مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ١

الشيخ علي كاشف الغطاء

مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي كاشف الغطاء


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة الآداب
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

مع أنه نعلم إجمالا بأن أحدهما أخذ المال بالباطل.

وهكذا ذكروا أيضا في باب الصلح أنه لو كان لأحد الودعيين درهم والآخر درهمان فتلف درهم من الثلاثة لا يعلم لأيهما من أنه يقسم واحدا من الدرهمين الباقيين نصفين بينهما فإن في ذلك مخالفة للعلم الاجمالي من أن هذا الدرهم لأحدهما إلى غير ذلك مما يجده المتتبع في كلمات القوم وفتواهم.

ودعوى أن الحاكم وظيفته أخذ ما يستحقه المحكوم له بالأسباب الظاهرية كالاقرار والحلف والبينة وغيرها فهو قائم مقام المستحق في أخذ حقه ولا عبرة بعلمه الإجمالي.

قال جدي الهادي (ره) «وذلك لأن الملحوظ حال المستحق دون علم الحاكم» قال الشيخ (ره) «ونظير ذلك ما إذا أفتى المفتي لكل من واجدي المني في الثوب المشترك بدخول المسجد» فإنه إنما يفتى لكل منهما بملاحظة تكليف نفسه.

وإن مسألة الصلح حكم تعبدي وكأنه صلح قهري بين المالكين أو يحمل على حصول الشركة بالاختلاط. وبالجملة فلا بد من التوجيه لكل ما يتوهم منه جواز المخالفة القطعية لمنع العقل منها والنقل.

مدفوعة بأن الكلام في إمكان جعل هذه الوظيفة للحاكم فيما يلزم العمل بها المخالفة القطعية ولا ريب أنه لو يحكم العقل بحرمة المخالفة القطعية يستحيل أن يجعل تلك الوظيفة للحاكم من أخذ المال ودفعه لكل من زيد وبكر وهكذا يستحيل أن يجوز له الشارع أن يحكم بما لا يجوزه العقل من المخالفة القطعية ولو جوز الشارع للحاكم أخذ المال المذكور ودفعه للمقر لهما مع علمه بالمخالفة العملية القطعية وجوزنا له الحكم بذلك لكان يجوز للشارع أن يجوز ارتكاب المشتبهين وفتوى المفتى

١٨١

بذلك لأنه يعلم من ذلك أن العلم الاجمالي ليس بعلة تامة فإن تخلف المعلول عن العلة في مورد يعلم منه أن العلة ليست بتامة وإن تماميتهما بشيء آخر وتنظيره ذلك بفتواه لواجد المني لعله يؤكد عدم تأثير العلم الاجمالي لأنه قد علم إجمالا بحرمة إحدى الفتويين لعدم مطابقتها للواقع فلا بد من الالتزام بجواز المخالفة القطعية لهذا العلم الاجمالي.

وأما مسألة الصلح فكون الحكم فيها تعبدي ولو بصلح قهري لا يرفع الاشكال إذ الكلام في إمكان مثل هذا التعبد ولو بالصلح القهري مع مخالفته للعلم الاجمالي.

وتخيل توقف رفع الخصومة به ممنوع لعدم انحصار الطريق فيه ضرورة إمكان رفع الخصومة بالقرعة بل هو المتعين بناء على حرمة مخالفة العلم الاجمالي القطعية ولا بد من طرح الدليل المخالف لذلك أو تأويله.

وأضعف من التوجيه بحصول الشركة القهرية بالاختلاط لوضوح أن موردها الاختلاط على وجه الامتزاج كامتزاج الحنطة بالحنطة والدهن بالدهن بل في الأخبار ما يدل على جواز ارتكاب المشتبهين ، ففي صحيح الحلبي : أتى رجل إلى الصادق (ع) فقال له : «إني ورثت مالا وقد عرفت أن صاحبه الذي ورثته منه كان يربي وقد اعترف به واستيقن ذلك وقد سألت الفقهاء من أهل العراق والحجاز فقالوا لا يحل أكله من أجل ما فيه فقال (ع)» إن كنت تعلم بأن فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك ورد ما سوى ذلك وإن كان مختلطا فكله هنيئا فإن المال مالك واجتنب ما كان يصنع صاحبه». وقد نقلناه من نسخة مغلوطة ومن أراد الاعتماد عليه فليراجعه في نسخة صحيحة.

١٨٢

ودعوى إمكان أن يكون المال الربوي من مجهول المالك فصار ملكا للامام (ع) فأذن له بالتصرف أو ملكه إياه أو أنه ملك للفقراء والوارث منهم.

مدفوعة بأن الظاهر هو بيان الفتوى بحكم الشارع في الواقعة لا أنه من باب الاذن والترخيص.

ومثل ما في موثقة سماعة عن أبى عبد الله (ع) عن رجل أصاب مالا من عمال بني أمية وهو يتصدق به ويقول أن الحسنات يذهبن السيئات فقال (ع) «إن الخطيئة لا تكفر الخطيئة وإن الحسنة تحبط الخطيئة ثم قال (ع) : إن كان خلط الحرام حلالا فاختلط جميعا فلم يعرف الحرام من الحلال فلا بأس».

