مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ٢

الشيخ علي كاشف الغطاء

مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي كاشف الغطاء


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مطبعة العاني
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٩
الجزء ١ الجزء ٢

موافقته القطعية ولذا التكليف لما كان منجّزا قبل الفحص وجب إتيان مشكوكه حتى لو كان مشكوكا بالشك البدوي فمع تجويز أن يرخص المولى في عدمها يقتضي عدم تنجيزه ومع عدم تنجيزه جاز مخالفته القطعية ولا يخفى ان العقل انما يحكم بحرمة المخالفة ووجوب الموافقة اذ لم يصدر من المولى الترخيص ومع صدور الترخيص ليس له حكم بذلك فحكم العقل في كلا المرحلتين تعليقي قد علق على عدم صدور ترخيص من الشارع في مخالفته. وقياس العلم الاجمالي على التفصيلي لا وجه له لإمكان جعل الترخيص من المولى في الاول لكون المكلف به مجهولا ببعض الاعتبارات بل العلم التفصيلي بالتكليف اذا وجد في المكلف به ما يصلح للعذر صح من المولى رفع تنجزه كالتقيّة والحرج. ولا ريب ان الجهل بالمكلف به في العلم الاجمالي بالتكليف يكون نعم العذر الذي يصح للمولى ان يرفع تنجزه وان شئت قلت ان العلم التفصيلي بالتكليف علة تامة لحكم العقل بحرمة مخالفة التكليف ووجوب موافقته فينافيه اذن الشارع وترخيصه بلا عذر وأما العلم الاجمالي فليس بعلة تامة بل هو علة لحكم العقل بوجوب الموافقة وحرمة المخالفة معلقا على عدم صدور الأذن والترخيص من الشارع.

والحاصل انه في العلم الاجمالي لا يكون بين حكم العقل بالموافقة وعدم جواز المخالفة وبين أذن الشارع في المخالفة تعارض بينهما بل الاذن وارد على حكم العقل كورود دليل الحرمة على أصالة البراءة.

اذا عرفت ذلك فلا مانع من شمول أدلة الاصول لاطراف العلم الاجمالي.

١٢١

ان قلت سلمنا ذلك لكن العقل يمنع منه لانه لا إشكال في مضادة الاحكام بعضها مع بعض فلا بد أن يكون العلم بحكم يمنع من الدليل على مخالفته فالعلم الاجمالي بخلاف مؤدى الاصول الجارية في الاطراف يمنع منها فالعلم الاجمالي بطهارة أحد الإناءين يعاند ويضاد الحكم بنجاستهما المستصحبة لهما لأن الفرض إن العلم الإجمالي قد تعلق بالحكم الذي لو تعلق به العلم التفصيلي لكان حكما حقيقيا تام الحكمية مع ان مؤدى الاستصحابين أو الاستصحابات الجارية في أطراف العلم الاجمالي مضادة له ومغايرة له فيلزم اجتماع الحكمين المتضادين في مورد واحد وهو المورد المتصف واقعا بالحكم المعلوم بالاجمال ومع وجود المضاد الواقعي من الشارع لا يعقل جعله لضده فلا يعقل شمول أدلة الاصول لاطراف العلم الاجمالي.

قلنا اختلاف المرتبة تصحح الجمع فان الاصول حكمها في مرتبة الشك والمعلوم بالاجمال في مرتبة الواقع وهذا هو المحذور الذي ذكره القوم في اجتماع الحكم الظاهري مع الواقعي فما أجبنا به هناك حرفيا نجيب به هنا وقد تقدم منا في أصل البراءة ما ينفعك هنا ويصح الاجتماع من ان للشارع وللمولى أن يجعل في مرتبة الظاهر وهي مرتبة الجهل بالواقع ما هو خلاف الواقع ألا ترى إن للمولى ان يقول لعبده اكرم زيد ثم يقول له اذا لم تعرفه بعينه فلا يجب عليك اكرامه فلو تردد عنده بين اثنين أو ثلاثة ولم يكرمهم واجرى أصل البراءة من وجوب اكرامهم فهل ترى في نفسك ان للمولى ان يعاقب عبده على عدم اكرامهم.

١٢٢

المصدر الرابع والعشرون أصالة تأخر الحادث

والاستصحاب في مجهولي التاريخ

إن الحادث المعلوم وجوده اذا شك في تقدمه وتأخر فأصالة تأخر الحادث تقتضي تأخر حدوثه وهي تارة تجري في الشك في تقدم حدوثه أو تأخر حدوثه بالنسبة الى الزمان الذي علم وجوده فيه وتارة تجري في الشك في تقدم حدوثه وتأخره بالنسبة الى حادث آخر.

أما الكلام في المقام الاول وهو ما اذا حصل القطع بحدوث حادث وشك في زمان حدوثه وان مبدأ حدوثه متقدم على الزمان الذي علم وجوده فيه أو متأخر حدوثه الى الزمان الذي حدث فيه أي شك في وقت حدوثه أنه سابق أو آني كما اذا علمنا بعدالة زيد يوم الجمعة وشككنا في إنها حدثت يوم الخميس أو حدثت يوم الجمعة فأصالة تأخر الحادث الى زمان العلم به تقتضي مبدأ عدالته يوم الجمعة. ومثله ما اذا قطعنا بالهلال في هذه الليلة وشككنا في مبدأ حدوثه في انه هذه الليلة أو قبلها فأصالة تأخر الحادث تقتضي أنه في هذه الليلة وهي بعكس أصالة تشابه الأزمان المسماة بالاستصحاب القهقري وهي كما تجري في الوجوديات كذلك تجري في العدميات كالعمى والجهل والكفر.

