حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

لعدم اليقين السابق فيه بلا ارتياب (وأخرى) كان الأثر لعدم أحدهما في زمان الآخر. فالتحقيق أنه أيضا ليس بمورد للاستصحاب فيما كان الأثر المهم مترتباً على ثبوته المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر لعدم اليقين بحدوثه كذلك في زمان بل قضية الاستصحاب عدم حدوثه

______________________________________________________

الناقصة (١) (قوله : لعدم اليقين) من جهة ما أشرنا إليه من كون هذه العناوين انتزاعية من نفس الذات لا من أمر زائد عليها (٢) (قوله : وأخرى كان الأثر) معطوف على قوله سابقاً : فتارة كان ... إلخ وهو شروع في حكم ما لو كان الأثر لعدم أحد الحادثين في زمان وجود الآخر وقسمه إلى قسمين (أحدهما) أن يكون الأثر لوجود أحدهما المتصف بالعدم في زمان الآخر (وثانيهما) أن يكون الأثر لنفس عدم أحدهما في زمان الآخر (وحكم الأول) انه لا يجري الأصل لإثبات كون الوجود متصفاً بالعدم المذكور لأنه يتوقف على اليقين بكونه متصفاً بالعدم في وقت ثم يشك في بقائه على ما كان من الاتصاف المذكور ولا يتعين إذ الوجود من الأزل غير معلوم الإنصاف لأنه ان كان وجد متأخراً عن زمان حدوث الآخر كان متصفاً بالعدم المذكور وان كان متقدماً عليه أو مقارنا له فهو غير متصف ، وحيث لم يعلم انه متأخر أولا فقد شك باتصافه بذلك في جميع الأزمنة «فان قلت» : وجود أحدهما بعينه قبل أن يكون لم يكن في زمان الآخر قطعاً فليستصحب ذلك فيثبت بأن الوجود لم يكن في زمان الآخر كما في سائر موارد استصحاب العدم الأزلي بناء على مختار المصنف (ره) من عدم المانع من جريانه «قلت» : العدم الأزلي انما هو بمعنى السلب المحصل بمعنى سلب اتصاف الوجود بالكون في زمان الآخر لا بمعنى الإيجاب المعدول بمعنى الاتصاف بالعدم في زمان الآخر ، وجواز الاستصحاب في الأول لا يقتضي جوازه في الثاني لأن الثاني إيجاب وهو يتوقف على وجود الموضوع فقبله لا اتصاف بالعدم في زمان الآخر ولا بالوجود فيه فلا حالة له سابقة (ويمكن) الخدش فيه (أولا) بان جعل ما ذكر أعني ـ كون الأثر للوجود المتصف بالعدم في زمان الآخر ـ من أقسام ما إذا كان الأثر

٥٠١

كذلك كما لا يخفى ، وكذا فيما كان مترتباً على نفس عدمه في زمان الآخر واقعاً وإن كان على يقين منه في آن قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما

______________________________________________________

للعدم في زمان الآخر غير ظاهر (وثانياً) بان اختلاف السلب المحصل والإيجاب المعدول في المفهوم لا يوجب الفرق فيما نحن فيه ، وكون الإيجاب يتوقف على وجود الموضوع ممنوع بل المعتبر وجود الموضوع في ظرف الاتصاف فان كان ظرف الاتصاف بالوجود أو العدم الخارج وجب وجود الموضوع فيه ، وان كان ظرفه الذهن وجب وجود الموضوع فيه ولو كان ظرف الاتصاف نفس الواقع بناء عليه كان اللازم ثبوته فيه أيضا ، ضرورة صدق قولنا : شريك البارئ ممتنع وقولنا : الوجود والعدم نقيضان ، ونحوهما من القضايا الإيجابية التي تكون موضوعاتها ممتنعة في الخارج. على ان الفرق بين الساب المحصل والإيجاب المعدول انما هو بمحض الاعتبار إذ هما متلازمان بحيث كلما صدق قولنا : زيد ليس بقائم صدق قولنا : زيد لا قائم ، فمهما كان الأول له حالة سابقة كان الثاني كذلك ، غاية الأمر أن النسبة السلبية تلحظ في الأول بمعناها الحرفي ، وفي الثاني بمعناها الاسمي ، فتأمل جيداً وقد تقدم في مبحث العدم الأزلي في العموم والخصوص ماله دخل في المقام فراجع وتأمل والله سبحانه هو الهادي. ثم انه يحتمل بعيداً ان يكون المراد من العبارة في القسم الأول ما يكون العدم ملحوظاً بنحو مفاد كان الناقصة بحيث يكون الأثر الشرعي ثابتاً لكون عدمه في زمان الآخر في قبال القسم الثاني الملحوظ فيه العدم بنحو مفاد كان التامة أعني مجرد العدم في زمان الآخر ، لكن عليه لا مانع من استصحاب عدم كون عدمه في زمان الآخر لليقين بعدم كون عدم أحد الحادثين في زمان الآخر والشك في بقائه فيستصحب (١) (قوله : وكذا فيما) شروع في حكم القسم الثاني وانه ليس بمورد للاستصحاب وصورة الاستصحاب فيما لو كان الأثر الشرعي مرتباً على عدم موت الأب في زمان موت الابن مثلا أن يقال : كان عدم موت الأب متيقناً فيحكم ببقائه إلى زمان موت الابن فيثبت عدم أحدهما في زمان الآخر (٢) (قوله : في آن قبل) وهو

٥٠٢

لعدم إحراز اتصال زمان شكه وهو زمان حدوث الآخر بزمان يقينه لاحتمال انفصاله عنه باتصال حدوثه به (وبالجملة) : كان بعد ذاك الآن [١] الّذي قبل زمان اليقين بحدوث

