مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ٢

الشيخ علي كاشف الغطاء

مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي كاشف الغطاء


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مطبعة العاني
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٩
الجزء ١ الجزء ٢

ويخرج ببلوغها لهذا الحد فاذا بلغت الساعة لهذا الحد وحصل له اليقين ببلوغها لهذا الحد ولم يرتب الأثر على دخول الوقت أو خروجه فقد نقض يقينه السابق بملازمة دخول الوقت أو خروجه لبلوغ الساعة هذا الوقت وما ذكرناه لا يشبه التنظير فان في التنظير لم يحرز وجود المعلق عليه وهو حياة زيد وفيما نحن فيه قد أحرز وجدانا المعلق عليه وهو بلوغ الساعة هذا الوقت بل الأولى قياس ما نحن فيه بالملازمة الشرعية المستصحبة كما لو كنا نعلم بأن هذا الماء اذا القي فيه الثوب يطهر والآن نشك في وجود هذه الملازمة لاحتمال ان الماء قد تغير فنستصحب هذه الملازمة ولازمها عقلا ان الثوب قد طهر بالقائه بهذا الماء فان هذه الواسطة وهي حكم العقل بتحقق المعلق عليه لا تمنع من جريان الاستصحاب بحيث يرد ويمنع منه بدعوى انه بواسطة عقلية وإنما هذا حكم عقلي لازم لوجود الملازمة واقعا أو ظاهرا فهو ليس من الواسطة المانعة من الاستصحاب اذ ليس فيه ثبوت شيء بواسطة الاستصحاب وانما الذي ثبت بالاستصحاب هو نفس الملازمة العادية كما يثبت به نفس الملازمة الشرعية بل كما يثبت به نفس الحكم الشرعي ويحرز وجوده بالوجدان كما لو استصحبنا وجوب صلاة الجمعة أو العيد فانه لا يترتب أثر على هذا الاستصحاب الا بواسطة الاحراز الوجداني للعيد أو ليوم الجمعة بواسطة حكم العقل بتنجز التكليف عند احراز موضوعه ولكن لا يخفى ما في ذلك من الفساد فان الاحكام الشرعية من لوازمها سواء كانت ثابتة في الواقع أو في الظاهر هو حكم العقل بامتثالها عند إحراز موضوعها أما الملازمة بين الشيئين سواء كانت بين شرعيين كالملازمة بين التقصير والافطار شرعا أو بين واقعيين كالملازمة بين وجود النهار وطلوع الشمس وبين وصول

٢١

الساعة الى الحد الفلاني ودخول الوقت فحكم العقل بتحقق اللازم عند تحقق الملزوم أو المعلق عند تحقق المعلق عليه إنما يثبت للملازمة بوجودها وثبوتها الواقعي لا بثبوتها التعبدي فان العقل لا يحكم بوجود اللازم عند وجود الملزوم اذا كانت الملازمة ثابتة في مرحلة الظاهر وانما يحكم لو كانت ثابتة في الواقع وفرض كلامنا في الملازمة الثابتة في الحال بالاستصحاب وهي ليست بمقطوع بها في الواقع والحكم بتحقق أحد الشيئين اذا تحقق الآخر فيما لو كانت الملازمة فعلا موجودة في الواقع كأن قطع بوجودها بالعلم أو العلمي وليس العقل يثبت لها ذلك الحكم لو ثبت التعبد بها فان التعبد بها انما يوجب ثبوت آثارها الشرعية لا آثارها المختصة بواقعيتها فعدم جريان الاستصحاب فيها من جهة عدم ترتب أثر الامتثال عليها.

فالحق ان الاستصحاب ان أوجب الاطمئنان بالملازمة أخذ به لأن الاطمئنان حجة وإلا فلا. وهو القدر المتيقن من سيرة العقلاء على الأخذ به في هذا المقام. نعم لو حصل القطع بثبوت السيرة على الأخذ به في المقام وإن لم يحصل الاطمئنان جاز العمل به.

التنبيه الثامن في الأصل المثبت : ـ

ان الاستصحاب اذا كان مجراه الأمر الخارجي فبالنسبة الى آثاره ينقسم الى قسمين أحدهما : ـ

يسمى بالأصل المثبت وهو الاستصحاب الذي لا يثبت به الأثر الشرعي للمستصحب الا بواسطة الأثر الغير الشرعي للمستصحب سواء كان هذا الأثر الغير الشرعي أثرا عقليا كاستصحاب حياة ابنه الى هذا الوقت لإثبات قابليته لتعلم الكتابة