ولا دليل لهم على حجية هذا المصدر الذي هو اصالة تأخر الحادث إلا أمران الاستصحاب وبناء العقلاء.

ويورد عليه إن بناء العقلاء غير ثابت وان الاستصحاب ان كان لنفس طبيعة التأخر الزماني للحادث فهو لا يجري لأن نفس التأخر أمر وجودي حادث بحدوث الشيء في زمانه ولا يقين سابق به ، وان كان الاستصحاب لنفس عدم الحادث الى زمان العلم بوجوده

١٢٣

فهو إنما يثبت عدمه الى وقت العلم بوجوده ولا يثبت ان الوقت المذكور هو مبدأ حدوثه فانه لازم عقلي للاستصحاب فاذا قطعنا بوجود عدالة زيد يوم الجمعة وشككنا في إن حدوثها يوم الخميس أو يوم الجمعة فاستصحاب عدم حدوثها الى حد يوم الجمعة يوجب ترتيب الآثار الشرعية لعدمها أو نفي آثارها الشرعية لوجودها الى حد يوم الجمعة ولا يثبت بذلك إنها حدثت يوم الجمعة حتى يرتب الآثار الشرعية لحدوثها في يوم الجمعة لأن ذلك لازم عقلي لعدم الحدوث وقد عرفت إن اللوازم العقلية لا تثبت بالاستصحاب.

وجوابه ان التحقيق ان الحدوث اذا أخذ موضوعا للحكم فالعرف لا يفهم منه إلا أمر مركب من الوجود في الزمان اللاحق وهو محرز بالوجدان ومن عدم الوجود في الزمان السابق على هذا الوجود وهو المحرز بالاصل ولهذا ترى الفقهاء يبنون على أولية اليوم للشهر مع سبقه بيوم الشك لأن أولية الزمان للشهر هو زمان حدوث الشهر فاستصحاب عدم الشهر الى هذا اليوم الذي تيقن به وجود الشهر يثبت ان الشهر حدث هذا اليوم.

والحاصل ان الحدوث الذي هو أولية الوجود انما يرتب عليه الأثر الشرعي لو أخذ في لسان الدليل واذا اخذ في لسان الدليل فالمراد به المعنى العرفي وهو معنى مركب من الوجود للشيء والعدم السابق عليه الى زمان وجوده والاول محرز بالوجدان والثاني محرز بالاصل. نعم لو قلنا بأنه معنى بسيط منتزع من الوجود المسبوق بالعدم أو انه عبارة عن الوجود ذي سابقية العدم عليه بان يكون الوجود المتصف والمقيد بسبق العدم عليه لم يثبت ذلك انه لازم عقلي.

ان قلت ان ذلك معارض باستصحاب عدم مقارنة عدم الحادث للوقت الذي علم وجوده فيه. قلنا ليست المقارنة والاتصال إلا

١٢٤

عبارة عن عدم الحادث الى زمان العلم بوجوده وهذا نظير استصحاب اجزاء المركب وشرائطه مع اجزائه المحرزة بالوجدان ومن هنا يتضح الحال فيما لو علم اجمالا بحدوث الحادث في أحد الزمانين وانعدامه بعد حدوثه في أي واحد منهما كما لو علم إجمالا بحدوث الكرية في يوم الخميس أو يوم الجمعة ولكن لو كانت يوم الخميس فقد انعدمت يوم الجمعة ولو كانت يوم الجمعة انعدمت يوم الخميس فانه يستصحب عدمها الى حد يوم الجمعة باعتبار انه الفرد الطويل لعدمها الذي تيقن بوجوده قبل يوم الخميس وشك في بقائه الى يوم الجمعة ولكنه لا يرتب آثار وجوده وحدوثه يوم الجمعة لعدم احراز وجوده فيه بالوجدان ولا آثار عدمه يوم الجمعة للعلم الاجمالي بحدوثه إما فيه أو في يوم الخميس.

أما الكلام في المقام الثاني أعني ما اذا شك في تأخر حدوث الحادث زمانا أو تقدمه بالنسبة الى الحادث آخر مع العلم بعدم مقارنتهما في مبدأ الحدوث كما لو اقيمت الجمعة في مكانين وكانت المسافة بينهما دون ثلاثة أميال فلم يدر بأي منهما يلحق لشكه في تقدم احداهما على الاخرى فان المتقدمة منهما تكون هي الصحيحة والاخرى فاسدة والاستصحاب المتصور في هذا المقام على وجهين :

الاول ان يكون مجراه نفس عنوان التقدم والتأخر بأن يجري اما في العدم لكل منهما اذا كان له أثر شرعي أو ينفي به أثرا شرعيا وهو لا يصلح لتعارض استصحابي العدم الازلي فيهما للعلم الاجمالي بتقدم احدهما على الآخر بناء على مسلك القوم من المعارض بين الاستصحابين عند العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة ففي المثال يجري استصحاب عدم تقدم أو تأخر احدى الجمعتين على الاخرى فيقع التعارض بينهما فلا تثبت صحة واحدة منهما وتجب عليه صلاة الظهر هذا اذا لم يحتمل تقارنهما وإلّا اذا

١٢٥

احتمل التقارن جرى الاستصحاب لعدم العلم بمخالفة أحدهما للواقع لاحتمال التقارن هذا بالنسبة الى استصحاب العدم للتقدم والتأخر واما استصحاب الوجود لهما أعني وجود عنوان التقدم والتأخر الزماني كما في الامور التدريجية مثل ما لو كان المأموم يعلم سابقا بتقدم أفعال الامام زمنا على افعاله الذي هو شرط صحة الجماعة فاذا شك في بقاء هذا التقدم في اثناء صلاته خلف الامام استصحبه.

