حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

هل هو تنزيل المستصحب والتعبد به وحده بلحاظ خصوص ما له من الأثر بلا واسطة ، أو تنزيله بلوازمه العقلية أو العادية كما هو الحال في تنزيل مؤديات الطرق والأمارات ، أو بلحاظ مطلق ما له من الأثر ولو بالواسطة بناء على صحة التنزيل [١] بلحاظ أثر الواسطة أيضاً لأجل أن أثر الأثر أثر وذلك لأن مفادها لو كان هو تنزيل الشيء وحده بلحاظ أثر نفسه لم يترتب عليه ما كان مترتباً عليها لعدم إحرازها حقيقة ولا تعبداً ولا يكون تنزيله بلحاظه بخلاف ما لو كان تنزيله بلوازمه أو بلحاظ ما يعم آثارها فانه يترتب باستصحابه ما كان بوساطتها (والتحقيق) ان الاخبار إنما تدل على التعبد بما كان على يقين منه فشك بلحاظ ما لنفسه

______________________________________________________

أثراً للمستصحب فلا يكون التعبد بلحاظه ، ولو حمل على الثاني يترتب الأثر المذكور لأنه أثر بالواسطة ، وكذا على الثالث لثبوت نفس الواسطة باستصحاب موضوعها فلا بد أن يترتب أثرها (١) (قوله : هو تنزيل) إشارة إلى الاحتمال الأول (٢) (قوله : أو تنزيله) إشارة إلى الاحتمال الثاني (٣) (قوله : أو بلحاظ) إشارة إلى الاحتمال الثالث (٤) (قوله : لأجل ان أثر) هذه الكلية جارية على المسامحة كما سيأتي (٥) (قوله : وذلك لأن) بيان وتعليل لقوله : ومنشؤه ان ... إلخ (٦) (قوله : عليه) يعني على المستصحب (٧) (قوله : عليها) يعني على الواسطة وقوله : لعدم. تعليل لقوله : لم يترتب (٨) (قوله : ولا يكون) معطوف على عدم (٩) (قوله : تنزيله بلوازمه) كما هو الاحتمال الثالث (١٠) (قوله : أو بلحاظ) كما هو الاحتمال الثاني (١١) (قوله : والتحقيق ان الاخبار) شروع

__________________

[١] ولكن الوجه عدم صحة التنزيل بهذا اللحاظ ضرورة انه ما يكون شرعا لشيء من الأثر لا دخل له بما يستلزمه عقلا أو عادة وحديث أثر الأثر أثر وان كان صادقا إلا انه إذا لم يكن الترتب بين الشيء وأثره وبينه وبين مؤثره مختلفاً وذلك ضرورة انه لا يكاد يكون الأثر الشرعي لشيء أثراً شرعياً لما يستلزمه عقلا أو عادة أصلا لا بالنظر الدّقيق العقلي ولا النّظر المسامحي العرفي إلا فيما عد أثر الواسطة أثراً لذيها لخفائها أو لشدة وضوح الملازمة بينهما عدا شيئاً واحداً ذا وجهين وأثر أحدهما أثر الاثنين كما يأتي الإشارة إليه فافهم منه قدس‌سره

٤٨١

في تعيين الاحتمال الأول (وتوضيح) ذلك : انه لا مجال للمصير إلى الاحتمال الثاني لما عرفت من أن اليقين في قوله عليه‌السلام : لا تنقض اليقين ، لما كان ملحوظاً عبرة إلى نفس المتيقن لم يقتض إلا التعبد به ظاهراً عند الشك في بقائه واما الواسطة العقلية والشرعية وكذا ملازمات المستصحب وملزومه فهي أجنبية عن هذا التعبد فكيف يصح استفادة التعبد بها من الدليل المذكور (فان قلت) : لا فرق بين الواسطة غير الشرعية والواسطة الشرعية فكما أن مقتضى التعبد بشيء التعبد بأثره الشرعي فليكن مقتضى التعبد به التعبد بأثره غير الشرعي (قلت) : الفرق هو أن دليل الاستصحاب كسائر أدلة الأحكام الظاهرية والواقعية لما (كان وارداً) في مقام احداث الداعي مثلا إلى العمل وكان العمل لا يترتب على نفس الموضوع وانما يترتب على حكمه كان التعبد بالموضوع بقرينة ذلك ظاهراً في التعبد بحكمه ، اما اللازم العقلي أو العادي فلما لم يكن دخيلا في العمل بنفسه لم يكن التعبد بموضوعه ظاهراً في التعبد به بل كان اللازم المذكور كسائر الأمور الخارجية المشكوكة التي تكون أجنبية عن المستصحب بالمرة ليس موضوعا للتعبد أصلا «هذا» وربما يقال بأنه لا يعتبر في صحة الاستصحاب كون الأثر المتعبد به عملياً إلا بلحاظ أثره كما في الآثار الشرعية الوضعيّة حسبما يأتي في التنبيه الثامن ، وعليه فلا فرق بين هذه الآثار والآثار العقلية والعادية «وربما» يدفع الإشكال من أصله بان ظاهر الدليل كون التعبد بالموضوع بلحاظ جعل الأثر حقيقة ، وبذلك يظهر الفرق بين الآثار الشرعية مطلقاً ولو كانت وضعية غير عملية وبين الآثار العقلية والعادية لامتناع جعل الثانية حقيقة لأنها غير شرعية «وفيه» انه قد لا يمكن جعل الأثر حقيقة لخروج موضوعه عن محل الابتلاء كما لو نذر ان يصوم يوم الخميس على تقدير حياة ولده ونذر ان يتصدق بدرهم على تقدير وجوب الصوم عليه يوم الخميس ثم غفل عن ذلك إلى يوم الجمعة فانه لا ريب في انه يصح استصحاب الحياة ليترتب عليه وجوب صوم الخميس ليترتب عليه وجوب الصدقة بدرهم مع انه لا معنى لجعل صوم يوم الخميس بعد انقضائه لخروجه عن محل الابتلاء ، فاما أن يلتزم بالمنع عن الاستصحاب في أمثال ذلك وهو كما ترى ، أو بكفاية التعبد بالأثر في صحة الاستصحاب فيرجع إشكال الفرق بين

