مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ١

الشيخ علي كاشف الغطاء

مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي كاشف الغطاء


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة الآداب
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

مؤاخذة بلا برهان وعقاب على شيء بلا برهان والوجدان شاهد على أن سيرة العقلاء على ذلك.

وفي الصورة الثانية قد ذهب الكثير إلى أن العلم الاجمالي ينحل إلى علم تفصيلي بوجوب المعين وهو تقليد الاعلم وصلاة الظهر في المثالين المذكورين وشك بدوي في صحة الآخر والاصل عدم براءة الذمة به فتكون قاعدة الاشتغال تقتضي إتيان محتمل التعيين وعدم الاجتزاء بالآخر.

ولا يخفى ما فيه لأنا نشك في الكلفة الزائدة في محتمل التعيين منهما نظير الصورة الاولى ، فإن أصل البراءة في الشك في الوجوب للشيء المعين وإن سلمنا إنه يعارضه أصل البراءة في الوجوب المخير فيتساقطان ويبقى العلم الاجمالي بالتكليف المردد بينهما على حاله إلا أن الكلفة الزائدة بتعيين محتمل التعيين لما كانت مشكوكة جرى فيها أصالة قبح العقاب بلا بيان بلا معارض.

وكيف كان فقد أورد على انحلال العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي بوجوب الأقل وشك بدوي في وجوب الأكثر بوجوب البراءة منه بإيرادات عديدة : ـ

الايراد الأول : منع العلم التفصيلي بالأقل ومنع الانحلال في رفع تنجز الخطاب بالاكثر لأن العلم التفصيلي بفعلية التكليف بالأقل إنما يتحقق لو كان التكليف بالأقل ثابت على سائر التقادير سواء كان متعلقا بالاقل أو الاكثر وإلا لم يكن التكليف بالأقل معلوما بالتفصيل لأنه لو كان التكليف على تقدير تعلقه بالأكثر مشكوكا يرفع بأصل البراءة ارتفع العلم التفصيلي بوجوب الأقل ضرورة ارتفاع الشيء بارتفاع علته لأن علة وجوب الاقل على أحد التقادير هو وجوب

٢٠١

الاكثر فيلزم من العلم التفصيلي بوجوب الأقل ارتفاع نفس هذا العلم التفصيلي بوجوب الأقل وهو باطل ، لأنه يكون من قبيل ما يلزم من وجوده عدمه وبتعبير آخر يلزم أن يكون الانحلال الذي يوجب كون التكليف بالاكثر مشكوكا بدويا يرفع نفسه أيضا إذ به يرتفع العلم التفصيلي بالأقل فيرتفع الانحلال وما يلزم من وجوده عدمه باطل.

وإن شئت قلت إن الاتيان بالأقل على تقدير وجوب الأكثر في الواقع ليس بواجب لا أصالة ولا تبعا إذ الأقل المطلوب تبعا هو الذي انضم إليه باقي أجزاء الأكثر اذ المفروض إناطة صحة الأقل بانضمام الأكثر وارتباطه به عليه فكيف يحصل العلم ببراءة الذمة من التكليف اليقيني المفروض بمجرد الإتيان بالأقل الذي لم يعلم إنه الواجب المعلوم بالاجمال.

وأجاب عنه أستاذي الشيخ كاظم الشيرازي أعلى الله مقامه بأن ذلك إنما يلزم لو كان اثر الانحلال رفع التكليف بالأكثر مطلقا أما لو كان أثر الانحلال رفع التكليف في الأكثر بالنسبة للجهة المشكوكة فلا يلزم ذلك فإن العقل إنما يستقل برفع العقاب عن الأكثر لو استند تركه إلى ترك الجزء المشكوك لأنه هو الذي يوجب أن يكون عقابه بلا بيان وأما العقاب على ترك الأكثر المستند إلى ترك الجزء المعلوم أو إلى ترك جميع الاجزاء للأقل والأكثر فهو عقاب مع البيان.

ثم أورد على نفسه بتوضيح منا وتنقيح بأنه لو ارتفعت فعلية الخطاب بالأكثر من بعض الجهات يرتفع التكليف به إذ لا يحتمل التجزؤ في مطلوبية الأكثر فلو ارتفع الخطاب عن الاكثر بمعنى إنه لم يتنجز الخطاب بالنسبة لجزئه المشكوك فيه لم يعقل أن يبقى الخطاب

٢٠٢

بباقي أجزائه لوحدة المطلوب وارتباط اجزائه لما عرفت من أن فرض الكلام في الأقل والأكثر الارتباطيين وإلا لكان من الأقل والاكثر الاستقلاليين وأجاب (ره) بتوضيح وتنقيح منا وله المنة والفضل علينا عن الايراد المذكور بأن البراءة ورفع الفعلية ليس فيها تصرفا في الواقع ولا في مدلول الدليل الواقعي حتى يدعي الخصم أنه لا يحتمل التفكيك في الاجزاء. للاكثر وإنما البراءة تصرف في استحقاق العقاب وهو قابل للتفكيك وفي المقام لما كان الترك للاكثر بترك جميع الاجزاء يعلم باستحقاق العقاب عليه لم يجوزه العقل لأنه عقاب مع العلم والبيان وهكذا ترك الأكثر بترك خصوص الأجزاء المعلومة يعلم باستحقاق العقاب عليه لم يجوزه العقل لأنه عقاب مع العلم والبيان.