وكيف كان فان هذه العناوين وجودا وعدما يجري فيها الاستصحاب اذا جمعت شروطه هذا بالنسبة الى عنوان التقدم والتأخر اذا كان الاثر الشرعي لكل منها وجودا أو عدما وانما اشترطنا العلم بعدم تقارنهما في مبدأ الحدوث لانه اذا احتمل تقارنهما في مبدأ الحدوث فاستصحاب عدم تقدم احدهما على الآخر يجري ولا معارضة بينهما لاحتمال التقارن فيثبت التقارن في مبدأ الحدوث اذا كان الاثر مرتبا على مجرد التقارن والاجتماع في الوجود كما في استصحاب اجزاء المركب وشرائطه بضم استصحاب عدم كل واحد منهما الى زمان العلم بوجودهما. وان كان استصحاب نفس عنوان التقارن في الحدوث لا يصح لانه لا علم لنا به وسابقا بل علم بعدمه الأزلي كما لو شك في تقدم موت الأب على الابن حتى يرث الابن أو تقدم موت الابن على الاب حتى يرث الأب ويحتمل تقارنهما فلا يتعارض الاستصحابان. نعم اذا علم اجمالا بالتقدم أو التأخر دون احتمال التقارن تعارض الاستصحابان للعلم بكذب احدهما فيجري استصحاب عدم تقدم أحدهما على الآخر اذا كان للتقدم والتأخر أثر شرعي وجودا وعدما كما في المثال والاحرى الاستصحاب فيما له الاثر واذا تعارضا فلا أرث لاحدهما من الآخر.

١٢٦

الوجه الثاني ان يكون مجرى الاستصحاب في نفس الحادثين وهو اما ان يكون مجراه الوجود وهو غير صحيح للقطع بوجودهما فعلا وعدم وجودهما سابقا ، واما ان يكون مجراه العدم فان كان الاستصحاب لعدمهما فعلا فهو غير صحيح للعلم بوجودهما فعلا وان كان لعدم كل منهما الى زمان وجود الآخر كما لو علم فعلا بحدوث الكرية للماء وملاقاته للنجاسة ولم يعلم أيهما أسبق وقلنا بأن الماء القليل المتنجس لا يطهر بمتمّميته كرا فيجري استصحاب عدم كل منهما الى ظرف وجود الآخر ومثله ما اذا علم بموت الاب والابن ولم يعلم أيهما المتأخر فان كان المتأخر موت الاب فهو يرث الابن وان كان المتأخر موت الابن فهو يرث الاب إلّا ان الاستصحاب لعدم كل منهما حتى وجود الآخر يتعارض للعلم الاجمالي بأسبقية احدهما حدوثا.

نعم ترتفع المعارضة في ثلاثة موارد أحدها اذا لم يعلم بالاسبقية في الحدوث واحتمل التقارن والاجتماع في الحدوث فقد عرفت انه يجري استصحاب عدم كل منهما الى زمان العلم بوجودهما ويثبت تقارنهما في الوجود واجتماعهما في الوجود بواسطة استصحاب العدم الازلي لكل منهما الى زمان العلم بوجودهما والعلم الوجداني بوجودهما وهو التقارن ففي المثالين اذا لم يعلم بأسبقية الكرية أو الملاقاة واحتمل حدوثهما معا فاستصحاب العدم الازلي لهما مع العلم الوجداني بوجودهما يثبت تقارنهما في الحدوث وعدم الاسبقية لاحدهما على الآخر وكذا اذا لم يعلم بأسبقية موت الاب أو موت الابن واحتمل تقارنهما فاستصحاب عدم الموت لكل منهما مع العلم الوجداني بموتهما يثبت تقارنهما في الحدوث وعدم الاسبقية لاحدهما على الآخر اذا قلنا ان عدم الاسبقية هو عبارة عن التقارن في الوجود.

١٢٧

(ثانيها) اذا لم يكن أثر شرعي للحادث في زمان الحادث الآخر حتى ينفى باستصحاب عدم ذلك الحادث ولا أثر شرعي لعدمه حتى يثبت باستصحاب ذلك العدم كما في صورة ما اذا طلق زوجته وعقد عليها شخص آخر وعلم بأن أحدهما مقدم على الآخر ولكن غير معين هل الطلاق أو العقد فان استصحاب عدم طلاق زوجته حتى حين عقد الغير عليها له أثر شرعي وهو فساد عقد الغير عليها وصحة عدم وطئه لها. واما استصحاب عدم عقد الغير عليها الى حين زمان طلاقها فلا أثر شرعي له فلا يجري حتى يعارض استصحاب عدم الطلاق اذ لا ريب ان الاستصحاب اذا لم يثبت به أثر شرعي ولم ينفه لا يجري لان الاستصحاب يقتضي حرمة النقض ، والنقض انما يكون مع وجود الاثر الشرعي او نفيه اذ مع عدم الاثر الشرعي لا يتصور النقض ولا يتحقق مع ان الاستصحاب هو الزام الشارع بالبقاء عملا ولا معنى لالزامه ببقاء الشيء في الواقع من دون عمل لأن الشيء في الواقع لو كان غير باق في الواقع لا يمكن الالزام به كذلك وان كان باقيا فهو باق بنفسه فلا حاجة للالزام به فلا بد أن يكون مراد الشارع من إلزام بالبقاء هو ترتيب آثار البقاء في مقام العمل وهو انما اذا كان للشيء أثر شرعي أو كان بنفسه أثرا شرعيا اذ ليس للشارع بما هو شارع أن يلزم بالبقاء في غير حدود دائرته وافقه.