٤٨٢

الآثار الشرعية وغيرها لصحة التعبد بالجميع بلحاظ العمل ولو بالواسطة ، فلا بد في دفع الإشكال من دعوى انصراف دليل الاستصحاب إلى خصوص الموضوعات المذكورة في الكبريات الشرعية بلحاظ ما لها من الآثار الشرعية المضافة إليها إضافة خاصة سواء كانت عملية بلا واسطة أم بواسطة كما سيأتي بيان ذلك إجمالا في التنبيه الثامن فانتظر «ولا مجال» أيضاً للمصير إلى الاحتمال الثالث فان أثر الواسطة ليس أثراً لنفس المستصحب وإلا كان خلفا بعد ما كانت الواسطة غير المستصحب ، وقضية أن أثر الأثر أثر مبنية على العناية والتجوز فثبوت الأثر المذكور يتوقف التعبد به إما على كونه مورداً للاستصحاب أو كون موضوعه مورداً له ليكون التعبد به من لوازم التعبد بموضوعه ولا يكون التعبد به من لوازم التعبد بغير موضوعه فالتعبد بوجود النار انما يقتضي التعبد بآثارها الشرعية ولا يقتضي التعبد بآثار الإحراق وانما المقتضي لذلك هو التعبد بالإحراق المتوقف على جريان الاستصحاب فيه نفسه «هذا كله» بناء على مذاق المصنف «ره» من كون مفاد دليل الاستصحاب التعبد بنفس المتيقن ، أما «بناء» على ما استظهرناه من أن مفاده وجوب ان يعمل الشاك عمله مع اليقين فقد يشكل نفي الأصل المثبت ، لأن المراد من عمل اليقين ، إن «كان» خصوص العمل المترتب على المتيقن بلا واسطة اختص الدليل بالاحكام إذ اليقين بالموضوع مما لا يترتب عليه عمل إلّا بلحاظ اليقين بحكمه وهو خلاف مورد النص أعني الطهارة التي هي من الموضوع ، وان كان المراد به الأعم مما كان بواسطة عم العمل المترتب على أثر الواسطة مطلقا شرعية كانت أم لا بل أعم مما كانت لازما أو ملزوما أو ملازما ، ولا بد ان يدفع أيضا بما أشرنا إليه من أن منصرف الدليل خصوص الشك في بقاء ما هو مأخوذ في القضايا الشرعية موضوعا أو محمولا أو قيدا لأحدهما دون ما لم يكن كذلك ، والمشكوك الّذي يكون لازمه موضوعا للأثر الشرعي ليس مأخوذا في القضية الشرعية بل المأخوذ خصوص لازمه فلا وجه لإجراء الاستصحاب فيه وبالجملة : لنا في جميع موارد الأصول المثبتة قضيتان إحداهما غير شرعية وهي الحاكية عن نسبة الواسطة إلى موضوعها ، وأخرى شرعية وهي الحاكية عن نسبة الأثر الشرعي إلى الواسطة ، وظاهر أدلة الأصول هو التعرض لهذه القضية الشرعية دون الأولى. مثلا إذا كان إحراق مال الغير

٤٨٣

من آثاره وأحكامه ولا دلالة لها بوجه على تنزيله بلوازمه التي لا يكون كذلك كما هي محل ثمرة الخلاف ولا على تنزيله بلحاظ ما له مطلقا ولو بالواسطة فان المتيقن إنما هو لحاظ آثار نفسه وأما آثار لوازمه فلا دلالة هناك على لحاظها أصلا وما لم يثبت لحاظها بوجه أيضا لما كان وجه لترتيبها عليه باستصحابه كما لا يخفى (نعم) لا يبعد ترتيب خصوص ما كان منها محسوبا بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته بدعوى أن مفاد الاخبار عرفا ما يعمه أيضا حقيقة (فافهم)

______________________________________________________

موجبا لضمانه شرعا بتصور قضيتان : إحداهما : النار محرقة ، وهي غير شرعية ، وثانيتهما : الإحراق موجب للضمان ، وهي شرعية ودليل الاستصحاب كسائر أدلة الأصول بل جميع أدلة الأحكام الظاهرية حتى أدلة الأمارات انما تتعرض لخصوص القضية الشرعية موضوعها أو محمولها لا القضية غير الشرعية ، ولا ينافي ذلك كون الأمارات المثبتة حجة لأن الأمارة انما تدخل تحت دليل الحجية بلحاظ مدلولها الالتزامي لا المطابقي فهي بلحاظ المدلول المطابقي غير مشمولة لدليل الحجية كالاستصحاب الجاري في موضوع الواسطة ذات الأثر الشرعي. فلاحظ وتأمل والله سبحانه اعلم (١) (قوله : من آثاره وأحكامه) سواء ترتب العمل عليها بلا واسطة كما في استصحاب الطهارة من الحدث المترتب عليه جواز مس كتابة القرآن أم بواسطة كما في مثال النذر المتقدم (٢) (قوله : كذلك) يعني من آثاره وأحكامه (٣) (قوله : ثمرة الخلاف) لأن ثمرة الخلاف انما تظهر في الآثار الشرعية الثابتة لأثر غير شرعي للمستصحب واما الآثار الشرعية الثابتة للأثر الشرعي للمستصحب فقد عرفت انها تترتب على كل حال (٤) (قوله : ولا على تنزيله) إشارة إلى منع الاحتمال الثاني (٥) (قوله : آثار نفسه) اما آثار الواسطة فيتوقف ترتيبها على التعبد بالواسطة الّذي هو مفاد الاحتمال الثاني الّذي تقدم بطلانه (٦) (قوله : نعم لا يبعد ترتيب خصوص) إشارة إلى ما ذكره شيخنا الأعظم (قدس‌سره) من انه إذا كان الأثر مترتبا على واسطة خفية بنحو يكون خفاؤها موجبا لأن يكون الأثر في نظر العرف أثراً للمستصحب فلا يبعد دلالة دليل الاستصحاب على وجوب ترتيب الأثر المذكور حينئذ (وربما) أشكل عليه بأنه لا عبرة بخطإ العرف في تطبيق مفاد الدليل

٤٨٤

كما لا يبعد ترتيب ما كان بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفا بينه وبين المستصحب تنزيلا كما لا تفكيك بينهما واقعاً أو بواسطة ما لأجل وضوح لزومه له أو ملازمته

