مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ١

الشيخ علي كاشف الغطاء

مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي كاشف الغطاء


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة الآداب
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

تقريرا لهم على ما أجمعوا عليه والتقرير نعم الدليل.

الثالث : ما في الرواية من قوله (ع) : «إن المجمع عليه لا ريب فيه».

الرابع : ما دل من إن الأرض لا تخلو من حجة ينتفع به «إن زاد المؤمنون شيئا ردهم» ، ويمكن ان يناقش في صحة هذه الطريقة بما عرفته من عدم تمامية الصغرى لعدم إحراز الاتفاق من جميع العلماء.

وأما الكبرى وهو حجية هذا الاتفاق فباطلة لأن الحجية إن كان من جهة قاعدة اللطف فاللطف الواجب على الله هو وجود المعصوم ، ووجوب إرشاده وردعه هو من شئون إمامته وتوابعها وهو إنما يجب عليه لا على الله تعالى نعم لو خالف (وحاشاه) استحق العقاب ولا ريب إنما يجب عليه إذا اقتضته المصلحة ولم يكن مانع عنه ولعل المصلحة تقتضي الاجماع من العلماء على الحكم الظاهري لا الواقعي في عصر المجمعين ومع هذا الاحتمال لا يحصل القطع بموافقة الاجماع.

هذا مع أن اللطف إنما يجب على الله إذا لم يمنع منه المتلطف عليهم إما مع منعهم وصدهم عنه مع كمال عقولهم فلا يجب على المتلطف فعله بل لعله لا يحسن فعله ، فإن الاكرام للانسان حسن لكن إذا منع منه المتكرم عليه أو لا يمكن المحسن ان يصل اليه وصد عنه لا يحسن وهنا أن النبي (ص) أو الامام قد منعا من الوصول اليهما والاستفادة منهما العباد أما النبى (ص) فقد منع من وصوله لهم الموت وأما الأئمة بعده عند الشيعة فقد كان الامام منهم مستتر بإمامته لا يمكنه الوصول اليهم خوفا على نفسه حتى ألجئوه إلى الاستتار بإمامته فلا يجب عليه إظهار نفسه خوفا عليها ولا إبداء رأيه مع الجهل بشخصه إذ لا أثر

٢١

له ولم يعرف عند ذا فقاهته.

على أن اللطف إنما يقتضي نصب النبي (ص) أو الامام وأدائهم الرسالة على الوجه المتعارف وهم أدوا ذلك على النحو المطلوب منهم ولا يقتضي اللطف أزيد من ذلك بحيث يكون على النبي (ص) أو الامام إرشاد كل جاهل وردع كل مشتبه ولو بطريق السر وإلا لما وقع الاختلاف بين الفقهاء ولأصبح كل مجتهد مصيبا لأن المعصوم بحسب ما هو عليه من القوى الخارقة للعادة يتمكن من الوصول لكل أحد ويقنعه بالنحو الخارق للعادة فلو كان الواجب عليه هو الردع والاقناع ولو بالطرق الخارقة للعادة لما أفتى مجتهد بخلاف الواقع.

وإما حجية الكبرى ان كانت من جهة تقرير المعصوم فتقرير المعصوم إنما يكون مع حضوره ومعرفته بشخصه ولم يكن مانع عن ردعه ردعا بحسب المتعارف فيكون ذلك كاشفا عن رضاه ورأيه إما مع تستره وعدم تمكنه من إبراز شخصه والردع عن ذلك بنحو المتعارف كما في زمن الغيبة عند الشيعة فلا يكون عدم ردعه كاشفا عن رضاه.

وأما إن كان حجية الكبرى من جهة قوله (ع) في المقبولة : «إن المجمع عليه لا ريب فيه». فالظاهر إن المراد به الرواية المجمع عليها كما هو محط نظر الرواية سؤالا وجوبا.

وأما إن كان حجية الكبرى من جهة الروايات المذكورة ففيه : أولا : أن المراد هو ردع الامام لهم بالوجه المعتاد بأن يكون بالاسباب العادية كما هو المتبادر من إطلاقه وهذا لا يوجد في زمن الغيبة وأما في زمن الحضور فقد عرفت إمكان تحققه لإمكان العلم برأي المعصوم وإما المراد بالانتفاع بالإمام عند استتاره هو الانتفاع

٢٢

بفيوضاته القدسية وإفاضاته الروحية كما يدل عليه ما في تلك الأخبار من أن الانتفاع به وهو غائب كالانتفاع بالشمس إذا سترها السحاب هذا مع احتمال أن المراد بهذه الأخبار هو الردع والمساعدة فيما إذا أوجب تركهما انهدام الشرع وكسر بيضة الإسلام كما لوقعت شبهة في نفوس المسلمين أو في الطائفة المحقة منهم يخاف عليهم منها رجوعهم عن الحق فيجب إذ ذاك على الامام المستور هو ردعهم عنها ومساعدتهم على دفعها ولو بالوجه الغير المتعارف.