نعم ترك الأكثر بترك الاجزاء المشكوكة لم يعلم باستحقاق العقاب عليه للشك في وجوبها فلذا حكم العقل بجوازه لأن العقاب عليه عقاب بلا بيان.

والحاصل أن الكلام هنا في مقامين.

أحدهما : في وجوب الأقل.

والثاني : في عدم وجوب الزائد عليه بوجوب الأكثر منه.

أما الأول : فلا إشكال فيه لأنه بتركه يستحق العقاب لا محالة إذ لو كان الواجب هو الأقل فقد تركه ولو كان الواجب هو الاكثر فقد تركه بتركه للأقل.

وأما الثاني : فلأن أصل البراءة جاري فيه إذ لا يعلم ان بتركه يترك الواجب إذ لعل الواجب هو الأقل وقد أنى به ، فأصل البراءة بالنسبة للعقاب جاري في المقام.

الايراد الثاني : ـ المنع من تأثير هذا الانحلال لأن العلم التفصيلي

٢٠٣

بالتكليف في بعض أطراف العلم الاجمالي إنما يوجب تنجز التكليف به والشك البدوي في الآخر لو كان قبل العلم الاجمالي أو مقارنا له ولذا لو علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين إجمالا ثم علمنا بعد ذلك بوقوع قطرة بول في أحدهما المعين تفصيلا فان هذا العلم التفصيلي لا ينجز التكليف المعلوم بالاجمال في هذا الفرد المعين وإلا لم يكن محل لأمر الامام (ع) بإراقة الإناءين والتيمم وكان عليه أن يأمر بتنجيس أحدهما بعينه والوضوء من الآخر ، وما نحن فيه من قبيل الثاني لأن العلم التفصيلي معلول للعلم الاجمالي فيتأخر عنه طبعا وعليه فلا يكون. موجبا لانحلاله.

والجواب بأن العلم التفصيلي الذي لا يوجب الانحلال هو العلم التفصيلي الذي لا يمنع من شمول أدلة الأصول للأطراف حيث إذ ذلك تبقى الاصول متعارضة فيها.

وأما العلم التفصيلي المانع من دخول أحد الاطراف تحت أدلة الاصول فيوجب الانحلال حيث يعلم بالعلم التفصيلي وجود التكليف به ويجري الأصل في الآخر بلا معارض.

وفيما نحن فيه كان الأمر كذلك لأن العلم التفصيلي بالأقل كان ملازما للعلم الإجمالي وإنما هو متأخر عنه طبعا لا خارجا فأوجب هذا العلم التفصيلي عدم كون الأقل مشكوكا في زمان حتى يكون داخلا تحت دليل الأصل فلا يجري فيه الأصل حتى يعارض الأصل في الآخر.

وعليه فيجري الأصل في الآخر بلا معارض نعم لو كان متأخرا عنه زمانا كان الأصل يجري في الأطراف ويتعارض فيتساقط ويرجع للاحتياط.

٢٠٤

الايراد الثالث : وهو يرجع إلى أن المتعلق في المقام بسيط غير مركب من أقل وأكثر. وهو الفعل الذي يكون لطفا في الواجب العقلي لما عليه المشهور بين العدلية من أن الواجبات الشرعية الطاف في الواجبات العقلية فيكون الواجب هو الفعل المتصل بعنوان اللطفية. وإن شئت قلت إن الواجب الشرعي في الواقع هو الفعل المتصف بالمصلحة الملزمة عقلا لما عليه العدلية من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد فيكون الشك في المقام شكا فيما يتحقق به الواجب ويحصله كما لو علمنا بأن المطلوب إزالة النجاسة وشككنا في أن الازالة تحصل وتتحقق بغسلة واحدة أو أكثر ونحو ذلك مما كان الشك فيما يتحصل به المفهوم المبين ويتحقق به فانه يجب الاحتياط للعلم باشتغال الذمة بالمفهوم المبين المعلوم بالتفصيل والشك في ما يحصله ويحققه والاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية وإن شئت قلت أن الواجب يكون هو اللطف لأنه يكون هو المطلوب حقيقة لا الاقل ولا الأكثر فيجب تحصيل اليقين بالفراغ منه وهو لا يحصل إلا بالاتيان بالأكثر.

