حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

إلى وجوب الضدين أو لزوم المتناقضين لا فيما إذا كان مؤدى أحدهما حكما غير إلزاميّ فانه حينئذ لا يزاحم الآخر ، ضرورة عدم صلاحية ما لا اقتضاء فيه ان يزاحم به ما فيه الاقتضاء. إلا أن يقال : بان قضية اعتبار دليل غير الإلزامي

______________________________________________________

عقلاء أم لفظياً كالكتاب والسنة إلا أن عنوان معلوم الكذب مما يعلم عدم انطباقه على كل منهما فيكون كل منهما داخلا تحت دليل الحجية إلا أن يدعى عدم شمول الأدلة اللبية للمتعارضين معاً وهو كلام آخر غير ما ذكر (١) (قوله : إلى وجوب الضدين) يعني ينظر فان كان أحدهما أهم يتعين الأخذ به وان تساويا فان لم يكن لهما ثالث يتخير بينهما عقلا وان كان لهما ثالث يجب الأخذ بأحدهما ، لكن هذا بالنظر إلى المدلول المطابقي اما بالنظر إلى المدلول الالتزامي يكون كل من الضدين مما دل الدليل على وجوبه وعدمه فيدخلان فيما لو دل أحدهما على حكم إلزاميّ والآخر على حكم غير إلزاميّ وسيأتي حكمه (٢) (قوله : أو لزوم المتناقضين) فينظر الأهم فيؤخذ به وان تساويا يتخير بين الفعل والترك عقلا (٣) (قوله : لا فيما إذا) يعني لا يعمل بقاعدة التزاحم لو كان أحدهما دالا على حكم إلزاميّ والآخر على حكم غير إلزاميّ كما لو دل أحدهما على الوجوب والآخر على الإباحة لأن الإباحة من الأحكام غير الاقتضائية فلا يزاحم الوجوب الّذي هو حكم اقتضائي (إلا أن) يدعى. أن الإباحة وإن كانت من الأحكام غير الاقتضائية في نفسها إلا أن مقتضى القول بالسببية ان تكون اقتضائية لأن معنى السببية أن يكون قيام الأمارة على حكم موجباً لثبوت مقتضي الحكم ، فإذا قامت الأمارة على إباحة شيء كان قيامها موجباً للإباحة فتكون الإباحة اقتضائية فتصلح لمزاحمة الوجوب ، وبهذا التزاحم يكون المورد كأنه مما ليس فيه مقتضي الإلزام ولا مقتضي اللاإلزام ، والحكم فيه الإباحة لأنه يكفي فيها عدم مقتضي الإلزام ، ولا يكفي في الوجوب عدم مقتضي اللاإلزام (ويمكن) تقرير التعارض على القول بالسببية من وجهين (الأول) ان القول بالسببية إنما هو لو قامت الأمارة على خلاف الواقع دون ما لو قامت الأمارة على نفس الواقع فان ثبوت الحكم فيه من جهة مقتضي الواقع ، فإذا قام أحد الدليلين على الوجوب

٥٦١

أن يكون عن اقتضاء فيزاحم به حينئذ ما يقتضي الإلزامي ويحكم فعلا بغير الإلزامي ولا يزاحم بمقتضاه ما يقتضي غير الإلزامي لكفاية عدم تمامية علة الإلزامي في الحكم بغيره (نعم) يكون باب التعارض من باب التزاحم (مطلقاً) لو كان قضية الاعتبار هو لزوم البناء والالتزام بما يؤدي إليه من الأحكام لا مجرد العمل على وفقه بلا لزوم الالتزام به ، وكونهما من تزاحم الواجبين حينئذ وان كان واضحاً

______________________________________________________

والآخر على عدمه فان كان الدليل الأول مخالفاً للواقع كان قيامه مقتضياً للوجوب وقيام الدليل على الوجوب لا يصلح لمزاحمته وان كان الأمر بالعكس كان الحكم على العكس ، وحيث لا يعلم الموافق من المخالف يقع التعارض ، ولا وجه للتزاحم. نعم لو احتمل كذب الدليلين معاً تم ما ذكر. فتأمل (الثاني) أن ظاهر كل واحد من الدليلين فعليّة الحكم الإلزامي واللاإلزامي ، وحيث يمتنع اجتماع النقيضين لا بد أن يتكاذبا ، والأخذ بأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح ، وانما يكونان من المتزاحمين لو دل كل منهما على ثبوت المقتضي فقط ، لكنه خلاف مفروض تنافي الدليلين (فان قلت) : الدليلان وإن دلا على فعلية الحكمين إلا أنه لما امتنع اجتماعهما فعليين يجمع بينهما عرفا بالحمل على الاقتضائي كما في جميع موارد التزاحم مثل : أكرم العالم وأهن الفاسق (قلت) : محل الكلام ما إذا لم يكن الجمع العرفي بين الدليلين ممكناً فالجمع بينهما بذلك جمع غير عرفي. وبالجملة : إذا كان أحدهما نصاً في ثبوت الوجوب والآخر نصاً في عدم الوجوب فدليل الاعتبار في شموله كلا منهما يمنع من شموله للآخر ، وشموله لأحدهما ترجيح من دون مرجح فلا بد من الحكم بخروجهما معاً. ومن هنا يظهر لك أن الحكم في جميع الصور المذكورة في المتن هو التعارض على القول بالسببية أيضا (١) (قوله : ان يكون عن) يعني أن يكون الحكم غير الإلزامي عن اقتضاء (٢) (قوله : ولا يزاحم بمقتضاه) يعني لا يزاحم الإلزامي بمقتضى مقتضي الحكم غير الإلزامي (٣) (قوله : مطلقاً) يعني ولو على الطريقية (٤) (قوله : من تزاحم الواجبين) حيث ان دليل اعتبار

٥٦٢

ضرورة عدم إمكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد من الأحكام إلا انه لا دليل نقلا ولا عقلا على الموافقة الالتزامية للأحكام الواقعية فضلا عن الظاهرية كما مر تحقيقه ، وحكم التعارض بناء على السببية فيما كان من باب التزاحم هو التخيير لو لم يكن أحدهما معلوم الأهمية أو محتملها في الجملة حسبما فصلناه في مسألة الضد وإلا فالتعيين ، وفيما لم يكن من باب التزاحم هو لزوم الأخذ بما دل على الحكم الإلزامي لو لم يكن في الآخر مقتضياً لغير الإلزامي وإلا فلا بأس بأخذه والعمل عليه لما أشرنا إليه من وجهه آنفاً (فافهم) هذا هو قضية القاعدة في تعارض الأمارات لا الجمع بينها بالتصرف في أحد المتعارضين أو في كليهما ، كما هو قضية ما يتراءى مما قيل من أن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح إذ لا دليل عليه فيما لا يساعد عليه العرف مما كان المجموع أو أحدهما قرينة عرفية على التصرف في أحدهما بعينه أو فيهما كما عرفته في الصور السابقة ، مع أن في الجمع كذلك أيضا طرحا للأمارة أو الأمارتين ، ضرورة سقوط أصالة الظهور في أحدهما أو كليهما معه وقد عرفت أن التعارض بين الظهورين فيما كان سنداهما قطعيين وفي السندين إذا كانا ظنيين ، وقد عرفت أن قضية التعارض إنما هو سقوط المتعارضين في خصوص كل ما يؤديان إليه من الحكمين لا بقاؤهما على الحجية بما

