حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

بمجرد إصابته ولا يكون عذراً لدى مخالفته مع عدمها ولا يكون مخالفته تجريا ولا يكون موافقته بما هي موافقته انقياداً وإن كانت بما هي محتملة لموافقة الواقع كذلك إذا وقعت برجاء إصابته فمع الشك في التعبد به يقطع بعدم حجيته وعدم ترتيب شيء من الآثار عليه للقطع بانتفاء الموضوع معه (ولعمري) هذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان أو إقامة برهان. وأما صحة الالتزام بما أدى إليه من الأحكام وصحة نسبته إليه تعالى فليستا من آثارها ضرورة

______________________________________________________

(١) (قوله : بمجرد اصابته) يعني إذا كان الأمر المعتبر واقعا مصيباً للواقع لا يصح العقاب على مخالفة الواقع بمجرد كونه معتبراً واقعاً ومصيبا ما لم يحرز اعتباره (٢) (قوله : ولا يكون عذرا) يعني إذا كان الأمر المعتبر واقعا مخطئا للواقع لا يصح ان يكون عذرا للعبد بحيث لا يحسن عقابه ما لم يحرز العبد كونه معتبراً ، والأولى ان يقول : لا يصح ان يكون مؤمِّنا للعبد ، وإلا فيصلح ان يكون عذرا له واقعا مانعا من حسن عقابه بناء على كون المناط في حسن العقاب مخالفة الواقع والطريق معا كما سيأتي إن شاء الله فتأمل (٣) (قوله : كذلك) يعني تكون انقياداً إلا انها حينئذ احتياط وهو من أنواع الانقياد (٤) (قوله : واما صحة الالتزام) هذا شروع في الإيراد على شيخه العلامة (قده) حيث انه في مقام بيان أن الأصل في مشكوك الاعتبار عدم الحجية استدل على حرمة التعبد بما لم يعلم اعتباره بالأدلة الأربعة ، ثم ساق الأدلة إلى آخرها ، وحاصل الإيراد : ان للحجية آثاراً منها لازمة وهي ما عرفت من المنجزية والمؤمنية ، ومنها غير لازمة وهي جواز الالتزام وجواز نسبة مؤدى الحجة إليه تعالى ، ومن المعلوم أن الاستدلال بعدم اللازم على عدم الملزوم إنما يصح في اللازم الأعم أو المساوي لا في اللازم الأخص ، وحينئذ فالاستدلال على عدم الحجية بما دل على حرمة الالتزام وحرمة النسبة ليس جاريا على القاعدة ، ويمكن ان يناقش المصنف (ره) بان جواز النسبة وإن كان بينه وبين الحجية عموم من وجه لكنه لم يستدل الشيخ (ره) بعدمه

٨١

أن حجية الظن عملا ـ على تقرير الحكومة في حال الانسداد ـ لا يوجب صحتهما فلو فرض صحتهما شرعاً مع الشك في التعبد به لما كان يجدي في الحجية شيئاً ما لم يترتب عليه ما ذكر من آثارها ومعه لما كان يضر عدم صحتهما أصلا كما أشرنا إليه آنفاً فبيان ، عدم صحة الالتزام مع الشك في التعبد وعدم جواز الإسناد إليه تعالى غير مرتبط بالمقام فلا يكون الاستدلال عليه بمهم كما أتعب به شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ نفسه الزكية بما أطنب من النقض والإبرام فراجعه بما علقناه عليه وتأمل

______________________________________________________

على عدم الحجية ، واما جواز الالتزام فلما كان من الأحكام العقلية لا الشرعية وكان موضوعه مطلق الطريق إلى الواقع فإذا انتفى عن مشكوك الاعتبار كان انتفاؤه دليلا على عدم كونه طريقا وحجة. نعم لو كان من الأحكام الشرعية جاز ان يكون ملحوظا لدليل الجعل وان لا يكون ، وعلى الثاني فلا يترتب مع فرض الحجية لكنه ليس كذلك بل هو حكم عقلي موضوعه مطلق الطريق إلى الواقع ولو بلحاظ العمل ، واما الظن بناء على الانسداد فليس بحجة ولا يستند إليه تخويف أو تأمين بل التخويف مستند إلى العلم الإجمالي والتأمين مستند إلى أدلة رفع الحرج ونحوها غاية الأمر أن العقل يحكم بلزوم جعل المخالفة التي بها يرتفع الحرج في خصوص مظنون عدم التكليف من جهة قاعدة قبح ترجيح المرجوح كما سيأتي بيانه إن شاء الله. هذا مضافا إلى أن الشيخ (ره) لم يظهر منه الاستدلال على عدم الحجية بما دل على حرمة التعبد بما لم يعلم اعتباره وإنما ظاهره تحرير أصالة حرمة التعبد بما لم يعلم التعبد به ، فليلحظ كلامه. نعم يرد عليه أن البحث في ذلك ليس من مقاصد الأصول بل هو بحث عن مسألة فرعية ، مضافاً إلى أن جملة من الأدلة التي ساقها لإثبات حرمة التعبد إنما تدل على عدم جواز النسبة ، فلتلحظ أيضا ، ولا بد من التأمل (١) (قوله : ان حجية الظن) قد عرفت الإشكال في حجيته (٢) (قوله : صحتهما شرعا) قد عرفت أن صحة الالتزام ليست شرعية (٣) (قوله : لما كان يضر) قد عرفت انه محل تأمل (قوله : وعدم جواز)

٨٢

وقد انقدح بما ذكرنا أن الصواب فيما هو المهم في الباب ما ذكرنا في تقرير الأصل فتدبر جيداً ، إذا عرفت ذلك فما خرج موضوعا عن تحت هذا الأصل أو قيل بخروجه يذكر في ذيل فصول

فصل

لا شبهة في لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع في تعيين مراده في الجملة لاستقرار طريقة العقلاء على اتباع الظهورات في تعيين المرادات مع القطع بعدم الردع عنها لوضوح عدم اختراع طريقة أخرى في مقام الإفادة لمرامه من كلامه كما هو واضح والظاهر أن سيرتهم على اتباعها من غير تقييد بإفادتها للظن فعلا ولا بعدم الظن كذلك على خلافها قطعاً ضرورة انه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها بعدم إفادتها للظن بالوفاق ولا بوجود الظن بالخلاف. كما أن الظاهر عدم اختصاص ذلك بمن قصد إفهامه ولذا لا يسمع اعتذار من لا يقصد إفهامه ذا خالف ما تضمنه ظاهر كلام