______________________________________________________

بل العبرة بنظرهم في تشخيص نفس مفاده (وأجاب) عنه المصنف (ره) في الحاشية بأنه انما يتم لو فرض كون المستفاد من الدليل كون التنزيل بلحاظ الأثر بلا واسطة حقيقة ، اما لو كان المستفاد منه كون التنزيل بلحاظ الأثر بلا واسطة عرفا فلا يكون خطأ في التطبيق أصلا بل هو تشخيص للمفهوم من الدليل (ويمكن) أن يخدش بان ما ذكر فرض مجرد فان مفاد الدليل ليس إلّا تنزيل المشكوك منزلة المتيقن ومن المعلوم أن المصحح للتنزيل المذكور هو جعل أحكام المتيقن بلا واسطة فيستكشف من دليل التنزيل ذلك أعني جعل الأحكام ظاهراً إجمالا ، اما تشخيص ان هذا من أحكام المتيقن أو من أحكام غيره فليس مما يرجع فيه إلى العرف لأنه من التطبيق الّذي لا يكون من وظائفه ، بل قد عرفت أن جعل أثر الواسطة متوقف على جعل الواسطة ولو كانت خفية ، ولأجل ما ذكرنا لو اطلع العرف على الخطأ في نسبة الأثر إلى المستصحب لا مجال له في استفادة ترتيبه من دليل الاستصحاب ولعله إلى بعض ما ذكرنا أشار بقوله (فافهم) (١) (قوله : كما لا يبعد ترتيب) هذا إشارة إلى وجوب ترتيب آثار الواسطة غير الشرعية في صورتين أخريين (إحداهما) ان تكون الواسطة بنحو لا يمكن التفكيك عرفا بين التعبد بها والتعبد بالمستصحب فإذا دل الدليل على التعبد بالمستصحب دل على التعبد بها بالالتزام فيترتب حينئذ أثرها ، ومثل له في الحاشية بالمتضايفات كالأبوة والبنوة فان التعبد بأبوة زيد لعمرو ملازم عرفا للتعبد ببنوة عمرو لزيد (وثانيتهما) ان تكون الواسطة لوضوح لزومها أو ملازمتها للمستصحب تعد آثارها عرفا آثاراً للمستصحب فترتب على ثبوته بالاستصحاب (ويمكن) ان يخدش في الأولى بان ذلك يتم لو كان الدليل دالا على التعبد به بالخصوص كما لو قال : زيد أب لعمرو ، اما لو كان التنزيل بلسان العموم كما في المقام فلا دلالة له (وفي الثانية) بما عرفت في صورة خفاء الواسطة ، بل لعل وروده هنا أولى إذ وضوح اللزوم مع وضوح الواسطة ليس إلّا مصححا لادعاء نسبة الآثار إلى المستصحب

٤٨٥

معه بمثابة عد أثره أثرا لهما فان عدم ترتيب مثل هذا الأثر عليه يكون نقضاً ليقينه بالشك أيضا بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفا (فافهم) ثم لا يخفى وضوح الفرق بين الاستصحاب وسائر الأصول التعبدية وبين الطرق والأمارات فان الطريق أو الأمارة حيث انه كما يحكي عن المؤدى ويشير إليه كذا يحكي عن أطرافه من ملزومه ولوازمه وملازماته ويشير إليها كان مقتضى إطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها في حكايتها

______________________________________________________

بلا تطبيق حقيقي ولو كان خطئياً فتأمل جيداً (١) (قوله : معه) يعني المستصحب (٢) (قوله : فافهم) لعله إشارة إلى بعض ما ذكرنا أو جميعه (٣) (قوله : ثم لا يخفى وضوح الفرق) (توضيح) الفرق : أن الحجج الشرعية سواء كانت طرقا إلى الأحكام مثل الخبر أم أمارة على الموضوعات مثل البينة لها واقعية في أنفسها مع قطع النّظر عن دليل الحجية ، كما أن لها حكاية عن مدلولها المطابقي والالتزامي ودلالتهما على أحدهما كدلالتهما على الآخر ، فإطلاق دليل الحجية يقتضي حجيتها في جميع مداليلها المطابقية والالتزامية ، فإذا كان المستفاد من دليل الحجية تنزيل مؤداها منزلة الواقع فذلك التنزيل لا يختص بالمدلول المطابقي بل كما يكون له يكون للمدلول الالتزامي ومقتضى ذلك ترتيب آثار كل من المدلول المطابقي والالتزامي بلا فرق بينهما بخلاف الأصول سواء كانت حكمية أم موضوعية فانها ليست إلّا عبارة عن نفس التنزيل الشرعي مثلا المؤدى بدليله فيختص بموضوعه ، ولا وجه للتعدي إلى غيره ، مثلا قوله عليه‌السلام : كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر ، ليس مفاده الا تنزيل مشكوك الطهارة منزلة الطاهر فإذا كان لازم كون الشيء الفلاني طاهراً أن يكون الشيء الفلاني نجساً فليس مفاد الدليل كون الشيء الآخر نجساً لما عرفت من انه لا يدل عليه الكلام المذكور بوجه ، بخلاف البينة فانها إذا قامت على طهارة شيء وكان لازم طهارته نجاسة شيء آخر فانها تدل على نجاسة الآخر بالالتزام فإطلاق دليل حجيتها يقتضي حجيتها في جميع مداليلها فيترتب جميع الآثار المترتبة على

٤٨٦

وقضيته حجية المثبت منها كما لا يخفى ، بخلاف مثل دليل الاستصحاب فانه لا بد من الاقتصار بما فيه من الدلالة على التعبد بثبوته ولا دلالة له إلا على التعبد بثبوت المشكوك بلحاظ أثره حسبما عرفت فلا دلالة له على اعتبار المثبت منه كسائر الأصول التعبدية إلا فيما عد أثر الواسطة أثرا له لخفائها أو شدة وضوحها وجلائها حسبما حققناه

______________________________________________________

طهارة الشيء التي هي مدلول مطابقي لها وعلى نجاسة الآخر التي هي مدلول التزامي (فان قلت) : حكاية البينة على المدلول الالتزامي ليست حكاية بالفعل بل بالقوة بل ربما لا تكون بالقوة كما لو كان الشاهدان لا يعتقدان اللزوم فكيف تكون البينة حجة في اللازم (قلت) : المراد من البينة الحاكية بالالتزام هو نفس خبر الشاهدين ، ومن الواضح أن دلالة الخبر على معناه المطابقي بالمطابقة كدلالته على معناه الالتزامي بالالتزام دلالة فعلية غير متوقفة على اعتقاد المخبر اللزوم فتدخل تحت إطلاق دليل الحجية كل من الدلالتين بلا فرق (نعم) ربما لا يكون للدليل إطلاق يشمل الدلالة الالتزامية مطلقا أو خصوص دلالته على بعض اللوازم معيناً فلا تكون دلالته على اللازم حينئذ حجة. (ومنه) يظهر أنه لا ملازمة بين كون الشيء إمارة وكونه حجة على ترتيب آثار لازم مؤداه إذ قد لا يكون لدليل الحجية إطلاق يقتضي ذلك كما في مثل اليد التي هي أمارة شرعا على الملكية ، وظهور حال الفاعل الناشئ من الغلبة أو غيرها الّذي هو أمارة شرعا على الصحة فانه لا يثبت بهما جميع اللوازم مع كونهما أمارتين (١) (قوله : وقضيته حجية) لا يخلو من تأمل لما عرفت من أن ترتيب أثر اللازم لأجل ثبوت الحجية للدلالة الالتزامية في عرض حجية الدلالة المطابقية لا في طولها حتى يكون من جهة ان المثبت من الأمارات حجة وانما يصح على الحقيقة دعوى الإثبات للأمارات لو كان ترتيب آثار اللازم لأجل دخول الدلالة المطابقية تحت دليل الحجية فتأمل (٢) (قوله : الا فيما عد) قد عرفت الإشكال فيه

