاستصحاب بيان لعمل الشك وما هو وظيفته شرعا كما هو ظاهر النهي عن عدم النقض.

التنبيه الثالث عشر في استصحاب حكم الخاص : ـ

وقع الكلام فيما لو شك في بقاء حكم الخاص هل يستصحب حكم الخاص أو يرجع الى عموم العام أو إطلاقه ومثله الكلام في المطلق والمقيد فمثل اذا قال أكرم العلماء ولا تكرم فسّاقهم فبعد ذهاب الفسق هل يستصحب حكم الخاص فلا يكرم من صار عادلا بعد فسقه أو يتمسك بعموم العام فيكرم العادل بعد فسقه لا ريب أنه لا يصح استصحاب حكم العام لارتفاع بقائه بالخاص ولا ريب يقدم ظهور الخاص لو كان له ظهور في البقاء ولا مجال للتمسك بالعام كما لو قال في المثال المذكور ولا تكرم فساقهم حتى لو زال فسقهم وكما لو قال (لا تكرم زيدا العالم) فان الخاص الاول يدل بوضعه والخاص الثاني يدل باطلاقه على بقاء حكمه حتى بعد ذهاب الفسق كما لا ريب في التمسك بعموم العام لو كان الخاص

٥١

لا دلالة له على بقاء حكمه في مورد الشك وكان للعموم عموم بالاطلاق أو بالوضع لمورد الشك كما لو قام الاجماع على حكم الخاص وكان العموم له دلالة على العموم لافراده ولسائر الأزمان بأن يكون له عموم عرضيا وطوليا فلو أخذنا بحكم الخاص في مورد الشك كان تخصيصا زائدا والاصل عدمه فمثل (أوفوا بالعقود) فانه له عموم إفرادي عرضيا لكل عقد بالوضع لانه جمع معرف بالألف واللام وعموم لكل زمان طوليا بالاطلاق وإلا لزم لغوية هذا الحكم وقد خصص بالعقد الربوي وكان هذا المخصص ظاهرا في بقاء حكمه الى سائر الازمان فيؤخذ به وخصص بالعقود وقت النداء يوم الجمعة وكان هذا المخصص ظاهرا في اختصاصه بوقت النداء يوم الجمعة فيتمسك بعموم (أوفوا) على صحة العقود في باقي الازمان وخصص بالعقد للمعاملة الغبنية ولكن لم نعلم انه خارج عنها في الآن الاول من حين الالتفات الى الغبن أو في سائر الازمان فيتمسك بعموم (اوفوا) أما لو لم يكن من العام والخاص دلالة على ثبوت العموم للازمان المتعاقبة أعني عموما طوليا وليس للخاص دلالة على بقائه لا وضعا ولا اطلاقا لعدم تمامية مقدمات الحكمة ولا له دلالة على اختصاصه بذلك الزمان لاحتمال ان الزمان ظرف له فمقتضى القاعدة التمسك باستصحاب حكم الخاص لأن الشك يكون شكا في بقائه متصلا باليقين به وظرفية الزمان لفعل الخاص لا توجب كونه مفرّدا له ومقسّما له الى قطعات متغايرة عرفا فيكون وجوده في الآن الثاني بقاء له بخلاف العام فانه قد خرج عنه فليس الشك يكون شكا في بقاء ذلك العام وانما هو في حدوثه في هذا الفرد الذي خرج في الزمان الاول منه. وما ذكره بعضهم من الفرق بين هذا الفرض والفرض الاول ان الفرض الاول لو أخذ بحكم الخاص لكان تخصيصا زائدا

٥٢

على مقدار الخاص وأما هنا فليس يلزم تخصيصا زائدا لأن العام مهمل فلا يخفى ما فيه لأن أصالة عدم الزيادة تجري في الفرضين والحاصل ان الصورة المتصورة في المقام أربع : ـ

أحدها ان يكون للعام عموم لسائر الأزمان والخاص مقيد بوقت خاص بحيث يكون الزمان المأخوذ في الخاص موجبا لكونه موضوعا مستقلا كما لو قال أكرم العلماء في كل وقت إلا وقت الصلاة أو لا تكرمهم في وقت الصلاة ففي هذه الصورة يتمسك بعموم العام فيما عدا وقت الصلاة لشموله له ولا يصح التمسك بالخاص لعدم دلالته عليه ولا يستصحب حكمه لتبدل موضوعه لأن الموضوع هو الاكرام المقيد بوقت الصلاة ولأن عموم العام إمارة على حكمه. والاستصحاب لو تم فهو أصل عملي والامارة مقدمة على الأصل.