______________________________________________________

الآن الّذي يعلم بعدم وجودهما فيه (١) (قوله : لعدم إحراز اتصال زمان) توضيح المراد : انه إذا علم بموت الوالد وولده غير مقترنين وشك في المتقدم منهما والمتأخر فهناك آنات ثلاثة ، وليفرض الأول يوم الخميس وهو الزمان الّذي يعلم بحياتهما فيه ، والثاني يوم الجمعة وهو الزمان الّذي يعلم بحدوث موت أحدهما فيه إجمالا إما الوالد أو الولد ، والثالث يوم السبت وهو الزمان الّذي يعلم بموت الآخر فيه إجمالا إما الوالد أو الولد أيضا وهذا الزمان يعلم بتحقق موتهما فيه ، وهذه الأزمنة الثلاثة تفصيلية وهناك زمانان إجماليان ، أحدهما زمان موت الوالد المحتمل الانطباق على كل من الجمعة والسبت على البدل ، وثانيهما زمان موت الولد المحتمل انطباقه على اليومين أيضا على البدل وهذان الزمانان الإجماليان متباينان خارجا بحيث لو انطبق أحدهما على الجمعة مثلا انطبق الآخر على السبت وبالعكس. وحينئذ نقول : لو استصحبنا عدم موت الوالد المعلوم يوم الخميس إلى زمان موت الولد احتمل ان يكون زمان موت الولد يوم السبت ويلزمه احتمال ان يكون موت الوالد يوم الجمعة فيكون زمان الشك وهو زمان موت الولد المنطبق على يوم السبت منفصلا عن زمان اليقين وهو يوم الخميس بزمان اليقين بموت الوالد وهو يوم الجمعة فيكون ـ على هذا التقدير ـ من نقض اليقين باليقين لا بالشك ، ومع هذا الاحتمال يمتنع التمسك بعموم دليل الاستصحاب لأن التمسك بالعموم فرع إحراز انطباق عنوانه على المورد وهو مشكوك (٢) (قوله : باتصال حدوثه) متعلق بانفصال والباء للسببية يعني الانفصال المحتمل يكون سبب اتصال زمان حدوث الحادث المعلوم المستصحب عدمه بزمان اليقين بعدمه (٣) (قوله : ذاك الآن) يعني يوم الخميس في المثال

__________________

[١] وان شئت قلت : إن عدمه الأزلي المعلوم قبل الساعتين وان كان في الساعة الأولى منهما مشكوكا إلا انه حسب الفرض ليس موضوعاً للحكم

٥٠٣

أحدهما زمانان أحدهما زمان حدوثه والآخر زمان حدوث الآخر وثبوته الّذي يكون ظرفا للشك في أنه فيه أو قبله وحيث شك في أن أيهما مقدم وأيهما مؤخر لم يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ومعه لا مجال للاستصحاب حيث لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا الشك من نقض اليقين بالشك «لا يقال» : لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين بذاك الآن وهو بتمامه زمان الشك في حدوثه لاحتمال تأخره عن الآخر مثلا إذا كان على يقين من عدم حدوث واحد منهما في ساعة وصار على يقين من حدوث أحدهما بلا تعيين في ساعة أخرى بعدها وحدوث الآخر في ساعة ثالثة كان زمان الشك في حدوث كل منهما تمام الساعتين لا خصوص أحدهما كما لا يخفى «فانه يقال» : نعم ولكنه إذا كان بلحاظ إضافته إلى أجزاء الزمان والمفروض أنه بلحاظ إضافته إلى الآخر وأنه حدث في زمان حدوثه وثبوته أو قبله ولا شبهة أن زمان شكه بهذا اللحاظ إنما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر

______________________________________________________

(١) (قوله : زمان حدوثه) يعني حدوث الحادث المستصحب عدمه (٢) (قوله : حيث لم يحرز معه) لاحتمال كونه من نقض اليقين باليقين (٣) (قوله : لا يقال لا شبهة في اتصال مجموع) إيراد على دعوى احتمال انفصال زمان الشك عن زمان اليقين بالعدم بزمان اليقين بحدوث مستصحب العدم (وحاصله) : أن زمان الشك منطبق على مجموع الزمانين ومجموعهما متصل بزمان اليقين بالعدم فقد أحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين (قوله : نعم ولكنه إذا كان بلحاظ)

__________________

والأثر وانما الموضوع هو عدمه الخاصّ وهو عدمه في زمان حدوث الآخر المحتمل كونه الساعة الأولى المتصلة بزمان يقينه أو الثانية المنفصلة عنه فلم يحرز اتصال زمان شكه بزمان يقينه ولا بد منه في صدق لا تنقض اليقين بالشك فاستصحاب عدمه إلى الساعة الثانية لا يثبت عدمه في زمان حدوث الآخر إلا على الأصل المثبت فيما دار الأمر بين التقدم والتأخر فتدبر. منه قدس‌سره

٥٠٤

وحدوثه لا الساعتين. فانقدح انه لا مورد هاهنا للاستصحاب لاختلال أركانه لا أنه مورده وعدم جريانه إنما هو بالمعارضة كي يختص بما كان الأثر لعدم كل في زمان الآخر وإلا كان الاستصحاب فيما له الأثر جاريا (وأما) لو علم بتاريخ أحدهما فلا يخلو أيضا (إما) يكون الأثر المهم مترتبا على الوجود الخاصّ من المقدم أو المؤخر أو المقارن فلا إشكال

______________________________________________________

(١) حاصل الجواب : أن الأثر الشرعي (تارة) يكون مترتبا على عدم أحد الحادثين في الزمان التفصيليّ مثل يوم الجمعة ونحوه (وأخرى) يكون مترتبا على عدمه في الزمان الإجمالي مثل ما نحن فيه أعني العدم في زمان حدوث الآخر ، فان كان مترتبا على النحو الأول أمكن استصحابه في مجموع الزمانين وترتيب أثره عليه ، أما إذا كان مترتبا على النحو الثاني فلا يتم لأن زمان حدوث أحدهما الّذي هو زمان الشك لا ينطبق إلّا على أحدهما على البدل ويمتنع انطباقه عليهما معاً كما عرفت فلا يكون زمان الشك إلّا أحدهما ، ومع احتمال انطباقه على الثاني دون الأول يكون مما لم يحرز اتصاله بزمان اليقين بالمستصحب ويرجع الإشكال «أقول» : يمكن ان يُخدش ما ذكره «أولا» بأن انطباق زمان الشك على مجموع الزمانين التفصيليين غير ظاهر إذ الزمان الثاني منهما زمان اليقين بوجودهما معا كما عرفت في صدر المطلب فليس زمان الشك الا الزمان الأول منهما لا غير فلا يمكن استصحاب العدم الا فيه «وثانيا» بأنه ان كان المعتبر في جريان الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين على جميع التقادير امتنع الاستصحاب في الزمان التفصيليّ بتمامه لأن الزمان الثاني على تقدير كونه ظرفا لحدوث الآخر يكون منفصلا عن زمان اليقين بالعدم بزمان حدوث مستصحب العدم ، «ودعوى» ان المجموع غير منفصل مسلم لكنه لا يجدي في صحة الاستصحاب في الزمان الثاني بعد احتمال انفصاله ، وكفاية مجرد صدق اتصال المجموع تحكم في الاستظهار ، إذ على تقدير ظهور الدليل في اعتبار الاتصال فالظاهر اعتباره في كل زمان شك ولا فرق بين الزمان الأول وغيره «وثالثا» بان زمان الشك إذا كان زمان حدوث الآخر وكان في نفسه صالحا

