حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

ومن هنا قد انقدح انه لا يكون من قِبَل لزوم الالتزام مانع عن إجراء الأصول الحكمية أو الموضوعية في أطراف العلم لو كانت جارية مع قطع النّظر عنه كما لا يدفع بها محذور عدم الالتزام به ، إلا ان يقال : إن استقلال العقل بالمحذور فيه انما يكون فيما إذا لم يكن هناك ترخيص في الإقدام والاقتحام في الأطراف ومعه لا محذور فيه بل ولا في الالتزام بحكم آخر ، إلا أن الشأن حينئذ في جواز جريان الأصول [١] في أطراف العلم الإجمالي

______________________________________________________

ان يقال : ان التكليف وان لم يقتض الالتزام بضده أصلا إلا أنه لما وجب عند العقل الالتزام بالتكليف ولم يمكن الالتزام به علما وجب الالتزام به احتمالا كما هو القاعدة في كل مورد تعذرت فيه الموافقة القطعية فان العقل يحكم بلزوم الموافقة الاحتمالية حينئذ (١) (قوله : ومن هنا قد انقدح) يعني ان مما ذكرنا من ان وجوب الالتزام لو قيل به لا يقتضي الالتزام بواحد بخصوصه فيما لو دار الأمر بين الوجوب والحرمة ، يظهر انه لا مانع من جريان الأصول الحكمية والموضوعية في أطراف العلم لو كانت في نفسها جارية فانه يقال أيضاً العلم الإجمالي مانع عن وجوب الالتزام في واحد من الأطراف بخصوصه وإذ لا يجب الالتزام بمحتمل الواقع بخصوصه يجري الأصل لو لم يكن له مانع غير وجوب الالتزام (٢) (قوله : كما لا يدفع بها محذور) الضمير في (يدفع) راجع إلى إجراء الأصول ، يعني لو فرض ان العقل حاكم بوجوب الالتزام بمحتمل التكليف كان ذلك مانعا عن إجراء الأصول في الأطراف ، ولا يتوهم ان إجراء الأصول في الأطراف رافع لحكم العقل بوجوب. الالتزام لأنه يلزم منه الدور ، لأن جريان الأصول يتوقف على عدم حكم العقل بوجوب

__________________

[١] والتحقيق جريانها لعدم اعتبار شيء في ذلك عدا قابلية المورد للحكم إثباتاً ونفيا فالأصل الحكمي يثبت له الحكم تارة كأصالة الصحة وينفيه أخرى كاستصحاب الحرمة والوجوب فيما دار بينهما فتأمل جيداً منه قدس‌سره

٤١

مع عدم ترتب أثر عملي عليها مع أنها أحكام عملية كسائر الأحكام الفرعية

______________________________________________________

الالتزام إذ لو كان حكم العقل المذكور ثابتاً يقطع حينئذ بمخالفة ظاهر أدلة الأصول للواقع فلا يكون حجة فلو توقف عدم حكم العقل المذكور على جريان الأصول لزم الدور ، وهكذا الحال في كل دليل على حكم شرعي يخالف حكم العقل فان حكم العقل مسقط لذلك الدليل ومانع عن حجيته فلا يمكن أن يكون ذلك رافعا له كما هو ظاهر هذا كله لو كان حكم العقل بوجوب الالتزام على تقدير ثبوته تنجيزيا أما لو كان تعليقيا بمعنى أن حكمه بوجوب الالتزام بمحتمل الواقع بخصوصه معلق على عدم جعل الشارع للحكم الظاهري مثلا فلا ريب ان أدلة الأصول لما كانت مثبتة للحكم الظاهري أو نحوه كانت رافعة لحكم العقل المذكور إذ لو لم يرتفع لم يكن تعليقيا وهو خلف وهذا هو المراد بقوله : إلّا أن يقال ان استقلال ... إلخ (هذا) ولكن يمكن أن يقال : ان وجوب الالتزام بمحتمل التكليف بخصوصه لو كان تنجيزيا لم يصلح للمنع عن جريان الأصول أيضا لأن الحكم الّذي يقتضيه الأصل حكم شرعي نظير الحكم الواقعي في كونه موضوعا لحكم العقل بوجوب الالتزام ولا يختص حكمه المذكور بالاحكام الواقعية فانه بلا مخصِّص ، وحينئذ فإذا كان عموم الأصل جاريا في مورد إجمال الحكم يكون أيضا مما يجب الالتزام به ، وإذا كان وجوب الالتزام بالواقع مانعاً عن عموم الأصل كان وجوب الالتزام بحكم الأصل مانعا عن عموم دليل الواقع للمورد ، وحينئذ يقع التمانع من الطرفين ولا مرجح لأحدهما على الآخر (وفيه) أن وجوب الالتزام بحكم الأصل لا يصلح للمنع عن عموم دليل الواقع لأن وجوب الالتزام فرع حكم الأصل وحكم الأصل فرع الشك في الواقع فلو كان الوجوب المذكور رافعا للواقع ارتفع الشك به فيرتفع الوجوب وكل ما يلزم من وجوده عدمه محال ، لكن هذا التمانع مع الغض عما ذكرنا من إمكان الالتزام بالحكمين ولو بنينا عليه جرت أدلة الأصول ووجب الالتزام بمحتمل الواقع على انه حكم واقعي وبمضمون الأصل على انه حكم ظاهري ولا تمانع بينهما بوجه (١) (قوله : مع عدم ترتب أثر عملي) لا ينبغي التأمل

٤٢

ـ مضافا إلى عدم شمول أدلتها لأطرافه للزوم التناقض في مدلولها على تقدير شمولها كما ادعاه شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ وإن كان محل تأمل ونظر فتدبر جيداً (الأمر السادس)

