حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

تكون بلا عناية الاستمرار والامتداد بان لوحظ كل جزء من الموضوع الممتد المستمر وحكم عليه في عرض ملاحظته للجزء الآخر منه والحكم عليه (وأخرى) تكون بعناية الاستمرار والاتصال بحيث يكون الحكم على الجزء اللاحق بعناية انه كان على ما قبله من الأجزاء أو استمر إليه وامتد عليه ، فان كانت الدلالة على النحو الأول تعين ما ذكرت من مرجعية العام لكنه غير ما نحن فيه بل هو القسم الآخر الّذي سيأتي وجوب الرجوع إلى العام فيه ، اما ما نحن فيه فهو النحو الثاني مما ذكرنا (فان قلت) : ما ذكرت يقتضي عدم حجية العام في الباقي بعد التخصيص لأن العام انما دل على حكم عام لجميع الافراد ، فإذا خصص لم يبق الحكم عاما فإثبات الحكم الباقي بالعامّ إثبات لغير مدلوله به «قلت» : العموم بعنوانه ليس مدلولا للعام بل مدلوله كل واحد من أحكام افراده غاية الأمر يعتبر عنوان العموم لمدلوله في رتبة لاحقة للدلالة فإذا فرض ان العام ليس بحجة في مورد التخصيص وجب رفع اليد عن بعض مدلوله فيكون نتيجة ذلك التوزيع في المدلول. (فتأمل) مع أنه لو فرض كون العموم بعنوانه مدلولا للعام أمكن دعوى وجوب رفع اليد عن دلالته على العموم بالخاص وانه الجمع العرفي بينهما وان لم يكن من باب التخصيص «وأما» في المقام فنقول : إن كان عنوان الاستمرار مدلولا عليه بالكلام بحيث كان ثبوت الحكم في الزمان الثاني بعناية الاستمرار والتبعية له كان الجمع العرفي بينه وبين ما دل على انتفاء الحكم في زمان معين في الأثناء هو الحكم بانقطاع الاستمرار فلا موجب لثبوت الحكم فيما بعد ذلك الزمان لأن المفروض أن ثبوته فيه كان بعناية الاستمرار والتبعية له وقد انقطع ، وان كان عنوان الاستمرار معتبراً لمدلول العام ـ أعني الأحكام الضمنية المندرجة الملحوظ كل منها في قبال غيره في الرتبة اللاحقة عن دلالة العام عليها ـ فالجمع العرفي بين العام والخاصّ هو رفع اليد عن الاستمرار لا غير وتبقى دلالته على الأحكام الضمنية اللاحقة بحالها ومن هنا يظهر أن المتحصل من جميع ما ذكر : أنه مهما كانت دلالة العام على الأحكام الضمنية اللاحقة تبع دلالته على الحكم المستمر وجب رفع اليد عن

٥٢١

نعم لو كان الخاصّ غير قاطع لحكمه كما إذا كان مخصصا له من الأول

______________________________________________________

العام فيما بعد زمان التخصيص ، ومهما كانت الدلالة على الاستمرار تبع الدلالة على الأحكام الضمنية وجب الرجوع إلى العام فيما بعد زمان التخصيص وبني على انقطاع الاستمرار لا غير ، والظاهر أنه لا فرق بين أخذ الزمان قيدا للموضوع والحكم أو النسبة فقد يكون حكم العام ملحوظا فيه الاستمرار بحسب ظاهر أالدليل مع أخذ الزمان ظرفا للموضوع ، وقد لا يكون الاستمرار ملحوظا فيه مع أخذ الزمان ظرفا للحكم أو النسبة. نعم الغالب في العمومات المغيّاة بغاية ملاحظة الاستمرار ولو مع أخذ الزمان ظرفا للموضوع كما لو قيل : الجلوس في المسجد يوم الجمعة إلى الليل واجب ، والغالب فيما لم تذكر له غاية عدمه كما لو قيل : يجب يوم الجمعة الجلوس في المسجد ، فإذا دل دليل على عدم وجوب الجلوس لزيد ساعة الزوال ، فان كان العام من قبيل الأول كان الدليل دالا على كون غاية الجلوس لزيد هو الزوال وان كان من قبيل الثاني كان دالا على خروج الزوال عن الظرفية ويبقى ما بعده على ظرفيته للحكم ، والأمر سهل في الأمثلة بعد معرفة المعيار والله سبحانه الهادي (١) (قوله : نعم لو كان الخاصّ) اعلم ان شيخنا الأعظم «ره» في رسائله فصل في المقام بين ما إذا كان الزمان مفرِّدا للعام وما أخذ بيانا لاستمرار حكم العام ، فحكم في الأول بوجوب الرجوع إلى العام ، وفي الثاني بوجوب الرجوع إلى الاستصحاب ، وأستاذنا المصنف «ره» وافقه في حكم الأول مطلقا وفي حكم الثاني إذا لم يكن الخاصّ مخصصا في أول الأزمنة ولم يكن الزمان في الخاصّ مفرداً ، وكلامه هذا تنبيه على الصورة الأولى وان حكمها الرجوع إلى العام لا الاستصحاب «والوجه» فيه : أن العام بالإضافة إلى كل فرد يدل على امرين ، أحدهما ثبوت حكم واحد مستمر ، والآخر كون مبدأ ثبوته أول وجود الموضوع والخاصّ إذا كان مخصصا في أول الأزمنة انما ينافي دلالة العام على الثاني دون دلالته على الأول فيجب الأخذ بدلالة العام على الأول. «نعم» يبقى الإشكال في أن الأخذ

٥٢٢

لما ضرّ به في غير مورد دلالته فيكون أول زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالته فيصح التمسك ب (أوفوا بالعقود) ولو خصص بخيار المجلس ونحوه ولا يصح التمسك به فيما إذا خصص بخيار لا في أوله فافهم. وإن كان مفادهما على النحو الثاني فلا بد من التمسك بالعامّ بلا كلام لكون موضوع الحكم بلحاظ هذا الزمان من أفراده فله الدلالة على حكمه والمفروض عدم دلالة الخاصّ على خلافه ، وان كان مفاد العام على النحو الأول والخاصّ على النحو الثاني فلا مورد للاستصحاب فانه وان لم يكن هناك دلالة أصلا إلّا أن انسحاب الحكم الخاصّ إلى غير مورد دلالته

