مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ٢

الشيخ علي كاشف الغطاء

مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي كاشف الغطاء


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مطبعة العاني
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٩
الجزء ١ الجزء ٢

وقد يقرر الاشكال بوجه ثالث على الاستصحاب لعدم مجهولي التأريخ بأن الزمان الاول هو ظرف اليقين بعدمها والزمان الثاني بعده هو ظرف لليقين بوجود أحدهما والزمان الثالث هو ظرف اليقين بوجود الآخر وهو زمان حدوث الشك في تقدم أحدهما على الآخر أو تأخره عنه فلم يتصل زمان الشك بزمان اليقين للفصل بالزمان الثاني.

وفيه ان الميزان في الاستصحاب هو اتصال زمن المشكوك بالمتيقن وان كان الشك قد حدث بعد سنين في استمراره وبقائه لتمامية أركان الاستصحاب حينئذ من اليقين السابق والشك اللاحق في استمرار المتيقن سابقا وفيما نحن فيه إن الشك وان حدث في الزمان الثالث لكنه متعلق بالزمان الثاني في إن أيا من مجهولي التأريخ باق على عدمه والآخر منهما قد وجد وإلا فالزمان الثالث زمان اليقين بوجودهما وانما حدث فيه الشك في ان أيهما كان باقيا على عدمه في الزمان الثاني فالمتيقن هو عدم واحد منهما مشكوك بقاؤه الى الزمن الثاني فهو متصل به ولا يضر في الاستصحاب حصول نفس اليقين والشك في زمان واحد بعد اتصال زمان المتيقن بالمشكوك بل حتى لو حصل الشك بالبقاء قبل اليقين بالحدوث كما تقدم صح الاستصحاب وإلا لو كان ذلك موجبا للمنع من الاستصحاب لكان من تيقن الطهارة صباحا ثم انه في العصر كان متيقنا بانتقاض تلك الطهارة إلا انه يشك في بقاء طهارته الصحيحة للظهر إلّا يصح استصحابها الى الظهر لانه قد حدث شكه في المغرب. وقد يقرر الاشكال بوجه رابع على صحة جريان استصحاب عدم مجهولي التاريخ حاصله ان النقض فيهما لم يحرز انه من نقض اليقين بالشك بل يحتمل انه من نقض اليقين باليقين فلم يحرز شرط صحة جريان الاستصحاب فيهما

١٤١

وبيان ذلك إنه لما كان الزمان الاول الذي هو زمان العلم بعدهما والزمان الثاني هو زمان العلم بحدوث أحدهما والزمان الثالث هو زمان العلم بحدوث الآخر منهما مع استمرار وجود ما وجد منهما في الزمان الثاني فلو نقض العلم السابق بعدم أحدهما بالبناء على وجوده في الثاني والثالث احتمل انه نقض لليقين باليقين لاحتمال أنه هو المعلوم بالاجمال المستمر الى الزمان الثالث كما يقرر ذلك في كل مورد علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة ففي المثال المشهور لو علم بعدم الكرية وبعدم الملاقاة ثم علم بحدوث أحدهما لا على التعيين ثم علم بحدوث الآخر منهما كذلك مع استمرار وجود ما وجد منهما في الزمان الثاني كان نقض عدم أي منهما يتحمل انه من نقض اليقين السابق باليقين الاجمالي بحدوثه في الزمان الثاني المستمر للزمن الثالث المعلوم فيه وجودهما.

وفيه ان ذلك انما يكون من النقض باليقين الاجمالي واخبار الاستصحاب وأدلته انما تقتضي المنع من النقض التفصيلي ولذا في أطراف العلم الاجمالي تتعارض الاستصحابات فيها وسيجيء توضيح ذلك ان شاء الله في المقام الثاني من تعارض الاستصحابين.

وقد يقرر الاشكال في استصحاب عدم مجهولي التاريخ بوجه خامس وحاصله ان المطلوب في الاستصحاب في المقام هو إثبات عدم أحدهما مقارنا لحدوث الآخر لأن الأثر وجودا أو عدما مرتب عليه والاستصحاب لعدم أحدهما في ظرف حدوث الآخر لا يثبت ذلك لأن حدوث الآخر الذي هو ظرف للاستصحاب مردد بين الزمان الثاني والزمان الثالث وعلى تقدير كون حدوث الآخر في الزمان الثالث فالعدم المستصحب قد زال في الزمان الثاني ولم يكن مقارنا لحدوث الآخر وهذا نظير من شك في انه أتى بصلاة الصبح أم لا

١٤٢

وشك في ان هذا الوقت الذي هو فيه هو الفجر أو النهار فان استصحاب وجوب الصلاة عليه في الفجر لا يثبت ان ما بيده هو الفجر لأن الفجر الذي هو ظرف المستصحب وهو وجوب الصلاة مردد عنده بين ما بيده من الوقت أو قبله وان كان استصحاب نفس الفجر ينفعه ونظيره ما اذا شك في كريّة الماء عند ولوغ الكلب فيه مع علمه بأنه كر سابقا ولكنه تردد وقت الولوغ بين يوم الخميس المشكوك كرية الماء فيه وبين يوم الجمعة الذي يعلم بعدم الكرية فيه فإن استصحاب للكرية الى حين الولوغ لا يثبت طهارة هذا الماء فعلا الذي هو المطلوب لنا لاحتمال أن يكون زمان الولوغ زمان اليقين بعدم الكرية وفيما نحن فيه كذلك فان الحادث الذي استصحبنا عدم الحادث الآخر الى زمانه يحتمل وقوعه في الزمان الثاني ويحتمل وقوعه في الزمان الثالث الذي نعلم بانتقاض العدم المستصحب فيه.