______________________________________________________

في اعتبار ترتب الأثر العملي في جريان الأصول لأنها وظائف عملية لكن لا يعتبر في الأثر العملي أن يكون بلا واسطة فقد يكون بلا واسطة كما قد يكون بالواسطة فإذا ترتب أثر عملي على ما ليس بواجب أمكن جريان أصالة عدم الوجوب في مورد الدوران بين الوجوب والحرمة ، وكذا يجري أصالة عدم الحرمة لو كان الأثر العملي مترتباً على ما ليس بحرام ، وكذا يجري أصالة الحل لو فرض عموم دليلها للمورد المذكور ولو رفع احتمال وجوب الترك يقينا أو وجوب الفعل يقينا لكنه مبني على أن حكم العقل في المورد المذكور بالتخيير تعليقيا على عدم الوظيفة الشرعية وإلّا كان الحكم العقلي المذكور كافياً في رفع احتمال تعين أحد الأمرين ويكون إجراء أصالة الحل بلحاظ الأثر المذكور لغواً. نعم لو فرض ثبوت الأثر لما هو الحلال مثل لبس جلده في الصلاة كان الأثر المذكور كافيا في إجراء أصالة الحل لأنه أثر عملي ولو بالواسطة ، ولعل هذا هو المراد للمصنف ـ رحمه‌الله ـ من حاشية له في المقام وان كان خلاف الظاهر فتأمل (١) (قوله : مضافا إلى عدم شمول) هذا مانع آخر عن جريان الأصول في أطراف العلم ذكره شيخنا الأعظم (ره) في آخر الاستصحاب من رسائله وحاصله : أن أدلة الاستصحاب لا تشمل أطراف العلم الإجمالي لأنه يلزم من شمولها التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله فان قوله عليه‌السلام : لا تنقض اليقين بالشك ، وان كان يشمل الشك المسبوق باليقين في كل واحد من الأطراف ، ولازمه جريان الاستصحاب في كل واحد من الأطراف ، إلّا أن قوله عليه‌السلام في ذيل تلك الرواية : ولكن تنقضه بيقين آخر ، شامل للمتيقن بالإجمال ولازمه وجوب العمل على اليقين الإجمالي ، ومن المعلوم أن العمل على اليقين الإجمالي يضاد العمل على الشك في كل

٤٣

لا تفاوت في نظر العقل أصلا فيما يترتب على القطع من الآثار عقلا بين أن يكون حاصلا بنحو متعارف ومن سبب ينبغي حصوله منه أو غير متعارف لا ينبغي حصوله منه

______________________________________________________

واحد من الأطراف ، فلا يمكن الأخذ بالصدر والذيل معاً ، وحيث لا مرجح يحكم بسقوطهما معاً فلا يجري الأصل في أطراف العلم ، وهذا الإشكال وان كان يطرد في جميع صور العلم الإجمالي لكن ذكره الشيخ (ره) في خصوص ما لو كان العلم الإجمالي منجِّزاً عقلا لمتعلقه ، وحكى بعض تلامذته من المحققين أن الوجه في هذا التخصيص ما صرح به في مجلس درسه الشريف من ظهور اليقين في الذيل في خصوص اليقين المنجز دون غيره ، وعليه فلا مجال للإشكال في صورة الدوران بين الوجوب والحرمة كما هو محل الكلام فتأمل ، وسيجيء التعرض من المصنف ـ رحمه‌الله ـ لهذا الإشكال في محل آخر ونتعرض هناك إن شاء الله تعالى لما ينبغي له وعليه فانتظر (١) (قوله : لا تفاوت في نظر العقل) لا ريب في ان إطلاق موضوع كل حكم وتقييده من حيث الافراد أو الأحوال أو الأزمان أو غيرها تابع لنظر جاعل الحكم ، فإطلاق موضوع الحكم العقلي وتقييده تابع لنظر العقل ، كما أن إطلاق موضوع حكم الشارع الأقدس تابع لنظر الشارع ، وإطلاق موضوع الحكم العرفي تابع لنظر العرف ... إلى غير ذلك ، وحيث أن القطع الطريقي موضوع لحكم العقل بالمنجزية ووجوب الموافقة فإطلاقه وتقييده تابعان لنظر العقل ، وحيث انه لا فرق في نظر العقل في ترتب الآثار المذكورة بين أفراد القطع ولا بين أحواله كان الواجب الحكم بحجية القطع مطلقا من غير فرق بين قطع القطاع وغيره ولا بين القطع الحاصل من المقدمات العقلية وغيره ، إلى غير ذلك من شئون الإطلاق ، وحيث أن القطع الموضوعي موضوع للحكم الشرعي جاز إطلاقه وتقييده كل ذلك بنظر الشارع ، ولا بد في معرفة ذلك من الرجوع إلى دليل ذلك الحكم فان اقتضى ثبوته لمطلق القطع حكم بموضوعيته مطلقا وان اقتضى ثبوته لبعض أفراده اقتصر عليه كما هو الحال في سائر الموضوعات الشرعية مثل

٤٤

ـ كما هو الحال غالباً في القطاع ـ ضرورة أن العقل يرى تنجز التكليف بالقطع الحاصل مما لا ينبغي حصوله وصحة مؤاخذة قاطعه على مخالفته وعدم صحة الاعتذار عنها بأنه حصل كذلك وعدم صحة المؤاخذة مع القطع بخلافه وعدم حسن الاحتجاج عليه بذلك ولو مع التفاته إلى كيفية حصوله. نعم ربما يتفاوت الحال في القطع المأخوذ في الموضوع شرعاً والمتبع في عمومه وخصوصه دلالة دليله في كل مورد فربما يدل على اختصاصه بقسم في مورد وعدم اختصاصه به في آخر على اختلاف الأدلة واختلاف المقامات بحسب مناسبات الأحكام والموضوعات وغيرها من الأمارات ، (وبالجملة) : القطع فيما كان موضوعاً عقلا لا يكاد يتفاوت من حيث القاطع ولا من حيث المورد ولا من حيث السبب لا عقلا وهو واضح ولا شرعاً لما عرفت من انه لا تناله يد الجعل نفياً ولا إثباتاً وان نسب إلى بعض الأخباريين انه لا اعتبار بما إذا كان بمقدمات عقلية إلّا أن مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة بل يشهد بكذبها وأنها إنما تكون إما في مقام منع الملازمة بين حكم العقل بوجوب شيء وحكم الشرع بوجوبه كما ينادي به بأعلى صوته ما حكي عن السيد الصدر في باب

______________________________________________________

الخمر والتمر والصدق والكذب فلاحظ (١) (قوله : كما هو الحال) مثال لما يحصل من سبب غير متعارف (٢) (قوله : ضرورة أن العقل) تعليل لعدم التفاوت الّذي ذكره (٣) (قوله : وصحة مؤاخذة) معطوف على : تنجز التكليف (٤) (قوله : عنها) الضمير راجع إلى المخالفة (٥) (قوله : كذلك) يعني حصل من سبب غير متعارف والمعنى انه لا يصح ان يعتذر العبد عن مخالفة القطع بان قطعه حصل من سبب غير متعارف (٦) (قوله : وعدم صحة) هذا بيان لترتب الأثر الآخر للقطع الطريقي وهو كونه عذراً في مخالفة الواقع (٧) (قوله : بخلافه) يعني خلاف التكليف (٨) (قوله : وعدم حسن) معطوف على صحة المؤاخذة والمراد انه لا يحسن ان يحتج على القاطع العامل على طبق قطعه بان قطعك حاصل من الأسباب غير المتعارفة فلم عملت على طبقه؟ (٩) (قوله : مع التفاته) الضمير راجع