______________________________________________________

كل منهما يقتضي وجوب الالتزام بمضمونه فإذا تعذر الالتزام بهما لزم الالتزام بأحدهما تخييراً (١) (قوله : ضرورة عدم) قد تقدم الإشكال فيه وأنه لا مانع من إمكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد إذ التنافي انما هو بين الحكمين لا بين الالتزامين بهما على تقدير جواز ثبوتهما معاً (٢) (قوله : ما يتراءى) حيث يتراءى منه كون المراد من الإمكان العقلي (٣) (قوله : مما كان) بيان لما يساعد (٤) (قوله : أيضا طرحا) فلا وجه لكونه أولى من الطرح بخلاف ما لو كان التصرف عرفياً فانه ليس طرحا لأصالة الظهور لعدم حجية أصالة الظهور في الأضعف مع منافاتها بالظهور الأقوى (٥) (قوله : ضرورة) تعليل لكونه طرحا (٦) (قوله : معه) يعني مع هذا الجمع (٧) (قوله : لا بقاؤهما على) معطوف على

٥٦٣

يتصرف فيهما أو في أحدهما أو بقاء سنديهما عليها كذلك بلا دليل يساعد عليه من عقل أو نقل ، فلا يبعد أن يكون المراد من إمكان الجمع هو إمكانه عرفا ، ولا ينافيه الحكم بأنه أولى مع لزومه حينئذ وتعينه فان أولويته من قبيل الأولوية في أولي الأرحام وعليه لا إشكال فيه ولا كلام

فصل

لا يخفى أن ما ذكر من قضية التعارض بين الأمارات إنما هو بملاحظة القاعدة في تعارضها ، وإلا فربما يدعى الإجماع على عدم سقوط كلا المتعارضين في الأخبار كما اتفقت عليه كلمة غير واحد من الاخبار. ولا يخفى أن اللازم فيما إذا لم تنهض حجة على التعيين أو التخيير بينهما هو الاقتصار على الراجح منهما للقطع بحجيته تخييراً أو تعييناً بخلاف الآخر لعدم القطع بحجيته والأصل عدم حجية ما لم يقطع بحجيته بل ربما ادعي الإجماع أيضا على حجية خصوص الراجح واستدل عليه بوجوه أخر أحسنها الاخبار وهي على طوائف (منها) ما دل على التخيير على

______________________________________________________

سقوط. والوجه في ذلك : عدم الدليل على حجية الكلام في المؤول (١) (قوله : بلا دليل) متعلق ببقاء سنديهما (٢) (قوله : أو نقل) كما سيأتي من أدلة الترجيح أو التخيير (٣) (قوله : ان اللازم فيما) يعني الأصل عند الدوران بين التعيين والتخيير في الحجية هو التعيين وربما يتوهم أنه من صغريات الدوران بين التعيين والتخيير في المكلف به فيلحقه حكمه ، ولكنه كما ترى إذ لا مجال للوجوب التخييري في العمل بالحجة لما عرفت من أنه قد يكون مؤداهما نقيضين أو ضدين لا ثالث لهما فيمتنع الوجوب التخييري بينهما ، وربما لا يكون مؤداهما معاً حكما إلزامياً إذ لا معنى للوجوب في المقام فيتعين كون المرجع عند الشك أصالة عدم الحجية في غير ما يحتمل التعيين واما محتمل التعيين فمعلوم الحجية قطعاً (٤) (قوله : بوجوه أخر) سيأتي تفصيلها عن قريب (٥) (قوله : وهي على طوائف) الضمير راجع إلى نفس

٥٦٤

الإطلاق كخبر الحسن بن الجهم عن الرضا عليه‌السلام «قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا يعلم أيهما الحق ، قال : فإذا لم يعلم فموسع عليك بأيهما أخذت» وخبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترد عليه» ومكاتبة عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه‌السلام : «اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في ركعتي الفجر فروى بعضهم : صل في المحمل ، وروى بعضهم : لا تصلها إلا في الأرض ، فوقّع عليه‌السلام : موسع عليك بأية عملت» ومكاتبة الحميري إلى الحجة عليه‌السلام ... إلى أن قال : في الجواب عن ذلك حديثان ... إلى أن قال عليه‌السلام : «وبأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا» إلى غير ذلك من الإطلاقات (ومنها) ما دل على التوقف مطلقاً (ومنها) ما دل على ما هو الحائط منها (ومنها) ما دل على الترجيح بمزايا مخصوصة ومرجحات منصوصة من مخالفة القوم وموافقة الكتاب والسنة والأعدلية

______________________________________________________

الأخبار لا خصوص أخبار الترجيح وإلا فأخبار التخيير مطلقاً ليس منها (١) (قوله : إلى غير ذلك) كمرسل الكافي : بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم (٢) (قوله : ما دل على التوقف) كخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قلت : يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه قال عليه‌السلام : لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله. قلت : لا بد أن نعمل بواحد منهما قال : خذ بما خالف فيه العامة. ومكاتبة محمد بن علي بن عيسى إلى علي بن محمد عليه‌السلام يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك عليهم‌السلام قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به على اختلافه والرد إليك فيما اختلف فيه؟ فكتب عليه‌السلام : ما علمتم أنه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردوه إلينا (٣) (قوله : ما هو الحائط) لم أجد فيما يحضرني ما دل على الاحتياط مطلقاً غير ما دل على التوقف. نعم في مرفوعة زرارة ذكر