والحاصل انه لا بد من إثبات العدم واثبات وجود الآخر معه والاستصحاب إنما يثبت العدم على تقدير وجود الحادث الآخر وحيث ان وجود الحادث الآخر لم يعلم وقته فلم يثبت لدينا العدم للحادث مع وجود الحادث الآخر فالمستصحب يكون ظرفه مرددا بين زمان مشكوك فيه المستصحب وبين زمان بعده معلوم انتقاضه.

وفيه ان الاستصحاب ناظر للواقع فهو ابقاء للواقع في مرحلة الظاهر فنحن نستصحب عدم أحدهما الواقعي الى زمان حدوث الآخر في الواقع والزمان بين العدم الأزلي للأول وحدوث الآخر مشكوك نقض العدم فيه فيستصحب بهذا اللحاظ.

ودعوى احتمال النقض للعدم باحتمال انطباق حدوث الآخر على الزمان الثالث لا تفسد الاستصحاب إذ من شأن الاستصحاب إنما يكون في الزمان المحتمل فيه النقض.

١٤٣

والحاصل ان هذه القطعة من الزمن مشكوك حدوث الحادث الاول فيها الى زمن وجود الآخر فيستصحب عدمه فيها فالاستصحاب إنما هو بهذه الجهة وبهذا النظر. لا ريب في إن اركان الاستصحاب اذا تمت في أية جهة من الجهات جرى وهنا قد تمت أركانه من هذه الجهة من يقين سابق بالعدم وشك لاحق متصل به الى زمن حدوث الآخر والأثر الشرعي يترتب عليه فيجري مضافا الى انه لو كان هذا موجبا لمنع جريان الاستصحاب لكان ينبغي ان يمنع من هذه الجهة استصحاب الكلي المردد بين الفرد القصير والطويل للعلم بعدمه لو كان في الفرد القصير فكذا ما نحن فيه فانه فرد واحد وهو العدم المشكوك استمراره الى حين وجود الآخر بل المنع من هذه الجهة يوجب المنع من الاستصحابات التي يكون الشك في الاستمرار من جهة الشك في حدوث المانع فانا فيما نحن فيه لانقطع بانقطاع العدم وانما نشك في انقطاعه قبل حدوث الآخر.

وقد يقرر الأشكال بوجه سادس. وهو ان الغرض من هذا الاستصحاب هو إثبات العدم مع وجود الآخر أو الوجود مع عدم الآخر لأن الأثر الشرعي مرتب عليهما ففي المثال المذكور الارث مرتب على وجود الابن مع عدم وجود الأب وفي المثال المتقدم الأثر مرتب على عدم الكرية مع الملاقاة للنجاسة أو عدم الملاقاة مع الكرية لا على العدم فقط أو الوجود فقط والاستصحاب إنما يثبت العدم أو الوجود في ظرف الحادث الآخر ولا يثبت حدوث الآخر فعلا أو قبل ذلك فلا يحرز به الموضوع ففي المثال المذكور استصحاب عدم الكرية الى زمان الملاقاة إنما يثبت فقط عدم الكرية على تقدير الملاقاة واما حدوث الملاقاة فلا يثبته وانما هو لازم عقلي له.

١٤٤

والحاصل ان الموضوع فيما نحن فيه مركب من جزءين احدهما العدم أو الوجود المستصحب والثاني الظرف المطلوب ثبوت المستصحب فيه والاول انما يحرز بالاستصحاب في الزمن الثاني لأنه في الزمن الثالث مقطوع بوجوده فلا وجه لاستصحابه فيه ولا ريب إن الاستصحاب في الزمن الثاني لا يثبت ان الموجود هو الحادث الآخر فيه. نعم لازم ذلك عقلا من جهة العلم الاجمالي. وبعبارة اخرى استصحاب عدم أحدهما الى الزمن الثالث لا يصح لأن الفرض القطع بحدوثهما معا والاستصحاب الى الزمن الثاني وان أثبت العدم إلا انه وجود الحادث الآخر غير مقطوع به لاحتمال انه وجد في الزمان الثالث فليس الجزء الثاني للموضوع محرزا بالوجدان والاستصحاب لا يثبته.

وجوابه يعلم مما سبق فانا نستصحب عدم أحد الحادثين الى زمان الوجود الواقعي للحادث الآخر فيثبت مقارنته له ويرتب عليه الأثر الشرعي في الموضوع الذي نحن فيه ففي المثال المذكور نستصحب وجود الابن الى زمن موت الاب الواقعي فيحرز أحد جزئي الموضوع بالاستصحاب وهو وجود الابن والجزء الآخر بالوجدان والقطع وهو موت الأب. واحتمال ان يكون موت الأب بعد موت الابن لا يرفع الشك في استمرار وجود الابن في ظرف موت الأب.