______________________________________________________

بدلالة العام على الأول لا يقتضي كون مبدأ ثبوته الزمان المتصل بزمان الخاصّ إذ العام لا يدل على ذلك. «وقد» دفعه في الحاشية بأن المخصص إن كان راجعا إلى تقييد الموضوع فلا إشكال إذ بعد التقييد يكون الموضوع المقيد ثابتا له الحكم من أول وجوده ، مثلا قوله تعالى : «أوفوا بالعقود» بعد تقييده بمثل : البيِّعان بالخيار ما لم يفترقا ، يكون المراد : العقد في حال الافتراق يجب الوفاء به ، وان كان راجعا إلى التخصيص بحسب الزمان فمفاد إطلاق العام ثبوت الحكم من الأول فالأوّل فإذا لم يكن الأول مبدأ كان الثاني مبدأه. (هذا) وكأن وجه دلالة الإطلاق على ذلك ظهور الدليل في كون نفس الموضوع علة تامة للحكم فإذا دل دليل على عدم كونه كذلك في الزمان الأول بقيت دلالته على عليته فيما بعد ذلك من الزمان بحالها فتأمل جيداً (١) (قوله : لما ضربه في غير) يعني لما ضرّ الخاصّ المذكور بالعامّ في غير مورد دلالته يعني ما بعده من الزمان (٢) (قوله : لا في أوله) كما في خيار الغبن بناء على ثبوته عند العلم بالغبن (٣) (قوله : فافهم) يمكن ان يكون إشارة إلى الإشكال المتقدم (٤) (قوله : على النحو الثاني) يعني ما يكون فيه الزمان مفرداً أو معددا للموضوع (٥) (قوله : لم يكن هناك دلالة) يعني لا للخاص كما هو

٥٢٣

من إسراء حكم موضوع إلى آخر لا استصحاب حكم الموضوع ولا مجال أيضا للتمسك بالعامّ لما مر آنفا فلا بد من الرجوع إلى سائر الأصول ، وان كان مفادهما على العكس كان المرجع هو العام للاقتصار في تخصيصه بمقدار دلالة الخاصّ ولكنه لو لا دلالته لكان الاستصحاب مرجعاً لما عرفت من أن الحكم في طرف الخاصّ قد أخذ على نحو صح استصحابه فتأمل تعرف أن إطلاق كلام شيخنا ـ أعلى الله مقامه ـ في المقام نفياً وإثباتاً في غير محله (الرابع عشر» الظاهر أن الشك في أخبار الباب وكلمات الأصحاب هو خلاف اليقين فمع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب ويدل عليه ـ مضافا إلى أنه كذلك لغة ـ كما في الصحاح وتعارف استعماله فيه في الاخبار في غير باب ـ قوله عليه‌السلام في اخبار الباب : ولكن تنقضه بيقين آخر ، حيث أن ظاهره أنه في بيان تحديد ما ينقض به اليقين وانه ليس إلّا اليقين

______________________________________________________

المفروض ولا للعام كما تقدم (١) (قوله : من إسراء حكم موضوع) لأن الموضوع المقيد بالزمان الأول غيره مقيداً بالزمان الثاني ومع تعدد الموضوع لا مجال للاستصحاب المقيد بالزمان ، كما تقدم الإشكال فيه وان منع الاستصحاب فيه مبني على كون المرجع في وحدة الموضوع الدليل لا العرف لوحدة الموضوع عرفا ، ولا فرق بينه وبين المقيد بغير الزمان مثل : الماء المتغير نجس ، هذا مضافا إلى إمكان استصحاب نقيض حكم العام فانه غير ملحوظ فيه الزمان كنفسه (٢) (قوله : إطلاق كلام) قد عرفت كيفية إطلاق كلامه (ره) إلا ان كونه في مقام البيان من هذه الجهات كلها غير ظاهر بل ليس نظره إلا صلاحية العام للمرجعية وعدمها فتأمل كلامه

(التنبيه الرابع عشر)

(٣) (قوله : كما في الصحاح) وكذا في القاموس ومجمع البحرين وظاهر الأخير نسبته إلى أئمة اللغة (٤) (قوله : في غير باب) فلاحظ باب الشك في عدد

٥٢٤

وقوله أيضا : لا حتى يستيقن انه قد نام ، بعد السؤال منه عليه‌السلام ـ عما إذا حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم ، حيث دل بإطلاقه ـ مع ترك الاستفصال بين ما إذا أفادت هذه الأمارة الظن وما إذا لم تفد ، بداهة انها لو لم تكن مفيدة له دائماً لكانت مفيدة له أحياناً على عموم النفي لصورة الإفادة وقوله عليه‌السلام بعده ولا تنقض اليقين بالشك ، أن الحكم في المغيا مطلقا هو عدم نقض اليقين بالشك كما لا يخفى ، وقد استدل عليه أيضا بوجهين آخرين «الأول» الإجماع القطعي على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف على تقدير اعتباره من باب الاخبار (وفيه) أنه لا وجه لدعواه ولو سلم اتفاق الأصحاب على الاعتبار لاحتمال ان يكون ذلك من جهة ظهور دلالة الأخبار عليه (الثاني) أن الظن غير المعتبر إن علم بعدم اعتباره بالدليل فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع وان كلما يترتب شرعاً على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده وإن كان مما شك في اعتباره فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك فتأمل جيداً «وفيه» أن قضية عدم اعتباره لإلغائه أو لعدم الدليل على اعتباره لا يكاد يكون إلا عدم إثبات مظنونه

______________________________________________________

الركعات (١) (قوله : بعد السؤال) ظرف ل (قوله) (٢) (قوله : دل بإطلاقه) فاعل دل راجع إلى (قوله) (٣) (قوله : على عموم) متعلق بقوله : «دل» (٤) (قوله : وقوله عليه‌السلام بعده) معطوف على فاعل (دل) يعني دل قوله عليه‌السلام : لا تنقض ... إلخ على «ان الحكم المغيّا» بقوله عليه‌السلام حتى ... إلخ (مطلقا) يعني وان كان الظن على خلافه «هو عدم نقض اليقين بالشك» والعبارة لا تخلو من قصور (٥) (قوله : وقد استدل) المستدل شيخنا «ره» في رسائله (٦) (قوله : وفيه ان قضية) يعني ان عدم اعتبار الظن شرعا أو عقلا معناه عدم ثبوت مؤداه لا لزوم ترتيب آثار الشك المتساوي الطرفين عليه فإذا فرض ان الاستصحاب من آثار الشك المتساوي الطرفين لا يترتب على الظن مع قيام الدليل

