حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

وأما إذا كان من جهة الشك في كميته ومقداره كما في نبع الماء وجريانه وخروج الدم وسيلانه فيما كان سبب الشك في الجريان والسيلان الشك في أنه بقي في المنبع والرحم فعلا شيء من الماء والدم غير ما سال وجرى منهما فربما يشكل في استصحابهما حينئذ فان الشك ليس في بقاء جريان شخص ما كان جارياً بل في حدوث جريان جزء آخر شك في جريانه من جهة الشك في حدوثه ولكنه يتخيل بأنه لا يختل به ما هو الملاك في الاستصحاب بحسب تعريفه ودليله حسبما عرفت. ثم إنه لا يخفى أن استصحاب بقاء الأمر التدريجي إما يكون من قبيل استصحاب الشخصي أو من قبيل استصحاب الكلي بأقسامه فإذا شك في أن السورة المعلومة التي شرع فيها تمت أو بقي شيء منها

______________________________________________________

مع العلم بكمية الماء ومقداره «وأخرى» يكون للشك في كميته ومقداره «وثالثة» يكون للشك في تولد زائد على المقدار المعلوم في المنبع «أما الأول» فلا مانع من استصحابه مطلقاً أو فيما كان الشك في الرافع على الخلاف «وأما الثاني» فالظاهر أنه كذلك وليس من قبيل القسم الثاني من استصحاب الكلي لأن الاختلاف في الحكم لا يوجب تعدد الوجود حتى يكون الشك فيه شكا في الوجود وفاقا لشيخنا الأعظم «قدس‌سره» «وأما الثالث» فقد يتوهم أنه من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي لأن الماء الحادث غير الماء الّذي كان موجوداً «وفيه» ان تعدد الماء لا يلازم تعدد الجريان عرفا ، وكون الجريان عرضاً قائماً بالماء تابعا له في الوحدة والتعدد ممنوع ، لأن اتصال الجريان عرفا وعدم تخلل العدم بين أبعاضه موجب لصدق الوحدة ولا سيما مع كون حدوث الماء الجديد بنحو تزايد الماء الأول الموجب لعده معه ماء واحداً (١) (قوله : من جهة الشك في كميته) الظاهر أنه يريد الصورة الثانية وان كان ذيل العبارة قد لا يساعده. فتأمل (٢) (قوله : في استصحابهما) يعني الجريان والسيلان (٣) (قوله : في حدوث جريان) قد عرفت انه مع اتصال الجريان يصدق البقاء لا الحدوث (٤) (قوله : ولكنه يتخيل) يعني

٤٦١

صح فيه استصحاب الشخص والكلي ، وإذا شك فيه من جهة ترددها بين القصيرة والطويلة كان من القسم الثاني وإذا شك في أنه شرع في أخرى مع القطع بأنه قد تمت الأولى كان من القسم الثالث كما لا يخفى ، هذا في الزمان ونحوه من سائر التدريجيات وأما الفعل المقيد بالزمان (فتارة) يكون الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء قيده (وطوراً) مع القطع بانقطاعه وانتفائه من جهة أخرى كما إذا احتمل

______________________________________________________

أن هذا خيال لا يطابق الواقع لكن عرفت انه لا بأس به (١) (قوله : صح فيه استصحاب) سواء كان منشأ الشك الشك في كونها طويلة أو قصيرة أم الشك في عروض المانع من الإتمام (٢) (قوله : من القسم الثالث) قد عرفت أن كونه منه موقوف على انقطاع القراءة عرفا والشك في حدوث غيرها فلا يكون الشك في البقاء ، أما لو لم يكن كذلك لصدق اتصال القراءة عرفا فهو من القسم الأول ، وإلّا كان تعدد الآيات موجبا لتعدد القراءة ، وهو كما ترى ، ومثله ما لو شرع في أكل طعام أمامه وشك في بقاء الأكل لاحتمال شروعه في أكل طعام آخر فانه يجري استصحاب القراءة والأكل ولا سيما وكون القراءة والأكل قائمين بالقارئ والآكل فلا يتعددان بمجرد تعدد المقروء والمأكول. فلاحظ (٣) (قوله : واما الفعل المقيد) كصوم رمضان وإفطار يوم العيد (٤) (قوله : فتارة يكون الشك) الشك في ثبوت حكم المقيد بالزمان كوجوب صوم رمضان «تارة» يكون للشك في نفس الزمان سواء كانت الشبهة موضوعية كما لو شك في هلال شوال أم حكمية كما لو شك بانتهاء النهار بغياب القرص «وأخرى» يكون للشك في ثبوت نفسه مع العلم بانتهاء الزمان الّذي أخذ قيداً لموضوعه كما إذا وجب الجلوس في المسجد في النهار فانقضى النهار فشك في بقاء وجوب الجلوس في الليل ، لاحتمال كون زمان الليل موجبا لمصلحة فيه ملزمة ، أو كون الجلوس مطلوبا في النهار بنحو تعدد المطلوب بأن يكون في ذاته مصلحة ملزمة وبخصوصية كونه في النهار مصلحة أخرى غير المصلحة القائمة به بذاته «فان كان» الشك على النحو الأول جاز الرجوع إلى

٤٦٢

أن يكون التعبد به إنما هو بلحاظ تمام المطلوب لا أصله فان كان من جهة الشك في بقاء القيد فلا بأس باستصحاب قيده من الزمان كالنهار الّذي قيد به الصوم مثلا فيترتب عليه وجوب الإمساك وعدم جواز الإفطار ما لم يقطع بزواله كما لا بأس باستصحاب نفس المقيد فيقال : إن الإمساك كان قبل هذا الآن في النهار والآن كما كان فيجب (فتأمل) وان كان من الجهة الأخرى فلا مجال الا لاستصحاب الحكم