والحاصل ان العدم لأحدهما أو الوجود المقطوع به سابقا لا ريب في انه يحتمل بقاؤه حتى زمن الحادث الآخر من جهة احتمال تقدم حدوث الآخر أو تأخره فان مجرد الشك في التقدم والتأخر لا يرفع الشك في استمرار عدم احدهما حتى زمان حدوث الآخر المقطوع بحدوثه فتكون أركان الاستصحاب بالنسبة الى نفس كل واحد من الحادثين تامة لليقين السابق بالعدم والشك في

١٤٥

بقائه في ظرف حدوث الآخر فيستصحب وينضم الى القطع بحدوث الآخر في حد ذاته لأن الاستصحاب يلحظ بالنسبة اليه فيثبت الموضوع للأثر هذا نظير الاستصحاب الجاري في أطراف العلم الاجمالي في لحاظ الاستصحاب في كل واحد من الأطراف بنفسه ولذا تتعارض الاستصحابات فيها مع انه لو لوحظ مجموعهما لا يصح الاستصحاب للعلم بالانتقاض فيه ففي المقام يلحظ نفس الحادث الآخر لا زمانه. نعم لو لوحظ نفس الزمان يرد الأشكال لأن استصحاب عدم أحدهما أو وجوده في الزمان الثاني لازمه العقلي ذلك ونحن كلامنا في الاستصحاب بالنسبة الى الحادث الآخر لا للزمان فان الاستصحاب للشيء الى زمن الحادث الآخر تارة يلحظ بالنسبة لنفس وجود الحادث الآخر من حيث التقدم عليه أو التأخر عنه وتارة يلحظ بالنسبة الى نفس زمانه من حيث وجوده فيه وعدم وجوده فيه ونحن كلامنا كما عرفت انما هو في الاول لا في الثاني.

ثمرة النزاع في جريان الاستصحاب

ان النزاع بين المشهور القائلين بعدم جريان الاستصحاب في مجهولي التأريخ من جهة التعارض بين الاستصحابين وبين صاحب الكفاية القائل بعدم جريان الاستصحاب فيهما من جهة عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين تظهر ثمرته فيما كان الأثر الشرعي يترتب على أحدهما دون الآخر فان من يمنع من جريانهما من جهة التعارض يجري هنا الاستصحاب فيما يترتب عليه الأثر الشرعي عليه حيث لم يعارضه الاستصحاب في الآخر لعدم جريانه فيه من جهة عدم ترتب الأثر واما اذا قلنا ان المنع من جريان الاستصحاب هو عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين فلا يجري الاستصحاب فيما له الاثر الشرعي ايضا لعدم احراز اتصال

١٤٦

زمان الشك بزمان اليقين حتى فيما يترتب عليه الاثر الشرعي وقد مثل لهذه الصورة الأفاضل من شراح رسائل الأنصاري بمسألة منها اذا علمنا بموت الاب واسلام الابن لكن لا نعلم أيهما المتقدم فاستصحاب عدم اسلام الابن الى زمن موت الاب يترتب عليه الاثر وهو عدم أرث الابن واما استصحاب عدم موت الاب الى زمان اسلام الابن فلا يترتب عليه الاثر اذ قد يكون الاب حيا فلا يرثه الوارث المسلم وبمسألة ما لو علم بموت أخوين لاحدهما ابن ولكن لا يعلم أيهما أسبق فان استصحاب عدم موت من له ابن الى زمان موت أخيه يترتب عليه الأثر وهو ارثه لاخيه وأما استصحاب عدم موت أخيه الى زمان موت صاحب الولد لا يترتب عليه الاثر لأن الوارث له ابنه.

وتظهر ثمرته فيما اذا كان للاستصحابين بعض الآثار التي لا تنافي بينها فانه على رأي الانصاري لا يجري الاستصحابان بالنسبة الى الآثار المتنافية بينها وأما بالنسبة الى الآثار غير المتنافية فيجري الاستصحابان فيها وتثبت بهما لعدم لزوم المخالفة القطعية كما ذكره بعضهم بخلافه على قول صاحب الكفاية فانه لا يجري الاستصحابان حتى بالنسبة الى الآثار غير المتنافية لعدم احراز شرط الجريان وهو اتصال زمان الشك بزمان اليقين وتظهر الثمرة ايضا فيها احتمل تقارن الحديثين فيه فانه على مسلك الانصاري يستصحب عدم كل منهما في زمان الآخر ولا معارضة بين الاستصحابين لعدم العلم الاجمالي بتكاذبهما ولا بالمخالفة القطعية لاحتمال تقارنهما في الحدوث وعلى مسلك صاحب الكفاية عدم صحة الاستصحابين لعدم احراز شرط الجريان وهو اتصال زمان الشك بزمان اليقين.