الطريق الثالث : من طرق تحصيل الاجماع الذي هو حجة ما سلكه كثير من المتأخرين وهو أن الاجماع اتفاق جماعة يكشف حدسا عن رضاء المعصوم ولا فرق فيه بين كون المجمعين جميعا من عدا الامام أو بعضهم ولا بين كونهم خصوص العلماء أو غيرهم أو الملفق منهم ولا بين كونهم أحياء أو أمواتا أو الملفق منهم ولا بين زمن الحضور والغيبة ولا بين العلم بخروج شخص الإمام عن المجمعين أو الشك في ذلك نعم يعتبر عدم العلم بدخول شخص المعصوم فيهم أو قوله في أقوالهم : إذ يخرج بذلك عن هذا المسلك ويدخل في الطريق الأول والمسلك الأول. ولا بين كونهم في عصر واحد وعدمه ولا بين وجود مجهول النسب فيهم وعدمه ولا بين كون المجمع عليه حكما شرعيا أو غيره إذ يمكن استظهار رأي رئيس كل فن من اتفاق آراء جماعة من أهله وصحبه وهذا المسلك هو العمدة في الاجماع لإثبات الاحكام عند المتأخرين لما عرفت من عدم تحقق الاطلاع عادة على الاجماع على الاول وعدم ثبوت الطريق الثاني وقد عزي القول به إلى معظم المحققين بل قد يدعى إن مدار دعوى الإجماع في لسان المتأخرين على ذلك وكيف كان فالكلام في ذلك كسابقيه يقع تارة في الصغرى

٢٣

وان به الكشف عن رأي المعصوم والشرع وأخرى في الكبرى وفي أن هذا الكشف هل هو حجة أم لا. فنقول والله المستعان.

أما الصغرى فالكلام فيها في إثبات إمكان الاستكشاف عن رضى المعصوم والمشرع ووقوعه ، والإنصاف إن إمكان الاستكشاف مما لا ينبغي التأمل فيه لأن أساطين العلماء الاذكياء الأتقياء مع تباين أفكارهم وتفاوت أنظارهم واختلاف قريحتهم وكونهم منقطعين في معرفتهم إلى المشرع متحرزين عن الكذب عليه باذلين جهودهم في تحصيل الحكم الشرعي منه إذا اتفقوا في حكم من الاحكام على أنه حكم الشرع للواصل إليهم من الشارع يحصل لنا العلم بأنه كذلك كما نشاهد ذلك بالوجدان في نفوسنا في المسائل اللغوية والعلوم الادبية فإن اتفاق أربابها على حكم مسألة مع ما هم عليه من النزاع في غير ذلك يوجب العلم والقطع بحكمها اللغوي والأدبي هذا بحسب الإمكان وأما بحسب الوقوع فنقول أن حصول العلم برأي المشرع من اتفاق جماعة حدسا انه قد يقع لأحد دون آخر أو في حال دون حال أو وقت دون وقت ونحو ذلك حسب اختلاف الناس في الحدسيات من حيث قوة الذهن وعدمها فان الحدس الذهني يختلف ضعفا وقوة بحسب الاشخاص والظروف والاحوال ألا ترى أن الانسان لو دخل مكانا وفيه علماء تابعين لأبي حنيفة أو الشافعي أو غيرهما ورأى أن هؤلاء العلماء في صلاتهم يقولون آمين أو ذكروا له إن قول إمامنا وجوب التأمين بعد الحمد فهل يشك في أن رأي إمامهم بخلاف ذلك؟

وبالجملة اتفاق اهل الرجل وأصحابه واتباعه ومقلديه على أمر يمكن أن يكشف كشفا قطعيا عن رأي ذلك الرجل وتحقق أمثال هذا في أمثال زماننا غير عزيز فلو اطلعنا على معتقد زرارة ومحمد بن مسلم وليث

٢٤

المرادي ويونس ونحوهم من الاجلاء لقطعنا بأن هذا رأي رئيسهم :

وأما الكبرى فمما لا ينبغي الإشكال فيها إذ لا شبهة عندنا في حجية رأي الإمام خصوصا في مقام تبليغ الاحكام وأما احتمال كون رأيه من باب التقية فهو يرجع إلى القدح في الصغرى لأن محل كلامنا هو إحراز رأي الامام الواقعي من الاتفاق والاجماع مع أن أصالة عدم التقية من الاصول المعتبرة وإن لم يكن الاجماع من جميع الفقهاء قطعيا ولا يخفي ما في هذا المسلك فان غاية ما يمكن أن يكون المستفاد منه على سبيل القطع هو أن المتفقين والمجمعين إنما استندوا إلى دليل معتبر عندهم ولعله غير معتبر عندنا أو إلى أصل من الأصول العملية. والمقام عند التحقيق ليس بمجرى ذلك الأصل ، وكيف كان فلا يستفاد من الاتفاق بين الفقهاء بعد انقضاء عصر المعصوم أكثر من العلم بوجود دليل معتبر عندهم أو أصل صحيح لديهم وهذا لا يوجب اعتبار ذلك الدليل عندنا ولا ذلك الأصل لدينا ولا يستفاد منه القطع برأي الامام إلا للأوحدي من الفقهاء أو البسيط منهم أو كانت سيرة العلماء الصالحين في زمانه وعند حضوره ولذا لم تكن الشهرة في الفتوى حجة عند أكثر القدماء والمتأخرين وسيجيء إنشاء الله الكلام في حجية السيرة والشهرة.