______________________________________________________

استصحاب نفس الزمان المأخوذ قيدا فيثبت به المقيد ويترتب عليه حكمه كما جاز استصحاب التقييد لذات المقيد فيقال : كان الإمساك في النهار فهو على ما كان فيجب. هذا ولكن إجراء الاستصحاب في القيد يتوقف على لحاظ وجوده بنحو مفاد كان التامة بأن يكون الواجب الإمساك المقارن لوجود رمضان نظير تقييد الصلاة الواجبة بالطهارة أما إذا كان ملحوظا بنحو مفاد كان الناقصة بأن كان الواجب الإمساك في زمان هو رمضان فاستصحاب بقاء رمضان لا يثبت كون الزمان الواقع فيه الإمساك هو رمضان إلّا بناء على الأصل المثبت ، وكذا إجراء الاستصحاب في المقيد فانه يتوقف على كون الحكم ثابتا لوجود المقيد بالزمان الملحوظ بنحو مفاد كان التامة كما إذا قيل ، ان كان الإمساك في رمضان فهو واجب ، فان استصحاب كون الإمساك في رمضان يوجب كونه واجبا ، أما إذا كان بنحو مفاد كان الناقصة كما إذا قيل : الإمساك في زمان هو رمضان واجب : فلا مجال للاستصحاب لعدم اليقين بالحالة السابقة إذا لم يعلم أن الإمساك في هذا الزمان إمساك في زمان هو رمضان كما لعله ظاهر بالتأمل. فتأمل. ولعله إلى هذا أشار بقوله : فتأمل (١) (قوله : ان يكون التعبد به) الظاهر أن أصل العبارة : ان يكون التقييد به ... إلخ ، يعني احتمل ان يكون الزمان قيداً لتمام المطلوب يعني التام لا تقييداً لأصله يعني للمطلوب في الجملة بان يكون الفعل في خارج الوقت مطلوبا أيضاً لكنه بعض المطلوب (٢) (قوله : من الزمان) بيان لقيده (٣) (قوله : فيترتب عليه) نظير استصحاب عدالة الشاهد ليترتب عليه وجوب قبول شهادته (٤) (قوله : نفس المقيد) الظاهر أن أصل العبارة نفس التقييد (قوله وإن كان من الجهة)

٤٦٣

في خصوص ما لم يؤخذ الزمان فيه إلا ظرفا لثبوته لا قيداً مقوماً لموضوعه وإلّا فلا مجال إلا لاستصحاب عدمه فيما بعد ذاك الزمان فانه غير ما علم ثبوته له فيكون الشك في ثبوته له أيضا شكا في أصل ثبوته بعد القطع بعدمه لا في بقائه «لا يقال» : إن الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع وإن أخذ ظرفا لثبوت الحكم في دليله ضرورة دخل مثل الزمان فيما هو المناط لثبوته فلا مجال الا لاستصحاب عدمه (فانه يقال) : نعم لو كانت العبرة في تعيين الموضوع بالدقة ونظر العقل وأما إذا كانت العبرة بنظر العرف فلا شبهة في أن الفعل بهذا النّظر موضوع واحد في الزمانين قطع بثبوت الحكم له في الزمان الأول وشك في بقاء هذا الحكم له وارتفاعه في الزمان الثاني فلا يكون

______________________________________________________

(١) يعني وإن كان الشك في الحكم من حيث تحقق المصلحة المقتضية له حتى مع العلم بانقضاء الزمان (٢) (قوله : في خصوص ما لم يؤخذ) يعني ينظر في دليل الحكم فان كان قد أخذ الزمان فيه قيداً لموضوعه امتنع جريان الاستصحاب فيه لإثباته لذات الموضوع في غير ذلك الزمان لأن ذات الموضوع مع عدم القيد مباينة للموضوع المقيد فإثبات الحكم حينئذ لا يكون إبقاء لثبوته للمقيد بل إحداثا له في موضوع آخر ، ولازم ذلك امتناع الاستصحاب أيضاً لو أخذ قيداً للمحمول لعين الوجه المتقدم. وان أخذ الزمان قيداً للنسبة جاز الاستصحاب لاتحاد الموضوع والمحمول الموجب لكون الشك فيه شكا في البقاء الّذي هو تمام موضوع الاستصحاب «وفيه» أن قيد الزمان كسائر القيود التي تؤخذ في موضوعات الأحكام لا يوجب انتفاؤه تعدد الموضوع عرفا. ألا ترى أن وصف التغير للماء المحكوم بنجاسته لا يقدح في استصحابها بعد زوال التغير مع ما بين التغير والنجاسة من المناسبات الارتكازية عند العرف فكيف لا يكون قيد الزمان كذلك (٣) (قوله : فانه غير ما علم) يعني أن الحكم المثبت بالاستصحاب غير الحكم الأول المعلوم لتعدد موضوعيهما. ثم إنه لا يخفى أن جعل ما أخذ الزمان فيه ظرفا لثبوت الحكم من أقسام المقيد بالزمان لا يخلو من مسامحة (٤) (قوله : من قيود الموضوع) هذا

٤٦٤

مجال الا لاستصحاب ثبوته «لا يقال» : فاستصحاب كل واحد من الثبوت والعدم يجري لثبوت كلا النظرين ويقع التعارض بين الاستصحابين كما قيل (فانه يقال) : إنما يكون ذلك لو كان في الدليل ما بمفهومه يعم النظرين ، وإلّا فلا يكاد يصح إلّا إذا سيق بأحدهما لعدم إمكان الجمع بينهما لكمال المنافاة بينهما ولا يكون في اخبار الباب ما بمفهومه يعمهما فلا يكون هناك الا استصحاب واحد وهو استصحاب الثبوت فيما إذا أخذ الزمان ظرفا واستصحاب العدم فيما إذا أخذ قيداً ، لما عرفت من أن العبرة في هذا الباب بالنظر العرفي ولا شبهة في أن الفعل فيما بعد ذاك الوقت مع قبله متحد في الأول ومتعدد في الثاني بحسبه ، ضرورة ان الفعل المقيد بزمان خاص غير الفعل في زمان آخر

______________________________________________________

مبني على إرجاع جميع القيود المشتملة عليها القضية إلى الموضوع وقد عرفت أنه غير ظاهر الوجه وانه موجب للمنع من جريان الاستصحاب في عامة الأحكام (١) (قوله : كلا النظرين) يعني نظر العرف ونظر العقل (٢) (قوله : كما قيل) القائل الفاضل النراقي «ره» في المناهج حيث قال ـ فيما لو علم وجوب الجلوس يوم الجمعة إلى الزوال وشك فيه فيما بعد الزوال ـ : يجوز استصحاب الوجوب إلى ما بعد الزوال كما يجوز استصحاب عدمه الثابت قبل التكليف بالجلوس ، لكن ظاهر محكي كلامه عدم اختصاص ما ذكره بما إذا كان الزمان قيداً بل لعل ظاهره اختصاصه بما إذا كان ظرفا فراجع (٣) (قوله : لعدم إمكان الجمع بينهما) لأن في الجمع بينهما تناقضاً في المدلول حيث انه بملاحظة أحدهما يكون رفع اليد عملا عن حكم المقيد نقضا وبملاحظة الآخر لا يكون نقضا ، والأول يستتبع الحرمة والثاني يستتبع عدمها وهما نقيضان ولا يعقل حكاية الدليل عنهما معا لامتناع اجتماعهما (٤) (قوله : ولا يكون في) ولو كان وجب رفع اليد عن ظاهره لامتناع الأخذ به (٥) (قوله : مع قبله) الظاهر أن أصل العبارة مع ما قبله والمراد من الأول أخذه ظرفا ومن الثاني أخذه قيداً والضمير في «بحسبه» راجع إلى نظر العرف