٤٨٧

(الثامن) أنه لا تفاوت في الأثر المترتب على المستصحب بين أن يكون مترتبا عليه بلا وساطة شيء أو بوساطة عنوان كلي ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشائع ويتحد معه وجوداً كان منتزعاً

______________________________________________________

(التنبيه الثامن) (١) (قوله : الثامن انه لا تفاوت في الأثر) تضمن هذا التنبيه الإشارة إلى موارد ربما توهم كون الأصل الجاري فيها مثبتا مع انه ليس كذلك «أحدها» الموضوعات الخارجية فقد يتوهم كون الأصل الجاري لإثباتها مثبتا لعدم كون الأثر الشرعي مترتبا عليها وانما يترتب على الطبيعي المنطبق عليها فإثبات أثر الطبيعي باستصحابها عمل بالأصل المثبت «وتوضيح» اندفاع التوهم : ان الطبيعي المجعول موضوعا للأثر اما ان يكون ملحوظا عبرة للافراد واما ان يكون ملحوظا لنفسه ، فعلى الأول لا مجال للتوهم المزبور لأن الفرد في الحقيقة هو موضوع الأثر لا الطبيعي ، وعلى الثاني فالطبيعي وان كان هو الموضوع للأثر إلّا ان الطبيعي لما كان منتزعا عن ذات الفرد كان الأثر ثابتا للفرد أيضا بذاته حقيقة فإجراء الأصل فيه إجراء له في موضوع الأثر الشرعي «ثانيها» الاستصحاب الجاري في بعض الموضوعات لترتيب أثر شرعي مترتب على بعض المفاهيم الاعتبارية مثل الغصب والملك وغيرهما مثل استصحاب عدم رضا المالك ببقاء ماله في يد الأجنبي ليترتب عليه ضمانه ، مع ان الضمان من آثار الغصب (ويندفع) بأن أثر الغصب انما يثبت حقيقة لنفس المستصحب لأن الغصب ليس له ما بحذاء حتى يكون موضوعا لأثره بل هو منتزع عن نفس وضع اليد على مال الغير بدون رضاه ، فعدم الرضا موضوع لحرمة الوضع وسببيته للضمان ، فلا مانع من استصحابه لترتيب اثره ، ولو نذر الصدقة بدرهم على تقدير حياة ولده فان كان مفاد النذر تمليك الله سبحانه نفس الصدقة بالدرهم كما هو الظاهر من اللام في قول الناذر : لله علي ان أتصدق كان ، تملك

٤٨٨

عن مرتبة ذاته أو بملاحظة بعض عوارضه مما هو خارج المحمول لا بالضميمة فان الأثر في الصورتين إنما يكون له حقيقة حيث لا يكون بحذاء ذلك الكلي في الخارج سواه لا لغيره مما كان مبايناً معه أو من أعراضه مما كان محمولا عليه بالضميمة

______________________________________________________

الله سبحانه للصدقة من آثار الحياة فاستصحابها استصحاب لذي أثر فيترتب عليه التملك ، ولازمه وجوب الصدقة. وان كان مفاد النذر مجرد الالتزام له سبحانه على تقدير الحياة فالوفاء بهذا النذر منتزع عن الصدقة بالدرهم في ظرف الحياة ، فوجوب الوفاء حقيقة وجوب للصدقة على تقدير الحياة فالاستصحاب الجاري لإثبات الحياة جار في موضوع الأثر الشرعي كالاستصحاب الجاري في العدالة لإثبات جواز الائتمام أو قبول الشهادة أو غير ذلك. نعم لو كان الوفاء بالنذر أمراً حقيقياً لا يتحد مع الصدقة على تقدير الحياة لم ينفع في ترتيب آثاره استصحاب الحياة (١) (قوله : عن مرتبة ذاته) كما في الطبيعي وافراده (٢) (قوله : أو بملاحظة) كما في الأمور الاعتبارية (٣) (قوله : بعض عوارضه) الضمير راجع إلى المستصحب والمراد ببعض العوارض الخصوصيات الخارجية المصححة للانتزاع مثل عدم رضا المالك المصحح لاعتبار الغصب فان عنوان الغصب منطبق على وضع اليد على مال الغير والمصحح لاعتباره عدم رضا المالك ، ومثل عنوان الوفاء المنطبق على نفس الصدقة بالدرهم فان المصحح لاعتباره حياة الولد إذ في حال موت الولد لا تكون الصدقة بالدرهم وفاءً بالنذر المعلق ، لأن الوفاء بالنذر العمل بمقتضاه ومع موت الولد المعلق على عدمه النذر لا يكون له اقتضاء شيء أصلا (٤) (قوله : مما هو خارج) بيان للمفهوم المنتزع بملاحظة بعض العوارض (٥) (قوله : لا بالضميمة) هو معطوف على خارج المحمول أي لا المحمول بالضميمة وهو الّذي له ما بإزاء في الخارج كما في المفاهيم الحقيقية (٦) (قوله : فان الأثر) بيان لأنه لا تفاوت (٧) (قوله : يكون له) أي للمستصحب (٨) (قوله : لا لغيره مما كان) فان الأثر الثابت للمباين المستصحب في الخارج أو للمتحد

٤٨٩

كسواده مثلا أو بياضه ، وذلك لأن الطبيعي إنما يوجد بعين وجود فرده كما ان العرضي كالملكية والغصبية ونحوهما لا وجود له إلا بمعنى وجود منشأ انتزاعه ، فالفرد أو منشأ الانتزاع في الخارج هو عين ما رتب عليه الأثر لا شيء آخر فاستصحابه لترتيبه لا يكون بمثبت كما توهم ، وكذا لا تفاوت في الأثر المستصحب أو المترتب عليه بين أن يكون مجعولا شرعاً بنفسه كالتكليف

______________________________________________________

معه فيه مع أن له ما بحذاء غير المستصحب لا يكون للمستصحب فلا يجوز الاستصحاب لترتيب الأثر المذكور إلا بإجرائه في نفس موضوعه وهو الأمر المباين أو ما يكون ما بحذاء المفهوم (١) (قوله : وذلك لأن) بيان لكون الأثر في الصورتين للمستصحب (٢) (قوله : وكذا لا تفاوت في الأثر) هذا إشارة إلى المورد الثالث مما توهم كون الاستصحاب فيه مثبتاً وهو الأجزاء والشرائط والموانع فانها ليست بذات أثر شرعي بل هو للكل والمشروط والممنوع فإجراء الأصل في وجود الكل أو الشرط أو عدم المانع لإثبات الكل أو المشروط أو الممنوع فيترتب عليها آثارها إعمال للأصل المثبت. ودفعه المصنف (ره) بان المراد من الأثر الشرعي المصحح للتعبد بالمستصحب ليس خصوص الأثر التكليفي بل يعمه والوضعي المنتزع من التكليفي وقد تقدم ان الجزئية والشرطية والمانعية من الاعتبارات المنتزعة من التكليف فيكفي ترتبها في صحة استصحاب الجزء والشرط والمانع «وتحقيق الحال» : ان المراد من كون الشيء موضوعا للأثر الشرعي كونه طرفا لإضافة خاصة قائمة بينه وبين الأثر الشرعي سواء كانت من قبيل إضافة الموضوع والحكم أم من قبيل إضافة السبب والمسبب أم من قبيل إضافة الظرف والمظروف أم من قبيل آخر ، فإذا قيل : يجب عليك إكرام العادل بإعطاء صاع من تمر وأنت طاهر لابس ثوبا أبيض ، فكل واحد من مفردات القضية المذكورة بينه وبين الحكم نحو خاص من الإضافة فتحكيه بعبارة خاصة فتقول : العادل يجب إكرامه ، والإعطاء للعادل واجب ، وصاع التمر يجب إعطاؤه للعادل ، والتمر