ما هو مورد الاجماع :

لما كان اعتبار الاجماع من باب كشفه عن قول المعصوم (ع) على ما عليه الاصحاب يقتصر في مورده على الحكم الشرعي لأن قوله ورضاه إنما يلاحظ فيما بيانه من شأن الشارع ووظيفته. وعليه فالانفاق المنعقد على غير الحكم الشرعي ليس إجماعا عندهم وإن شاع عليه إطلاق الإجماع. نعم هو حجة من كل أهل فن في مسائل ذلك الفن كإجماع

٢٥

الصرفيين في المسائل الصرفية والنحويين في النحوية واللغويين في اللغوية وهكذا لا في مسائل غيره كإجماع الفقهاء أو الاصوليين في المسألة اللغوية كما قد وقع التمسك به من بعضهم فيها وذلك لأن أهل الفن لهم الخبرة بفنهم والرجوع اليهم من باب الرجوع لأهل الخبرة :

أقسام الاجماع :

ثم أن الاجماع باعتبار القول وعدمه ينقسم إلى أقسام ثلاثة :

أحدها الاجماع القولي : ـ وهو صدور الفتوى من جميع الفقهاء بالمسألة.

ثانيها الاجماع العملي : ـ وهو اتفاق الفقهاء على القيام بالعمل بهذا النحو كحجهم وصومهم بهذه الكيفية ويسمى بالسيرة.

ثالثها الاجماع السكوتي : ـ كأن يفتي بعض الفقهاء بشيء أو يعمل به ويسكت الباقون بعد علمهم بالفتوى أو العمل من ذلك المجتهد ومضي مدة بعد العلم تصلح للفتوى منهم بخلافه وعدم التقية من مخالفته وقد ذهب لحجية هذا القسم أكثر الحنفية وأحمد بن حنبل وذهب المالكية وبعض الحنفية وأكثر المتكلمين والشافعية أخيرا إلى عدم كونه إجماعا وليس بحجة.

الاجماع المحصل والاجماع المنقول :

وينقسم الإجماع باعتبار تحصيله ونقله إلى قسمين :

محصل : ـ وهو ما حصله المدعي له بنفسه وذلك بأن يطلع على فتاوي المجتهدين واحدا واحدا ويجدها متفقة.

ومنقول : ـ وهو ما نقله الغير مستدلا به على مدعاه :

٢٦

حجية الاجماع المنقول :

اختلفوا في حجية الاجماع المنقول بعد البناء على حجية الاجماع المحصل وحجية النقل بنحو التواتر أو الآحاد ومرجع البحث عن ذلك إلى أن الاجماع المحقق عند المنقول عنه الذي هو أحد الأدلة الاربعة هل يثبت بالنقل على وجه التواتر أو الآحاد للمنقول له بحيث يعتمد عليه كما يعتمد على الاجماع المتحقق عنده نظير السنة في ثبوتها بالتواتر والآحاد للمنقول له بحيث يعتمد على نقلها كما يعتمد عليها إذا تحققت عنده ، وحيث أن الاجماع إنما كانت حجيته عندنا من جهة ثبوت السنة به بالتضمن كما هو طريقة المتقدمين أو بالالتزام العقلي كما هو طريقة الشيخ والتزام الحدسي كما هو طريقة المتأخرين كان مرجع البحث هنا إلى أن خبر الواحد بعد ثبوت السنة الصريحة به هل يثبت به السنة المدلول عليها بالتضمن أو الالتزام أو الحدس أو لا.

فالقائل بحجية الاجماع المنقول إنما يقول به من جهة حجية الخبر الواحد عنده لشمول أدلة الخبر الواحد في نظره لنقل الواحد للاجماع ولذا تجيء أقسام نقل الخبر الواحد في نقل الواحد للاجماع وتلحقها ما يلحقها من الاحكام من الصحة والضعف وغيرها وإن شئت قلت إنه لا دليل عندهم لحجية نقل الإجماع بالخصوص إلا أدلة حجية الخبر الواحد فلا بد من اثبات شمولها لنقل الاجماع وإلا فهو ليس بحجة إلا أن التحقيق إنه ليس بحجة لأن مستند الناقل له إن كان علمه بقول الامام عن حس بأن سمع قول الامام في جملة أقوال جماعة لا يعرف أعيانهم كما عليه طريقة القدماء في الاجماع فقد تقدم أنه عزيز الوجود بل هو مفقود في حق هؤلاء الناقلين له كالشيخين والسيدين وغيرهما من قدماء العلماء فإن الظاهر إن نقلة الاجماع من القدماء لن يكونوا في

٢٧

عصر ظهور المعصومين وان كان الناقل مستند علمه بقول الامام هو قاعدة اللطف كما عن الشيخ قدس‌سره فقد عرفت عدم نهوضها عن الكشف عن قول الإمام (ع) ، وإن نقل اجماعات الشيخ كانت مستندة الى ذلك.