٥٠٥

للانطباق على كل من الزمانين ولو على البدل لزم ذلك أن يكون كل واحد من الزمانين زمان شك ، وكون انطباقه على الزمانين بدليا لا ينافي كونهما زماني شك في عرض واحد ، ولذلك لو اشتبه أحد أطراف الشبهة المحصورة في أطراف أخر صار كل واحد منها مشكوك النجاسة مع كون انطباق الطرف المشكوك على كل واحد انطباقا بدليا «ورابعا» ان احتمال الانفصال لو اقتضى المنع عن التمسك بعموم دليل الاستصحاب من جهة عدم إحراز عنوان العام لاحتمال كون رفع اليد عن اليقين من نقض اليقين باليقين لزم امتناع جريان الأصل في كثير من الموارد نبهنا على بعضها سابقا مثل أطراف العلم الإجمالي والكلي في القسم الثاني وغير ذلك مثل ما لو علم بموت الزوج وتردد بين ان يكون في هذه السنة أو فيما قبلها فانه يحتمل ان يكون رفع اليد عن اليقين السابق من نقض اليقين باليقين «وخامسا» بأن مبنى ما ذكر سراية العلم إلى الخارج كما نبهنا عليه سابقا وإلا ـ كما هو التحقيق من تقوّم العلم بالصور الذهنية ـ فلا احتمال انه من نقض اليقين باليقين إذ اليقين بالموت في أحد الزمانين إجمالا لا يتحد موضوعا مع العدم المشكوك في زمان حدوث الآخر فتأمل جيداً. نعم «هنا» شبهة ذكرها بعض مشايخنا دام ظله «وتوضيحها» : أنا إذا شككنا في بقاء شيء إلى زمان آخر فقد يكون منشأ الشك الشك في امتداد الشيء المشكوك البقاء وعدمه كما إذا شككنا في حياة زيد يوم الجمعة وموته قبلها ، وقد يكون منشؤه الشك في زمان حدوث الآخر وتقدمه وتأخره كما إذا علمنا بان زيداً مات في يوم الجمعة وشك في بقاء حياته إلى زمان الخسوف للشك في تقدم الخسوف على الجمعة وتأخره عنها ، «فان» كان منشأ الشك الأول فلا ريب في جريان الاستصحاب ، وان كان الثاني امتنع جريانه لظهور دليله في إلغاء الشك في الامتداد ووجوب البناء على ثبوته والمفروض أن الشك في الثاني ليس في امتداد المستصحب بل في امر آخر ، وعليه فلو كان منشأ الشك الأمرين معا كان دليل الاستصحاب متكفلا لإلغاء الشك في الامتداد لا غير. «ففي» المقام نقول : إذا شك في حياة الوارث إلى زمان موت المورث

٥٠٦

في استصحاب عدمه

______________________________________________________

مع العلم بموتهما وجهل تاريخه كان منشأ الشك كلا الأمرين ـ أعني الشك في امتداد الحياة والشك في تقدم موت المورث وتأخره ـ فلم ينفع جريان الاستصحاب في إثبات الحياة إلى زمان موت المورث إذ لا يقتضي إلّا إثبات الامتداد تعبداً ، اما حيثية اقتران الحياة بموت المورث من جهة تقدمه وتأخره فلا دلالة له على إلغائها «وهذه» الشبهة في غاية المتانة وكفى بها مانعا عن جريانه في المقام لإثبات عدم أحد الحادثين إلى زمان حدوث الآخر إجمالا «فان قلت» : يمكن استصحاب أحد الحادثين في تمام أزمنة الشك التفصيلية إلى زمان العلم بوجود الحادث الآخر المردد بين الحدوث فيه والبقاء ويثبت بذلك الاقتران فيترتب عليه أثره فيستصحب في المثال المتقدم عدم موت الوارث إلى يوم الجمعة المعلوم موت المورث فيه لأنه إما حدث فيه أو فيما قبله ويترتب على ذلك إرثه لما تركه «قلت» : الاقتران عبارة عن اجتماع المقترنين في زمان واحد وهذا لا يثبت بالاستصحاب إلى زمان اليقين بوجود الآخر وانما يثبت به وجود أحدهما في زمان بعد زمان عدم الآخر متصلا به فيترتب عليه أثر ذلك ، لكنه ليس مما نحن فيه من كون موضوع الأثر عدم أحدهما في زمان الآخر لا بعده متصلا به كما ذكر في السؤال «فان قلت» : فليستصحب عدمه إلى أثناء زمان العلم بالآخر بمقدار يتحقق الاقتران بالزمان «قلت» : يمتنع ذلك لأن الزمان التفصيليّ الّذي يعلم فيه وجود الآخر اما حدوثا أو بقاءً يعلم فيه أيضا وجود مستصحب العدم اما حدوثا أو بقاءً لما عرفت من انه زمان اليقين بوجود الحادثين معا فكيف يستصحب عدم أحدهما فيه (١) (قوله : في استصحاب عدمه) يعني يجري استصحاب عدم الوجود الخاصّ على أحد الأنحاء فيترتب عليه انتفاء اثره ، وقد عرفت انه لا مانع من هذا الاستصحاب بعد ما كان الوجود الخاصّ مسبوقا بالعدم ومجرد العلم بانتقاض العدم المطلق بالوجود لا ينافي الشك في انتقاض العدم الخاصّ به ، كما عرفت أيضا الإشكال في جريان استصحاب عدم المتأخر لأن الوجود المتأخر ليس مشكوك الحدوث الا

٥٠٧

لو لا المعارضة باستصحاب العدم في طرف الآخر أو طرفه كما تقدم «وإما» يكون مترتبا على ما إذا كان متصفاً بكذا فلا مورد للاستصحاب أصلا لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه كما لا يخفى لعدم اليقين بالاتصاف به سابقا منهما «وإما» يكون مترتباً على عدمه الّذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر فاستصحاب العدم في مجهول التاريخ منهما كان جاريا لاتصال زمان شكه بزمان يقينه