٤٦٥

ولو بالنظر المسامحي العرفي (نعم) لا يبعد أن يكون

______________________________________________________

(١) (قوله : ولو بالنظر المسامحي) قد عرفت انه في نهاية المنع (٢) (قوله : نعم لا يبعد ان يكون) يعني إذا احتمل ان يكون ثبوت الحكم للمقيد بالزمان بنحو تعدد المطلوب بان يكون فيه مصلحتان إحداهما قائمة بذات المقيد والأخرى قائمة بنفس التقييد بالزمان فيكون ثبوت الحكم في الزمان الثاني ناشئاً عن مصلحة قائمة بذات المقيد مطلقا حتى مع عدم القيد فيكون بذلك من مراتب الحكم الأول فلا يبعد الاتحاد في نظر العرف بين الحكمين ويكون الشك فيه شكا في البقاء فيستصحب «أقول» : لا يخلو الحال من ان يعلم كون الزمان قيداً للموضوع بلحاظ تمام مراتب الحكم الثابت له ، أو يعلم كونه قيداً لبعضها دون بعض ، أو يعلم كونه قيدا لبعضها ويحتمل كونه قيدا لبعضها الآخر «فالأوّل» ليس من تعدد المطلوب في شيء ، وعليه يكون احتمال وجود الحكم للموضوع فيما بعد ذلك الزمان مستنداً إلى احتمال حدوث مصلحة فيه من جهة الزمان اللاحق أو غيره ولا يجوز استصحابه به عند المصنف «ره» وعرفت انه لا مانع عنه (وعلى الثاني) لا بد من الحكم بثبوت الحكم في الزمان الثاني بلا حاجة إلى الاستصحاب «وعلى الثالث» فلازم ما ذكر المصنف «ره» من أن التقييد موجب لتعدد الموضوع عدم جواز الاستصحاب فان احتمال تقييد الموضوع بلحاظ بعض المراتب الأخر وان كان مساوقا لاحتمال ارتفاع الحكم بانتهاء الوقت ، كما ان احتمال عدم تقييده بلحاظها مساوق لاحتمال بقائه فيكون محتمل البقاء والارتفاع إلا أن احتمال التقييد على النحو المذكور يوجب الشك في صدق النقض للشك في وحدة الموضوع وتعدده فلا يجوز التمسك بعموم حرمة النقض إذ الشك في عنوان العام مانع عن صحة التمسك به. فلاحظ وتأمل ، وحيث عرفت أن التحقيق جواز إجراء الاستصحاب حتى مع العلم بالتقييد فالجواز هنا أولى والله سبحانه اعلم

٤٦٦

بحسبه أيضاً متحداً فيما إذا كان الشك في بقاء حكمه من جهة الشك في انه بنحو التعدد المطلوبي وان حكمه بتلك المرتبة التي كان مع ذاك الوقت وان لم يكن باقيا بعده قطعاً إلّا انه يحتمل بقاؤه بما دون تلك المرتبة من مراتبه فيستصحب فتأمل جيداً «إزاحة وهم» لا يخفى أن الطهارة الحدثية والخبثية وما يقابلها يكون مما إذا وجدت بأسبابها لا يكاد يشك في بقائها إلا من قبل الشك في الرافع لها لا من قبل الشك في مقدار تأثير أسبابها ضرورة أنها إذا وجدت بها كانت تبقى ما لم يحدث رافع لها كانت من الأمور الخارجية أو الأمور الاعتبارية التي كانت لها آثار شرعية فلا أصل لأصالة عدم جعل الوضوء سبباً للطهارة بعد المذي وأصالة عدم جعل الملاقاة سبباً للنجاسة بعد الغسل مرة ـ كما حكي عن بعض الأفاضل ـ ولا يكون هاهنا أصل إلا أصالة الطهارة أو النجاسة (الخامس) انه كما لا إشكال فيما إذا كان المتيقن حكما فعلياً لا ينبغي الإشكال فيما إذا كان مشروطا

______________________________________________________

(١) (قوله : بحسبه) يعني بحسب نظر العرف (٢) (قوله : أو الأمور الاعتبارية) يعني المجعولة اما لو كانت منتزعة من وجود أسبابها الخاصة فيمكن أن يكون الشك فيها من الشك في المقتضي بأن يشك في كون الوضوء منشأ للطهارة مطلقا أو بشرط عدم خروج المذي وكون ملاقاة النجاسة منشأ لانتزاع النجاسة للملاقي بشرط عدم الغسل ولو مرة ، لكن مع ذلك لا مانع من استصحابها بناء على جريانها في الشك في المقتضي (٣) (قوله : بعض الأفاضل) هو الفاضل النراقي

(التنبيه الخامس)

(٤) (قوله : لا ينبغي الإشكال فيما) هذا شروع في بيان جواز استصحاب الأحكام المشروطة سواء كانت تكليفية كما إذا قيل : يحرم العنب إذا غلى فيشك في حرمة الزبيب إذا غلى أم وضعية كما إذا قيل : بنجس العنب إذا غلى فيشك في نجاسة

٤٦٧

معلقا فلو شك في مورد لأجل طروء بعض الحالات عليه في بقاء أحكامه فكما صح استصحاب أحكامه المطلقة استصحاب أحكامه المعلقة لعدم الاختلال بذلك فيما اعتبر في قوام الاستصحاب من اليقين ثبوتاً والشك بقاء «وتوهم» أنه لا وجود للمعلق قبل وجود ما علق عليه فاختل أحد ركنيه (فاسد) فان المعلق قبله إنما لا يكون موجوداً فعلا لا أنه لا يكون موجوداً أصلا ولو بنحو التعليق ، كيف والمفروض أنه مورد فعلا للخطاب بالتحريم مثلا أو الإيجاب فكان على يقين منه قبل طروء الحالة فيشك فيه بعده ولا يعتبر في الاستصحاب إلا الشك في بقاء شيء على يقين من ثبوته