فإنه ظاهر في جواز التصرف بالجميع لأن التصدق وامساك الباقي هو تصرف في جميع المال بصرفه وإمساكه.

نعم لو كان الامام (ع) أمره برد الباقي إلى مالكه مع العلم بالمالك أو الى الامام (ع) نفسه أو الى حاكم الشرع أو نائبه أو بالتصدق به عن مالكه لم يكن له ظهور في تناول الجميع. وفرض كون الرجل من الفقراء قد احتسب الامام الباقي عليه من باب رد المظالم كما ترى.

ومثل ما في صحيح علي بن جعفر عن أخيه (ع) عن رجل امتخط فصار الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه هل يصح الوضوء منه؟ قال (ع) «إن لم يكن شيء يتبين في الماء فلا بأس». فإنه ظاهر في الشبهة المحصورة التي أطرافها محل الابتلاء لا سيما والسائل مثل (علي) ولا أقل من شمول إطلاقه لها بترك الاستفصال وعدم التقييد.

١٨٣

إن قلت إن الاخبار الدالة على جواز ارتكاب الشبهة المحصورة يعارضها ما عن النبي (ص) «ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال».

والمرسل «اتركوا ما لا بأس به حذرا عما به البأس» وضعفها ينجبر بالشهرة المحققة والاجماع المنقول على حرمة ارتكاب أطراف الشبهة المحصورة وبمثل رواية ضرير عن السمن والجبن في أرض المشركين قال : «أما ما علمت أنه قد خلطه الحرام فلا تأكل وما لا تعلم فكل».

فإن الخلط يصدق عند الاشتباه كما في الشبهة المحصورة ، وبرواية ابن سنان كما في رسائل الشيخ أو عبد الله بن سليمان كما في الدرة النجفية «كل شيء حلال حتى يجيئك شاهدان إن فيه الميتة». ولا ريب إن الشبهة المحصورة التي يعلم إجمالا أن أحد أطرافها ميتة يكون فيها الميتة وبرواية اسحاق بن عمار يشتري منه ما لا يعلم أنه ظلم فيه أحدا. وبحديث التثليث وهو قوله (ص) «حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم». وبمثل صحيح عبد الرحمن في جزاء الصيد : «إذا أصبتم مثل هذا ولم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا».

قلنا أما النبوي الأول ففي بعض الروايات له «الأغلب الحلال الحرام» فيكون على مطلوب الخصم أدل وقراءة الحلال بالنصب ليكون مفعولا مقدما ، والحرام بالرفع ليكون فاعلا مؤخرا حتى ينطبق على الرواية الأولى ليس بأولى من العكس بأن يقرأ في الرواية الأولى الحرام بالنصب مفعولا مقدما والحلال فاعلا مؤخرا.

١٨٤

وكون الرواية الأولى أشهر والاشهرية موجبة للترجيح ممنوع فإن الأشهرية لا توجب الترجيح في القراءة ، ولو سلمنا ذلك فالأخبار المعارضة الدالة على جواز ارتكاب المشتبه بالشبهة المحصورة مقدمة لأنها أصح سندا منه. على أنه ظاهر في الاجتماع بنحو المزج لا بنحو الاشتباه بل ربما يقال بعدم إمكان ارادة غير المزج إذ الاجتماع بغير المزج أما أن يكون في الذهن بأن يراد اجتماع احتمال الحرام واحتمال الحلال وهو لا يصح إلا بارتكاب نوع من الأضمار بأن يقدر «ما اجتمع احتمال الحلال واحتمال الحرام إلا غلب احتمال الحرام».

وهو خلاف الأصل لا يصار اليه إلا بقرينة وهي مفقودة في المقام مع أن مقتضى ذلك وجوب الاحتياط في الشبهة البدوية مطلقا وهو خلاف الإجماع. وأما أن يكون المراد الاجتماع في المكان ولا ريب أن الاجتماع في المكان لا بنحو المزج إنما يتصور بأن يلاصق الحرام الحلال وهو غير معقول الارادة فإنه مستلزم للكذب إذ الحرام إذا اجتمع مع الحلال والتصق به لا بنحو المزج لم يغلب أحدهما الآخر فإن لك أن تستعمل الحلال وأن تترك الحرام فاناء الخمر وإناء الماء لو جعل أحدهما بجنب الآخر لم يغلب أحدهما على الأخر في حكمه فإن لك أن تستعمل إناء الماء.

نعم لو اجتمعا بنحو الامتزاج غلب الحرام ولا يصح لك شرب الماء لأنه بشربه تشرب الخمر فيكون فعله عبارة عن فعل المعصية ، فإذن تعين حمل النبوى المذكور على الاجتماع بنحو المزج يكون أجنبيا عن المقام.

وأما المرسل المذكور فالظاهر أن الأمر فيه للإرشاد إلّا ان ترك المشتبه يوجب الحذر من فعل المحرم فان النفس بذلك تتعود على

١٨٥

ترك المحرمات ويهون عليها التجنب عنها فيكون مفاده مفاد قوله (ع) «من ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك».