الثانية أن يكون للعام عموم لسائر الازمان والخاص مهمل أو أخذ الزمان فيه بنحو الظرفية لا القيدية كما لو قام الاجماع في المثال المذكور على عدم اكرامهم يوم الجمعة وفي هذه الصورة يتمسك بعموم العام في مورد الشك في ثبوت حكم المخصص لانه حجة.

الثالثة أن يكون العام مهملا عمومه الاستمراري بان لم يكن فيه لفظ يدل على العموم ولم تتم مقدمات حكمه وكان الخاص الزمان المأخوذ فيه قيدا لموضوعه فالمرجع في مورد الشك هو الاصول العملية لأن العام لا دلالة له لإهماله ولا يصح استصحاب حكمه لانقطاعه بحكم الخاص ولا يصح استصحاب حكم الخاص لكون موضوعه مقيدا بالزمان فكان مورده فردا مغايرا لمورد الشك وموضوعا مغايرا له فلا يكون وجوده بقاء له.

الرابعة ان يكون العام مهملا والخاص أيضا مهملا والمرجع

٥٣

في هذه الصورة هو استصحاب حكم الخاص لكون مورد الشك يكون موردا للشك في بقاء حكمه لعدم تقيده بالزمان والذي قيل أو يمكن أن يقال عليه عدة ايرادات : ـ

الاول ان ما ذكرته يصح لو كان الدليل يدل على استمرار حكم العام على نحو يكون كل قطعة من الزمان القابلة لوقوع متعلق التكليف بالعام فردا لموضوع ذلك العام كما لو قال (أكرم العلماء) في كل آن من آنات الزمان بأن يكون اكرام العلماء في هذا الآن فردا واكرامهم في الآن الثاني فردا آخر أي يكون عموم للعام بحسب الزمان المسمى بالعموم الطولي مثل عمومه العرضي المسمى بالافرادي وبعبارة أخرى يكون كل مقدار من الزمان القابل لوقوع متعلق التكليف موضوعا مستقلا لحكم العام بحيث يكون امتثال التكليف بالعام وعصيانه في هذا المقدار غير مرتبط بامتثاله وعصيانه في غيره من قطعات الزمن فيكون للتكليف عدة اطاعات وعدة معاص بحسب الزمان كما يكون له ذلك بحسب عمومه الافرادي فان حكم العام متعدد بتعدد الافراد وكل حكم للفرد غير مرتبط بحكم الفرد الآخر امتثالا وعصيانا ونظيره وجوب الصوم على المكلفين في شهر رمضان فانه له عموم إفرادي لكل مكلف وله عموم زماني لكل يوم من شهر رمضان بحيث كل يوم منه له امتثال وعصيان في حد نفسه.

والحاصل ان العام اذا دل على العموم الشمولي للزمان سواء كان بنحو العموم الاستغراقي كما في المثال المتقدم أو بنحو العموم البدلي كما لو قال (صلّ الصبح من طلوع الفجر الى طلوع الشمس) فانه يدل على طلب الصلاة في كل قطعة من هذا الزمان على نحو البدل فانه في هذه الصورة لو خرج مقدار من الزمان من تحت العموم الزمني لا يمنع من التمسك بالعام في باقي قطعات

٥٤

الزمن الاخرى كما ان خروج فرد من العام لا يمنع من التمسك به في باقي الافراد كما في وجوب صوم كل نهار من شهر رمضان وتخصيصه بالحائض أو بالمسافر فانه بعد زمان الحيض والسفر والمرض يتمسك بالعام في باقي الأيام من شهر رمضان واما اذا لم يكن يدل كذلك بل كان يدل على أن مجموع الزمان فرد واحد بأن يكون كل فرد من العام بحسب زمانه فردا واحدا مستمرا طوليا بحسب استمرار زمانه والزمان ظرف لحكمه من وجوب أو غيره وله امتثال واحد وعصيان واحد فلو خالف التكليف في قطعة من الزمان فقد خالف التكليف بذلك الفرد كلية كما في وجوب الصوم بالنسبة الى النهار فانه يجب من الفجر الى الغروب فلو تناول الطعام في دقيقة واحدة في اليوم الذي يجب عليه صومه كان عاصيا وان أمسك في باقي الازمان من ذلك اليوم.