٥٦٥

والأصدقية والأفقهية والأورعية والأوثقية والشهرة على اختلافها في الاقتصار على بعضها وفي الترتيب بينها ولأجل اختلاف الاخبار اختلفت الأنظار «فمنهم» من أوجب الترجيح بها مقيدين باخباره إطلاقات التخيير ، وهم بين من اقتصر على الترجيح بها ومن تعدى منها إلى ساير المزايا الموجبة لأقوائية ذي المزية وأقربيته ـ كما صار إليه شيخنا العلامة أعلى الله مقامه ـ أو المفيدة للظن ـ كما ربما يظهر من غيره ـ فالتحقيق أن يقال : إن أجمع خبر للمزايا المنصوصة في الاخبار هو المقبولة والمرفوعة مع اختلافهما وضعف سند المرفوعة جداً ، والاحتجاج بهما على وجوب الترجيح في مقام الفتوى لا يخلو عن إشكال لقوة احتمال اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة

______________________________________________________

الاحتياط بعد عدم المرجح (١) (قوله : لأقوائية ذي) يعني وان لم توجب الظن وبهذا افترق عن القول الآتي (٢) (قوله : مع اختلافهما) لتقديم الترجيح بصفات الراوي في المقبولة على الشهرة وتأخيره عنها في المرفوعة ، لكن دفعه شيخنا الأعظم (ره) بان الترجيح بالصفات في المقبولة إنما كان للحكم لا للرواية فتأمل. (٣) (قوله : وضعف سند) إذ لم يروها الا ابن أبي جمهور عن العلامة «ره» مرفوعا إلى زرارة (٤) (قوله : اختصاص الترجيح) يأبى هذا الاختصاص تعليل الترجيح بالشهرة بأن المجمع عليه لا ريب فيه فان مقتضاه بعد ما كان ارتكازيا عدم الفرق في الحكم بين مورد الرواية وغيره ولا سيما بملاحظة تثليث الأمور ، والاستشهاد على رد المشكل إلى الله تعالى بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : حلال بيِّن ... إلخ لامتناع الاقتصار على المورد بعد ذلك كله ، واما الترجيح بالصفات فيشكل لعدم ذكره في ترجيح الرواية الا في المرفوعة وهي ضعيفة السند ، ولم يعتمد عليها الأصحاب في ذلك وانما اعتمد من رجح بالصفات على المقبولة التي عرفت انها ليست ظاهرة الا في ترجيح أحد الحكمين على الآخر ، واما الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة فمذكور في كثير من نصوص الترجيح ولا ينحصر ذكرهما بالمقبولة حتى يحتاج في التعدي عن موردها إلى معمم. مع أن تعليل الترجيح بمخالفة العامة

٥٦٦

لرفع المنازعة وفصل الخصومة كما هو موردهما ولا وجه معه للتعدي منه إلى غيره كما لا يخفى ، ولا وجه لدعوى تنقيح المناط مع ملاحظة أن رفع الخصومة بالحكومة في صورة تعارض الحكمين وتعارض ما استند إليه من الروايتين لا يكاد يكون إلا بالترجيح ولذا أمر عليه‌السلام بإرجاء الواقعة إلى لقائه عليه‌السلام في صورة تساويهما فيما ذكر من المزايا بخلاف مقام الفتوى ، ومجرد مناسبة الترجيح لمقامها أيضا لا يوجب ظهور الرواية في وجوبه مطلقاً ولو في غير مورد الحكومة كما لا يخفى. وإن أبيت إلا عن ظهورهما في الترجيح في كلا المقامين فلا مجال لتقييد إطلاقات التخيير في مثل زماننا مما لا يتمكن من لقاء الإمام عليه‌السلام بهما لقصور المرفوعة سنداً وقصور المقبولة دلالة لاختصاصها بزمان التمكن من لقائه عليه‌السلام ، ولذا ما أرجع إلى التخيير بعد فقد الترجيح ـ مع أن تقييد الإطلاقات الواردة في مقام الجواب عن سؤال حكم المتعارضين بلا استفصال عن كونهما متعادلين أو متفاضلين

______________________________________________________

بكون الرشد في خلافهم يقتضي التعدي عن مورده أيضا (١) (قوله : ولا وجه لدعوى) لا حاجة إلى هذه الدعوى (٢) (قوله : لا يكاد يكون إلّا بالترجيح) إذ التخيير لا يقطع الخصومة إذ قد يختار كل من الخصمين خلاف ما يختاره الآخر (٣) (قوله : ولذا ما ارجع إلى) هذا ـ أعني عدم الإرجاع والأمر بالإرجاء بعد فقد الترجيح ـ يوجب المباينة بين المقبولة وبين الإطلاقات لأن حمل الإطلاقات على صورة فقد المرجح طرح للمقبولة من حيث دلالتها على وجوب الإرجاء ، والجمع بينهما بحمل المقبولة على زمان الحضور والإطلاقات على زمان الغيبة مما تأباه كلتا الطائفتين ، اما تخصيص الإطلاقات بحال الغيبة فيأباه صريح رواية الحارث ، ومكاتبة عبد الله ، واما تخصيص المقبولة بحال الحضور فلأن ظاهرها كون الإرجاء لخصوصية الواقعة لا لخصوصية زمان الحضور ، لكن هذا الإشكال يختص بالبناء على التعدي من مورد المقبولة إلى الفتوى بملاحظة المناسبة بين موردها وغيره ، أما لو كان التعدي للتعليل المذكور فيها فلا إشكال ، ويكون الجمع العرفي تقييد

٥٦٧

مع ندرة كونهما متساويين جداً ـ بعيد قطعاً بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص لوجب حملها عليه أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب كما فعله بعض الأصحاب ويشهد به الاختلاف الكثير بين ما دل على الترجيح من الاخبار.

ومنه قد انقدح حال سائر اخباره ، مع أن في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب نظراً وجهه قوة احتمال أن يكون الخبر المخالف للكتاب في نفسه غير حجة ، بشهادة ما ورد في أنه زخرف وباطل وليس بشيء ، أو انه لم نقله ، أو أمر بطرحه على الجدار ، وكذا الخبر الموافق للقوم ضرورة أن أصالة عدم صدوره تقية بملاحظة الخبر المخالف لهم مع الوثوق بصدوره لو لا القطع به غير جارية للوثوق حينئذ بصدوره كذلك ، وكذا الصدور أو الظهور في الخبر المخالف للكتاب يكون