______________________________________________________

(١) قد عرفت أن الشيخ لم يتعرض له وان كان بعض أدلته تقتضيه (٢) (قوله : ما ذكرنا في تقرير) قد عرفت انه كذلك لأنه المقصود للأصولي ، ولعل هذا هو مقصود المصنف (ره) من إيراده على شيخه وان كان بعيدا عن العبارة. فتأمل

(في حجية الظهور)

(٣) (قوله : في الجملة) هذا قيد لقوله : لا شبهة ، يعني أن نفي الشبهة في وجوب اتباع الظهور بنحو الموجبة الجزئية لا الكلية لما سيأتي من القول بعدم وجوب الاتباع لبعض افراد الظاهر (٤) (قوله : لاستقرار طريقة) هذا دليل وجوب اتباع الظاهر ، وحاصله سيرة العقلاء الممضاة من قبل الشارع قطعا إذ ليس له طريقة خاصة في افهام مقاصده (٥) (قوله : والظاهر ان سيرتهم) شروع في بيان عموم وجوب الاتباع لكل ظاهر من غير تفصيل بين ما كان موجبا للظن

٨٣

المولى من تكليف يعمه أو يخصه ويصح به الاحتجاج لدى المخاصمة واللجاج كما تشهد به صحة الشهادة بالإقرار من كل من سمعه ولو قصد عدم إفهامه فضلا عما إذا لم يكن بصدد إفهامه. ولا فرق في ذلك بين الكتاب المبين وأحاديث سيد المرسلين والأئمة الطاهرين وان ذهب بعض الأصحاب إلى عدم حجية ظاهر الكتاب إما بدعوى اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله ومن خوطب به كما يشهد به ما ورد في ردع أبي حنيفة وقتادة عن الفتوى به ، أو بدعوى أنه لأجل احتوائه على مضامين شامخة ومطالب غامضة عالية لا يكاد تصل إليها أيدي أفكار أولى الأنظار غير الراسخين العالمين بتأويله كيف ولا يكاد يصل إلى فهم كلمات الأوائل إلا الأوحدي من الأفاضل؟ فما ظنك بكلامه تعالى مع اشتماله على علم ما كان وما يكون وحكم

______________________________________________________

الفعلي وغيره ـ كما حكى عن بعض المتأخرين ـ فنفى حجية الظاهر إذا لم يكن ظن على خلافه ، أو بين ما كان على خلافه ظن فعلي وما لم يكن ، فلا يكون الأول حجة ـ كما هو محتمل القول المذكور ـ أو بين من قصد إفهامه بالخطاب ومن لم يقصد فلا يكون الظهور حجة للثاني كما هو المحكي ـ عن صاحب القوانين ـ أو التفصيل بين ظاهر الكتاب المجيد وغيره فلا يكون الأول حجة ـ كما هو المحكي عن الأخباريين ـ والوجه في نفي هذه التفصيلات وعموم الحجية للجميع عموم دليل الحجية لاستقرار سيرة العقلاء على التمسك بالظهورات في جميع الأنواع من غير فرق (١) (قوله : من تكليف) بيان لما في قوله : ما تضمنه (٢) (قوله : ويصح به) معطوف على قوله : لا يسمع ، أي ولذا يصح ... إلخ (٣) (قوله : ما ورد في ردع أبي حنيفة) ففي رواية شعيب بن أنس عن أبي عبد الله عليه‌السلام : يا أبا حنيفة لقد ادعيت علما ويلك ما جعل الله ذلك الا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ، وفي رواية الشحام من قول أبي جعفر عليه‌السلام : يا قتادة ويحك انما يعرف القرآن من خوطب به ، وفي رواية ابن مسلم : ونحن نعلمه فليس يعلمه غيرنا (٤) (قوله : لأجل احتوائه) ففي رواية ابن الحجاج : ليس شيء أبعد عن

٨٤

كل شيء أو بدعوى شمول المتشابه الممنوع عن اتباعه للظاهر لا أقل من احتمال شموله لتشابه المتشابه وإجماله ، أو بدعوى أنه وإن لم يكن منه ذاتا إلا أنه صار منه عرضاً للعلم الإجمالي بطروء التخصيص والتقييد والتجوز في غير واحد من ظواهره ـ كما هو الظاهر ـ أو بدعوى شمول الاخبار الناهية عن تفسير القرآن بالرأي لحمل الكلام الظاهر في معنى على إرادة هذا المعنى ولا يخفى أن النزاع يختلف صغرويا وكبرويا بحسب الوجوه فبحسب غير الوجه الأخير والثالث يكون صغرويا وأما بحسبهما فالظاهر أنه كبروي ويكون المنع عن الظاهر إما لأنه من المتشابه قطعاً أو احتمالا ، أو لكون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير بالرأي وكل هذه الدعاوي فاسدة (أما الأولى) فانما المراد مما دل على اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته ومحكماته بداهة أن فيه ما لا يختص به كما لا يخفى. وردع أبي حنيفة وقتادة عن الفتوى به إنما هو لأجل الاستقلال في الفتوى بالرجوع إليه من دون مراجعة أهله لا عن الاستدلال بظاهره مطلقاً ولو مع الرجوع إلى رواياتهم والفحص عما ينافيه والفتوى به مع اليأس عن الظفر به كيف وقد وقع في غير واحد من

______________________________________________________

عقول الرّجال من القرآن ، وفي رواية ابن جابر : ولهذه العلة وأشباهها لا يبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله تعالى الا نبيه أو أوصياؤه (١) (قوله : أو بدعوى شمول المتشابه) كما ادعاها السيد الصدر في شرح الوافية (٢) (قوله : للعلم الإجمالي بطروء) العلم الإجمالي لا يوجب كون الظاهر من المتشابه عرضا بل يوجب كونه بحكم المتشابه من جهة اقتضائه سقوط أصالة الظهور عن الحجية كما هو الحال في كل علم إجمالي بين افراد محصورة فانه يوجب سقوط الأصول فيها على ما يأتي الإشارة إلى ذلك في محله (٣) (قوله : كما هو الظاهر) قيد للعلم الإجمالي (٤) (قوله : صغرويا) يعني يكون النزاع في أنه ظاهر أو ليس بظاهر (٥) (قوله : وكبرويا) يعني يكون النزاع في أن ظاهر القرآن بعد البناء على كونه ظاهراً هل يجب العمل به أولا؟ (٦) (قوله : يكون صغرويا) يعني ترجع دعوى الخصم إلى عدم كونه ظاهراً ،

