حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

كما لا ينبغي أن يشك في عدم صحة انتزاعها عن مجرد التكليف في موردها فلا ينتزع الملكية عن إباحة التصرفات ولا الزوجية من جواز الوطء وهكذا سائر الاعتبارات في أبواب العقود والإيقاعات فانقدح بذلك ان مثل هذه الاعتبارات انما تكون مجعولة بنفسها يصح انتزاعها بمجرد إنشائها كالتكليف لا مجعولة بتبعه ومنتزعة عنه (وهم ودفع) (أما الوهم) فهو ان الملكية كيف جعلت من الاعتبارات الحاصلة بمجرد الجعل والإنشاء التي تكون من خارج المحمول حيث ليس بحذائها في الخارج شيء

______________________________________________________

مع أن المقصود منه ذلك ولزم ترتب الآثار على الإنشاء وليس هو المقصود منه. والأولى في الاستدلال لذلك بأن الآثار في لسان أدلتها محمولات على نفس العناوين المذكورة فلا بد أن تكون متأخرة عنها رتبة تأخر الحكم عن موضوعه فلو كانت منتزعة عنها لزم الدور فتأمل (١) (قوله : كما لا ينبغي ان) متعلق بقوله : لا يكاد يشك (٢) (قوله : صحة انتزاعها) أي الحجية وأخواتها (٣) (قوله : يصح انتزاعها بمجرد) بل المنقدح عدم توقف اعتبارها عند العقلاء على الإنشاء بل المصحح للإنشاء هو المصحح للاعتبار فالإنشاء عندهم في عرض الاعتبار لا من علله ومباديه. نعم ربما يكون ذلك عند الشارع كما ربما لا يكفي مجرد الإنشاء عنده بل لا بد من كونه بنحو خاص ، وقد ذهب المشهور إلى تحقق الفسخ بمجرد التصرف مع انه غالبا لا يكون بقصد الإنشاء ، كما ذهب جماعة بل لعله المشهور إلى تحقق الرجوع في الطلاق بمجرد فعلى ما يناسب الزوجية وان لم يكن بقصده ، وربما يقتضيه بعض النصوص أيضا والمقام محتاج إلى مزيد التأمل (٤) (قوله : حيث ليس بحذائها) تعليل لكونها من خارج المحمول لأن المراد بما كان خارج المحمول ما ليس بحذائه شيء في الخارج ويقابله المحمول بالضميمة وهو ما يكون بإزائه شيء في الخارج سواء كان موجوداً في الخارج كالسواد والبياض أم هو بنفسه في الخارج كالفوقية والتحتية. وحاصل التوهم : أن المحمول بالضميمة يمتنع اعتباره بمجرد الإنشاء بل لا بد في اعتباره من تحقق ما بإزائه في الخارج الّذي يكون عن علله الخاصة ، والملكية من المحمول بالضميمة

٤٤١

وهي إحدى المقولات المحمولات بالضميمة التي لا يكاد تكون بهذا السبب بل بأسباب أخر كالتعمم والتقمص والتنعل ، فالحالة الحاصلة منها للإنسان هو الملك وأين هذه من الاعتبار الحاصل بمجرد إنشائه؟ (وأما الدفع) فهو أن الملك يقال بالاشتراك على ذلك ويسمى بالجدة أيضا واختصاص شيء بشيء خاص وهو ناشئ إما من جهة إسناد وجوده إليه ككون العالم ملكا للباري جل ذكره ، أو من جهة الاستعمال والتصرف فيه ككون الفرس لزيد بركوبه له وسائر تصرفاته فيه ، أو من جهة إنشائه والعقد مع من اختياره بيده كملك الأراضي والعقار البعيدة للمشتري بمجرد عقد البيع شرعاً وعرفا ، فالملك الّذي يسمى بالجدة أيضاً غير الملك الّذي هو اختصاص خاص ناشئ من سبب اختياري كالعقد أو غير اختياري كالإرث ونحوهما من الأسباب الاختيارية وغيرها ، فالتوهم إنما نشأ من إطلاق الملك على مقولة الجدة أيضا ، والغفلة عن أنه بالاشتراك بينه وبين الاختصاص الخاصّ والإضافة الخاصة الإشراقية كملكه تعالى للعالم أو المقولية كملك غيره لشيء بسبب من تصرف واستعمال أو إرث أو عقد أو غيرهما من الأعمال

______________________________________________________

فكيف يصح اعتبارها بمجرد الإنشاء؟ (١) (قوله : وهي إحدى) يعني الملكية (٢) (قوله : بهذا السبب) يعني بالإنشاء (٣) (قوله : بل بأسباب) وهي علل تحقق ما بإزائه في الخارج (٤) (قوله : كالتعمم) تمثيل للملكية (٥) (قوله : أيضا) يعني كما يسمى بالملك (٦) (قوله : واختصاص) معطوف على (ذلك) فانه المعنى الثاني للملك (٧) (قوله : مع من اختياره بيده) متعلق ب (العقد) والمراد بالموصول السلطان على التصرف بالموضوع المملوك سواء كان مالكا أم غيره (٨) (قوله : غير الملك الّذي) قد عرفت ان هذا غير ثابت بل الظاهر انه هو هو غاية الأمر أن إنشاءها ليس على الحقيقية بل بنحو الادعاء ولا تخرج بذلك عن كونها اعتبارية لأن الوجود الادعائي نوع من الاعتبار ، وقد عرفت في مبحث

٤٤٢

فيكون شيء ملكا لأحد بمعنى ولآخر بالمعنى الآخر فتدبر. إذا عرفت اختلاف الوضع في الجعل فقد عرفت أنه لا مجال لاستصحاب دخل ما له الدخل في التكليف إذا شك في بقائه على ما كان عليه من الدخل لعدم كونه حكماً شرعياً ولا يترتب عليه أثر شرعي والتكليف وان كان مترتبا عليه إلا أنه ليس بترتب شرعي (فافهم) وانه لا إشكال في جريان الاستصحاب في الوضع المستقل بالجعل