٤٥

الملازمة فراجع ، وإما في مقام عدم جواز الاعتماد على المقدمات العقلية لأنها لا تفيد إلّا الظن كما هو صريح الشيخ المحدث الأمين الأسترآبادي ـ رحمه‌الله ـ حيث قال في جملة ما استدل به في فوائده على انحصار مدرك ما ليس من ضروريات الدين في السماع عن الصادقين عليهما‌السلام : «الرابع» أن كل مسلك غير ذلك المسلك ـ يعني التمسك بكلامهم عليهم الصلاة والسلام ـ إنما يعتبر من حيث افادته الظن بحكم الله تعالى وقد أثبتنا سابقا انه لا اعتماد على الظن المتعلق بنفس أحكامه تعالى أو بنفيها وقال في جملتها أيضا ـ بعد ذكر ما تفطن بزعمه من الدقيقة ـ ما هذا لفظه : وإذا عرفت ما مهدناه من الدقيقة الشريفة فنقول : إن تمسكنا بكلامهم ـ عليهم‌السلام ـ فقد عُصمنا من الخطأ وإن تمسكنا بغيره لم نُعصم عنه ، ومن المعلوم أن العصمة عن الخطأ أمر مطلوب مرغوب فيه شرعاً وعقلا ألا ترى أن الإمامية استدلوا على وجوب العصمة بأنه لو لا العصمة للزم أمره تعالى عباده باتباع الخطأ وذلك الأمر محال لأنه قبيح ، وأنت إذا تأملت في هذا الدليل علمت أن مقتضاه أنه لا يجوز الاعتماد على الدليل الظني في أحكامه تعالى. انتهى موضع الحاجة من كلامه ، وما مهده من الدقيقة هو الّذي نقله شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ في الرسالة وقال في فهرست فصولها أيضا : الأول في إبطال جواز التمسك بالاستنباطات الظنية في نفس أحكامه تعالى شأنه ووجوب التوقف عند فقد القطع بحكم الله أو بحكم ورد عنهم ـ عليهم‌السلام ـ انتهى. وأنت ترى أن محل كلامه ومورد نقضه وإبرامه هو العقلي غير المفيد للقطع وإنما همه إثبات عدم جواز اتباع غير النقل فيما لا قطع. وكيف كان فلزوم اتباع القطع مطلقاً وصحة المؤاخذة على مخالفته عند اصابته وكذا ترتب ساير آثاره عليه عقلا مما لا يكاد يخفى على عاقل فضلا عن فاضل فلا بد فيما يوهم خلاف ذلك في الشريعة

______________________________________________________

إلى القاطع (١) (قوله : وقال في فهرست) يعني الأسترآبادي في فهرست فصول

٤٦

من المنع عن حصول العلم التفصيليّ بالحكم الفعلي (العقلي خ ل) لأجل منع بعض مقدماته الموجبة له ولو إجمالا فتدبر جيداً (الأمر السابع) أنه قد عرفت كون القطع التفصيليّ بالتكليف الفعلي علة تامة لتنجزه لا يكاد تناله يد الجعل إثباتاً أو نفياً فهل القطع الإجمالي كذلك؟ فيه إشكال ربما يقال : ان التكليف

______________________________________________________

فوائده (١) (قوله : من المنع عن حصول) خبر لقوله : (لا بد) يعني ما ورد في الشريعة مما يوهم المنع عن القطع الطريقي لا بد أن يحمل على المنع من حصول العلم لمنع بعض المقدمات الموجبة له (٢) (قوله : ولو إجمالا) متعلق بمنع (٣) (قوله : فهل القطع الإجمالي) اعلم ان الكلام في القطع الإجمالي في مقامات ثلاثة (الأول) في أن له اقتضاء الحجية أو ليس له ذلك فيكون كالظن في حال الانفتاح لا يكون حجة إلّا بجعل جاعل (الثاني) انه بناء على الاقتضاء فهل هو بنحو العلية التامة بحيث يكون موجباً لحكم العقل باستحقاق العقاب على تقدير المخالفة وعدم استحقاقه على تقدير الموافقة حكما تنجيزيا غير موقوف على شيء من وجود شرط أو فقد مانع؟ أو انه بنحو صرف الاقتضاء فيكون موقوفا على عدم المانع عنه عقلا أو شرعا (الثالث) انه بناء على العلية التامة فهل هو علة لحكم العقل بوجوب الموافقة القطعية أو يكفي الموافقة الاحتمالية؟ وهذه المقامات كلها صارت مجال تأمل وإشكال (أما المقام الأول) فحكي الخلاف فيه عن المحقق القمي «ره» والمحقق الخوانساري والوجه في حكاية ذلك عبارتهما المحكية في رسائل شيخنا الأعظم «قده» في الشبهة الوجوبية لكن في استظهار ذلك منها تأمل ، ولعل المراد انه لا فعلية للحكم الكلي ما لم يعلم به تفصيلا لا انه ليس في العلم مقتضي الحجية إذ لا يظن التزامهما بذلك في أبواب الفقه بل صرح أولهما بلزوم الاحتياط في الشك في الشرطية ، وكيف كان فهذا القول على تقدير ثبوته في غاية الوهن (وأما المقام الثاني) فهو ما تعرض له المصنف (ره) هنا واختار فيه عدم العلية التامة ، وحاصل الوجه فيما اختار : أن العلم الإجمالي لما كان مقرونا بالشك دائماً وكان الشك موضوعا

٤٧

للأحكام الظاهرية كانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة فجاز حينئذ جعل الحكم الظاهري في كل واحد من أطرافه الموجب ذلك لجواز مخالفته ، مثلا إذا علم إجمالا بحرمة إناء مردد بين إناءين فكل واحد من الإناءين مشكوك الحرمة فيمكن أن يكون موضوعا لقاعدة الحل أعني قوله عليه‌السلام : كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام. «فان قلت» : ان الحل المجعول لكل واحد يناقض الحرمة المعلومة إجمالا «قلت» : هذه هي المناقضة بين كل حكم ظاهري مجعول في حق الشاك بالواقع وبين الواقع المشكوك ولا تختص بما نحن فيه فما تدفع به هذه المناقضة في الشبهات البدوية التي لا علم فيها أصلا وفي الشبهة غير المحصورة التي لا يجب الاحتياط فيها إجماعا تدفع به المناقضة في المقام. ثم انه «ره» ذكر في الحاشية ما محصله : إن دفع المناقضة بين الأحكام الظاهرية في مورد الأصول والأمارات وبين الأحكام الواقعية منحصر بعدم فعلية الأحكام الواقعية ضرورة تضاد الأحكام الواقعية الفعلية والأحكام الظاهرية على خلافها ، وحينئذ فمع القطع الإجمالي بالحكم الفعلي يمتنع الترخيص الشرعي على خلافه ، وحينئذ فيكون علة تامة لوجوب الموافقة إلّا إذا ارتفعت فعلية الحكم لعروض عسر أو نحوه مما يوجب ارتفاع فعلية التكليف فيجوز حينئذ الترخيص في مخالفته شرعا وعقلا لكن ذلك لخلل في المعلوم لا لقصور في العلم وإلّا فلو تعلق بالحكم التكليفي لا يكون مانع عن تأثيره شرعا. هذا محصل كلامه زيد في علو مقامه. ولكن لا يخفى ان البحث في حجية العلم الإجمالي وانه علة للتنجز أو مقتض كالبحث في علية العلم التفصيليّ لذلك يختص بصورة تعلقه بالحكم الفعلي كما أشار إلى ذلك في مبحث حجية العلم التفصيليّ غاية الأمر ان يكون المراد من الفعلية ما لا ينافيه الترخيص حال الجهل كما سيجيء الإشارة إليه منه (ره) ، وحينئذ فكون العلم علة تامة للتنجز لو كان متعلقا بالحكم الفعلي بالمعنى الّذي ينافيه الترخيص ليس مما هو محل الكلام وليس ذلك لخصوصية في العلم اقتضت ذلك وإلّا فاحتمال الفعلية أيضا مانع من الترخيص على خلافها لأنه جمع بين المتضادين احتمالا وهو ممتنع ، نعم