٥٢٥

به تعبداً ليترتب عليه آثاره شرعاً لا ترتيب آثار الشك مع عدمه ، بل لا بد حينئذ في تعيين أن الوظيفة أي أصل من الأصول العملية من الدليل فلو فرض عدم دلالة الأخبار معه على اعتبار الاستصحاب فلا بد من الانتهاء إلى سائر الأصول بلا شبهة ولا ارتياب ولعله أشير إليه بالأمر بالتأمل فتأمل جيداً (تتمة) لا يذهب عليك انه لا بد في الاستصحاب من بقاء الموضوع وعدم إمارة معتبرة هناك ولو على وفاقه فهاهنا مقامان (المقام الأول) انه لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع بمعنى اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا كاتحادهما حكما ، ضرورة انه بدونه لا يكون الشك في البقاء بل في الحدوث ولا رفع اليد عن اليقين في محل الشك نقض اليقين بالشك فاعتبار البقاء بهذا المعنى لا يحتاج إلى زيادة بيان وإقامة برهان «والاستدلال» عليه باستحالة انتقال العرض إلى موضوع آخر لتقومه بالموضوع وتشخصه به «غريب»

______________________________________________________

على عدم اعتباره أو عدم قيام دليل على اعتباره (١) (قوله : آثاره شرعا) الضمير راجع إلى مظنونه وضمير (عدمه) راجع إلى الشك (٢) (قوله : من الدليل) خبر «لا» في لا بد (٣) (قوله : ولعله) بل هو الظاهر كما يظهر من ملاحظة كلامه في غير المقام

(بقاء اشتراط الموضوع)

(٤) (قوله : ضرورة انه بدونه) يعني أن ظاهر أدلة الاستصحاب كون موضوعه الشك في البقاء الموقوف على كون متعلق اليقين والشك واحداً وجوداً والاختلاف بينهما في الحدوث والبقاء فقط فيكون متعلق اليقين الحدوث ومتعلق الشك البقاء ، أما مع اختلاف الموضوع بأن يكون المتيقن حكم موضوع والمشكوك حكم موضوع آخر لا يكون الشك في الحكم الثاني شكا في البقاء بل في ثبوت حكم آخر غير المتيقن فلا مجال للاستصحاب (٥) (قوله : والاستدلال عليه) المستدل شيخنا الأعظم «ره» حيث قال : والدليل على اعتبار هذا الشرط في جريان الاستصحاب

٥٢٦

بداهة ان استحالته حقيقة غير مستلزم لاستحالته تعبداً والالتزام بآثاره شرعاً ، واما بمعنى إحراز وجود الموضوع خارجا فلا يعتبر قطعاً في جريانه لتحقق أركانه بدونه نعم ربما يكون مما لا بد منه في ترتيب بعض الآثار ففي استصحاب عدالة زيد لا يحتاج إلى إحراز حياته لجواز تقليده وان كان محتاجا إليه في جواز الاقتداء به أو وجوب إكرامه أو الإنفاق عليه وانما الإشكال كله في هذا الاتحاد هل هو بنظر العرف أو بحسب دليل الحكم

______________________________________________________

واضح لأنه لو لم يعلم تحققه لاحقا فإذا أريد إبقاء المستصحب العارض له المتقوم به فاما أن يبقى في غير محل وموضوع وهو محال ، واما ان يبقى في موضوع غير الموضوع السابق ، ومن المعلوم أن هذا ليس إبقاء لنفس ذلك العارض وانما هو حكم بحدوث عارض مثله في موضوع جديد فيخرج عن الاستصحاب بل حدوثه للموضوع الجديد كان مسبوقا بالعدم فهو المستصحب دون وجوده وبعبارة أخرى ... إلخ ، واعترضه جماعة من تلامذته بما أشار إليه المصنف (ره) من أن المراد بالإبقاء إن كان هو البقاء الحقيقي تم ما ذكر أما لو كان المراد منه الإبقاء التعبدي الّذي هو عبارة عن مجرد لزوم ترتيب الآثار في مقام الظاهر فلا استحالة فيه مع الشك في الموضوع. هذا ولا يخفى أن هذا الاستدلال من شيخنا «قدس‌سره» على اعتبار البقاء بالمعنى الآتي ـ أعني إحراز وجود الموضوع لاحقاً لا بمعنى اتحاد موضوع القضيتين ـ فلا يناسب ذكر هذا الكلام هنا بل المناسب ذكره بعد قوله : واما بمعنى إحراز ... إلخ. فلاحظ. (١) (قوله : ففي استصحاب عدالة) قد عرفت أنه لا بد ان يكون المستصحب أثراً شرعياً أو موضوعا للأثر الشرعي ، وحينئذ فقد يكون موضوع الأثر مجرد وجود الشيء فلا حاجة حينئذ في جريان الاستصحاب إلى أكثر من كون ذلك الشيء معلوم الثبوت مشكوك البقاء وذلك مثل جواز التقليد فان موضوعه مجرد عدالة المجتهد فإذا علم رأي مجتهد وشك في

٥٢٧

أو بنظر العقل؟ فلو كان مناط الاتحاد هو نظر العقل فلا مجال للاستصحاب في الأحكام لقيام احتمال تغير الموضوع في كل مقام شك في الحكم بزوال بعض

______________________________________________________

عدالته جرى استصحاب عدالته ، ولو اعتبر في جواز التقليد الحياة جرى استصحاب حياته وعدالته ، وليس إحراز الحياة شرطاً في جريان استصحاب العدالة لما عرفت من أن موضوع الأثر الشرعي نفس الحياة والعدالة فإذا اجتمعت أركان الاستصحاب فيهما من اليقين بالثبوت والشك في البقاء جرى الاستصحاب فيهما. وقد يكون موضوع الأثر الشرعي وجود الشيء لأمر خارجي معين فيتوقف جريان الاستصحاب على إحراز ذلك الأمر الخارجي المعين مثل جواز الائتمام فانه انما يترتب على عدالة الإمام المعين فلا يجري الاستصحاب إلا مع إحراز امام معين ليشك في عدالته فإذا أحرز امام معين وشك في عدالته جرى استصحاب عدالته ، اما لو لم يحرز وكان الشك في عدالة زيد مثلا امتنع جريان الاستصحاب ليترتب عليه صحة الائتمام ، لأن عدالة زيد ليست موضوعا لجواز الائتمام مطلقاً حتى يترتب باستصحابها ، بل موضوعه عدالة زيد الّذي هو الإمام المعين. وهكذا الحال في جميع الآثار المتعلقة بالأمر الخارجي المعين مثل وجوب إكرامه وقبول شهادته ونفوذ تصرفه والإنفاق عليه ونحوها إذ ما لم يحرز الأمر الخارجي امتنع أن يقال : هذا كان عدلا أو زوجة أو ولياً أو نحوها وقد شك في بقائه على ما كان حتى يجري الاستصحاب في حاله ووصفه. ومجرد الشك في ثبوت الحال والوصف لموضوع لا ينفع في ترتيب الآثار المذكورة على استصحابه بعد ما كانت موضوعا للأثر بما انها حال ووصف لنفس الأمر الخارجي المعين ، فإحراز الموضوع في هذه المقامات ليس دخيلا في جريان الاستصحاب إلا من حيث دخله في كون المشكوك موضوعاً للأثر. وقدم تقدم أن لو وجب صوم زمان هو رمضان لا بد من إحراز أن الزمان رمضان ولا ينفع استصحاب بقاء رمضان في ترتيبه (١) (قوله : فلو كان مناط) شروع في بيان ثمرة الخلاف في مرجع الاتحاد (قوله : لقيام احتمال)