وجوابه المنع من اقتضاء قواعد العدلية كون المصلحة عنوانا وموضوعا للواجب وإنما هي جهة باعثة للوجوب نظير الفائدة والغرض والغاية من العمل فإنما تبعث نحو العمل وليست تعنونه ، وفي مقام الإطاعة ليس العقل يلزم إلا بما جعله الآمر متعلقا لحكمه لأن العقل يحكم بأن الغرض للمولى والمصلحة قائمة بما جعله المولى متعلقا للتكليف إذ لو كان غيره لبينه وإلا لزم تفويته على العبد وحيث ثبت إن متعلق التكليف هو الأقل لا غيره كان الأقل هو المحصل للمصلحة والغرض وإن شئت قلت إن التكليف يتعلق بمصداق ما فيه المصلحة لا بعنوان ما فيه المصلحة فإن هذا العنوان انتزعه العقل بعد كمال التكليف نظير

٢٠٥

عنوان المراد والمطلوب للامر والصحيح ونحوها من العناوين فإنها لو سلم إنها عناوين لمتعلق التكليف إلا أنه تنتزع له بعد كمال التكليف نظير عنوان الواجب. وعليه فيكون الترديد في متعلق التكليف نفسه وليس الترديد في مصاديقه ومحققاته ومحصلاته ، سلمنا لكن الشك في المحصل للعنوان إذا كان مما يخفى على الناس معرفته باجزائه تماما وجب على المولى بيانه فإذا أقام الدليل على مجموع أمور تحصله جري أصل البراءة عما عداها كما ذكروه في قصد الوجه!

على أن البناء على كون متعلق التكليف عنوان المصلحة أو ما فيه المصلحة خروج عن محل النزاع وهو دوران متعلق التكليف بين الأقل والأكثر ، وإذا فرض كون المتعلق هو العنوان المذكور لازمه أن لا يكون المتعلق دائر بين الأقل والأكثر وانما هو العنوان الواحد ولذا ترى الأشعري داخلا في النزاع مع كونه منكرا للمصلحة.

سلمنا لكن الجواب عنه يكون هو الجواب عن الايراد الرابع الذي سيجيء إنشاء الله فيما يخص وضع العبادات للصحيح أو الاعم هذا كله بناء على المشهور من مذهب العدلية من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد القائمة في متعلقاتها وأما بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد القائمة بذات الأحكام كما هو الحال في الاحكام الوضعية كالملكية والزوجية والرقية ونحوها فالأشكال غير وارد لأن الحكم موجود مع الأقل.

الايراد الرابع ، ومرجعه أيضا إلى أن متعلق التكليف أمر بسيط والشك يكون في محصله وذلك لما تقرر في مسألة الصحيح والأعم من أن الجامع بين العبادات الصحيحة لا يكون إلا أمرا بسيطا حيث أن كل ما يفرض جامعا مركبا خارجيا يمكن أن تصح العبادة بدونه بل

٢٠٦

يكون فاسدا بالنسبة إلى طائفة وصحيحا بالنسبة إلى أخرى.

وعليه فالمأمور به هو ذلك الجامع البسيط المنطبق على المصاديق الصحيحة الذي يكشف عن وجوده تحقق الأمر الشرعي.

وعليه فيكون الشك في قلة أجزاء الواجب وأكثريتها شك في محصل ذلك الأمر البسيط والقاعدة تقتضي الإتيان بالاكثر لإحراز امتثال الواجب به دون الأقل لعدم إحراز الامتثال به ، فالاشتغال اليقيني بنفس الواجب وذاته قد تحقق وهو يستدعي الفراغ اليقيني منه وهو لا يكون إلا بإتيان الأكثر.

نعم لو قلنا بأن العبادات موضوعة للمركب الصحيح وشك في جزئية شيء لها جرى أصل البراءة لأن التكليف حينئذ يكون متعلقا بأمر مجمل مردد بين الأقل والأكثر لا بشيء معين مبين ولذا ذهبوا إلى أن المولى إذا أمره بغسل ظاهر البدن وتردد في باطن الأذن بين كونه من ظاهر البدن أو من باطنه رجع إلى أصل البراءة عن باطن الأذن وكما لو باعه الدار وتردد الماء والكهرباء من الدار أم لا ، رجع إلى أصالة عدم الانتقال.

وجوابه أنا لو سلمنا أن الواجب أمر بسيط في العبادات فلا نسلم أن مقتضى القاعدة هو الاحتياط فإن المحصل للمأمور به البسيط إذا لم تكن بينة واضحة أجزائه وكان مما يخفى على عامة الناس كان على المولى بيانه لحكم العقل لقبح إهمال البيان مع الحاجة إليه لا سيما إذا كان الامر البسيط غير معلوم أو منتزع من الأمر بأشياء كما في أوامر العبادات فإنه على القول بوضعها لأمر بسيط فإن ذلك البسيط لما لم يعرف بنفسه وإنما يستكشف وجوده من تعلق الأمر فيكون تابعا لتحقق الأمر فإذا دل الدليل على عدم تعلق الأمر بالأكثر كان البسيط المستكشف

٢٠٧

هو المنتزع من الأقل بطريق الآن ، وإن شئت قلت ان العقلاء في مثل هذا المنتزع البسيط إذا شكوا في اعتبار تحقق محصلة بأكثر مما قام الدليل عليه لا يعتنون به مضافا لجريان أصل البراءة العقابي لأن العقاب قطعا يتحقق بترك الأقل ويشك في تحققه بالنسبة إلى الزائد عليه فالأصل عدم العقاب عليه لعدم البيان فيه.