٤٨

يفترق العلم عن الجهل المتعلقين بالفعلي بالمعنى الأخير في ان الأول ليس عذرا في نظر العقل والثاني عذر في نظره وإلّا فهما من حيث المنع عن الترخيص الشرعي سواء ، ومن هنا يظهر أن ما ذكره في المتن من كونه مقتضيا للتنجز هو المختار له في محل الكلام في المقام لكنه ليس مطابقا لما هو الحق الحقيق بالقبول ، وما ذكره في وجهه من ان مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة لا يصلح سندا له ولا ينبغي ان يعول عليه فان كل واحد من أطراف المعلوم بالإجمال وان كان مشكوك الحكم وبذلك يصير موضوعا للحكم الظاهري لكن لا بد من توجيه النّظر إلى العلم الإجمالي وانه علة تامة لتنجيز متعلقه على إجماله أولا؟ فعلى الأول يمتنع الترخيص في أطرافه لأنه نظير الترخيص في مخالفة العلم التفصيليّ ، وعلى الثاني لا مانع منه (فنقول) : لا ينبغي التأمل في ان العلم الإجمالي ليس إلّا من سنخ العلم التفصيليّ موجبا لإراءة متعلقه وانكشافه انكشافا تاما لا قصور في ناحية انكشافه أصلا فان من علم انه يجب عليه إكرام زيد بن بكر الّذي لا يعرفه بعينه لا قصور في علمه بالإضافة إلى متعلقه أعني إكرام زيد بن بكر ومجرد تردده بين شخصين لا يوجب نقصا في علمه بالإضافة إلى متعلقه غاية الأمر ان علمه لم يحط بتمام الخصوصيات المانعة من التردد بين شخصين ، ومن المعلوم بشهادة الوجدان عدم دخل ذلك في المنع من منجزية العلم إذ لا ريب في انه بمجرد حصول ذلك العلم الإجمالي يتحرك العبد نحو موافقته بطبعه وعقله ويعد قول المولى : لا تكرم كل واحد من الشخصين : مناقضا لما علم بحيث يحكم إجمالا بان أحد الكلامين ليس مطابقا للواقع نظير ما تقدم في العلم التفصيليّ حرفا بحرف ، فلا فرق بين العلمين من هذه الجهة أصلا ، ومن هذا يظهر انه لا مجال للترخيص الظاهري في كل واحد من أطراف الشبهة لأنه راجع إلى الترخيص في المعصية الممتنع عقلا ، ومجرد كون كل واحد مشكوك الحكم لا يصححه بعد انطباق عنوان الترخيص في المعصية عليه الّذي لا ريب في قبحه ، والتأمل في طريقة العقلاء يوجب وضوح ما ذكرنا بما لا مزيد عليه فالمعول عليه حينئذ انه علة تامة للتنجز بحيث لا يتوقف على وجود شرط أو فقد

٤٩

حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة جاز الاذن من الشارع بمخالفته احتمالا بل قطعاً وليس مجذور مناقضته مع المقطوع إجمالا إلا محذور مناقضة الحكم الظاهري مع الواقعي في الشبهة غير المحصورة بل الشبهة البدوية ضرورة عدم تفاوت في المناقضة بين التكليف الواقعي والإذن في الاقتحام في مخالفته بين الشبهات فما به التفصي عن المحذور فيهما كان به التفصي عنه في القطع به في الأطراف المحصورة أيضا كما لا يخفى وقد أشرنا إليه سابقاً ويأتي إن شاء الله مفصلا

______________________________________________________

مانع أصلا وعدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة كان من جهة عدم فعلية التكليف لعدم الابتلاء أو للعجز أو نحوهما كما سيأتي بيانه إن شاء الله في محله ، فلاحظ وتأمل (١) (قوله : حيث لم ينكشف به تمام) لتردد المعلوم بين شيئين من جهة عدم تعلق العلم بتمام خصوصياته التي يكون العلم بها مانعا من التردد به ، لكن قد عرفت ان هذا المقدار لا يقدح في المنجزية وليس ذلك عند العقلاء الا كما لو لم تُعلم الخصوصيات الزائدة على تعينه كما لو علم بوجوب إكرام الشخص الحاضر عنده مع عدم علمه بأنه فقير أو غني عالم أو جاهل هاشمي أو غير هاشمي ... إلى غير ذلك من العناوين التي يتردد بينها الشخص ، وكما ان مثل هذا التردد بين هذه العناوين لا يقدح في منجزية العلم بالتكليف فليكن في المقام كذلك ، واما الفرق بين المقامين بما ذكر من محفوظية مرتبة الحكم الظاهري من جهة ان التردد بين شيئين موجب لكون كل واحد منهما مشكوك الحكم دون مورد النقض فقد عرفت الجواب عنه سابقا بان مجرد ذلك لا يصحح الترخيص بعد ما كان العلم مانعا من الترخيص في مخالفة نفس المعلوم بالإجمال لأن الترخيص في كل واحد منهما ترخيص في مخالفة المعلوم بالإجمال المؤدي إلى التناقض كما في العلم التفصيليّ وهذا غير المناقضة الحاصلة في الشبهة البدوية أو غير المحصورة لأن الترخيص فيهما ترخيص في المجهول لا المعلوم وهنا ترخيص في المعلوم ، فالفرق بينهما ظاهر ومنه يظهر لك ما في قوله : وكانت