______________________________________________________

الأمر ان صيغ الطلب مثل (قم) و (اقعد) وغيرهما تستعمل لإنشاء المادة على نحو الادعاء (١) (قوله : فيكون شيء) تفريع على اختلاف معنى الملك فان الغاصب التي تكون بيده العين مالكها بمعنى الجدة ومالكها غيره بمعنى الاختصاص (٢) (قوله : ما له الدخل في التكليف) يعني القسم الأول من أقسام الوضع حسبما ذكره (قدس‌سره) لأنه منتزع من الخصوصية الموجودة في الموضوع وهي ليست أثرا شرعيا ولا موضوعا لأثر شرعي. أما الأول فلأنها امر واقعي ذاتي. وأما الثاني فلأن ما يتوهم كونه أثرا لها شرعا ليس إلّا ترتب التكليف وجودا أو عدما ، ومن المعلوم أن الترتب المذكور من قبيل ترتب المعلول على علته ذاتي لا يكون بجعل تشريعي حتى يكون امرا شرعياً. هذا ولكن قد عرفت ان إطلاق السبب على سبب التكليف مسامحة ، وانما هو داع لتعلق الإرادة بالتكليف فالتكليف مسبب عن الإرادة لا عنه ولا الإرادة عنه لأنه بوجوده الاعتقادي العلمي داع إلى التكليف لا بوجوده الواقعي ، وحينئذ فالتكليف المنوط به شرعي فيكون موضوعا لأثر شرعي إذ ليس المقصود من كون الشيء موضوعا للأثر الا كونه طرف إضافة ما بينه وبينه ، وإلّا أشكل جريان الاستصحاب في عامة الموضوعات الشرعية إذ ليس ترتب التكليف عليها الا لخصوصية فيها اقتضت ترتب التكليف عليها ، وهل يصح دعوى الفرق بين قوله : المستطيع يجب عليه الحج ، وقوله : ان استطعت يجب عليك الحج ، فيجري الاستصحاب في الأول لو شك في بقاء المستطيع على ما هو عليه من الخصوصية المقتضية للحكم ولا يجري في الثاني؟ مع أنه لو تم ذلك لم ينفع كون السببية مجعولة للشارع الأقدس

٤٤٣

حيث انه كالتكليف وكذا ما كان مجعولا بالتبع فان أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ولو بتبع منشأ انتزاعه ، وعدم تسميته حكما شرعيا ـ لو سلم غير ضائر بعد كونه مما تناله يد التصرف شرعاً. نعم لا مجال لاستصحابه لاستصحاب سببه ومنشأ انتزاعه (فافهم). ثم : إن هاهنا تنبيهات (الأول) أنه يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين فلا استصحاب مع الغفلة لعدم الشك فعلا ولو فرض أنه يشك لو التفت. ضرورة أن الاستصحاب وظيفة الشاك ولا شك مع الغفلة أصلا

______________________________________________________

في صحة استصحابها أيضاً لأن اقتضاءها للحكم أيضاً لا بد أن يكون عن خصوصية فيها مقتضية له فيمنع ذلك عن صحة استصحابها ، ولعله إلى هذا أشار بقوله : فافهم ، وسيأتي في الاستصحاب التعليقي ماله نفع في المقام إن شاء الله تعالى (١) (قوله : حيث انه كالتكليف) كونه كالتكليف في كونه مجعولا لا يجدي في صحة الاستصحاب بعد الفرق بينهما في ان التكليف موضوع للعمل المصحح للتعبد وليس هو كذلك إلّا بلحاظ أثره وترتب أثره عليه انما هو لخصوصية فيه تقتضيه ذاتا والاقتضاء المذكور بعد ما لم يكن شرعيا لا يصح التعبد بلحاظه كما قرره في النوع الأول. فتأمل (٢) (قوله : ما كان مجعولا) هو القسم الثاني (٣) (قوله : لا مجال لاستصحابه لاستصحاب) يعني لا يصح استصحابه لأن الاستصحاب الجاري في سببه وهو نفس الحكم حاكم عليه كما سيأتي في الأصل السببي والمسببي إن شاء الله تعالى (٤) (قوله : فافهم) لعله إشارة إلى ما يمكن أن يخدش به جريان الاستصحاب في الأمور الاعتبارية المحضة حيث انها ليست موضوعا للعمل إلّا بلحاظ الآثار وهي ليست في الحقيقة موضوعا لها لأنها لما كانت اعتبارية محضة امتنع ان تكون ذوات آثار فالآثار في الحقيقة لمنشإ الانتزاع لأنه امر حقيقي موضوع للمصلحة والمفسدة وغيرهما من علل الأحكام والآثار. فتأمل

٤٤٤

فيحكم بصحة صلاة من أحدث ثم غفل وصلى

______________________________________________________

(التنبيه الأول)

(١) (قوله : فيحكم بصحة صلاة) هذا تفريع على ما ذكره من اعتبار اليقين والشك الفعليين في جريان الاستصحاب وعدم كفاية الوجود التقديري لهما (وتوضيحه) : أن المكلف لو تيقن الحدث في زمان معين ثم غفل وصلى فهنا صورتان (الأولى) أن يعلم بعدم حصول الطهارة له ولا إشكال في بطلانها حينئذ (الثانية) أن يحتمل حصولها له وهذه على نحوين (الأول) أن لا يحدث له الشك في الطهارة إلا بعد الفراغ من الصلاة بأن تستمر غفلته عن الطهارة إلى أن يفرغ من الصلاة ثم يشك بعدها أنه تطهر قبل الصلاة أم لا؟ والحكم فيه الصحة لأن الشك التقديري لما لم يكن موضوعا للاستصحاب لم يكن المصلي محكوما بالحدث الاستصحابي إلى ما بعد الفراغ فتصح صلاته ، وبعد الفراغ لا مجال لاستصحاب الحدث حال الصلاة وان حصل له الشك الفعلي لحكومة قاعدة الفراغ عليه (الثاني) أن يحدث له الشك في الطهارة قبل الصلاة ، ثم يغفل فيصلي فيتجدد له الشك بعد الفراغ ، وهذا أيضا على نحوين (الأول) أن يحتمل أن يكون قد تطهر بعد الشك والحكم فيه الصحة أيضاً إذ ليس الشك بأصعب حكما من اليقين ، وقد عرفت في النحو الأول أن حكمه الصحة (الثاني) أن لا يحتمل الطهارة بعد الشك بل يحتمل الطهارة قبل الشك الأول فيكون شكه المتجدد بعد الفراغ هو الشك الأول بعينه ، والحكم فيه البطلان لأن الشك لما حدث قبل الصلاة كان محكوما في زمان حدوثه بأنه محدث فتكون صلاته بالحدث الاستصحابي فتبطل كما لو كان بالحدث الواقعي ، ولا مجال لقاعدة الشك بعد الفراغ لأن موردها حدوث الشك بعد الفراغ فلا تشمل صورة حدوثه قبله كما في الفرض. ومثله لو شك قبل الصلاة وبقي شاكا إلى ما بعد الفراغ. هذا ولكن في تفريع الحكم بالصحّة في الصورة الأولى وبالبطلان في الصورة الأخيرة على اعتبار الشك الفعلي في