١٤٧

المصدر الخامس والعشرون

أصالة تقدم الحادث والاستصحاب القهقري

ويسمى هذا الاصل بأصالة تقدم الحادث وبالاستصحاب القهقري وبالاستصحاب المعكوس وبأصالة تشابه الأزمان ومجرى هذا الاصل فيما كان متعلق الشك متقدما على زمن المتيقن بأن يكون الشيء مشكوكا سابقا ومتيقنا في الزمان اللاحق كأن نشك في اتصاف زيد بالعدالة يوم الجمعة ثم نتيقن بأنه في يوم السبت هو متصف بالعدالة فنستصحب عدالته من يوم السبت حتى يوم الجمعة الذي قبله ويستدل عليه بتشابه الأزمنة ولا يخفى إن تشابه الأزمنة لو أفاد الظن فلا دليل على حجية هذا الظن كما انه لا ريب في عدم شمول أدلة الاستصحاب لهذا الاستصحاب المعكوس لأنها إنما تدل على حجية الاستصحاب في المتيقن السابق والمشكوك اللاحق دون العكس فان قوله عليه‌السلام «لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت» صريح في تقدم متعلق اليقين على الشك نعم ذكر القوم ان هذا الاستصحاب حجة في مورد واحد وهو تشخيص المعنى اللغوي فاذا ثبت بأن اللفظ معناه الحقيقي عند عرفنا هو هذا الشيء وشككنا في أنه في اللغة أو عرف الأئمة كذلك نستصحب استصحابا قهقريا انه كذلك لغة وعند الأئمة وقدماء أهل اللغة ويسمى هذا الاصل بأصالة عدم النقل والاجماع من سائر اللغات على حجيته ولولاه لانسد علينا معرفة الاحكام ومعاني ما كان قديما من الخطب والمواعظ والآداب والاشعار. وأما في صورة ما لو علم بأن المعنى الحقيقي قد تعدد بين الحال والزمان الماضي وشك في مبدأ حدوث الوضع للمعنى الثاني المعلوم في زماننا فالاصل عدم وضعه لهذا المعنى الثاني في الزمان الماضي ولذا اتفقوا على ان مقتضى الاصل في باب الحقيقة الشرعية هو عدم نقل الشارع اللفظ لهذا المعنى الثاني.

١٤٨

المصدر السادس والعشرون

قاعدة اليقين

وتسمى بقاعدة الشك الساري وهو أن يتعلق الشك بنفس الحدوث الذي كان متيقنا سابقا بمعنى انه ينقلب اليقين به شكا به بخلاف الاستصحاب فان الشك فيه يتعلق ببقاء المتيقن ولذا سمي الاستصحاب بقاعدة الشك الطارئ لأن الشك فيه يطرأ على اليقين ولا يسري له بخلاف قاعدة اليقين فان الشك يسري فيها لليقين فيزول اليقين.

ومن أمثلة القاعدة ما لو رأى على ثوبه حمرة فقطع بأنها دم ثم شك بعد ذلك في كونها دما أو ماء رمان ، ومن أمثلتها ما لو تيقن بعدالة شخص فاقتدى به وعمل بفتواه وشهادته ثم شك في صحة اعتقاده المذكور ومن أمثلتها ما لو خاطبه المولى بصيغة افعل فاعتقد الوجوب ثم لما رأى انها مجاز مشهور في الندب شك في الوجوب ، ومنها ما لو أدى رأي المجتهد الى حكم في مسألة وعمل به ثم بعد زمان تردد فيه للتردد في صحة دليله لاطلاعه على المعارض لدليلها أو لنسيانه دليلها أو لرجوعه عن حجية دليلها كما لو كان خبرا صحيحا ثم ظهر له إنه ضعيف.

والقول بعدم حجية قاعدة اليقين هو المشهور والمعروف وعن المفاتيح انه استشكل في حجيتها من جهة أنّ اطلاق اخبار الاستصحاب تقتضي حجيتها وان الأصل والعمومات المانعة من العمل بغير العلم يقتضي عدم حجيتها وانّ الاحتمال الاول في غاية القوة وعن المرحوم جدنا كاشف الغطاء إنه سماها بأصالة الصحة في الاعتقادات وقال إن العمل بها بطريق الاطلاق مخالف للاجماع وحكي عن غير واحد من المتأخرين استفادة حجيتها من أخبار الاستصحاب بدعوى عدم اختصاصها بالشك في البقاء.

١٤٩

وعن الذخيرة فيمن شك في بعض أفعال الوضوء عدم وجوب الاعادة لصحيحة زرارة «ولا تنقض اليقين أبدا بالشك» ويظهر مثل ذلك من كلام الحلي في المسألة المذكورة إلا أنه يظهر من كلام الشيخ الانصاري وغيره دعوى الاجماع على عدم اعتبار القاعدة والعمدة فيما يستدل به عليها أخبار الاستصحاب بل لم نجد من استدل عليها بغيرها فان معنى عدم نقض اليقين في القاعدة هو الحكم بصحة الاعتقاد واليقين الحاصل سابقا والالتزام بآثاره في زمان وجوده وعدم رفع اليد عن تلك الآثار بالشك الساري إليه.

وقد يناقش في دلالتها عليها بوجوه : ـ

أحدها من جهة أخذ اليقين في الأخبار وذلك فان اليقين في الاستصحاب موجود وفي القاعدة يكون مفقودا لأنه في القاعدة يزول بالشك في نفس متعلقه ولا يمكن إنشاء حكم واحد على وجود الشيء وعدمه. ودعوى ان هذا يوجب إجمال الروايات فلا تدل على الاستصحاب ولا على قاعدة اليقين فاسدة لأن بعضها كصحيحة زرارة الاولى والثانية قطعا يراد منها الاستصحاب لكون موردهما ذلك فتحمل باقي الروايات عليهما لأن لسانهما لسان تلك والمتكلم بهما بمنزلة المتكلم الواحد حيث إنهم عليهم‌السلام في حكم متكلم واحد ومن هنا اشتهر ان أخبارهم عليهم‌السلام بعضها يفسر بعضا وببالي انه قد ورد ذلك المضمون عنهم عليهم‌السلام هذا مع ان الظهور للفظ يكون حجة سواء كان مستندا لحاق اللفظ أو بمعونة الخارج كالقرائن الخارجية الموجبة لانعقاد ظهور له كوحدة السياق والتعبير.