وإن شئت قلت إنا نشك في حرمة المخالفة للواجب بترك الجزء المشكوك فترفع بالأصل بخلاف حرمة المخالفة له بترك الأقل وما عن بعض أعاظم الفن من ان الأمر البسيط اذا كان متدرج الحصول كالنور الحاصل من ضم عدة شموع وكالطهارة حيث دلت الأخبار على أن كل جزء يطهر بوصول الماء اليه كما في الصحيح «ما جرى عليه الماء فقد طهر». فإن أصل البراءة يجري عند الشك في المحقق والمحصل له حيث أن مرجع الشك في الجزء إلى الشك في سعة ذلك الأمر البسيط وضيفه وإلى الأقل منه أو الأكثر ، وعليه فلعل العبادات كلها من هذا القبيل فليس عندنا علم باشتغال الذمة بأمر بسيط يحصل دفعة واحدة عند تحقق الجزء الأخير من علته فهو فاسد. فإن البسيط من هذا القبيل يكون مركبا من عدة أجزاء منه كالماء فهو ليس بسيط وإنما البسيط ما كان من النوع الثاني وهو ما كان يجعل عند الجزء الأخير على أنه يرجع الأمر إلى الشك بين المتباينين للعلم الاجمالي بالواجب المردد بينهما.

الايراد الخامس : ـ ومرجعه الى أن الاشتغال بالاقل لا يرتفع إلّا بالاتيان بالاكثر وذلك لأن الامر إنما يكون فعليا إذا كان مورده محصلا للغرض وإما إذا لم يكن محصلا مورده للغرض فلا يكون إلا شأنيا فإذا شك في حصول الغرض من الأمر بإتيان الاقل فلا يعلم كون

٢٠٨

الأمر فعليا بالنسبة اليه ومعه لا يعلم بحصول الامتثال بالنسبة إلى الأمر الفعلي المنجز المعلوم بالإجمال كما قبل في قصد للوجه للعبادة.

والجواب عنه هو الجواب عن الرابع فان فعلية الأمر بالنسبة إلى العمل المحصل للغرض يكفي في العلم بمطلوبية الأقل لأنه أما محصل له أو دخيل فيه وما زاد عليه يقبح من المولى عقابه على تركه لعدم العلم بتعلق غرضه به.

الايراد السادس : ـ ومرجعه أيضا إلى أن الاشتغال بالأقل لا يرتفع إلا بالإتيان بالأكثر وذلك إن الأقل لا يعلم تعلق الأمر النفسي به والأمر الغيري غير قابل للتقرب به مع أن تعلقه بالاقل غير معلوم لان الامر الغيري يتبع تنجز الأمر بذيه فيكون الأقل غير معلوم كونه متعلقا لامر قابل للتقرب به فيجب الاتيان بالاكثر ولو مقدمة لتحصيل الامتثال بالاقل.

وجوابه ان الإتيان بالفعل فرارا عن عقاب المولى المعلوم ترتبه على ترك ذلك الفعل يكون وجها من وجوه التقرب والعبادة. على أن الإتيان لاحتمال الامر النفسي يكفي في التقرب.

الايراد السابع : ـ ومرجعه أيضا الى أن الاشتغال بالأقل لا يرتفع إلا بالاتيان بالاكثر وذلك لان التكليف بالاقل المعلوم تنجزه مما يجب تحصيل البراءة عنه ولا تحصل البراءة عنه إلا بعد إتيانه على وجه يحصل الامتثال بذلك الإتيان على كل تقدير ولما دار طلب الأقل بين أن يكون نفسيا أو غيريا وجب الإتيان به على وجه يحصل الامتثال به بالنسبة إلى الأمر الغيري أيضا لو كان موجودا ولا يكون ذلك إلا باتيانه في ضمن الأكثر.

وجوابه بأن المقدار المعلوم من الطلب المتعلق بالاقل هو الطلب

٢٠٩

الجامع بين النفسي والغيري وهو يمتثل بمجرد فعل الأقل خوفا من العقاب المترتب على ترك الأقل. فوجوب الاكثر وإن كان محتمل وجدانا إلا أنه نقطع بعدم العقاب على تركه بترك الجزء المشكوك لقبح العقاب بلا بيان.

الايراد الثامن : ـ إن الانحلال موقوف على وجوب المقدمات الداخلية بالوجوب المقدمي الغيري وهو ممنوع.

وجوابه لو سلمنا عدم وجوبها فيكفي في الانحلال سببية تركها للعقاب فيقال ترك الاقل سبب يقيني للعقاب ولا يعلم سببية ترك الأكثر له.

الايراد التاسع : ـ ان الشك في الجزء للعبادة شك في صدق لفظ العبادة على المأتي به فلا ينفع إجراء أصل البراءة فيه لعدم إحراز تحقق العبادة بدونه.

وجوابه أن محل الكلام في الجزء الغير المقوم للمسمى بحيث تصدق العبادة بدونه ، قال المرحوم الشيخ عبد الحسين الكاظمى في حاشيته «أن الظاهر أن من تتبع كلمات الأصحاب في هذا الباب يشرف على القطع بما ذكرناه» ويخطر بالبال أن ممن صرح بذلك المحقق القمي (ره).

الايراد العاشر : ـ هو عدم تأثير الانحلال لانه به يحدث علم إجمالي بين امرين متباينين فيجب الاحتياط ويقرر ذلك بوجوه : ـ

أحدها أنه لو ترك السورة المشكوكة مثلا ودخل في الركوع يحدث عنده علم إجمالي أما بوجوب الاتمام لو كان في الواقع الواجب هو الأقل لحرمة إبطال العمل وأما بوجوب الاعادة باتيان الأكثر لو كان هو الواجب في الواقع.

