مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ٢

الشيخ علي كاشف الغطاء

مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي كاشف الغطاء


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مطبعة العاني
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٩
الجزء ١ الجزء ٢

القبح والهرج والمرج وعدم الدليل عليه بل الدليل على عدمه وضرورة بقاء التكليف لا يتيقن منها إلا العمل بالمعلوم والمظنون الذي شرع لنا العمل به في الجملة سابقا ولاحقا مع العمل بهذين فلا ضرورة تقتضي ببقاء التكليف مطلقا قطعا بل المتيقن من وجوب العمل بتكاليف الشارع انما هو فيما علم أو ما كان بمنزلة العلم واما ما لم يكن كذلك فلا تكليف به ولا وجوب عمل به بل يحرم العمل من غير دليل.

والحاصل انه يكفي في رفع القطع ببقاء التكليف والضرورة الدالة على ذلك العمل بما هو معلوم أو ما ثبت انه كالمعلوم في الزمن السابق وان زاد وتكثر في الزمن اللاحق فعلى ما ذكرنا يكون كل ظن نشأ من الادلة الشرعية في سند أو دلالة من منطوق أو مفهوم قريب أو بعيد أو حكم متصيد من مجموع خطابات الشارع أو من مجموع أفعاله حجة أو مجموع سيرته وطريقته وتقريره أو متصيد من كيفية خطاباته وألحانه ورموزه وظواهره وبطونه فهو حجة على من فهم لمشروعية العمل بالظن الناشئ من الادلة الشرعية في الزمن السابق على جميع هذه الانحاء وان زادت وكثرت ومثل هذه الظنون الاعتماد على الظنون الرجالية في علم الرجال والظنون الموضوعية في علم التفسير والحساب والهيئة ومثلها الظنون الناشئة عن التراجيح في الاخبار أو التراجيح في الالفاظ في مسائل الدوران أو الظنون في فردية الموضوع للموضوعات العرفية فانها حجة أيضا ولكن يختلف الفاهمون في مراتب الوصول والعالمون في درجات الحصول فمنهم من يكون ذا فكر صائب ورأي ثاقب سريع الانتقال من الدليل الى مدلوله ومن الملزوم الى لازمه ومن الاصل الى فرعه ومن الظاهر الى باطنه ومن مجموع الأدلة الى أحكام غير منصوصة وفروع غير مذكورة قد ورد ما مضمونه ان الفقيه لا يكون فقيها حتى يعرف لحن الخطاب

١٦١

ورمزه وهذا معنى جعل شم الفقيه للحكم من الأدلة وصيرورة الشم دليلا للمجتهد وانها لكلمة حق ومنطق صدق يعرفها أهلها وينكرها من لم يكن كفوا لها ومنهم من فقد حاسة الشم فجمد على ما رآه أو سمعه لا ينتقل من شيء الى آخر ولا من مفهوم الى مفهوم ولا من مراد الى مراد لعدم تبينه أنفه له لأن من لم يشم الشيء لا يهتدي اليه اذا كان لا يبصره ولا يسمعه فجمد على المناطيق والنصوص وزاد على المعاصرين في الاقتصار على الخصوص وعلى المشافهين في الجمود وهو يرى ان عمل القدماء على الشم وتمييز الصحيح والفاسد مبني عليه وان قلت اليه الحاجة هناك وكثرة هاهنا. وبالجملة فالشم من الادلة الشرعية والظن الحاصل به دليل وأي دليل يهدي الى السبيل وغير الحاصل من الأدلة بل الحاصل من شهرة أو رأي أو استحسان أو غير ذلك من قرعة أو تفاؤل أو استخارة فهو ضلال ولا يجوز الأخذ به بحال ومن نظر وتتبع أحوال الفقهاء من قديم الزمان الى هذا الآن يجد انه لو لا أن الشم من مجموع الأدلة أو من مفرداتها ومن أدلة كل باب منها لما كتبوا كتب الفروع واكثروا من تشقيق المسألة الواحدة الى ما يقرب المئات وأفتوا بها وليس عندهم نص في ذلك من عموم أو خصوص كالعلامة في ثلثي القواعد والتحرير وكذا الدروس بل والمبسوط وحاشاهم من الأخذ بغير دليل أو عمل بالقياس والاستحسان بل عملهم على الظنون الناشئة عن الادلة الخاصة وهو معنى الشم فظهر انه لا يجوز الاخذ بكل ظن ولا الجمود على الظنون المخصوصة بل هو أمر بين أمرين ، انتهى مصححا على النسخة التي كتبها المرحوم عمنا عبد المجيد بن الهادي بن العباس بن علي بن جعفر كاشف الغطاء في سنة ١٣٢١ ه‍.

١٦٢

خاتمة في الفحص عن المعارض

لا ريب ان كل دليل معلق صحة العمل به على عدم ورود دليل أقوى منه بل الخلو عن المعارض سواء كان مساويا أو أقوى منه ظهورا أو حاكما أو واردا شرط في لزوم العمل به بعينه وانما الاشكال والنزاع وقع في مقامات ثلاثة : ـ

الاول في وجوب الفحص وعدمه في أدلة الاحكام الشرعية سواء كانت أمارات أو أصولا عملية

الثاني في الموضوعات المستنبطة كألفاظ الكتاب والسنة التي يستنبط الفقيه الاحكام الشرعية منها.