ثالثها اذا لم يكن احدهما معلوما تاريخ حدوثه فانه لا يكون تعارضا في الاستصحاب لان معلوم التأريخ لما علم تأريخ حدوثه لم يكن شك في تاريخ وجوده ولا عدمه اذ قبل زمان حدوثه معلوم زمان عدمه وبعد حدوثه معلوم زمان حدوثه ووجوده فلا شك في وجوده ولا عدمه حتى يستصحب وحينئذ يجري استصحاب عدم مجهول التأريخ الى زمان معلوم التأريخ فيثبت الموضوع المركب من عدم

١٢٨

مجهول التأريخ ومن وجود معلوم التأريخ والجزء الاول بالاستصحاب والجزء الثاني بالوجدان فمثلا لو شك في تقدم موت الابن على موت الاب أو تأخره عنه ولكن علم تاريخ موت الابن يوم الجمعة وجهل تاريخ موت الاب فانه يستصحب عدم موت الاب حتى حين موت الابن وهو يوم الجمعة فيثبت عدم موت الاب بالاستصحاب الى يوم الجمعة وموت الابن بالوجدان يوم الجمعة فيرث الأب ولا يستصحب عدم موت الابن لان عدم موته قبل الجمعة معلوم وفي الجمعة معلوم الموت فلا شك في موته حتى يستصحب عدمه أو بقاءه.

وما يتوهم من ان معلومية معلوم التأريخ إنما كانت بالنسبة الى أجزاء الزمان واما بالنسبة الى زمان حدوث مجهول التأريخ فحدوثه مشكوك فيه انه قبله أو بعده فيستصحب عدمه بهذا الاعتبار فيعارض استصحاب عدم مجهول التأريخ ويتساقطان وبعبارة اخرى عدم الحادث المعلوم يستصحب بالاضافة الى حدوث الآخر المجهول للشك في انه قبله او بعده ففي المثال موت الابن معلوم بالنسبة الى اجزاء الزمان وانه يوم الجمعة واما بالنسبة الى موت أبيه فهو مشكوك فيه بانه قبل موت أبيه أو بعده أو مقارن له فيجري استصحاب عدم موت الابن الى ما بعد موت أبيه فيتعارض مع استصحاب عدم موت الاب الى ما بعد موت الابن.

وقد اجيب عنه بتوضيح منا بانه ان أريد باستصحاب عدم المعلوم التاريخ حتى زمان مجهول التأريخ هو لحاظ عدم وجود المعلوم بالاضافة الى المجهول على وجه يكون زمان المجهول ظرفا وزمانا محضا لعدم المعلوم فهو عبارة عن لحاظ المعلوم بالاضافة الى اجزاء الزمان وقد عرفت انه معلوم الحال بالنسبة اليها ولا يشك فيه حتى يستصحب بان يكون في المثال المذكور المراد استصحاب

١٢٩

عدم موت الابن المعلوم أنه يوم الجمعة حتى زمان موت الأب المجهول وقته على وجه يلحظ فيه زمان موت الاب المجهول ظرفا وزمانا محضا لعدم موت الابن المستصحب فهو لا وجه له لان عدم موت الابن معلوم حاله في سائر أجزاء الزمان. وان أريد به لحاظ عدم المعلوم بالاضافة الى المجهول على نحو يكون هذا العدم مقيدا بكونه حين وجود المجهول فهو ليس له حالة سابقة متيقنة حتى يستصحب بان يكون في المثال المذكور المراد استصحاب عدم موت الابن الذي علم انه يوم الجمعة مقيدا هذا العدم بكونه في ظرف موت الاب المجهول وقته بان يستصحب عدم موت الابن بقيد كونه في ظرف موت الأب فهو باطل لانه ليس له حالة سابقة متيقنة عندنا حتى يستصحب واستصحاب العدم الازلي إنما يتصور بلحاظ نفس الزمان وقد عرفت ان عدم المعلوم بالنسبة الى نفس الزمان غير مشكوك فيه.

والحاصل انا نستصحب عدم مجهول التأريخ الى نفس الزمان والظرف الذي حدث فيه معلوم التاريخ فيحرز مقارنة عدم مجهول التأريخ مع حدوث معلومه بالاصل والوجدان ولا يصح استصحاب عدم معلوم التأريخ الى زمان ظرف حدوث مجهول التأريخ لانه معلوم الحال في سائر اجزاء الزمان.