٨٥

الروايات الإرجاع إلى الكتاب والاستدلال بغير واحد من آياته؟ (وأما الثانية) فلأن احتواه على المضامين العالية الغامضة لا يمنع عن فهم ظواهره المتضمنة للأحكام وحجيتها كما هو محل الكلام (واما الثالثة) فللمنع عن كون الظاهر من المتشابه فان الظاهر كون المتشابه هو خصوص المجمل وليس بمتشابه ومجمل (واما الرابعة) فلان العلم إجمالا بطروء إرادة خلاف الظاهر إنما يوجب الإجمال فيما إذا لم ينحل بالظفر في الروايات بموارد إرادة خلاف الظاهر بمقدار المعلوم بالإجمال ـ مع أن دعوى اختصاص أطرافه بما إذا تفحص عما يخالفه لظفر به غير بعيدة فتأمل جيداً (وأما الخامسة) فيمنع كون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير فانه كشف القناع ولا قناع للظاهر ولو سلم فليس من التفسير بالرأي إذ الظاهر أن المراد بالرأي هو الاعتبار الظني الّذي لا اعتبار به وإنما كان منه حمل اللفظ على خلاف ظاهره

______________________________________________________

لكن قد عرفت أنه يشكل ذلك على الوجه الرابع إذ العلم الإجمالي لا يرفع الظهور فتأمل (١) (قوله : فيما إذا لم ينحل بالظفر) يعني العلم الإجمالي إنما يمنع من أصالة الظهور لو لم يكن ينحل بالعلم التفصيليّ بالمخصصات والمقيدات أما إذا انحل بالعلم التفصيليّ بذلك الحاصل من البحث والفحص فلا يؤثر اثره ، لكن لا يخفى أن هذا مبني على انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيليّ اللاحق ، وهو محل الكلام والإشكال كما سيأتي بيانه في محله إن شاء الله (٢) (قوله : مع ان دعوى اختصاص) يعني أن العلم الإجمالي الحاصل ليس بوجود مخالفات الظواهر مطلقا بل بوجود مخالفات لو فحصنا عنها لعثرنا عليها ومثل هذا العلم الإجمالي إنما يمنع قبل الفحص اما بعده فان عثر على ما يوجب مخالفة الظاهر كان من المعلوم بالإجمال وان لم يعثر عليه كان الظاهر معلوم الخروج تفصيلا عن أطراف الشبهة ، وحينئذ لا مانع من أصالة الظهور (٣) (قوله : غير بعيدة) بل لو كانت بعيدة فغاية الأمر ان يكون هناك علمان إجماليان أحدهما عام والآخر خاص وهما مقترنان ولا ريب في انحلال الأول بالثاني مع الاقتران كما سيجيء في محله (٤) (قوله : وإنما كان منه) يعني بل منه حمل ... إلخ

٨٦

لرجحانه بنظره أو حمل المجمل على محتمله بمجرد مساعدته ذاك الاعتبار من دون السؤال عن الأوصياء وفي بعض الاخبار : إنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء فيعرفونهم. هذا ـ مع أنه لا محيص عن حمل هذه الروايات الناهية عن التفسير به على ذلك ولو سلم شمولها لحمل اللفظ على ظاهره ضرورة انه قضية التوفيق بينها وبين ما دل على جواز التمسك بالقرآن مثل خبر الثقلين ، وما دل على التمسك والعمل بما به فيه ، وعرض الاخبار المتعارضة عليه ، ورد الشروط المخالفة له ، وغير ذلك مما لا محيص عن إرادة الإرجاع إلى ظواهره لا خصوص نصوصه ضرورة أن الآيات التي يمكن ان تكون مرجعاً في باب تعارض الروايات أو الشروط أو يمكن أن يتمسك بها ويُعمل بما فيها ليست إلا ظاهرة في معانيها وليس فيها ما كان نصاً كما لا يخفى (ودعوى) العلم الإجمالي بوقوع التحريف فيه بنحو إما بإسقاط أو بتصحيف (وان كانت) غير بعيدة كما يشهد به بعض الاخبار ويساعده الاعتبار إلا أنه لا يمنع عن حجية ظواهره

______________________________________________________

(١) (قوله : وردّ الشروط المخالفة) مثل صحيح الحلبي : كل شرط خالف كتاب الله فهو مردود ونحوه كثير (٢) (قوله : لا محيص عن إرادة) يعني لا محيص عن كون المراد به الإرجاع إلى ظواهر ... إلخ (٣) (قوله : ودعوى العلم الإجمالي) قال للفضل الطبرسي في مجمعه : فاما الزيادة فيه فمجمع على بطلانه ، واما النقصان فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييراً ونقصانا والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه وهو الّذي نصره المرتضى قدس الله روحه ، واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات ، وذكر في مواضع : أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة واشعار العرب المسطورة فان العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله

٨٧

لعدم العلم بوقوع الخلل فيها بذلك أصلا ، ولو سلم فلا علم بوقوعه في آيات الأحكام

______________________________________________________

وحراسته وبلغت إلى حد لم يبلغه ما ذكرناه لأن القرآن معجز النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟ وقال أيضا : إن العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني إلى آخر ما نقل من كلام السيد (ره) ، وقال الشيخ (ره) في محكي تبيانه : أما الكلام في زيادته ونقصانه ـ يعني القرآن ـ فمما لا يليق به لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها والنقصان منه فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا كما نصره المرتضى وهو الظاهر من الروايات ، غير انه رويت روايات كثيرة من جهة العامة والخاصة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع لكن طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ، فالأولى الاعراض عنها وترك التشاغل بها لأنه يمكن تأويلها ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين فان ذلك معلوم صحته لا يعترضه أحد من الأمة ولا يدفعه ، ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسك بما فيه ورد ما يرد من اختلاف الاخبار في الفروع إليه وعرضها عليه .. إلى آخر كلامه ، ومما ذكره السيد (ره) يظهر لك الإشكال فيما ذكره المصنف (ره) بقوله : ويساعد عليه الاعتبار ، كما ان مما ذكره الشيخ (ره) في آخر كلامه يظهر انه لا يقدح العلم بالتحريف في جواز التمسك بالكتاب المجيد إذ يكفي في حجيته حينئذ الاخبار الآمرة بالرجوع إليه الكاشفة عن كون التحريف لا يقدح في ظواهره المثبتة للأحكام ولا حاجة إلى الجواب بما ذكره المصنف (ره) (١) (قوله : لعدم العلم بوقوع) هذا الجواب الأول ، وحاصله : أن العلم بالتحريف لا يوجب سقوط أصالة الظهور عن الحجية لعدم العلم بكون التحريف موجباً للخلل بالظواهر (٢) (قوله : ولو سلم فلا علم) هذا جواب ثان بعد تسليم الأول وحاصله : أن