وثانيها : انه قيل ترك السورة يعلم ببطلان صلاته اجمالا أما بترك السورة في محلها أو بفعل المنافي بعد ذلك لأنه لو كان الواجب هو الاكثر كان بطلانها بترك السورة ولا يكون المنافي كالحدث ونحوه

٢١٠

مبطلا لانها قد بطلت على ذلك التقدير بالترك للسورة وإن كان الواجب هو الاقل فيكون فعل المنافي هو المبطل لا ترك السورة ومقتضى هذا العلم الاجمالي ترك الامرين بأن يترك ترك السورة وبأن لا يأتي بالمنافي كالحدث ونحوه.

وثالثها : أنه يعلم بعد الدخول في الصلاة قبل ترك الجزء المشكوك بحرمة إبطال الصلاة ولا يعلم بسقوط هذا الامر وحصول امتثاله إلا باتيان كل ما يحتمل مدخليته في صحتها.

وجوابه انه بعد الانحلال يكون الاقل هو الواجب وترك الاكثر مرخص فيه فلا يبقى بعد ذلك مجال لتأثير العلم الاجمالي الحادث الذي كان حدوثه ينشأ من عدم مراعاة الانحلال المذكور مضافا إلى أن العلم الاجمالي المذكور قد قام بما تنجز أحد طرفيه سابقا بالعلم التفصيلي بوجوب إتمام الصلاة وبوجوب ترك المنافي وبسقوط الوجوب على أن العلم الاجمالي المذكور ينحل الى شك بدوي وعلم تفصيلي.

أما في الوجه الأول فلأنه يعلم تفصيلا بوجوب الاتيان بالاقل لانه على كل تقدير واجب اتيانه لثبوت العقاب بتركه قطعا وشك بدوي بوجوب الاعادة باتيان الاكثر.

وفي الوجه الثاني يعلم بأن اتيان المنافي به يحصل بطلان الصلاة أما بترك السورة أو بفعل ذلك المنافي وشك بدوي في بطلانها بترك السورة فقط.

وأما في الوجه الثالث فحيث أن حرمة الابطال مرددة بين الاقل والاكثر فهو يعلم تفصيلا بثبوت حرمة الابطال يترك الاقل لانه يعلم بأنه واجب أما بنفسه أو بغيره ويشك في حرمة الابطال بترك الاكثر لعدم احراز وجوب الجزء المشكوك فالاصل عدمها.

الايراد الحادي عشر : ـ أنه بعد جريان البراءة عن وجوب الجزء المشكوك ورفع العقاب بتركه لا يثبت وجوب الاقل إلا على القول بالاصل

٢١١

المثبت لان وجوب الاقل لازم عقلي لعدم وجوب الجزء المشكوك.

وجوابه إن الاقل وجوبه ثابت بالعلم التفصيلي الوجداني لا بواسطة البراءة عن وجوب الجزء المشكوك لأنه اما واجب بالغير أو واجب بنفسه وإن شئت قلت ان المكلف عالم بحصول العقاب بتركه وذاك يقتضي العلم بارادة المولى له.

الايراد الثاني عشر : ـ إن المقام من قبيل القسم الثاني من الاستصحاب الكلي لأن الواجب مردد بين الفرد القصير وهو الأقل وبين الفرد الطويل وهو الأكثر فاذا أتي بالأقل يشك في بقاء الواجب الذي هو الأكثر لأحتمال أن الاكثر هو الواجب فيستصحب بقاء الواجب ووجوبه وعند ذا يحكم العقل بوجوب إتيان الأكثر تحصيلا للفراغ منه وليس هذا الاستصحاب من الأصول المثبتة بالنسبة لهذا الأكثر لأنه من آثار ثبوت الحكم في الظاهر فان وجوب الإطاعة والامتثال من آثار الحكم الثابت حتى في مرحلة الظاهر ولذا استصحابات الأحكام الشرعية يرتب عليها وجوب الإتيان بها كاستصحاب وجوب صلاة الجمعة أو حرمة شرب الخمر عند ما لم يسكر به الشارب.

وجوابه أنه لو سلمنا صحة هذا القسم من الاستصحاب فلا مجال له هنا لأن أحد الفردين محرز حكمه بالوجدان وهو الأقل فلا يجري فيه الأصل ويبقى الثاني مجرى للأصل وهو استصحاب عدمه بلا معارض وقد قرر في محله إن الاستصحاب الكلي إنما يجري فيما إذا كانت الأصول متعارضة في أفراده كما إذا تردد الحدث بين الأصغر والأكبر بعد أن توضأ فان استصحاب عدم الأكبر معارض باستصحاب عدم الأصغر أما إذا لم تتعارض الأصول كما إذا كان المكلف محدثا بالأصغر ثم خرج منه بلل احتمل انه اكبر فان استصحاب عدم الاكبر جار لأنه لا

٢١٢

يعارضه استصحاب عدم الاصغر لليقين بالأصغر سلمنا لكن استصحاب الواجب أو الوجوب الكلي معارض باستصحاب عدم وجوب الأكثر بل ربما يقال بأنه حاكم عليه لأن الشك في بقاء الوجوب مسبب عن الشك في وجوب الأكثر.