______________________________________________________

بلحاظ وصف التأخر لا بلحاظ ذاته لأن ذات الوجود المتأخر معلوم التحقق مرددا بين الحدوث والبقاء ، فجريان استصحاب عدمه غير ممكن والوصف ليس عدمه مجرى للأصل بناءً على مختاره (ره) من كونه اعتباريا محضا فراجع (١) (قوله : لو لا المعارضة) قد تقدم اختصاص المعارضة بما لو كان الوجود الخاصّ للآخر ذا أثر شرعي على نحو يعلم إجمالا بتحقق أحد الأثرين على نحو لا يجوز إجراء الأصل كما تقدم تفصيله (٢) (قوله : على ما إذا كان متصفا) بان يكون موضوع الأثر كون الوجود متصفا بالتقدم أو بأحد ضديه بنحو مفاد كان الناقصة لا على الوجود المتصف بنحو مفاد كان التامة الّذي تقدم حكمه في الصورة الأولى (٣) (قوله : لعدم اليقين بالاتصاف) لما أشرنا إليه سابقا من كون العناوين المذكورة منتزعة من نفس الوجود الخارجي فهو إما واجد لمنشإ انتزاعها من الأول أو ليس بواجد له كذلك لا أنه ليس بواجد له من الأزل ثم يشك في اتصافه بها ليجري استصحاب عدم الاتصاف كما في موارد استصحاب العدم الأزلي مثل أصالة عدم القرشية. لكن عرفت التأمل في المبنى المذكور (٤) (قوله : مترتبا على عدمه) بأن يكون موضوع الأثر عدم أحد الحادثين المقيد بكونه في زمان الآخر (٥) (قوله : في زمان الآخر) قيد للعدم (٦) (قوله : فاستصحاب العدم) يعني يجري استصحاب العدم في مجهول التاريخ إلى زمان حدوث معلوم التاريخ فيثبت عدمه في زمان الآخر فيترتب عليه أثره (٧) (قوله : لاتصال زمان) قد عرفت ان شبهة عدم الاتصال جارية في جميع موارد العلم الإجمالي بالانتقاض ومنها المقام ، حيث أن مجهول التاريخ لما كان معلوم الوجود المردد بين ما قبل معلوم التاريخ وما بعده كان زمان الشك في عدمه

٥٠٨

دون معلومه لانتفاء الشك فيه في زمان وإنما الشك فيه بإضافة زمانه إلى الآخر ، وقد عرفت جريانه فيهما تارة وعدم جريانه كذلك أخرى. فانقدح أنه لا فرق بينهما كان الحادثان مجهولي التاريخ أو كانا مختلفين ولا بين مجهوله ومعلومه في المختلفين فيما اعتبر

______________________________________________________

وهو زمان حدوث معلوم التاريخ غير محرز الاتصال بزمان اليقين به لاحتمال انفصاله عنه بزمان اليقين بوجوده فتأمل جيداً (١) (قوله : دون معلومه) يعني لا يجري استصحاب العدم في معلوم التاريخ إلى زمان حدوث مجهول التاريخ (٢) (قوله : لانتفاء الشك فيه) يعني بالإضافة إلى الأزمنة التفصيلية لأنه بعد فرض كونه معلوم التاريخ يكون قبل تاريخ حدوثه معلوم العدم وبعده معلوم الوجود فليس زمان تفصيلي يشك في وجود المستصحب فيه وانما يشك في وجوده بالإضافة إلى الزمان الإجمالي لوجود مجهول التاريخ ، ولا يجري استصحاب عدمه بالإضافة إلى الآخر اما لعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين كما يراه أستاذنا المصنف (ره) أو لعدم كون الشك في البقاء كما حكيناه عن بعض مشايخنا المعاصرين (٣) (قوله : وقد عرفت) تلخيص لحكم صور ما لو علم تاريخ أحدهما دون الآخر وكأنه تعريض بشيخنا الأعظم «ره» حيث لم يتعرض الا لجريان أصل العدم في المجهول التاريخ دون المعلوم وكأنه لأجل ذلك لم يذكر المصنف (ره) ذلك مضافا إلى ذكره صورتي الجريان فيهما وعدمه كذلك فتأمل (٤) (قوله : فيهما تارة) يعني في المجهول والمعلوم مشيراً إلى الصورة الأولى (٥) (قوله : كذلك أخرى) مشيراً إلى الصورة الثانية (٦) (قوله : فانقدح انه لا فرق) فذلكة البحث عن الحادثين من أوله إلى آخره ، وكأنه تعريض بشيخنا الأعظم (قدس‌سره) حيث لم يتعرض الا لما عرفت فيما لو جهل تاريخ أحدهما دون الآخر ولجريان أصل العدم فيما لو جهل تاريخهما معاً (٧) (قوله : لا فرق بينهما) الظاهر ان أصل العبارة : لا فرق بينهما (٨) (قوله : مختلفين) يعني كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهوله (٩) (قوله : فيما اعتبر) متعلق بلا فرق ، يعني إذا اعتبر في الموضوع خصوصية

٥٠٩

في الموضوع خصوصية ناشئة من إضافة أحدهما إلى الآخر بحسب الزمان من التقدم أو أحد ضديه وشك فيها ، كما لا يخفى كما انقدح أنه لا مورد للاستصحاب أيضا فيما تعاقب حالتان متضادتان

______________________________________________________

مثل التقدم وأحد ضديه جرى أصل عدمه في جميع الصور (١) (قوله : من التقدم) بيان لقوله (خصوصية) (٢) (قوله : كما انقدح انه لا مورد) هذا شروع في حكم تعاقب الحادثين المتضادين كالطهارة والنجاسة من حيث جواز استصحابهما إلى ما بعد زمان حدوثهما وقد وقع النزاع بين المحققين في جواز الاستصحاب في كل واحد منهما مع قطع النّظر عن معارضته باستصحاب الآخر وعدمه فالمعروف بينهم هو الأول وذهب جمع إلى الثاني لوجوه «الأول» ما أشار إليه المصنف (ره) من عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين لاحتمال انفصاله عنه بزمان اليقين بانتقاضه وهو زمان اليقين بحدوث الآخر ، مثلا إذا طهر المحل في ساعة ونجس في الأخرى وشك في المتقدم والمتأخر فأريد استصحاب الطهارة مثلا في الساعة الثالثة لم يحرز اتصال الساعة الثالثة التي هي زمان الشك بزمان اليقين بالطهارة لاحتمال انفصاله عنه بزمان اليقين بالنجاسة بان تكون الطهارة في الساعة الأولى والنجاسة في الثانية ومع هذا الشك لا مجال للتمسك بدليل الاستصحاب لعدم إحراز كونه من نقض اليقين بالشك وقد عرفت الكلام فيه مكررا فلا نعيد (الثاني) ما ذكره بعض مشايخنا المحققين من ان منصرف دليل الاستصحاب كون الشك الّذي لا يجوز نقض اليقين به شكا في البقاء والارتفاع ، وليس هنا كذلك إذ الشك في المثال المذكور في بقاء الطهارة في الساعة الثالثة وارتفاعها في الساعة الثانية ، لأن الطهارة ان كانت واقعة في الساعة الثانية فهي باقية في الثالثة ، وان كانت واقعة في الساعة الأولى فهي مرتفعة في الثانية لا في الثالثة ، فالساعة الثالثة ليست زمان الشك في الارتفاع بل يعلم بعدم الارتفاع فيها إذ الارتفاع محتمل في الثانية لا غير (وفيه) أن دعوى الانصراف ممنوعة. نعم قوام الاستصحاب كون الشك شكا في البقاء وهو