٨٨

والعلم بوقوعه فيها أو في غيرها من الآيات غير ضائر بحجية آياتها لعدم حجية ظاهر سائر الآيات والعلم الإجمالي بوقوع الخلل في الظواهر إنما يمنع عن حجيتها إذا كانت كلها حجة وإلّا لا يكاد ينفك ظاهر عن ذلك كما لا يخفى فافهم (نعم) لو كان الخلل المحتمل فيه أو في غيره بما اتصل به لأخل بحجيته لعدم انعقاد ظهور له حينئذ وان انعقد له الظهور لو لا اتصاله (ثم) إن التحقيق أن الاختلاف في القراءة

______________________________________________________

التحريف المعلوم وإن كان يوجب الخلل بظواهر الكتاب في الجملة إلا أنه لما كان بعض أطراف الشبهة خارجا عن محل الابتلاء لاحتمال كون الظواهر التي وردها الخلل ظواهر غير آيات الأحكام ، ولما كانت الظواهر المذكورة خارجة عن محل الابتلاء لم يكن العلم الإجمالي منجزاً ومانعاً من الرجوع إلى الأصل فيما هو محل الابتلاء من ظواهر الآيات (١) (قوله : عن ذلك) يعني عن كونه طرفا لعلم إجمالي بعض أطرافه خارج عن محل الابتلاء (٢) (قوله : فافهم) يمكن أن يكون إشارة إلى الإشكال في خروج ظواهر غير آيات الأحكام عن محل الابتلاء إذ يكفي في كونها محل الابتلاء كونها موضوعا لجواز الاعتماد عليها في الاخبار عن مضامينها الواقعية ، فحجية أصالة الظهور لا تختص بالاحكام الشرعية بل تكون أيضا بلحاظ جواز حكاية مضمون الظاهر واقعاً ، فلاحظ (٣) (قوله : نعم لو كان الخلل المحتمل) يعني ان الخلل الحاصل من التحريف (تارة) يمنع من انعقاد الظهور نظير القرائن المتصلة (وأخرى) يمنع عن العمل بالظهور نظير القرائن المنفصلة ، وهذا الّذي ذكرناه انما هو لو كان المعلوم ثبوت التحريف بنحو يوجب الخلل بالنحو الثاني أما لو كان بنحو يوجب الخلل بالنحو الأول أمكن المنع من حجية الظواهر ، وذلك لأن العلم الإجمالي يوجب الشك في انعقاد الظهور فيما هو محل الابتلاء ، ومع هذا الشك كيف يكون حجة لأن أصالة الظهور انما تجري بعد الفراغ عن أصل الظهور لا مع الشك فيه (وفيه) أن أصالة الظهور وان كانت كما ذكر إلا أن أصالة عدم القرينة لا مانع من جريانها حينئذ بالنسبة إلى ما هو محل

٨٩

بما يوجب الاختلاف في الظهور مثل (يطهرن) بالتشديد والتخفيف يوجب الإخلال بجواز التمسك والاستدلال لعدم إحراز ما هو القرآن ولم يثبت تواتر القراءات

______________________________________________________

الابتلاء ، وإذا جرت أوجبت ثبوت الظهور تعبداً فيكون موضوعا لأصالة الظهور وبعبارة أخرى : لا فرق بين نحوي التحريف المعلوم بالإجمال فكما أن العلم بالنحو الثاني لا يمنع من جريان أصالة الظهور فيما هو محل الابتلاء كذلك العلم بالنحو الأول لا يمنع من إجراء أصالة عدم القرينة. ثم انه يمكن دعوى انحلال العلم الإجمالي بالتحريف بالعلم الإجمالي بتحريف لو فحصنا عنه عثرنا عليه ، فان هذا العلم لما كان مقارنا للعلم الإجمالي لم يكن إشكال في اقتضائه الانحلال على النحو المتقدم كما أشار إليه في الحاشية (١) (قوله : بما يوجب الاختلاف) أما إذا لم يكن موجباً للاختلاف في الظهور فلا إشكال في جواز العمل به بعد البناء على حجية ظواهره للعلم بكونه قرآناً لتواتره (٢) (قوله : لعدم إحراز ما هو القرآن) يعني فيكون العمل بإحدى القراءات عملا بما لا يعلم كونه قرآناً وهو لا يجوز للشك في موضوع الحجية (٣) (قوله : ولم يثبت تواتر القراءات) الكلام في هذا المقام يقع في أمور «الأول» تواتر القراءات وعدمه ، المشهور ـ كما قيل ـ تواتر القراءات السبع وعن الشهيد الثاني في المقاصد العلية أن كلا من القراءات السبع من عند الله تعالى نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرين تخفيفاً على الأمة وتهوينا على أهل هذه الملة ، ومثله المحكي عن غيره من علماء الإمامية وغيرهم ، لكن ظاهر المحكي من كلام الشيخ في التبيان والطبرسي في مجمع البيان وغيرهما العدم وهو المصرح به في كلام جماعة من المتأخرين من أصحابنا وآخرين من غيرهم ، وعليه المعول ، ففي صحيح الفضيل لما قال له : ان الناس يقولون : ان القرآن نزل على سبعة أحرف ، : كذب أعداء الله ولكنه نزل بحرف واحد من عند الواحد ، ونحوه غيره «الثاني» جواز الاستدلال بكل قراءة مطلقا أو من السبع فقد يتوهم بدعوى استفادته من نصوص الرجوع إليه كما تقدمت إليها الإشارة نظير استفادة جواز القراءة بكل قراءة من مثل قول الصادق

٩٠

ولا جواز الاستدلال بها وان نسب إلى المشهور تواترها لكنه مما لا أصل له وانما الثابت جواز القراءة بها ولا ملازمة بينهما كما لا يخفى ولو فرض جواز الاستدلال بها فلا وجه لملاحظة الترجيح بينها بعد كون الأصل في تعارض الأمارات هو (سقوطها) عن الحجية في خصوص المؤدى بناء على اعتبارها من باب الطريقية