٥٢٨

خصوصيات موضوعه لاحتمال دخله فيه ويختص بالموضوعات ، بداهة انه إذا شك في حياة زيد شك في نفس ما كان على يقين منه حقيقة بخلاف ما لو كان بنظر العرف أو بحسب لسان الدليل ، ضرورة أن انتفاء بعض الخصوصيات وإن كان موجباً للشك في بقاء الحكم لاحتمال دخله في موضوعه إلا أنه ربما لا يكون بنظر العرف ولا في لسان الدليل من مقوماته ، كما انه ربما لا يكون موضوع الدليل بنظر العرف بخصوصه موضوعا (مثلا) إذا ورد : العنب إذا غلى يحرم ، كان العنب بحسب ما هو المفهوم عرفا هو خصوص العنب ولكن العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم ويتخيلونه من المناسبات بين الحكم وموضوعه يجعلون الموضوع للحرمة ما يعم الزبيب ويرون العنبية والزبيبية

______________________________________________________

(١) كما تقدم في أوائل مبحث الاستصحاب (٢) (قوله : بنظر العرف ولا في) كما لو قيل : الماء إذا تغير نجس ، فان موضوع النجاسة في لسان الدليل نفس الماء ، وكذا عند العرف فلو زال تغيره أمكن استصحاب النجاسة لو كان المرجع في اتحاد القضيتين أحدهما (٣) (قوله : هو خصوص العنب) يعني المفهوم الّذي لا يصدق على الزبيب وإلا لما شك في ثبوت الحكم للزبيب لأن الدليل يكون رافعاً للشك. فالشك انما كان لأجل أنه لا يفهم من العنب المأخوذ موضوعا للحكم المذكور إلا الذات التي لا تصدق على الزبيب (٤) (قوله : بحسب ما يرتكز في أذهانهم) هذا ـ كما سيأتي ـ شروع في دفع توهم أنه كيف يكون الموضوع في نظر العرف غير الموضوع في لسان الدليل ، مع أن المرجع في فهم الدليل هو العرف «وتوضيح» الدفع : انه لا تنافي بين فهمهم من الدليل كون الحكم الشرعي كالتحريم بالغليان مثلا الّذي تضمن إثباته الدليل موضوعه العنب على أن يكون وصف العنبية مقوّما له بحيث ينتفي الموضوع بانتفائه ، وكون المرتكز في أذهانهم كون التحريم بالغليان موضوعه ذات العنب ووصف العنبية من الحالات فكونهم مرجعاً في فهم الدليل معناه أنهم مرجع في معنى الكلام ،

٥٢٩

من حالاته المتبادلة بحيث لو لم يكن الزبيب محكوماً بما حكم به العنب كان عندهم من ارتفاع الحكم عن موضوعه ولو كان محكوماً به كان من بقائه ، ولا ضير في أن يكون الدليل بحسب فهمهم على خلاف ما ارتكز في أذهانهم بسبب ما تخيلوه من الجهات والمناسبات فيما إذا لم تكن بمثابة يصلح قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه. ولا يخفى أن النقض وعدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ من الموضوع فيكون نقضاً بلحاظ موضوع ولا يكون بلحاظ موضوع آخر فلا بد في تعيين أن المناط في الاتحاد هو الموضوع العرفي أو غيره من بيان أن خطاب (لا تنقض) قد سيق بأي لحاظ؟

______________________________________________________

وكونهم مرجعاً في الاتحاد معناه أن ارتكازهم في تمييز قوام الموضوع عن حاله هو الميزان في الاتحاد المصحح للاستصحاب (أقول) : يمكن أن يقال : انه لو فرض كون ارتكازهم مطابقاً لفهم من الدليل لكنه إذا صدق على الزبيب انه كان عنباً يصدق بالضرورة انه كان إذا غلى ينجس فيجري الاستصحاب إذا شك في بقائه على ما كان ، وحينئذ لا يحتاج إلى تصحيح كون ارتكازهم في الحكم على خلاف الدليل ولا تنقيح ما عليه ارتكازهم (١) (قوله : من حالاته المتبادلة) يعنى من حالات الموضوع المتبادلة عليه لا من مقوماته كما هو ظاهر الدليل (٢) (قوله : من ارتفاع الحكم) ولا يصدق الارتفاع إلا مع وحدة الموضوع والمحل. وهكذا البقاء (٣) (قوله : إذا لم تكن بمثابة) وإلا كان الدليل موافقاً للعرف في الموضوع (٤) (قوله : يختلف بحسب الملحوظ) قد عرفت أن النقض في النصوص معناه رفع اليد عما كان لشيء مع الشك في بقائه فمهما صدق كون الشيء كان كذا فإذا شك في بقائه على ما كان وجب العمل على بقائه ، ولأجل ذلك يختلف صدق النقض وعدمه باختلاف ما يكون الشيء حاكياً عنه ، فقد يجعل حاكياً عن الموضوع العقلي أو الدليلي فلا يصدق انه كان كذا لانتفائه فيجعل حاكياً عن الموضوع العرفي فيصدق انه كان كذا لبقائه ، وقد يكون الأمر بالعكس