٢٢

لأجل نذره بالتصدق لو كان بلغ ابنه لهذا الحد أو كان أثرا عاديا كاستصحاب حياة ابنه لهذا الوقت لإثبات خروج لحيته للوفاء بنذره لو خرجت لحيته وكاستصحاب تقاطر الماء الى هذا الوقت الذي لازمه العقلي أن يكون الماء كرا لو بقي يتقاطر حتى الآن ليطهّر ثوبه بغسله فيه أو لاثبات لوازم المستصحب الشرعية التي يحكم العقل بلزومها كاستصحاب طهارة ما وقع عليه بول طائر لم يعلم انه غير مأكول اللحم حتى يكون ما وقع عليه قد تنجس أو مأكول اللحم حتى يكون طاهرا فان استصحاب طهارة ذلك لإثبات ان البول طاهر وان الطائر مأكول اللحم يكون بحكم العقل لأن العقل هو يرى الملازمة بين هذه الأمور وهو طهارة ما وقع البول عليه وبين طهارة البول والملازمة بين طهارة البول وبين حلية أكل لحم الطائر وإلا فالشارع إنما حكم بنجاسة بول ما لا يؤكل لحمه من الطير وطهارة ما يؤكل لحمه والعقل حكم بالملازمة بين هذه الأمور عند الشرع لحكم الشرع المذكور ، ومثله ما اذا يتردد مائع بين كونه بولا أو ماء وتوضأ به غفلة فانه يحكم بطهارة أعضائه ويلزمه عقلا ان المائع ماء وهكذا استصحاب طهارة الملاقي لأحد أطراف المعلوم بالاجمال نجاسته فانه لازمه عقلا طهارة ذلك الطرف وقد سمي هذا القسم من الاستصحاب جدنا كاشف الغطاء بالأصل المثبت لأنه يثبت به آثار المستصحب الغير الشرعية أو الغير الشرعي ثبوتها ثم توسع المتأخرون فسموا كل أصل يثبت به أثر غير شرعي أو غير الشرعي ثبوته بالأصل المثبت كأصالة الصحة أو أصل الطهارة أو البراءة أو غير ذلك مما يثبت به الأثر الغير الشرعي وعبروا بقولهم (هذا من الاصول المثبتة) قال المرحوم الشيخ حسن المامقاني في تقريراته لمباحث السيد حسين الترك. «وهذا

٢٣

الأصل المثبت للأمور العادية هو المعبر عنه في كلام الشيخ كاشف الغطاء بالأصل المثبت وقد ذهب الى عدم حجيته وتبعه على ذلك جماعة من العلماء إلا شريف العلماء والدربندي فانهما ذهبا الى حجيته وأما الفقهاء فيذهبون الى عدم حجيته». وقال المرحوم الآشتياني في شرحه للرسائل في هذا المقام «وهذا ان الأصل المثبت لا اعتبار به على القول باعتبار الاستصحاب من باب التعبد اذ كان مجراه الموضوع الخارجي وأول من عنون الأصل المذكور بهذا العنوان على ما حكاه شيخنا دام ظله في مجلس البحث عن فقيه عصره الشيخ جعفر وشاع بين ولده المشايخ وتلامذته وتلامذتهم» وقال المرحوم الآغا الدربندي في خزائنه في هذا المبحث «والظاهر ان هذا التفصيل انما نشأ من الشيخ الاجل مقرم مضمار الفقاهة الشيخ جعفر ثم حذا حذوه أولاده الأجلاء وصهره الفاضل الأفخم الشيخ محمد تقي وأخوه العالم البارع صاحب الفصول» وذكر صاحب وسيلة الوسائل المحقق السيد باقر في هذا المبحث «إنه اشتهر هذا العنوان بين علماء هذه الاعصار مثل كاشف الغطاء وأولاده الأماجد وصهره المحقق وأخي صهره المدقق وتلميذه صاحب الجواهر وعلماء عصرنا».

والقسم الثاني ويسمى بالاصل الغير المثبت لأنه لم يثبت به أثر غير شرعي ويسمى أيضا بالأصل الشرعي وهو الاستصحاب الذي يثبت به الأثر الشرعي من دون أن يتوقف إثباته به على توسط ثبوت أمر غير شرعي به كاستصحاب حياة ولده لترتيب حرمة نكاح زوجته وحرمة قسمة أمواله على مواريثه.

والقسم الثاني هو الحجة لأن مفاد قوله عليه‌السلام «لا تنقض اليقين بالشك» هو المضي على اليقين السابق والعمل

٢٤

عليه ومقتضى ذلك هو جعل الشارع في زمان الشك حكما ظاهرية مساويا للمتيقن السابق في جميع ما يترتب عليه اذا كان المتيقن السابق حكما شرعيا وأما اذا كان موضوعا خارجيا هو جعل آثاره التي رتبها الشارع عليه وجعلها له دون جعل غيرها من عقلية أو عادية ففي المقام دعويان :

إحداهما ان المجعول هو آثاره الشرعية.

وثانيهما عدم ترتب الآثار العقلية والعادية ولا الآثار الشرعية الثابتة بواسطتها.

أما الدعوى الاولى فالدليل عليها أمران :

أحدها انها القدر المتيقن والمطلق انما يحمل على إطلاقه اذا لم يكن قدر متيقن في مقام التخاطب يصلح للاعتماد عليه فان المتكلم هو الشارع وهو في مقام الجعل والانشاء والتشريع فالقدر المتيقن هو جعله الآثار الشرعية الثابتة له بدون توسط الآثار العقلية أو العادية.

ثانيها ان الدلالة على إرادة الآثار هي دلالة الاقتضاء التي هي عبارة عن صون الكلام الحكيم عن اللغوية لأن الموضوع الخارجي الذي هو مجرى الاستصحاب كحياة زيد غير قابل لجعل الشارع له في حال الشك اذ هو أمر تكويني فلا بد من ان يكون مراد الشارع ببقائه وجعله وتشريعه في حال الشك هو جعل آثاره صونا لأمر الحكيم عن اللغوية ولا ريب انه بحمله على إرادة الآثار الشرعية التي هي القدر المتيقن يصان كلامه عن اللغوية.