٤٩٠

وبعض أنحاء الوضع ، أو بمنشإ انتزاعه كبعض أنحائه

______________________________________________________

يجب إعطاء صاع منه للعادل ، والطاهر يجب أن يعطي للعادل ، واللابس ثوبا يجب ان يعطي للعادل ، والثوب الأبيض يجب على لابسه أن يعطي للعادل ، والأبيض من الثياب يجب على لابسه ان يعطي للعادل ... وهكذا ، ولأجل ذلك كان الأثر المذكور وهو الوجوب أثراً لكل واحد من مفردات القضية الشرعية له نحو إضافة إليه غير ما للآخر ، ويكفي ذلك في جواز استصحابه ، فيجوز استصحاب كل من العدالة والإعطاء والصاع والتمر والطهارة واللبس والثوب والبياض عند الشك فيه ، ولا فرق بين نفس الإعطاء الّذي هو موضوع الحكم التكليفي وبين غيره من العناوين المذكورة في القضية ، فان كان مفاد دليل الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن كان مفاد استصحاب كل واحد من مفردات القضية المذكورة جعله حال كونه مشكوكا منزلة المتيقن في كونه طرفا للإضافة الخاصة ، وان كان مفاده وجوب جعل عمل الشاك عمل المتيقن فقد عرفت ان منصرفه خصوص العمل من حيث كون المتيقن طرفا للإضافة الخاصة القائمة بينه وبين الأثر الشرعي الّذي تضمنته الكبرى الشرعية. ومن هذا يظهر لك ضابطة كون الأصل مثبتاً أو غير مثبت فان كل أصل يجري فيما هو مذكور في القضية الشرعية الموجب لكونه طرفا لإضافة خاصة لترتيب العمل بلحاظ تلك الإضافة فليس بمثبت ، وما لا يكون كذلك فهو مثبت ، ويشهد بذلك الصحيحتان الأوليان الواردتان في الطهارة من الحدث والخبث التي هي من قيود الموضوع لا نفسه فان المورد المذكور قرينة قطعية على عموم الدليل فضلا عن ظهوره في نفسه بالعموم والله سبحانه أعلم (١) (قوله : وبعض أنحاء الوضع) يعني القسم الثالث من أقسام الوضع المتقدمة ، والوجه في شموله لذلك ما عرفت من أن ظاهر الدليل كونه ناظراً إلى الكبريات الشرعية سواء كانت أحكامها تكليفية أم وضعية فيجوز استصحاب طهارة الماء لإثبات مطهريته كما يجوز استصحاب نجاسته لإثبات نجاسة ملاقيه

٤٩١

كالجزئية والشرطية والمانعية ، فانه أيضا مما تناله يد الجعل شرعاً ويكون أمره بيد الشارع وضعاً ورفعاً ولو بوضع منشأ انتزاعه ورفعه ، ولا وجه لاعتبار أن يكون المترتب أو المستصحب مجعولا مستقلا كما لا يخفى ، فليس استصحاب الشرط أو المانع لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت كما ربما توهم بتخيل : أن الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية بل من الأمور الانتزاعية «فافهم» وكذا لا تفاوت في المستصحب أو المترتب بين أن يكون ثبوت الأثر ووجوده أو نفيه وعدمه ، ضرورة أن امر نفيه بيد الشارع كثبوته وعدم إطلاق الحكم على عدمه غير ضائر إذ ليس هناك ما دل على اعتباره بعد صدق نقض اليقين بالشك برفع اليد عنه كصدقه برفعها من طرف ثبوته كما هو واضح ، فلا وجه للإشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة

______________________________________________________

وكذا استصحاب ملك الميت لإثبات ملك الوارث إلى غير ذلك (١) (قوله : كالجزئية) إذا بنينا على ان الاجزاء واجبة بالوجوب النفسيّ الضمني لم يكن مجال للإشكال (٢) (قوله : ولو بوضع منشأ انتزاعه) قد تقدم الكلام في الشرطية والمانعية وانها منتزعة من التكليف أولا فراجع (٣) (قوله : وكذا لا تفاوت في) هذا من الموارد التي يشكل جريان الأصل فيها أيضا من جهة عدم الأثر المجعول وهو عدم الموضوع أو عدم الحكم فان الثاني ليس بمجعول فلا يجري الأصل فيه ولا في الأول لأنه موضوعه (ويندفع) بان الأثر الشرعي المصحح لجريان الأصل فيه أو في موضوعه يراد منه ما يكون أمره بيد الشارع الأقدس ، وهذا كما ينطبق على كل واحد من الأحكام المجعولة ينطبق على عدمها لأن نسبة القدرة إلى الوجود والعدم نسبة واحدة فلا يكون الوجود مقدوراً الا والعدم مثله ، غاية الأمر أن العدم ليس بمجعول ولا يسمى حكما كما كان الوجود مجعولا ويسمى حكما (٤) (قوله : أمر نفيه) يعني نفي الأثر (٥) (قوله : على عدمه) يعني عدم الأثر إذ الحكم يراد منه نفس الأثر لا عدم الأثر (٦) (قوله : على اعتباره) يعني اعتبار إطلاق الحكم (٧) (قوله : من طرف ثبوته) يعني حيث يكون ثبوته

٤٩٢

من التكليف وعدم المنع عن الفعل بما في الرسالة من أن عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية فان عدم استحقاق العقوبة وإن كان غير مجعول إلا انه لا حاجة إلى ترتيب أثر مجعول في استصحاب عدم المنع ، وترتب عدم الاستحقاق مع كونه عقلياً على استصحابه إنما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو في الظاهر فتأمل (التاسع) أنه لا يذهب عليك أن عدم ترتب الأثر غير الشرعي ولا الشرعي بوساطة غيره من العادي أو العقلي بالاستصحاب إنما هو بالنسبة إلى ما للمستصحب واقعاً ، فلا يكاد يثبت به من آثاره إلا أثره الشرعي الّذي كان