٥١٠

حاصل ، مع أن لازم دعوى الانصراف المذكور عدم جريان الاستصحاب في جميع موارد طروء محتمل الرافعية إذ الزمان الثاني بعد زمان طروئه ليس مما يحتمل فيه الارتفاع بل المحتمل الارتفاع في زمان محتمل الرافعية ولا يظن التزامه به بل لازمه انه لو احتمل وجود الرافع في زمان معين عدم جواز استصحاب المرفوع فيما بعد ذلك الزمان ولا يظن التزامه به أيضا (الثالث) ما ذكره أيضا شيخنا المتقدم من ان المنصرف من دليل الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين بمعنى ان لو انتقلنا من زمان الشك المتأخر إلى ما قبله من الأزمنة وتقهقرنا إلى الوراء عثرنا على زمان اليقين بالمستصحب وليس هنا كذلك لأن ما قبل الساعة الثالثة التي هي زمان الشك هو الساعة الثانية وهي ليست زمان اليقين بالطهارة أو النجاسة في المثال المتقدم ، وما قبلها وهو الساعة الأولى أيضا ليست زمان اليقين بالطهارة ولا اليقين بالنجاسة لاحتمال كل منهما وقوعه فيها وفيما بعدها ، وحيث انه ليس لنا زمان تفصيلي نتيقن فيه الطهارة والنجاسة امتنع الاستصحاب لانصراف الدليل عنه. نعم لا بأس باستصحاب كل من الطهارة والنجاسة إلى الزمان الثاني إجمالا المتصل بزمان اليقين بحدوث كل منهما إلا أنه إنما يصح لو كان الأثر لمجرد بقاء الطهارة أو النجاسة في زمان ما إجمالا دون ما لو كان الأثر لثبوت أحدهما في زمان تفصيلي كما في مثل صحة الصلاة ونجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ المجعولان للطهارة والنجاسة في حال الصلاة والملاقاة (وفيه) أن دعوى الانصراف ممنوعة بل الظاهر من الأدلة اعتبار اليقين بوجود المستصحب والشك في بقائه لا غير وهو في المقام حاصل بلا ريب «الرابع» ما ذكره أيضاً شيخنا المتقدم من ان قوام الاستصحاب الشك في امتداد المستصحب ، وليس هنا كذلك ، فان الحدث المجهول التاريخ في المقام إن كان سابقا على الزوال فهو مرتفع وليس له امتداد ، وان كان لاحقا للزوال فهو باق وممتد ، فلا شك في الامتداد على كل تقدير ، بل الشك في التقدم والتأخر لا غير (وفيه) ان مرجع الشك في الامتداد إلى احتمال كل من الارتفاع والبقاء وهو حاصل كما ذكر في وجه المنع. نعم الشك المذكور ناشئ من الشك في التقدم والتأخر لا أنه عينه فهنا شكان : شك في

٥١١

كالطهارة والنجاسة وشك في ثبوتهما وانتفائهما للشك في المقدم والمؤخر منهما وذلك لعدم إحراز الحالة السابقة المتيقنة المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما وترددها بين الحالتين وأنه ليس من تعارض الاستصحابين فافهم وتأمل في المقام فانه دقيق (الثاني عشر) أنه قد عرفت أن مورد الاستصحاب

______________________________________________________

الامتداد وشك في التقدم والتأخر ينشأ أولهما عن ثانيهما (الخامس) ما يختلج في الذهن من ان البقاء تابع للحدوث والشك فيه تابع للعلم بالحدوث ، فان كان الحدوث المعلوم بلحاظ الأزمنة التفصيلية فالبقاء لا بد ان يكون كذلك ، وان كان الحدوث بلحاظ الأزمنة الإجمالية فالبقاء لا بد ان يكون كذلك ، ولا يصح اعتبار البقاء مع مخالفته للحدوث في الزمان بأن يكون الحدوث المعلوم بلحاظ الزمان التفصيليّ والبقاء بلحاظ الزمان الإجمالي ، وكذا العكس. إذ البقاء منتزع من وجود الحادث في الزمان المتصل بزمان حدوثه ، فإذا كان زمان حدوثه مردداً بين آنين فالزمان الثاني المتصل به لا بد أن يكون أيضا مردداً بين آنين وإلّا لم يكن متصلا به. وكذا الحكم إذا كان زمان الحدوث معلوما تفصيلا فان البقاء لا بد أن يكون في الزمان المتصل به المعلوم تفصيلا ، وإذا كان الزمان الّذي يقصد إبقاء الحادث فيه مردداً بين آنين لم يكن متصلا به. وعليه فإذا تردد زمان الحدوث بين زمانين وكان الأثر الشرعي مترتبا على البقاء في الجملة بمعنى الثبوت في الزمان الثاني المتصل بزمان الحدوث صح استصحاب الحادث وإثباته في الزمان الإجمالي ليترتب عليه أثر بقائه كذلك ، أما إذا كان الأثر مترتبا على وجوده في الزمان التفصيليّ امتنع استصحابه ليترتب عليه الأثر المذكور لأن ثبوته في الزمان التفصيليّ ليس بقاء لثبوته المردد بين الزمانين ليمكن إثباته بالاستصحاب لاختصاص الاستصحاب بإثبات البقاء لا غير. وهذا الوجه متين جداً وان لم أعرف أحداً ذكره ، والله سبحانه ولي التوفيق والسداد (١) (قوله : كالطهارة و) ومثلهما الطهارة والحدث (٢) (قوله : للشك) متعلق بقوله : وشك (٣) (قوله : وذلك لعدم) تعليل لقوله : كما انقدح (٤) (قوله : وانه ليس من تعارض) قد عرفت انه محل إشكال ومحتاج إلى التأمل

٥١٢

لا بد أن يكون حكما شرعياً أو موضوعا لحكم كذلك ، فلا إشكال فيما كان المستصحب من الأحكام الفرعية أو الموضوعات الصرفة الخارجية أو اللغوية إذا كانت ذات أحكام شرعية (وأما) الأمور الاعتقادية التي كان المهم فيها شرعاً هو الانقياد والتسليم والاعتقاد بمعنى عقد القلب عليها من الأعمال القلبية الاختيارية ، فكذا لا إشكال في الاستصحاب فيها حكما وكذا موضوعا فيما كان هناك يقين سابق وشك لاحق لصحة التنزيل وعموم الدليل

______________________________________________________

(التنبيه الثاني عشر)