وقد أورد على هذا الجواب جملة من المعاصرين بان معلوم التأريخ اذا لوحظ الى نفس أجزاء الزمان كان الامر كذلك من كونه معلوما حاله ولكن محل كلامنا هو لحاظه بالنسبة الى ظرف الحادث الآخر المجهول تاريخه ولا ريب ان معلوم التأريخ بالنسبة الى ظرف مجهول التاريخ مشكوك حاله لعدم العلم بتقدمه عليه أو تأخره فان موت الابن المعلوم يوم الجمعة اذا لوحظ بالنسبة الى نفس الزمان لم يكن مجهولا حاله ولكنه اذا لوحظ بالنسبة الى موت الأب الذي

١٣٠

هو مجهول وقته يكون ايضا مجهولا حاله لعدم العلم بتقدمه على موت الاب أو تأخره عنه فيستصحب عدم موت الابن الى زمان موت الاب كما يستصحب عدم موت الاب الى زمان موت الابن فيقع التعارض وهكذا الكلام في أمثاله إلّا اذا كان احد الاستصحابين لا أثر شرعي له. والانصاف ان معلوم التأريخ لا يجري في عدمه بالاضافة الى الحادث الآخر للاستصحاب لان معلوم التأريخ كان معلوما انه منطبق على قطعة خاصة من الزمان فكما ان كل قطعة من الزمان لا يجري استصحاب عدمها بالنسبة الى الحادث الذي يجهل تقدمه عليها أو تأخره عنها مع انها تكون مشكوكة التقدم والتأخر بالنسبة اليه وإنما يجري عدم الحادث بالنسبة اليها فكذلك ما كان منطبقا عليها ففي المثال المتقدم يوم الجمعة لا يستصحب عدمه الى زمان موت الاب مع انه مشكوك تقدم موت الاب عليه أو تأخره عنه كذلك موت الابن المعلوم وقوعه في يوم الجمعة لانه يكون كنفس الزمان فانه لو تم ذلك لما جرى استصحاب اي حادث شك في تقدمه على قطعة من الزمان أو تأخره عنها لأنه على ما ذكره الخصم يكون معارضا باستصحاب عدم تلك القطعة من الزمان بالنسبة اليه لأن الشك المذكور يولد الشك في تقدم تلك القطعة من الزمن على ذلك الحادث أو تأخرها عنه فمثلا نستصحب عدم موت زيد الى يوم الجمعة عند ما نشك في ان موته وقع يوم الجمعة أو يوم السبت فيثبت عدم موته يوم الجمعة وعلى ما ذكره الخصم يكون معارضا باستصحاب عدم يوم الجمعة عند عدم موته لأن موته كان مرددا في أنه يوم الجمعة أو يوم السبت فلا يعلم إنه بعد يوم الجمعة أو في يومها ولازم ذلك هو الشك في تقدم يوم الجمعة على موته أو إنه فيها ، ومثله لو شك في انه أجنب يوم الجمعة أو السبت فانه يستصحب عدم جنابته حتى يوم الجمعة

١٣١

ولكن على ما ذكره الخصم يكون معارضا باستصحاب عدم يوم الجمعة في زمان عدم جنابته لشكه في تقدمه على عدم الجنابة أو تأخره عنه. والسر في ذلك ان الاستصحاب انما يكون فيما اذا كان هناك شك في البقاء زمانا للشيء كما هو المتيقن من أدلته وفي معلوم التأريخ ليس الشك في استمرار زمانه وجودا أو عدما لمعلومية ذلك وانما الشك كان في تقدمه على الحادث المجهول التأريخ أو تأخره عنه ولا ريب ان استصحاب عدم معلوم التأريخ لا يوجب استمرارية ذلك العدم الى زمان وجود مجهول التأريخ كما ان عدم استصحابه لا يوجب نقصان زمانه ، وان شئت قلت إن الأثر الشرعي مرتب على المقارنة الزمانية بين عدم أحدهما وبين وجود الآخر وحيث ان معلوم التأريخ معلوم زمانه وحاله فلا مجال لاستصحابه زمانا لإثبات المقارنة بخلاف استصحاب المجهول للشك في استمرار وجوده زمانا فيستصحب عدمه ويثبت مقارنته زمانا لوجود المعلوم.

ودعوى استصحاب العدم لمعلوم التأريخ حتى زمان مجهول التأريخ الواقعي فيثبت مقارنته. فاسدة لما عرفت من ان استصحاب العدم للمعلوم التأريخ ان كان بقيد انه مقارن للوجود الواقعي للمجهول التأريخ فليس له حالة سابقة وان كان لا بهذا القيد بل يكون استصحابا للعدم الأزلي الى زمان وظرف الوجود الواقعي لمجهول التأريخ ليثبت مقارنته له في زمانه وظرفه فهو لا يصح لعدم الشك في معلوم التأريخ طول الزمان الذي ولد فيه مجهول التاريخ من أوله الى آخره فان معلوم التأريخ في هذه القطعة من الزمان والظرف إما معلوم العدم أو معلوم الوجود وأما جهل التقدم والتأخر على مجهول التأريخ فليس من وظيفة الاستصحاب ازالته فلا يثبت التقدم على شيء والتأخر عنه أو

١٣٢

المقارنة له وانما يثبت الاستمرار زمانا للمستصحب واذا ثبتت بالاستصحاب المقارنة فمن جهة العلم الوجداني بالشيء واستصحاب العدم للشيء الآخر وإلا فالاستصحاب لا يثبت المقارنة.

والحاصل إن معلوم التأريخ كل قطعة من الزمان معلوم حاله وجودا وعدما فلا زمان يتحقق فيه استمراره يكون مشكوكا حاله حتى يطلب استمراره فيه بالاستصحاب واستصحاب عدمه الى زمن وجود مجهول التأريخ لا ينفع في زمان الشك وهو يوم الجمعة لأن زمن مجهول التأريخ مشكوك انه يوم الجمعة أو غيره فلا يثبت به في هذا اليوم عدم معلوم التأريخ عند وجود الجمعة حتى يعارض استصحاب عدم مجهول التأريخ في يوم الجمعة الذي يثبت به عدم المجهول للشك فيه مع وجود المعلوم التأريخ للعلم بوجوده يوم الجمعة على ان من يشترط في الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين يرى ان زمان اليقين السابق غير متصل بزمان الشك في وجوده في ظرف مجهول التأريخ.