______________________________________________________

مجرى للاستصحاب (١) (قوله : بما في الرسالة) يعني رسالة البراءة لشيخنا الأعظم «قدس‌سره» (٢) (قوله من ان عدم استحقاق) عبارة الرسالة ظاهرة في عدم جواز استصحاب عدم استحقاق العقاب لأنه ليس من اللوازم المجعولة الشرعية حتى يحكم به الشارع في الظاهر لا عدم جواز استصحاب عدم المنع لأن الأثر المذكور ليس مصححاً لجريان الاستصحاب فيه. فلتلحظ ، بل المستفاد منها أن المانع من جريان أصالة عدم المنع ان حكم العقل بقبح العقاب من لوازم الشك في المنع فلا حاجة إلى إثباته بالأصل فراجع (٣) (قوله : لازم مطلق عدم) يعني حكم العقل بعدم استحقاق العقاب ليس من لوازم عدم المنع الواقعي حتى لا يترتب بالاستصحاب لأنه غير مجعول بل من لوازم الأعم من عدم المنع الواقعي والظاهري فإذا ثبت بالاستصحاب عدم المنع الظاهري ترتب عليه عدم استحقاق العقاب ، هذا ولكن عرفت ان شيخنا الأعظم «قدس‌سره» يرى انه من لوازم عدم ثبوت المنع الواقعي فيترتب بمجرد الشك ولا يحتاج في ترتبه إلى الاستصحاب

(التنبيه التاسع)

(٤) (قوله : ان عدم ترتب) كما تقدم في التنبيه السابع. وحاصل المراد : ان ما تقدم من انه لا يترتب بالاستصحاب الأثر غير الشرعي ولا اثره وان كان شرعياً

٤٩٣

له بلا واسطة أو بوساطة أثر شرعي آخر حسبما عرفت فيما مر لا بالنسبة إلى ما كان للأثر الشرعي مطلقا كان بخطاب الاستصحاب أو بغيره من أنحاء الخطاب فان آثاره شرعية كانت أو غيرها يترتب عليه إذا ثبت ولو بان يستصحب أو كان من آثار المستصحب وذلك لتحقق موضوعها حينئذ حقيقة فما للوجوب عقلا يترتب على الوجوب الثابت شرعاً باستصحابه أو استصحاب موضوعه من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة إلى غير ذلك كما يترتب على الثابت بغير الاستصحاب بلا شبهة ولا ارتياب فلا تغفل (العاشر) أنه قد ظهر مما مر لزوم أن يكون المستصحب حكما شرعياً أو ذا حكم كذلك ، لكنه لا يخفى أنه لا بد أن يكون كذلك بقاء ولو لم يكن كذلك ثبوتا فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوته حكما ولا له أثر شرعاً وكان في زمان استصحابه كذلك ـ أي حكما ـ أو ذا حكم يصح استصحابه كما في استصحاب عدم التكليف فانه وان لم يكن بحكم مجعول في الأزل ولا ذا حكم

______________________________________________________

انما هو بالنسبة إلى الأثر الثابت لنفس الواقع المستصحب ، أما لو كان الأثر غير الشرعي مترتبا على الأثر الواقعي والظاهري معاً فانه يترتب بالاستصحاب ولو لم يكن شرعيا لثبوت موضوعه وهو الأثر الظاهري بالاستصحاب فيتبعه اثره (١) (قوله : الشرعي مطلقا) يعني واقعيا كان أم ظاهريا وهذا هو المراد بقوله (ره) كان بخطاب ... إلخ ، يعني سواء كان ... إلخ (٢) (قوله : آثاره) يعني آثار الأثر الشرعي (٣) (قوله : إذا ثبت) يعني ثبت ولو ظاهراً بان يستصحب ... إلخ (٤) (قوله : وذلك لتحقق) تعليل لترتب الآثار الشرعية وغيرها على الأثر الثابت بالاستصحاب (٥) (قوله : من وجوب الموافقة) بيان لما للوجوب عقلا من الآثار (٦) (قوله : بغير الاستصحاب) كالعلم والدليل

(التنبيه العاشر)

(٧) (قوله : لا بد ان يكون) يعني يعتبر ذلك في زمان بقائه وهو زمان التعبد

٤٩٤

إلا أنه حكم مجعول فيما لا يزال لما عرفت من أن نفيه كثبوته في الحال مجعول شرعاً وكذا استصحاب موضوع لم يكن له حكم ثبوتا أو كان ولم يكن حكمه فعليا وله حكم كذلك بقاء وذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه والعمل كما إذا قطع بارتفاعه يقينا ، ووضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتا فيه وفي تنزيلها بقاء «فتوهم» اعتبار الأثر سابقا كما ربما يتوهمه الغافل من اعتبار كون المستصحب حكما أو ذا حكم

______________________________________________________

ولا يعتبر ذلك في حدوثه (١) (قوله : إلّا انه حكم مجعول) قد تقدم انه ليس بحكم ولا مجعول إلا ان يراد من كونه مجعولا أنه أمر شرعي بقرينة قوله : لما عرفت ... إلخ إذ لم يتقدم منه انه مجعول بل المتقدم أن امره بيد الشارع. فتأمل (٢) (قوله : فيما لا يزال) يعني في المستقبل وهو زمان استصحابه الّذي هو زمان الشك في بقائه وارتفاعه فانه لا بد ان يكون حينئذ شرعيا وإلّا امتنع الشك في بقائه كما هو ظاهر (٣) (قوله : موضوع لم يكن) كما في جميع الاعدام الأزلية المستصحبة إلى زمان ثبوت الأثر الشرعي كعدم التذكية المستصحب إلى زمان الموت فانه حال الحياة لا أثر له وانما يكون اثره بعد الموت ، وكما لو تطهر في وقت ثم غفل وأراد الصلاة فان الطهارة قبل الصلاة ليس لها أثر فعلي وانما يكون أثرها حال الصلاة فلا مانع من استصحابها حال الصلاة (٤) (قوله : والعمل كما إذا) بيان لرفع اليد وقوله : (كما) متعلق بالعمل (٥) (قوله : ووضوح) معطوف على «صدق» يعني أن ترتب الأثر قبل زمان الشك لا يتوقف عليه التعبد به في زمان الشك وانما يتوقف التعبد على وجود الأثر في زمان التعبد فهو المعتبر لا غير (٦) (قوله : ثبوتا فيه) ثبوتا تمييز للأثر وفيه متعلق بدخل وضميره راجع إلى النقض (٧) (قوله : وفي تنزيلها) معطوف على «فيه» وضمير المؤنث راجع إلى الحالة السابقة يعني لا يتوقف التعبد ببقاء الحالة السابقة على ثبوت أثر لحدوثها بل يكفي ثبوت أثر لبقائها في زمان التعبد (٨) (قوله : من اعتبار) متعلق ب (يتوهمه)