والحاصل ان الدليل ان دل على العموم المجموعي للزمان فلا مجال للتمسك بعموم العام الزماني فيما اذا خصص بحسب الزمان في غير مورد الخاص من باقي قطع الزمان لأن حكم العام كان لهذا الفرد حكم واحد بحسب الزمان وقد انعدم عن هذا الفرد بواسطة التخصيص بقطعة من زمانه لأن الموجود الواحد ينعدم بانعدام بعض أجزائه وبعد انعدامه يحتاج الى إثباته بالدليل ومقتضى الاستصحاب هو بقاء حكم الخاص لا استصحاب ما انقطع بانعدامه.

قلت لا فرق في ذلك حتى لو كان عموم العام بالنحو الثاني فانه من الممكن ان وحدة الحكم للفرد بحسب قطعات الزمان لا توجب زوال ذلك الحكم وانما يوجب خروج بعض أفراده عنه في بعض أوقاته فهو نظير الستر الواحد لمجموع أشياء متعددة فلو خرج منها واحد لم يزل الستر وانما نقص المستور فانه من الممكن

٥٥

اذا أوجب عدة أشياء مجتمعة ثم استثنى بعضها أن لا يزول الوجوب وانما تزال نسبته الى بعض متعلقه فاذا قال (يجب الجلوس الى الليل الّا وقت الصلاة) فانه يبقى وجوب الجلوس فيما عدا المخصص بل حتى في عموم الافرادي اذا كان حكما واحدا كما اذا قال (يجب ركوب هؤلاء العشرة السيارة) ثم بعد ذلك استثنى زيدا فانه يبقى الوجوب ثابتا للافراد الباقية واذا كان ذلك ممكنا وللفظ ظهور فيه حمل اللفظ عليه وفرض الكلام ان العام له ظهور في العموم بهذا النحو فيتمسك بظهوره في غير مورد الخاص.

والحاصل ان التخصيص إنما يوجب انقطاع نسبة الحكم الى متعلقه في مورد الخاص فلا يوجب انثلاما في الحكم ولا في متعلقه وانما يوجب انثلاما في خصوص النسبة فلا فرق في حجية العام في باقي أفراده بين أن يكون عمومه بنحو العموم الافرادي الاستغراقي أو بنحو العموم المجموعي فاذا قال (يجب أن يحمل هذه الحمل هؤلاء العشرة واستثنى بعد ذلك زيد في وقت الفجر) كان يدل على وجوب حمله على زيد فيما عدا الفجر فالحق ان العموم الافرادي والعموم المجموعي اذا خصصا. وكذا المركب اذا خرج أحد أجزائه يتمسك به في الباقي فلو قال تجب الصلاة إلا السجود والركوع يأتي بباقي الاجزاء والسر في ذلك ان مرتبة التخصيص متأخرة عن مرتبة العموم فاذا صدر العموم ثبت للجميع الافراد دفعة واحدة فالتخصيص يزيل نسبة الحكم عن بعض أفراد العام ويخرجه من الحكم فيبقى الباقي على حاله والعام باق على حجيته فيه.

الإيراد الثاني وهو الذي استفدناه من كلام استاذنا الشيخ كاظم الشيرازي انه كما يمكن أن يكون التخصيص راجعا لعموم الازمنة يمكن أن يكون راجعا للعام فان دليل العموم له عموم