٥٣٠

فالتحقيق أن يقال : إن قضية إطلاق خطاب (لا تنقض) هو أن يكون

______________________________________________________

«ويمكن» أن يقال : لا ملزم في حمل الشيء على الموضوع حتى يتردد في أن أي موضوع هو المحكي به ، بل إطلاقه يقتضي أن كل شيء يصدق انه كان كذا وقد شك في بقائه على ما كان وجب العمل على بقائه سواء كان ذلك الشيء موضوعا في نظر العقل أم العرف أم الدليل أم لا ، فان صدق إنه كان حراماً ولو بواسطة أو صدق إنه كان خمراً أو عنباً جرى الاستصحاب ، وان لم يصدق إنه كان كذا امتنع الاستصحاب. نعم يبقى الإشكال في أن صدق كان هذا الشيء كذا هل هو منوط بنظر العرف أو بنظر العقل مثلا الملح الّذي استحال إليه الكلب لا يصدق بنظر العرف أنه كان كلباً حتى يصدق أنه كان نجساً أو حراماً ، لكن يصدق بنظر العقل انه كان كلباً «ويفترق» هذا التقرير عن سابقه (أولا) بأنه لا وجه لاحتمال الرجوع إلى الدليل إذ ليس في الدليل تعرض لصدق قولنا : هذا كان كذا ، وكذبه بل يدور الأمر بين الرجوع فيه إلى العقل والرجوع إلى العرف (وثانياً) ان الرجوع إلى العقل يوجب التوسعة في موضوع الاستصحاب على هذا التقرير فيصح استصحاب نجاسة الكلب إذا صار ملحاً بخلاف التقرير السابق لما عرفت من عدم الصدق عرفا (وثالثاً) بأنه لا مانع أيضا من استصحاب الأحكام الكلية لو كان المرجع العقل على هذا التقرير ويمتنع استصحابها على التقرير السابق (ورابعاً) بان الحمل على الموضوع العرفي على التقرير الأول أسهل إثباتا لأن الدليل عليه يكون مردداً مجملا في نفسه ، وبالإطلاق المقامي ينزل على العرفي بخلاف التقرير الثاني لأن الحمل عليه لا يخلو من مسامحة كما يظهر بالتأمل فتأمل جيداً (١) (قوله : فالتحقيق أن يقال) من المعلوم أن لفظ (النقض) كسائر الألفاظ المذكورة في الكتاب والسنة يجب حمله على المعنى الحقيقي عند العرف ، وليس دعوى الرجوع إلى العرف في المقام راجعة إلى خلاف ذلك بل راجعة إلى أن النقض الحقيقي بلحاظ الموضوع العرفي ـ كما على التقرير الأول ـ دون العقلي أو الدليلي أو هو بلحاظ نظر العرف المبني على المسامحة في صدق إن هذا كان كذا

٥٣١

بلحاظ الموضوع العرفي لأنه المنساق من الإطلاق في المحاورات العرفية ومنها الخطابات الشرعية فما لم يكن هناك دلالة على أن النهي فيه بنظر آخر غير ما هو الملحوظ في محاوراتهم لا محيص عن الحمل على أنه بذاك اللحاظ فيكون المناط في بقاء الموضوع هو الاتحاد بحسب نظر العرف وان لم يحرز بحسب العقل أو لم يساعده النقل فيستصحب مثلا ما يثبت بالدليل للعنب إذا صار زبيباً لبقاء الموضوع واتحاد القضيتين عرفا ولا يستصحب فيما لا اتحاد كذلك وان كان هناك اتحاد عقلا كما مرت الإشارة إليه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي فراجع (المقام الثاني) أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الأمارة المعتبرة في مورده وإنما الكلام في أنه للورود أو الحكومة أو التوفيق بين دليل اعتبارها وخطابه ، والتحقيق ، أنه للورود فان رفع اليد عن اليقين السابق بسبب إمارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين

______________________________________________________

ـ كما على التقرير الثاني ـ دون النّظر الحقيقي. ولا يبعد صدق الدعوى المذكورة ويكون المقام نظير الأوزان القائمة بالموضوعات العرفية فإذا وجب صاع حنطة امتنع إعطاء ما دون صاع ولو بمثقال لأنه ليس صاعاً حقيقة ، ويجوز إعطاء صاع حنطة مخلوطة بما ليس من الحنطة من تراب أو تبن أو غيرهما مما يتعارف خلطها به ولا تخرج بذلك عن كونها حنطة وان كانت لو ميز عنها الخليط نقصت عن الصاع بعشرة مثاقيل. والإنصاف أن إطلاق نصوص المقام يقتضي كون الاعتبار بنظر العرف ولا بد من التأمل. فتأمل (١) (قوله : بلحاظ الموضوع العرفي) هذا جري على التقرير الأول الّذي قد عرفت أنه لا ملزم به (٢) (قوله : في القسم الثالث) وهو الشك في الاستحباب عند القطع بارتفاع الإيجاب

(الاستصحاب والأمارات)

(٣) (قوله : والتحقيق انه للورود) من المعلوم أن الورود عبارة عن كون الدليل الوارد رافعاً لموضوع المورود ، فكون الأمارات واردة على الاستصحاب

٥٣٢

بالشك بل باليقين ، وعدم رفع اليد

______________________________________________________

يتوقف على كونها رافعة لموضوعه وهو يكون بأمرين (الأول) أن يكون المراد من الشك الّذي هو من أركانه عدم الحجة نظير الشك المأخوذ في موضوع الأصول العقلية كقاعدتي البراءة والاشتغال ، وحيث ان الأمارة حجة فإذا قامت على البقاء أو الارتفاع لم يتحقق موضوع الاستصحاب ـ أعني عدم الحجة ـ لتحقق نقيضه فلا مجال لجريانه «وفيه» أنه خلاف ظاهر لفظ الشك الّذي تقدم أن معناه خلاف اليقين (الثاني) أن يكون المراد من المشكوك الأعم من الحقيقي والتعبدي فإذا قامت الأمارة في مورده فقد علم بمؤداه التعبدي فلا شك فيه فلا مجال للاستصحاب لارتفاع موضوعه «وفيه» أنه خلاف ما تقدم من كون متعلق الشك هو متعلق اليقين فإذا كان اليقين متعلقاً بالأمر الحقيقي كفى في جريان الاستصحاب الشك في بقاء ذلك الأمر الحقيقي ولو علم بالوجود التعبدي بتوسط قيام الأمارة (واما) ما ذكره المصنف (ره) من أن رفع اليد عن اليقين السابق بالأمارة ليس من نقض اليقين بالشك بل باليقين «ففيه» انه إن أريد من اليقين اليقين الحقيقي فلا ريب في عدم حصوله من الأمارة ، وإن أريد اليقين التنزيلي ـ لأن أدلة حجية الأمارات تدل على كونها علماً تنزيلياً وهو الوجه المصحح للتعبير عنها بأنها طرق إلى مؤدياتها ـ فهو وإن كان الأمر كما ذكر لكنه لا يقتضي ورود الأمارة بل حكومتها عليه كما سيأتي ، وان أريد به ما يعم الدليل فهو راجع إلى الوجه الأول الّذي عرفت ما فيه وانه خلاف ظاهر لفظ اليقين والشك ، وان أريد به اليقين بالحكم ـ ولو بعنوان كونه مما قامت الأمارة على حكمه مثلا إذا قامت الأمارة على نجاسة شيء بالملاقاة فقد علم بكونه نجساً بما انه قامت الأمارة على نجاسته ـ فهو راجع في الحقيقة إلى الوجه الثاني الّذي عرفت ما فيه من مخالفته لما تقدم من اعتبار اتحاد متعلق اليقين والشك. ومن هذا يظهر لك ان دعوى الورود غير ظاهرة جداً. (١) (قوله : وعدم رفع اليد) هذا دفع توهم انه لو كان الدليل يقيناً كان اللازم رفع اليد عن اليقين السابق به مطلقاً مع انه