ولا يخفى ما فيه فان الانشاء كان لليقين الموجود غاية الأمر يكون له سواء استمر وجوده أم لا. ففي المقام ينشأ عدم نقض اليقين سواء استمر وجوده كما في الاستصحاب أو لم يستمر كما

١٥٠

في قاعدة اليقين كما في صلّ للزلزلة سواء كانت موجودة الزلزلة أو معدومة وكما قال أبرأ ذمتي لزيد فانه يدل على طلب براءة ذمته من زيد سواء كان زيد موجودا أو معدوما وان اختلفت كيفية براءة الذمة من زيد حال حياته وحال عدمه فان قصد الجامع بين الافراد لا يوجب قصد خصوصياتها وفيما نحن فيه كذلك فان قصد عدم الاعتناء بالشك مع اليقين قدر جامع بين القاعدتين.

ثانيها من جهة أخذ الشك في الاخبار والشك في الاستصحاب يتعلق ببقاء المتيقن بعد احراز حدوثه وفي القاعدة يتعلق بحدوث المتيقن بعد زوال احراز حدوثه ولحاظ الاحراز ولحاظ عدمه لا يمكن جمعهما في دليل واحد.

وفيه ما لا يخفى فان الاخبار انما تدل على النهي عن إبطال أثر اليقين بالشك مطلقا سواء كان شكا في بقاء متعلقه أو شكا في حدوثه فالشك ملحوظ بالنسبة الى وجوده غاية الأمر أعم من الوجود الابتدائي كما في القاعدة أو الوجود الاستمراري كما في الاستصحاب والتعميم في الوجود كذلك يمكن أن يكون ملحوظا في دليل واحد كما عرفت في المثال المتقدم من أنه اذا قال المولى (الزلزلة موجبة للصلاة) فانه يشمل صورة حدوثها وصورة استمرارها.

ثالثها من جهة لفظ اليقين والشك فانه قد جمع بين الاخبار بين اليقين والشك ومقتضى اطلاقهما ان يكون متعلقهما واحدا وزمانهما واحدا وهو محال فلا بد أن يحملا اما على اختلاف المتعلق كما في الاستصحاب حيث ان متعلق اليقين هو الحدوث ومتعلق الشك هو البقاء وان حدثا دفعة واحدة في زمان واحد أو على اختلاف الزمان مع وحدة المتعلق بأن يكون زمان حصول اليقين بالشيء غير زمان الشك بنفس ذلك الشيء كما في القاعدة وعليه

١٥١

فيكون اختلاف الزمان في مورد القاعدة قيدا لليقين والشك بخلافه على الاستصحاب فانه لا يعتبر اختلافهما فيه. ولا يمكن ان يتكفل الدليل اعتبار الزمان قيدا كما في القاعدة وغير قيد كما في الاستصحاب فلا تعمهما. وفيه إن الإطلاق الأحوالي طالما يتكفل ذلك فانه لو قال (أكرم العلماء) شمل باطلاقه الاحوالي حتى حالتهم المتناقضة فانه يشملهم سواء كانوا قعودا أم لا ونحوها من الحالات وهنا في المقام كذلك فانه يشملهما سواء كان متعلقهما واحدا وزمانهما مختلف أو كان متعلقهما مختلفا وزمانهما متحد أو مختلف. سلمنا لكن الاخبار ما عدا صحيحة زرارة الاولى والثانية تكون مجملة اللهم إلا ان يقال إن وحدة السياق وتشابه التعبير مع كون بعضها ظاهرا في الاستصحاب يوجب حملها وانعقاد ظهورها في الاستصحاب.

والحاصل انه يراد من جميع الاخبار معنى واحد وهو عدم الاعتناء بالشك بعد اليقين بالشيء ووجوب الالتزام بآثار الشيء الذي تعلق به اليقين الى أن يقطع بخلافه وهذا المعنى الواحد يختلف بحسب الموارد كالضوء يختلف بحسب المرايا من أبيض وأحمر وأخضر. قال المرحوم الآشتياني إن لفظ الصلح له معنى واحد وهو التسالم يختلف بحسب المتعلقات والاضافات فهو في مورد نقل العين وفي مورد نقل المنفعة وفي مورد يكون ابراء الذمة.

رابعها من جهة إن لفظ اليقين ظاهر في اليقين الموجود بالفعل فان قولنا (الخمر حرام) هو ما كان خمرا بالفعل لا ما كان خمرا في وقت وان لم يكن خمرا بالفعل وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «رفع عن أمتي ما لا يعلمون» هو الرفع عما هو مجهول بالفعل لا ما كان مجهولا في وقت وان لم يكن مجهولا بالفعل. وفي القاعدة يكون اليقين غير موجود بالفعل بخلاف الاستصحاب

١٥٢

فانه موجود بالفعل ولا يخفى ما فيه فان موضوع القضية يعتبر وجوده في موطنه وظرف ثبوت الحكم عليه فاذا قيل (زيد عالم) إنما يلزم ان يكون زيد موجودا في ظرف ثبوت العلم له ولا يلزم أن يكون موجودا بالفعل وهكذا الخمر حرام إنما يلزم فيه وجود الخمر في ظرف الحكم عليه فهو يثبت له الحرمة في ذلك الموطن ولا يلزم وجوده بالفعل وهكذا «رفع ما لا يعلمون» إنما يلزم فيه ثبوت الرفع في ظرف وجود الجهل. ولا يلزم ثبوت الجهل فعلا وإلا لانتفت القضية الحقيقية ولا تصدق إلا القضية الخارجية. ففيما نحن فيه يكون اليقين في مورد القاعدة موجودا في ظرف الحكم عليه فان القاعدة إنما تقتضي وجوب ترتب آثار اليقين عليه في ظرفه فلا يعيد صلاته ولا يبطل شهادته في ذلك الوقت.