الثالث في الموضوعات الصرفة.

وجوب الفحص في الأدلة : ـ

أما المقام الاول فلوجوه :

أحدها الاجماع المحقق والمنقول على عدم جواز العمل بالدليل أو الأصل قبل الفحص وهو لا اشكال في كشفه عن رأي المعصوم لأن هذا الأمر قد كان في زمان المعصومين عليهم‌السلام من قبل سائر علماء الفريقين ، والانكار على من يعمل خلاف ذلك ، ولم يردع عن لزومه الائمة المعصومون عليهم‌السلام.

وثانيها لزوم الخروج عن الدين فيما اذا جوزنا العمل بالدليل أو الاصل قبل الفحص فانه لو جاز ذاك لاستراح العبد عن فعل الواجبات وترك المحرمات اذ كلما يشك في وجوبه أو حرمته لا يتفحص عنه معتمدا على ذلك بما في نفسه من أصالة الحل والبراءة والاستصحاب الفطري.

ثالثها من جهة العلم بأن لكل واقعة حكما من الشارع وان الشارع لم يهمل بيانه ولم يرض بالجري على خلافه بدون عذر فلو عمل بالواقعة بحسب نظره من دون فحص احتمل مخالفته للشارع

١٦٣

بدون عذر مخالفة يستحق بها العقاب فتارك التفحص في كل واقعة يحتمل المخالفة للشارع مخالفة يستحق عليها العقاب لاحتماله الوجوب أو الحرمة ويكون قد خالفهما بدون عذر. ان قلت ان أدلة البراءة العقلية والنقلية هي نعم العذر له.

قلنا قد أخذ في موضوعها عدم البيان فلا بد من احراز ذلك وهو انما يحرز بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل.

رابعها العلم الاجمالي بوجود أدلة أو أصول معارضة ومخالفة لما أدى اليه نظره بادي الرأي في كل واقعة يبتلي بها وذلك يقتضي الفحص عن الدليل أو الاصل الذي يدل على حكمها بدون معارض له فاذا فحص ولم يظفر بالدليل المخالف كان معذورا في المخالفة للواقع.

خامسها الآيات والاخبار الدالة على وجوب تحصيل العلم والتفقه وان لله الحجة البالغة وان طلب العلم فريضة. وربما قيل بل قد قيل انه يعارضها قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) فانه يدل على النهي عن الفحص عن الحكم الشرعي للواقعة.

وفيه إنا لا نسلم ان المراد بها السؤال عن الحكم الشرعي بل ظاهرها السؤال عن بعض الوقائع وحوادث التأريخ والنسب. ومن المستظرف في هذا الباب انه قد سأل بعضهم عن بعض وقائع التأريخ فظهر ان آباءه كانوا مثالا للخزي والعار فيها وبعضهم سأل عن نسبه واذا به ينحدر من شر خلق الله وبعضهم سأل عن وقت موته واذا به قريب.

سادسها حكم العقل المستقل بوجوب التفحص عما فرضه المولى عليه بدليل صحة عقاب المخالف من جهة عدم المعرفة لتركه للتفحص فتارك التفحص في الواقعة يحتمل العقاب الأخروي ودفع الضرر الأخروي المحتمل واجب عقلا.

١٦٤

وجوب الفحص في الموضوعات المستنبطة : ـ

المقام الثاني في الموضوعات المستنبطة أعني الفاظ الكتاب والسنة التي يستنبط الفقيه منها الاحكام الشرعية للاجماع ولأنه عليه أن يعرف معناها ولا يعرف ذلك إلّا بالفحص عن المعنى لأن الشك في معناها يرجع الى الشك في نفس الحكم الشرعي وعليه فلا يعمل بمثل أصالة عدم النقل وأصالة عدم تعدد الوضع ونحو ذلك قبل الفحص وللزوم المخالفة القطعية للعلم الاجمالي لأنا نعلم إجمالا بتعدد الوضع في بعضها ووجود النقل في بعضها فلو أجرينا الاصول اللفظية لزم المخالفة القطعية للعلم الاجمالي.

الفحص في الموضوعات الصرفة : ـ

المقام الثالث في اجراء الاصول أو الأمارات كالبينة واليد في الموضوعات الصرفة أعني في الشبه الموضوعية كما لو شك في مائع أنه خمر أو ماء رمان فانه يجري أصالة الطهارة والحل بلا حاجة الى الفحص أو قامت البينة أو اليد على الملكية فانه يبني على الملكية من دون حاجة الى فحص. والدليل على ذلك : ـ

أولا سيرة المسلمين عليه بل يرمون من تفحص عن المعارض بالوسواس.

وثانيا لزوم العسر والحرج لكثرة الابتلاء بالموضوعات الصرفة في اليوم والليلة في المأكل والمشارب والمعاملات والعبادات.