استصحاب مجهول التأريخ وجودا أو عدما

ان الحادث المجهول التأريخ حدوثه تارة يلحظ بالنسبة الى نفس الزمان كأن لا يعلم حدوثه هذا اليوم أو بعده فالذي يجري فيه هو استصحاب عدمه الأزلي الى ما بعد ذلك اليوم ويثبت بالاستصحاب الآثار الشرعية لعدمه الى ما بعد ذلك اليوم ويثبت بذلك الاستصحاب نفي آثار وجوده الى ما بعد ذلك اليوم ولا يثبت بالاستصحاب المذكور حدوثه بعد ذلك اليوم اذا قلنا بأن الحدوث أمر بسيط فانه اذ ذاك يكون لازما عقليا لاستصحاب عدمه والاستصحاب لا يثبت اللوازم العقلية للمستصحب. واما لو قلنا بان حدوث الشيء أمر مركب من جزءين أحدهما العدم المستمر الى زمان وجوده والثاني وجوده فيكون الحدوث

١٣٣

محرزا لأن جزءه الاول قد احرز بالاستصحاب وجزءه الثاني بالوجدان.

ولتوضيح الحال نضرب لك المثال بمن علم في يوم الاربعاء بوجود شهر رمضان في يوم الخميس باكمال العدة وشك في وجوده يوم الاربعاء فانه يستصحب عدم وجوده الى زمان العلم بوجوده وهو يوم الخميس ويرتب الآثار الشرعية لعدم وجوده فيما قبل يوم الخميس من جواز الأكل والوطء ونحو ذلك وينفي بهذا الاستصحاب آثار وجود شهر رمضان كالقضاء والكفارة لإفطاره يوم الاربعاء لأن استصحاب عدم الوجود ينفي به آثار الوجود ويثبت به حدوث شهر رمضان يوم الخميس لأن الحدوث كما عرفت عبارة عن استمرار العدم الى زمان الوجود وبالاستصحاب للعدم الأزلي لشهر رمضان الى زمن وجوده يوم الخميس فيثبت حدوثه في يوم الخميس لأن زمان الحدوث للشيء هو زمان الوجود بعد العدم ويكون يوم الخميس هو اليوم الأول من حدوث شهر رمضان فيرتب عليه آثاره من الأعمال والأدعية لذلك اليوم والصوم فيه. وتارة يلحظ بالنسبة الى حادث آخر مجهول أيضا تأريخه بحيث علم بحدوثهما وان أحدهما أسبق من الآخر حدوثا كما في المثال المذكور فيما اذا كان حدوث الكرية للماء القليل وملاقاته للنجاسة مجهولا تاريخ حدوثهما لا يعلم أيهما أسبق حدوثا فتارة يحتمل تقارنهما في الحدوث فان كان الأثر الشرعي لأسبقية عدم احدهما على الآخر فذهب بعض اساتذة العصر حفظه الله الى انه يستصحب عدم الأسبقية لكل منهما وينفي أثرها الشرعي ولا تكاذب بين الاستصحابين لاحتمال التقارن في الحدوث كما لو باع المرتهن الرهن واجاز الراهن البيع وشك في أسبقية احدهما على الآخر أو تقارنا فان كانت الاجازة قبل البيع صح البيع

١٣٤

وان كانت بعد البيع بطل البيع فاستصحاب عدم سبق أحدهما للآخر جار من كل منهما لاحتمال تقارنهما ومع العلم الاجمالي بسبق أحدهما ولم يحتمل تقارنهما يتعارض الاستصحابان لتكاذبهما أو للقطع بالمخالفة القطعية ولا يخفى ما فيه فان الأسبقية معنى اضافي وصفي قائم بين الشيئين السابق والمسبوق ومثلها التأخر فعدمها الأزلي هو انما كان بعدم طرفيها فاذا وجد أحد طرفيها زال ذلك العدم وتبدل بعدم طرف واحد وعليه فيكون العدم الأزلي للأسبقية الذي هو المتيقن سابقا قد زال قطعا بعد حدوث الحادث والمراد اثباته هو عدم الأسبقية الوصفي لحدوث الحادث وهو غير متيقن سابقا وبتوجيه آخر ان الأعدام للأوصاف اللازمة للأشياء لا يصح استصحابها لأن المراد اثباته لها هو العدم الوصفي وهو في الأزل كان عدم بعدم الموضوع والعدم الوصفي هو العدم بعدم الوصف ففي الأزل عدم الربط والمراد اثباته هو ربط العدم فيما نحن فيه ان المستصحب ان كان عدم الأسبقية الأزلي فهو انما كان بانتفاء موضوعه وهو عدم الربط بين الأسبقية وبين حدوث الحادث وليس المراد اثباته وان كان المستصحب هو عدم الأسبقية الوصفي الاضافي للحدوث فهو لم يحرز اذ ليس لنا يقين سابقا بعدم اسبقية الحدوث عند حدوث الآخر ، وان شئت قلت ان العدم الازلي هو عدم الربط بعدم الموضوع والعدم المراد اثباته هو العدم الوصفي لهذا الحدوث أي عدم سبق هذا الحدوث على حدوث الآخر وهو ربط العدم ومن المعلوم ان عدم الربط غير ربط العدم نظير ما يقال في المرأة التي يشك في كونها قرشية فانه لا يصح استصحاب عدم قرشيتها لأن عدم قرشيتها السابق الأزلي هو العدم بعدم الموضوع والمراد اثباته هو العدم الوصفي المحمولي لهذه المرأة الموجودة