______________________________________________________

إطلاقات التخيير بفقد المرجح من دون فرق بين زماني الحضور والغيبة (١) (قوله : مع ندرة كونهما) يمكن منع الندرة في التساوي في المرجحات الثلاث أعني الشهرة والموافقة للكتاب والمخالفة للعامة ، نعم يندر التساوي في صفات الراوي لكن عرفت عدم الدليل على الترجيح بها في الرواية (٢) (قوله : لوجب حملها) لئلا يلزم الحمل على النادر (٣) (قوله : بشهادة ما ورد) هذا وان ورد في جملة من النصوص لكن اخبار الترجيح بموافقة الكتاب خالية عنه مع انه لا بد من رفع اليد عن ظاهره في الجملة إذ المقبولة قد اشتملت على الترجيح به بعد الترجيح بالشهرة ، ومقتضى الظاهر جواز الأخذ بالمخالف إذا كان مشهورا بين الأصحاب فتدل على حجية الخبر المخالف في الجملة (٤) (قوله : وكذا الخبر) معطوف على قوله : ان يكون الخبر (٥) (قوله : غير جارية للوثوق) هذا ممنوع ، والمراد من الوثوق بالصدور النوعيّ بملاحظة ما عليه الخبر من الخصوصيات فانه المعول عليه عند العقلاء ، ومثل هذا الوثوق لا ينافيه وجود المعارض نظير الوثوق بالصدور الّذي لا ينافيه وجود المعارض وإلّا سقط الخبران عن الحجية اقتضاء وذاتا لا بالتعارض (٦) (قوله : وكذا الصدور) يعني أن الخبر المخالف للكتاب لا مجال

٥٦٨

موهونا بحيث لا يعمه أدلة اعتبار السند والظهور كما لا يخفى ، فتكون هذه الأخبار في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة لا ترجيح الحجة على الحجة «فافهم» وإن أبيت عن ذلك فلا محيص عن حملها توفيقا بينها وبين الإطلاقات إما على ذلك أو على الاستحباب كما أشرنا إليه آنفاً. هذا ثم إنه لو لا التوفيق بذلك للزم التقييد أيضا في أخبار المرجحات وهي آبية عنه كيف يمكن تقييد مثل : (ما خالف قول ربنا لم أقله) أو زخرف أو باطل؟ كما لا يخفى (فتلخص) مما ذكرنا أن إطلاقات التخيير محكمة وليس في الأخبار ما يصلح لتقييدها (نعم) قد استدل على تقييدها ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه آخر (منها) دعوى الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين (وفيه) أن دعوى الإجماع

______________________________________________________

لجريان أصالة حجية السند أو أصالة الظهور فيه لعدم الوثوق بظهوره ولا بصدوره فلا يدخل تحت دليل حجية الصدور أو الظهور «أقول» : لازم ما ذكر عدم حجية الخبر المخالف للكتاب ولو لم يكن له معارض ، لكنه خلاف المحقق وخلاف المفروض في المقام ، إذ الكلام في الخبرين المتعارضين بعد الفراغ عن حجية كل منهما لو لا المعارضة ، وقد تقدم منه في العموم والخصوص جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد والجواب عن هذه الاخبار. نعم تقدم منه في مبحث الخبر عدم حجية المخالف عند المعارضة (١) (قوله : أبيت عن ذلك) يعني عن عدم جريان أصالة السند والظهور وعدم التقية (٢) (قوله : على ذلك) يعني على كونها في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة وان كان خلاف ظاهرها إلا ان ارتكابه لازم لأنه أولى من تقييد الإطلاقات لأنه أقرب منه (٣) (قوله : للزم التقييد) يعني لو بني على الأخذ بإطلاقات التخيير عند فقد المرجح يلزم التقييد في أدلة المرجحات فيحكم بحجية المخالف للكتاب مثلا مع تساوي الخبرين في ذلك وهي آبية عن التقييد (٤) (قوله : مثل ما خالف) قد عرفت أنه ليس في اخبار الترجيح ما يشتمل على ذلك بل مثله دال على عدم الحجية فلا بد ان يحمل على المخالفة بنحو المباينة

٥٦٩

ـ مع مصير مثل الكليني إلى التخيير وهو في عهد الغيبة الصغرى ويخالط النواب والسفراء قال في ديباجة الكافي : ولا نجد شيئا أوسع ولا أحوط من التخيير ـ مجازفة (ومنها) أنه لو لم يجب ترجيح ذي المزية لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح عقلا بل ممتنع قطعاً (وفيه) أنه إنما يجب الترجيح لو كانت المزية موجبة لتأكد ملاك الحجية في نظر الشارع ، ضرورة إمكان أن تكون تلك المزية بالإضافة إلى ملاكها من قبيل الحجر في جنب الإنسان وكان الترجيح بها بلا مرجح وهو قبيح كما هو واضح. هذا ـ مضافا إلى ما هو في الإضراب من الحكم بالقبح إلى الامتناع من أن الترجيح بلا مرجح في الأفعال الاختيارية ومنها الأحكام

______________________________________________________

لا مطلقا فلا يكون مما نحن فيه (١) (قوله : مع مصير مثل الكليني) لم ينقل الخلاف عنه (قدس‌سره) في الترجيح وانما المنقول عنه السيد الصدر من أصحابنا والجبائيان من العامة ، بل عبارته المحكية كالصريحة في وجوب الترجيح. قال (ره) : اعلم يا أخي أرشدك الله تعالى انه لا يسع أحداً تمييز شيء مما اختلفت الرواية فيه من العلماء برأيه الا ما أطلقه العالم عليه‌السلام بقوله عليه‌السلام : اعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله عزوجل فذروه ، وقوله عليه‌السلام : دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم ، وقوله عليه‌السلام : خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه ، ولا نعرف من جميع ذلك الا أقله ، ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم ، وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله : بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم. انتهى فانه أشار بصدر عبارته إلى مضمون المقبولة فهو مفت به ، واما قوله «ره» : ولا تجد ... إلخ فلعله ـ بقرينة قوله : ولا نعرف ـ يريد به انه حيث لا يمكن العلم غالبا بثبوت هذه المرجحات يجب الرجوع إلى إطلاقات التخيير ولا يجوز الأخذ بالظن فلاحظ (٢) (قوله : موجبة لتأكد) إذ لو لا ذلك لا يكون صاحب المزية أرجح فلا يكون جواز الأخذ بغيره ترجيحا للمرجوح (٣) (قوله : من ان الترجيح) بيان ل (ما هو)

٥٧٠

الشرعية لا يكون إلا قبيحاً ولا يستحيل وقوعه إلا على الحكيم تعالى وإلّا فهو بمكان من الإمكان لكفاية إرادة المختار علة لفعله ، وإنما الممتنع هو وجود الممكن بلا علة فلا استحالة في ترجيحه تعالى للمرجوح الا من باب امتناع صدوره منه تعالى وأما غيره فلا استحالة في ترجيحه لما هو مرجوح مما باختياره «وبالجملة» : الترجيح بلا مرجح بمعنى بلا علة محال وبمعنى بلا داع عقلائي قبيح ليس بمحال فلا تشتبه (ومنها) غير ذلك مما لا يكاد يفيد الظن فالصفح عنه أولى وأحسن (ثم) إنه لا إشكال في الإفتاء بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه وعمل مقلديه ولا وجه للإفتاء بالتخيير في المسألة الفرعية لعدم الدليل عليه فيها «نعم» له الإفتاء به في المسألة الأصولية ، فلا بأس حينئذ باختيار المقلد غير ما اختاره المفتي فيعمل بما يفهم منه بصريحه أو بظهوره الّذي