وإن كان مستند علم الناقل للاجماع بقول الامام هو الحدس كما عليه المتأخرون فقد عرفت إن اتفاق جماعة ليس من المبادئ التي توجب العلم بقول المعصوم والشارع لكل أحسن فلعلها مما لا توجب العلم المذكور للمنقول اليه بل قد عرفت فيها بحيث لو حصل لنا لحصل منه العلم لنا عادة وإنما هي موجبة للحدس بوجود دليل معتبر عند المنقول عنه الاجماع ولا يلزم من اعتباره عنده اعتباره عند المنقول اليه ولو سلم حصول العلم بذلك من اتفاق جميع العلماء فقد تقدم منع إمكان تحصيل الاتفاق عادة فيما بعد زمان وجود النبي (ص) عند أهل السنة وبعد زمان الغيبة عند الشيعة. فلا بد من حمل الاجماعات المنقولة الواقعة في كلماتهم في هذه الأزمنة على إرادة القسمين الأخيرين صونا لكلامهم عن الكذب لا تصحيحا للاعتماد على منقولاتهم ومن هذا ظهر لك حال الاجماع المنقول بنحو التواتر لأن المنقول بالتواتر إن كان هو الاجماع على مسلك القدماء فهو.

وإن كان أمرا حسيا يمكن وقوع التواتر فيه إلا أن الكلام في أصل تحقق الاجماع على طريقة القدماء لما عرفت من امتناع الاطلاع عليه عادة فضلا عن نقله بتواتر أو آحاد.

وإن كان على مسلك الشيخ فقد تقدم عدم صحته عندنا.

وإن كان على مسلك المتأخرين فكذلك أيضا لأن معرفة قول الشارع منه حدسيا لا علميا ومن هنا تعرف إن نقل تواتر الخبر ليس بحجة

٢٨

ولو قلنا بحجية خبر الواحد لأن التواتر صفة قائمة في الخبر تحصل من أخبار جماعة تفيد العلم بصحة الخبر للمخبر به وحصول العلم بالتواتر للناقل من اللوازم التي تختلف باختلاف الحالات والنفسيات والظروف والأحوال فحصول التواتر لشخص لا يوجب حصوله لآخر حتى لو علمنا علم اليقين بأنه قد تواتر عنده فكيف بالخبر الواحد.

الاجماع للقولي والاجماع السكوتي :

وباعتبار انقسام الاجماع إلى اتفاق أقوال العلماء وإلى قول بعضهم وسكوت الآخر ينقسم الاجماع إلى اجماع قولي واجماع سكوتي وقد يسمى بعدم الخلاف.

فالإجماع القولي : هو عبارة عن تصريح العلماء بحكم واحد متفقين عليه.

والإجماع السكوتي : ـ عبارة عن حكم بعض المجتهدين بشيء اطلع عليه الباقون فسكتوا وهو ليس بحجة عندنا لما عرفت أن الاجماع المعتبر هو الاتفاق الكاشف ومن الظاهر أن السكوت أعم من الاتفاق لاحتمال ان السكوت كان لأجل التوقف أو لمهلة النظر أو لتجديده أو لأجل التقية في الإنكار.

وأما عند أهل السنة فلما عرفت من أن الإجماع عندهم هو الاتفاق.

والسكوت أعم منه.

انقسام الاجماع إلى لفظي ولبي :

وباعتبار اتفاق المجتهدين في الفتوى لفظا ومعنى كما لو قالوا بمقالة واحدة إن الكلب نجس أو عدم اتفاقهم في اللفظ بل كل عبر بتعبير

٢٩

خاص مع الاتفاق في المعنى ينقسم الاجماع الى لفظي ولبي ،

فما كان من القسم الأول يسمى باللفظي وتجري في معقده القواعد اللفظية من العموم والاطلاق والتقييد والانصراف وعدمه ـ وعليه قد يكون الاجماع ظنيا إذا كان اللفظ ظني الدلالة وإن كان قطعي السند كما في ظواهر الكتاب والخبر المتواتر.