٥٠

نعم كان العلم الإجمالي كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء لا في العلية [١] التامة فيوجب تنجز التكليف أيضا لو لم يمنع عنه مانع عقلا كما كان في أطراف كثيرة غير محصورة أو شرعا كما في ما اذن الشارع في الاقتحام فيها كما هو ظاهر : «كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه» وبالجملة قضية صحة المؤاخذة على مخالفته مع القطع به بين أطراف محصورة وعدم صحتها مع عدم حصرها أو مع الاذن في الاقتحام فيها هو كون القطع الإجمالي مقتضياً للتنجز لا علة تامة

______________________________________________________

مرتبة الحكم ، كما يظهر ما في قوله : وليس محذور مناقضة ... إلخ (١) (قوله : نعم كان العلم الإجمالي) هذا تعرض للمقام الأول من المقامات الثلاثة (٢) (قوله : كما كان في أطراف كثيرة) سيجيء إن شاء الله بيان الوجه في عدم منجزية العلم إذا كان في أطراف غير محصورة مما يرجع كله إلى قصور في المعلوم أعني التكليف به بحيث لا يصلح للمحركية اما لعدم القدرة أو لعدم الابتلاء أو غيرهما فانتظر (٣) (قوله : كما هو ظاهر : كل) وعليه فلازم ما ذكره جواز الارتكاب في أطراف الشبهة المحصورة ولا يظن من المصنف (ره) الالتزام به كيف وهو مخالف للإجماعات

__________________

[١] لكنه لا يخفى ان التفصي عن المناقضة على ما يأتي لما كان بعدم المنافاة والمناقضة بين الحكم الواقعي ما لم يصر فعليا والحكم الظاهري الفعلي كان الحكم الواقعي في موارد الأصول والأمارات المؤدية إلى خلافه لا محالة غير فعلي وحينئذ فلا يجوز العقل مع القطع بالحكم الفعلي الاذن في مخالفته بل يستقل مع قطعه ببعث المولى أو زجره ولو إجمالا بلزوم موافقته وإطاعته. نعم لو عرض بذلك عسر موجب لارتفاع فعليته شرعا أو عقلا كما إذا كان مخلا بالنظام فلا تنجز حينئذ لكنه لأجل عروض الخلل بالمعلوم لا لقصور العلم عن ذلك كما كان الأمر كذلك فيما إذا اذن الشارع في الاقتحام فانه أيضا موجب للخلل في المعلوم لا للمنع عن تأثير العلم شرعا. وقد انقدح بذلك انه لا مانع عن تأثيره شرعا أيضا فتأمل جيدا. (منه قدس‌سره)

٥١

وأما احتمال انه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعية وبنحو العلية بالنسبة إلى الموافقة الاحتمالية وترك المخالفة القطعية فضعيف جداً

______________________________________________________

المستفيضة في الموارد المتفرقة في الفقه؟ وكون هذه الإجماعات هي الوجه في لزوم الاحتياط تعبداً خلاف ما يقتضيه التأمل في كلماتهم في الفقه فراجع وتأمل (١) (قوله : واما احتمال انه بنحو الاقتضاء) هذا تعرض للمقام الثالث من المقامات الثلاثة التي أشرنا إليها سابقا وان العلم الإجمالي على تقدير كونه علة تامة للتنجز فهل يقتضي وجوب الموافقة القطعية عقلا بحيث يمتنع الترخيص في بعض المحتملات أو لا يقتضي إلّا حرمة المخالفة القطعية فيجوز الترخيص في بعض المحتملات دون جميعها؟ وحاصل إيراد المصنف (ره) عليه : ان المنع عن الترخيص في الجميع ليس إلّا كونه موجبا للتناقض كما تقدم هنا وفي العلم التفصيليّ وهذا بعينه موجود في الترخيص في أحد المحتملات لأنه على تقدير كون مورد الترخيص هو المعلوم بالإجمال يكون ذلك المورد مورداً للترخيص والإلزام بالمعلوم بالإجمال ، ومن المعلوم ان الجمع بينهما احتمالا ممتنع كالجمع بينهما علما لو كان الترخيص في جميع المحتملات ، وتحقيق المقام : انك قد عرفت سابقا ان العلم يترتب عليه آثار طولية (أحدها) كونه موجبا لاشتغال ذمة المكلف بموضوع التكليف المعلوم وهذا الأثر ينتزع عن مقام المنجزية (وثانيها) كونه موجبا لتحصيل الفراغ عما اشتغلت به الذّمّة وهذا منتزع عن مقام وجوب العمل على وفق العلم وهو عين وجوب الاحتياط في موارد العلم الإجمالي (فان كان) غرض القائل بجواز الترخيص الشرعي في بعض الأطراف انه يجوز للشارع الاكتفاء في مقام الفراغ بأحد المحتملات بنحو يكون ذلك فراغا تنزيليا بجعله الواقع المعلوم تنزيلا فذلك مما لا ريب في إمكانه في العلم التفصيليّ فضلا عن العلم الإجمالي فان وجوب الصلاة معلوم بالضرورة من الدين وقد تصرف الشارع في مقام الفراغ عنه بجعل الأصول المثبتة لموضوعه تعبداً مثل استصحاب الطهارة وقاعدتي التجاوز والفراغ والبينة لإثبات الوقت والقبلة وغيرها من الشرائط والأجزاء وغيرها من

٥٢

الحجج والأصول المجعولة في مقام إحراز الواقع باجزائه وشرائطه ، وجواز ذلك في العلم الإجمالي أولى ، لكن من المعلوم ان هذا المقدار ليس تصرفا في مقام حجية العلم واقتضائه اشتغال الذّمّة بموضوعه ووجوب تحصيل الفراغ عنه بل إنما ذلك تصرف في مقام إحراز الفراغ بجعل المفرِّغ التعبدي ، ولا ينافي كون العلم موجبا للموافقة القطعية أصلا ، إذ ليس لسان تلك الأدلة انه لا يجب الفراغ بل كان لسانها ان هذا واقع وبفعله يحصل الفراغ عن الواقع (وان كان) غرضه جواز ترك تحصيل المفرغ المحتمل لعدم وجوب الفراغ القطعي من دون نظر إلى جعل الواقع تعبداً فهذا شيء يخالف ما عرفت من حكم العقل بوجوب الفراغ عما اشتغلت به الذّمّة بالعلم ، ويشهد بما ذكرنا ظهور كلماتهم في الاتفاق على وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة من دون فرق بين ما لو كان العمل بالأصول في الأطراف موجبا للمخالفة القطعية وعدمه كما لو كان أحد الأطراف مجرى لاستصحاب الطهارة والآخر مجرى لقاعدة الطهارة لعدم العلم بالحالة السابقة الّذي هو شرط إجراء الاستصحاب فيه فان الاستصحاب في الأول والقاعدة في الثاني يتعارضان وبعد تساقطهما للمعارضة يرجع في مورد استصحاب الطهارة أعني الأول إلى قاعدة الطهارة فيه لأنها لما كانت محكومة للاستصحاب كما سيأتي بيانه في محله لم تجر إلا بعد سقوط الاستصحاب للمعارضة ، وإذا جرت فيه لم يبق لها معارض في الآخر لكونه ليس مورداً للاستصحاب من جهة الجهل بحاله السابقة ولا للقاعدة من جهة سقوطها للمعارضة ولازم القول بالتفصيل المذكور جواز ارتكاب مجرى قاعدة الطهارة ، بل لعل لازم القول المذكور حلية أحد الأطراف في جميع الصور بمقتضى بعض اخبار البراءة مثل رفع ما لا يعلمون ، ونحوه مما لا مجال للإشكال في شموله للأطراف لعدم اشتماله على ما يوجب العمل على العلم كما في بعض اخبار الاستصحاب الّذي تقدمت الإشارة إليه ، أو ما اشتمل على كون غاية الحكم فيه العلم ليتمسك بمفهومه فانه إذا كان شاملا لطرفي الشبهة فالعقل إنما يمنع عن شموله لهما معا جمعا ولا يمنع عن شموله لأحدهما فيرفع اليد بتوسط حكم العقل عن أحدهما تخييراً ويستفاد منه الترخيص في