وأما دعوى انجبار النبوي والمرسل بالشهرة والاجماع فهي فاسدة لأنه للخصم أن يمنع انجبارها بذلك بعدم استناد المشهور في الحكم بالاحتياط اليهما كما هو المشهور بل إلى القاعدة سلمنا كفاية الشهرة في الانجبار لكن مع وضوح مدرك الشهرة وضعفه لا يعول عليها في الجبر ، والاجماع المدعى واضح الخلاف لما عرفت من خلاف جملة من العلماء مضافا إلى معلومية ضعيف مدركه وهو القاعدة العقلية.

وأما رواية ضرير ففيها إن لفظ الخلط ظاهر في المزج بقرينة السمن والجبن حيث أن الاختلاط فيهما لا محالة يكون بنحو المزج غالبا.

وأما رواية ابن سنان فظاهرها قيام المبينة على أن المشتبه ميتة فيكون مفادها مفاد الاخبار الدالة على حيلة المشتبه حتى تعلم الحرام بعينه لا سيما موضوعها كل شيء ، وللضمير في (فيه) عائد اليه فإن الشيئية ظاهرة في الموجود الواحد لا الموجودات المتعددة فلا تصدق الرواية على الشبهة المحصورة التي فيها الميتة ولا أقل من الشك في الصدق فيسقط الاستدلال.

وأما رواية إسحاق بن عمار فان الظاهر منها هو العلم التفصيلي بأن هذا الذي يشتريه فيه ظلم بعينه لأحد. وعليه فالرواية دالة على جواز ارتكاب أطراف الشبهة المحصورة لأن كل واحد منها لا يعلم بأن ظلم فيه أحدا.

وأما حديث التثليث ففيه أنه محمول على الاستحباب كما عن بعضهم أو على الإرشاد كما عن جماعة ، والغريب أن الشيخ الانصاري (ره)

١٨٦

في الشبهة البدوية في مقام الرد على الأخباريين حمله على الارشاد وفي هذا المقام استشهد به على وجوب الاحتياط ولو سلم دلالته على وجوب الاحتياط.

فالأخبار الدالة على جواز ارتكاب الشبهة المحصورة المتقدمة مقدمة على هذا الحديث حاكمة عليه فان الحديث المذكور انما يدل على الاحتياط مع عدم الأمن من الهلكة والاخبار المذكورة تعم المؤمن من الهلكة فيرتفع موضوع الحديث حكما وإن لم يرتفع حقيقة فلا وجه لجعله معارضا لأدلة البراءة.

وأما صحيح عبد الرحمن ففيه إنه مختص بصورة التمكن من السؤال والفحص فهو ظاهر في الجاهل المقصر فلا دخل له في المقام.

إن قلت أنه يستفاد من أخبار كثيرة كون الاجتناب عن أطراف الشبهة المحصورة أمرا مسلما مفروغا عنه بين الأئمة والشيعة بل العامة أيضا.

منها ما ورد في المائعين المشتبهين كخبر سماعة عن الصادق (ع) «في رجل معه إناءان وقع في أحدهما قذر ولا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيرهما قال (ع) «يهريقهما ويتمم».

وموثقة عمار عنه (ع) «قال سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر ولا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال (ع) يهريقهما جميعا ويتيمم». خصوصا مع فتوى الاصحاب بلا خلاف بينهم على وجوب الاجتناب عن استعمالهما مطلقا وعن المعتبر نسبة عمل الاصحاب إلى الخبرين. وعن المنتهى أن الاصحاب تلقتهما بالقبول. وعن المدارك أن رواية عمار ضعيفة المستند بجماعة من الفطحية.

ومنها ما ورد في الصلاة في الثوبين المشتبهين مثل مكاتبة صفوان

١٨٧

ابن يحيى ، أبا الحسن (ع) «يسأله عن رجل معه ثوبان فأصاب أحدهما البول ولم يدر أيهما هو وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع قال (ع) يصلي فيهما جميعا».

ومنهما ما ورد في وجوب غسل الثوب من الناحية التي يعلم باصابة بعضها للنجاسة معللا بقوله (ع) «حتى يكون على يقين من طهارته». مثل الصحيح تغسل ثوبك من الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك ، فان وجوب تحصيل اليقين بالطهارة على ما يستفاد من التعليل يدل على عدم جريان اصالة الطهارة بعد العلم الاجمالي بالنجاسة وهو الذي بني عليه وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة وعدم جواز الرجوع فيها إلى اصالة الحل فانه لو جرى أصالة الطهارة وأصالة حل الصلاة في أحد المشتبهين لم يكن للاحكام المذكورة وجه ولا للتعليل في الحكم الأخير بوجوب تحصيل اليقين بالطهارة.

ومنها ما دل على بيع الذبائح المختلط ميتتها بمذكّاها من أهل الكتاب ففي صحيح الحلبي «إذا اختلط المذكى بالميتة بيع ممن يستحل الميتة». فلو لم يحب الاحتياط في الشبهة المحصور لكان يجوز البيع ممن يستحل وممن لا يستحل لا تخصيص الجواز بمن يستحل.

وقد يستأنس للقول بوجوب الاحتياط في المقام بما ورد من وجوب القرعة في قطيع الغنم المعلوم إجمالا وجود الموطوء فيه وهو الخبر المحكي عن جواب الإمام الجواد (ع) لسؤال يحيى بن أكثم عن حكم القطيع المذكور. فإنه لو لم يجب الاحتياط لا تجب القرعة لتعين الموطوء منها.