وما كان من القسم الثاني يسمى باللبي لأن المعلوم ثبوته هو المضمون الجامع بين الألفاظ فليس يجري فيه القواعد اللفظية ويكون كالخبر المتواتر المعنوي فيؤخذ بالقدر المتيقن ،

انقسام الاجماع إلى بسيط ومركب :

وينقسم الاجماع باعتبار تحققه إلى بسيط ومركب :

فالبسيط : ـ هو اتفاق الفقهاء على حكم واحد في المسألة ،

والمركب : ـ هو الاتفاق الكاشف عن نفي القول الثالث في مسألة أو مسألتين يوجد بينهما قدر جامع كلي أو مسألتين لا يوجد بينهما قدر مشترك ، فالإجماع المركب على أقسام ثلاثة :

فمن أمثلة قسمه الأول انحصار القول بين الأصحاب في وجوب السجدة لقراءة العزيمة في اثناء الصلاة وحرمتها فبعضهم من قال بوجوبها وبعضهم من قال بحرمتها فالقول بالاستحباب أو الكراهة موجب للحكم بخلافهما وخرق للاجماع المركب. ومنها قول بعض باستحباب الجهر بالقراءة في ظهر الجمعة وقول آخر بحرمته فالقول بوجوبه إحداث لقول خارج عنهما خارق للاجماع المركب. ومنها إن المشتري الواطئ للأمة للواجد فيها عيب ممنوع من الرد على قول ويجوز الرد مع الارش على قول آخر فالقول بالرد مجانا إحداث لقول ثالث

٣٠

خارج عنهما خارق للاجماع المركب.

ومن أمثلة القسم الثاني أن بعض الأصحاب قال بوجوب الغسل لوطء الدبر مطلقا وقال آخرون بعدم وجوبه له كذلك فالقول بوجوبه في دبر الرجل دون المرأة خرق للاجماع المركب من غير إحداث لحكم زائد. خارج عن الأولين كما كان كذلك في الامثلة السابقة.

ومنها أن للأصحاب قولا بفسخ النكاح لكل واحد من العيوب وقولا آخر بعدمه في كل العيوب فاختيار الفسخ في بعض العيوب دون بعض خرق للاجماع المركب كسابقه من المثال ويسمى هذا القسم الثاني قولا بالفصل أيضا حيث وجود القدر الجامع بين المسألتين وهو الدبر والعيب في المثالين.

ومن أمثلة القسم الثالث : قول بعضهم بأن المسلم لا يقتل بالذمي ولا يصح بيع الغائب وقول بعضهم بقتله به وبصحة بيع الغائب فالقول بالقتل وعدم صحة بيع الغائب أو العكس خرق للاجماع المركب وقول بالفصل ومنها قول بعض بوجوب غسل الجمعة ووجوب صلاة الجمعة عينا وقول باستحباب الغسل ووجوب صلاة الجمعة تخييرا بينهما وبين صلاة الظهر فالقول باستحباب الغسل والوجوب العيني لصلاة الجمعة قولا بالفصل وخرقا للاجماع المركب. وبهذا ظهر لك ان اعتبار البساطة والتركيب في الاجماع باعتبار منشأ الاجماع لا في معقده لأن معقده في كلا القسمين واحد فانه البسيط هو الحكم الشرعي الواحد وفي المركب هو نفي القول الثالث وايما كان التركيب في منشأ الإجماع فانه في البسيط كان هو الاتفاق على قول واحد وفي المركب هو الاتفاق بعض الفقهاء على أحد القولين والبعض الآخر على القول الآخر. كما ظهر لك الفرق بين خرق الإجماع والقول بالفصل ، وان

٣١

المناط في خرق الاجماع هو مخالفة الاتفاق والمناط في القول بالفصل هو التفصيل بين موارد الحكم الذي لم يفصّلوا بينهما الفقهاء فيكون بينهما بحسب التحقق عموم من وجه لأنه قد يجتمع خرق الاجماع المركب مع القول بالفصل كمسألة وطء الدبر والفسخ بالعيوب وقد يوجد الاول فقط كمسألة الجهر في ظهر الجمعة وقد يكون بالعكس كالقول المقابل للاجماعين البسيطين كما لو أجمعوا على وجوب غسل الثوب من البول وأجمعوا على وجوب غسله من الروث فالقول بوجوب غسله من أحدهما دون الآخر قول بالتفصيل وهو ظاهر وليس إجماعا مركبا لأن المناط في الاجماع المركب اختلاف الحكمين وهو مفقود ،

والحاصل أن المناط في خرق الاجماع المركب هو القول المقابل للقولين أعم من أن يكون بالنسبة الى مسألة أو مسألتين ومناط القول بالفصل التفصيل بين موارد الحكم أعم من كون تلك الموارد متحدة الحكم أو مختلفة الحكم فيصير كل أعم من الآخر من جهة اذا عرفت ذلك فنقول ان خرق الاجماع المركب أو القول بالفصل لا يجوز عند الأصحاب لأنه اذا أحرز أن المعصوم مع أحد القولين كان القول بالفصل وخرق الاجماع مخالفة قطعية للمعصوم فاذا أثبتنا نجاسة القليل بالملاقاة للعذرة بدليل معتبر فيتمسك في القول بنجاسته بسائر النجاسات بالاجماع المركب اذ القائلون بالنجاسة والطهارة لا يفرقون بين الموارد. نعم يستثنى من ذلك ما اذا كان القول الثالث موافقا للاحتياط أو كان وجه صدور قول المعصوم موافقا لأحدهما على وجه التقية أو كان على وجه ضرب القاعدة العامة فانها قابلة للتخصيص ، لكن هذين الأمرين الآخرين تصورهما في الاجماع المركب في غاية