٥٣

ضرورة أن احتمال ثبوت المتناقضين كالقطع بثبوتهما في الاستحالة فلا يكون عدم القطع بذلك معهما موجباً لجواز الاذن في الاقتحام بل لو صح معهما الآذن في المخالفة الاحتمالية صح في القطعية أيضا فافهم ولا يخفى ان المناسب للمقام

______________________________________________________

بعض أطراف الشبهة في جميع الشبهات المحصورة (فان قلت) : هذا لا يختص بهذا القول بل يطرد على القول بالعلية بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية ، وتوضيح ذلك : انه إذا جاز للشارع التصرف في المفرغ بجعل المفرغ التنزيلي تعبداً فليستكشف ذلك من عموم أدلة الأصول للأطراف فانه إذا فرض عموم الأدلة لأطراف الشبهة وفرض انه لا يجوز الترخيص في واحد إلا مع جعل البدل فليستكشف جعل البدل من أدلة الترخيص (قلت) : لا يصح ذلك بناء على العلية للزوم الدور فان العلم بالترخيص يتوقف على العلم بجعل البدل فلا يمكن استفادة العلم بجعل البدل من العلم بالترخيص ، وان شئت قلت : احتمال جعل البدل غير كاف في الإذعان بالترخيص إذ العقل لا يقبل الترخيص حتى يعلم بجعل البدل فإذا كان الإذعان بجعل البدل موقوفا على العلم بالترخيص كيف يستفاد العلم بالترخيص من العلم بجعل البدل. نعم لو كان احتمال جعل البدل كافيا في قبول العقل للترخيص أمكن استكشاف جعل البدل من أدلة الترخيص لكنه ليس كذلك كما هو ظاهر بالتأمل وسيجيء إن شاء الله تعالى توضيح ذلك في مبحث الاشتغال (١) (قوله : ضرورة ان) تعليل للضعف وقد بيناه سابقا (٢) (قوله : بذلك) إشارة إلى ثبوت المتناقضين (٣) (قوله : معهما) أي مع الموافقة الاحتمالية وترك المخالفة القطعية ، وكذا قوله (معهما) الثاني (٤) (قوله : بل لو صح معهما) يعني لو صح الترخيص في المخالفة الاحتمالية كانت صحته من جهة عدم التضاد بين الإلزام المعلوم بالإجمال والترخيص بخلافه وإذا لم يكن تضاد بينهما جاز الترخيص في جميع الأطراف (٥) (قوله : فافهم) يمكن أن يكون إشارة إلى بعض ما ذكرنا من جواز الترخيص مع جعل البدل أو انحلال العلم الإجمالي على ما يأتي إن شاء الله بيانه مفصلا في مبحث

٥٤

هو البحث عن ذلك كما أن المناسب في باب البراءة والاشتغال بعد الفراغ هاهنا عن أن تأثيره في التنجز بنحو الاقتضاء لا العلية هو البحث عن ثبوت المانع شرعاً أو عقلا وعدم ثبوته كما لا مجال بعد البناء على انه بنحو العلية للبحث عنه هناك أصلا كما لا يخفى هذا بالنسبة إلى إثبات التكليف وتنجزه به وأما سقوطه به بان يوافقه إجمالا فلا إشكال فيه في التوصليات وأما في العباديات

______________________________________________________

البراءة فانتظر (١) (قوله : هو البحث عن ذلك) هذا تعريض بشيخنا الأعظم (ره) في رسائله حيث جعل البحث عن علية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية من مباحث البراءة والاشتغال التي يبحث فيها عن الشك وخص البحث عن عليته لحرمة المخالفة القطعية بكونه من مباحث العلم ، وحاصل إيراد المصنف (ره) عليه : ان مباحث العلم هي التي يكون الموضوع فيها العلم ، ومن المعلوم ان المقامات الثلاثة كلها إنما يبحث فيها عن العلم ولا وجه للفرق بين البحث عن علية العلم بوجوب الموافقة القطعية والبحث عن عليته لحرمة المخالفة القطعية فان الأول من مباحث الشك والثاني من مباحث العلم (٢) (قوله : كما ان المناسب) هذا تعريض بالشيخ (ره) أيضا حيث بحث في قاعدة الاشتغال عن علية العلم لكل من حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية وهما معا من مباحث العلم كما عرفت وما هو من مباحث الشك هو خصوص البحث عن ثبوت الترخيص الشرعي أو العقلي في أحد الأطراف أو كليهما بعد البناء على كون العلم مقتضيا لوجوب الموافقة القطعية أو لحرمة المخالفة القطعية لا علة (٣) (قوله : هذا بالنسبة إلى إثبات يعني أن البحث عن عوارض العلم يكون (تارة) من حيث انه ينجز ما تعلق به من التكليف أولا (وأخرى) من حيث انه يكتفى به في مقام الفراغ عن عهدة التكليف الثابت في الذّمّة أولا يكتفى به بل لا بد من العلم التفصيليّ بالامتثال ان أمكن وإلّا فالظن التفصيليّ (وملخص) الكلام : ان التكليف الثابت الّذي يوافقه المكلف إجمالا إما ان يكون توصليا أو تعبديا ، والثاني إما ان يتردد

٥٥

فكذلك فيما لا يحتاج إلى التكرار كما إذا تردد أمر عبادة بين الأقل والأكثر لعدم الإخلال بشيء مما يعتبر أو يحتمل اعتباره في حصول الغرض منها مما لا يمكن