قلنا هذه موارد خاصة قام الدليل على وجوب الاحتياط فيها ويكون

١٨٨

الدليل عليها نظير الاجماع الذي قام على وجوب إتيان القصر والتمام والجمعة والظهر عند العلم الاجمالي بوجوب أحدهما. هذا مضافا إلى أن ما ورد في الماءين المشتبهين يدل على عدم اقتضاء العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية على عكس المدعى لانه يعلم اجمالا بحرمة ترك الوضوء باحدهما باراقة الماء.

والحاصل أن الإهراق للماءين ليس تقتضيه القاعدة لو تمت هنا بل يدل على عدمها لأنه يمكن أن يتوضأ بأحد الإنائين ويتطهر بالآخر ثم يتوضأ بالآخر ويتطهر بالأول فإنه يقطع بزوال الحدث لأنه إن كان الأول ماء طاهرا كان وضوئه صحيحا وإن كان الأول نجسا فالماء الآخر قد تطهر به ووضوؤه يكون صحيحا ويتعارض استصحاب طهارة بدنه عند تطهيره بالماء الطاهر منهما باستصحاب نجاسة بدنه عند إصابة بدنه بالنجس منهما فيتساقطان ونرجع الى أصالة طهارة بدنه فتصح منه الصلاة ، وظاهر جواب الامام (ع) الأمر بالتيمم وبالاهراق سواء كان الاناءان يكفيان للوضوء والتطهير أو للوضوء فقط. أو يصلي بصلاتين بالوضوء بكل واحد منهما غاية الأمر بعد الصلاة بهما يتطهر عند ما يجد الماء للعلم التفصيلي بنجاسة بدنه ليس ازالة النجاسة فورية فالذي اشتمل عليه النص حكم تعبدي للتسهيل على المكلفين فلا يكون دليلا للمدعي بل المورد من قبيل المتزاحمين بين وجوب الاجتناب عن النجس والصلاة وبين حرمة ترك الوضوء للصلاة فيكون المورد من دوران الأمريين المحذورين أما الصلاة بلا طهارة حدثيّة بالماء أو بلا طهارة خبثية والامام قدم الطهارة الخبثية عن الحدثية بالماء لوجود البدل للطهارة الحدثية بالماء وهو التيمم للتسهيل على المكلفين فلا بد من عمل بهذه الرواية يلتزم بأنها حكم تعبدي محظ وليس من جهة كون الشبهة

١٨٩

المحصورة تقتضي حرمة المخالفة القطعية اذ في العمل المذكور أيضا مخالفة قطعية حيث تيمم مع تمكنه من أن يتطهر بالماء الطاهر منهما بالوجهين المذكورين.

نعم هذا الخبر يدل على عدم جريان أصالة الطهارة أو استصحابها مع العلم الاجمالي بالنجاسة في هذا المورد ولعله من جهة أن المورد مورد قاعدة الطهارة لأنه ليس ما يدل على سبق اليقين بالطهارة فيها دون الاستصحاب لعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين وقاعدة الطهارة لا تجري لأنها مغياة بالعلم بالنجاسة الذي هو أعم من الإجمالي والتفصيلي بخلاف الاستصحاب فان ولو سلم فهو حكم في مورد خاص ملغيا بالعلم التفصيلي كما قرر في محله.

وأما ما ورد في الثوبين المشتبهين فكذلك غير دال على القاعدة بل يدل على عدم جريانها لأن الصلاة بالثوب المعلوم النجاسة تحرم فصلاته فيهما يحصل بها العلم التفصيلي بالصلاة بالثوب المحرم فلو كان العلم الاجمالي يقتضي الاشتغال لكان الامام (ع) يأمره باجتنابهما والصلاة عاريا إذا لم يجد غيرهما تجنب الثوبين لا ارتكابهما.

وإن شئت قلت إن الكلام في ما يثبت به القاعدة ويمنع من إجراء أصل البراءة في الاطراف والخبر المذكور لا يمنع من ذلك وإنما يلزم بإتيان الصلاة بهما وهو لا يمنع من جواز استعمالهما الذي هو مقتضى أصل البراءة وبعبارة أخرى محل كلامنا ثبوت ما يعارض كل شيء حلال ونحوه في أطراف الشبهة المحصورة.

نعم هذا الخبر يدل على عدم جريان أصالة الطهارة أو استصحابها مع العلم الاجمالي بالنجاسة في هذا المورد بخصوصه والكلام فيه هو الكلام فيما تقدمه.

١٩٠

وأما ما ورد في وجوب غسل الثوب ففيه أن وجوب غسله ليس نفسيا بل غيريا للصلاة معه وهو ساتر ليس معه ساتر ويشترط فيه الطهارة فمع عدم غسل مما يرى فيه النجاسة يعلم تفصيلا أنه صلى بثوب نجس ولو غسل بعض يعلم بواسطة الاستصحاب أنه صلى بساتر نجس فلا مناص له من غسل تمام الناحية على ان الخبر يدل على غسل خصوص ما رأى النجاسة فيه لا ما علم اجمالا نجاسته.

وأما ما دل على بيع الذبائح المختلطة فيه انه بظاهره مخالف للاجماع والعمومات الدالة على حرمة بيع الميتة ولو سلم فهو يدل على جواز بيع الحلال المشتبه بالحرام وهو مساوق لجواز استعمال أحدهما فلا يدل على وجوب الاجتناب فتأمل.