الايراد الثالث عشر : ـ وينسب للمرحوم النائيني. أن العلم التفصيلي بوجوب الأقل غير موجب للانحلال لأنه علم بوجوب الأقل المردد بين التقييد بالجزء المشكوك وبين الإطلاق وعدم التقييد به فلم يكن علما تفصيليا بوجوب الأقل بنحو الإطلاق ولم يكن علما بواحد معين من المحتملات ولو كان موجبا الانحلال لكان العلم الإجمالي في المتباينين موجبا للانحلال لأنه علم تفصيلي بالجامع بين الوجوبين والشك في الخصوصية لكل منهما.

وجوابه قد علم مما سبق من أن الانحلال ليس بحقيقي بل هو بواسطة حكم العقل والشرع حيث أن العقل حكم بعدم صحة العقاب على ترك الجزء المشكوك وهكذا الشارع حكم بذلك وفي الأقل حكم العقل بصحة العقاب على تركه وتنجز الوجوب الموجود فيه بسبب العلم به ولذا سميناه بالانحلال الحكمي ، واما في صورة المتباينين فلأن الأصل في خصوصية أحدهما معارضة بالاصل في خصوصية الآخر فيصح العقاب على مخالفتهما لعدم المؤمن من المخالفة عند من قال بتنجز التكليف بالعلم الإجمالي بين المتباينين.

البراءة الشرعية عند دوران الأمر بين الأقل والاكثر : ـ

ما تقدم كان في إثبات البراءة بحكم العقل عن الكلفة الزائدة وأما بحكم الشرع فكذلك الاخبار المتكاثرة الدالة على عدم العقاب على ترك الكلفة الزائدة كحديث «رفع عن أمتي ما لا يعلمون» ونحوه ولا

٢١٣

يقال إن وجوب الأقل مشكوك كوجوب الأكثر فيتعارض أخبار البراءة الشرعية فيهما. لأنا نقول أن وجوب الأقل معلوم تفصيلا أما لأنه واجب نفسي أو غيري أو من جهة العلم بأن بتركه يثبت العقاب فوجوبه الجامع بين النفسي والغيري يكون معلوما وغير محجوب عن العباد فلا تشمله الأخبار بخلاف وجوب الأكثر وهكذا العقاب على ترك الأقل معلوم فلا تدل أحاديث البراءة على رفعه وأما العقاب على ترك الأكثر بترك الجزء المشكوك فغير معلوم فتدل الاحاديث على رفعه.

هذا مضافا الى إمكان دعوى شمولها لنفس وجوب الجزء المشكوك بأن يقال أن وجوب هذا الجزء من الشرع مشكوك ومحجوب عنا فهو مرفوع ودعوى ان الشك في وجوب الجزء مسبب عن الشك في وجوب الأكثر فلا مجال للأصل إلّا بالنسبة الى الأكثر مضافا إلى أن الذي يرفعه الشارع هو الذي يضعه ووجوب الجزء لم يضعه الشارع وانما وضع وجوب الأكثر مدفوعة بأن سببية وجوب الأكثر لوجوب الجزء المشكوك وإن كانت مسلمة إلا انها لا تنافي كون وجوب الجزء المشكوك مجعولا للشارع غاية الأمر بجعل الأكثر فللشارع أن يرفع فعليته وحده بل له ان يرفع وجوب الأكثر بالنسبة الى هذا الجزء المشكوك فقط دون أن يرفعه بالنسبة لباقي الأجزاء حيث لا يلزم من ذلك رفع وجوب الأكثر الفعلى في باقي الأجزاء إذ ليست الأصول حجة في لوازمها العقلية.

دوران الامر بين الأقل والاكثر في الشبهة الموضوعية : ـ

ما تقدم كان في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين في الشبهة الحكمية وأما إذا كان الأمر دائرا بين الأقل والأكثر الارتباطيين

٢١٤

في الشبهة الموضوعية كما لو أمر بازالة الحدث فشك في جزئية شيء لها أو أمر بصوم اليوم وشك في جزئية ذهاب الحمرة لليوم ، فقد ذهب الشيخ الأنصاري إلى أن القاعدة هو الاحتياط لأن الشك فيها يرجع الى الشك في المحصل للتكليف والمحقق له لأن التكليف معلوم مبين تفصيلا وإنما الشك في تحققه وحصوله في الخارج بالأقل والأصل يقتضي عدم تحققه وعدم حصوله ، والعقل يحكم بوجوب اليقين بحصوله إذ لا قبح لو عاقب المولى على تركه بترك الأكثر لو كان الجزء المشكوك جزءا واقعا ولا يخفى ما فيه فانه ان كان من الامر بالمجمل المردد بين الأقل والأكثر لإجمال الفعل المقصود منه فهو شبه حكمية ولتكليف المنجز به هو الأقل وان كان من الأمر بالماهية البسيطة أو الشك في حصولها بالأقل والأكثر فقد تقدم منا في الايراد الرابع المتعلق بالصحيح والأعم ما يظهر لك فيه أن الأصل هو البراءة من وجوب الأكثر.