٤٤٥

ثم شك في انه تطهر قبل الصلاة لقاعدة الفراغ ، بخلاف من التفت قبلها وشك ثم غفل وصلى فيحكم بفساد صلاته فيما إذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك لكونه محدثا قبلها بحكم الاستصحاب مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي (لا يقال) : نعم ولكن استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما التفت بعدها يقتضي أيضا فسادها (فانه يقال) : نعم لو لا قاعدة الفراغ المقتضية لصحتها المقدمة على أصالة فسادها (الثاني) أنه هل يكفي في صحة الاستصحاب الشك في بقاء شيء على تقدير ثبوته وإن لم يحرز

______________________________________________________

الاستصحاب وعدم الاكتفاء بالتقديري نوع غموض ، لأنه لو بني على كفاية الشك التقديري لا يمكن القول بالبطلان في الصورة الأولى لقاعدة الفراغ ، كما أنه لو بني على اعتبار الشك الفعلي يمكن القول بالبطلان في الصورة الأخيرة لحصول الشك الفعلي بعد الفراغ وهو كاف في إثبات الحدث ظاهراً في حال الصلاة فيثبت البطلان لو لا قاعدة الشك بعد الفراغ ، فينبغي ابتناء الصحة والبطلان في الفرضين على جريان قاعدة الفراغ وعدمه ، فان جرت فيهما فالحكم الصحة ، وان لم تجر فيهما فالحكم البطلان ، وان جرت في أحدهما دون الآخر فاللازم التفصيل بينهما (١) (قوله : ثم شك) يعني بعد الفراغ (٢) (قوله : لقاعدة الفراغ) تعليل للصحة (٣) (قوله : مع القطع بعدم) هذا خلاف فرض اعتبار فعلية الشك فانه إذا فرض كونه في حال الصلاة غافلا فليس بشاك فلا يحكم عليه بأنه محدث ظاهراً لا في حال الصلاة ولا فيما قبله لأن التعبد بالحدث في كل زمان من الأزمنة فرع كونه شاكا في بقائه فيه والمفروض عدمه فالاستدلال بناء على ما عرفت بدعوى القطع بعدم الحدث الاستصحابي لا القطع بعدم رفعه. فلاحظ (٤) (قوله : لا يقال نعم) هذا إشكال على الحكم بالصحّة في الفرض الأول.

(التنبيه الثاني)

(٥) (قوله : هل يكفي في صحة الاستصحاب) اعلم إنه إذا قامت الأمارة

٤٤٦

ثبوته فيما رتب عليه أثر شرعاً أو عقلا؟ إشكال من عدم إحراز الثبوت فلا يقين ولا بد منه بل ولا شك فانه على تقدير لم يثبت ومن أن اعتبار اليقين إنما هو لأجل أن التعبد والتنزيل شرعاً إنما هو في البقاء لا في الحدوث فيكفي الشك فيه على تقدير الثبوت فيتعبد به على هذا التقدير فيترتب عليه الأثر فعلا

______________________________________________________

على ثبوت حكم في زمان فلا إشكال في أن مقتضى دليل الحجية وجوب العمل على طبق ذلك الحكم في ذلك الزمان ولو شك في الحكم فيما بعده من الأزمنة فان كان مفاد الأمارة ثبوت الحكم في الزمان الأخير أيضاً كانت هي المرجع ، وإن لم تكن دالة على ذلك بأن لا تكون متعرضة إلا لمجرد الثبوت لم تكن هي المرجع ضرورة ، وفي جواز الرجوع حينئذ إلى الاستصحاب ليثبت به بقاء الحكم إشكال لعدم اقتضاء الأمارة اليقين بثبوت مؤداها حتى يكون الشك في بقائه بل انما تقتضي احتمال ثبوته وإذ لا يقين بالثبوت لا شك في البقاء فلا مجال للاستصحاب لاختلال ركنية معا والمصنف (ره) دفع هذا الإشكال بأن أدلة الاستصحاب ليس موضوعها الشك في البقاء الفعلي حتى يتوقف على اليقين بالثبوت ، بل البقاء التقديري أي البقاء على تقدير الثبوت فهي تجعل الملازمة بين ثبوت الشيء وبقائه ولو علم بعدم الثبوت لأن صدق الشرطية لا يتوقف على صدق طرفيها فإذا ثبتت الملازمة المذكورة بالاستصحاب وقامت الأمارة على الثبوت كانت حجة عليه وعلى البقاء لأن الدليل على أحد المتلازمين دليل على الملازم الآخر كما لو قامت الأمارة على نجاسة شيء فانها تكون حجة على نجاسة ملاقيه لثبوت الملازمة بين نجاسة الشيء ونجاسة ملاقيه ، غاية الأمر ان الملازمة في المثال واقعية وفي المقام ظاهرية (١) (قوله : فيما رتب عليه) يعني إذا كان المقام مترتبا على البقاء التقديري ، اما لو كان مترتبا على البقاء الفعلي يمتنع جريان الاستصحاب لعدم الأثر لمؤداه (٢) (قوله : شرعا أو عقلا) الأول في استصحاب الموضوع والثاني في استصحاب الحكم (٣) (قوله : إشكال) يعني في الكفاية إشكال (٤) (قوله : من عدم) بيان لعدم الكفاية (٥) (قوله : ولا شك فانه) يعني ولا شك في البقاء فان الشك فيه في الفرض على تقدير الثبوت لا مطلقا (قوله : ومن ان اعتبار)