ولو سلم فهو حكم تعبدي ثبت في مورد خاص لا يتعدى عنه إلى غيره.

وأما مسألة القرعة فيمكن أن يقال بدلالته على عدم وجوب الاشتغال اذ لو كان واجبا لوجب تجنب الجميع مضافا إلّا امكان القول بدلالته على استحباب القرعة وعليه فيدل على البراءة على أنه لو دل على وجوب القرعة فهو إنما يدل على تميز الحرام عما عداه بطريق القرعة بخصوصية في المورد كالبينة أو يد المسلم على بعضها كما أنه يمكن أن يكون من باب مجاراة الخصم الذي يريد أن يمتحن الامام (ع) في معرفة المحرم وكان بناءه على الاحتياط في الشبهة وكثير من الأجوبة من الأئمة (عليهم‌السلام) التي كانت في مقام امتحانهم يراعون فيها معرفة السائل بكون السؤال امتحانيا.

وأما المقام الثاني : وهو وجوب الموافقة القطعية بأن يأتي بجميع أطراف العلم الاجمالي في الشبهة الوجوبية ويترك جميعها في التحريمية

١٩١

وهل أن العلم الاجمالي علة تامة لها بحيث يمتنع ورود ترخيص من الشارع في عدمها. أو أن العلم الاجمالي مقتضي لها بمعنى أن العقل يحكم بوجوب الموافقة القطعية للعلم الاجمالي لو خلي ونفسه إلا أنه لا يمنع من صدور ترخيص من الشارع في عدمها بأن يأذن الشارع بارتكاب ما عدا مقدار المعلوم بالإجمال من أطراف العلم الاجمالي ، هذا بناء على ما أختاره المشهور في المقام الأول من حرمة المخالفة القطعية نظرا لوجود المقتضي وهو عموم الدليل الدال على الحكم الواقعي لصورة العلم الاجمالي الدال على تعلق غرض المولى بترك أحدهما في الشبهة التحريمية وفعل أحدهما في الوجوبية والعلم بمتعلق غرض المولى من العبد موجب لوجوب تحصيله وأما عدم المانع فلعدم الدليل على جواز الارتكاب لأطراف الشبهة المحصورة لعدم شمول ما دل على الاباحة والحلية والرفع والحجب لاطرافها فهو في كمال الوضوح.

وأما بناء على ما قويناه وقواه الاستاذ الجليل المحقق المدقق احمد بن الحسين من فقد المقتضي باعتبار أن مجرد العموم لا يوجب التنجز واستحقاق العقاب في الظاهر من جهة الشك في الموضوع ووجود المانع على تقدير وجود المقتضي لشمول أدلة حلية المشكوك وحديث الرفع (لما لا يعلمون) لاطراف الشبهة فيسقط هذا المقام.

حيث بناء عليه لا تجب الموافقة القطعية. ثم إن المتجه الغاء تعدد العنوانين في هذا المبحث أعني مبحث العلم الاجمالي فلا ينبغي أن يجعل البحث فيه تارة في حرمة المخالفة القطعية وتارة في وجوب الموافقة القطعية له بل ينبغي أن يجعل البحث فيه واحدا لأنه بناء على منجزه العلم الاجمالي تحرم المخالفة وتجب الموافقة القطعية لعدم الفرق بين الاطراف ، وبناء على عدم المنجزية لا تحرم المخالفة القطعية ولا تجب

١٩٢

الموافقة. فالأولى ان يجعل البحث في الشبهة المحصورة في عنوان واحد وهو منجزية العلم الاجمالي وذكر الاقوال وبيان الحجج والمناقشات فيه كما صنعه من تقدم على الشيخ الانصاري (ره).

وكيف كان فقد نقل عن جماعة عدم وجوب الموافقة القطعية منهم المحدث المجلسي والمحقق الاردبيلي والفاضل السبزواري وصاحب المدارك والمحقق القمي (ره) والفاضل النراقي ونسبه إلى ظاهر النافع والارشاد وابن طاوس ، وحكي عن الشيخ في النهاية ، وعن القاضي في مسألة اشتباه السمك الذي مات في الماء بغيره.

إن قلت لا فرق في وجوب الاحتياط بين خطاب المولى بأن يقول : «اجتنب عن الخمر المردد بين الإناءين» وبين أدلة حرمة الخمر إلا العموم والخصوص كما استدل بذلك الشيخ الانصاري (ره) قلنا أن الاول نص في وجوب الاحتياط وإن غرض المولى عدم تحقق ارتكاب الخمر في الخارج رأسا علم به المكلف أم لم يعلم بخلاف الثاني ، وبعبارة أخرى أنه في الخطاب الاول بالنسبة لكل طرف يكون شكلا ، أولا فيقال هذا إناء مردد الخمر بينه وبين الاناء الآخر وكل إناء مردد الخمر بينه وبين غيره من إناء آخر يجب الاجتناب عنه فهذا يجب الاجتناب عنه بخلاف الخطاب الثاني ، فإن الصغرى فيه غير محرزة بالنسبة لكل طرف من أطراف الشبهة.