______________________________________________________

«وتوضيح» الإشكال : ان الإضراب خلط بين الترجيح بلا مرجح والترجح بلا مرجح ، إذ الأول انما يكون في الأفعال الاختيارية وهو لا يكون إلّا قبيحا لا ممتنعا لأن إرادة المرجوح قبيحة ، والثاني انما يكون في الأمور غير الاختيارية ويراد به ان ترجح أحد طرفي الممكن بلا علة محال والمقام ـ أعني الحكم الشرعي وهو جواز الأخذ بغير ذي المزية ـ من قبيل الأول (١) (قوله : لا إشكال في الإفتاء بما) اعلم أن وجوب التخيير ليس شرعيا مولويا إذ لا عقاب على مخالفته زائدا على مخالفة الواقع ، بل هو إرشادي عقلي بمناط وجوب تحصيل الحجة فيدل على حجية ما يختاره المكلف من الخبرين فإذا اختار أحدهما كان حجة بعينه فتجب الفتوى بمضمونه لا غير فيجب على المقلد الأخذ بها تعييناً كما يجب على المجتهد نفسه العمل به كذلك ، وحينئذ فلا وجه للفتوى بالتخيير الفرعي بمعنى الإباحة من جهة انها فتوى بلا دليل إذ التخيير كذلك ليس مؤدى أحد الخبرين ، وكذا بمعنى الوجوب التخييري مع أنه لا يعقل الوجوب التخييري بين الوجود والعدم كما تقدم (٢) (قوله : نعم له الإفتاء) يعني بان يفتي بان ما يختاره المكلف حجة ،

٥٧١

لا شبهة فيه وهل التخيير بدوي أم استمراري؟ قضية الاستصحاب لو لم نقل بأنه قضية الإطلاقات أيضاً كونه استمرارياً «وتوهم» أن المتحير كان محكوماً بالتخيير ولا تحير له بعد الاختيار فلا يكون الإطلاق ولا الاستصحاب مقتضياً للاستمرار لاختلاف الموضوع فيهما «فاسد» فان التحير بمعنى تعارض الخبرين باق على حاله ، وبمعنى آخر لم يقع في خطاب موضوعا للتخيير أصلا كما لا يخفى

فصل

هل على القول بالترجيح يقتصر فيه على المرجحات المخصوصة المنصوصة

______________________________________________________

أو بوجوب التخيير بين الخبرين العقلي (١) (قوله : لا شبهة فيه) أما ما كان محتاجا إلى نظر يعجز عنه المقلد فلا بد فيه من الرجوع إلى المجتهد (٢) (قوله : قضية الإطلاقات) يعني إطلاقات التخيير من حيث الزمان فكما تقتضي ثبوت التخيير في الزمان الأول تقتضي ثبوته أيضاً في الزمان الثاني بلا فرق بين الزمانين (فان) قلت : التخيير المأخوذ موضوعا للوجوب مقتضى إطلاقه كونه ملحوظا بنحو صرف الوجود ولازمه سقوط حكمه بمجرد حصوله في الزمان الأول «قلت» : قد عرفت أن التخيير ليس بواجب شرعاً بل واجب عقلا بمناط وجوب تحصيل الحجة فإطلاقه تابع لإطلاق دليل الحجية ، فإذا كان إطلاقه دالا على حجية ما يختاره المكلف في كل زمان كان اللازم وجوب التخيير كذلك ، ولا يختص بالزمان الأول ثم إنه على تقدير سقوط الإطلاق فالمرجع الاستصحاب لكنه موقوف على حجية الاستصحاب التعليقي فان تمت جرى (ودعوى) أن موضوع التخيير هو المتحير كما صدرت من شيخنا الأعظم «ره» ولا تحير بعد اختيار أحد الخبرين فلا استصحاب لارتفاع موضوعه «مدفوعة» بان المراد من المتحير إن كان من تعارض عنده الخبران فهو حاصل في جميع الأزمان وان كان بمعنى آخر ينافيه الاختيار فهو مما لم يؤخذ في الأدلة موضوعا للتخيير مع انه لو سلم فارتفاع التحير

٥٧٢

أو يتعدى إلى غيرها؟ قيل بالتعدي لما في الترجيح بمثل الأصدقية والأوثقية ونحوهما مما فيه من الدلالة على أن المناط في الترجيح بها هو كونها موجبة للأقربية إلى الواقع ولما في التعليل بأن المشهور مما لا ريب فيه من استظهار أن العلة هو عدم الريب فيه بالإضافة إلى الخبر الآخر ولو كان فيه الف ريب ولما في التعليل بأن الرشد في خلافهم ولا يخفى ما في الاستدلال بها (أما الأول) فان جعل خصوص شيء فيه جهة الإراءة والطريقية حجة أو مرجحا لا دلالة فيه على ان الملاك فيه بتمامه جهة إراءته بل لا اشعار فيه كما لا يخفى لاحتمال دخل خصوصيته في مرجحيته أو حجيته لا سيما قد ذكر فيها ما لا يحتمل الترجيح به الا تعبداً فافهم (وأما الثاني) فلتوقفه على عدم كون الرواية المشهورة في نفسها مما لا ريب فيها ، مع أن الشهرة في الصدر الأول بين الرّواة وأصحاب الأئمة عليهم‌السلام موجبة لكون الرواية مما يطمأن بصدورها بحيث يصح ان يقال عرفا : إنها مما لا ريب فيها ، كما لا يخفى ولا بأس بالتعدي منه إلى مثله مما يوجب الوثوق والاطمئنان بالصدور لا إلى كل مزية ولو لم توجب إلا أقربية ذي المزية إلى الواقع من المعارض الفاقد لها