وثالثا بعمومات واطلاقات الادلة الشاملة لها كقوله عليه‌السلام «كل شيء لك طاهر حتى تعلم بنجاسته» وقوله عليه‌السلام «ولا تنقض اليقين بالشك». ونحو ذلك فانها باطلاقها تدل على حكم الموضوع الصرف المشكوك من دون تخصيص أو تقييد بصورة الفحص.

١٦٥

ان قلت على هذا يلزم القول بعدم وجوب الفحص في الاحكام الشرعية والموضوعات المستنبطة لأن أدلتها أيضا مطلقة أو عامة.

قلنا قد عرفت انها مخصصة بما تقدم من السيرة والاجماع بخلاف ما نحن فيه فاطلاق الادلة والعموم فيه خال من التخصيص أو التقييد.

ودعوى أنّ إطلاق أخبار الاستصحاب ونحوه واردة في مقام البيان لحكم آخر وهو حجية سنخ الاستصحاب لا بيان شرائط العمل به كما عن شريف العلماء مدفوعة بأن أغلب الروايات مسبوقة بالسؤال في زمان حاجة السائل ولا يجوز تأخر البيان عن وقت الحاجة وان جوزنا تأخيره عن وقت الخطاب.

ورابعا دلالة بعض النصوص على عدم وجوب الفحص في الموضوعات الصرفة كما في مثل ذيل رواية زرارة قال «قلت فهل عليّ ان شككت في انه أصابه شيء أن انظر فيه. قال عليه‌السلام لا ، ولكنك انما تريد ان تذهب الشك الذي وقع في نفسك» وهذا صريح في عدم وجوب الفحص وبضميمة عدم القول بالفصل بين موارد الاستصحاب وغيره يتم المطلوب مع ان العموم لسائر النجاسات موجود في كلام السائل حيث قال (قلت فهل عليّ إن شككت في انه أصابه شيء أن نظر فيه) فان لفظ شيء عام لسائر النجاسات وقوله عليه‌السلام «حتى يستبين لك غير هذا» فان ظاهره العمل بالأصل والامارة بدون الفحص الى زمان حصول الاستبانة من الخارج بل في بعض الروايات التصريح بنفي وجوب السؤال وانه ليس عليكم المسألة وان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بالسؤال وفي بعضها ذم السؤال والفحص حيث قال (لم سألت) فتلخص ان العمل بالاصول أو الامارات كالبينة واليد في الموضوعات الصرفة يصح قبل الفحص وقد خالف في ذلك شريف

١٦٦

العلماء فخصص عموم الاخبار بما مر في المقام الاول والثاني من الادلة الاجتهادية. وقد عرفت ان تخصيصها بما مر في الاحكام والموضوعات المستنبطة مسلم واما فيما نحن فيه فممنوع لقيام السيرة وأدلة الحرج والادلة الخاصة كرواية زرارة على عدم التقييد.

والحاصل ان الظاهر منهم الاطباق على عدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية ووضوح الامر فيها فيجوز ذلك للعامي بعد أخذ الفتوى من مرجع تقليده بجواز العمل بالاصل إلا إن سلامة موارده من الاصول المعارضة أو الحاكمة عليه ليس كل عامي يعرف ذلك فان كان عارفا كان له الرجوع إليها وإلا وجب رجوعه الى مجتهده لئلا يأخذ بالاصل من دون التفات الى معارضه أو الحاكم عليه.

ان قلت ان بناء العقلاء على الفحص في الشبهة الموضوعية كما اذا أمر المولى عبده باعطاء كل عالم من علماء البلد دينارا فان العبد لو لم يفحص استحق عند العقلاء العقاب.

قلنا ذلك لمكان العلم الاجمالي فان حصل مقدارا بحيث ينحل به العلم الاجمالي لم يجب اعطاء الباقي ونحن كلامنا في الشبهة الموضوعية البدوية.

إن قلت إن الله امر بالفحص في الشبهة الموضوعية فانه أمر بوجوب التثبت في خبر الفاسق ومقتضى ذلك إرادة الفحص والبحث في صحة الخبر.

قلنا وجوب التثبت من جهة اشتراط حجية الخبر بالوثوق به فهو من جهة احراز شرط العمل بالخبر لا من جهة وجوب

١٦٧

الفحص عن الشبهة الموضوعية بدليل انه لو فحص فحصا كافيا ولم يطلع لم يجز الأخذ بالخبر.

إن قلت ان المحقق القمي ينسب إليه ان الواجبات المشروطة كالحج يجب الفحص عن حصول شرطها فمع الشك في حصوله لا يصح أجراء أصل البراءة عن وجوب الواجب أو استصحاب عدم حصول الشرط له بل لا بد من الفحص وبعد الفحص وعدم المعرفة له اجراء ذلك.

قلنا لا نسلم ذلك فان الواجبات وان كانت مشروطة بوجود الشرط لا بالعلم به إلا ان الشك في وجوده موجب للشك في التكليف والاصل يقتضي عدمه نعم اذا اشترط بالعلم بالشرط مع الشك بالشرط يعلم بانتفاء التكليف من دون حاجة للأصل.