إن قلت إن الاشتغال اليقيني بما علم به إجمالا قد تحقق بواسطة العلم وهو يقتضي الفراغ اليقيني ولا يتحقق الفراغ اليقيني إلا بالموافقة القطعية.

قلنا هذا متجه بعد تسليم المقتضي وهو اشتغال الذمة بالمعلوم بالاجمال في الشبهة المحصورة بنحو التنجيز واستحقاق العقاب على مخالفته

١٩٣

مع عدم صدور أمن من الشارع في ارتكاب الاطراف أما مع إنكار المقتضي المذكور أو دعوى صدور الأمن من الشارع بواسطة شمول أدلة البراءة للاطراف ونحوها فلا يتجه ذلك.

إن قلت إن أصل البراءة في أطراف الشبهة المحصورة متعارضة وقد تقرر في محله إن الحكم في تعارض الاصول إذا لم يكن أحدها حاكما هو التساقط ، وعليه فلا مبرر لارتكاب أحدها ويتعين الاحتياط قلنا إن مقتضى القاعدة في تنافي الأدلة الاجتهادية أو الفقاهتية هو التخيير إذا كان دليل حجيتها يشمل لحال تخالفها وتنافيها على وجه يعلم بأن الشارع يريد العمل بمؤداها كما في إنقاذ الغريقين حيث لا قصور فيه من جهة المقتضي وإنما القصور من جانب العبد حيث لا يتمكن من العمل بهما جميعا ولا يمكنه ترك العمل بهما جميعا لمكان العلم بأن إنقاذهما مطلوب للشارع فيحكم العقل حينئذ بالتخيير من باب الاضطرار ومن هذا الباب تعارض الخبرين بناء على الموضوعية والسببية بل على الطريقية أيضا وأما لو كان القصور من جانب المقتضي بأن لم يشمل دليلها لحال التنافي فمقتضى القاعدة التساقط لعدم الدليل عليها في هذه الحال أعني حال التعارض.

ومن هذا الباب كل أصل أو أمارة كان اعتبارهما من باب الظن الفعلي كالشهرتين والاستقراءين ونحوهما لانتفاء مناط الحجية فيهما.

إذا عرفت هذا ظهر لك الحال من أن أصل البراءة في أطراف العلم الاجمالي يتساقط إذا قلنا بأن العلم الذي جعل غاية في دليل أصل البراءة يشمل التفصيلي والاجمالي حيث لا يشمل دليلها لحال التعارض لحصول الغاية وهو العلم الاجمالي ويرتفع موضوع أصل البراءة في الاطراف فلا يكون أصل البراءة في شيء منها حجة فيتساقط ، وأما

١٩٤

إذا قلنا بأن الغاية في دليل أصل البراءة هو العلم التفصيلي فلا يتساقط أصل البراءة في أطراف العلم الاجمالي ويعمل بالأصل المذكور فيها لشمول دليله لها ولا تعارض فيها ، وقد تقدم بيان وجه عدم التعارض عن قريب من أن حاصله أن دليل الأصل إنما يثبت وجوب العمل بمؤداه ولا يدل على ثبوت لوازمه العقلية كنفي الآخر فلا يدل على بطلان العمل بمؤدى الآخر إلا بناء على حجية الاصل المثبت بخلاف دليل الأمارة فإنه يدل على حجيتها في مؤداها ونفي لوازمه لأن الامارة يثبت بها لوازمها فتدل على بطلان مؤدي الأخرى وتكون حجة فيه.

(شروط أصالة الاشتغال):

ثم ان العقل انما يحكم بالموافقة القطعية للعلم الاجمالي عند من يقول بوجوبها بشروط : ـ

أحدها : أن يكون كل واحد من أطراف العلم الاجمالي بحيث لو فرض القطع بثبوت موضوع التكليف فيه كان التكليف منجزا بسببه فلو لم يكن كذلك كما لو علم بالاضطرار إلى غير المعين منهما وجب عليه اجتناب أحدهما لأنه لم يضطر للحرام فيكون الحرام منجزا عليه لكن لما كان اجتناب هذا الحرام المنجز عليه لا يمكن إلا بترك أحدهما مع ارتكاب الآخر للاضطرار إلى أحدهما الغير المعين تعين عليه الموافقة الاحتمالية.

ثانيها : أن لا يكون مؤمن من مخالفته للعلم الاجمالي في أحد أطرافه فلو فرض وجود المؤمن كأن قامت إمارة أو أصل معتبر في أحد الاطراف بلا معارض على جواز المخالفة مثل ما لو علم إجمالا بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة وقامت الأمارة أو الأصل على عدم

١٩٥

وجوب الجمعة مثلا فإنه يجوز ترك الجمعة وكما لو علم بغصبية أحد الإناءين وقامت الامارة على عدم غصبية أحدهما بعينه ولا تجوز في هذه الصورة المخالفة القطعية للعلم بحدوث التكليف غاية الأمر الشارع قد رخص في ارتكاب أحد محتملاته لوجود العذر عن المخالفة.

قد يقال إن هذا يقتضي عدم كون العلم الاجمالي علة تامة للموافقة القطعية وإلّا لما انفكت عنه كما لا تنفك عن العلم التفصيلي وإذا لم يكن علة تامة للموافقة القطعية جاز تخلفها عن العلم الإجمالي وعليه لا بد من إثباتها للعلم الاجمالي بدليل خاص وحيث لا دليل عندنا فالأصل براءة الذمة من الموافقة القطعية في كل علم إجمالي.