١٣٥

المشكوكة حيضيتها لأنه الذي رتب عليه الأثر الشرعي وهو غير متيقن ثبوته لهذه المرأة حتى يستصحب لوجودها وهكذا الكلام في الأوصاف الملازمة لموضوعاتها من حين وجودها فانه لا يصح استصحاب عدمها لأفراد طبيعتها وهكذا لا يصح استصحاب عدم الزوجية للعدد الموجود اذا شك في زوجيته وفرديته وان كان الأثر لنفس عدم احدهما في زمان حدوث الآخر لا لأسبقيته عليه فتارة يحتمل تقارن حدوث أحدهما وحدوث الآخر فيصح استصحاب عدم كل منهما الى زمان حدوث الآخر لعدم تكاذبهما لاحتمال تقارنهما في الوجود. وتارة لا يحتمل تقارنهما فيكون استصحاب عدم كل منهما الى زمان وجود الآخر بينهما تعارض على رأي المرحوم الشيخ الأنصاري وجمهور العلماء لتكاذبهما ففي المثال المذكور استصحاب عدم الكرية الى زمن حدوث الملاقاة معارض بزمان عدم حدوث الملاقاة الى زمن الكرية لتكاذبهما وذهب صاحب الكفاية الى عدم جريان الاستصحاب في نفسه مع قطع النظر عن المعارضة فيكون محل البحث في هذا الموضوع هو صورة ما اذا كان الحادثان مجهولي التأريخ لا يعلم أيهما أسبق من الآخر حدوثا مع العلم بعدم تقارنهما في الحدوث وكان لكل واحد منهما أثر شرعي وجودا أو عدما في زمان الآخر كما في المثال المتقدم من العلم الاجمالي بحدوث الملاقاة للنجاسة والكرية في الماء القليل المجهول تقدم أحدهما على زمان الآخر حتى يثبت طهارته باستصحاب عدم الملاقاة الى زمان الكرية ونجاسته باستصحاب عدم الكرية الى زمان الملاقاة وكما لو علم بموت الأب والابن ولكن لم يعلم أي منهما متقدم عدمه على زمان الآخر حتى يثبت عدم ارثه له فيكون في هذه الصورة يسقط كلا الاستصحابين استصحاب عدم أحدهما الى زمان الآخر واستصحاب عدم الآخر الى زمان الأول على كلا

١٣٦

الرأيين أما على رأي الشيخ الانصاري فلأجل التعارض وهو واضح لتكاذبهما وللمخالفة القطعية كما هو رأي الأكثر وأمّا على رأي صاحب الكفاية فلأجل عدم جريان الاستصحاب فيهما بعدم احراز شرط من شروطه وهو اتصال زمان الشك بزمان اليقين ويحتاج بيان ذلك وتوضيحه الى بيان أمرين :

أحدهما ان من شرط الاستصحاب هو ذلك.

والثاني ان هذا الشرط ليس بمحرز في المقام.

أما الأول وهو ان من شرط جريان الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين فلأنه لو كان منفصلا عنه لكان الشك غير متعلق ببقاء المتيقن بل بوجود آخر له منقطع عنه ولذا من تيقن الطهارة وعلم بالنجاسة بعدها ثم شك في طهارته بعد النجاسة فان الطهارة المشكوكة لم تكن استمرارا وبقاء للطهارة المتيقنة بل هي طهارة غيرها وكان الشك غير متعلق بما تعلق به اليقين فلم يكن عدم ترتب الاثر عليها نقضا لليقين بالطهارة السابقة ، هذا مضافا الى ان أدلة حجية الاستصحاب تقتضي اعتبار هذا الشرط لأن القدر المتيقن من بناء العقلاء والذي يوجب الظن بالبقاء والذي يكون عدم الأخذ بالحالة السابقة فيه نقضا لليقين السابق هو ما كان زمان المشكوك متصلا بزمان المتيقن. وعليه فتكون أدلة الاستصحاب قاصرة عن الشمول لموارد عدم الاتصال ولا ريب انه مع فقد الشرط للاستصحاب أو عدم احرازه لا يصح التمسك به والأخذ به.

وأما الأمر الثاني وهي ان الشرط المذكور أعني اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن غير محرز في المقام فلأن ظرف العدم هو وجود الحدث الآخر ووجود الآخر كان مجهولا لا ندري انه هو الاسبق والمتصل بزمان اليقين أو هو المتأخر فيكون المنفصل عن