٥٦

عرضي وهو عمومه لأفراد العام وعموم طولي وهو عمومه لكل قطعة قطعة من الزمان تسع العمل المتعاقبة فقولنا (اكرم العلماء) له عموم لافراد العلماء من زيد وبكر وعمر ونحوهم وله عموم لكل زمان من الأزمنة التي تسع الاكرام. فالمخصص كما يمكن أن يرجع لعموم الازمان ويكون المخرج (بالفتح) خارجا عن عموم الازمان فيتمسك بالعام فيما عداه من قطع الزمان كذلك يمكن ان يكون راجعا لعموم الافراد ويكون المخرج خارجا عن عموم الافراد وعليه لا مجال للتمسك بالعام في ما عداه من قطع الزمان لأن العموم للأزمنة تابع لمقدار ما يدل العام عليه من الافراد فاكرم العلماء إنما يدل على لزوم الاكرام لسائر قطع الزمان لخصوص من يقصد من العلماء فاذا قصد من العلماء خصوص الفقهاء فالدليل انما يدل على عموم الزمان لخصوص الفقهاء دون غيرهم فاذا قال أكرم العلماء وجاء مخصص له متصل أو منفصل يدل على خروج زيد يوم الجمعة فاذا فرض أن هذا المخصص يخرج زيدا من العلماء ينهدم اساس العموم الثاني أعني العموم الزماني الطولي فلا يصح التمسك به فيما بعد يوم الجمعة على وجوب اكرام زيد لانه يكون بالنسبة الى عموم الثاني من قبيل التخصص واذا كان الامر يدور بين تخصيص أفراد العام ولا يبقى مجال للتمسك بالعام في باقي الأزمنة وبين تخصيص الازمنة ويصح التمسك بالعام في باقيها ولا معين لذلك فلا دلالة لدليل العام على حكم ما عدا مورد التخصيص حتى يتمسك به فيتعارض الاصلان فيتساقطان فيرجع لاستصحاب حكم المخصص.

توضيح ذلك إن قولنا (اكرم العلماء) وتخصيصه بلا تكرم سيبويه يوم الجمعة مثلا كما يمكن أن يكون تصرفا في عموم العلماء فلا يمكن الرجوع الى عمومه واطلاقه الزماني بعد يوم

٥٧

الجمعة على اكرام سيبويه كذلك يمكن ان يكون تصرفا في عموم واطلاق الحكم أعني وجوب الاكرام فيكون تقيدا له ويكون عموم العام وهو العلماء هو المرجع عند الشك فيتعارض الأصلان فيتساقطان فيرجع لاستصحاب حكم المخصص.

وجوابه مضافا الى أن هذا لا يتم فيما اذا كان التخصيص في اثناء الاستمرار لأنه يعلم منه أنّ التخصيص كان من العموم الازماني لا العموم الافرادي مضافا الى ذلك إن التخصيص اذا رجع الى أفراد العام يلزم منه التصرف في ظهورين التصرف في الظهور في العموم العرضي أعني عموم الافراد والتصرف في الظهور في العموم الطولي الذي دل عليه الاطلاق أو الوضع وهو العموم لسائر الازمان بخلاف ما اذا أرجعناه الى عموم الأزمنة فانه يلزم منه تصرف واحد في الظهور في العموم الطولي للازمنة سلمنا لكن ظاهر التخصيص سواء كان متصلا أو منفصلا هو خروج الفرد بهذا الوقت لا في سائر الاوقات فلا ينثلم عموم العام فيما عدا ذلك الوقت فاذا فرض إنه ورد (أهن الفساق في كل يوم) ورد دليل على عدم وجوب إهانة زيد الفاسق يوم الاحد كان المتيقن منه هو عدم اهانته يوم الأحد وشك في وجوب اهانته في باقي الايام فيتمسك بالعموم لا بالاستصحاب حكم الخاص.

الايراد الثالث ان دليل الحكم للعام المستفاد منه دوام الحكم بحسب الازمان من اطلاقه أي من مقدمات الحكمة المقتضية لدوام الحكم ما لم يحصل الامتثال ولو مرة واحدة فلا محالة يكون الزمان ظرفا للحكم والموضوع فان الشارع لو كان ملاحظا للزمان في الموضوع أو الحكم بأن يجعل الشارع الزمان مفرّدا للفعل ومقسّما له أو للحكم بحيث يكون الحكم متعددا بتعدد الزمان لاخذ الزمان في الدليل فعدم أخذه للزمان فيه وارساله للخطاب حكما