______________________________________________________

عليه‌السلام في خبر سالم أبي سلمة : اقرأ كما يقرأ الناس ، ولكنه كما ترى ، للفرق بين لساني الدليلين وموردهما ، فلاحظ «الثالث» جواز معاملة كل واحد منها معاملة الخبر في الأحكام من حيث الحجية وإجراء قواعد التعارض وغير ذلك ، الظاهر ذلك لعموم الأدلة ، ويشهد به أيضا خبر زرارة المروي عن كتاب فضل القرآن من الكافي عن أبي جعفر عليه‌السلام : إن القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرّواة ، وقريب منه خبره الآخر المروي عن كتاب التحريف والتنزيل للسياري بطرق متعددة بعضها صحيح وحينئذ فمع التعارض يرجع إلى المرجحات ، ومع فقدها يتخير ، إلا أن يُدعى انصراف أدلة الترجيح والتخيير عن القراءات وان كانت من قبيل الروايات ولا سيما وفي نصوص التخيير والترجيح مثل قوله : يأتي عنكم ، المختص بالرواية عن الأئمة عليهم‌السلام ، لكن هذا الإشكال ضعيف لمنع الانصراف وإلغاء العرف مثل هذه الخصوصيات ولا سيما بملاحظة التعليل لبعض المرجحات بمثل قوله : فان المشهور لا ريب فيه ، وخلو جملة من النصوص عن التخصيص ، فتأمل جيداً (١) (قوله : ولا جواز الاستدلال) إشارة إلى المقام الثاني (٢) (قوله : فلا وجه لملاحظة) يعني لو بنينا على جواز الاستدلال بالقراءة بما أنها قراءة ففي حال التعارض بين القراءات لا وجه للرجوع إلى المرجحات السندية ومع التساوي يتخير كما هو الحكم في كل خبرين متعارضين لأن ذلك كله خلاف الأصل في المتعارضين لا يجوز ارتكابه إلّا بدليل ، والدليل الّذي قائم عليه يختص بالروايتين المتعارضتين فلا يشمل القراءتين ، بل المرجع في القراءتين المتعارضتين هو الأصل وهو التساقط والرجوع إلى حجة أخرى من دليل

٩١

«والتخيير» بينها بناء على السببية مع عدم دليل على الترجيح في غير الروايات من سائر الأمارات فلا بد من الرجوع حينئذ إلى الأصل أو العموم حسب اختلاف المقامات.

فصل

قد عرفت حجية ظهور الكلام في تعيين المرام فان أحرز بالقطع وأن المفهوم منه جزما بحسب متفاهم أهل العرف هو ذا فلا كلام

______________________________________________________

ثالث أو أصل بناء على الطريقية في حجية الأمارات ، واما بناء على السببية والموضوعية فالأصل التخيير كما هو الحكم في كل مقتضيين متزاحمين مع عدم المرجح ومعه يؤخذ بالراجح اقتضاء وتأثيراً كما لا يخفى ، ثم إنك عرفت أن هذا يتم لو بني على جواز الاستدلال بكل قراءة من حيث كونها قراءة الّذي هو محل الكلام في الأمر الثاني ، واما لو بني على جواز الاستدلال بالقراءة باعتبار كون القارئ راويا للقرآن كان إجراء قواعد تعارض الروايتين في محله على ما بيناه لكنه ليس محط كلام المصنف «ره» (١) (قوله : والتخيير) معطوف على سقوطهما (٢) (قوله : بناء على السببية) سيجيء إن شاء الله وجه ذلك في محله (٣) (قوله : في غير الروايات) متعلق بسقوطها وما عطف عليه وهو التخيير وانما خصه بغير الروايات لأن الروايات المتعارضة يرجع فيها إلى أحكام التعارض التي هي خلاف الأصل المذكور لأجل الدليل كما أشرنا إليه (٤) (قوله : إلى الأصل) يعني الأصل العملي الجاري في المسألة لو لا الأمارات المتعارضة (٥) (قوله : حسب اختلاف) إذ المرجع في بعض المقامات العموم لوجوده وفي بعضها الأصل لفقد العموم (٦) (قوله : فان أحرز بالقطع) اعلم أن الشك في مراد المتكلم من الكلام (تارة) يكون للشك في معناه لأجل الجهل بالموضوع له «وأخرى» لوجود ما يصلح لصرفه «وثالثة» للشك في وجود الصارف (ورابعة) لاحتمال تعمد إرادة خلاف

٩٢

وإلّا فان كان لأجل احتمال وجود قرينة فلا خلاف في أن الأصل عدمها لكن الظاهر أنه معه يُبنى على المعنى الّذي لولاها كان اللفظ ظاهراً فيه ابتداءً لا أنهُ يبنى عليه بعد البناء على عدمها كما لا يخفى فافهم

______________________________________________________

الظاهر ، والشك من الجهة الرابعة قد تقدم البحث عن حكمه في الفصل المتقدم وبين فيه انه يبنى على إلغاء احتمال تعمد خلاف الظاهر بل يحكم بإرادة المتكلم للظاهر ، وهذا الفصل معقود لحكم الشك من الجهات الثلاث الباقية (١) (قوله : فان كان لأجل هذا تعرض لحكم الشك من الجهة الثالثة ، وحاصل ما ذكر : انه يبنى على عدم الاعتناء باحتمال وجود القرينة الصارفة فيحمل على المعنى الظاهر منه لو لا القرينة المحتملة (٢) (قوله : لكن الظاهر انه معه) يعني ربما يتوهم في المقام أن أصالة عدم القرينة متقدم بحسب الرتبة على أصالة الظهور حيث أن أصالة الظهور انما تجري في رتبة متأخرة عن ثبوت الظهور ، والظهور مع الشك في القرينة انما يحرز بواسطة أصالة عدم القرينة فتكون أصالة عدم القرينة متقدمة على أصالة الظهور بمرتبتين ، وهذا التوهم ساقط باعتقاد المصنف ـ رحمه‌الله ـ وان أصالة عدم القرينة ليس أصلا عقلائياً وظيفته إثبات الظهور بل هو راجع إلى أصالة الظهور إذ ليس للعقلاء بناء ان مترتبان كما توهم بل ليس لهم إلّا بناء واحد وهو حمل اللفظ على معناه سواء أحرز كونه ظاهراً أم شك في ذلك للشك في وجود القرينة الصارفة عنه ، وهذا منه على العكس مما يظهر من عبارة شيخه في رسائله من إرجاع أصالة الحقيقة وأصالة العموم وأصالة الإطلاق التي هي أنواع لأصالة الظهور إلى أصالة عدم القرينة ، لكن الظاهر أن ما ذكراه معا خلاف الارتكاز العقلائي إذ المرتكز في أذهان العقلاء ان لهم شكين مترتبين أحدهما الشك فيما هو ظاهر الكلام ، والثاني الشك في إرادة ذلك الظاهر والأصول الجارية عندهم أيضا مترتبة بعضها جار في الأول وهو أصالة عدم القرينة ، وبعضها جار في الثاني وهو أصالة الظهور بأنواعه المتنوعة حسب اختلاف المقامات من أصالة الحقيقة وأخواتها ، والتأمل في ترتب الشكين المذكورين مما يرتفع بمزيد التأمل وترتب الأصول تابع