نعم هو علة تامة لحرمة المخالفة القطعية لتحقق العصيان بها.

وجوابه أن من يقول بمنجزية العلم الاجمالي للتكليف يذهب إلى أن العلم الاجمالي علة تامة بالنسبة لحرمة المخالفة القطعية لكونها يحصل بها العصيان للمولى فلو ورد دليل على جوازها لزم طرحه أو تأويله لتنجز التكليف به لأن التكليف قد علم بشروطه وإنما الشك كان في المكلف به لا بالتكليف كما لو علم بالتفصيل التكليف ولكنه بالنسبة إلى الموافقة القطعية يكون مقتضى تام لها بمعنى أنه لو خلي وطبعه تلزم موافقته القطعية إذا لم يرد دليل على جواز ارتكاب بعض الاطراف فلو ورد دليل أخذ به لأن إطاعة أمر المولى وامتثاله وكيفياتها بيد المولى فله أن يرضى بالبدل كما في التيمم أو الاكتفاء ببعض المحتملات كما في اشتباه القبلة وعليه فمقتضى الأصل هو الاطاعة القطعية لا براءة الذمة من التكلف ولا يعدل لبدلها أو الاقتصار على بعض المحتملات إلا بالدليل ، هذا على مسلك من يقول بمنجزية العلم الاجمالي.

ثالثها : أن تكون أطراف العلم الاجمالي محصورة فلو كانت أطراف

١٩٦

العلم الاجمالي غير محصورة بأن تبلغ الاطراف من الكثرة بحيث لا يعتني العقلاء بالعلم الاجمالي الحاصل فيها بأن يكون احتمال المعلوم بالاجمال في الاطراف ضعيف جدا كما لو احتمل أن قطرة بول وقعت في أحد أجزاء أرض داره الواسعة فلا تجب الموافقة القطعية للضرورة الدينية على ذلك كما عن بعض المتأخرين ولدعوى الاجماع عن الروض وجامع المقاصد وللزوم الحرج في الموافقة بل للاطمئنان بعدم المعلوم بالاجمال في الاطراف لغرض ضعف احتماله في كل منها فيجوز الارتكاب لها الى أن يبقى منها مقدار الحرام لحرمة المخالفة القطعية كما ذهب اليه بعض المتأخرين أو ارتكاب جميع أطرافها كما هو ظاهر الكثير من المتقدمين.

وأما لو كانت الاطراف تبلغ من المقدار بحيث يعتني العقلاء بالعلم الاجمالي الحاصل فيها لقلة الاطراف أو لكثرة المعلوم بالاجمال فيها بحيث يكون من شبهة الكثير في الكثير كأن علم بغصبية الف ثوب في أربعة آلاف من الثياب وجب عليه الاجتناب لاعتناء العقلاء بالعلم الاجمالي الحاصل فيها وتحقيق الحال يطلب مما حررناه في كتبنا الأصولية.

رابعها : ان تكون أطراف العلم الاجمالي دفعية لا تدريجية لأن التدريج يمنع من توجه الخطاب بالامر المستقبل لعدم صحة الخطاب بالواقعة المستقبلة فلا يكون الخطاب منجزا بالنسبة اليه ، وعليه فتكون الواقعة الفعلية مشكوكة التكليف بالشك البدوي كما لو كانت زوجته مضطربة الوقت بان كانت تعلم بأنها تحيض في الشهر ثلاثة أيام فهل يجب عليها اجتناب زوجها في الشهر كله؟ وهل عليها ترك دخول المساجد وقراءة العزائم؟ وكما لو علم تاجر بابتلائه بمعاملة ربوية في

١٩٧

شهره أو يومه فهل عليه اجتناب سائر المعاملات التي لا يعرف حكمها في ذلك الشهر؟ او اليوم ، كما لو نذر ترك وطء زوجته في ليلة واشتبه في تلك الليلة بأيام الأسبوع أو الشهر. فهل عليه اجتناب وطئها في ذلك الاسبوع أو ذلك الشهر ، فالقائل بعدم وجوب الاجتناب يجوز المخالفة القطعية. ففي المثال الاول يستصحب الطهر إلى أن تبقى ثلاثة أيام من الشهر فيجري أصالة الحل لعدم جريان الاستصحاب ويجري في كل معاملة في المثال الثاني أصالة إباحة المعاملة مع أصالة الفساد فيها فكل معاملة يشكل فيها يجري أصالة إباحتها لكنه لا يترتب الأثر عليها وقد أشكل بعضهم على ذلك بأن من يقول بمنجزية العلم الاجمالي لا يسلم عدم جواز الخطاب بالأمر الاستقبالي ولو سلم فهو يدعي استقلال العقل بالاحتياط وان لم يتنجز في وقت واحد لئلا يقع في المخالفة القطعية.