٣٢

التعسف وغاية الندرة في التحقق ثم أن استكشاف قول المعصوم أو رضائه من الإجماع المركب على طريقة القدماء وعلى طريقة الشيخ في غاية الوضوح لكون قول الامام مع أحد الطائفتين ضمنا لكونه أحد علماء الأمة أو لكون قاعدة اللطف تقتضي عدم إخفائه للحق فلا بد أن يكون مع أحدهما.

وأما على طريق المتأخرين من استكشاف قول الامام من اتفاق جماعة لم يكن الامام معهم كما في زمان الغيبة فقد يقال أنه مشكل لأن مدار هذه الطريقة كما مر على الحدس والقدر المسلم من حصول الحدس هو صورة اتفاق أصحاب الشخص على قول واحد في حدس رأي ذلك الشخص لا ما إذا اختلف أصحابه فإنه لا يحصل الحدس لرأيه لقوة احتمال خفائه عليهما كما قد خفي قطعا على أحدهما.

والحاصل إن محل كلامنا هو الاجماع المركب الذي يعلم إن رأي المعصوم مع أحد شطريه بانضمامه إلى أحد الطائفتين أو بقاعدة اللطف أو بالحدس لو فرض حصوله فان لا يجوز خرقه والقول بالفصل للزوم المخالفة القطعية للإمام.

إن قلت إن خرق الاجماع المركب والقول بالفصل كما فيه مخالفة قطعية للمعصوم فيه موافقة قطعية للمعصوم أيضا لأن الامام قائل بأحد القولين واختيار التفصيل يستلزم القطع بالموافقة والمخالفة للمعصوم معا ولا دليل على لزوم اجتناب المخالفة حتى في صورة القطع بالموافقة اللازمة له فالأصل يقتضي جواز الخرق لعدم الدليل على حرمته.

قلنا أن بناء العقلاء على لزوم اجتناب الموافقة اللازمة للمخالفة ويختارون ما يحتمل الموافقة دون المخالفة بالأخذ بأحد القولين لأن الضرر المحتمل مقدم على مقطوع الضرر عنده ، هذا عند الشيعة. أما

٣٣

عند أهل السنة فالمحققون منهم وافقونا على عدم جواز الخرق للاجماع المركب وينسب لبعضهم الجواز مطلقا ولعل الحق معه لأن الأدلة التي عندهم إنما عبدتهم باتفاق الأمة على المسألة وهي لا تشمل صورة اختلاف الأمة.

لكن يمكن أن يرد ذلك بأن الاجماع المركب كالاجماع البسيط في أن الاتفاق في الإجماع المركب على شيء واحد وهو عدم القول الثالث لأن كل من الفريقين ينفي القول الثالث.

وظيفة المجتهد لو قام عنده الاجماع المركب :

لا يخفى ان الاجماع المركب إذا كنا نعلم بعدم خروج قول المعصوم والمشرع من أحد القولين وإن رأيه مع إحدى الطائفتين فلا يجوز معه طرح القولين وأحداث قول ثالث للزوم طرح قول المعصوم والمشرع وعليه فالمجتهد أما أن يجد على أحد القولين دليلا اجتهاديا معتبرا كان هو المتبع. لأن الاجماع المركب ان كان في مسألة واحدة غير قابلة للفصل كمسألة صلاة الجمعة كان المستند هو الدليل المفروض اذ ليس فيه خرق للاجماع من دون حاجة الى انضمام الاجماع اليه. وإن كان في مسألة كلية قابلة للفصل فإن كان ذلك الدليل دل على تمام أحد القولين كان هو المستند أيضا من دون حاجة في تتميم الاستدلال إلى انضمام الاجماع المركب اليه كما لو قام الدليل في مسألة وطء الدبر على وجوب الغسل لوطء الدبر مطلقا سواء كان دبر المرأة أو الرجل وإن كان بحيث ساعد على بعض أحد القولين في إحدى المسألتين ويقال له أحد شطري الإجماع المركب فلا اشكال في جواز الاستناد إلى الاجماع المركب في ترجيح ذلك القول لثبوت الملازمة بين الشطرين