١٣٧

زمان اليقين فنحن نحتاج الى أزمنة ثلاثة الأول زمان العدم الأزلي لكلا حادثي الزمان الثاني هو حدوث أحدهما بلا تعيين الزمان الثالث هو حدوث الآخر بلا تعيين ففي المثال المذكور نفرض ان زمان العدم الأزلي لكلا الحادثين أعني زمان قلة الماء هو يوم الأربعاء فعدم الملاقاة وعدم الكرية كلا متيقن يوم الأربعاء والزمان الثاني الذي فرضنا العلم بحدوث أحدهما لا بعينه هو يوم الخميس والزمان الثالث هو العلم بحدوث الآخر لا بعينه يوم الجمعة فاستصحاب عدم أحدهما أي عدم الكرية في المثال الى زمان حدوث الملاقاة لم يحرز انه متصل بزمان اليقين السابق لأنه زمان حدوث الملاقاة مردد بين الخميس والجمعة فان كان يوم الجمعة فهو لم يتصل زمان الشك بزمان اليقين لأن زمان اليقين بالعدم هو يوم الأربعاء وزمان الشك يحتمل انه يوم الجمعة فيكون الفاصل هو يوم الخميس وهكذا الكلام في استصحاب عدم الملاقاة الى زمان الكرية فلا مجال للتمسك بالاستصحاب لعدم احراز شمول الأدلة قال الاستاذ الشيخ كاظم الشيرازي. «ويظهر هذا الاشكال بل اوضح ما قد يقال في الفرع المعروف من انه لو رأى في ثوبه منيّا يعلم انه خرج منه ولا يعلم انه من جنابة اغتسل منها صبحا أو من جنابة جديدة حدثت عصرا فاستصحاب الجنابة الواقعة حين خروج هذا المني على الثوب تامة اركانه من اليقين السابق حين خروج هذا المني على هذا الثوب والشك فعلا بها لأحتمال ان التطهير قبلها لكن لم يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين لاحتمال ان اليقين بالطهارة وقع بينهما ثم لا يخفى ان الكلام كما يجري في عدم مجهولي التأريخ باستصحاب عدم أحدهما الى زمن حدوث الآخر كما تقدم من مثال الملاقاة والكرية يمكن اجراؤه في وجودهما باستصحاب وجود أحدهما الى زمن عدم الآخر

١٣٨

فيما اذا سبق العلم بوجودهما معا ثم علم إجمالا بعدم احدهما لا على التعيين ثم علم بعد ذلك بعدمهما معا كما لو علم بحياة الأب والابن ثم علم بعدم حياة احدهما ثم علم بعد ذلك بعدم حياتهما فان استصحاب حياة الاب الى حين موت الابن معارض باستصحاب حياة الابن الى حين عدم حياة الاب.

ويمكن الجواب عن ايراد صاحب الكفاية بأن تردد طرف الشك بين المتصل باليقين السابق وبين المنفصل عنه يوجب اتصال زمان الشك بزمان اليقين لأن الشك في حصول الشك بالشيء شك في الشيء فمن شك بأنه حصل له الشك بين الركعتين والثلاث كان شاكا بين الاثنتين والثلاث وليس اتصال زمان الشك باليقين شرطيته للاستصحاب أزيد من شرطية نفس الشك بالبقاء في الاستصحاب وفي المقام كان اليقين بالعدم في الزمان الاول ونشك في بقاء هذا العدم الى زمان وجود الآخر شكا متصلا به غاية الامر كان منشأ الشك هو تردد وجود الآخر بين الزمان الثاني وبين الزمان الثالث فانه على أحد التقديرين يكون العدم باقيا في زمان وجود الآخر وعلى التقدير الثاني غير باق فحصل الشك في بقائه وسائر الاستصحابات يكون الأمر فيها كذلك فان الشك في بقاء المتيقن فيها إنما يكون اذا كان يحتمل بقاء المتيقن فيها ويحتمل عدم بقائه ألا ترى أنه من كان على يقين بالطهارة أو نحوها ثم شك في حصول الشك له في بقائها استصحب البقاء لها لأنه في الحقيقة يكون شكه في حصول الشك في بقائها يرجع الى الشك الحالي في نفس بقائها اذ لو لم يحصل له الشك لحصل له عدم الشك وهو اليقين أما بالوجود أو بالعدم لاستحالة ارتفاع النقيضين ولا ريب في عدم حصول اليقين له بل لو تم ما ذكره صاحب الكفاية للزم عدم جريان الاستصحاب في أغلب الموارد لأنه طالما يكون الشك

١٣٩

في البقاء غير محرز ظرفه فمن تيقن بالطهارة أول الفجر ثم عند الظهر شك فيها ولكنه لم يحرز إن شكه فيها قد حدث في الفجر أو في الضحى أو في الظهر فانه لا إشكال في صحة استصحابه للطهارة وما ذاك إلا من جهة إن تردد ظرف الشك يوجب حصول الشك في الشيء في سائر تلك الظروف وفي المقام حتى في الزمن الثالث الذي هو زمن اليقين بهما هو شاك في إن أي واحد منهما عدمه باق مع حدوث الآخر في الزمان الثاني.

والحاصل أنه قد عرفت ان في المقام أزمنة ثلاثة :

الاول زمان اليقين بعدم الحادثين كعدمي الكرية والملاقاة في المثال المتقدم.

الزمان الثاني هو العلم بحدوث أحدهما لا على التعيين.

الزمان الثالث هو العلم بحدوث الآخر كذلك أي لا على التعيين وقد حصل فيه الشك في بقاء العدم السابق لأحدهما في ظرف حدوث الآخر منهما فالزمان الثاني والزمان الثالث هذا الشك موجود فيه فعلا فيستصحب العدم لأحدهما الى ظرف حدوث الآخر وعليه فيثبت الأثر الشرعي المرتب على العدم لأحدهما

ما يشكل على استصحاب مجهول التاريخ : ـ

لا يخفى انه قد اشكل على استصحاب مجهول التاريخ غير ما أورده صاحب الكفاية باشكالات :

الاشكال الاول ان الاستصحاب لعدم مجهولي التأريخ من الاستصحاب الفرد الطويل الذي لا تقول به لأن الشك هنا في إن الفرد لعدم الحادث هو الفرد الطويل أو القصير والاستصحاب لا يجري فيه. ولا يخفى ما فيه فان هذا شك في استمرار وبقاء شخص العدم الواحد كما يشك في استمرار وجود زيد.

١٤٠