٥٨

وموضوعا يعلم انه جعله ظرفا محضا للفعل واستفادة الدوام بواسطة مقدمات الحكمة وعليه فيكون الحكم للعام ينحل الى أحكام متعددة بتعدد أفراد العام كل حكم مستمر لجميع الازمان بنحو العموم البدلي لا الاستيعابي إذ المفروض ان الوجوب لكل واحد من أفراد العام وجوب واحد يحصل امتثاله باتيان المتعلق مرة واحدة (فأكرم العلماء) ينحل الى وجوب اكرام زيد العالم وجوبا مستمرا بنحو البدل بمعنى إنك لو أتيت به مرة واحدة سقط هذا الوجوب الجزئي وليس بوجوبات متعددة لزيد بتعدد الايام وقطعات الزمان بخلاف قولك (أكرم العلماء) دائما أبدا فانه ينحل الى وجوبات للافراد وكل وجوب للفرد ينحل الى وجوبات متعددة بحسب قطعات الزمان فيكون وجوب اكرام زيد عبارة عن وجوبه يوم السبت ووجوبه يوم الأحد وهلم جرا مستمرا متعددا وعليه فلو ورد تخصيص للعام المستمر بواسطة مقدمات الحكمة لم يكن للعام دلالة على ثبوت الوجوب فيما بعده لعدم كونه فردا آخر للعام بعده.

وحاصل هذا الايراد إن العام ان استفيد العموم منه بالوضع صح التمسك به لأن الزمان قد لوحظ مفرّدا ومقسّما له بحسب قطعاته ويتمسك به فيما بعد المخصص وأما لو استفيد العموم من مقدمات الحكمة فيكون الزمان ظرفا له وغير مفرّد ولا مقسّم فلا يصح التمسك به فيما بعد المخصص لأنه لا دلالة له عليه ويكون مهملا بالنسبة اليه.

وجوابه إن مقدمات الحكمة انما هي قرينة حالية على استمرار الحكم للعام بنحو البدل أو بنحو الشمول فهي كالقرينة اللفظية في الدلالة من دون تفاوت فان صح مع القرينة اللفظية التمسك بالدليل صح معها.

٥٩

الايراد الرابع وهو يظهر من المرحوم الآخوند في حاشيته على الرسائل وحاصله إن العام الدال على ثبوت الحكم على الدوام يوجب تخصيصه عدم الرجوع الى العام عند الشك في ثبوته اذا كان التخصيص في أثناء الاستمرار دون ما اذا كان التخصيص للعام من أوله أو آخره إذ الدليل لا يعم ما بعد زمان حكم الخاص بحياله بخلاف تخصيصه ابتداء فان دلالته على استمراره على حاله وان تأخر زمان ابتدائه وكذا اذا خصص من آخره فانه لا نتمسك به بعده لأنه قد انتهى زمان العام فمثلا (أوفوا بالعقود) خصص في بيع الحيوان بالخيار الى ثلاثة أيام ابتداء فيتمسك بالعموم فيما بعدها وخصص ابتداء بما قبل القبض في المجلس أو بما قبل الافتراق فيتمسك بوجوب الوفاء بعد القبض وبعد الافتراق وهذا بخلاف تخصيصه بظهور الغبن في الاثناء فانه لا يصح التمسك به بعد زمان ظهور الغبن وذلك لانه يحصل أقسام ثلاثة للوفاء الوفاء قبل ظهور الغبن والوفاء عند ظهور الغبن والوفاء بعد ظهور الغبن والخطاب لا يكون دليلا على القسم الثالث بعد انقطاع حكمه وهو الوجوب في الوسط فتخلل عدم الحكم يوجب أن يكون ما بعده فردا آخر فيحتاج دخوله في العموم كون العموم عموما زمانيا يدل على كل قطعة قطعة والفرض عدم ذلك ولا يخفى ما فيه فان الخروج عن الحكم لا يوجب الخروج عن العام فهو باق على فرديته للعام فان انطباق الكلي على أفراده قهري وتعدد الحكم لا يوجب تعدد الفردية فان زيدا العالم فرد للانسان العالم وان صار حكمه غير حكم العالم فانطباق الوفاء على الوفاء بعد ظهور الغبن قهري فيلحقه حكمه قهرا. سلمنا إنه فرد آخر لكنه يكون مثل الفرد الحادث الجديد في دخوله في حكم العام ولا مجال لاستصحاب حكم الخاص بل هو كما دخل ابتداء يدخل مرة ثانية

٦٠