______________________________________________________

الزبيب إذا غلى وحاصل الوجه في الجواز : ان الأحكام المشروطة كالاحكام المطلقة مجعولات شرعية يشملها دليل الاستصحاب عند الشك في بقائها وحيث انه لا مخصص له يجب الأخذ به (١) (قوله : معلقا) بيان لقوله مشروطا (٢) (قوله : طروء بعض الحالات) مثل صيرورة العنب زبيبا في المثال المتقدم (٣) (قوله : في بقاء) متعلق بقوله شك (٤) (قوله : موجودا أصلا ولو بنحو) لا يخفى ان الوجود المعلق وجود تقديري أي وجود في ظرف وجود المعلق عليه فقبله لا وجود للمعلق ، وكونه موردا للخطاب لا أثر له بعد أن كان مجعولا على تقدير غير حاصل. هذا بناء على كون الوجوب المشروط ونحوه مشروطا بوجود الشرط خارجا بحيث لا وجود له الا في ظرف وجود الشرط خارجا كما يراه المصنف (ره) وتقدم في الواجب المشروط اما إذ كان مشروطا بالوجود الذهني الحاكي عن الخارجي ـ كما هو الظاهر ـ تم ما ذكر إذا الوجوب المشروط مثلا على هذا موجود قبل تحقق الشرط لكنه بوجود منوط لا مطلقاً غير منوط ، فاستصحابه لا بأس به لاجتماع أركان الاستصحاب فيه من اليقين بالثبوت والشك في البقاء فينبغي بناء صحة الاستصحاب وعدمها على ذلك ، وحيث ان صحة الاستصحاب ارتكازية في أمثال هذه الأحكام ولا سيما إذا كان الشك فيها من جهة الشك في النسخ لا بد ان يستكشف صحة مبناها أعني كونه منوطا بالوجود

٤٦٨

واختلاف نحو ثبوته لا يكاد يوجب تفاوتا في ذلك ، وبالجملة يكون الاستصحاب متمماً لدلالة الدليل على الحكم فيما أهمل أو أجمل كان الحكم مطلقا أو معلقاً فببركته يعم الحكم للحالة الطارية اللاحقة كالحالة السابقة ، فيحكم مثلا بان العصير الزبيبي يكون على ما كان عليه سابقا في حال عنبيته من أحكامه المطلقة والمعلقة لو شك فيها فكما يحكم ببقاء ملكيته يحكم بحرمته على تقدير غليانه (إن قلت) : نعم ولكنه لا مجال لاستصحاب المعلق لمعارضته باستصحاب ضده المطلق فيعارض استصحاب الحرمة المعلقة للعصير باستصحاب حليته المطلقة «قلت» : لا يكاد يضر استصحابه

______________________________________________________

الذهني. هذا مضافا إلى أن الظاهر أنه لا فرق بين إناطة الحكم بالشرط باصطلاح النحاة مثل : إذا غلى ينجس ، وإذا استطعت يجب عليك الحج ، وبين إناطته بالموضوع مثل العنب الغالي ينجس والمستطيع يجب عليه الحج ، وكما انه لا ريب في صحة استصحاب الحكم المنوط بالموضوع ينبغي ان لا يستراب في صحة استصحاب الحكم المنوط بشرطه فيكشف ذلك عن ان الإناطة في المقامين انما هي بالوجود اللحاظي وإلّا لم يكن وجه للاستصحاب فيهما معا (١) (قوله : واختلاف نحو ثبوته) قد عرفت ان الوجود المعلق على الأمر الخارجي ليس نحوا من الثبوت قبل وجود المعلق عليه وانما يكون نحوا من الثبوت في ظرف وجود المعلق عليه خارجا (٢) (قوله : متمما لدلالة) لا إشكال في ذلك وانما الإشكال في اجتماع أركانه ليكون متمما ولا تجتمع أركانه الا مع ثبوت المستصحب حقيقة ولو منوطا (٣) (قوله : حليته المطلقة) أي غير المشروطة وهي الثابتة له قبل الغليان حيث يشك في ارتفاعها بالغليان فيلزم استصحابها (٤) (قوله : قلت لا يكاد يضر استصحابه) يعني استصحاب الحلية (توضيح) المراد : ان العنب قبل أن يصير زبيبا كان له حرمة معلقة على الغليان ويلازم ثبوت هذه الحرمة المعلقة ثبوت حلية مغياة بالغليان لتضاد الحكمين الموجب لتلازم إناطة أحدهما بشيء وإناطة الآخر بنقيضه فإذا كانت للعنب حرمة منوطة بالغليان كانت له حلية منوطة بعدمه فإذا صار العنب

٤٦٩

زبيبا وشك في بقاء الحرمة المنوطة بالغليان شك أيضاً في بقاء الحلية المنوطة بعدم الغليان أعني المغيّاة بالغليان ، وكما انه يصح استصحاب الحرمة المذكورة يصح استصحاب الحلية المذكورة ولا تعارض بين الاستصحابين لعدم العلم بمخالفة أحدهما للواقع بل يجوز مطابقتهما معا للواقع وكيف يكون بينهما تعارض مع تلازم مؤداهما (فان قلت) : لا ريب في تضاد الحلية والحرمة وسائر الأحكام التكليفية كما سبق فكيف لا يكون استصحاب إحداهما معارضا لاستصحاب الأخرى (قلت) : التضاد إنما يكون بين الحل والحرمة المطلقين أو المشروطين بأمر واحد وجودي أو عدمي واما الحل المشروط بأمر وجودي والحرمة المشروطة بنقيضه أو العكس كما في المقام فلا تضاد بينهما ، ولذا ترى العنب دائما تثبت له حلية منوطة بعدم الغليان وحرمة منوطة بالغليان بلا تناف بينهما فلا تعارض بين استصحابيهما (هذا) ولكن يمكن إرجاع السؤال بنحو لا يتوجه الجواب عنه بما ذكر بأن يقال : لا ريب في ان الزبيب قبل الغليان حلال فعلا فإذا شككنا في ارتفاع حليته بالغليان فالمرجع استصحاب تلك الحلية الفعلية كما لو شككنا في ارتفاع حليته بمواجهة الشمس أو بالحرارة أو نحوها من محتمل الرافعية ، ومن المعلوم ان هذه الحلية بعد الغليان مضادة للحرمة على تقدير الغليان فيتعارض استصحابها مع استصحاب الحرمة المعلقة بل ومع استصحاب الحلية المغيّاة بالغليان عرضا (ويمكن) في الجواب ان يقال : الشك في ارتفاع الحلية بالغليان وبقائها ناشئ من الشك في بقاء الغليان على ما هو عليه من الخصوصية المقتضية للحرمة الرافعة للحلية وعدمه والأصل بقاؤه على ما كان فيترتب عليه اثره وهو ارتفاع الحلية وثبوت الحرمة كما أشرنا إلى ذلك في ذيل البحث عن الأحكام الوضعيّة ، وليست الخصوصية المذكورة الا كسائر الخصوصيات المأخوذة قيدا في موضوع الأحكام ولا استصحابها الا كاستصحابها فكما أنه لو قيل : إذا كان الإمام عادلا يجب الائتمام به وقبول شهادته ، وان كان فاسقا لا يجوز الائتمام به ولا قبول شهادته ، فشك في بقاء الإمام على عدالته أو فسقه يجوز استصحاب كونه على ما هو عليه من العدالة أو الفسق وترتيب أحكامهما