(١) (قوله : لا بد أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا) لما أشير إليه من امتناع تعبد الشارع الأقدس إلّا بشرطين (أحدهما) ان يكون المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا له لأن ما لا يكون كذلك خارج عن حيطة تصرفه بما هو شارع فلا مجال لتعبده به الّذي هو نحو من تصرفه (ثانيهما) أن يكون الحكم الشرعي الملحوظ في مقام التعبد مما يترتب عليه أثر عملي فلو لم يكن كذلك ـ كما لو كان خارجا عن محل الابتلاء للمكلف ـ امتنع التعبد للغويته ومع اجتماعهما يجري الاستصحاب سواء كان الحكم المستصحب من الأحكام الأصلية أم الفرعية العملية أم الاعتقادية الإلزامية أم اللاإلزامية وسواء كان الموضوع المستصحب من الموضوعات العرفية أم الشرعية أم اللغوية لعموم دليل الاستصحاب من دون مخصص (٢) (قوله : الصرفة) أي التي ليس فيها شائبة الشرعية كالماء والتمر لا كالطهارة والنجاسة وغيرهما من الوضعيات التي تكون موضوعات للأحكام وتخصيص هذا القسم بالذكر لأنه مظنة الإشكال (٣) (قوله : واما الأمور الاعتقادية) حاصله : أن الأمور الاعتقادية نوعان (الأول) ما كان الواجب فيه الاعتقاد فقط (والثاني) ما كان الواجب فيه المعرفة واليقين (اما الأول) فيجري فيه الاستصحاب موضوعا وحكما إذا اجتمعت فيه أركانه من اليقين بالوجود والشك

٥١٣

في البقاء فإذا شك في بقاء شيء يجب الاعتقاد به على تقدير بقائه استصحب بقاؤه ويترتب عليه وجوب الاعتقاد به ، وإذا شك في وجوب الاعتقاد بشيء مع العلم بوجوب الاعتقاد به سابقا استصحب ويترتب عليه وجوب الاعتقاد به عقلا كما في سائر موارد استصحاب الوجوب ، إذ لا فرق في الأثر الشرعي بين وجوب الاعتقاد ووجوب غيره كما لا فرق في العمل بين عمل الجوارح والجوانح (نعم) صحة ما ذكر تتوقف على مقدمتين (إحداهما) أن الاعتقاد غير اليقين. إذ لو كان عينه كان هذا القسم هو القسم الثاني الّذي يأتي حكمه (ثانيتهما) أن الاعتقاد بناء على مغايرته لليقين ليس من لوازم اليقين خارجا بل يمكن ان يتحقق مع الشك أو اليقين بالخلاف إذ لو كان من لوازمه امتنع التعبد بوجوبه في ظرف الشك بمتعلقه لاستحالة وجوده مع الشك (وملخص) الكلام في الأولى : أن المحكي عن أكثر المتكلمين ان الاعتقاد فعل اختياري للقلب غير اليقين ويقابله الجحود ، وهذا هو ظاهر شيخنا الأعظم (ره) وأستاذنا المصنف (ره) مستدلين عليه بالآيات والاخبار الدالة على ذلك كقوله تعالى : (جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم كفراً وعلواً) مضافا إلى الوجدان فانه شاهد بان عقد القلب على شيء أمر آخر وراء اليقين به كما عرفت ذلك في مبحث الموافقة الالتزامية (خلافا) لآخرين مستدلين أيضا بالوجدان وانه ليس شيء مما يعرض على النّفس بعد اليقين بنبوة شخص مثلا إلا الرضا بنبوته والبناء عليها والعزم على إطاعته ، ومن المعلوم أن ليس لأحد هذه الأمور دخل في الاعتقاد فلا بد ان يكون عين اليقين (وفيه) منع انحصار الأفعال بذلك بل هناك شيء وراءها وهو الالتزام بالنبوة ويكون الرضا بها من مقدماته (وملخص) الكلام في المقدمة الثانية ، هو ان المحكي عن بعض المحققين ان الاعتقاد بعد البناء على مغايرته لليقين ملازم لليقين يمتنع اجتماعه مع الشك فضلا عن اليقين بالخلاف (وفيه) أن الاستدلال على المقدمة الأولى بما سبق شاهد ببطلان ذلك لدلالته على التفكيك بين الاعتقاد واليقين فانه كما يدل على مغايرتهما يدل على نفي اللزوم بينهما (هذا) كله في النوع الأول (واما النوع) الثاني فيمتنع جريان

٥١٤

وكونه أصلا عملياً إنما هو بمعنى أنه وظيفة الشاك تعبداً قبالا للأمارات الحاكية عن الواقعيات فيعم العمل بالجوانح كالجوارح ، وأما التي كان المهم فيها شرعاً وعقلا هو القطع بها ومعرفتها فلا مجال له موضوعا ويجري حكما ، فلو كان متيقناً بوجوب تحصيل القطع بشيء كتفاصيل القيامة في زمان وشك في بقاء وجوبه يستصحب ، وأما لو شك في حياة إمام زمان مثلا فلا يستصحب لأجل ترتيب لزوم معرفة إمام زمانه بل يجب تحصيل اليقين بموته أو حياته مع إمكانه ، ولا يكاد يجدي في مثل وجوب المعرفة عقلا أو شرعا إلا إذا كان حجة من باب إفادته الظن وكان المورد مما يكتفى به أيضا فالاعتقادات كسائر الموضوعات لا بد في جريانه فيها من أن يكون في المورد أثر شرعي يتمكن من موافقته مع بقاء الشك فيه كان ذاك متعلقاً بعمل الجوارح أو الجوانح. وقد انقدح بذلك أنه لا مجال له في نفس النبوة إذا كانت ناشئة من

______________________________________________________

الاستصحاب فيه لعدم الأثر العملي لبقائه حتى يترتب بالاستصحاب ووجوب المعرفة ليست من آثار بقائه واقعاً بل هو ثابت مطلقاً حتى مع ارتفاعه. نعم لا مانع من جريان الاستصحاب في حكمه ـ أعني وجوب المعرفة لو شك في بقائه بعد اليقين بثبوته ـ كما لا مانع من جريان الاستصحاب في نفس الموضوع لو كان الاستصحاب مفيداً للظن وكان مما تكفي فيه المعرفة الظنية ، لكن ذلك لا لأنه حجة بل لحصول المعرفة الظنية التي هي داخلة في المعرفة الواجبة ولو لم نقل بحجيته من باب الظن أو لم نقل بحجيته أصلا والله سبحانه أعلم (١) (قوله : وكونه أصلا عملياً) إشارة إلى توهم أن الاستصحاب من الأصول العملية فلا يجري في الأمور الاعتقادية لأن الاعتقادية تقابل العملية.