______________________________________________________

لا يوجب تبدل الموضوع عرفا (١) (قوله : قيل بالتعدي لما) القائل شيخنا الأعظم «ره» ونسبه إلى جمهور المجتهدين (٢) (قوله : بان الرشد في) إذ ليس المراد منه الا كون خلافهم مظنة الرشد وإلّا فقد يكون الرشد في وفاقهم (٣) (قوله : لا دلالة فيه) نعم يحصل الظن منه بذلك لكن الظن غير المستند إلى ظهور الكلام ليس بحجة. هذا كله مضافا إلى الإشكال في حصول الترجيح بهذه الصفات كما تقدم (٤) (قوله : الا تعبداً) كالأورعية والأفقهية والأعدلية ، لكنه لا يخلو من إشكال فانها مما توجب الأقربية في الجملة (٥) (قوله : مما يطمأن بصدورها) لو سلم حصول ذلك شخصيا بالنسبة إلى كل خبر مشهور فلا يسلم حصوله للشاذ كذلك فيدور الأمر بين تخصيص الترجيح بالشهرة بصورة حصول الاطمئنان بالمشهور

٥٧٣

(واما الثالث) فلاحتمال أن يكون الرشد في نفس المخالفة لحسنها ولو سلم انه لغلبة الحق في طرف الخبر المخالف فلا شبهة في حصول الوثوق بأن الخبر الموافق المعارض بالمخالف لا يخلو من الخلل صدوراً أو جهة ولا بأس بالتعدي منه إلى مثله كما مر آنفاً ، ومنه انقدح حال ما إذا كان التعليل لأجل انفتاح باب التقية فيه ، ضرورة كمال الوثوق بصدوره كذلك مع الوثوق بصدورهما لو لا القطع به في الصدر الأول لقلة الوسائط ومعرفتها هذا مع ما في عدم بيان الإمام عليه‌السلام للكلية كي لا يحتاج السائل إلى إعادة السؤال مراراً ، وما في أمره عليه‌السلام بالإرجاء بعد فرض التساوي فيما ذكره من المزايا المنصوصة من الظهور في أن المدار في الترجيح على المزايا المخصوصة كما لا يخفى (ثم) إنه بناء على التعدي حيث كان في المزايا المنصوصة ما لا يوجب الظن

______________________________________________________

وعدم حصوله في غيره تحكيما للتعليل على المعلل أو البناء على كون المراد نفي الريب بالإضافة ، وحيث أن الثاني اقرب كان التعدي إلى كل ما يوجب نفي الريب بالإضافة في محله ، فتأمل (١) (قوله : فلاحتمال ان) هذا خلاف الظاهر (٢) (قوله : كما مر آنفا) لكن عرفت ما فيه (٣) (قوله : لأجل انفتاح باب) بحيث يكون صدوره للتقية ، ويكون الفرق بين هذا الوجه وما قبله ، ان المخالفة للعامة على هذا تكون من المرجحات الداخلية نظير الشهرة الروايتية ، وعلى ما قبله تكون من المرجحات المضمونية نظير الشهرة الفتوائية (وحاصل) الجواب : ان تقديم المخالف إذا كان من جهة احتمال التقية في الموافق فإذا كان الخبران موثوقا بصدورهما معا يحصل الوثوق بان الموافق صادر تقية ، ومع هذا الوثوق يسقط عن الحجية ، لكن عرفت أن ظاهر الرواية كون كل منهما حجة لو لا المعارضة فهي في مقام الترجيح بين الحجتين لا تمييز الحجة عن اللاحجة (٤) (قوله : كذلك) يعني تقية (٥) (قوله : القطع به) يعني بصدوره كذلك (٦) (قوله : في الصدر الأول) متعلق بالوثوق والقطع على التنازع (٧) (قوله : مع ما في عدم) لعل الوجه في

٥٧٤

بذي المزية ولا أقربيته كبعض صفات الراوي مثل الأورعية أو الأفقهية إذا كان موجبهما مما لا يوجب الظن أو الأقربية كالتورع من الشبهات والجهد في العبادات وكثرة التتبع في المسائل الفقهية أو المهارة في القواعد الأصولية فلا وجه للاقتصار على التعدي إلى خصوص ما يوجب الظن أو الأقربية بل إلى كل مزية ولو لم تكن بموجبة لأحدهما كما لا يخفى (وتوهم) أن ما يوجب الظن بصدق أحد الخبرين لا يكون بمرجح بل موجب لسقوط الآخر عن الحجية للظن بكذبه حينئذ (فاسد) فان الظن بالكذب لا يضر بحجية ما اعتبر من باب الظن نوعاً وإنما يضر فيما أخذ في اعتباره عدم الظن بخلافه ولم يؤخذ في اعتبار الاخبار صدوراً ولا ظهوراً ولا جهة ذلك. هذا مضافا إلى اختصاص حصول الظن بالكذب بما إذا علم بكذب أحدهما صدوراً وإلا فلا يوجب الظن بصدور أحدهما لإمكان صدورهما مع عدم إرادة الظهور في أحدهما أو فيهما أو إرادته تقية كما لا يخفى (نعم) لو كان وجه التعدي اندراج ذي المزية في أقوى الدليلين لوجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته من دون التعدي إلى ما لا يوجب ذلك وإن كان موجباً لقوة مضمون ذيه ثبوتا كالشهرة الفتوائية أو الأولوية الظنية ونحوهما ، فان المنساق من قاعدة أقوى الدليلين أو المتيقن منها إنما

______________________________________________________

التفصيل التنبيه على موجبات الأقربية مع الإشارة إلى الكلية بالتعليل (١) (قوله : كبعض صفات) قد عرفت الإشكال في ذلك ، مضافا إلى الإشكال في كون الصفات مرجحة لأحد المتعارضين في المقبولة بل مرجحة لأحد الحكمين المختلفين (٢) (قوله : بل إلى كل مزية) هذا يتم لو كان التعدي لأجل إلغاء خصوصية المرجحات المنصوصة اما لو كان الأخذ بظاهر التعليل فهو انما يقتضي التعدي إلى كل ما يوجب الأقربية لا غير (٣) (قوله : لا يكون بمرجح) حيث ان الترجيح فرع كون المقتضي موجودا في كلا المتعارضين والظن بصدق أحد الخبرين يوجب انتفاء مقتضي الحجية في الآخر (٤) (قوله : في أقوى الدليلين) فيدخل تحت قاعدة