وأما الدعوى الثانية وهي عدم ترتب الآثار العقلية والعادية على المستصحب بل كل مجرى للأصل ولا الآثار الشرعية المرتبة على المستصحب بواسطتها فالدليل عليها أمران :

٢٥

أحدهما ان الآثار العقلية أو العادية للشيء بحكم العقل وكذا الآثار العادية إنما تثبت للشيء بحكم العادة والعقل والعادة انما يحكمان بالثبوت للشيء بوجوده الواقعي لا بوجوده التعبدي التنزيلي الظاهري من قبل غيرهما وهو الشرع فحياة زيد مهما يعبّدنا بثبوتها الشارع فالعادة لا تحكم بثبوت نبات اللحية له لأن العادة انما تحكم بلزوم النبات لحياته في هذا الوقت لو كانت الحياة في الواقع متحققة وهكذا العقل لا يحكم بقابليته للتعلم لأن العقل انما يحكم بلزوم القابلية للتعلم لحياته الى هذا الوقت لو كانت الحياة الى هذا الوقت متحققة في الواقع فجعل الشارع للحياة الى هذا الوقت انما يقتضي جعل ما جعله نفس الشارع لها كحرمة زواج زوجته وحرمة قسمة أمواله على مواريثه ووجوب إبقاء حصته مما ورثه. وأما آثار الحياة الى هذا الوقت من العقلية والعادية فهي آثار للحياة الواقعية لا المجعولة فهي غير ثابتة بالاستصحاب لموضوعها واذا لم تكن ثابتة فآثارها الشرعية تكون غير ثابتة لعدم ثبوت موضوعها وبهذا ظهر لك أنّ لسان أخبار (لا تنقض) لا يثبت به الآثار الشرعية الثابتة للآثار العقلية أو العادية الثابتة للمستصحب فلا يثبت وجوب وفاء النذر الثابت لنبات لحيته بالنذر الثابت بحسب العادة لحياة الولد لهذا الوقت باستصحاب حياة الولد الى هذا الوقت لأن الاستصحاب انما يثبت الحياة بحسب الظاهر لا بحسب الواقع ونبات اللحية انما هو لازم للحياة بحسب الواقع لا للحياة بحسب الظاهر وهكذا يظهر لك انه لا يثبت باستصحاب الموضوع الخارجي ما يلازمه من الآثار الشرعية اذا كانت الملازمة بحكم العقل لأن العقل انما يحكم بالتلازم بحسب الواقع لا بحسب الظاهر ولذا استصحاب طهارة اليد التي وقع عليها عذرة المشكوك حلية أكله لا يثبت به حلية

٢٦

الطائر وان كان أثرا شرعيا لأجل ان الحاكم بلزومه هو العقل والعقل انما حكم بلزومه للطهارة الواقعية لا الظاهرية بخلاف مثل وجوب الامتثال فانه لازم للحكم الشرعي واقعا وظاهرا فاذا ثبت الوجوب أو الحرمة في الظاهر ثبت وجوب الامتثال.

استدلال جدنا كاشف الغطاء على عدم حجية الأصل المثبت : ـ

وينسب الى جدنا كاشف الغطاء قدس‌سره في الرد على التمسك بالأصل المثبت أمور منها :

بأنه لو كان الأصل المثبت حجة لكان معارضا باستصحاب عدم تلك اللوازم والآثار لكونها مسبوقة بالعدم فتكون الأصول المثبتة ساقطة عن الحجية لابتلائها بالمعارض.

وأشكل عليه الشيخ الانصاري (ره) بأنه على تقدير حجية الأصل المثبت لا يجري استصحاب عدم اللازم حتى يعارض الأصل المثبت لأن الشك فيه شك مسبب من الشك السببي والشك المسبب لا يجري فيه الأصل مع جريانه في الشك الذي هو سبب.

ولا يخفى ما فيه فان ما ذكر وقرر في محله ان الشك المسبب لا يجري فيه الأصل فيما اذا كان متعلق الشك أثرا شرعيا لمتعلق الشك السببي كما لو شككنا في طهارة الثوب الذي هو نجس سابقا المغسول بالماء من جهة الشك في طهارة الماء الذي هو طاهر في السابق فان أصالة الطهارة حاكمة على استصحاب نجاسة الثوب لأن الشك في نجاسة الثوب مسببة عن الشك في طهارة الماء. أما فيما نحن فيه فأنا لو قلنا بحجة الأصل المثبت فانما نقول بترتب الآثار الشرعية مطلقا على المستصحب سواء كانت بالواسطة أو بغيرها عادية أو عقلية لا أنا نقول ان نفس

٢٧

الواسطة العادية أو عقلية أيضا تكون ثابتة به لأن الشارع ليس له أن يعبدنا بما هو غير شرعي لأنه ليس بيده بما هو شارع وانما له أن يعبدنا بالآثار الشرعية وان كانت لغيره فاذا عرفت ذلك وقع التعارض بين الأصل المثبت وبين أصالة عدم الواسطة العادية أو العقلية فان أصل المثبت لا يثبتها لأنها ليست أثرا شرعيا وانما على تقدير حجيته يثبت أثرها الشرعي للمستصحب فيجري أصل عدمها لأنها مشكوكة الثبوت وهو يقتضي عدم ترتب أثرها الشرعي الذي أثبته الأصل المثبت على تقدير حجيته.