خامسها من جهة المانع فان أخبار الاستصحاب لو كانت تشملهما معا وقع التعارض بين القاعدة والاستصحاب دائما إلا ما شذ لأن الشك في موارد القاعدة مسبوق بيقينين يكون باعتبار احدهما موردا للاستصحاب وباعتبار الآخر موردا للقاعدة فيقع التعارض بينهما فاذا تيقّنا بعدالة زيد يوم الجمعة ثم شككنا يوم السبت بعدالته يوم الجمعة فباعتبار هذا اليقين تجري القاعدة وتقتضي العدالة وباعتبار اليقين بعدم عدالته الازلي يجري استصحاب عدم عدالته ولا يخفى ما فيه أولا إن هذه المعارضة لا تجري في اليقين بالاعدام كما لو تيقن عدم عدالته يوم الجمعة وشك فيها يوم السبت فان القاعدة تقتضي عدم العدالة والاستصحاب للعدم الأزلي للعدالة يقتضي عدمها أو كان الحال مجهولا قبل اليقين الثاني.

وثانيا ان الاستصحاب للعدم الأزلي بواسطة اعتبار قاعدة اليقين قد انتقض باليقين الحادث الذي ألغى الشك فيه الشارع

١٥٣

نظير الشك السببي والمسببي.

والحاصل ان الاستصحاب الأزلي قطعا قد زال باليقين الحادث بالعدالة حال وجوده وفي ظرف تحققه ثم ان الشارع قد ألغى الشك فيه بوجوده المتأخر فيكون حاكما عليه.

سادسها ما يمكن أن يقال إن في قاعدة اليقين لا يوجد نقض لليقين أصلا فان النقض إنما يكون لما هو مبرم واليقين لما زال من أصله فلا يكون هناك شيء مبرم حتى ينقضه. وبعبارة أوضح انه مع عدم ترتيب الآثار من جهة أن اليقين قد زال من أصله فلا يقال إنه قد نقض اليقين اذا عمل بالشك حتى إن بعضهم منع شمول الاخبار لاستصحاب في صورة الشك في المقتضي لتوهمه عدم تحقق النقض فيها فكيف مع ارتفاع اليقين فهو كمن ينهى عن ضرب زيد بالعصا في حين ان الضرب لا يتحقق بالنسبة الى زيد أصلا. فنحن لا نشترط الوجود الفعلي للموضوع بل نقول ان المنشأ لا يصح نسبة إنشائه الى متعلقه. وفيه ما يمكن ان يقال من أنّ المراد بالنقض هو عدم العمل بالوظيفة فلو لم يعمل بما يقتضيه اليقين للشك في متعلقه فقد نقض اليقين والاولى أن يقال إن نقض اليقين بالشك في القاعدة يكون بنحو الحقيقة لاتحاد المتعلق وفي الاستصحاب بنحو المجاز ولا يجتمع ارادة الحقيقة والمجاز في تعبير واحد والاستصحاب قطعا قد أريد من هذا التعبير كما في صحيحة زرارة فلا بد من حمل أخبار الباب عليه دون القاعدة والّا لزم إرادة الحقيقة والمجاز من لفظ واحد على أن قوله عليه‌السلام فيها «فليمض على يقينه» ظاهر في كون اليقين موجودا بالفعل اذ مع انعدام اليقين كما في القاعدة لا يقين له حتى يمضي عليه. مع ان قوله عليه‌السلام «لانه على يقين» ظاهر في وجود اليقين بالفعل هذا مع ان مقتضى الأخبار هو ترتب الآثار

١٥٤

على المتيقن حتى زمان الشك فيه فمن تيقن الوضوء ثم شك فيه فهو يرتب الآثار عليه ما دام الشك موجودا. وقاعدة اليقين انما يترتب فيها آثار المتيقن حال اليقين دون حال الشك فلو كانت الاخبار تدل عليها كما تدل على الاستصحاب لرتب فيها آثار المتيقن عند الشك كالاستصحاب مع أن الاجماع قائم على عدم ذلك فان من يقول بالقاعدة انما يقول بترتب الآثار في خصوص زمان اليقين لا فيما بعده فان من تيقن عدالته يوم الجمعة ثم شك في أصل حدوثها فالقاعدة لو قيل بها فانما يقولون بها في ثبوت صحة الاقتداء والشهادة يوم الجمعة باقي الايام بخلاف الاستصحاب اللهم إلا ان يقال إنّ الأخبار إنما تقتضي الغاء الشك في خصوص ظرف اليقين ففي الاستصحاب لما كان اليقين مستمرا مع الشك صح ترتيب آثار اليقين مستمرا وفي القاعدة اليقين انما كان موجودا في خصوص يوم الجمعة فانما يرتب آثاره يوم الجمعة لا غير إلا ان ذلك خلاف الظاهر فان الظاهر من الاخبار هو ترتيب آثار المتيقن ما دام الشك فيه هذا مع ما قد عرفت من دعوى الاجماع على عدم اعتبار القاعدة من حيث هي حتى في مورد اليقين وانما اعتبر بعض مصاديقها لا من جهتها فيكون الظاهر من الروايات هو الاستصحاب فقط وقد يمنع من دعوى الاجماع لأن غاية ما هو موجود هو عدم مصرح بالعمل بالقاعدة الى زمان السبزواري. ودعوى استفادة الاجماع من ذلك في غاية الاشكال. نعم لو تم ذلك فهو يدل على عدم عملهم بها وعدم استفادتها من الاخبار وهو يكشف عن خلل في الاخبار في الدلالة عليها هذا ونقل المحقق أحمد بن الحسين عن بعض مشايخه الاشكال على دعوى الاجماع بأنه لو سلم ان هذه القاعدة باطلاقها مخالفة للاجماع أمكن تقييدها بصورة عدم النقض لليقين السابق بالنسبة الى