٤٧٠

على نحو كان قبل عروض الحالة التي شك في بقاء حكم المعلق بعده

______________________________________________________

كذلك المقام فيستصحب كون الغليان على ما هو عليه من الخصوصية المنوط بها الحرمة وبعدمها الحل ويترتب عليها أحكامها ، وإذا جرى الأصل في ذلك كان حاكما على استصحاب الحل لكونه جاريا في السبب. (ومما) يوضح ما ذكرنا أنه لو شك في نسخ الحكم التعليقي للعنب فلا ريب في وجوب العمل على الحرمة المعلقة على الغليان ولا مجال لاستصحاب الحل الثابت قبله ، ولا فرق بينه وبين المقام ولا وجه له ظاهر غير ما ذكرنا (ولعل) هذا هو مراد شيخنا الأعظم (قدس‌سره) في الجواب عن السؤال المذكور بحكومة استصحاب الحرمة على تقدير الغليان على استصحاب الحل قبله لا ما هو ظاهره (وإلّا ففيه) أن ارتفاع الحل ليس من آثار ثبوت الحرمة على تقدير الغليان حتى يكون استصحابها حاكما على استصحابه بل هما في مرتبة واحدة معلولان للغليان بما له من الخصوصية فاستصحاب كون الغليان على ما هو عليه حاكم على استصحابهما معا. ومنه يظهر أنه لا مجال لاستصحاب الحكم التعليقي بل هو يثبت باستصحاب موضوعه. (هذا ولكن) يشكل ما ذكر بما سيأتي في الأصل المثبت من أن الخصوصيات التي يجري الأصل لإثباتها هي الخصوصيات التي تؤخذ في القضية التشريعية التي يطابقها الدليل لا الخصوصيات التي تؤخذ في القضية اللبية ، فخصوصية الغليان التي تستصحب إن كان المراد بها مثل كونه في حال العنبية ونحوها فاستصحابها من استصحاب المردد بين معلوم البقاء ومعلوم الارتفاع الّذي لا يصح ، وان كان المراد بها الخصوصية المصححة لإناطة الحكم بحال العنبية مثلا المعبر عنها بالمصلحة ونحوها فتلك مما لم تؤخذ موضوعا للحكم في القضية الشرعية فلا يجري الأصل لإثباتها إلّا بناء على الأصل المثبت. فتأمل جيداً والله سبحانه أعلم (١) (قوله : على نحو كان) أي على الوصف الّذي كان عليه وهو كونه مغيا بالغليان مثلا (٢) (قوله : عروض الحالة) مثل حالة الزبيبية (٣) (قوله : حكم المعلق) الظاهر ان أصل العبارة الحكم المعلق

٤٧١

ضرورة أنه كان مغيا بعدم ما علق عليه المعلق ، وما كان كذلك لا يكاد يضر ثبوته بعده بالقطع فضلا عن الاستصحاب لعدم المضادة بينهما فيكونان بعد عروضهما بالاستصحاب كما كانا معاً بالقطع قبل بلا منافاة أصلا ، وقضية ذلك انتفاء حكم المطلق بمجرد ثبوت ما علق عليه المعلق فالغليان في المثال كما كان شرطاً للحرمة كان غاية للحلية فإذا شك في حرمته المعلقة بعد عروض حالة عليه شك في حليته المغياة لا محالة أيضا فيكون الشك في حليته أو حرمته فعلا بعد عروضها متحداً خارجا مع الشك في بقائه على ما كان عليه من الحلية والحرمة بنحو كانتا عليه فقضيته استصحاب حرمته المعلقة بعد عروضها الملازم لاستصحاب حليته المغياة حرمته فعلا بعد غليانه وانتفاء حليته فانه قضية نحو ثبوتهما كان بدليلهما أو بدليل الاستصحاب كما لا يخفى بأدنى التفات على ذوي الألباب فالتفت [١] ولا تغفل «السادس» لا فرق أيضاً بين أن يكون المتيقن من أحكام هذه الشريعة أو الشريعة السابقة إذا شك في بقائه

______________________________________________________

على التوصيف وضمير (بعده) راجع إلى عروض الحالة (١) (قوله : ضرورة انه) تعليل لعدم الضرر يعني ان الحل كان مغيا بعدم الغليان المعلق عليه الحكم المعلق وهو التحريم (٢) (قوله : فيكونان بعد) يعني فيكون الحل المغيا بالغليان والحرمة المعلقة عليه بعد عروض وصف الزبيبية ... إلخ (٣) (قوله : بالاستصحاب) متعلق ب (يكونان) ، وقوله : كما كان. خبر يكونان ، وبالقطع متعلق بقوله : كانا ، وكذا قوله : قبل ، أي قبل عروض الحالة (٤) (قوله : وقضية ذلك) يعني ثبوت الحل المغيا والحرمة المعلقة (٥) (قوله : لا محالة أيضا) لتلازمهما (٦) (قوله : متحداً خارجا جامع) وانما الاختلاف بينه وبين الشك في البقاء بملاحظة الحال السابقة في الثاني دون الأول (٧) (قوله : فانه قضية نحو) إشارة إلى دفع توهم

__________________

[١] كيلا تقول في مقام التفصي عن إشكال المعارضة : ان الشك في الحلية فعلا بعد الغليان يكون مسبباً عن الشك في الحرمة المعلقة فيشكل بأنه لا ترتب بينهما عقلا ولا شرعاً بل بينهما ملازمة عقلا لما عرفت من أن الشك في الحلية أو الحرمة

٤٧٢

وارتفاعه بنسخة في هذه الشريعة لعموم أدلة الاستصحاب

______________________________________________________

أن فعلية الحرمة بعد تحقق الغليان خارجا ليس من اللوازم الشرعية للحلية المغيّاة والحرمة المعلقة بل من اللوازم العقلية فترتبها يتوقف على القول بالأصل المثبت «وحاصل» الدفع : أن الفعلية المذكورة وإن كانت من اللوازم العقلية إلا أنها لا تختص بالواقع حتى يتوقف إثباتها على الأصل المثبت ، بل تلزم ما هو أعم من الواقع والظاهر فتترتب على الحرمة المعلقة سواء كانت ثابتة بالأمارة التي يكون المثبت منها حجة أم بالأصل الّذي لا يكون كذلك. وسيأتي إن شاء الله تعالى في الأصل المثبت الإشارة إلى ذلك فانتظر

(التنبيه السادس)