نعم يمكن تصور الشبهة الموضوعية في دوران الأمر بين الأقل والأكثر فيما لو علم متعلق التكليف بأجزائه تفصيلا ولكنه لم يدر بأنه بعمله هذا هل يحصل المتعلق أم لا ، كما في صوم اليوم الغائم إذا شك في آخره بأن إمساكه فيه من اليوم أم بعده فيجب عليه الامساك إلى أن يحصل اليقين بحصوله امساك اليوم.

شرائط العمل بالاحتياط : ـ

يعتبر في الاحتياط احراز موضوعه بأن يعرف إحراز الواقع المشكوك فيه به أو أنه أقرب الطرق لحصول الواقع به وعدم اختلال النظام به وعدم صيرورته لعبا بأمر المولى فانه حسن في العبادات والمعاملات ولو استلزم التكرار حتى مع التمكن من عدمه بأن كان مقدورا له تحصيل العلم التفصيلي بالواقع بل حتى لو قامت عنده الحجة المعتبرة

٢١٥

على الواقع لعموم أدلة رجحان الاحتياط عقلا لحسنه لأنه أقرب الطرق لحصول الواقع ونقلا للأخبار المتظافرة على حسنه مطلقا وما وقع من الكلام في صحته في بعض الموارد إنما هو من جهة عدم إحراز موضوعه فيها كما في العبادات اذا شك في حكمها أو حكم أجزائها فإنه قد يقال بل قد قالوا بعدم تحقق الاحتياط فيها لأنه يعتبر في صحتها وسقوط التكليف بها من نية وجه فعلها من وجوبها أو استحبابها وما دامت مشكوكة الحكم لا يقدر على نية الوجه فلا بد من الفحص ومن معرفة حكمها من وجوب أو استحباب ليأتي بنيته فالاحتياط فيها بالتكرار أو إتيان الجزء المشكوك لم يكن موجبا لاحراز الواقع فلم يتحقق موضوعه فيها وكما في العبادات قبل الاجتهاد أو التقليد في معرفة حكمها فانه قد قيل بل قد قالوا ببطلان عبادات تارك الطريقين حتى لو قلنا بعدم اعتبار نيّة الوجه وعلم بمطابقتها للواقع إجمالا.

ولكن لا يخفى عدم اعتبار نية الوجه في العبادات ولذا يرى العقل والعقلاء أن الآتي بالعمل امتثالا لحكمه الواقعي مطيعا لمولاه وان لم يشخص الحكم الواقعي ولم يعرف انه الوجوب أو الاستحباب بل يكفي قصد التقرب لله تعالى ولا دليل على اعتبار نية الوجه في الاطاعة لا عقلا ولا شرعا سوى ما يحكى عن المتكلمين من اتفاقهم على اعتباره وما يحكي عن السيد الرضي (ره) من دعوى إجماع أصحابنا على بطلان صلاة من صلى صلاة لا يعلم أحكامها وعن أخيه المرتضى (قده) تقريره على ذلك في مسألة الجاهل بالقصر. فهو اجماع منقول لا يعتمد عليه لعل مستنده توهم توقف صدق الإطاعة عليه أو قيام دليل خاص عليه وهما ممنوعان : ـ

أما الأول فلما عرفت من صدق الإطاعة عقلا وعرفا على من يأتي

٢١٦

بالعمل بقصد الأمر الموجود في الواقع وإن جهل انه الوجوب أو الاستحباب :

وأما الثاني فلعدم الظفر بما يدل على ذلك والإطلاق المقامي يقتضي عدمه فان مقتضى الاطلاق المقامي هو عدم اعتبار ما يشك في دخله في الغرض من نحو هذه القيود التي يغفل عنها عامة الناس وأما بطلان عبادة تارك الطريقتين الاجتهاد والتقليد فلا دليل عليه إذا كان يحتاط لإحراز الواقع فيها بتكرار العبادة أو إتيان ما يحتمل اعتباره فيها مع عدم احتماله فسادها باتيانه كالاستعاذة إذ مع احتماله فالاحتياط بتكرار العبادة مرة معه ومرة بدونه ، بل العقل يرى أن ذلك من كمال الإطاعة ، نعم لو كان من باب اللعب بأمر المولى والاستهزاء به كان باطلا.

٢١٧

المصدر الثالث والعشرون

الاستصحاب

وهو لغة طلب الصحبة نظير الاستعلاج والاستخراج أو صيرورة الشيء صاحبا نظير الاستحجار فإن معناه صيرورة الشيء حجرا أو الاستنسار أي صيرورة الشيء نسرا فإن الأغلب في وضع باب الاستفعال هو طلب المصدر قال في منظومة الشافعية :

(وباب الاستفعال للسؤال

مطّرد في غالب الأحوال)

نعم تارة يكون الطلب صريحا نحو استكتاب زيد فإن معناه طلب الكتابة منه وأما تقديرا نحو استخراج الوتد من الحائط فانه ليس هناك طلب صريح وانما كانت محاولة لاخراج الوتد من الحائط منزّلة منزلة الطلب لاخراجه.