٤٩٥

(فاسد) قطعا فتدبر جيداً (الحادي عشر) لا إشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في أصل تحقق حكم أو موضوع وأما إذا كان الشك في تقدمه وتأخره بعد القطع بتحققه وحدوثه في زمان فان لوحظ بالإضافة إلى أجزاء الزمان فكذا لا إشكال في استصحاب عدم تحققه في الزمان الأول وترتيب آثاره لا آثار تأخره عنه لكونه بالنسبة إليها مثبتا إلا بدعوى خفاء الواسطة أو عدم التفكيك في التنزيل بين عدم تحققه إلى زمان وتأخره عنه عرفاً كما لا تفكيك بينهما واقعاً ولا آثار حدوثه في الزمان الثاني فانه نحو وجود خاص «نعم» لا بأس بترتيبها بذاك الاستصحاب بناء

______________________________________________________

(التنبيه الحادي عشر)

(١) (قوله : الشك في أصل) فيستصحب العدم الأزلي (٢) (قوله : بعد القطع بتحققه) كما لو علم بوجود زيد وشك في زمان حدوثه (٣) (قوله : بالإضافة إلى اجزاء) كما لو علم بوجود زيد يوم الجمعة وشك في ان حدوثه كان في يوم الجمعة أو في يوم الخميس (٤) (قوله : في الزمان الأول) يعني يوم الخميس في المثال المذكور (٥) (قوله : آثاره) يعني آثار عدم تحققه (٦) (قوله : لا آثار تأخره) معطوف على «آثاره» يعني لا يجوز ترتيب آثار تأخره لو كان لتأخره عن يوم الخميس آثار شرعية (٧) (قوله : مثبتا) لأن صفة التأخر التي هي موضوع للأثر الشرعي صفة وجودية من لوازم عدم وجوده يوم الخميس فإثباتها باستصحاب العدم إعمال للأصل المثبت (٨) (قوله : بدعوى خفاء) قد عرفت الإشكال فيه (٩) (قوله : أو عدم التفكيك) قد عرفت أيضا الإشكال فيه (١٠) (قوله : ولا آثار حدوثه) معطوف على قوله : لا آثار تأخره. يعني لا يجوز أيضاً باستصحاب عدمه يوم الخميس ترتيب آثار حدوثه يوم الجمعة لأن الحدوث عبارة عن أول الوجود فهو ملازم لعدم الوجود يوم الخميس فلا يثبت بالأصل لترتب آثاره (١١) (قوله : بترتيبها) يعني آثار الحدوث (١٢) (قوله : بذلك الاستصحاب) يعني استصحاب عدم وجوده

٤٩٦

على أنه عبارة عن أمر مركب من الوجود في الزمان اللاحق وعدم الوجود في السابق وإن لوحظ بالإضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضا وشك في تقدم ذاك عليه وتأخره عنه كما إذا علم بعروض حكمين أو موت متوارثين وشك في المتقدم والمتأخر منهما فان كانا مجهولي التاريخ (فتارة) كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن

______________________________________________________

يوم الخميس (١) (قوله : على انه) يعني الحدوث (٢) (قوله : عن امر مركب) وحينئذ يكون الأثر ثابتا لمجموع الجزءين الثابت أحدهما بالأصل وهو عدم الوجود يوم الخميس والآخر بالوجدان وهو الوجود يوم الجمعة ، فليس الأصل مثبتا لما تقدم في التنبيه الثامن. لكن المبني المذكور ضعيف. ثم إن المصنف (ره) لم يذكر صورا في الحادث المضاف إلى الزمان كما ذكر في المضاف إلى حادث آخر مع اطراد الصور فيهما معا ، فانه يمكن ان يكون الأثر ثابتا لتأخره عن الزمان أو لتقارنه أو لتقدمه أو للجميع ، كما يكون لتقدم الزمان عليه أو لتأخره أو لتقارنه أو للجميع ... إلى آخرها. والحكم في هذه الصور هو الحكم في صور إضافة الحادث إلى حادث آخر. وكأن الوجه في إهمال ذكرها أن حكمها يفهم مما يأتي في المضاف إلى حادث آخر ، والمقصود هنا بيان حكم الشك في وجوده في الزمان وعدمه من حيث صلاحية الاستصحاب لإثبات الحدوث بعده أو التأخر عنه وعدمها ، وهذا أيضا جار في الحادث بملاحظة إضافته إلى حادث آخر وأهمله هناك اكتفاء بذكره هنا. ومن هنا تعرف أنه كان الأولى للمصنف «ره» جمعهما معا في التقسيم وبيان الأحكام فلاحظ والأمر سهل (٣) (قوله : مجهولي التاريخ) ويقابله الجهل بتاريخ أحدهما والعلم بتاريخ الآخر كما سيأتي بيانه ، أما لو علم تاريخهما معا فلا يعقل الشك حينئذ في التقدم والتأخر (٤) (قوله : فتارة كان الأثر الشرعي) لا بأس بالتعرض لبيان الأقسام والأحكام على سبيل الإجمال «فنقول» : كل حادث أضيف إلى حادث آخر إما أن يكون متقدما عليه أو متأخرا عنه أو مقارنا له ، وحينئذ إما أن

٤٩٧

يكون كل واحد من العناوين المذكورة موضوعا لأثر شرعي يصح بلحاظه التعبد بالاستصحاب أو يكون بعضها له أثر دون بعض ، وكذا الحال في الحادث الآخر بالإضافة إلى هذا الحادث فانه يكون له هذه الأقسام بعينها. ثم العنوان الّذي يكون موضوعا للأثر «تارة» يكون ملحوظاً بنحو مفاد كان التامة كأن يقال : الموت المتقدم للأب على موت الابن كذا ، (وأخرى) يكون ملحوظاً بنحو مفاد كان الناقصة كان يقال : إذا كان موت الأب متقدما على موت الابن فكذا ، وحكم هذه الأقسام : انه إذا كان الأثر الشرعي ثابتا لبعض العناوين المذكورة لأحد الحادثين بعينه دون تمامها ودون عناوين الحادث الآخر ، وكان العنوان ملحوظا بنحو مفاد كان التامة وقد شك في تحقق ذلك العنوان جرى أصالة عدم ذلك العنوان مثلا إذا قيل : موت الأب المتقدم على موت ولده مورث للولد ، فشك في تقدم موت الأب وعدم تقدمه فانه يرجع إلى أصالة عدم الموت المتقدم فينتفي اثره تعبداً «فان قلت» : موت الأب معلوم الوجود فكيف يجري أصالة عدمه «قلت» : المعلوم الوجود انما هو الموت في الجملة واما الموت المتقدم فغير معلوم وحيث انه حادث مسبوق بالعدم لم يكن مانع من إجراء أصالة عدمه. نعم قد يشكل ذلك فيما لو كان الأثر ثابتا لعنوان المتأخر من جهة العلم بوجود موت الأب بعد موت الابن إذ الأب ليس حيا بعد موت الابن قطعا ، فالشك انما هو في حدوث موته بعد موت الابن أو قبله ، فذات الحدوث في أحد الزمانين معلومة لا يمكن استصحاب عدمها فيهما معا فينحصر الأصل في أصالة عدم الوصف وهو مما لا يمكن بناء على انه منتزع من خصوصية في الذات أزلية ليست مسبوقة بالعدم كما سيأتي (فان قلت) : الذات المعروضة لوصف التأخر الملازمة له مشكوكة قطعا فلا مانع من جريان أصالة عدمها «قلت» : ذلك مسلم إلا أن مجرد الشك في وجود الشيء غير كاف في أصالة عدمه وإلّا فكل مشكوك البقاء مشكوك الوجود البقائي ولا يجري فيه إلّا أصالة وجوده لا أصالة عدمه ، ففي المقام بعد دوران الأمر بين التأخر والتقدم يدور امر الحدوث بين ان يكون بعد موت الابن وهو غير التأخر أو قبله فيكون الوجود بعده بقاء لا حدوثا ولا مجال لأصالة العدم في البقاء ، ومن هذا يظهر