٣٤

به ومرجع الاستدلال بهما حينئذ إثبات الملزوم بالدليل المفروض وإحراز الملازمة بالاجماع المركب فالدليل المفروض له مدلول مطابقي في موضوعه ومدلول التزامي شرعي وهو مثل هذا الحكم في البعض الآخر ولما كانت الملازمة لا بد لها من دليل فالدليل عليها الاجماع المركب وعدم القول بالفصل فلو اختلفت الأمة في مسألة كون مسير أربعة فراسخ موجبا لتقصير الصلاة وإفطار الصوم مثلا على قولين مع الاتفاق على أن لا فصل بين المسألتين ووردت رواية في إحدى المسألتين خاصة كما لو فرض ورود قوله : قصر صلاتك بأربعة فراسخ مثلا كان ذلك موردا للاستدلال بالاجماع المركب وعدم القول بالفصل فيقال يجب التقصير في الصلاة للرواية وكذلك الافطار في الصوم للملازمة الثابتة بالاجماع المركب وعدم القول بالفصل إذ كل من قال بوجوب التقصير قال بوجوب الافطار أيضا وكل من قال بعدم وجوب الافطار قال بعدم وجوب التقصير أيضا.

وبالجملة الرواية المفروضة تدل بالمطابقة على وجوب التقصير بالملازمة الشرعية على وجوب الافطار ودليل الملازمة الاجماع المركب ولو وردت رواية تدل على حرمة الافطار ينعكس الأمر ولو وردتا معا يقع التعارض بينهما بواسطة الاجماع المركب لوضوح ثبوت الملازمة بسببه بين الطرفين في كل من الاثبات والنفي فلا بد حينئذ من العلاج بترجيح أحدهما على الآخر ومع عدم المرجح فالتخيير بينهما ابتداء لا استمرارا حذرا من المخالفة القطعية لحكم المشرع الذي أحرز وجوده مع أحدهما وتحقيق الحال يطلب مما حررناه في كتابنا النور الساطع في وظيفة المجتهد عند تعارض الروايتين أو العلم بأحد الحكمين.

٣٥

أما لو كان مع أحد القولين أصل حاكم أو وارد على الأصل الموجود في الآخر فالأصل الجاري في السبب يقدم على الاصل في المسبب كما لو فرض كل من قال بانفعال الماء القليل يقول فى النجاسة للملاقي له وكل من قال بعدمه قال بالطهارة للملاقي له فالقول بطهارة الماء القليل وبقاء نجاسة الملاقي له خرق للاجماع لكن استصحاب طهارة الماء بعد الملاقاة حاكمة على استصحاب نجاسة الملاقي له ولو كان الاصلان في الجانبين في درجة واحدة فإن أمكن العمل بهما من دون مخالفة قطعية كاصالة البراءة النافي لوجوب الصوم ووجوب التقصير عمل بهما إذ لا محذور وان لم يمكن بأن كان أعمال الاصلين كل في مورده موجب للقول بالفصل وهو مخالفة لحكم المعصوم والمشرع قطعية.

إن قلت ان الاجماع المركب إنما يقتضي الملازمة بين الحكمين في الواقع لا في الحكم الظاهري فإن كل من شطري الاجماع ناظر للواقع والقول بالفصل كان من جهة الأصل فيكون تفصيلا في الظاهر وتجوز المخالفة القطعية في الحكم الظاهري للواقعي لأن الأحكام الظاهرية مجعولة للاشياء في مرتبة الجهل بها وهي غير مرتبة الواقع ، ألا ترى انهم يحكمون بتنصيف العين بين الاثنين اللذين ادعياها ولا يد لهما أو لهما يد عليها ويرتب أحكام للزوجية على المقر من الزوجين دون الآخر وتخيير المقلد استمرارا بين الأخذ من المجتهدين المختلفين فيقلد في جمعة أحدهما في وجوب الجمعة والآخر في الجمعة الأخرى في حرمتها :

قلنا ما ذكرته من الأمثلة إنما هو في الموضوعات ونحن كلامنا في الاحكام ولعل من جوّز ذلك في الموضوعات لتنزيل حكمهم فيها على الخروج الموضوعي ولو بمقتضى الأصل الموضوعي فلا يسري

٣٦

التجويز في الاحكام. مضافا الى إنا لا نسلم ذلك مطلقا لا في الموضوعات ولا الاحكام لأن العقل حاكم بحرمة المخالفة القطعية للواقع حتى مع موافقة الحكم الظاهري من دون فرق بين الموضوعات والأحكام لعموم الأدلة الدالة على حرمة المخالفة القطعية للحكم الواقعي المعلوم ولو بالإجمال هذا كله على مسلك من يقول بحرمة المخالفة للقطعية وأما من لم يقل بها فيجوز ذلك عنده وسيجىء إن شاء الله منا تحقيق ذلك في أصالة الاشتغال.

٣٧

المصدر الثالث

السنة والحديث والخبر

وهي في اللغة الطريقة. وعند علماء الحديث وأهل السير والتأريخ هو كل ما يتعلق بالرسول (ص) من سيرة وخلق وأخبار وأقوال وأفعال سواء أثبتت حكما شرعيا أم لا. والسنة عند الفقهاء هو العمل للواقع من المعصوم (ص) ولم يكن فرضا واجبا ، وأوضحنا ذلك في كتابنا الأحكام.