٤٤٧

فيما كان هناك أثر وهذا هو الأظهر وبه يمكن ان يذب عما في استصحاب الأحكام التي قامت الأمارات المعتبرة على مجرد ثبوتها وقد شك في بقائها على تقدير ثبوتها من الإشكال بأنه لا يقين بالحكم الواقعي ولا يكون هناك حكم آخر فعلي بناء على ما هو التحقيق [١] من أن قضية حجية الأمارة ليست إلا تنجز التكاليف مع الإصابة والعذر مع المخالفة كما هو قضية الحجة المعتبرة عقلا كالقطع والظن في حال الانسداد على الحكومة لا إنشاء أحكام فعلية شرعية ظاهرية كما هو ظاهر الأصحاب ، ووجه الذب بذلك : أن الحكم الواقعي الّذي هو مؤدى الطريق حينئذ محكوم بالبقاء فتكون الحجة على ثبوته حجة على بقائه تعبدا للملازمة بينه وبين ثبوته واقعاً (ان قلت): كيف وقد أخذ اليقين بالشيء في التعبد ببقائه في الاخبار ولا يقين في فرض تقدير الثبوت «قلت» : نعم

______________________________________________________

(١) بيان لوجه الكفاية يعنى ان اعتبار اليقين في لسان الأدلة ليس لأن له موضوعية للحجية بل لبيان أن محل التعبد هو البقاء لا الحدوث (٢) (قوله : فيما كان) يعني إذا كان مترتبا على البقاء التقديري كما تقدم (٣) (قوله : هو الأظهر) بل الأظهر خلافه فانه مما لا يساعد عليه التركيب (٤) (قوله : من الإشكال) بيان للموصول في قوله : عما في ... إلخ ، وقوله : (بأنه) متعلق به فانه تقرير للإشكال (٥) (قوله : لا إنشاء) معطوف على قوله (ره) : ان قضية ... إلخ ، كما هو ظاهر الأصحاب أما عليه فلا مجال للإشكال فان الحكم الظاهري المستفاد من دليل الأمارة يكون عين الواقع على

__________________

[١] واما بناء على ما هو المشهور من كون مؤديات الأمارات أحكاماً ظاهرية شرعية كما اشتهر ان ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم فالاستصحاب جار لأن الحكم الّذي أدت إليه الأمارة محتمل البقاء لإمكان اصابتها الواقع وكان مما يبقى والقطع بعدم فعليته حينئذ مع احتمال بقائه لكونها بسبب دلالة الأمارة والمفروض عدم دلالتها إلا على ثبوته لا على بقائه غير ضائر بفعليته الناشئة باستصحابه فلا تغفل. منه قدس‌سره

٤٤٨

ولكن الظاهر أنه أخذ كشفاً عنه ومرآة لثبوته ليكون التعبد في بقائه والتعبد مع فرض ثبوته إنما يكون في بقائه فافهم «الثالث» أنه لا فرق في المتيقن السابق بين أن يكون خصوص أحد الأحكام أو ما يشترك بين الاثنين منها أو الأزيد من أمر

______________________________________________________

تقدير المصادفة فيصح استصحابه لاحتمال المصادفة ويكون باقيا على تقديرها وإن كان على تقدير المخالفة يكون مرتفعا قطعا في الزمان المتأخر لقصور الأمارة عن الدلالة عليه فيه فلا مقتضي لثبوته ويكون استصحابه حينئذ من القسم الثاني من استصحاب الكلي ، كما أفاد ذلك المصنف (ره) في حاشيته على المقام. نعم لو كان مراد الأصحاب ثبوت حكم ظاهري غير الواقع حتى على تقدير المصادفة امتنع الاستصحاب لأنه من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي (١) (قوله : ولكن الظاهر انه) هذا الاستظهار ممنوع جدا كما عرفت ، وعلى هذا فالوجه في اندفاع الإشكال ما أشرنا إليه سابقا وسيأتي إن شاء الله من أن دليل حجية الأمارة يقتضي تنزيلها منزلة العلم كما يقتضي تنزيل مؤداها منزلة الواقع ، وحينئذ إذا قامت على ثبوت شيء في زمان معين كانت علما به تنزيلا فيترتب عليه أثره من عدم جواز نقضه بالشك (وأما) ما قيل في الذب عن أصل الإشكال من أن الحكم الواقعي متيقن الثبوت ظاهرا بواسطة قيام الأمارة عليه فيستصحب (ففيه) ان اليقين بالثبوت الظاهري عين اليقين الوجداني بالحكم الظاهري فيرجع إلى ما هو ظاهر الأصحاب الّذي أشار إليه المصنف (ره) وأوضحه في الحاشية كما عرفت

(التنبيه الثالث)

(٢) (قوله : لا فرق في المتيقن السابق) هذا شروع في حكم استصحاب الكلي بأقسامه وهي ثلاثة (الأول) أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد بعينه ويشك في بقائه للشك في بقاء ذلك الفرد كأن يعلم بوجود زيد في الدار فيعلم

٤٤٩

عام فان كان الشك في بقاء ذاك العام من جهة الشك في بقاء الخاصّ الّذي كان في ضمنه وارتفاعه كان استصحابه كاستصحابه بلا كلام ، وان كان الشك فيه من جهة تردد الخاصّ الّذي في ضمنه بين ما هو باق أو مرتفع قطعاً فكذا لا إشكال في استصحابه

______________________________________________________

بوجود الإنسان فيها ثم يشك في بقاء الإنسان للشك في بقاء زيد (الثاني) أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد مردد بين فردين يعلم بزوال أحدهما بعينه على تقدير حدوثه وببقاء الآخر بعينه على تقدير حدوثه ، فيشك لأجل ذلك في بقاء الكلي لاحتمال حدوثه في طويل العمر كأن يعلم بوجود الحيوان في فرد مردد بين البقة والجمل ثم يعلم بعد ثلاثة أيام بأنه إن كان الموجود هو الجمل فهو باق وإن كان البقة فهو زائل ، فحينئذ يشك في بقاء الحيوان (الثالث) أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد بعينه ويعلم بزوال ذلك الفرد ويحتمل حدوث فرد آخر للكلي مقارن لزواله أو لوجوده باق بعد زواله كأن يعلم بوجود الإنسان في زيد ثم يعلم بزوال زيد ويحتمل وجود عمرو مقارنا لزوال زيد أو مقارنا لحياته مع بقائه بعد زواله فيكون بقاء الكلي المحتمل في فرد آخر غير الفرد المتيقن وجوده فيه (١) (قوله : فان كان الشك) هذا إشارة إلى القسم الأول (٢) (قوله : استصحابه كاستصحابه) الضمير الأول راجع إلى الكلي والثاني إلى الخاصّ (٣) (قوله : بلا كلام) حكي الإشكال فيه عن بعض بان الكليات اعتبارات لا تكون موضوعا للتعبد الشرعي ، وفيه أن دعوى جواز الاستصحاب مبنية على كون الكلي موضوعاً للآثار الشرعية وإلا فلا معنى له كما هو واضح ، فان كان إشكال في ذلك فهو إشكال في جواز كونه موضوعا للأثر لا في صحة الاستصحاب ويندفع بمراجعة البحث عن تعلق الأمر بالطبائع. فراجع (٤) (قوله : وان كان الشك) هذا إشارة إلى القسم الثاني (٥) (قوله : فكذا لا إشكال في استصحابه) يمكن الإشكال عليه بما يأتي منه في مبحث مجهول التاريخ من احتمال كون رفع