وقد يستعمل باب الاستفعال للصيرورة والتحول أي تحول الفاعل إلى أصل الفعل وصيرورة الفاعل متصفا بالفعل الذي اشتق هو منه كقولك استحجار الطين فان معناه صيرورة الطين حجرا وتحوله إلى صفة الحجرية. ومنه «ان البغات بأرضنا تستنسر».

واطلاق الاصوليين الاستصحاب على استصحاب الحالة السابقة أو استصحاب اليقين السابق إلى زمن الشك اللاحق يمكن أن يكون بالمعنى الاول الذي هو الغالب في هذه الصيغة باعتبار أن المستصحب (بالكسر) يطلب صحبة الحالة السابقة إلى زمان الشك أو يطلب صحبة اليقين السابق إلى زمان الشك ويمكن أن يكون بالمعنى الثاني باعتبار أن المستصحب صاحبا للحالة السابقة أو اليقين السابق الى زمن الشك ومنه قولهم استصحاب الشخص أجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة حيث

٢١٨

انهم يريدون منه صيرورة الشخص صاحبا للأجزاء المذكورة. وعليه لا وجه لما ذكره غير واحد من الأصوليين كالشيخ الأنصاري في رسائله وغيره من جعله بحسب اللغة أخذ الشيء مصاحبا فانه ليس الأخذ معنى للاستصحاب في ما اطلعنا عليه في كتب اللغة ولا يساعد على ذلك قواعد الصرف فإن باب الاستفعال الغالب فيه هو المعنى الاول ويجيء للمعنى الثاني وقد يجيء بمعنى الفعل المجرد كاستقر بمعنى قر.

وبالمعنى الثالث يكون معنى الاستصحاب للحالة السابقة هو صحبتها ولم يذكر في معانيه الأخذ مع أنه لا وجه أيضا لأخذ مادة الاستصحاب من المفاعلة أعني المصاحبة وإنما هو مأخوذ من صحب.

الاستصحاب في الاصطلاح : ـ

والاستصحاب في اصطلاح الاصوليين إبقاء العبد ما كان وجودا وعدما على ما كان لأجل أنه قد كان سابقا لحكم الشرع بذلك أو العقل والمراد بالابقاء هو ترتيب العبد أثار البقاء في مقام العمل ، وإنما أزدنا (وجودا أو عدما) لأن الاصوليين يجرون الاستصحاب في العدميات فلو اقتصرنا على (ما كان) لتوهم اختصاصه بالوجوديات وشأن التعاريف أن تكون موضحة ، وقيدناه (بسابقا) لئلا يتوهم دخول الاستصحاب القهقري في التعريف مع أنه ليس من الاستصحاب فان الكون إذا لم يقيد بالسابق يكون شاملا للاحق وقيدناه ب (لأجل انه قد كان) ليخرج ابقاء ما كان على ما كان لا لأجل ذلك بل لأجل قيام الدليل على بقاء الحكم في الحالة الثانية كالدليل دال على بقاء وجوب الطهارة بعد قطع بعض الأعضاء أو لأجل بقاء العلة أو الى التلازم القطعي بين الحالتين أو لأجل عدم القول بالفصل بينهما فمثلا بقاء الحكم

٢١٩

بعد خروج الوقت لأجل ادلة القضاء ليس من الاستصحاب في شيء كما أنا أزدنا على (ما كان) حذرا من ان يشمل التعريف إبقاء ما كان على غير ما كان كابقاء الطلب على غير الوجوب ، ويخرج بهذه الزيادة ما إذا أبقي ما كان مع تغير الموضوع فانه لم يكن من الاستصحاب.

استصحاب الحال والاجماع ونحوها : ـ

لا يخفى انه وقع التعبير باستصحاب الحال كما في محكي العدة أو باستصحاب حال الاجماع كما في محكي المعارج وغيره وباستصحاب حال العقل والمراد بالحال هو الحالة السابقة والمراد باستصحاب حال الاجماع والعقل هو استصحاب الحالة السابقة التي قام عليها الإجماع أو العقل وقد يطلق الاستصحاب ويراد به استصحاب عموم النص واطلاقه وهو الأخذ بعموم النص في مورد الشك في تخصيصه أو باطلاقه في مورد الشك في تقييده وربما جعل البعض قسما برأسه وقال بحجيته وعدم حجية غيره حتى نسب اليه القول بالتفصيل في حجية الاستصحاب كالغزالي. والتحقيق ان الأخذ بعموم النص واطلاقه قاعدة عقلائية استقر بناء العقلاء في محاوراتهم عليها وإلّا فلا يقين بالعموم والاطلاق الا نادرا لأحتمال سبق التخصيص أو التقييد صدورا على صدور العام أو المطلق في اغلب الموارد كما ذكره المرحوم الشيخ عبد الحسين على الكفاية.

الأدلة على اعتبار الاستصحاب شرعا : ـ

والدليل على اعتبار الاستصحاب أمور : ـ

أحدها : بناء العقلاء والسيرة عليه في أمورهم العادية مع إمضاء الشارع له أما بناء العقلاء عليه فلأنه هو أمر غريزى فطري بدليل

٢٢٠