وفيه أنه مع عدم تجويز الخطاب بالأمر المستقبل لا علم اجمالي بالتكليف المنجز ولا مخالفة قطعية له. نعم إذا جوزنا ذلك وكان التكليف من هذا القبيل وكان التدرج غير موجب للخروج عن الابتلاء وعليه فلا ينبغي أن يفرق بين الاطراف التدريجية والدفعية ، نعم عليه أن يفرق في التدريجية بين ما كان الخطاب بالفرد اللاحق مطلقا فعلا وبين ما كان مشروطا كما فرق بعضهم بين ما إذا علم بحيضية زوجته ثلاثة أيام فإن الاجتناب مشروط بالحيض أو نذر ترك وطئها ثلاثة أيام فإن الاجتناب غير مشروط بشيء واشتبهت تلك الثلاثة بين أيام الشهر أو علم أن إحدى المعاملات التي يبتلى بها هذا اليوم ربويه فإن الاجتناب عنها غير مشروط بشيء فمنع من الاحتياط في الاول وحكم به في الأخيرين. وقد يورد عليه بعدم الفرق بينهما ويمكن الفرق بينهما بأن الحيض عنوان للمكلف به وموضوع له ومن المعلوم أن الخطاب لا يتوجه مع عدم تحقق موضوعه بخلاف مسألة المعاملة والنذر ففي مسألة الحيض يستصحب الطهر إلى أن يعلم نقض الحالة

١٩٨

السابقة وفي مسألة النذر يرجع الى اصالة إباحة الوطء وفي مسألة المعاملة يرجع إلى اصالة الفساد.

دوران الامر بين الاقل والاكثر :

أما الكلام فيما دار الأمر بين الأقل والأكثر بأن تردد العمل المكلف به بينهما على نحو يكون الشك في كلفة زائدة على الأقل بحيث لو كان الأقل هو الواجب واقعا لم يضر إتيان هذه الزيادة معه كما لو شك في جزئية الاستعاذة للصلاة وأما لو تردد العمل بينهما لا على هذا النحو بأن كان اتيان الزيادة مضرا ومبطلا للواجب لو كان الواجب هو الأقل كما لو تردد الواجب بين القصر والتمام والجمعة والظهر فهو خارج عن محل البحث ولا يسمى بدوران الأمر بين الأقل والأكثر ويكون داخلا في دوران الامر بين المتباينين.

والحاصل أن الزيادة إذا أحتمل ابطالها للواجب وافسادها له أو قطع بذلك كان المقام من قبيل دوران الأمر بين المتباينين ومتى لم يحتمل فيها ذلك وإنما يحتمل فيها الوجوب فقط كان من دوران الامر بين الأقل والأكثر ثم الكلام في هذا الفصل يتصور على قسمين : ـ

أحدهما : ما تكون صحة الأقل منوطة بضم الأكثر لو كان الواجب في الواقع هو نفس الأكثر كما لو تردد العمل المكلف به بين الصلاة مع الاستعاذة أو بدونها فإنه على تقدير وجوب الصلاة مع الاستعاذة في الواقع تكون الصلاة بدون الاستعاذة باطلة ويسمى هذا القسم بالأقل والأكثر الارتباطيين لأن أكثرية الاكثر من الأقل كانت بمدخلية الأقل فيه.

ثانيهما : بعكس ذلك بمعنى أن لا تكون صحة الأقل منوطة

١٩٩

بصحة الأكثر ولو فرض أن الأكثر هو الواجب في الواقع كما لو تردد الدين بين عشرة دنانير أو ثمانية ويسمى هذا القسم بالأقل والأكثر الاستقلاليين ولا ريب في جريان أصالة البراءة في هذا القسم الثاني في الزائد على الاقل لأنه شك في التكليف به ومن هذا الباب ما لا شك في عدد أيام الصيام الفائتة منه أو عدد الصلاة الفائتة منه.

أما القسم الاول فالحق أن العلم الاجمالي فيه ينحل إلى علم تفصيلي بالمكلف به وشك بدوي في التكليف بالأكثر وهو يتصور على صورتين :

أحدهما : أن يكون الشك في أجزاء المركب أو شروطه أو قيوده مثل أن يعلم بأن المطلوب منه هو الصلاة ولكنه يشك في جزئية الاستعاذة لها أو شرطية الطهارة لها أو بقيد كونها في المسجد.

ثانيهما : أن يكون الشك في تعيين الواجب أو التخيير بينه وبين غيره مثل ما لو علم اجمالا أما بوجوب تقليد الاعلم عليه أو أنه مخير بين تقليده وبين تقليد غير الاعلم ومثل ما لو علم بوجوب الظهر عليه أو أنه مخير بينها وبين الجمعة ونحو ذلك فإنه في الصورة الاولى ينحل العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي بوجوب الأقل وشك بدوي في الزائد عليه فيجب اتيان بالأقل للعلم التفصيلي به ويجري أصل البراءة في الكلفة الزائدة عليه حتى لو كان الشك شكا في تقييد المطلق كما لو شك في أنه مكلف بالرقبة مطلقا أو خصوص المؤمنة فينفي الكلفة الزائدة بالإيمان في الرقبة بالبراءة فينحل الخطاب المعلوم بالاجمال إلى خطاب معلوم بالتفصيل بالأقل وخطاب مشكوك بالأكثر ولو سلمنا عدم الانحلال الخطابي فيكفينا الانحلال العقابي لاستقلال العقل بقبح مؤاخذة المولى عبده بأكثر لم يبين له إلا الأقل منه لأنها

٢٠٠