مثبتات الأصول ومثبتات الأمارات : ـ

ومما تقدم تعلم ان مثبتات الأصول مطلقا ليست بحجة سواء كانت استصحابا أو غيرها فمثلا من رأى شخصا يتكلم وعلم إجمالا انه إما يسبه أو يسلم عليه فان اصالة حمل فعل المسلم على الصحة لا يثبت به وجوب رد السلام عليه لأنه لازم عقلي لصحة الفعل لا إنه لازم شرعي مثلا من أصاب يده مائع وعلم اجمالا إنه إما بول أو ماء فأصالة طهارة يده أو طهارة هذا المائع لا يثبت أنّه ماء حتى يصح له الوضوء به مع أنّه لازم عقلي لطهارته وهكذا لو أقر أحد الزوجين بالزوجية وأنكرها الآخر يحكم بثبوت الزوجية للمقر دون المنكر.

ثانيها ان الشارع لما كان في مقام جعل الأصل فلا بد ان يكون مراده جعل الوظيفة والتشريع وحيث ان الموضوع المستصحب لا معنى لجعله وتشريعه إلّا بجعل آثاره وحيث ان الشارع ليس بيده إلا جعل آثاره الشرعية دون غيرها إذ غيرها إنما يتبع أمره لجاعلها من عقل أو عادة فليس بيد الشارع إلا جعل ما بيده جعله وتشريع ما بيده أمره واذا لم تثبت الآثار

٢٨

العقلية والعادية للمستصحب فلا تثبت الآثار الشرعية المرتبة عليها لأنها تابعة لموضوعها وموضوعها لم يكن ثابتا بالاستصحاب.

وبهذا يظهر لك ان الملزومات والملازمات للمستصحب عقلا وان كانت شرعية إلا إن العقل إنما يثبت ذلك للمستصحب بوجوده الواقعي لا بوجوده الظاهري الحاصل بالأصل ومن هنا يظهر لك أمور : ـ

أحدها إن اللوازم العقلية أو العادية لو كانت لازمة للشيء بوجوده الواقعي والظاهري فهي تثبت للشيء اذا استصحب لانه بالاستصحاب تحقق وجوده الظاهري التعبدي فيثبت الأثر العادي المذكور وهكذا الأثر العقلي المذكور ولأجل ذلك نقول بثبوت وجوب الامتثال خوف الضرر ووجوب المقدمة للواجب وحرمة الضد له وفساد العبادة بالنهي عنها وعدم اجتماع الأمر والنهي ونحو ذلك من الآثار العقلية للوجوب والحرمة لأنها آثار عقلية لها بوجودها الواقعي أو الظاهري المسمى بالتعبدي والتنزيلي لتحقق موضوعها وجدانا حقيقة بالاصل فلو قدر إن لها أثرا شرعيا فحينئذ يثبت بها كما لو كان لوجوب الامتثال أثر شرعي كأن كان بنحو التيمم أو بنحو الإتيان من جلوس أو بنحو قصد القربة وقلنا بأنه من مجعولات الشارع للامتثال فانه يكون أثرا شرعيا للامتثال.

الثاني : إن الأثر العقلي أو العادي المرتب عليه الأثر الشرعي اذا كانت أركان الاستصحاب تامة فيه فانه يستصحب ليرتب عليه أثره الشرعي كالأمر الخارجي ذي الأثر الشرعي لأنه اذا حصلت فيه أركان الاستصحاب كان من مصاديق أخبار (لا تنقض) وقد عرفت ان معنى عدم النقض في الامور الغير المجعولة شرعا هو ترتيب آثارها الشرعية عليها وجعلها لها من الشارع وعليه ففي

٢٩

المثالين لو علم بنبات لحية ولده وشك في بقاء نباتها عند بلوغه لهذا الوقت الذي تعلق النذر به ولو كان شكه من جهة حياته فانه يستصحب نباتها حيا فيثبت أثره الشرعي وهو وجوب الوفاء بنذره على نباتها حيا عند بلوغه ، وهكذا لو علم بقابلية التعلم لولده وشك في وجودها عند بلوغه لهذا الوقت فانه يستصحب القابلية حيا فيثبت أثرها الشرعي وهو وجوب الوفاء بالنذر وكما اذا كان زيد حيا وعلم بأنه أعلم الموجودين وشك في بقاء أعلميته ولو من جهة الشك في حياته فيستصحب اعلميته حيا ويرتب عليه آثارها الشرعية من وجوب تقليده. نعم مع عدم العلم المذكور لا يثبت ذلك لأنه باستصحاب الحياة لم يثبت نبات اللحية ولا القابلية لكونها أثرا غير شرعي فلم يكن موضوع وجوب الوفاء ثابتا ولا يصح استصحاب نبات اللحية والقابلية لعدم العلم بهما سابقا فلم يثبت موضوع وجوب الوفاء.

إن قلت انه اذا الشك في البقاء من جهة الشك في الحياة لا يجري استصحاب الا نبات والقابلية والاعلمية لعدم إحراز موضوعها وهو الحياة ولا ينفع استصحاب الحياة لكونه لا يثبتان به لأنهما أثران غير شرعيين.

قلنا ان المستصحب هو الأثر مع الحياة لا نفس الأثر فنحن نستصحب نبات اللحية حين الحياة وحال الحياة لزيد ويكون الموضوع هو نفس زيد وهكذا الكلام في باقي الأمثلة وقس عليها ما كان من نوعها وقد تقدم ذلك في بيان اشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب في إن استصحاب الآثار الطولية كالاعلمية المرتبة على الاجتهاد المرتب على الحياة فيما اذا شك فيها من جهة الشك في الحياة أو في كل منها فان الفقهاء يقولون بالبناء على بقائها من جهة الاستصحاب باعتبار استصحاب المجموع لذات زيد بمعنى

٣٠

إنهم يستصحبون بقاء وجود الأعلمية عن اجتهاد عن الحياة لنفس ذات زيد أعني هذا الوجود الرابطي.