(١) (قوله : وارتفاعه بنسخة) اعلم أن الشك في بقاء حكم الشريعة السابقة «تارة» يكون لمحض الشك في نسخه بحيث لو لا احتمال النسخ كان دليله وافيا بثبوته حتى في حق من يوجد بعد حدوث الشريعة اللاحقة بان يكون دالا على ثبوت الحكم لجميع المكلفين في جميع الأزمان «وأخرى» للشك في انتهاء أمده لعدم دلالة دليله على تمام حدوده وقيوده وهو على قسمين «الأول» أن يدل دليله على ثبوته لجميع أفراد المكلفين بلا دلالة له على العموم الأزماني بل يكون مهملا من حيث الزمان فيكون على نحو القضية الحقيقية المطلقة دالا على ثبوته لجميع الافراد الموجودة فيما بين الشريعتين من الزمان ولجميع الافراد الموجودة بعد الشريعة اللاحقة على تقدير وجودهم قبلها (الثاني) أن يدل بنحو القضية الحقيقية المهملة على ثبوته لجميع الافراد الموجودة فيما بين الشريعتين بلا دلالة له على ثبوته للافراد

__________________

الفعليين بعده متحد مع الشك في بقاء حرمته وحليته المعلقة وأن قضية الاستصحاب حرمته فعلا وانتفاء حليته بعد غليانه فان حرمته كذلك وإن كان لازما عقلا لحرمته المعلقة المستصحبة إلا أنه لازم لها كان ثبوتها بخصوص خطاب أو عموم دليل الاستصحاب فافهم منه. قدس‌سره

٤٧٣

الموجودة بعد الشريعة اللاحقة على تقدير وجودهم قبلها (فان كان) الشك على النحو الأول وجب البناء على بقائه لا للاستصحاب بل لأصالة الجهة (وتوضيح) ذلك : ان النسخ على قسمين حقيقي وصوري (فالأوّل) كأن يعتقد المولى وجود مصلحة في الفعل فيوجبه على المكلف ثم ينكشف له الخطأ فيرفع وجوبه فهو نسخ للحكم بجميع مبادئه (والثاني) كأن يحكم على خلاف المصلحة الموجودة في الموضوع لمصلحة في نفس الحكم اقتضت جعله في وقت معين فإذا انقضى الوقت حكم على خلاف الحكم الأول مراعاة للمصلحة الموجودة في الموضوع واقعا ولا بد ان يكون الحكم الثاني قبل حضور وقت العمل فلا تبدل لمبادئ الحكم بل التبدل لنفس الحكم لا غير ، والشك في النسخ بالمعنى الأول ـ أعني النسخ الحقيقي ـ لا مرجع فيه إلا الاستصحاب (أما الشك) فيه بالمعنى الثاني الّذي هو النسخ الصوري فالمرجع فيه ظهور دليله في كونه حكما حقيقيا ناشئا عن مصلحة فيه. وهذا الظهور هو المعبر عنه في لسان بعضهم بأصالة الجهة التي تكون مرجعا في نفي احتمال كون الحكم صادراً عن تقية أو نحوها من الدواعي غير الراجعة إلى مصلحة في نفس الفعل. هذا ومن المعلوم أن النسخ في جميع الشرائع المقدسة لا يكون إلا من الثاني لاستحالة البداء على الشارع الأقدس كما تقدم في مبحث العام والخاصّ فلا يكون المرجع إلا أصالة الجهة المذكورة (فان قلت) : قد لا يكون الحكم مما تضمنه دليل كي يرجع في نفي احتمال نسخه إلى ظهوره بل يكون المثبت له هو العلم (قلت) : إذا كان الحكم معلوما على النحو المذكور في القسم الأول الّذي هو مفروض الكلام امتنع الشك في نسخه وإلا انقلب العلم جهلا كما لا يخفى (وان كان) الشك فيه على النحو الثاني فليس شكا في النسخ بل شك في أمد الحكم المجعول والمرجع فيه الاستصحاب التعليقي بناء على صحته فيجري بالنسبة إلى كل واحد من الموجودين بعد الشريعة اللاحقة فيقال : هذا المكلف كان بحيث لو وجد لوجب عليه كذا فهو إلى الآن على ما كان فلو وجد الآن لوجب عليه كذا (فان قلت) : المعلوم سابقا هو أنه لو وجد قبل الشريعة اللاحقة لوجب عليه كذا لا مطلقا (قلت) : هذا

٤٧٤

وفساد توهم اختلال أركانه فيما كان المتيقن من أحكام الشريعة السابقة لا محالة ، إما لعدم اليقين بثبوتها في حقهم وان علم بثبوتها سابقا في حق آخرين فلا شك في بقائها أيضا بل في ثبوت مثلها كما لا يخفى ، وإما لليقين بارتفاعها بنسخ الشريعة السابقة بهذه الشريعة فلا شك في بقائها حينئذ ولو سلم اليقين بثبوتها في حقهم وذلك لأن الحكم الثابت في الشريعة السابقة حيث كان ثابتا لافراد المكلف كانت محققة وجوداً

______________________________________________________

ينتقض بجميع موارد الاستصحاب التعليقي فان المتيقن من حال الزبيب انه لو غلى حال كونه عنبا نجس لا مطلقا «وحله» : ان خصوصية الزمان من الخصوصيات التي لا يتعدد الموضوع بتبدلها «وان كان» الشك على النحو الثالث امتنع الاستصحاب التعليقي لعدم صدق القضية التعليقية في حق من يوجد بعد الشريعة اللاحقة لما عرفت من قصور دليله عن إثباتها في حقه ويستشكل في الاستصحاب التنجيزي لتعدد الموضوع عرفا كما سيشير إليه المصنف [ره] (وربما) يدفع بما تقدم في استصحاب التدريجي من صحة استصحاب القراءة والأكل مع تعدد المقروء والمأكول (وفيه) وضوح الفرق فان تعدد المأكول أو المقروء لا يوجب تعدد الأكل والقراءة ولا يخرجان بذلك عن كونهما متصلا واحداً بخلاف تعدد المكلف كتعدد المكلف به فانه يوجب تعدد التكليف. فراجع ما تقدم في ذيل استصحاب الكلي تعرف ان الاستصحاب في المقام من قبيل القسم الثالث (١) (قوله : وفساد توهم) معطوف على عموم (٢) (قوله : فيما كان) يعني فيما إذا كان (٣) (قوله : لا محالة) قيد للاختلال (٤) (قوله : اما لعدم) وجه لتوهم الاختلال وحاصله ما تقدم من تعدد الموضوع (٥) (قوله : فلا شك) لأن البقاء فرع الحدوث فالشك فيه فرع العلم بالحدوث وهو غير حاصل (٦) (قوله : واما لليقين) وجه آخر للتوهم (٧) (قوله : بنسخ) متعلق بارتفاعها (٨) (قوله : بهذه) متعلق بنسخ (٩) (قوله : وذلك لأن الحكم) بيان لبطلان الوجه الأول من وجهي