٤٥٠

فيترتب عليه كافة ما يترتب عليه عقلا أو شرعاً من أحكامه ولوازمه وتردد ذاك الخاصّ الّذي يكون الكلي موجوداً في ضمنه ويكون وجوده بعين وجوده بين متيقن الارتفاع ومشكوك الحدوث المحكوم بعدم حدوثه غير ضائر بالاستصحاب الكلي المتحقق في ضمنه مع عدم إخلاله باليقين والشك في حدوثه وبقائه وإنما كان التردد بين الفردين ضائراً باستصحاب أحد الخاصّين اللذين كان امره مردداً بينهما لإخلاله باليقين الّذي هو أحد ركني الاستصحاب كما لا يخفى. نعم يجب رعاية التكاليف المعلومة إجمالا المترتبة على الخاصّين فيما علم تكليف في البين

______________________________________________________

اليد عن بقاء الكلي من نقض اليقين باليقين لاحتمال كون الكلي موجوداً في معلوم الزوال فيكون الكلي معلوم الزوال لكن سيأتي إن شاء الله اندفاعها (١) (قوله : فيترتب عليه) كما هو الحال في كل ما يجري فيه الاستصحاب (٢) (قوله : وتردد ذاك الخاصّ) هذا إشارة إلى بعض شبهات المنع عن جريان الاستصحاب في القسم الثاني (وتوضيحه) : أن الكلي ليس له وجود مستقل عن وجود الفرد وانما هو موجود في ضمنه وكل واحد من الفردين اللذين يعلم وجود الكلي في أحدهما في هذا القسم مما لا تجتمع فيه أركان الاستصحاب فان أحدهما معلوم الارتفاع والآخر غير معلوم الحدوث فكيف يجري الاستصحاب في نفس الكلي الّذي يكون وجوده عين وجود أحدهما ولا سيما مع كون الفرد غير المعلوم الحدوث محكوماً بعدم حدوثه بالاستصحاب (٣) (قوله : غير ضائر) هو خبر قوله : تردد (وتوضيح) عدم ضيره : أن اليقين والشك إنما يتعلقان بالصور الذهنية لا بمحكياتها الخارجية فعدم اجتماع اليقين بالحدوث مع الشك في البقاء في كل واحد من الفردين لا ينافي اجتماعهما في نفس الكلي ، ضرورة صدق قولنا في المثال المتقدم : وجود الحيوان معلوم وبقاؤه مشكوك ، ولازم ذلك جواز الاستصحاب في الكلي لاجتماع الأركان فيه فيجب ترتيب آثاره عليه وعدم جوازه في كل واحد من الفردين بعينه فلا يجب ترتيب آثار كل منهما إلا

٤٥١

(وتوهم) كون الشك في بقاء الكلي الّذي في ضمن ذاك المردد مسبباً عن الشك في حدوث الخاصّ المشكوك حدوثه المحكوم بعدم الحدوث بأصالة عدمه (فاسد) قطعاً لعدم كون بقائه وارتفاعه من لوازم حدوثه وعدم حدوثه بل من لوازم كون الحادث المتيقن ذاك المتيقن الارتفاع أو البقاء مع أن بقاء القدر المشترك إنما هو بعين بقاء الخاصّ الّذي في ضمنه لا أنه من لوازمه

______________________________________________________

إذا كان هناك علم إجمالي بالتكليف فانه حينئذ يكون منجزاً ويجب الاحتياط فيه (١) (قوله : وتوهم كون الشك) هذا إشارة إلى شبهة أخرى للمنع وحاصلها : أن الشك في بقاء الكلي وزواله مسبب عن الشك في وجود الفرد الطويل العمر والأصل الجاري في السبب مقدم على الأصل الجاري في المسبب فأصالة عدم الفرد الطويل العمر تقتضي انتفاء الكلي فلا يجري الأصل في بقائه (٢) (قوله : فاسد قطعاً) هو خبر توهم (ووجه) الفساد أمور أشار إليها (الأول) منع السببية على النحو الّذي ذكره فان احتمال بقاء الكلي وإن كان من لوازم حدوث الفرد الطويل العمر إلا أن احتمال ارتفاعه ليس من لوازم عدم حدوثه إذ لا اقتضاء لعدم حدوثه في ارتفاع الكلي وانما المقتضي له حدوث الفرد القصير العمر فيكون سبب الشك في بقاء الكلي وارتفاعه الشك في كون الحادث هو طويل العمر أو قصيره ، ومن المعلوم أنه لا أصل يصلح لتعيين الحادث فان أصالة عدم حدوث الفرد الطويل العمر لا يثبت كون الحادث هو القصير إلا بناء على الأصل المثبت ، فان كون الحادث هو القصير من الملازمات الاتفاقية لعدم حدوث الفرد الطويل من جهة العلم الإجمالي بحدوث أحدهما المقتضي لملازمة وجود كل منهما لعدم الآخر (الثاني) أن بقاء الكلي عين بقاء الفرد الطويل العمر لا أنه من لوازمه حتى تصح دعوى السببية والمسببية بينهما (وفيه) أن دعوى السببية انما كانت بين بقاء الكلي وحدوث الفرد لا بين حدوثه وحدوثه حتى تدفع بما ذكر. مع أن العينية بين الوجودين ذاتاً لا تقتضي العينية بينهما اعتباراً إذ لا ريب أن الوجود المضاف إلى الفرد بما