الثالث ان المنكرين لحجية الاصل المثبت استثنوا من ذلك موارد.

أحدها ان تكون الواسطة خفية بحيث يعد عرفا أثرها أثرا لنفس المستصحب لاندكاكها فيه كما عن بعضهم من استصحاب رطوبة النجس من المتلاقيين مع جفاف الآخر لإثبات تنجس الجاف منهما لأن تنجسه ليس من أحكام ملاقاته رطبا وانما هو من أحكام سراية الرطوبة اليه إلا إنها واسطة خفية. وذهب بعضهم الى نجاسة الموضع الذي طارت الذبابة عن النجاسة الرطبة إليه لأن استصحاب رطوبة الذبابة بالنجاسة لا يثبت التنجس بالملاقاة إلا بالسراية اللازمة عادة أو عقلا وهي واسطة خفية.

ثانيها ان تكون الواسطة ملازمة للمستصحب في الذهن بواسطة الملازمة العرفية بحيث لا يمكن التفكيك عرفا بينها وبين المستصحب في التنزيل بأن يكون بين الواسطة والمستصحب ملازمة عرفا في التنزيل بأن يكون تنزيل المستصحب منزلة المتيقن ملازم عرفا مع تنزيل الواسطة منزلة المتيقن بها بحيث يفهم العرف تنزيلين

أحدهما : تنزيل بالدلالة المطابقة وهو تنزيل المستصحب منزلة المتيقن.

والثاني : تنزيل بالدلالة الالتزامية وهو تنزيل الواسطة منزلة المتيقن بها كما في استصحاب بقاء زوجية هند لعمر الملازمة عرفا لبقاء زوجية عمر لهند وهكذا كل متضايفين واستصحاب العلة الملازمة عرفا لوجود المعلول كما في استصحاب رمضان ليوم الشك لإثبات ان ما بعده أول شوال يجب إفطاره وكاستصحاب

٣١

شعبان ليوم الشك لإثبات ان ما بعده أول رمضان ليرتب عليه أحكام أول يوم وثانيه وهلم جرا من جهة إن الواسطة وهو آخرية شعبان وأولية رمضان ملازمة عرفا للمستصحب في التنزيل.

وثالثها ان تكون الواسطة ملازمة للمستصحب في الذهن بواسطة الملازمة بينهما عقلا بحيث لا يمكن التفكيك بينهما عقلا كما في استصحاب بقاء الامام لأجل إثبات وجوب الرجوع إليه لا الى الامام الذي بعده مع إن وجوب الرجوع من الآثار الشرعية لعصمته لكن من الواضح ملازمة عصمته عقلا لبقاء وجوده وعد أثرها أثرا لهما ونظيره استصحاب حياة المجتهد لإثبات وجود أعلميته حتى يرتب عليها وجوب تقليده وكاستصحاب وجود الماء اللازم وجوده للكرّية. والفرق بين هذا القسم والقسم الثاني مع ان في كل منهما يكون اللزوم الذهني بين المستصحب والواسطة في التنزيل هو ان منشأ اللزوم الذهني في القسم الثاني هو التلازم العرفي. ومنشؤه في القسم الثالث هو التلازم العقلي. والحق إنه لا وجه لاستثناء هذه الموارد الثلاثة من عدم حجية الأصل المثبت وذلك لأن الدليل الذي اقمناه على عدم ثبوت الأثر الشرعي للمستصحب بالواسطة الغير الشرعية يشمل حتى هذه الوسائط الثلاث.

إن قلت إن فهم العرف لخطابات الشرع هو المحكم في تشخيص مراد الشرع منها نظير الخطابات العرفية لأنهم هم المخاطبون بها والمقصودون بامتثالها باتيان أو ترك ما يفهمونه منها. وعليه ففي هذه الوسائط لما كان العرف يرى أن الأثر الشرعي للمستصحب لا للوساطة كما هو الفرض فالعرف يرى ان عدم ترتيبهم لهذا الأثر على المستصحب موجب لمخالفة (لا تنقض)

٣٢

وان بترتيبه امتثالا للا تنقض كما هو الحال في الآثار الشرعية المرتبة على نفس المستصحب بدون واسطة ولهذا اعتبر بقاء الموضوع العرفي للمستصحب لا بقاء الموضوع الشرعي له لأن الخطابات موجهة للعرف فالميزان ما يراه العرف بقاء للمستصحب.

قلنا نعم إن العرف متبع في تشخيص مراد الشرع من خطاباته ولكن العرف غير متبع في اشتباهاته فلو تخيل العرف إن القبلة من هنا وقام الدليل على اشتباهه لم نعمل برأيه وإنما نأخذ بالدليل اللهم إلّا اذا كان العرف عنده توسعه في الواقع أخذنا بها بحيث لو انكشف الواقع للعرف يرى إن الواقع أيضا متحقق حقيقة وغير مشتبه به أخذنا به لأنه هو المتبع في تشخيص الواقع لمراد المتكلم الحكيم.