٤٩٨

لك الفرق بين المتأخر وبين المتقدم والمقارن فانه في الشك في الأخيرين لا مانع من إجراء الأصل في عدم الذات المتقدمة والمقارنة لأن احتمال عدم التقدم ملازم لاحتمال كون الحدوث بعدُ لا قبل بخلاف الشك في التأخر وحينئذ لا يمكن الحكم بانتفاء أثر التأخر الا بنفي وصف التأخر بنفسه بالأصل المتوقف على كونه من الإضافات الخارجية المسبوقة بالعدم ، اما إذا كان من الاعتبارات المنتزعة من نفس الذات نظير وصف الحدوث لم يمكن نفيه بالأصل إذ لا حالة له سابقة «ولو كان» كل واحد من عناوين أحد الحادثين بعينه موضوعا للأثر الشرعي فقد علم إجمالا بثبوت أحد الآثار لعدم إمكان انفكاك الحادث عن أحد العناوين ، وحينئذ يمتنع جريان أصالة العدم في كل منها لمنافاته للعلم الإجمالي المذكور إلا ان يكون في نفسه غير مانع بان لا يكون المعلوم بالإجمال إلزامياً فلا تكون مخالفته معصية عقلا. (اللهم) إلا أن نقول : العلم الإجمالي ولو لم يكن منجزا مانع عن جريان الاستصحاب في أطرافه لأن شموله للأطراف يوجب التناقض بين الصدر والذيل في دليل الاستصحاب كما سيأتي ، لكن قد عرفت انه إذا امتنع جريان أصالة عدم التأخر في نفسها لم يكن مانع من جريان أصالة العدم في التقدم والتقارن حيث لا علم إجمالي بالمخالفة كما لعله ظاهر «ولو كان» أحد العناوين في كل من الحادثين موضوعا للأثر (فان) كان العنوان عنوان التقارن جرى الأصل في نفيه بالنسبة إلى كل واحد منهما ولا تعارض بين الأصلين لا بملاحظة نفس المفهوم ولا بملاحظة الخارج ، وان كان عنوان التقدم جرى الأصل في نفيه أيضا بالنسبة إلى كل منهما إلّا ان يكون علم إجمالي بالمخالفة فيأتي فيه ما تقدم ، وان كان عنوان التأخر فقد عرفت الإشكال في جريان الأصل في نفيه وعلى تقدير القول به يجري إلا أن يكون علم إجمالي بالمخالفة حسبما تقدم أيضا (ولو كان) أحد العناوين في أحد الحادثين بعينه موضوعا للأثر وغيره في الحادث الآخر كذلك فالحكم فيه يظهر مما سبق إذ المانع حسبما تقدم منحصر في امرين كون مجراه نفي التأخر ووجود علم إجمالي منجز أو مطلقا فلاحظ وتأمل (ولو كان) الأثر ثابتا لأحد العناوين في أحد الحادثين بنحو مفاد

٤٩٩

لا للآخر ولا له بنحو آخر فاستصحاب عدمه صار بلا معارض ، بخلاف ما إذا كان الأثر لوجود كل منهما كذلك أو لكل من أنحاء وجوده فانه حينئذ يعارض فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد للمعارضة باستصحاب العدم في آخر لتحقق أركانه في كل منهما ، هذا إذا كان الأثر المهم مترتباً على وجوده الخاصّ الّذي كان مفاد كان التامة ، وأما ان كان مترتباً على ما إذا كان متصفاً بالتقدم أو بأحد ضديه الّذي كان مفاد كان الناقصة فلا مورد هاهنا للاستصحاب

______________________________________________________

كان الناقصة كما لو قيل : إن كان موت الأب متقدماً على موت الابن ورثه الابن ، فقد يشكل جريان الاستصحاب فيه إما لأنه من الاستصحاب الجاري في العدم الأزلي الّذي هو محل الخلاف بين المحققين ، واما لأن العناوين المذكورة منتزعة من نفس الذات ليس لها حالة سابقة وليست من الأمور الخارجية المسبوقة بالعدم ، لكن الإشكال من الجهة الأولى مندفع بما تقدم في مبحث لعام والخاصّ فينحصر بالجهة الثانية ، وعليه نبي المصنف (ره) في المقام ، وحيث أن الظاهر أن الإضافات المذكورة ومثلها الفوقية والتحتية والحذائية وغيرها من الاعتباريات التي لها نحو خارجية غير متوقفة على الاعتبار كان الظاهر جريان الاستصحاب في نفيها والله سبحانه أعلم (١) (قوله : لا للآخر) يعني لا يكون الأثر الشرعي للوجود الخاصّ للحادث الآخر (٢) (قوله : ولا له بنحو آخر) يعني ولا للحادث المذكور أولا بنحو آخر من أنحاء وجوده الثلاثة (٣) (قوله بلا معارض) قد عرفت انه مسلم إلا أن الأصل لا يجري في نفي المتأخر (٤) (قوله : كل منهما كذلك) أي كل من الحادثين بنحو خاص بان يكون تقدم كل منهما له أثر أو تأخره أو تقارنه (٥) (قوله : للمعارضة باستصحاب) قد عرفت انه لا معارضة في بعض الصور (٦) (قوله : في كل منهما) أي كل من فردي العنوان الواحد في كل من الحادثين أو كل من العنوانين في أحد الحادثين بعينه (٧) (قوله : أو بأحد ضديه) يعني التقارن والتأخر (٨) (قوله : للاستصحاب) يعني استصحاب عدم كون الوجود متقدما الّذي هو مفاد ليس

٥٠٠