٥٣٣

عنه مع الأمارة على وفقه ليس لأجل أن لا يلزم نقضه به بل من جهة لزوم العمل بالحجة «لا يقال» : نعم هذا لو أخذ بدليل الأمارة في مورده ولكنه لم لا يؤخذ بدليله ويلزم الأخذ بدليلها؟ «فانه يقال» : ذلك إنما هو لأجل أنه لا محذور في الأخذ بدليلها بخلاف الأخذ بدليله فانه يستلزم تخصيص دليلها بلا مخصص إلا على وجه دائر إذ التخصيص به يتوقف على اعتباره معها واعتباره كذلك يتوقف على التخصيص به إذ لولاه لا مورد له معها كما عرفت آنفاً

______________________________________________________

لا يجب رفع اليد عنه إذا كان الدليل على وفقه بل يجب العمل عليه. ووجه الدفع ان عدم رفع اليد عن اليقين السابق في صورة الموافقة ليس عملا باليقين السابق بل عمل بالحجة الموافقة له. (هذا) وربما قيل : ان الأمارة الموافقة لا توجب كون العمل على طبق اليقين السابق عدم نقض له باليقين ليكون ممنوعا عنه بل يبقى جائزاً ومقتضاه حجية الاستصحاب في عرض الأمارة الموافقة ولا تكون واردة عليه (١) (قوله : عنه) الضمير راجع إلى اليقين السابق وكذا ضمير «وفقه» (٢) (قوله : ليس لأجل بل عرفت أنه لذلك إذ لا مجال للزوم النقض مع الموافقة لامتناع تحققه ولا ينافيه وجوب العمل بالأمارة أيضا (٣) (قوله : لا يلزم) يعني لا يجب نقض اليقين السابق باليقين بمعنى الأمارة والدليل (٤) (قوله : نعم هذا لو أخذ) هذا استدراك على قوله : بل باليقين ، يعني انما يكون نقضا باليقين لو بني على الأخذ بدليل الأمارة أما لو بني على الأخذ بدليل الاستصحاب امتنع الأخذ بدليل الأمارة لتنافيهما في صورة المخالفة ، وحينئذ يحتاج الأخذ بدليل الأمارة وإسقاط دليل الاستصحاب إلى مرجح (٥) (قوله : ويلزم) معطوف على قوله : لا يؤخذ (٦) (قوله : فانه يقال ذلك) حاصل الجواب : ان الاستصحاب والأمارة وان كانا متنافيين يمتنع الأخذ بهما معا ويلزم من الأخذ بأحدهما رفع اليد عن الآخر إلا أن المتعين الأخذ بدليل الأمارة ورفع اليد عن دليل الاستصحاب إذ في ذلك لا يلزم تخصيص دليل الاستصحاب ولا غيره ، ولو أخذ بالاستصحاب

٥٣٤

وأما حديث الحكومة فلا أصل له أصلا ، فانه لا نظر لدليلها إلى مدلول دليله إثباتا

______________________________________________________

ورفعت اليد عن الأمارة يلزم تخصيص دليلها بلا مخصص الا على وجه دائر. أما أن الأخذ بالأمارة لا يلزم منه تخصيص دليل الاستصحاب ولا غيره فهو لما عرفت من أن الأمارة إذا كانت حجة كانت يقينا فرفع اليد عن اليقين السابق بها نقض لليقين باليقين لا بالشك فيكون عملا بدليل الاستصحاب ودليل الأمارة معا. وأما لو بني على الأخذ بالاستصحاب ورفع اليد عن الأمارة كان ذلك تخصيصا لدليل الأمارة بلا مخصص «فان قلت» : المخصص دليل الاستصحاب «قلت» : تخصيص دليل الأمارة بدليل الاستصحاب يتوقف على حجيته بنحو يشمل مورد الأمارة وحجيته كذلك موقوفة على تخصيص دليل الأمارة وهو دور. أما سند المقدمة الأولى فواضح. وأما سند الثانية فلأنه لو لا تخصيص دليل الأمارة تكون الأمارة يقينا فترفع الاستصحاب ، ولا مجال لحجية دليله ، ولأجل ذلك لا يصح تقريره الدور على العكس فلا يقال : تخصيص دليل الاستصحاب يتوقف على حجية الأمارة وحجيتها موقوفة على تخصيص دليل الاستصحاب ، إذ المقدمة الأولى وان كانت مسلمة إلا أن المقدمة الثانية ممنوعة فان حجية الأمارة لا تلازم تخصيص دليل الاستصحاب فضلا عن توقفها عليه (١) (قوله : واما حديث الحكومة) يعني دعوى كون الأمارات حاكمة على الاستصحاب كما استظهره شيخنا الأعظم (ره) (٢) (قوله : لا نظر لدليلها) قد عرفت ان دليلها إذا كان دالا على كونها علما كما هو مقتضى كونها طريقا عندهم كان ناظراً إلى مدلول دليل الاستصحاب ومفيدا لكون الشك في موردها علما فرفع اليد عن اليقين السابق به نقض لليقين باليقين لا بالشك «ودعوى» عدم دلالة دليلها على كونها علما وعلى إلغاء احتمال الخلاف كما سيأتي منه (قدس‌سره) في مبحث التعارض (خلاف) المنساق من أدلتها. وقد عرفت أن اعتبار الدليليّة لها وكونها طُرقا إنما هو لأجل دلالة دليلها على ذلك بخلاف الاستصحاب وعامة الأصول فانه لا دلالة لدليله إلا على حكم في ظرف الشك ولأجل ذلك لا تسمى طرقا ولا أدلة وإنما تسمى أصولا وقواعد.