٤٧٥

أو مقدرة كما هو قضية القضايا المتعارفة المتداولة وهي قضايا حقيقية لا خصوص الافراد الخارجية كما هو قضية القضايا الخارجية وإلا لما صح الاستصحاب في الأحكام الثابتة في هذه الشريعة ولا النسخ بالنسبة إلى غير الموجود في زمان ثبوتها كان الحكم في الشريعة السابقة ثابتا لعامة أفراد المكلف ممن وجد أو يوجد وكان [١] الشك فيه كالشك في بقاء الحكم الثابت في هذه الشريعة لغير من وجد في زمان ثبوته والشريعة السابقة وان كانت منسوخة بهذه الشريعة يقينا إلا

______________________________________________________

التوهم (١) (قوله : أو مقدرة كما هو) وعليه فالشك في الحكم من النحو الثاني الّذي عرفت الرجوع فيه إلى الاستصحاب التقديري ولو كان مراده النحو الأول فالمرجع فيه ظهور الدليل كما عرفت (٢) (قوله : وهي قضايا حقيقية) القضية الحقيقية في الاصطلاح ما يكون الحكم فيها على افراد موضوعها الموجودة والمقدرة كما أشار إليه بخلاف القضية الخارجية فان الحكم فيها يختص بالافراد الموجودة حال الحكم (٣) (قوله : وإلا لما صح) يعني وان لم تكن القضايا حقيقية بل كانت خارجية امتنع الاستصحاب في أحكام هذه الشريعة لتعدد الموضوع فالبناء على الاستصحاب في الشك في نسخ هذه الشريعة يدل على ان قضايا الأحكام حقيقية مطلقا حتى في أحكام الشريعة السابقة فتأمل [٢] (٤) (قوله : بالنسبة) متعلق بالنسخ وبالاستصحاب معا (٥) (قوله : كان الحكم في) جواب قوله : حيث كان ، وقوله : وكان الشك ، معطوف عليه (٦) (قوله : في زمان) متعلق بوجد (٧) (قوله : والشريعة السابقة) بيان لبطلان الوجه الثاني من وجهي التوهم.

__________________

[١] في كفاية اليقين بثبوته بحيث لو كان باقيا ولم ينسخ لعمه ، ضرورة صدق أنه على يقين منه فشك فيه بذلك ولزوم اليقين بثبوته في حقه سابقا بلا ملزم ، وبالجملة قضية دليل الاستصحاب جريانه لإثبات حكم السابق للاحق وإسرائه إليه فيما كان يعمه ويشمله لو لا طروء حالة معها يحتمل نسخه ورفعه وكان دليله قاصرا عن شمولها من دون لزوم كونه ثابتا له قبل طروئها أصلا كما لا يخفى. منه قدس‌سره

[٢] وجهه ان هذه الشريعة مما لا يحتمل نسخها بأي معنى حتى يرجع في نفيه إلى الاستصحاب أو غيره فلاحظ. منه مد ظله

٤٧٦

أنه لا يوجب اليقين بارتفاع أحكامها بتمامها ، ضرورة أن قضية نسخ الشريعة ليس ارتفاعها كذلك بل عدم بقائها بتمامها ، والعلم إجمالا بارتفاع بعضها أنما يمنع عن استصحاب ما شك في بقائه منها فيما إذا كان من أطراف ما علم ارتفاعه إجمالا لا فيما إذا لم يكن من أطرافه كما إذا علم بمقداره تفصيلا أو في موارد ليس المشكوك منها وقد علم بارتفاع ما في موارد الأحكام الثابتة في هذه الشريعة «ثم» لا يخفى أنه يمكن إرجاع ما أفاده شيخنا العلامة ـ أعلى الله في الجنان مقامه ـ في الذب عن إشكال تغاير الموضوع في هذا الاستصحاب من الوجه الثاني إلى ما ذكرنا لا ما يوهمه ظاهر كلامه

______________________________________________________

وحاصله : أن المراد من كون هذه الشريعة ناسخة لما قبلها أنها ناسخة لبعض أحكام الشريعة السابقة لا جميعها (١) (قوله : والعلم إجمالا) يعني انها إذا كانت ناسخة لبعض الشريعة السابقة فذلك البعض غير معين فيحصل علم إجمالي بالنسخ وهو مانع عن جريان الاستصحاب في كل مشكوك من تلك الأحكام السابقة ، لكنه لا يمنع مطلقا بل بشرط أن لا ينحل إلى العلم التفصيليّ ، وأن يكون مورد الاستصحاب من أطراف العلم ، وهذا العلم المذكور لا ريب في انحلاله للعلم التفصيليّ بنسخ جميع الأحكام التي ثبت في هذه الشريعة خلافها ، ومورد الاستصحاب ليس من موارد العلم التفصيليّ فلا مانع عن الاستصحاب فيه (٢) (قوله : فيما إذا كان) متعلق بمنع (٣) (قوله : كما إذا علم) تمثيل لما لم يكن من أطراف العلم يعني كما إذا علم النسخ بمقدار ، يساوي المعلوم بالإجمال (٤) (قوله : أو في موارد) معطوف على بمقدار ، يعني أو علم النسخ إجمالا في موارد ... إلخ (٥) (قوله : وقد علم) يعني تفصيلا فلا يصلح العلم الإجمالي للمنع عن الاستصحاب (٦) (قوله : من الوجه الثاني) بيان لما أفاده وعبارته في الوجه الثاني هكذا : ان المستصحب هو الحكم الكلي الثابت للجماعة على وجه لا مدخل لأشخاصهم فيه غاية الأمر احتمال مدخلية بعض أوصافهم المعتبرة في موضوع الحكم ، ومثل هذا لو أثر في الاستصحاب لقدح في أكثر الاستصحابات ، وحملها على ما ذكر المصنف «ره» غير بعيد

٤٧٧

من أن الحكم ثابت للكلي ، كما أن الملكية له في مثل باب الزكاة والوقف العام حيث لا مدخل للأشخاص فيها ، ضرورة أن التكليف والبعث أو الزجر لا يكاد يتعلق به كذلك بل لا بد من تعلقه بالأشخاص وكذلك الثواب أو العقاب المترتب على الطاعة أو المعصية ، وكأن غرضه من عدم دخل الأشخاص عدم دخل أشخاص خاصة. فافهم. وأما ما أفاده من الوجه الأول فهو وإن كان وجيهاً بالنسبة إلى جريان الاستصحاب في حق خصوص المدرك للشريعتين إلا أنه غير مجدد في حق غيره من المعدومين ولا يكاد يتم الحكم فيهم بضرورة اشتراك أهل الشريعة الواحدة أيضا ، ضرورة أن قضية الاشتراك ليس إلا أن الاستصحاب حكم كل من كان على يقين فشك لا أنه حكم الكل ولو من لم يكن كذلك بلا شك وهذا واضح