٤٥٢

على أنه لو سلم أنه من لوازم حدوث المشكوك فلا شبهة في كون اللزوم عقلياً ولا يكاد يترتب بأصالة عدم الحدوث إلا ما هو من لوازمه وأحكامه شرعاً ، وأما إذا كان الشك في بقائه من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذاك الخاصّ الّذي كان في ضمنه بعد القطع بارتفاعه ففي استصحابه إشكال أظهره عدم جريانه فان وجود الطبيعي وان كان بوجود فرده إلا أن وجوده في ضمن المتعدد من افراده ليس من نحو وجود واحد له بل متعدد حسب تعددها فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها لقطع بارتفاع وجوده وإن شك في وجود فرد آخر

______________________________________________________

أنه كذلك غير الوجود المضاف إلى الكلي بما أنه كذلك ، ولذا قد ينعدم الفرد ولا ينعدم الكلي لوجوده في فرد آخر. فتأمل. مضافا إلى أن العينية أقرب إلى إثبات التوهم من الاثنينية فيرجع الإشكال إلى التعبير محضاً. فلاحظ (الثالث) انه لو سلم اللزوم فهو عقلي ، وفي مثله فالأصل الجاري في السبب غير حاكم على الأصل الجاري في المسبب بل لا بد من الرجوع إلى الأصل الجاري في المسبب (وهنا) شبهة أخرى وهي أن وجود الكلي لما كان بوجود فرد من أفراده كان عدمه بعدم تمام الأفراد فإذا علم بعدم كل فرد للكلي غير الفرد الطويل العمر فبضميمة أصالة عدم الفرد المذكور يثبت عدم تمام الأفراد فيثبت عدم الكلي فيكون موضوع الأثر محرزاً بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل «وتندفع» بما أشرنا إليه من أن عدم الطبيعي ليس عين عدم جميع الافراد حتى يكون الأثر الثابت لعدم الطبيعي في الحقيقة ثابتاً لعدم تمام الافراد الثابت بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل بل يخالفه ، ولذلك ترى أن عدم الطبيعي لا تكثر فيه وعدم الافراد متكثر قطعاً ، فإثبات عدم الطبيعي بإثبات عدم الافراد بالأصل يتوقف على القول بالأصل المثبت. فلاحظ وتأمل (١) (قوله : واما إذا كان الشك) هذا تعرض لحكم القسم الثالث (٢) (قوله : فان وجود الطبيعي) يعني يعتبر في صحة جريان الاستصحاب أن يكون الشك في البقاء والبقاء عين الحدوث وجوداً وان كان غيره زمانا فإذا علم بوجود الكلي في فرد وعلم بارتفاع ذلك الفرد فقد علم بارتفاع وجود الكلي

٤٥٣

مقارن لوجود ذاك الفرد أو لارتفاعه بنفسه أو بملاكه كما إذا شك في الاستحباب بعد القطع بارتفاع الإيجاب بملاك مقارن أو حادث (لا يقال) : الأمر وإن كان كما ذكر إلا أنه حيث كان التفاوت بين الإيجاب والاستحباب وهكذا بين الكراهة والحرمة ليس إلا بشدة الطلب بينهما وضعفه كان تبدل أحدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم غير موجب لتعدد وجود الطبيعي بينهما لمساوقة الاتصال مع الوحدة فالشك في التبدل حقيقة شك في بقاء الطلب وارتفاعه

______________________________________________________

واحتمال وجود فرد آخر وان كان شكا في وجود الكلي إلا أن هذا الوجود المشكوك ليس بقاء لذلك الوجود المعلوم ، وإلا فقد عرفت العلم بارتفاعه فكيف يكون مما يحتمل بقاؤه فلا يكون الشك في هذا الوجود المشكوك شكا في بقاء وجود الكلي المعلوم ليكون مورداً للاستصحاب بل شك في وجود آخر للكلي والأصل عدمه (١) (قوله : مقارن لوجود) إشارة إلى أقسام القسم الثالث فان الفرد الآخر المحتمل بقاء الكلي فيه (تارة) يحتمل وجوده مقارناً لوجود الفرد المعلوم الارتفاع (وأخرى) مقارنا لزواله ، والأخير (تارة) يكون لملاك حادث مقارن لزوال المعلوم (وأخرى) يكون لملاك مقارن لوجود المعلوم ، وذلك كما لو علم بارتفاع الوجوب واحتمل وجود الاستحباب مقارنا لارتفاعه إما لملاك ثابت حال وجود الوجوب أو حال ارتفاعه (٢) (قوله : لا يقال الأمر وان كان) هذا إشكال على التمثيل بالاستحباب لا على منع الاستصحاب في هذا القسم. وحاصل الإشكال : أن الاستحباب بعض مراتب الوجوب فيكون وجوده عين وجوده كما هو الحال في السواد الضعيف والشديد فلا يكون وجود الاستحباب بعد الوجوب إلا بقاء لوجود الجامع بينهما وهو الطلب فيصح استصحابه (٣) (قوله : إلا بشدة الطلب بينهما وضعفه) هذا راجع إلى الوجوب والاستحباب وأما الحرمة والكراهة فالتفاوت بينهما بشدة الكراهة وعدمها (٤) (قوله : لمساوقة الاتصال) يعني ملازمة الاتصال بحسب الوجود الحاصل بعدم تخلل العدم للوحدة

٤٥٤

لا في حدوث وجود آخر (فانه يقال) : الأمر وإن كان كذلك إلا أن العرف حيث يرى الإيجاب والاستحباب المتبادلين فردين متباينين لا واحد مختلف الوصف في زمانين لم يكن مجال للاستصحاب