وحاصل الدفع : ان المراد من الأصل ما يقابل الأمارة ومن العمل ما يعم العمل بالجوانح لا ما يقابل الاعتقاد (٢) (قوله : فلا مجال له) يعني لا مجال للاستصحاب فيها موضوعا فلا يصلح لإثبات نفس الموضوعات التي تجب معرفتها (٣) (قوله : ولا يكاد يجدي) يعني الاستصحاب وانما لا يجدي لعدم كونه معرفة (٤) (قوله : مع بقاء الشك) مثل

٥١٥

كمال النّفس بمثابة يوحى إليها وكانت لازمة لبعض مراتب كمالها إما لعدم الشك فيها بعد اتصاف النّفس بها أو لعدم كونها مجعولة بل من الصفات الخارجية التكوينية ولو فرض الشك في بقائها باحتمال انحطاط النّفس عن تلك المرتبة وعدم بقائها بتلك المثابة كما هو الشأن في سائر الصفات والملكات الحسنة الحاصلة بالرياضات والمجاهدات وعدم أثر شرعي مهم لها يترتب عليها باستصحابها (نعم) لو كانت النبوة من المناصب المجعولة وكانت كالولاية وان كان لا بد في إعطائها من أهلية وخصوصية يستحق بها لها لكانت مورداً للاستصحاب بنفسها فيترتب عليها آثارها ولو كانت عقلية بعد استصحابها

______________________________________________________

وجوب الاعتقاد كما تقدم لا مثل وجوب المعرفة (١) (قوله : وعدم أثر شرعي) معطوف على عدم كونها مجعولة ، يراد من الواو معنى (مع) لأن عدم كونها مجعولة لا يكفي في المنع عن استصحابها إلا مع عدم أثر شرعي لها (فان قلت) : كيف لا يكون لها أثر شرعي مع أن وجوب العمل باحكام النبي من آثارها؟ (قلت) : وجوب العمل بالأحكام ليس من آثار النبوة بهذا المعنى إذ لو علم ببقائها بهذا المعنى لا يجب العمل بالأحكام مع العلم بحدوث شريعة أخرى لنبي بعده بل هو من آثار النبوة بمعنى المنصب الإلهي المجعول الّذي سيأتي انه لا مانع من استصحابها وترتيب آثارها الشرعية والعقلية. ومن هنا كان المناسب للمصنف (ره) التنبيه على الفرق بينهما من هذه الجهة حتى لا يتوهم الإيراد عليه بأن النبوة ان كان لها أثر مصحح للاستصحاب جرى استصحابها سواء كانت من الملكات أم المناصب المجعولة وإلا لم يصح مطلقاً أيضا ، وكأنه لوضوح الحال لم يتعرض لبيانه فتأمل جيداً (٢) (قوله : مورداً للاستصحاب) لاجتماع أركانه (٣) (قوله : آثارها ولو كانت عقلية) الظاهر أن وجوب العمل بالاحكام من الآثار العقلية للنبوة من قبيل وجوب العمل بسائر الحجج ويكفي في صحة استصحابها ترتبه كما يكفي أيضا في استصحاب الحجية ، ولعل الشك في بقاء الحجية كاف في نظر العقل في وجوب

٥١٦

لكنه يحتاج إلى دليل كان هناك غير منوط بها وإلّا لدار كما لا يخفى. وأما استصحابها بمعنى استصحاب بعض أحكام شريعة من اتصف بها فلا إشكال فيها كما مر. ثم لا يخفى أن الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم إلا إذا اعترف بأنه على يقين فشك فيما صح هناك التعبد والتنزيل ودل عليه الدليل كما لا يصح أن يقنع به إلا مع اليقين والشك والدليل على التنزيل. ومنه انقدح انه لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب نبوة موسى أصلا

______________________________________________________

ترتيب آثارها وان لم يقم دليل على حجية الاستصحاب ، كما ان الشك في حدوث الحجية كاف في نظر العقل في جواز ترتيب آثار عدمها وان لم يقم دليل على حجية الاستصحاب نعم لو ثبت دليل على الاستصحاب كان وارداً على حكم العقل في المقامين فيكون حال النبوة كذلك. فتأمل (١) (قوله : لكنه يحتاج إلى دليل) يعني أن إجراء الاستصحاب في النبوة يتوقف على العلم بحجية الاستصحاب مع قطع النّظر عن النبوة السابقة وإلا لزم الدور لأن بقاء النبوة يتوقف على حجية الاستصحاب وهي تتوقف على بقاء النبوة. ثم إنه قد يتوهم انه يكفي في صحة استصحاب النبوة كون حجيته ثابتة في كلتا الشريعتين (وفيه) أن ثبوته في الشريعة اللاحقة لا ينفع لعدم صلاحية دليله لعموم الحكم للنبوة السابقة المشكوكة لأنه يلزم من هذا العموم عدمه لأن بقاء النبوة السابقة يقتضي بطلان النبوة اللاحقة الملزوم لبطلان العموم فالشك فيها يستلزم الشك في صحة العموم. نعم اشتراك الشريعتين في حجية الاستصحاب يقتضي العلم بالحكم الظاهري الّذي يكون واقعه مجرى للاستصحاب مع الشك فيه بالنظر إلى كلتا الشريعتين. هذا ويمكن استصحاب النبوة بالنظر إلى ما عرفته في الحاشية السابقة من حكم العقلاء فلاحظ (٢) (قوله : فلا إشكال) قد عرفت انه من الاستصحاب التعليقي فيتوقف على القول به (٣) (قوله : لا يكاد يلزم به) يعني ان الاستدلال بالاستصحاب في كل مقام إما ان يكون غرض المستدل به إلزام خصمه وإبطال دعواه ، واما ان يكون غرضه إقناع نفسه وإثبات دعواه ،

٥١٧

لا إلزاماً للمسلم لعدم الشك في بقائها قائمة بنفسه المقدسة واليقين بنسخ شريعته وإلا لم يكن بمسلم مع انه لا يكاد يلزم به ما لم يعترف بأنه على يقين وشك ، ولا إقناعاً مع الشك للزوم معرفة النبي بالنظر إلى حالاته ومعجزاته عقلا وعدم الدليل على التعبد بشريعته لا عقلا ولا شرعا والاتكال على قيامه في شريعتنا لا يكاد يجديه