٥٧٥

هو الأقوى دلالة كما لا يخفى فافهم «فصل» قد عرفت سابقاً انه لا تعارض في موارد الجمع والتوفيق العرفي ولا يعمها ما يقتضيه الأصل في المتعارضين من سقوط أحدهما رأساً وسقوط كل منهما في خصوص مضمونه كما إذا لم يكونا في البين فهل التخيير أو الترجيح يختص أيضاً بغير مواردها أو يعمها؟ قولان أولهما المشهور وقصارى ما يقال في وجهه : إن الظاهر من الأخبار العلاجية سؤالا وجوابا هو التخيير أو الترجيح في موارد التحير مما لا يكاد يستفاد المراد هناك عرفاً لا فيما يستفاد ولو بالتوفيق فانه من أنحاء طرق الاستفادة عند أبناء المحاورة (ويشكل) بان مساعدة العرف على الجمع والتوفيق وارتكازه في أذهانهم على وجه وثيق لا يوجب اختصاص السؤالات بغير موارد الجمع لصحة السؤال بملاحظة التحير في الحال لأجل ما يتراءى من المعارضة وان كان يزول عرفاً بحسب المآل أو للتحير في الحكم واقعا وان لم يتحير فيه ظاهراً وهو كاف في صحته قطعا مع إمكان أن يكون لاحتمال الردع شرعا عن هذه الطريقة المتعارفة بين أبناء المحاورة وجل العناوين المأخوذة في الأسئلة لو لا كلها يعمها كما لا يخفى «ودعوى» ان المتيقن منها غيرها (مجازفة) غايته انه كان

______________________________________________________

وجوب العمل بأقوى الدليلين بناء على ان المراد بالأقوى الأقوى دلالة (١) (قوله : لا يخفى فافهم) لعله إشارة إلى انه لو كان منساقها غير ذلك فلا دليل عليها. إلى هنا انتهى الكلام في شعبان من السنة السابعة والأربعين بعد الألف والثلاثمائة هجرية في جوار الحضرة المقدسة العلوية على صاحبها الف سلام وتحية هذا ختام ما كتبه مد ظله في الدورة الثانية ولما كان ذلك لا يستوفي مباحث التعادل والتراجيح مد ظله ـ وكان قد كتبها في الدورة الأولى كاملة أتممنا هذا الجزء بما كتبه سابقا تتميما للفائدة (٢) (قوله : ويشكل بان مساعدة) اعلم : انه إذا بنينا على ان الأظهر المنفصل يوجب ارتفاع ظهور الظاهر بالكلية وانعقاد ظهوره فيما يوافق الأظهر نظير القرائن المتصلة فلا ريب في عدم مجال إشكال لأن الظاهر والأظهر لا تعارض بينهما بدوا فضلا عما لو لوحظت القواعد العرفية في الجمع ، وهذا وإن ذهب إليه جمع من المحققين إلّا أنه خلاف التحقيق ، وأن العرف يفرق بين القرائن المتصلة والمنفصلة ، وأن

٥٧٦

كذلك خارجا لا بحسب مقام التخاطب وبذلك ينقدح وجه القول الثاني (اللهم) إلّا أن يقال : إن التوفيق في مثل الخاصّ والعام والمقيد والمطلق كان عليه السيرة القطعية من لدن زمان الأئمة عليهم‌السلام وهي كاشفة إجمالا عما يوجب تخصيص أخبار العلاج بغير موارد التوفيق العرفي لو لا دعوى اختصاصها به وأنها سؤالا وجواباً بصدد الاستعلاج والعلاج في موارد التحير والاحتياج أو دعوى الإجمال وتساوى احتمال العموم مع احتمال الاختصاص ، ولا ينافيها مجرد صحة السؤال لما لا ينافي العموم ما لم يكن هناك ظهور أنه لذلك فلم يثبت باخبار العلاج ردع عما هو عليه بناء العقلاء وسيرة العلماء من التوفيق وحمل الظاهر على الأظهر والتصرف فيما يكون صدورهما قرينة عليه فتأمل «فصل» قد عرفت حكم تعارض الظاهر والأظهر وحمل الأول على الآخر فلا إشكال فيما إذا ظهر أن أيهما ظاهر وأيهما أظهر؟ وقد ذكر فيما اشتبه الحال لتمييز ذلك ما لا عبرة به أصلا فلا بأس بالإشارة إلى جملة منها وبيان ضعفها (منها) ما قيل في ترجيح ظهور العموم على الإطلاق وتقديم التقييد على التخصيص فيما دار الأمر بينهما «من» كون ظهور العام في العموم

______________________________________________________

الأولى موجبة لعدم انعقاد الظهور إلّا بما هو موافق دون الثانية فانها لا تمنع من انعقاد الظهور وإنما تمنع من وجوب الأخذ به فعلا اما للمزاحمة بالأهم بناء على أن تقديم الأقوى ظهوراً بذلك المناط أو للورود بناء على ان حجية الظهور في نظر العرف معلقة على عدم ورود ظاهر أقوى على الخلاف ، فللمتكلم ان يلحق بكلامه ما شاء من القيود إذ ما لم يتم لم ينعقد له ظهور في شيء فإذا تم انعقد ظهوره وصار ظاهراً في معنى ولا ينتظر في مقام الحكم عليه بأنه ظاهر في كذا أن لا يرد كلام آخر منفصل ينافيه ، (وإن) بنينا على مذهب المصنف «قده» وهو التحقيق فقد يتوجه الإشكال في عدم إطلاق لأدلة الترجيح والتخيير شامل لصورة إمكان الجمع العرفي بل مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما يمكن بينهما الجمع العرفي وما لا يمكن

٥٧٧

تنجيزياً ، بخلاف ظهور المطلق في الإطلاق فانه معلق على عدم البيان والعام يصلح بيانا فتقديم العام حينئذ لعدم تمامية مقتضي الإطلاق معه بخلاف العكس فانه موجب لتخصيصه بلا وجه إلا على نحو دائر «ومن» أن التقييد أغلب من التخصيص (وفيه) أن عدم البيان الّذي هو جزء المقتضي في مقدمات الحكمة إنما هو عدم البيان في مقام التخاطب لا إلى الأبد (وأغلبية) التقييد مع كثرة التخصيص بمثابة قد قيل : ما من عام إلا وقد خص ، (غير مفيد) ولا بد في كل قضية من ملاحظة خصوصياتها الموجبة لأظهرية أحدهما من الآخر فتدبر (ومنها) ما قيل فيما إذا دار بين التخصيص