______________________________________________________

بحسبه (١) (قوله : وان كان كذلك) يعني أن الاستحباب من مراتب الوجوب حقيقة لكنه مباين له عرفا ، والمعيار في جريان الاستصحاب الوحدة العرفية ولو مع التعدد عقلا. ثم ان ما ذكره المصنف (ره) من كون الاستحباب من مراتب الوجوب هو المشهور ظاهراً ، ولكنه لا يخلو من تأمل ، إذ لازمه كون اجتماع عناوين مستحبة موجباً لوجوب المعنون مع أن بطلانه ضروري. مضافا إلى أن المرتكز في أذهان العقلاء كون جواز الترك في المستحبات وعدم جوازه في الواجبات من جهة الترخيص وعدمه لا لضعف الطلب وتأكده. نعم يبقى الإشكال في إمكان الجمع بين طلب الفعل ولو كان ضعيفاً والترخيص في الترك ، ولعل الوجه فيه أن الطلب مع عدم الترخيص يكون بداعي احداث الداعي العقلي من حيث ترتب الثواب على الموافقة والعقاب على المخالفة معاً ومع الترخيص يكون بداعي احداث الداعي العقلي من حيث ترتب الثواب فقط لأن الاذن انما تنافي العقاب لا غير ، وأما وجه عدم التنافي بين الإرادة الحقيقية والترخيص فهو الّذي تقدم في بيان عدم تضاد الأحكام الظاهرية والواقعية. فتأمل جيداً (٢) (قوله : لا واحد مختلف الوصف) يعني ليست صفتا الوجوب والاستحباب القائمتان بالطلب من قبيل الأحوال المتبادلة على الموضوع الواحد عرفا بل من قبيل المقومات للموضوع بحيث يتعدد تبادلها فلا مجال للاستصحاب لاعتبار اتحاد الموضوع فيه عرفا «أقول» : بعد ما عرفت من تباين الوجوب والاستحباب ارتكازاً فالظاهر أن منشأ اعتبار الوجوب طلب الشيء مع عدم الاذن في تركه ومنشأ اعتبار الاستحباب طلب الشيء مع الاذن في تركه فإذا علم بارتفاع الوجوب فعلم بجواز الترك وشك في بقاء الطلب لم يكن مانع من استصحاب بقائه فيثبت الاستحباب ، نظير ما تقدم من أن الجمع بين أدلة التكاليف وأدلة رفع القلم عن

٤٥٥

لما مرت الإشارة إليه ويأتي من أن قضية إطلاق اخبار الباب أن العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع الشك بنظر العرف نقضاً وان لم يكن بنقض بحسب الدقة ولذا لو انعكس الأمر ولم يكن نقض عرفا لم يكن الاستصحاب جارياً وإن كان هناك نقض عقلا ، ومما ذكرنا في المقام يظهر أيضا حال الاستصحاب في متعلقات الأحكام في الشبهات الحكمية والموضوعية فلا تغفل

______________________________________________________

الصبي يقتضي الحكم بشرعية عبادة الصبي ، وكذا الجمع بين أدلة التكاليف وأدلة نفي الحرج والضرر يقتضي صحة الوضوء الحرجي والضرري. فتأمل جيداً ، وقد تقدم في مبحث نسخ الوجوب ما له نفع في المقام فراجع (١) (قوله : ويأتي) يعني في الخاتمة (٢) (قوله : وان لم يكن بنقض) كما في مثل استصحاب الكرية بعد نقصه بأخذ مقدار منه وكما في استصحاب النجاسة بعد زوال تغيره من قبل نفسه (٣) (قوله : وان كان هناك) كما في مثل استصحاب الحمرة للجسم بعد العلم بارتفاع السواد (٤) (قوله : في الشبهات الحكمية) كما إذا شك في أن الواجب في الكفارة مد أو مدان فبإعطاء المد يشك في وجوب المد أيضا ، ولا يجوز استصحابه لأنه من هذا القسم الثالث (٥) (قوله : والموضوعية) كما لو شك في فوات فريضة الصبح مرة أو مرتين فبقضاء الصبح مرة يشك في وجوبها عليه ولا يجوز استصحابه لما ذكر بل يجري فيه وفي أمثاله استصحاب العدم في زمن التعيين بوجود المعلوم إلى ما بعده والله سبحانه أعلم

(تنبيه)

هذا كله لو كان الأثر الشرعي للكلي أما لو كان الأثر للفرد فان كان الشك في بقائه للشك في طول عمره وقصره جرى استصحابه بلا كلام ، وان كان لتردده بين فردين كما لو كان إنسان وكيلا لزيد ولعمرو على الإنفاق على عيالهما ثم علم بموت زيد وبحياة عمرو وقد حضره إنسان واجب النفقة على أحدهما فتردد بين أن يكون

٤٥٦

عيالا لزيد وان يكون عيالا لعمرو ، فعلى الأول لا يجب عليه إنفاقه عليه لموت معيله ، وعلى الثاني يجب لحياة معيله ففي جواز استصحاب حياة معيله ، لإثبات وجوب إنفاقه عليه إشكال والّذي يجري على ألسنة بعض أهل العصر ذلك لاجتماع أركان الاستصحاب فيه من اليقين بالوجود والشك في البقاء كالكلي المردد بين فردين في القسم الثاني. لكن الظاهر المختار لجماعة من مشايخنا المعاصرين هو المنع «والوجه فيه» : أنه يعتبر في صحة جريان الاستصحاب تعلق اليقين والشك بنفس موضوع الأثر الشرعي ومثل عنوان المعيل في المثال المذكور ليس كذلك لأنه إن أخذ عنوانا حاكياً عن زيد كان معلوم الوفاة وان أخذ حاكياً عن عمرو كان معلوم الحياة وان أخذ مردداً لم يكن موضوعا للأثر لكون المفروض كون الأثر لمصداق الفرد لا لمفهومه المردد الصالح للانطباق على كل واحد منهما ولو على البدل. وبهذا يظهر الفرق بين الاستصحاب هنا واستصحاب الكلي في القسم الثاني مع تردده بين فردين أيضا فان نفس متعلق اليقين والشك هناك وهو الكلي موضوع للأثر الشرعي وليس كذلك هنا لكون الأثر للشخص لا للكلي ، ومن هنا يظهر أيضا أن المنع المذكور لا يختص بالاستصحاب بل يجري في عامة الأصول لاطراد وجه المنع فيها ويترتب على ذلك أن لو صلى مع اشتباه القبلة إلى الجهات الأربع ثم علم بعد تمام الصلاة بفساد واحدة منها بعينها وجب عليه إعادة تلك الصلاة ولا مجال لإجراء قاعدة الفراغ في الصلاة إلى القبلة المرددة بين معلومة الفساد ومعلومة الصحة لأن الصلاة المذكورة من الفرد المردد الّذي لا يجري فيه الأصل ، ولو علم بفساد واحدة منها مرددة جرت قاعدة الفراغ في كل واحدة منها بعينها ، والعلم الإجمالي المذكور لا يمنع لعدم الأثر لمتعلقه لاحتمال كون الفاسدة غير ما وقعت إلى القبلة ، إلا ان يكون وجوب الأربع ليس من باب الاحتياط بل من باب الاكتفاء تعبداً من جهة النص فلا بد من الاحتياط بإعادة الجميع للعلم الإجمالي المذكور فلاحظ. (ثم إنه) قد اشتهر أن الوجه في تحرير مسألة استصحاب الفرد المردد أن