______________________________________________________

فان كان الغرض الأول توقف على أمور (الأول) كون الخصم متيقناً بالثبوت شاكا في البقاء إذ لولاه لم يصح أخذه بالاستصحاب (الثاني) أن يكون للمستصحب أثر شرعي مصحح للتعبد كما تقدم (الثالث) أن يعتقد الخصم قيام الدليل على الاستصحاب وإلا فكيف يلتزم به. وان كان الغرض الثاني توقف أيضا على هذه الأمور لكن بالإضافة إلى المستدل بان يكون متيقناً بالثبوت شاكا في البقاء ، وان يكون في المورد أثر مصحح في نظره وان يعتقد قيام الدليل عليه (١) (قوله : لعدم الشك) يعني للعلم ببقائها فهو إشارة إلى انتفاء الأول (٢) (قوله : قائمة بنفسه) هذا يدل على أخذ النبوة بمعنى صفة النّفس ، وعليه كان المناسب التنبيه على انتفاء الشرط الثاني وهو عدم الأثر لها بهذا المعنى ، بل وانتفاء الثالث وهو عدم الدليل على حجية الاستصحاب لما عرفت من أن ثبوته في شريعتنا لا يكفي لعدم عموم الدليل لمورد الإلزام لأنه يلزم من وجوده عدمه. نعم لو ثبت ما تقدم من كون دليله العقل في خصوص الحجية ونحوها تم وسيأتي (٣) (قوله : واليقين بنسخ) يعني لو كان مراده استصحاب نفس الشريعة (٤) (قوله : لا يكاد يلزم) يعني في الظاهر وإلا ففي الواقع يلزم مع شكه في البقاء وان لم يعترف به (٥) (قوله : بالنظر إلى) متعلق بمعرفة ومثله قوله : عقلا (٦) (قوله : وعدم الدليل) إشارة إلى انتفاء الشرط الثالث (٧) (قوله : لا عقلا) قد عرفت إمكان دعوى لزوم التعبد عقلا لكنه تجب المعرفة عقلا مع احتمال حصولها (٨) (قوله : والاتكال على) نقض لقوله : لا شرعا ، يتوهم أن ثبوته في

٥١٨

إلا على نحو محال ووجوب العمل بالاحتياط عقلا في حال عدم المعرفة بمراعاة الشريعتين ما لم يلزم منه الاختلال للعلم بثبوت إحداهما على الإجمال إلا إذا علم بلزوم البناء على الشريعة السابقة ما لم يعلم الحال

«الثالث عشر»

أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام لكنه ربما يقع الإشكال والكلام فيما إذا خصص في زمان في أن المورد بعد هذا الزمان مورد الاستصحاب أو التمسك بالعامّ (والتحقيق) أن يقال : إن مفاد العام (تارة) يكون بملاحظة الزمان ثبوت حكمه لموضوعه على نحو الاستمرار والدوام (وأخرى) على نحو جعل كل يوم من الأيام فرداً لموضوع ذاك العام وكذلك مفاد مخصصه (تارة) يكون على نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حكمه ودوامه (وأخرى) على نحو يكون مفرداً ومأخوذاً في موضوعه فان كان مفاد كل من

______________________________________________________

شريعتنا كاف في ثبوته شرعا (١) (قوله : على نحو محال) كما أشرنا إليه سابقا حيث أن الاعتماد فيه على شريعتنا يتوقف على العلم بصدق الشريعة ويلزمه العلم بارتفاع الشريعة الأولى فلا شك فيها ليصح التعبد ببقائها (٢) (قوله : ووجوب العمل) معطوف على لزوم المعرفة (٣) (قوله : بمراعاة) متعلق بالاحتياط (٤) (قوله : للعلم بثبوت) متعلق بوجوب العمل وتعليل له (٥) (قوله : إلّا إذا علم بلزوم) كما عرفت انه قريب جدا في نظر العقل

(التنبيه الثالث عشر)

(٦) (قوله : مع دلالة مثل العام) لحكومته على الأصول ومنها الاستصحاب كما سيأتي إن شاء الله تعالى تفصيله (٧) (قوله : ربما يقع الإشكال) ووجهه الإشكال في حجية العام فيما بعد زمان التخصيص وعدمها (٨) (قوله : ثبوت حكمه لموضوعه) (ثبوت) مبتدأ خبره (على نحو) والجملة خبر (يكون) وضمير (حكمه) و (موضوعه) راجع إلى العام يعني يكون الزمان ظرفا للنسبة ويكون المجعول لكل فرد من افراد العام حكما واحدا مستمراً (٩) (قوله : فرداً لموضوع ذاك العام) يعني لوحظ

٥١٩

العام والخاصّ على النحو الأول فلا محيص عن استصحاب حكم الخاصّ في غير مورد دلالته لعدم دلالة للعام على حكمه لعدم دخوله على حدة في موضوعه ، وانقطاع الاستمرار بالخاص الدال على ثبوت الحكم له في الزمان السابق من دون دلالته على ثبوته في الزمان اللاحق فلا مجال إلا لاستصحابه

______________________________________________________

الزمان قيداً للموضوع على نحو يكون كل يوم أو كل ساعة قيداً للموضوع في قبال غيره من الأيام والساعات فيكون كل فرد من افراد العام كزيد وعمرو منحلا إلى افراد متباينة لتباين الأيام أو الساعات المأخوذة قيداً لها (١) (قوله : على النحو الأول) يعني المجعول ظرفا لاستمرار النسبة (٢) (قوله : في غير مورد دلالته) الضمير راجع إلى الخاصّ والمراد ما بعد زمان الخاصّ (٣) (قوله : لعدم دلالة للعام) يعني انما يرجع إلى العام فيما كان دالا عليه والعام لا يدل على ثبوت الحكم للفرد في الزمان الثاني في قبال دلالته على حكمه في الزمان السابق حتى يحكم بحجيته فيه مع الحكم بعدم حجيته على ثبوته في الزمان السابق ، بل العام إنما يدل على ثبوت حكم واحد مستمر إلى نهاية الزمان فإذا دل الخاصّ على انقطاع الحكم في زمان معين فلما كان الحكم في الزمان الّذي بعده غير الحكم الأول فلم يدل عليه العام وسقط عن الحجية كان المرجع الاستصحاب «فان قلت» : لا ريب في ان الحكم المجعول لكل واحد من الافراد بملاحظة الزمان المأخوذ قيداً للنسبة أو الحكم منحل إلى أحكام متعددة بتعدد اجزاء الزمان كما هو شأن جميع الأمور الممتدة المستمرة فدلالة العام على الحكم المذكور المنحل إلى الأحكام الضمنية تنحل أيضا إلى دلالات ضمنية بالإضافة إلى تلك الأحكام الضمنية فدلالة الخاصّ انما تنافي بعض تلك الدلالات الضمنية أعني دلالة العام على الحكم الضمني في زمان الخاصّ لا غير ، فسقوط حجية تلك الدلالة للعام لا تقتضي سقوط حجية دلالته على غيره ، ومقتضى ذلك وجوب الرجوع إلى دلالة العام لا إلى الاستصحاب (قلت) : ما ذكرت مسلم إلّا ان دلالة العام على كل واحد من تلك الأحكام الضمنية التدريجية (تارة)

٥٢٠