١٥٥

خصوص الاعمال التي رتبها العبد حال اليقين كالاقتداء وقبول الشهادة والعمل بالفتوى حال اليقين بالعدالة وبصورة عدم التذكر للمستند للحكم أو الفتوى قال المحقق المذكور أحمد ويتجه عليه إنه بعد تسليم الاجماع على خلاف القاعدة لا معنى لشيء من التقييدين المذكورين.

أما الاول فلأن الظاهر اختصاص مورد القاعدة بالآثار المرتبة عليه سابقا وإلا فالآثار التي يراد ترتيبها بعد الشك فليست من آثار اليقين السابق بل ينبغي القطع بعدم اندراجها تحت القاعدة فاذن لا إطلاق في القاعدة حتى يقيد بالاجماع فان الاجماع حينئذ ناف لعين ما اثبتته القاعدة.

واما الثاني فلأن المدار اذا كان على وصف اليقين السابق فلا يتفاوت الحال بين نسيان المدرك وتذكره ولا بين القطع بفساده والشك فيه حتى يقيد الاطلاق ببعض دون بعض. نعم لو علم بفساد الحكم والمدرك جميعا يتجه الفرق بينه وبين سائر الأقسام المتقدمة لكنه خارج عن تحت القاعدة على أي تقدير. وقد يستدل على قاعدة اليقين برواية الفقيه عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله انه قال «اذا شك الرجل بعد ما صلى فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا وكان يقينه حين انصرف انه كان قد أتم لم يعد الصلاة وكان حين انصرف أقرب الى الحق منه بعد ذلك». ووجه الاستدلال ان التعليل بالأقربية يقتضي العمل باليقين وعموم العلة لا يضر به خصوصية المورد. وفيه انه لو سلم فانها دلت على اعتبار الانصراف في الغاء الشك وفي قاعدة اليقين لا يعتبر الانصراف فالاولى بالرواية أن تجعل من أدلة قاعدة الفراغ.

١٥٦

المصدر السابع والعشرون

قاعدة المقتضي والمانع

إن قاعدة المقتضي والمانع عبارة عن أن يحرز المقتضي والسبب لوجود الشيء ويحرز عدم المانع منه فيحكم بثبوته وقد استعملها الفقهاء وغيرهم في مقام اثبات الحكم الشرعي باقامة الدليل عليه فيقولون ان المقتضي للحكم موجود وهو دليل كذا والمانع لهذا الدليل مفقود لأن المانع له حجة الخصم وهي باطلة ولا ريب ان ذلك لا يوجب القطع لاحتمال ان يكون هناك حجة أخرى معارضة لهذا الدليل لم يلتفت اليها إلا ان العقلاء بنوا على اعتبار ذلك وان لم يفد القطع بالحكم وسيرة الفقهاء مستمرة عليه بل سائر علماء الفنون والعلوم على ذلك وقد تستعمل هذه القاعدة في مورد اليقين بالمقتضي والشك في المانع كما اذا صببنا الماء على اليد لرفع النجاسة عنها وشككنا في وجود المانع من وصول الماء اليها فيقال ان قاعدة المقتضى والمانع تقتضي تحقق طهارة اليد ويكون موردها صورة احراز المقتضي والشك في المانع.

والتحقيق ان يقال ان الاثر الشرعي ان كان مرتبا على نفس وجود المقتضى مع عدم المانع صح جريانها لأن الموضوع للأثر الشرعي أحرز بعضه بالوجدان والبعض الآخر بالاصل كما لو قلنا بأن الطهارة الشرعية رتبها الشارع على نفس صب الماء على الشيء مع عدم الحاجب لا على الغسل جرت القاعدة فلو جعل الشارع الأثر الشرعي لشيء وجعل مانعا عن تأثيره فاستصحاب عدم المانع بعد احراز ذلك المقتضي يثبت الاثر ومن ذلك إثبات الطهارة باحراز الوضوء والشك في الحدث أو النوم

١٥٧

فان باستصحاب عدمهما تثبت الطهارة كما دلت عليه صحيحة زرارة المذكورة في الاستصحاب فان الامام تمسك باستصحاب عدم النوم على بقاء الطهارة واما لو كان مرتبا على أثرهما كالقصاص المرتب على القتل فان لو القي الحجر على رأس زيد وشك في وجود المانع من قتله له فاستصحاب عدم المانع لا يثبت القصاص لأن القصاص أثر للقتل وباستصحاب عدم المانع يكون اللازم العقلي هو القتل وقد يتمسك لحجيتها بسيرة العقلاء على العمل بالمقتضي عند الشك في وجود المانع وفيه إن السيرة غير ثابتة بل لعل عملهم على العكس. وقد يتمسك بأدلة الاستصحاب لأن عدم العمل بالقاعدة موجب لأن يكون اليقين بالمقتضي منقوضا بالشك في وجود الرافع والمانع فيلزم نقض اليقين بالشك.