مقدار الفحص فيما يعتبر فيه الفحص

ان مقتضى القاعدة ان يكون حد الفحص هو العلم بعدم وجدان الدليل المخالف فيما بأيدينا من الأدلة ولكن السيرة وأدلة الحرج تقتضي الفحص الى حد لا يوجب الحرج والعسر.

١٦٨

المصدر التاسع والعشرون

قاعدة لا ضرر ولا ضرار

لقد ألحق المتأخرون من الاصوليين هذا المقام بالبحث عن عدة قواعد منها قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) ونحن تبعا لهم نبحث فيها فنقول وعلى الله التوكل انه يشترط في التكليف عدم الضرر والاضرار فكل ما كان فيه ضرر واضرار من التكاليف فهو ليس من التكاليف الاسلامية بل كل حكم تكليفي أو وضعي يلزم من جعله أو إمضائه شرعا ضرر على أحد من قبل الله تعالى أو من قبل العباد فهو غير مجعول من الله ولا ممضى من عنده. والعمدة في الدليل على هذا الشرط هو قاعدة نفي الضرر والاضرار التي هي من الأصول المهمة الاجتهادية المعمول بها بين الفقهاء من الطهارة الى آخر الدّيات ولا بد لتوضيح الحال وتحقيقه من الكلام فيها في عدة مقامات.

المقام الاول في مدرك قاعدة لا ضرر

ادلة مدرك القاعدة هي : ـ

أولا إجماع الأمة عليها في الجملة من الخاصة والعامة.

وثانيا حكم العقل بها لأن الضرر ظلم والظلم يحكم العقل بقبحه وحرمته. ولا إشكال إن دليلي الاجماع والعقل دليلان لبيّان يؤخذ بالقدر المتيقن منهما.

وثالثا الاستقراء فانا نرى الشارع لا يرضى لنا بأدنى ضرر فرخص في التقيّة بأدنى ضرر وهكذا رخص بالتيمم وترك الحج وترك الصوم وترك القيام والقعود في الصلاة. ولا يخفى ما فيه فان الاستقراء ليس بحجة إلا اذا أفاد القطع.

رابعا الأخبار المستفيضة الدالة عليها بل ان الشيخ الانصاري في رسائله حكى عن فخر الاسلام في كتابه الايضاح دعوى تواتر

١٦٩

الاخبار على نفي الضرر والضرار إلا ان الشيخ الانصاري في رسالته المعمولة في هذه القاعدة ذكر انه لم يعثر على هذه الدعوى من صاحب الايضاح ولكن وجدت من ينقل ذلك عن الايضاح في باب الرهن. إلا ان الإيضاح لا يوجد عندنا لنراجعه ثم بعد ذلك رأيت في حاشية الشيخ موسى على الرسائل أنه ذكر في مقام الرد على الشيخ الانصاري بأنه قد وجد الدعوى المذكورة في الايضاح في أواخر باب الرهن في مسألة إقرار الراهن بعتق العبد المرهون قبل الرهن. وفي كتاب وسائل الشيعة في إحياء الموات وفي الشفعة وغيرها قد نقل الكثير من الاخبار الدالة عليها وفي أواخر كتاب المعيشة من الكافي عقد بابا لهذه القاعدة ويعضدها أدلة نفي العسر والحرج.

والاول منها ما اشتهر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قصة سمرة بن جندب وقد روي بوجوه عديدة والفاظ مختلفة منها المرسلة ما رواه في الكافي ص ٤١٤ ج ١ طبع ايران عن علي بن محمد ابن بندار عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن بعض أصحابنا عن عبد الله بن مسكان عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال «ان سمرة بن جندب كان له عذق (١) وكان طريقه اليه في جوف منزل رجل من الأنصار فكان يجيء ويدخل الى عذقه بغير إذن من الأنصاري فقال الأنصاري يا سمرة لا تزال تفاجئنا على حال لا نحب أن تفاجئنا عليها فاذا دخلت فأستأذن فقال لا أستأذن في طريقي وهو طريقي الى عذقي. قال فشكا الانصاري الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرسل اليه رسول الله فأتاه فقال له إن فلانا قد شكاك وزعم انك تمر عليه وعلى أهله بغير إذنه فأستأذن عليه اذا أردت أن تدخل فقال يا رسول الله استأذن في

__________________

(١) العذق بفتح أوله وسكون ثانيه : النخلة المثمرة كفلس ويجمع على اعذق كأفلس وبكسر العين عنقود النخلة ويجمع على اعذاق كحمل واحمال.