______________________________________________________

لكن لا يخفى أنه إذا فرض أن بناء العرف والعقلاء على تقديم الأظهر وعدم حجية أصالة الظهور في الظاهر للمزاحمة أو الورود فحكم الشارع بالتخيير عند عدم المرجح أو الترجيح والأخذ بالراجح ولو كان هو الظاهر مع وجود المرجح لا بد أن يكون رادعا عن طريقة العقلاء وجاعلا لحجية الظهور في الظاهر مع وجود الأقوى على خلاف طريقتهم ، ولو لا ذلك امتنع الأخذ بالظاهر لعدم حجية الظهور فيه حسب الفرض عند العقلاء ، ولا طريق لإثبات حجيته الا بناؤهم أو بيان الشارع والمفروض عدم الأول فلا بد من الثاني ، ومن المعلوم بديهة ان الاخبار المذكورة ليست إلّا في مقام الترجيح أو التخيير بين الحجتين من حيث الصدور لا في مقام جعل الحجية للظهور (١) (قوله : تنجيزيا) أي غير معلق على شيء (٢) (قوله : الا على نحو دائر) لأن رفع اليد عن العموم بالإطلاق يتوقف على عدم مانعية العموم عن الإطلاق وهو يتوقف على رفع اليد عن العموم بالإطلاق (٣) (قوله : ومن ان التقييد) وجه آخر للتقديم فهو معطوف على قوله من كون ظهور العام ... إلخ (٤) (قوله : لا إلى الأبد) أي ليس جزء المقتضي في مقدمات الحكمة عدم البيان إلى الأبد ليكون وجود العام ـ ولو لا في مقام التخاطب ـ موجبا لارتفاع مقدمات الحكمة من أول الأمر (نعم) لو كان العام المعارض للمطلق متصلا به أمكن تقديمه على العام لصلاحية كونه قرينة على التقييد فتأمل (٥) (قوله : وأغلبية التقييد) جواب عن الوجه الثاني

٥٧٨

والنسخ كما إذا ورد عام بعد حضور وقت العمل بالخاص حيث يدور بين أن يكون الخاصّ مخصصاً ، أو يكون العام ناسخاً أو ورد الخاصّ بعد حضور وقت العمل بالعامّ حيث يدور بين أن يكون الخاصّ مخصصاً للعام أو ناسخاً له أو رافعاً لاستمراره ودوامه في وجه تقديم التخصيص على النسخ من غلبة التخصيص وندرة النسخ ، ولا يخفى أن دلالة الخاصّ أو العام على الاستمرار والدوام إنما هو بالإطلاق لا بالوضع ، فعلى الوجه العقلي في تقديم التقييد على التخصيص كان اللازم في هذا الدوران تقديم النسخ على التخصيص أيضا ، وان غلبة التخصيص إنما يوجب أقوائية ظهور الكلام في الاستمرار والدوام من ظهور العام في العموم إذا كانت مرتكزة في أذهان أهل المحاورة بمثابة تعد من القرائن المكتنفة بالكلام ، وإلا فهي وإن كانت مفيدة للظن

______________________________________________________

(١) (قوله : انما هو بالإطلاق لا بالوضع) قد تحقق في محله أن النسخ ليس من التخصيص بحسب الأزمان ليكون من قبيل الدوران بين التخصيص والتقييد بل من سنخ التصرف بالجملة ، من حيث ان الناسخ يكشف عن أن المتكلم ليس في مقام بيان الواقع ، وحينئذ فإذا تأخر الخاصّ عن العام ودار بين كونه ناسخا ومخصصا ، فاللازم تعيين الثاني ، لأن الدوران في الحقيقة يكون بين رفع اليد عن أصالة العموم في العام وأصالة الجهة فيه ، ولا إشكال في تقديم الأول على الثاني ، للعلم التفصيليّ بسقوط أصالة الظهور على كل حال ، لأن حجية الظهور إنما هي فيما لو أحرز كون المتكلم في مقام بيان الواقع ، ففي المقام يعلم بان أصالة الظهور على خلاف الواقع ، إما لعدم العموم ، أو لعدم كون المتكلم في مقام بيان الواقع ، والشك في سقوط أصالة الجهة حينئذ بلا معارض يوجب وجوب الأخذ بها وعدم رفع اليد عنها ، نعم لو تأخر العام عن الخاصّ دار الأمر بين سقوط أصالة العموم في العام وسقوط أصالة الجهة في الخاصّ ، ولا علم تفصيلي بسقوط إحداهما بعينها كما في الصورة الأولى ، فلا بد في تقديم الثانية على الأولى من مرجح وهو قوة أصالة الجهة بالنسبة إلى أصالة الظهور (واما) لو كان النسخ من تخصيص الأزمان (كما) هو

٥٧٩

بالتخصيص إلا أنها غير موجبة لها كما لا يخفى ، ثم إنه إنه بناء على اعتبار عدم حضور وقت العمل في التخصيص لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة يشكل الأمر في تخصيص الكتاب أو السنة بالخصوصات الصادرة عن الأئمة عليهم‌السلام فانها صادرة بعد حضور وقت العمل بعموماتها والتزام ـ نسخها بها ـ ولو قيل بجواز نسخهما بالرواية عنهم ـ كما ترى فلا محيص في حله من أن يقال : إن اعتبار ذلك حيث كان لأجل قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وكان من الواضح أن ذلك فيما إذا لم يكن هناك مصلحة في إخفاء الخصوصات أو مفسدة في إبدائها كإخفاء غير واحد من التكاليف في الصدر الأول لم يكن بأس بتخصيص عموماتها بها واستكشاف ان موردها كان خارجاً عن حكم العام واقعاً وإن كان داخلا فيه ظاهراً ، ولأجله لا بأس بالالتزام بالنسخ بمعنى رفع اليد بها عن ظهور تلك العمومات بإطلاقها في الاستمرار والدوام أيضا فتفطن.

______________________________________________________

المشهور ، وعليه بنى المصنف (قده) الإشكال ـ فلا وجه لتقديم التخصيص عندهم إلا الأشيعية والأغلبية ، وحينئذ فيشكل بأن الأغلبية انما تكون منشأ لتقديم التخصيص لو كانت بمثابة تعد من القرائن المكتنفة بالكلام بحيث تصلح لصرف الظهور ، لكن لا يخفى انه يكفي أقل من هذا المقدار فإنها وإن لم تكن كالقرائن المكتنفة لكن إذا كانت موجبة لقوة أحد الظهورين على الآخر بحيث يكون العرف يرى الجمع بينهما بالتصرف في أحدهما دون الآخر كانت كافية ، ومن المعلوم ثبوت هذا المقدار ، فان ظهور الكلام الوارد من قبل الشارع في كونه حكما قانونياً مستمرا باستمرار الزمان أقوى من ظهور العام في العموم بعد شيوع التخصيص جدا ، حتى قيل : ما من عام إلّا وقد خص مضافا إلى ما قيل من ان النسخ يوجب التصرف في الكلامين : ظهور المنسوخ في الاستمرار والناسخ في كونه ثابتا من مبدأ الشريعة لا من حين صدوره ، بخلاف التخصيص فانه ليس فيه إلّا رفع اليد عن ظهور العام فتأمل (١) (قوله : كما ترى ... إلخ) فانه يتوقف على إمكان نسخهم

٥٨٠