وجوابه ان أدلة الاستصحاب انما تشمل اليقين والشك اذا كان متعلقهما واحدا وفيما نحن فيه اليقين تعلق بالمقتضى والشك في المانع.

١٥٨

المصدر الثامن والعشرون

شم الفقاهة

ذكره المرحوم صاحب أنوار الفقاهة الشيخ حسن كاشف الغطاء في كتابه شرح القواعد لأبيه جدنا كاشف الغطاء في البحث التاسع والعشرون فقال : ـ

«قد علم بالبديهة ان المراد في طاعة العبيد لمواليهم وسائر المأمورين لأمرائهم على العلم بمرادهم من أين جاء ذلك العلم بعقل أو نقل أو من تتبع أقوالهم أو أفعالهم اذا كان في أفعالهم دلالة على مرادهم أو ما يقوم مقامه أي مقام العلم من فطنة عهدوا اليهم في اتباعها والعمل بها كالظنون الناشئة من الألفاظ ونحوها فلو تعلق حكم شيء وعلمت أولوية آخر من داخل أو خارج بذلك الحكم والغاء الفارق بينهما كان مثبتا للحكم في الآخر أو ظنت أولويته من داخل كذلك فيكون من المفاهيم اللفظية لانفهامه من داخل الخطاب كان أيضا مثبتا للحكم كمفهوم الأولوية أو علمت مساواته أو ظنت من داخل الخطاب كذلك كمفهوم العلة كان مثبتا للحكم كمفهوم العلة كان مثبتا لحكمه فالاولوية بقسميها وتنقيح المناط القطعي ومنصوص العلة لا ينبغي التأمل في اعتبارها وكذا ما ينقدح في ذهن المجتهد من تتبع الادلة بالانبعاث عن الذوق السليم والادراك المستقيم بحيث يكون مفهوما له من مجموع الأدلة فان ذلك من جملة المنصوص فان للعقل على نحو الحس ذوقا ولمسا وسمعا وشما ونطقا من حيث لا يصل الى الحواس فاعتبار المناطيق والمفاهيم والتعريضات والتلويحات والرموز والاشارات والتنبيهات ونحوها مع عدم ضعف الظن من مقولة واحدة اذ ليس مدار الحجية الا على التفاهم عرفا». انتهى متن كلام الشيخ الكبير ، قال ابنه الشارح وتحقيق المسألة ان المطلوب

١٥٩

من المكلفين هو العلم بما كلفوا به ابتداء لأتباع الأحكام الشرعية للمصالح الواقعية فلو لم يكن الطريق الأولي في الايصال للمصلحة هو العلم لفات الغرض المطلوب من التكليف لأن الطريق الظني مظنة الخلل والخطأ والزلل والعوج والميل فيلزم منه خلاف المقصود ولكن لما كان للشارع أيضا قصد آخر في التكليف وهو إظهار العبودية والطاعة والانقياد وكان العلم بالتكاليف أجمعها مما لا يمكن من الطبع البشري المغموس ببحر الظلمة والغباوة والنسيان والخطأ أذن لنا بالاخذ ببعض ظنون خاصة في الموضوعات والأحكام حالة زمن التمكن في الجملة من العلم وحالة عدمه من حيث علمه بأن العمل بالظن الخاص من حيث الجهل رافع لسميّة الفعل المجهول وإن الانقياد له والطاعة بهذا النحو الخاص المظنون دواء لداء الفعل من جهة المفسدة الكامنة فيه وبقيت هذه الظنون المخصوصة مساوقة للعلم في وجوب الاخذ بها في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام وفي زمن الغيبة الكبرى إلا أنها من زمن الغيبة الى اليوم توسعت فيها الدائرة جدا وتكثرت فيها الى حيث لا تبلغ حدا فقد كان سابقا حصول الظن من راو واحد والآن من رواة متعددين وكان سابقا من لفظ واحد مثلا والآن من ألفاظ كثيرة وكان سابقا من تحريف أو زيادة أو نقصان أو سهو أو غفلة أو كذب أو اشتباه والآن من تحريفات أو نقصانات أو زيادات أو اسهاءات أو غفلات أو كذبات وكما كان الظن الاول حجة مع ذلك في الزمن الاول كان الظن الثاني ايضا حجة في الزمن الثاني ولا تأثير لزيادته لبقاء التكاليف قطعا وليس لنا طريق إلا الاخذ به وان زاد ولا يجوز لنا تركه ضرورة. لعدم انسداد التكليف وانفتاح بابه سابقا ولاحقا وزيادته مما يقطع بعدم تأثيرها في رفع التعبد به ولا يجوز لنا أن نأخذ بكل ظن وان لم يكن مشروعا أصله للزوم

١٦٠