١٧٠

طريقي الى عذقي فقال له رسول الله خل عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا فقال لا. قال فلك اثنان قال لا أريد فلم يزل يزيده حتى بلغ عشرة أعذق فقال لا. قال فلك عشرة في مكان كذا وكذا فأبى فقال خلّ عنه ولك مكانه عذق في الجنة قال لا أريد. فقال له رسول الله إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن قال ثم أمر رسول الله فقلعت ثم رمى بها إليه قال له رسول الله انطلق فأغرسها حيث شئت». ومنها ما في الفقيه في باب حكم الحريم عن الحسن الصيقل عن أبي عبيدة الحذّاء قال قال أبو جعفر عليه‌السلام «كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط (١) بني فلان فكان اذا جاء الى نخلته نظر الى شيء من أهل الرجل يكرهه الرجل قال عليه‌السلام فذهب الرجل الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكاه فقال يا رسول الله ان سمرة يدخل عليّ بغير إذني فلو أرسلت اليه فأمرته أن يستأذن حتى تأخذ أهلي حذرها منه فأرسل اليه رسول الله فدعاه فقال يا سمرة ما شأن فلان يشكوك ويقول تدخل بغير إذني فترى من أهله ما يكره ذلك؟ يا سمرة استأذن اذا أنت دخلت ثم قال رسول الله يسرك أن تكون لك عذق في الجنة بنخلتك قال لا. قال لك ثلاثة قال لا. قال ما أراك يا سمرة إلا مضارا اذهب يا فلان فأقطعها واضرب بها وجهه».

ومنها الموثق المروي في التهذيب طبع ايران ص ١٥٨ ج ٢ ورواه في الكافي في باب الضرار من كتاب المعيشة طبع ايران ص ٤١٣ ج ١ عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال «ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط الرجل من الأنصار وكان منزل الانصاري بباب البستان وكان يمر به الى نخلته ولا يستأذن فكلّمه الأنصاري أن يستأذن اذا جاء فأبى سمرة فلما تأبى جاء

__________________

(١) المراد بالحائط البستان

١٧١

الأنصاري الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكا اليه خبّره الخبر فأرسل اليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخبره بقول الانصاري وما شكا اليه وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا أردت الدخول فأستأذن. فأبى فلما أبى ساومه حتى بلغ له من الثمن ما شاء الله. فأبى أن يبيع فقال لك بها عذق مذلل في الجنة فابى أن يقبل فقال رسول الله للانصاري اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار» وقد وردت قصة سمرة مع الانصاري المذكور في هذه الاخبار من طرق أهل السنة على ما حكاه السيد الجليل السيد عبد الرزاق المقرم عن مصابيح السنة للبغوي ج ٢ ص ١٨ في باب إحياء الموات وعن الفائق للزمخشري في مادة عضد ثم لا يخفى ما وقع من الاشتباه للحر العاملي في وسائله ففي المحكي عنه انه قال بعد ذكر الخبر عن الكافي ورواه الصدوق باسناده عن ابن بكير نحوه ورواه الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد بن خالد مثله والظاهر ان صاحب الوسائل تسامح في نقل الخبر كما هو دأبه في أمثاله لأن الصدوق رواه عن الحسن الصّيقل عن أبي عبيدة الحذّاء كما تقدم وسند الصدوق الى الصيقل على ما في مشيخة الفقيه محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدابادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن يونس بن عبد الرحمن عن الحسن بن زياد الصيقل الكوفي فليس في سند الصدوق ابن بكير ولا زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام كما انه ليس في سند الكافي أبو عبيدة ولا الصيقل وفي متن ما في الفقيه أيضا مغايرة شديدة مع متنه المذكور في الكافي كما تقدم نقله وبهذا يظهر لك ما في كلام المحقق الأنصاري في رسائله حيث قال فيها. فلا نتعرض من الأخبار الواردة في ذلك إلا لما هو أصح ما في الباب سندا واوضح دلالة وهي الرواية المتضمنة لقصة

١٧٢

سمرة بن جندب مع الانصاري وهي ما رواه غير واحد عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «ان سمرة بن جندب كان له عذق وكان طريقه إليه في جوف منزل الرجل من الانصار وكان يجيء ويدخل الى عذقه بغير إذن من الانصاري فقال الانصاري يا سمرة لا تزال تفاجئنا على حال لا نحب أن تفاجئنا عليها فاذا دخلت فاستأذن فقال لا أستأذن في طريقي الى عذقي فشكاه الانصاري الى رسول الله فألقاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له إن فلانا قد شكاك وزعم إنك تمر عليه وعلى الغفلة بغير إذنه فأستأذن عليه اذا أردت تدخل فقال يا رسول الله استأذن في طريقي الى عذقي فقال له رسول الله خلّ عنه ولك عذق في مكان كذا قال لا. قال فلك اثنان فقال لا أريد فجعل يزيد حتى بلغ عشرة أعذق فقال خلّ عنه ولك عشرة أعذق في مكان كذا فأبى. فقال خلّ عنه ولك بها عذق في الجنة فقال لا أريد فقال له رسول الله إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن قال ثم أمر بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلعت ثم رمى بها اليه وقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انطلق واغرسها حيث شئت». وفي رواية اخرى موثقة «ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الانصار وكان منزل الانصاري باب البستان. وفي آخرها قال رسول الله للانصاري اذهب فأقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار». انتهى كلام الشيخ الانصاري وللمرحوم السيد هاشم الخونساري وغيره النظر في كلام الشيخ الانصاري من عدة وجوه : ـ