وعند علماء أصول الفقه هي قول المعصوم لفظا أو كتابة أو إشارة أو فعله إذا لم يعلم أنه من خصائصه كالزواج بأكثر من أربعة. أو تركه كما لو ترك (ص) القنوت في صلاة الصبح فإن تركه (ص) دليل على عدم وجوبه ، أو تقريره لما يصدر عن غيره بسكوت أو موافقة أو استحسان مع تمكنه من الردع.

فالأول : يسمى بالسنة القولية كالأحاديث التي تلفظ بها للرسول (ص) مثل قوله (ص) : «الاعمال بالنيات» «ولا ضرر ولا ضرار في الاسلام».

والثاني : يسمى بالسنة الفعلية وهي الأفعال التي صدرت من المعصوم يقصد بها بيان التشريع كصلاته ووضوئه.

والثالث : يسمى بالنسبة التركية ويمكن أن تلحق بالسنة الفعلية باعتبار أن الترك يأول إلى الكف وهو فعل.

٣٨

والرابع : يسمى بالسنة التقريرية وهي أن يستحسن أو يوافق أو يسكت المعصوم عن إنكار فعل أو تركه أو قول صدر في حضوره أو في غيبته وعلم به ولم يردع عنه.

ولا إشكال في حجية السنة لأنها صادرة عن المعصوم عن الخطأ وقد قام الاجماع وضرورة الدين على حجيتها وإنما وقع النزاع في مصاديقها ففقهاء السنة يرون المعصوم هو خصوص النبي (ص) والشيعة الإمامية يرون أن النبي (ص) والأئمة الاثنى عشر من بعده وسيدة النساء فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) كلهم معصومون من الخطأ والغلط في بيان الأحكام الشرعية هذا هو المعروف في معنى السنة ، وقد تطلق السنة على ذلك وعلى الحاكي عن تلك الأمور فيكون معناها أعم من المعنى الأول.

والحديث لغة الخبر ، واصطلاحا ما يحكى السنة من قول المعصوم أو فعله أو تركه أو تقريره. والنسبة بين السنة والحديث عموم من وجه يجتمعان فيما لو نقل النبي (ص) قول نفسه بأن قال لقد قلت لا ضرر ولا ضرار وكما لو نقل أحد الأئمة (ع) عن النبي (ص) أو عن امام آخر قوله أو فعله أو تقريره فانه من حيث أنه قولة (ص) يكون سنة ومن حيث أنه حاكي عن النبي (ص) أو عن إمام آخر معصوم يكون حديثا. وأما مادة الافتراق كقول الصحابي إن المعصوم فعل كذا فانه حديث ناقل للسنة كما أن نفس قول المعصوم وفعله سنة وليس بحديث.

وكيف كان فاذا قيل جاء في الحديث كذا وجاء في السنة خلافة فالمراد بالحديث هو الحاكي عن السنة وبالسنة هو المعنى الاول وهذا الكلام يقال عند ما يثبت عند القائل بان قول المعصوم أو فعله أو تقريره

٣٩

خلاف ما دل عليه الحديث وعند ذا ان أمكن الجمع والتوفيق بينهما جمع بينهما ، وإلا أخذ بالراجح وإلا تساقطا كما هو مذكور في باب التعارض ، واذا أطلقوا متن الحديث فمرادهم خصوص اللفظ الحاكي للسنة وإذا أطلقوا سند الحديث فمرادهم طريق متن الحديث أعني جملة رواته وإذا أطلقوا الاسناد فمرادهم رفع الحديث لقائله.

والخبر مرادف للحديث لغة واصطلاحا فإن كليهما في اللغة بمعنى الاعلام وكل منهما في الاصطلاح ما يحكى عن السنة.

المقام الاول في نفس السنة :

ثم ان الكلام في السنة يقع في مقامين الأول في نفس السنة والثاني في نقلها والحكاية لها.

أما المقام الأول : فقد عرفت أن نفس السنة عبارة عن القول والفعل والترك والتقرير.

أما القول الصادر من المعصوم لا أشكال في حجيته ووجوب العمل بمؤداه لمكان عصمة قائله عن الخطأ في كل ما أخبر به عن الواقع فيكون ما أخبر به حجة على الواقع ويجب العمل بمؤداه والأخذ بظاهره ، كما هو الحال عند أهل المحاورات حيث يعملون بالقول بظاهره حسب ما تقتضيه الأصول اللفظية في مقام المخاطبة وإنما لا يلتفتون ولا يدركون الأصول اللفظية لما هو مركوز في أذهانهم ومودوع في خزانة أفكارهم من الأصول اللفظية لكن وجوب العمل بقول المعصوم (عليه‌السلام) مشروط بشرطين : ـ

الأول : أن يكون جهة صدوره هو بيان الحكم الواقعي لا لجهة أخرى من تقية أو غيرها من مصالح إظهار غير الواقع بصورة الواقع

٤٠