والحاصل ان العرف متبع في توسعه للواقع وليس بمتبع في اشتباهاته في الواقع مثال ذلك في أن الشارع لو قال أكرم العالم والعرف يرى إن اكرام الابن الصالح للعالم من اكرام العالم توسعة من العرف في واقع الاكرام بحيث عند انكشاف الواقع بأن هذا ابن العالم وهو ليس بعالم يرى العرف ان إكرامه هو من اكرام نفس العالم حقيقة وجب اتباع العرف في ذلك أما لو اشتبه العرف وتخيل ان خالدا عالم لوضعه العمامة والتفات قسم من الناس اليه ولكنه في الحقيقة جاهل أجنبي عن العلم والعلماء بحيث لو اطلع العرف على ذلك لم يجعلوا اكرامه من اكرام العلماء فلا يجب اتباع العرف لمن اطلع على ذلك لأن إكرام العلماء ليس بشامل له حقيقة ونظير ذلك في الاستقبال للقبلة فان العرف يرى من باب التوسعة في الواقع إن الاتجاه للقبلة لو كان فيه انحراف قليل عن القبلة من الاستقبال لها في الواقع بحيث حتى لو اطلع

٣٣

على ذلك يراه استقبالا لها فالاتجاه لها يعد استقبالا لها فالعرف متبع في ذلك وأما لو تخيل ان جهة الشرق أو الغرب أو عكس القبلة إنها من القبلة بحيث لو انكشف له الواقع لم ير استقبالا لها ولا اتجاه لها فلا يتبع في ذلك وكثير في الشرع من هذا القبيل.

اذا عرفت ذلك فنقول فيما نحن فيه إن العرف مع ترتب الأثر بالواسطة الخفية يرى الأثر أثرا للشيء من باب الاشتباه وإلا لو انكشف له الواقع لرأى انه أثر للواسطة الخفية فلا يكون بحسب التوسعة في الواقع عنده بل إنه من باب. الاشتباه فلا يكون عدم ترتب أثر الواسطة على المتيقن السابق نقضا له حقيقة بل هو يتخيله العرف إنه نقض له وقس باقي الموارد عليه وأما اذا كان الأثر بالنحو الذي ذكرناه في مثل اكرام العلماء فهو أثر للمستصحب حقيقة بحسب الظهور العرفي للدليل على الأثر حيث ان العرف يفهم من الدليل حينئذ إن الحكم الشرعي ثابت لنفس المستصحب كما انه ثابت لنفس الواسطة والظهور حجة شرعية على ان استدلال جدنا كاشف الغطاء بتعارض الاستصحابين المتقدم الكلام في صحته يمنع من الاصل المثبت حتى لو كانت الواسطة خفية إلا اذا كان الدليل يثبت إن الأثر اثر لمستصحب وحينئذ يخرج المقام عن الأصل المثبت.

وأما ما ذكر من الدلالة الالتزامية في بعض الموارد فهو بالنسبة الى عمومات (لا تنقض) لا ينفع لأن العام اذا كان بعض افراده يلازمه شيء فالعام لا دلالة له التزاما على ذلك الشيء لأنه لا يوجب تصور العام تصور ذلك الشيء. نعم اللفظ الدال بخصوصه على ذلك الفرد له دلالة التزامية على لازمه فلو قام دليل خاص على الاستصحاب في ذلك الفرد ثبت به لازمه كما في استصحاب الشهر اذا تم الاستدلال بقوله عليه‌السلام «صم للرؤية

٣٤

وأفطر للرؤية». فانه يثبت به أول الشهر وآخره بناء على الملازمة الذهنية بين استصحاب الافطار أو الصوم الى زمن الرؤية وبين كون اليوم أول الشهر في استصحاب الإفطار وآخر الشهر في استصحاب الصوم. واما المتضايفان والعلة والمعلول فلوجود اليقين السابق بهما معا كنفس المستصحب.

الرابع ان الآثار الشرعية المرتبة على المستصحب بواسطة أثر شرعي تثبت باستصحاب المستصحب لانه باستصحابه يثبت ذلك الأثر الشرعي فيكون موضوع الأثر الشرعي المرتب على المستصحب بواسطته قد تحقق واذا تحقق الموضوع تحقق أثره فلو تعددت الوسائط الشرعية الى أي مقدار فرض فانها تثبت بذلك الاستصحاب بخلاف ما لو كانت الواسطة أثرا غير شرعي فان الآثار الشرعية لا يثبتها ذلك الاستصحاب لعدم ثبوت موضوعها الذي هو الواسطة لا بنفس ذلك الاستصحاب ولا باستصحاب آخر.

وربما يورد على ما ذكرناه من أنّ (لا تنقض) ظاهرة باطلاقها في إثبات جميع الآثار الشرعية للمستصحب سواء كانت ثابتة له بغير الواسطة أو بواسطة الأمر العقلي أو العادي كما إن (صدّق العادل) و (صدّق البينة) وغيرها من أدلة الأمارات فانها باطلاقها تثبت ما قامت عليه وتثبت سائر آثاره حتى العادية والعقلية وما يترتب عليها من آثار شرعية قال المرحوم الشيخ المدقق الشيخ هادي الطهراني في تقريب الاشكال إنه لا فرق بين أن يثبت بالاستصحاب حياة زيد فيرتب عليه الحكم الشرعي وبين أن يثبت باستصحاب الحياة نبات لحيته ليرتب عليه آثاره الشرعية فلو كان المانع من ثبوت نبات اللحية بالأصل المذكور هو كونه أمرا غير شرعي شاركه الحياة التي يجري فيها الاستصحاب وان شئت قلت انه لا فرق من هذه الحيثية بين أن يكون نبات

٣٥

اللحية متعلق الاستصحاب وبين أن يترتب على الاستصحاب.