٥٣٥

وبما هو مدلول الدليل وإن كان دالا على إلغائه معها ثبوتا وواقعاً لمنافاة لزوم العمل بها مع العمل به لو كان على خلافها ، كما أن قضية دليله إلغاؤها كذلك فان كلا من الدليلين بصدد بيان ما هو الوظيفة للجاهل فيطرد كل منهما الآخر مع المخالفة هذا مع لزوم اعتباره معها في صورة الموافقة ولا أظن أن يلتزم به القائل بالحكومة (فافهم) فان المقام لا يخلو من دقة

______________________________________________________

وبالجملة : فنظر أدلة الأمارات إلى مدلول دليل الاستصحاب وغيره من الأصول بما أنه مدلول دليله مما لا ينبغي الإشكال فيه ، والرجوع إلى طريقة العقلاء في باب الأمارات كاف في إثباته ، وليس حال دليل الأمارة عندهم الا حال سائر الأدلة المتعرضة لنفي حكم الموضوع المستفاد من دليل آخر بلسان نفي موضوعه فتأمل جيداً (١) (قوله : وبما هو مدلول) بيان لقوله : إثباتا (٢) (قوله : وان كان دالا) معطوف على قوله : لا نظر لدليلها ... إلخ ، يعني ان دليل الأمارة لا بد أن يكون دالا على نفي الاستصحاب إذا كان مقتضيا لخلاف الأمارة إلا أن هذه الدلالة لا توجب حكومتها عليه لأن هذه الدلالة ناشئة من تنافي المدلولين فانه يقتضي أن يكون دليل أحدهما دالا على نفي الآخر ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى في مبحث التعارض ـ ومثلها لا تكون حكومة وإلّا فهي حاصلة بدليل الاستصحاب فانه يدل على نفي الأمارة التي على خلافه بالالتزام ، ومع ذلك لا يكون حاكما على الأمارة (٣) (قوله : هذا مع لزوم اعتباره) ظاهر العبارة يقتضي ان يكون إيرادا على القول بالحكومة في قبال الإيراد الأول. يعني لو قلنا بالحكومة من جهة أن دليل الأمارة ناظر إلى مدلول دليل الاستصحاب لا بد من القول بها في صورة المخالفة بينهما لا في صورة الموافقة. «لكن» فيه أنه إذا سلم نظر الدليل على النحو المذكور فلا وجه للاختصاص بصورة المخالفة لإطلاق الدليل في جميع الحالات كما هو لازم القول بحجية الأمارة في صورة الموافقة. «ويمكن» أن يكون إيراداً على القول بكون نظر الدليل ثبوتا كافيا في الحكومة

٥٣٦

وأما التوفيق فان كان بما ذكرنا فنعم الاتفاق وان كان بتخصيص دليله بدليلها فلا وجه له لما عرفت من أنه لا يكون مع الأخذ به نقض يقين بشك لا أنه غير منهي عنه مع كونه من نقض اليقين بالشك (خاتمة) لا بأس ببيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الأصول العملية وبيان التعارض بين الاستصحابين (اما الأول) فالنسبة بينه وبينها

______________________________________________________

وهو في محله إلا أنه لم يتعرض لتوهم ذلك في العبارة صريحا ولا لدفعه فلاحظ (١) (قوله : وأما التوفيق) يريد من التوفيق) الجمع العرفي بين دليل الأمارة ودليل الاستصحاب لا بنحو الورود ولا بنحو الحكومة ومنه لا يحسن قوله : فان كان بما ذكرنا ، إذ الّذي ذكره هو الورود كما صرح به (٢) (قوله : وان كان بتخصيص) قد جرى على لسان جماعة أن بين دليل الأمارة ودليل الاستصحاب عموما من وجه إلا أن ظهور دليل الأمارة في مورد الاجتماع أقوى فيتعين تقديمه وتخصيص دليل الاستصحاب به «وأورد» عليه المصنف «ره» بان التخصيص رفع اليد عن الحكم بلا تصرف في الموضوع وليس الأمر هنا كذلك إذ في مورد الأمارة يكون نقض اليقين بالدليل لا بالشك «وفيه» ما عرفت من أن الأمارة إذا لم توجب ارتفاع الشك حقيقة ولا تنزيلا لم يخرج المورد عن كونه نقضا لليقين بالشك واما ما ينبغي ان يورد على هذا الوجه فأمر ان أحدهما انه لا وجه لأقوائية ظهور دليل الأمارة من ظهور دليل الأصل «وثانيهما» ان لازمه حجية الاستصحاب في رتبة الأمارة إذا كانا متوافقين ولا يظن الالتزام به من أحد فإذا التحقيق هو ما استظهره شيخنا الأعظم «ره» من كون التقديم بمناط الحكومة (وهو) الوجه في تقديم الأمارات والطرق كافة على عامة الأصول حكمية أو موضوعية والله سبحانه اعلم

٥٣٧

هي بعينها النسبة بين الأمارة وبينه فيقدم عليها ولا مورد معه لها للزوم

______________________________________________________

(الاستصحاب والأصول)

(١) (قوله : هي بعينها النسبة) يعني نسبة الاستصحاب إلى سائر الأصول نسبة الوارد إلى المورود ، وعلله في الحاشية بقوله : فان المشكوك معه يكون من وجه وبعنوان مما علم حكمه وان شك فيه بعنوان آخر وموضوع الأصول هو المشكوك من جميع الجهات. انتهى «وتوضيحه» : ان مشكوك الحكم إذا جرى فيه الاستصحاب يكون معلوم الحكم بعنوان كونه قد شك في بقاء حكمه ، ومع هذا العلم لا مجال لجريان سائر الأصول فان موضوعها مشكوك الحكم من جميع الجهات ، مثلا إذا شك في حلية شيء قد علم حرمته سابقا فباستصحاب الحرمة يكون معلوم الحرمة بعنوان كونه قد شك في بقاء حرمته وإذا صار معلوم الحرمة كذلك لا مجال لجريان أصالة الحل لأن موضوعها مشكوك الحل والحرمة من جميع الجهات «وفيه أولا» امتناع جعل الشك في الحكم من جميع الجهات الشامل لعنوان كونه مشكوك الحكم موضوعا لحكم الأصل لأن الحكم المجعول للشيء بعنوان كونه مشكوك الحكم متأخر رتبة عن الشك فيمتنع أخذه في موضوعه فتأمل جيداً «وثانيا» ان هذا تفكيك بين أدلة الأصول من غير وجه ظاهر ، ولم لا يجوز الالتزام بالعكس؟ بجعل الشك المأخوذ موضوعا لدليل الاستصحاب الشك من جميع الجهات والشك المأخوذ موضوعا لأدلة سائر الأصول خصوص الشك من وجه واحد «فالتحقيق» : أنه لو بني على كون مفاد دليل الاستصحاب كمفاد سائر الأصول تنزيل المشكوك منزلة الواقع لم يكن وجه لتقديم بعضها على بعض لا الاستصحاب ولا غيره ، وان كان مفاد دليله وجوب العمل حال الشك العمل حال اليقين ـ كما أشرنا إليه سابقا ـ كان الوجه تقديمه على سائر الأصول لا بمناط الحكومة المتقدم في الأمارات ولا بمناط الورود لعدم تعرض دليله لنفي الشك المأخوذ في أدلتها لا حقيقة ولا تنزيلا ، ولكن بمناط آخر من الحكومة