٩٣

وان كان لاحتمال قرينية الموجود فهو وان لم يكن مجالا للإشكال ـ بناء على حجية أصالة الحقيقة من باب التعبد ـ إلا أن الظاهر أن يُعامل معه معاملة المجمل. وإن كان لأجل الشك فيما هو الموضوع له لغة أو المفهوم منه عرفا فالأصل يقتضي عدم حجية الظن فيه فانه ظن في أنه ظاهر ولا دليل إلا على حجية الظواهر. نعم نُسب إلى المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص في تعيين الأوضاع واستدل لهم باتفاق العلماء بل العقلاء على ذلك حيث لا يزالون يستشهدون بقوله في مقام الاحتجاج بلا إنكار من أحد ولو مع المخاصمة واللجاج. وعن بعض دعوى الإجماع على ذلك وفيه أن الاتفاق لو سلم اتفاقه فغير مفيد

______________________________________________________

لترتب موضوعاتها ، ومجرد الاشتراك في النتيجة حيث أن المقصود من كل من النوعين الحمل على المعنى الخاصّ لا يصحح إرجاعهما إلى نوع واحد فلاحظ ، ولعله إلى هذا أشار بقوله : فافهم (١) (قوله : وان كان لاحتمال) هذا تعرض لحكم الشك في المراد من الجهة الثانية ، وحاصل حكمه : أنه إن بنينا على أن أصالة الحقيقة حجة تعبداً كان اللازم الحمل على المعنى الحقيقي وعدم الاعتناء باحتمال قرينية الموجود وإن بنينا على انها حجة من باب الظهور أي لأنها فرد من أصالة الظهور كان اللازم الحكم بالإجمال والتوقف ، وذلك لأن أصالة الظهور إنما تجري في ظرف الظهور ووجود ما يصلح للقرينية مانع من انعقاد الظهور للكلام قوله : إلّا ان الظاهر أن) لأن الظاهر كون أصالة الحقيقة حجة من باب الظهور ، وهذا يؤيد ما تقدم من ترتب الأصول (٢) (قوله : وان كان لأجل الشك) هذا شروع في تحقيق حكم الشك من الجهة الأولى (٣) (قوله : باتفاق العلماء) المراد به الإجماع العملي المعبر عنه بالسيرة بخلاف الإجماع الآتي بيانه فانه إجماع قولي بمعنى صدور الفتوى من جميع العلماء (٤) (قوله : لو سلم اتفاقه) أي لو سلم وجوده من باب الاتفاق (٥) (قوله : فغير مفيد) لأن حجية مثله تتوقف على الإمضاء من قبل الشارع وهو غير معلوم كيف ومن مقدمات إثبات الإمضاء ثبوت السيرة في زمن المعصوم عليه‌السلام وهو

٩٤

مع أن المتيقن منه هو الرجوع إليه مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة ، والإجماع المحصَّل غير حاصل ، والمنقول منه غير مقبول خصوصاً في مثل المسألة مما احتمل قريباً أن يكون وجه ذهاب الجل لو لا الكل هو اعتقاد أنه مما اتفق عليه العقلاء من الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها والمتيقن من ذلك إنما هو فيما إذا كان الرجوع يوجب الوثوق والاطمئنان ولا يكاد يحصل من قول اللغوي وثوق بالأوضاع

______________________________________________________

في المقام غير ثابت أو ثابت العدم؟ (١) (قوله : مع أن المتيقن) هذه الدعوى لا ينبغي ان تذكر إلّا بقصد تكثير السواد كما لا يخفى بأدنى ملاحظة ، كيف والشروط المذكورة للعدالة إنما هي شروط شرعية تعبدية ليس لها عند العقلاء عين ولا أثر؟ مع انها مفقودة غالبا كما هو ظاهر (٢) (قوله : غير مقبول) لما سيأتي إن شاء الله تعالى (٣) (قوله : مما احتمل قريبا) لكن هذا الاحتمال لا يختص قدحه في الإجماع المنقول بل يجري في المحصّل أيضا لأنه راجع إلى ان العلم بمستند المجمعين مانع من اعتبار إجماعهم فلا وجه لتخصيصه بالمنقول ، مع انه لا يتم على طريقة اللطف كما يأتي في مبحث الإجماع (٤) (قوله : من الرجوع) يعني ان بناء العقلاء على الرجوع في كل صنعة إلى أهل الخبرة بها فيكون الرجوع إلى قول اللغوي من باب الرجوع إلى أهل الخبرة ، ولو تم هذا البناء من العقلاء كان حجة لتمامية مقدمات الإمضاء فيه لثبوته في جميع الأعصار حتى عصر المعصومين عليهم‌السلام وبذلك افترق عن بنائهم على العمل بأقوال اللغويين الّذي عرفت انه لا دليل على حجيته لعدم تمامية مقدمات الإمضاء فيه إلّا ان في كون اللغوي من أهل الخبرة تأملا أو منعا كما سيأتي في آخر البحث (٥) (قوله : يوجب الوثوق والاطمئنان) ينبغي ان يكون المراد بهما النوعيين لا الشخصيين إذ هو الّذي استقر عليه بناء العقلاء لو كان كما هو الظاهر (٦) (قوله : ولا يكاد يحصل من قول) إنكار حصول الوثوق الشخصي فضلا عن النوعيّ من قول اللغوي يحتاج إلى مئونة مثل مئونة

٩٥

بل لا يكون اللغوي من أهل خبرة ذلك بل انما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال بداهة أن همه ضبط موارده لا تعيين أن أيا منها كان اللفظ فيه حقيقة أو مجازاً؟ وإلّا لوضعوا لذلك علامةً وليس ذكره أولا علامة كون اللفظ حقيقة فيه للانتقاض بالمشترك وكون موارد الحاجة إلى قول اللغوي أكثر من أن يحصى لانسداد باب العلم بتفاصيل المعاني غالباً بحيث يُعلم بدخول الفرد المشكوك أو خروجه وان كان المعنى معلوماً في الجملة لا يوجب اعتبار قوله