______________________________________________________

موضوع التكليف فيه بين المتباينين بحيث يحتاج في مقام العلم بالفراغ إلى التكرار ، أو يتردد بين الأقل والأكثر فيحصل العلم بالامتثال بفعل الأكثر ، فان كان التكليف توصليا فلا إشكال في الاكتفاء بالعلم الإجمالي بالامتثال لأن العلم الإجمالي بحصول الواجب يوجب العلم بحصول الغرض لأن مقتضى كونه توصليا ان يكون وجود الواجب مطلقا علة تامة لحصول الغرض فإذا علم بوجوده علم بحصول الغرض فيعلم بسقوط الأمر ، وان كان عباديا يتردد موضوعه بين الأقل والأكثر فينبغي الجزم أيضا بالاكتفاء بفعل الأكثر في حصول الغرض وسقوط الأمر ، لأن عدم حصول الغرض في العبادة اما أن يكون لعدم وجود الواجب أو لعدم شرط الإطاعة مما يمتنع أخذه في الواجب مثل نية القربة ونية الوجه والتمييز ، والجميع حاصل : أما وجود الواجب فلكونه المفروض ، واما نية القربة والوجه والتمييز فالتردد بين الأقل والأكثر لا يمنع من تمكن المكلف منها فيمكنه ان يأتي بالأكثر بداعي وجوبه بوصف وجوبه عالما بوجوبه ، فإذا جاء به المكلف على هذا الحال كان المأتي به واجداً لكل ما يعتبر في الإطاعة فلا بد ان يسقط الأمر لحصول الغرض نعم الجزء المشكوك وجوبه لم يؤت به بوصف وجوبه ولا مع الالتفات إلى وجوبه وهذا المقدار لا يوجب فساد الفعل لعدم اعتباره عند العقلاء في حصول الإطاعة ولا عند الشارع في حصول الغرض ، اما الأول فواضح ، واما الثاني فلان اعتباره مناف للإطلاق المقامي وهو عدم البيان مع الحاجة إليه الّذي هو طريق إلى العدم وإلّا لأخل بالغرض كما تقدم بيانه في مباحث الألفاظ (١) (قوله : فكذلك) يعني لا إشكال فيه (٢) (قوله : لعدم الإخلال) تعليل لعدم الإشكال في سقوط الأمر والتكليف (٣) (قوله : منها) الضمير راجع إلى العبادة (٤) (قوله : مما لا يمكن) بيان لما يعتبر أو يحتمل اعتباره في العبادة يعني من القيود التي لا تؤخذ

٥٦

أن يؤخذ فيها فانه نشأ من قبل الأمر بها كقصد الإطاعة والوجه والتمييز فيما إذا أتى بالأكثر ولا يكون إخلال حينئذ الا بعدم إتيان ما احتمل جزئيته على تقديرها بقصدها واحتمال دخل قصدها في حصول الغرض ضعيف في الغاية وسخيف إلى النهاية وأما فيما احتاج إلى التكرار فربما يشكل من جهة الإخلال بالوجه (تارة) وبالتميز (أخرى) وكونه لعباً وعبثاً «ثالثة» وأنت خبير بعدم الإخلال بالوجه بوجه في الإتيان مثلا بالصلاتين المشتملتين على الواجب لوجوبه غاية الأمر أنه لا تعيين له ولا تميز فالإخلال إنما يكون به واحتمال اعتباره أيضا في غاية الضعف

______________________________________________________

في نفس العبادة لامتناع أخذها كذلك لأنها متأخرة عن الأمر فلا تؤخذ في موضوعه فقوله : فانه نشأ ... إلخ تعليل لعدم الإمكان (١) (قوله : فيما إذا أتى بالأكثر) متعلق بعدم الإخلال (٢) (قوله : بعدم إتيان) لكن يلازم ذلك فقد نية الوجه والتمييز من الجزء فتأمل [١] (٣) (قوله : بقصدها) الضمير راجع إلى الجزئية وكذا ضمير قصدها الآتي (٤) (قوله : ضعيف) خبر الاحتمال ، ووجه ضعفه ما سيشير إليه من منافاته للإطلاق المقامي (٥) (قوله : وأنت خبير بعدم) ينبغي ان يعلم أن المكلف في مقام فعل كل واحد من أطراف الشبهة الوجوبية إنما يفعله عن إرادة متعلقة بفعل الواجب فكل واحد منهما إنما يصدر عن تلك الإرادة المتعلقة بفعل الواجب المعلوم غاية الأمر ان تلك الإرادة إنما تؤثر في كل واحد منهما بتوسط احتمال انطباق المراد عليه ، فمن يعلم بأنه يجب عليه ان يكرم زيداً المردد عنده بين شخصين تحدث بسبب علمه بذلك إرادة متعلقة بإكرام زيد وهذه الإرادة تؤثر في إكرام كل واحد من الشخصين بتوسط احتمال انطباق المعلوم عليه ، فلا مجال لتوهم ان فعل كل واحد ليس بداعي الأمر بل بداعي احتمال الأمر ، فلا قصور في قصد الإطاعة حينئذ ، ثم هذه الإرادة المؤثرة في كل واحد منهما لما كانت متعلقة بالواجب المعلوم فيمكن أخذ الوجوب فيه وصفا أو غاية

__________________

[١] إشارة إلى إمكان نية الوجه فيه بالنحو الآتي في التكرار منه مد ظله

٥٧

لعدم عين منه ولا أثر في الأخبار مع أنه مما يغفل عنه غالباً وفي مثله لا بد من التنبيه على اعتباره ودخله في الغرض وإلّا لأخل بالغرض كما نبهنا عليه سابقاً وأما كون التكرار لعباً وعبثاً فمع انه ربما يكون لداع عقلائي إنما يضر إذا كان لعباً بأمر المولى لا في كيفية إطاعته بعد حصول الداعي إليها كما لا يخفى. هذا كله في قبال ما إذا تمكن من القطع تفصيلا بالامتثال وأما إذا لم يتمكن إلا من الظن به كذلك فلا إشكال في تقديمه على الامتثال الظني لو لم يقم دليل على اعتباره الا فيما إذا لم يتمكن منه واما لو قام على اعتباره