٥٣٨

وليسمّ مناط النّظر ، لما عرفت من ان المراد من عمل اليقين العمل المترتب على آثار نفسه وآثار متعلقه ، ومن آثار نفسه كونه غاية لأصل الطهارة أو الحلية أو غيرهما من الأصول المغيّاة بالعلم عقلا وشرعا ، فالشك في بقاء الحرمة في الفرض المتقدم وان كان موضوعا لكل واحد من الاستصحاب وقاعدة الحل بلا فرق بينهما فيه إلّا أن الحكم في أحدهما لما كان ناظراً إلى الحكم في الآخر كان ذلك موجبا لتقدمه عليه عرفا فلاحظ «ثم» إن شيخنا الأعظم «قدس‌سره» بنى على الحكومة في المقام مع بنائه على كون دليل الاستصحاب دالا على تنزيل المشكوك منزلة المتيقن «بتقريب» : ان الغاية المجعولة لحكم الأصول العلم بالحكم الواقعي الحقيقي ودليل الاستصحاب يجعل الحكم الواقعي الحقيقي تنزيلا فتتحقق به الغاية فيرجع مفاد الأصل والاستصحاب إلى مثل قوله : كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي ، وكل نهي ورد في زمان ثابت إلى زمان اليقين بارتفاعه ، فدليل الاستصحاب يثبت النهي الّذي هو غاية لإطلاق الشيء الّذي هو كناية عن حليته «وفيه» أن إثبات الحكم الواقعي تنزيلا بالاستصحاب انما يقتضي ترتيب آثار نفس الحكم لا آثار العلم به ، ومن المعلوم أن الغائية انما تكون للعلم بالحكم الواقعي لا لنفسه. نعم بالاستصحاب يحصل علم حقيقي بالحكم الواقعي التنزيلي ، إلا ان هذا العلم لم يجعل غاية لحكم الأصل بل الغاية العلم بالحكم الواقعي الحقيقي فلا يقوم مقامه الا ما هو بمنزلة العلم بالحكم الواقعي لا العلم الحقيقي بالحكم التنزيلي ، مع انه لو فرض كون العلم بالحكم الواقعي التنزيلي غاية كان الاستصحاب وارداً على الأصول لا حاكما عليها لأنه يثبت غايتها حقيقة لا تنزيلا. ولأجل ذلك يمكن دعوى كون جميع الأصول المحرزة للواقع ـ أعني ما يكون دليله دالا على ثبوت الواقع تعبداً في ظرف الشك كالاستصحاب وقاعدة الحرية وقاعدة الطهارة وقاعدة التجاوز وأصالة الصحة ونحوها ـ واردة على ما ليس كذلك كأصالة الإباحة بناء على انها كذلك بدعوى كون موضوع الأصول غير المحرزة الشك بالواقعي الحقيقي أو التنزيلي ، وجميع الأصول المحرزة لما كانت مثبتة للواقع الحقيقي تنزيلا كانت رافعة لموضوعها ، ولا يمكن

٥٣٩

محذور التخصيص إلا بوجه دائر في العكس وعدم محذور فيه أصلا. هذا في النقليّة منها وأما العقلية فلا يكاد يشتبه وجه تقديمه عليها ، بداهة عدم الموضوع معه لها ضرورة أنه إتمام حجة وبيان ومؤمّن من العقوبة وبه الأمان ، ولا شبهة في ان الترجيح به عقلا صحيح «واما الثاني» فالتعارض بين الاستصحابين إن كان لعدم إمكان العمل بهما بدون علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما كاستصحاب وجوب أمرين حدث

______________________________________________________

دعوى العكس لأن الأصول غير المحرزة لا تثبت الواقع الحقيقي ولا التنزيلي فلا تكون رافعة لموضوع الأصول المحرزة ، «لكن» ذلك ـ مع انه لا يجدي الا في تقديم الاستصحاب على الأصول غير المحرزة لا على الأصول كافة كما هو ، ظاهرهم ، ويقتضي تقديم بعض الأصول غير الاستصحاب على بعض وهو أيضاً خلاف ظاهرهم ـ لا دليل عليه أصلا ، بل ظاهر أدلة جميع الأصول كون موضوعها الشك في الحكم الواقعي وغايتها العلم به. مضافا إلى ما عرفته سابقا من دعوى امتناع تعلق الشك بحكم نفسه ، ولو فرض تصويره باعتبار شكين مترتبين رجع الإشكال إذ الشك الأول موضوع حكم الأصل غير المحرز فيتنافى حكما الأصلين فتأمل جيداً (١) (قوله : محذور التخصيص) وتقريره كما تقدم بعينه (٢) (قوله : في العكس) متعلق ب «لزوم» والمراد به تقديمها على الاستصحاب (٣) (قوله : محذور فيه) يعني عدم لزوم محذور التخصيص بلا مخصص الا بوجه دائر في تقديم الاستصحاب عليها (٤) (قوله : واما العقلية) يعني بها أصالة البراءة والتخيير والاشتغال (٥) (قوله : إتمام حجة وبيان) يعني لو قام على ثبوت التكليف وحينئذ فلا مورد للبراءة (٦) (قوله : ومؤمّن من العقوبة) يعني لو قام على نفي التكليف وحينئذ لا مجال لأصالة الاشتغال (٧) (قوله : في ان الترجيح به) يعني لو قام على ثبوت الوجوب أو الحرمة فيما لو دار الأمر بينهما وحينئذ فلا مجال للتخيير (٨) (قوله : كاستصحاب وجوب) كما لو علم بوجوب الإنفاق على والده وبوجوب الصدقة على الفقير بدرهم ثم شك في بقاء الوجوبين في زمان لا يتمكن إلا

٥٤٠