______________________________________________________

الإثبات ، كيف وحصول الوثوق الشخصي فضلا عن النوعيّ كثير جداً؟ نعم كثيرا ما لا يحصل ذلك أيضا فلا يصح الإنكار مطلقا كما لا يصح الإثبات كذلك (١) (قوله : بل لا يكون اللغوي) هذا في الإشكال كما قبله لا يسلم الا في الجملة وليس أهل اللغة الا من أهل اللسان مع زيادة التبحر والتضلع والإحاطة ، وكيف يصح دعوى أن أهل اللسان ليسوا من أهل الخبرة بمعاني لغتهم (٢) (قوله : بل انما هو من أهل) هذا مسلم في جملة من الألفاظ المستعملة في المعاني المتكثرة المتناسبة لا مطلقاً ، وفي بعض اللغويين لا كلهم ، فانظر إلى فقه اللغة ونحوه تعرف صدق ما قلنا (٣) (قوله : وكون موارد الحاجة) هذا وجه آخر للاستدلال على حجية قول اللغوي ، وحاصله التمسك بمقدمات دليل الانسداد في خصوص معرفة الأوضاع فيقال : لو بني على الاقتصار على العلم في اللغات ولم يرجع إلى قول أهل اللغة لزم التوقف في أكثر المقامات لقلة الموارد التي يحصل فيها العلم ، وذلك يفضي إلى العسر والحرج فدليل نفي العسر والحرج يقتضي جواز الرجوع إليهم ، (٤) (قوله : لا يوجب اعتبار) هذا خبر لكون وجواب عنه وتوضيحه : أن مجرد انسداد باب العلم باللغة لا يكفي في جواز الأخذ بالظن فيها ، كما أن مجرد انسداد باب العلم بالاحكام لا يكفي في جواز العمل به بل لا بد من انضمام مقدمات أخر مثل أن العمل بالاحتياط موجب لاختلال النظام أو الحرج المنفي في الشريعة المقدسة والعمل بالبراءة موجب للخروج عن الدين أو المخالفة القطعية كما سيأتي

٩٦

ما دام انفتاح باب العلم بالأحكام كما لا يخفى ومع الانسداد كان قوله معتبراً إذا أفاد الظن من باب حجية مطلق الظن وان فرض انفتاح باب العلم باللغات بتفاصيلها فيما عدا المورد «نعم» لو كان هناك دليل على اعتباره لا يبعد أن يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات موجباً له على نحو الحكمة لا العلة «لا يقال» : على هذا لا فائدة في الرجوع إلى اللغة «فانه يقال» : مع هذا لا يكاد تخفى الفائدة في المراجعة إليها فانه ربما يوجب القطع

______________________________________________________

بيان ذلك في محله وحينئذ فان كان الأخذ بالاحتياط والبراءة عند انسداد باب العلم باللغة مما يترتب عليه المحذور ان المذكور ان فقد تمت مقدمات الانسداد في الأحكام وجاز الأخذ بكل ظن بالحكم سواء أكان ناشئاً من الظن باللغة من قول اللغوي أم من غيره أم من الظن بغير اللغة أيضا ، ولا وجه لدعوى حجية قول اللغوي بالخصوص ، وان لم يترتب عليه المحذور ان امتنع الاعتماد على قول اللغوي فضلا عن غيره ووجب الاحتياط (١) (قوله : ما دام انفتاح) يعني بان لا تتم مقدمات الانسداد في الأحكام (٢) (قوله : ومع الانسداد) يعني مع تمامية مقدمات الانسداد في الأحكام (٣) (قوله : وان فرض انفتاح) فعلى هذا لا يكون انسداد باب العلم باللغة منشأ لجواز العمل على الظن ولا يناط به لا وجوداً ولا عدماً ، نعم لو دل دليل على حجية قول اللغوي بالخصوص لا يبعد أن يكون الانسداد حكمة للحكم بمعنى كونه علة لتشريعه وجعل الحجية ولو في غير مورد الانسداد لا على أن يكون علة بحيث لا يكون قوله حجة مع إمكان العلم في المورد ، والوجه فيه أن كونه علة ينافي إطلاق دليله المقتضي للحجية حتى في المورد الّذي يمكن فيه العلم ، نعم لو كان دليل الحجية مختصا بحال الانسداد أمكن أن يكون علة لا حكمة. (٤) (قوله : ربما يوجب القطع) قد يتوهم أن هذا ينافي ما قدمه من عدم حصول الوثوق من قول اللغوي ولكنه في غير محله إذ لا منافاة بين حصول القطع من مراجعة كتب اللغة ولو بملاحظة موارد الاستعمال المذكورة فيها ،

٩٧

بالمعنى وربما يوجب القطع بان اللفظ في المورد ظاهر في معنى بعد الظفر به وبغيره في اللغة وان لم يقطع بأنه حقيقة فيه أو مجاز كما اتفق كثيرا وهو يكفي في الفتوى (فصل) الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة عند كثير ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص من جهة أنه من أفراده من دون أن يكون عليه دليل بالخصوص فلا بد في اعتباره من شمول أدلة اعتباره له بعمومها أو إطلاقها وتحقيق القول فيه يستدعي رسم أمور «الأول» أن وجه اعتبار الإجماع هو القطع برأي الإمام عليه‌السلام ومستند القطع به لحاكيه ـ على ما يظهر من كلماتهم ـ هو علمه بدخوله عليه‌السلام في المجمعين شخصاً ولم يعرف عيناً

______________________________________________________

(١) (قوله : بالمعنى) يعني المعنى الحقيقي (٢) (قوله : في معنى) يعني وان لم يكن معنى حقيقياً «ثم ان» أقوى ما يستدل به على حجية قول اللغوي هو ما دل على حجية خبر الثقة في الأحكام «ودعوى» أن خبر اللغوي ليس متعرضاً للحكم لأنه من الخبر عن الموضوع «فاسدة» لأن المراد من الخبر في الأحكام كل خبر ينتهي إلى خبر عن الحكم ولو بالالتزام ، ولذلك ترى الفقهاء لا يتوقفون في العمل بخبر ابن مسلم لو أخبر بأنه دخلنا على المعصوم في يوم الجمعة فقال : هذا يوم عيد ، أو انتهينا إلى مكان كذا فقال : هذا مكان يجب على من مر به الإحرام أو الوقوف ، أو سأله رجل فقال : كذا ، حيث يفتون بان الجمعة يوم عيد ووادي العقيق أو عرفات يجب الإحرام منه والوقوف فيه ، أو أنه يجب على الرّجل كذا وليس المستند لهم الا خبر ابن مسلم عن الموضوعات الخارجية وهو كون اليوم يوم جمعة والمكان وادي العقيق أو عرفات والسائل رجل لا امرأة ، فإذا جاز الاعتماد على خبر ابن مسلم في الموضوعات المذكورة لأنه ثقة لِمَ لا يجوز الاعتماد على الجوهري فيها لأنه ثقة؟ وما الفرق؟ وهل يصح لأحد فيما لو أخبر ابن مسلم انه عليه‌السلام جاء إلى مكان فقال : يجب على من دخله الغسل بالماء القراح ، ان يدعي انه يرجع إلى ابن مسلم في تعيين ذلك المكان وانه مسجد الكوفة ولا يعتمد على الجوهري لو أخبر عن الماء القراح انه الماء الخالص عن الخليط ، وكيف لا يتوقف في شمول أدلة الحجية