______________________________________________________

بالمعنى المراد من نية الوجه فلا قصور حينئذ في نية الوجه ، ويبقى إشكال فقد التمييز لكنه غير قادح في حصول الغرض وسقوط الأمر من جهة نفي احتمال اعتباره بالإطلاق المقامي (١) (قوله : لعدم عين منه ولا أثر) ومثله نية الوجه كما تقدم في مباحث الأمر (٢) (قوله : فمع انه ربما) يعني ففيه ـ مع انه ممنوع إذ قد يكون هناك داع يدعو إلى الامتثال بالتكرار ويمنع عن تحصيل العلم التفصيليّ بالواجب ليمكن موافقته التفصيلية كما لو توقف العلم على السؤال والفحص الموجبين لبعض المشقة بنحو يكون التكرار أهون منها فلا يكون التكرار حينئذ لعبا وعبثا ـ انه لو سلم كونه لعبا وعبثا فلا يقدح في الإطاعة المعتبرة في العبادة وإنما يقدح لو كان لعبا بأمر المولى فانه نحو من التجري فلا يكون إطاعة وانقياداً ولكنه لعب في كيفية الإطاعة في فرض تحققها لفرض كون كل واحد من الأطراف إنما يؤتى به عن داعي الأمر ، وحينئذ يحصل الفرض ويسقط الأمر (٣) (قوله : هذا كله في قبال) يعني في فرض التمكن من الامتثال التفصيليّ (٤) (قوله : به كذلك) يعني بالامتثال تفصيلا (٥) (قوله : في تقديمه) يعني تقديم الامتثال العلمي الإجمالي على الامتثال الظني التفصيليّ (٦) (قوله : لو لم يقم دليل) يعني إنما ينتفي الإشكال عن تقديم الامتثال العامي الإجمالي على الظني التفصيليّ إذا لم يكن الظن حجة مع إمكان الامتثال العلمي الإجمالي فانه إذا لم يكن الظن حجة حينئذ لا

٥٨

مطلقاً فلا إشكال في الاجتزاء بالظني كما لا إشكال في الاجتزاء بالامتثال الإجمالي في قبال الظني بالظن المطلق المعتبر بدليل الانسداد بناء على أن يكون من مقدماته عدم وجوب الاحتياط وأما لو كان من مقدماته بطلانه لاستلزامه العسر المخل بالنظام أو لأنه ليس من وجوه الطاعة والعبادة بل هو نحو لعب وعبث بأمر المولى فيما إذا كان بالتكرار كما توهم فالمتعين هو التنزل عن القطع تفصيلا إلى الظن كذلك وعليه فلا مناص عن الذهاب إلى بطلان عبادة تارك طريقي التقليد والاجتهاد وان احتاط فيها كما لا يخفى (هذا) بعض الكلام في القطع مما يناسب المقام ويأتي بعضه الآخر في مبحث البراءة والاشتغال. فيقع المقال فيما هو المهم من عقد هذا المقصد وهو بيان :

ما قيل باعتباره من الأمارات أو صح أنه يقال

وقبل الخوض في ذلك ينبغي تقديم أمور (أحدها) أنه لا ريب في أن الأمارة غير العلمية ليست كالقطع في كون الحجية من لوازمها ومقتضياتها بنحو العلية

______________________________________________________

يجوز الاعتماد عليه في الامتثال بل يكون من الاعتماد على غير الحجة الممتنع عقلا ، فضمير (اعتباره) راجع إلى الظن وضمير (منه) راجع إلى الامتثال العلمي الإجمالي (١) (قوله : مطلقاً) يعني حتى مع إمكان الامتثال العلمي الإجمالي (٢) (قوله : فلا إشكال في الاجتزاء) لأنه مقتضى حجيته ، كما انه لا ينبغي الإشكال في كفاية الامتثال العلمي الإجمالي أيضا إذ ليس الظن التفصيليّ بأعظم من العلمي التفصيليّ الّذي قد عرفت مساواته للامتثال الإجمالي (٣) (قوله : بناءً على أن يكون) إذ على هذا البناء لا يكون الاحتياط ممنوعا عنه فيكتفى به (٤) (قوله : المخل بالنظام) يعني فلا يجوز لوجوب حفظ النظام (٥) (قوله : الظن كذلك) يعني تفصيلا ولا يجوز الامتثال الإجمالي (٦) (قوله : ليست كالقطع) لا ينبغي أن يتوهم مما ذكرنا في القطع من كون وجوب موافقته فطريا بمناط لزوم دفع الضرر المقطوع انه يكون الظن أيضا مما تجب موافقته كذلك بمناط لزوم دفع الضرر المظنون «ووجه» اندفاع هذا التوهم :

٥٩

بل مطلقاً وان ثبوتها لها محتاج إلى جعل أو ثبوت مقدمات وطروء حالات موجبة لاقتضائها الحجية عقلا ـ بناء على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة ـ وذلك لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجية بدون ذلك ثبوتاً بلا خلاف ولا سقوطاً وان كان ربما يظهر فيه من بعض المحققين الخلاف والاكتفاء بالظن بالفراغ ولعله لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل فتأمل (ثانيها) في بيان إمكان التعبد بالأمارة غير العلمية شرعاً وعدم لزوم محال منه عقلا في قبال دعوى استحالته للزومه

______________________________________________________

ما أشرنا إليه من أن الضرر المقطوع المترتب على مخالفة القطع إنما كان ناشئاً عن طريقيته الذاتيّة الموجبة لحكم العقل باستحقاق العقاب على مخالفته وهو المقصود من الضرر المقطوع ، وهنا لا حكم للعقل باستحقاق العقاب على تقدير مخالفة الظن ليكون الضرر مظنوناً فيجب دفعه بمناط لزوم دفع الضرر المظنون ، وانما لم يحكم بذلك لعدم كونه طريقا إلى الواقع وحجة عليه بذاته ، وهذا الأثر من آثار الحجية ، ولذا لو فرض كونه حجة شرعا بالجعل أو عقلا بمقدمات الانسداد يحكم العقل بحسن العقاب على مخالفته فيجب العمل على طبقه بمناط لزوم دفع الضرر المظنون بناء على كون العقاب على مخالفة الواقع حينئذ ، ولو بنينا على كونه على مخالفة الحجة كان الضرر مقطوعا لا مظنونا كما لا يخفى (١) (قوله : بل مطلقا) يعني ولا بنحو الاقتضاء بان يكون حجة بذاته لكنه مشروط بعدم المنع عن العمل به ، (والوجه في ذلك) : انه لا طريق إلى دعوى ثبوت هذا الاقتضاء بل هو خلاف الوجدان كما هو ظاهر (٢) (قوله : إلى جعل) يعني جعل شرعي (٣) (قوله : بناء على تقرير) اما بناء على الكشف فيكون من الجعل الشرعي (٤) (قوله : ثبوتاً) يعني في مقام إثبات التكليف به (٥) (قوله : ولا سقوطا) يعني في مقام إسقاط التكليف كما لو يقوم على الفراغ وأداء المكلف به (٦) (قوله : ولعله لأجل يعني يمكن أن يكون الوجه في دعوى المحقق المذكور حجية الظن بالفراغ بذاته هو انه إذا ظن بالفراغ كان احتمال عدم الفراغ ضعيفاً فيكون الضرر

٦٠