قلنا فرق بين الأصول وبين الأمارات فان دليل الأصل سواء قلنا بان لسانه لسان التعبد بمؤداه وتشريعه أو لسانه لسان تطبيق العمل عليه وسواء كان بعنوان إنه الواقع من دون نظر الى اثبات للواقع به كما في الاصول الاحرازية المسماة بالتنزيلية كالاستصحاب واصالة الصحة والفراغ والتجاوز ونحوها مما يكون لسان دليلها هو العمل بمؤداها على انه الواقع وسواء كان بعنوان الوظيفة والتعبد المحض من دون نظر للواقع كما في الأصول الغير الإحرازية والمسماة بغير التنزيلية كما في أصل البراءة والاحتياط والتخيير فعلى أي حال ليس جعل الشارع دليل الأصل من جهة كشفه عن الواقع بل انما جعله لها باعتبار انها وظائف عملية عند الشك. وعليه فان كان مجرى الأصل هو مما يقبل الجعل كالأحكام الشرعية التكليفية والوضعية بناء على جعل الشارع لها كان مقتضى الأصل هو جعله في ظرف الشك وان كان مجراه مما لا يقبل الجعل كالموضوعات الغير الشرعية كان مقتضى الأصل هو جعل الأثر الذي هو قابل للجعل صونا لكلام الحكيم على اللغوية ومن المعلوم ان الشارع في مقام الجعل فلا يجعل إلا الأثر القابل لجعله وهو الأثر الشرعي دون الأثر العادي أو العقلي اذ ليس أمرهما بيده وضع عدم جعل الأثر العادي أو العقلي لا يثبت أثرهما الشرعي لعدم ثبوت موضوعهما الذي هو الأثر العادي والعقلي. نعم لو فرض ان الاستصحاب يجري في نفس الأثر العادي أو العقلي ثبت أثرهما الشرعي لا من باب ان الاستصحاب موجب لجعله من قبل الشارع فان ذلك ليس بيد الشارع بل من باب صون جعل الحكيم عن اللغوية يحمل على جعل آثارهما الشرعية وهذا بخلاف الأمارة فان دليلها يثبت ان الشارع اعتبر كشفها

٣٦

عن الواقع وصحته عنده فيكون مجراها ومؤداها الواقع المنكشف كشفا صحيحا عند الشارع وليس لسانه لسان تنزيل المؤدى منزلة الواقع والجعل له. وعليه فيثبت بها الواقع بنحو الانكشاف لا بنحو الجعل والتشريع والتنزيل ومن المعلوم ان اعتبار هذا الانكشاف للواقع واعتبار ثبوت نفس الواقع به يوجب اعتبار ثبوت سائر الآثار واللوازم للواقع الذي قامت عليه الأمارة حتى العادية والعقلية لأن الواقع يكون قد تحقق لدى القائمة عنده تحققا شرعيا مولويا. وعليه فيكون الأثر الشرعي الثابت لمجرى الامارة ولمؤداها بواسطة لازمه العادي أو العقلي يثبت لمجراها لثبوت موضوعه وهو الواسطة الغير الشرعية بقيام الأمارة سلمنا لكن الواسطة الغير الشرعية تكون الأمارة قائمة عليها بقيامها على الواقع لأنها بكشفها عن الواقع تكشف عن لوازمه العقلية والعادية حتى الخفية منها فيكون موضوع الأثر الشرعي وهو الواسطة الغير الشرعية ثابتة بها.

جملة من الفروع تمسك فيها بالأصل المثبت أو تخيل أنّ الأصل فيها مثبت : ـ

اولا اذا لاقى نجسا أو متنجسا شيء كان رطبا يقينا في السابق كالثوب ونحوه وشك في بقاء رطوبته حين الملاقاة فقد تمسك بعضهم باستصحاب الرطوبة لإثبات تنجسه وهو من الأصل المثبت لأن الموجب لنجاسة الملاقي هو سراية النجاسة اليه مما لاقاه واستصحاب الرطوبة لازمها العادي السراية اذ لعلها ضعيفة لا توجب السراية.

إن قلت إنا نستصحب نفس السراية بأن نقول ان هذا الملاقي كان اذا لاقى النجاسة تسري اليه فالآن نستصحب ذلك.

قلنا هذا من الاستصحاب التعليقي في الموضوعات وقد تقدم

٣٧

أنّه في الموضوعات ليس بحجة لأنه يكون أصلا مثبتا اذ بهذا الاستصحاب التعليقي تثبت السراية وهو غير أثر شرعي.

إن قلت إنا على يقين من تنجس الملاقي كالثوب لو لاقى النجاسة فنستصحب ذلك.

قلنا على يقين من ذلك من جهة السراية والآن نشك فيها ولا أصل يثبتها.

إن قلت إن موضوع التنجس بالملاقاة مركب من الملاقاة ومن الرطوبة في أحد الطرفين واحد جزئي الموضوع محرز بالوجدان وهو الملاقاة والجزء الآخر وهو الرطوبة نحرزه بالاستصحاب والموضوع للأثر الشرعي اذا كان مركبا وأحرز أحد جزئيه بالوجدان والآخر بالأصل ثبت الموضوع وترتب عليه الأثر الشرعي كما في الماء المسبوق بالكرية فانه باستصحاب الكرية يحرز إن الماء كرّ بالوجدان مع ضميمة استصحاب الكرية فيرتب عليه جواز التطهير به.