أحدها ان عدّه خبر سمرة برواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أصحّ ما في الباب سندا ليس على ما ينبغي بمقتضى ما هو المصطلح في الخبر الصحيح عند المتأخرين من الاصوليين

١٧٣

والفقهاء لأنه مروي في كتب المشايخ الثلاثة الكافي والفقيه والتهذيب عن زرارة بطرق مختلفة وليس شيء من تلك الطرق على ما عثرنا عليه من الصحيح الاصطلاحي والظاهر ان من نقل الخبر عن متأخري المحدثين والفقهاء إنما أخذوه من تلك الكتب كما ان الظاهر منه أيضا ذلك ونحن كلما تتبعنا لم نقف عليه مسندا في غير تلك الكتب والظاهر من اكثر من تعرض لذكره من المتأخرين أيضا ذلك حيث لم يشيروا اليه في شيء من كلماتهم حتى المحقق النراقي الذي قد تصدى لجمع جميع أخبار القاعدة في عوائده ليس من اسانيده الى زرارة في شيء من تلك الكتب من الصحيح الاصطلاحي فان سند الكافي على الوجه الذي ذكره أولا في باب الضرار مشتمل على ابن بكير وهو ان كان من أصحاب الاجماع لكنه فطحي المذهب بل من رؤسائهم وكذا سند التهذيب وأيضا سند الكافي على الوجه الآخر الذي ذكره مكررا في ذاك الباب فيه إرسال لكونه مرويا عن البرقي عن أبيه عن بعض أصحابه عن عبد الله بن مسكان وسند الفقيه على ما في مشيخته بالنسبة الى متن الخبر على وجه ذكره في كتاب البيوع منه حيث تعرض فيه لذكر ذاك الخبر عن زرارة مشتمل على ابن بكير وفي محل آخر في أبواب القضاء والاحكام حيث ذكره مرة أخرى مشتملا على الحسن بن صيقل. والحسن المذكور مجهول الحال كما نصّ عليه المجلسي أيضا في الوجيزة وليس متحدا مع الحسن بن زياد العطار الثقة ولا مع الحسن بن زياد الضبيّ كما ان هذين أيضا ليسا متحدين كما توهمه محمد بن علي الاردبيلي فلا وجه لتوهم كونه العطار الثقة فظهر أن شيئا من هذه الأسانيد الى زرارة ليس من الصحيح المصطلح فعدّه الخبر صحيحا اصطلاحيا غفلة واضحة. وأما الاعتذار بأن المراد هو الصحيح القدمائي الذي يراد منه الوثوق بالصدور بجملة من

١٧٤

القرائن فنسبة مثله الى مثل هذا المحقق أضعف من سابقه. نعم يمكن عده باعتبار ابن بكير الواقع في بعض أسانيده من الموثق كالصحيح باعتبار كون ابن بكير من أصحاب الاجماع وظهور كون السند في الكتب الثلاثة الى زرارة من باب السند المذكور في الروايات من باب كونهم من مشايخ الاجازة الى أصحاب الاصول كما يستفاد من سياق سند الجميع فان مشايخ الاجازة لا يحتاجون الى التنصيص بوثاقتهم وان كانوا في أعلى درجات الوثاقة لكن يصير الخبر بسببهم من أقسام كالصحيح لكن يمكن أن يجاب عن ذلك بأن تعبير الشيخ بقوله أصح ما في الباب يقتضي كون الخبر صحيحا وأفعل التفضيل يقتضي المشاركة والزيادة.

وثانيها ما في قوله (ره) «في رواية أخرى موثقة ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار وكان منزل الانصاري بباب البستان وفي آخرها قال رسول الله للانصاري اذهب فأقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار».

فان ظاهره أن هذه الموثقة هي خبر آخر غير ما ذكره أولا من خبر زرارة الذي عدّه من أصح ما في الباب مع ان الراوي عن زرارة على ما في كتب المشايخ الثلاثة على الوجه الذي بيناه وذكرناه منحصر في رجلين أحدهما عبد الله بن بكير الذي من جهته عدت هذه الرواية موثقة والآخر عبد الله بن مسكان وليس في المقام خبر موثق آخر غير خبر ابن بكير فجعل الموثقة في مقابل رواية زرارة المتقدمة عليها سهو بيّن وغفلة واضحة ومما يتضح منه ان مراده من الموثّقة في كتابه هذا ليس خبرا موثقا آخر غير موثقة ابن بكير عن زرارة انه قال في رسالته في المسألة ففي موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ثم تعرض لذكر رواية الحذّاء وابن مسكان ولم يشر الى خبر موثق آخر في هذه الواقعة أصلا.

١٧٥

بل التتبع التام يشهد بعدم موثق آخر في هذه الواقعة كما هو الظاهر من صاحب العوائد وغيره ممن تعرض لجمع أخبار الباب وخصوص أسانيد هذا الخبر وسكت عن ذكر موثق آخر في هذه الواقعة.