٩٨

أو قطعه باستلزام ما يحكيه لرأيه عليه‌السلام عقلا من باب اللطف أو عادة أو اتفاقا من

______________________________________________________

لخبر ابن مسلم عن مثل هذه الموضوعات ولا يعتمد على اللغوي في بيان معنى اللفظ والمتتبع في الاخبار يعثر على ما لا يحصى كثرة من الاخبار المتعرض فيها لبيان بعض الموضوعات المجملة واعتماد الفقهاء عليها في تفسيرها. نعم قد يفرق بان خبر اللغوي عن حدس لا حس كخبر ابن مسلم وفيه المنع من مثل هذا الفرق حينئذ والحدس القريب من الحس لا بأس بالاعتماد عليه ، ولذا بنوا على قبول الخبر المنقول بالمعنى مع انه مما نحن فيه كما هو ظاهر ، ومما ذكرنا يظهر أنه يجوز الاعتماد على خبر الثقة في كل ما ينتهي إلى الحكم الكلي مثل الخبر عن عدالة الراوي وضبطه ووثاقته وموته وغير ذلك مما يرجع إلى الاخبار عن الحكم الكلي ، ومثله الاخبار عن عدالة المجتهد واجتهاده وأعلميته أو نحو ذلك من شرائط الرجوع إليه وان لم يجز الاعتماد عليه في جواز الائتمام به وتسليم أموال القاصرين إليه وغير ذلك مما لا ينتهي إلى الحكم الكلي بل يترتب عليه حكم جزئي ، واما ما تقدم من المصنف (ره) من كون الرجوع إلى اللغوي من باب الرجوع إلى أهل الخبرة فقد عرفت أنه محل تأمل أو منع كيف واللغوي كسائر من يطلع على الأمور الخارجية ذوات الآثار الظاهرة فان أطفال أهل اللسان ومجانينهم يعلمون بلغتهم ولا يصح أن يقال إنهم من أهل الخبرة ، فالعلم باللغة ليس مما يوجب كون صاحبه من أهل الخبرة بل يتوقف صدق ذلك على كون العلم حاصلا من المقدمات الحدسية البعيدة عن الإحساس. نعم ربما يكون جملة من المفاهيم مما يصعب تمييز تطبيقها الحقيقي عن المجازي في بعض الموارد ، بل لعله يوجد ذلك في أكثر المفاهيم فان مفهوم الماء ـ مع أنه من أوضح المفاهيم العرفية ـ يشك في انطباقه على بعض الافراد كالمخلوط بما يساوي ربعه من التراب لعدم الإحاطة بتمام خصوصيات المفهوم ، وحينئذ فيصعب على الكامل التمييز فضلا عن غيره ويكون اللغوي في مثل ذلك معدوداً من أهل الخبرة لاحتياجه إلى مقدمات بعيدة في مقام الاستنباط ، فتأمل جيداً والله سبحانه هو العالم (١) (قوله : أو قطعه) الضمير فيه راجع إلى الناقل للإجماع وفي

٩٩

جهة حدس رأيه عليه‌السلام وإن لم تكن ملازمة بينهما عقلا ولا عادة كما هو طريقة المتأخرين في دعوى الإجماع حيث انهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقلية ولا الملازمة العادية غالباً وعدم العلم بدخول جنابه عليه‌السلام في المجمعين عادة يحكون الإجماع كثيراً. كما انه يظهر ممن اعتذر عن وجود المخالف بأنه معلوم النسب انه استند في دعوى الإجماع إلى العلم بدخوله عليه‌السلام وممن اعتذر عنه بانقراض عصره انه استند إلى قاعدة اللطف. هذا مضافا إلى تصريحاتهم بذلك على ما يشهد به مراجعة كلماتهم وربما يتفق لبعض الأوحدي وجه آخر من تشرفه برؤيته عليه‌السلام وأخذه الفتوى من جنابه ، وإنما لم ينقل عنه بل يحكي الإجماع لبعض دواعي الإخفاء «الأمر الثاني» أنه لا يخفى اختلاف نقل الإجماع (فتارة) ينقل رأيه عليه‌السلام في ضمن نقله حدساً كما هو الغالب ، أو حساً وهو نادر جداً (وأخرى) لا ينقل إلّا ما هو السبب عند ناقله عقلا أو عادة أو اتفاقا

______________________________________________________

(يحكيه) راجع إلى الإجماع وفي (رأيه) راجع إلى الإمام عليه‌السلام (١) (قوله : كما هو) الضمير راجع إلى الاستلزام الاتفاقي (٢) (قوله : انه استند في) فان العلم بالنسب إنما لا يقدح في العلم الإجمالي وإلّا فمعلوم النسب خروجه قادح في الملازمة بأنواعها (٣) (قوله : انه استند إلى) فانه يكفي في اقتضاء القاعدة لاستكشاف رأيه عليه‌السلام اجتماع أهل عصر واحد ويمنع من حصول العلم الإجمالي بدخوله في المجمعين أو ثبوت الملازمة العادية أو الاتفاقية خروجه ولو في عصر منقرض كما هو ظاهر (٤) (قوله : في ضمن نقله حدسا) بان يراد من الإجماع إجماع جميع العلماء حتى الإمام عليه‌السلام فانه سيدهم ويكون رأيه منقولا عن حدس ورأي غيره منقول حسا أو حدسا (٥) (قوله : كما هو الغالب) يعني الغالب في نقل رأي الإمام مقابل النادر وهو نقله عن حس لا الغالب في نقل الإجماع إذ هو أول الكلام فتأمل ،

١٠٠