قلنا ليس الموضوع للتنجس هو الملاقاة مع الرطوبة فان التنجس هو نجاسة المتنجس بتأثير النجاسة فيه وهو لا يعقل إلا بسراية النجاسة إليه وانتقالها له فهو موضوعه السراية.

ثانيا : الشك في الحاجب عن الغسل كما اذا احتمل وجود الحاجب عن وصول الماء الى البدن عند غسله له من الجنابة أو عند وضوئه أو عند تطهيره أو احتمل وجود المانع عن وصول الماء للثوب أو نحوه أو احتمل خروج المذي بعد البول المانع من وصول الماء عند صبه على مخرجه فقد تمسك الكثير من فقهائنا باستصحاب عدم الحاجب وذهب الى عدم وجوب الفحص عن الحاجب ورد عليهم الكثير من المتأخرين بأنه أصل مثبت لأن الأثر الشرعي وهو رفع الحدث أو الخبث مترتب على وصول الماء الى

٣٨

البشرة وهو لا يثبت بالأصل المذكور إلا على القول بالاصل المثبت اذ عدم الحاجب لازمه عقلا وصول الماء للبشرة.

والتحقيق انه ليس من الاصل المثبت فان الموضوع للأثر الشرعي الذي هو رفع الحدث أو الخبث بالماء هو اجراء الماء على الشيء وصبه عليه مع عدم الحاجب فيكون الموضوع مركبا من أمرين :

أحدهما صب الماء على الشيء وهو محرز بالوجدان.

والثاني عدم الحاجب وهو محرز بالاستصحاب ولهذا جرت السيرة من زمان المعصومين عليهم‌السلام على عدم الفحص عن الحاجب فان المسلمين عند الطهارة من البول أو تطهير البدن لا يتفحصون عن الحاجب.

ثالثا ما اذا شك في اليوم أنه أول الشهر أو ثانيه ليرتب عليه آثار الأولية أو الثانوية فبعضهم تمسك باستصحاب بقاء الشهر الذي قبله الى هذا اليوم ولازمه أن يكون هذا اليوم أول الشهر الذي بعد ذلك الشهر السابق وهو من الأصل المثبت. وبعض اساتذة العصر ذكر في إثبات أولية اليوم المشكوك أوليته بتقريب أنه بعد مضي دقيقة أو أقل من اليوم المشكوك أوليته نقطع بدخول أول يوم من الشهر لكنا لا ندري إنه هو هذا اليوم ليكون باقيا أو اليوم الذي قبله ليكون ماضيا فنحكم باستصحابه ولا اختصاص لهذا الاستصحاب باليوم الاول بل يجري في الليلة الاولى وفي سائر الايام لو كان لها أثر شرعي فاذا شككنا في يوم انه الثامن من شهر ذي الحجة أو التاسع منه حكمنا بكونه الثامن بالتقريب المزبور ولا يخفى ما فيه فان العلم المذكور كان مرددا بين فرد مقطوع الزوال وبين فرد معلوم الوجود فان دخول أولية الشهر مرددة بين اليوم السابق فتكون الأولية قد زالت ودخلنا في

٣٩

اليوم الثاني وبين اليوم الذي نحن فيه وهذه الأولية المرددة بين هذين الفردين صارت مقطوعة الوجود في هذا اليوم لأنها إما وجدت في اليوم السابق أو في هذا اليوم وليست بمشكوكة حتى تستصحب ـ هذا مضافا الى ان الأولية التي هي محرزة الوجود بدخول دقيقة هي محرزة الوجود في هذا اليوم وفي باقي الأيام واحرازها لا يثبت أولية ما نحن فيه فكيف باستصحابها وهذا نظير ما لو علم إجمالا بكون هذا اليوم أو ما قبله صدرت منه نجاسة لأنه وجد في ثوبه منيا لكنه ان صدرت فيما قبله فهو قد تطهر منها وان صدرت منه في هذا اليوم فهو لم يتطهر منها فإن استصحاب الكلي للنجاسة المردد لا يثبت أنها صدرت منه هذا اليوم فهكذا ما نحن فيه نعلم أنّ الأولية قد تحققت ولكن لا نعلم أنها هذا اليوم أو ما قبله فاستصحاب القدر الجامع لا يثبت أنها في هذا اليوم.

والتحقيق في الجواب أن عنوان الأولية في أيام الشهر عند العرف حقيقة مركبة من أمرين :

أحدهما عدم وجود الشهر في اليوم السابق على هذا اليوم وهو محرز بالأصل.

والثاني وجوده في هذا اليوم وهو محرز بالوجدان ولذا ترى العقلاء عامة والسيرة من المسلمين من صدر الاسلام على إنه اذا قامت البينة أو الشياع على وجود الهلال حكموا بأنه أول اليوم من الشهر في معاملاتهم كالاجارة للبيوت ونحوها وفي عبادتهم مع ان البينة والشياع والرؤية وإكمال العدة لم تقم على ان الهلال لم يظهر قبل هذا اليوم وانما قامت على وجوده في هذا اليوم فقط وهكذا ثانوية اليوم من الشهر فانها موضوع عرفي مركب حقيقته من أمرين من عدم الثانوية في ما سبقه وهو محرز بالأصل واحراز

٤٠