وثالثها ان متن خبر زرارة الذي ذكره ليس في تمام الكتب الثلاثة التي كان هذا الخبر فيها بل متن خبر زرارة فيه اختلاف شديد باختلاف الطرق المذكورة له في الكتب الثلاثة والمتن المذكور في كلامه متن خبر عبد الله بن مسكان عن زرارة على ما في الكافي ، وأما متن موثقة ابن بكير عن زرارة على ما في كتاب البيوع من الفقيه فليس يطابقه فلا يستقيم نسبة ذاك المتن الى مطلق رواية زرارة التي قال في حقها انها مروية في كلام غير واحد فان الظاهر من هذه العبارة ان المتن المذكور مذكور في رواية كل من هؤلاء الراوين عن زرارة وفيه من الخلاف ما لا يخفى مع ان في هذا المتن المذكور في كلامه زيادة مخلة بالاستدلال بالخبر وليست تلك الزيادة في غير ذاك المتن من سائر متون الرواية ولو كان الأمر بعكس ذلك لكان أسلم من ذاك الايراد ولعل الذي أوقعه في هذا الاختلاف اقتصاره على مراجعة العوائد في نقل ذاك الخبر وعدم مراجعة الاصول المتقدمة المأخوذة عنها رواية هذه الواقعة كما هو الظاهر من ذكره للرواية في الكتاب المذكور.

رابعها انه ذكر في الرسالة التي وضعها في هذه القاعدة بعد ذكر موثقة ابن بكير عن زرارة وفي رواية ابن مسكان عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام نحو ذلك بزيادة لا تغير المطلب مع ان الزيادة التي فيها تغير المطلب تغييرا فاحشا يخالف استدلاله بالخبر لحكومة القاعدة على سائر القواعد كما سيأتي ان شاء الله تعالى هذا وقد وقع للصدوق في الفقيه في هذا المقام كلام غريب وهو انه بعد ذكر الخبر في أبواب القضاء قال بعد ذكر ذاك الخبر (قال

١٧٦

مصنف هذا الكتاب ليس هذا الحديث بخلاف الحديث الذي ذكرته في أول هذا الباب من قضاء رسول الله في رجل باع نخلا واستثنى نخلة فقضى له بالمدخل اليها والمخرج منها لأن ذلك فيمن اشترى النخلة مع الطريق اليها وسمرة (١) كانت له نخلة ولم يكن له الممر اليها).

ووجه غرابة ذاك الكلام ان خبر سمرة الذي هو رواه خال عن ثبوت الطريق الى النخلة وعدمه فمن أين استفادة عدم ملكية سمرة للطريق اليها مع انه لو كان غاصبا في الاستطراق لكان يمنعه النبي من أول الأمر ولا يجاريه على النحو المذكور مع ان كونه مالكا للنخلة كان كافيا في ثبوت المدخل له مع عدم شرط عدمه عند تملكه كما هو فقه المسألة في أحكام التوابع.

لا يقال ان عدم قول النبي للانصاري (انه له حق المدخل) بنحو الاستفهام كاشف عن عدم حقه فانه يقال ان الظاهر من متن بعض روايات المتقدمة انه كان ذا حق في المدخل فان قوله للانصاري (لا أستأذن في طريقي الى عذقي) وكذا قوله لرسول الله (يا رسول الله استأذن في طريقي الى عذقي) يدلان على انه كان مدّعيا لحقه في الاستطراق وعدم ردّ رسول الله كلامه هذا تقرير لحقية ادعائه. هذا وقد ذكر صاحب المباني عن المولى الجليل القزويني في شرحه الفارسي للكافي ما حاصله ان سمرة صاحب هذه الواقعة مع الأنصاري بفتح السين المهملة وضم الميم والراء المهملة وجندب بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة وحكي عن رجال مرزا محمد ان جد سمرة المذكور من أبيه هو هلال الانصاري. وقيل ان البخاري أسند اليه في صحيحه وحكي

__________________

(١) سمرة من فزارة العدنانية القيسية والانصار من أوسهم وخزرجهم من الأزد القحطانية وشتان بين النسبين فما حكي عن رجال الميرزا محمد فيه نظر.