______________________________________________________

(١) (قوله : من ان الحكم ثابت للكلي) على هذا حملها المصنف «ره» في حاشيته (٢) (قوله : عدم دخل اشخاص) يعني عدم دخل خصوص الأشخاص الموجودين بل كان ثابتا للمعدومين أيضاً على تقدير وجودهم في زمان الحكم كما هو شأن الأحكام القانونية (٣) (قوله : من الوجه الأول) هو ما ذكر بقوله : انا نفرض الشخص الواحد مدركا للشريعتين فإذا حرم في حقه شيء سابقا وشك في بقاء الحرمة في الشريعة اللاحقة فلا مانع من الاستصحاب أصلا (٤) (قوله : ضرورة أن قضية) يعني لو سلم الإجماع على اشتراك أهل الشريعة الواحدة في الأحكام الواقعية والظاهرية جميعاً فذلك انما هو مع اتحاد الموضوع ، فكما أن استصحاب من أدرك الشريعتين يتوقف على كونه متيقناً بثبوت الحكم له شاكا في بقائه له فكذا استصحاب من لم يدرك الشريعتين. نعم لو كان الاستصحاب المثبت حجة كان الاستصحاب الجاري في حق الأول مثبتاً له في حق الثاني للاشتراك بينهما في ثبوت الحكم الواقعي لهما.

٤٧٨

(السابع) لا شبهة في أن قضية أخبار الباب هو إنشاء حكم مماثل للمستصحب في استصحاب الأحكام ولأحكامه في استصحاب الموضوعات كما لا شبهة في ترتيب ما للحكم المنشأ بالاستصحاب من الآثار الشرعية والعقلية

______________________________________________________

(التنبيه السابع)

(١) (قوله : السابع لا شبهة في أن) هذا التنبيه معقود للبحث عن حجية الأصل المثبت (٢) (قوله : في استصحاب الأحكام) مثل ما لو وجب الجلوس في المسجد في ساعة معينة من النهار وشك في وجوب الجلوس بعدها فان مفاد لا تنقض اليقين بالشك وجوب الجلوس أيضا مثل الوجوب السابق المتيقن (٣) (قوله : في استصحاب الموضوعات) كما لو علم بعدالة زيد في زمان وشك فيها في زمان بعده فان معنى لا تنقض ... إلخ جعل مثل أحكام العدالة في حال الشك فيجوز الائتمام به وقبول شهادته ، واما جعل أحكام العدالة حقيقة فلا يعقل لأن موضوعها نفس العدالة الواقعية لا العدالة المشكوكة ، وكون الحكم الطريقي عين الحكم الواقعي على تقدير المصادفة لا يخلو من تساهل وتسامح ، وربما تقدم بيانه في الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية. فراجع. ولأجل ما ذكرنا كانت دلالة الدليل على الاستصحاب في الموضوعات والأحكام بجامع واحد ظاهرة ، حيث ان إطلاق اليقين للموضوعات والأحكام محكم ويكون جعل المتيقن بمعنى جعله تعبداً لا حقيقة ، غاية الأمر أن جعل الحكم الواقعي تعبداً في حال الشك يترتب عليه العمل عقلا بلا حاجة إلى شيء وجعل الموضوع تعبداً في ظرف الشك إنما يترتب عليه العمل بواسطة جعل حكمه الواقعي تعبداً (٤) (قوله : كما لا شبهة في ترتيب) يعني إذا ثبت الحكم الواقعي تعبداً بالاستصحاب الجاري في الحكم أو الموضوع فكل أثر لذلك الحكم يترتب حينئذ سواء كان الأثر شرعياً مترتباً على خصوص الحكم الواقعي أو على الأعم منه ومن الحكم الظاهري أم كان عقلياً مترتباً على الأعم من الواقعي والظاهري

٤٧٩

وإنما الإشكال في ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة غير شرعية عادية كانت أو عقلية ومنشؤه أن مفاد الأخبار

______________________________________________________

دون ما لو كان مترتباً على خصوص الحكم الواقعي. أما الأول فلثبوت موضوعه تعبداً المقتضي ثبوته كذلك. واما الثاني والثالث فلثبوت الموضوع وجدانا المقتضي لثبوته كذلك. واما الرابع فلعدم إحراز موضوعه. ومن هنا يظهر أنه لو كان للمستصحب آثار شرعية طولية ترتبت على استصحابه فالاستصحاب الجاري في الموضوع لما كان بعناية أنه الموضوع الواقعي ترتب عليه أثر الواقعي ظاهراً فيترتب على اثره الواقعي ظاهراً أيضا ويترتب على أثر اثره الواقعي ظاهراً أيضا ... وهكذا ، فهذه الآثار الطولية تترتب باستصحاب نفس موضوع الأثر الأول فتكون مجعولة بدليل الاستصحاب على الترتيب المطابق لترتبها واقعاً وليست مجعولة في عرض واحد ـ كما ربما يتوهم ـ لامتناع جعل اللاحق ظاهراً بلا جعل موضوعه السابق وإلا كان حكما في قبال الحكم الواقعي (١) (قوله : المترتبة على المستصحب) الظاهر عموم الإشكال للآثار الشرعية الثابتة لما يلازم المستصحب بل وملزومه أيضا ولا يختص بما كان من آثار المستصحب ولوازمه (٢) (قوله : ومنشؤه أن مفاد الاخبار) الضمير راجع إلى الإشكال (وتوضيح) المراد : أن دليل الاستصحاب يحتمل بدواً معاني يختلف مقتضاها من حيث حجية الأصل المثبت وعدمها (الأول) التعبد بالمستصحب بلحاظ أثره بلا واسطة لا غير مثل التعبد بالطهارة المشكوكة بلحاظ جواز مس كتابة القرآن (الثاني) التعبد به بلحاظ أثره ولو بواسطة مثل التعبد بوجود النار بلحاظ أثر إحراق حطب الغير ليترتب عليه ضمانه «الثالث» التعبد به وبأثره غير الشرعي ليترتب الأثر الشرعي لأثره فيكون معنى : لا تنقض اليقين بوجود النار ، هو التعبد بها وبالاحتراق معاً فيترتب الأثر الشرعي للاحتراق كما يترتب الأثر الشرعي للنار ، فان حمل الدليل على المعنى الأول لم يترتب على المستصحب أثر الواسطة بالاستصحاب لأنه ليس

٤٨٠