١٧٧

عنه رؤياه التي تدل على حسن حاله وفيه ما لا يخفى فانا تتبعنا الصحيح المذكور فلم نجد ما يدل على حسن حال هذا الرجل فقد ذكر في باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح حدثنا مؤمن بن هشام حدثنا اسماعيل بن ابراهيم حدثنا عوف حدثنا أبو رجاء حدثنا سمرة بن جندب رضي الله عنه قال «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه هل رأى أحدكم من رؤيا قال فيقص عليه من شاء الله أن يقص ، وانه قال لنا ذات غد أتاني الليلة إتيان» ثم ذكر رؤيا طويلة وليس في شيء منها ما يدل على حسن حال هذا الرجل وغاية ما فيها مما يشير الى حسن حاله ما وقع بعد اسمه من جملة (رضي الله عنه) الظاهر ان مراد ذاك القائل خصوص هذه الجملة المفيدة للترضية له من صاحب الكتاب وهذا على فرض دلالته على ذلك ليس شيئا من أجزاء الرؤيا. مع أن دلالته مثله على المدح مبنية على كونه أخبارا عن رضا الله تعالى عنه لادعاء له والظاهر هو الثاني كما هو المتعارف في استعماله وكيف كان فيستفاد من أمور عديدة سوء حاله. منها خصوص هذه الواقعة الواردة في خبر الضرر والضرار وبتلك الروايات المعتبرة فان تخلفه عما قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدم قبوله قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع ما فيه من ضمانة أمر الدين والدنيا وثواب الله الذي وعده في الجنة كاشفان عن عدم ميله الى الجنة واجر الآخرة بل لا يبعد أن يكون بعض كلماته في جواب النبي كاشفا عن عدم اعتقاده لثواب الجنة بل على إنكاره أو عدم اعتقاده للمعاد ومنها ما في المحكي عن صحيح مسلم شرح النووي وفي سنن البيهقي ان سمرة بن جندب باع خمر أهل الذمة وأخذه في العشور التي عليهم وبلغ هذا عمر بن الخطاب فقال «قاتل الله سمرة أما علم ان رسول الله قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها وباعوها وأكلوا أثمانها»

١٧٨

والمراد (بجملوها) أذابوها واستخرجوا دهنها.

ومنها انه شج رأس ناقة النبي التي كان يحبها وكانت محترمة عند الأصحاب على ما رواه الكليني في روضة الكافي عن أبان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال «كانت ناقة رسول الله القصواء اذا نزل عنها علق عليها زمامها قال فتخرج فتأتي المسلمين فيناولها الرجل بشيء وتناولها هذا الشيء فلا تلبث أن تشبع قال فأدخلت رأسها في خباء سمرة بن جندب فتناول عنزة فضرب بها على رأسها فشجها فخرجت الى النبي فشكته» ومنها أن ابن أبي الحديد المعتزلي شارح نهج البلاغة ذكر في شرحه أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي عليه‌السلام (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ). وان الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهو قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ). فلم يقبل فبذل مائتي ألف درهم فلم يقبل فبذل ثلاثمائة ألف درهم فلم يقبل فبذل أربعمائة ألف درهم فقبل. ونقل عن السيد مصطفى التفريشي في حاشية كتاب نقد الرجال انه قال بعد الرواية وليتني أعلم ان محمد بن اسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري والترمذي والنسائي وغيرهم من أهل السنة كيف حكموا بصحة الاحاديث المستندة الى هذا الرجل ومنها ما في الشرح المذكور أيضا ان هذا الرجل عاش حتى حضر مقتل الحسين عليه‌السلام وكان من شرطة ابن زياد وكان أيام مسير الحسين عليه‌السلام الى العراق يحرض الناس على الخروج الى قتاله وما يستفاد من خبر شجه الناقة من سوء اعتقاده وضعفه

١٧٩

إيمانه ليس أشد من قتاله لحجة الله وابن رسوله فان قطع رأس الحجة أشد من شجه رأس الناقة. نعم حكي عن ابن عقدة في كتاب الولاية ان هذا الرجل ممن روى حديث الغدير.

هذا ويمكن توجيه دلالة ذاك الخبر الوارد عن هذا الرجل على قاعدة نفي الضرر بوجوده : ـ

أحدها ما يستفاد من صدر الخبر من منع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب العذق من ذهابه الى عذقه من غير استئذان من الانصاري لورود الضرر على الانصاري من ذلك بل الظاهر من اشتراط الاستئذان في هذا المقام مع عدم ثبوت نظر سمرة الى أهل الأنصاري أو عدم تحققه كما هو الظاهر من سياق الخبر هو المنع عن الوقوع في معرض الضرر وان لم يتحقق الضرر فالرواية مع قطع النظر عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها (لا ضرر ولا ضرار) يستفاد منها نفي حكم جواز التصرف بالاملاك والأموال اذا تضرر الغير بهذا التصرف ولم يكن للمالك نفع بهذا التصرف فان دخول سمرة الى عذقه بدون الاستئذان لا نفع له به مع تضرر الغير به.

إن قلت ان الظاهر من طلب النبي الاستئذان من سمرة عند دخوله لعذقه على وجه الاستعطاف والترجي وعدم منع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسمرة من الدخول صريح من أول الأمر أن سمرة كان ذا حق في الاستطراق الى عذقه ولم يكن هذا الضرر المحقق أو المحتمل مانعا عن ذهابه وايابه بالنسبة الى ماله كما ان الظاهر من قوله في بعض روايات متون الخبر على الوجه الذي مرّ من قول سمرة (يا رسول الله استأذن في طريقي الى عذقي) على وجه الاستفهام الانكاري بل على وجه يستفاد منه ان الاستئذان ليس بأمر لازم شرعا لا من حيث السمع ولا من حيث العقل وان

١٨٠