٤٥٧

بعض الأعاظم (١) «قدس‌سره» ورد النجف الأشرف في أيام حياة المصنف (ره) فسأل في بعض مجالسه عن عباءة تنجس جانب منها غير معين وطُهر منها جانب معين يحتمل كونه المتنجس فلاقى بدن المصلي كلا من جانبيها المطهر وغير المطهر ، زاعماً «قدس‌سره» أن مقتضى استصحاب نجاسة الجانب المتنجس نجاسة البدن الملاقي للعلم بملاقاته له ، مع أنه لو فرض ملاقاة البدن للجانب غير المطهر فقط لم يحكم بنجاسته بناء على طهارة الملاقي لأحد أطراف الشبهة المحصورة فكيف يحكم بنجاسة البدن لو لاقى الجانب المطهر بعد ملاقاته للجانب المحتمل للنجاسة مع العلم بأن ملاقاته للجانب المطهر لا تؤثر فيه نجاسة أصلا؟ فكان المتحصل في الجواب هو طهارة البدن لعدم جريان استصحاب النجاسة لكون موضوعه الفرد المردد. واشتهرت هذه المسألة بمسألة العباءة. ثم إنه كما لا يجوز استصحاب الفرد المردد لا يجوز استصحاب المفهوم المردد كما لو شك في مفهوم الكر أنه ما يساوي ثلاثة وأربعين شبراً تقريباً أو ما يساوي سبعة وعشرين فوجد ماء بالمقدار الأول ثم نقص حتى صار بالمقدار الثاني فلا يصح استصحاب الكرية ، وكذا لو شك في أن النهار ينتهي بغياب القرص أو بذهاب الحمرة المشرقية لا مجال لاستصحاب النهار بعد غياب القرص ، أو شك في أن العدالة اجتناب الكبائر مطلقاً أو مع منافيات المروءة فوجد شخص مجتنباً للجميع ثم ارتكب بعض منافيات المروءة فلا يصح استصحاب العدالة ... إلى غير ذلك من الموارد التي يشك فيها في بقاء المفهوم لتردده بين مفهومين يعلم بارتفاع أحدهما وببقاء الآخر فانه لا يجوز الاستصحاب فيها لما ذكر من أن المفهوم المردد ليس موضوعا للأثر والمعين لم تجتمع فيه أركان الاستصحاب والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) المرحوم السيد إسماعيل الصدر «قدس‌سره»

٤٥٨

(الرابع) أنه لا فرق في المتيقن بين أن يكون من الأمور القارة أو التدريجية غير القارة فان الأمور غير القارة وإن كان وجودها ينصرم ولا يتحقق منه جزء إلا بعد ما انصرم منه جزء وانعدم إلا أنه ما لم يتخلل في البين العدم بل وان تخلل بما لا يخل بالاتصال عرفا وان انفصل حقيقة كانت باقية مطلقاً أو عرفا

______________________________________________________

(التنبيه الرابع)

(١) (قوله : من الأمور القارة) القار هو الّذي تجتمع أجزاؤه في الوجود في زمان واحد مثل زيد وعمرو مقابل التدريجي وهو ما لا يكون كذلك بل يوجد منه جزء في آن فينعدم ويوجد الجزء الآخر منه في آن آخر ... وهكذا حتى تنتهي أجزاؤه. مثل جريان الماء وسيلان الدم ونحوهما (وحاصل) المراد : أنك عرفت أن المستفاد من أدلة الاستصحاب وجوب العمل على البقاء مهما كان الشك في البقاء ، ومن المعلوم صدق البقاء حقيقة وعقلا على وجود الأمر التدريجي في الزمان الثاني كصدقه على وجود القار كذلك ، ومجرد عدم اجتماع الأجزاء في الوجود في زمان واحد في الأول واجتماعها في الثاني لا يوجب الفرق في ذلك. والرجوع إلى موارد الاستعمال مثل قولهم : بقي الجريان والسيلان ، يلحق ما ذكر بالضروري (ومنشأ) الإشكال في جريان الاستصحاب ملاحظة الأجزاء في التدريجي كلا مستقلا فيرى أن الجزء الأول منه المعلوم الوجود في الزمان الأول معلوم الارتفاع في الزمان الثاني والجزء الثاني منه مشكوك الحدوث فيرجع إلى أصالة عدمه «ويندفع» بأنه لا وجه لذلك بعد صدق الوجود الواحد على الوجود الممتد تدريجاً بحيث يكون أوله حدوثاً وما بعده بقاء كما يصدق على الوجود الممتد القار بعينه (٢) (قوله : وان كان وجودها) من هذا توجه الإشكال كما عرفت (٣) (قوله : إلا انه ما) إشارة إلى دفع الإشكال (٤) (قوله : بما لا يخل) كما في مثل الكلام الواحد فانه يصدق عرفا مع تخلل السكوت اليسير (٥) (قوله : مطلقاً) يعني حقيقة وعرفا وهو راجع إلى صورة عدم تخلل العدم (قوله : أو عرفا)

٤٥٩

ويكون رفع اليد عنها مع الشك في استمرارها وانقطاعها نقضاً ولا يعتبر في الاستصحاب بحسب تعريفه وأخبار الباب وغيرها من أدلته غير صدق النقض والبقاء كذلك قطعاً ، هذا مع أن الانصرام والتدرج في الوجود في الحركة في الأين وغيره إنما هو في الحركة القطعية وهي كون الشيء في كل آن في حد أو مكان لا التوسطية وهي كونه بين المبدأ والمنتهى فانه بهذا المعنى يكون قاراً مستمراً ، فانقدح بذلك أنه لا مجال للإشكال في استصحاب مثل الليل أو النهار وترتيب ما لهما من الآثار ، وكذا كلما إذا كان الشك في الأمر التدريجي من جهة الشك في انتهاء حركته ووصوله إلى المنتهى أو أنه بعد في البين ،

______________________________________________________

(١) راجع إلى قوله : (ره) وان تخلل ... إلخ (٢) (قوله : نقضاً) خبر يكون (٣) (قوله : والبقاء كذلك) يعني عرفا (٤) (قوله : هذا مع أن) يعني أن الحركة على قسمين قطعية وتوسطية «فالأولى» عبارة عن كون الشيء في كل آن في مكان إذا كانت الحركة في المكان كحركة السائر فانه في كل آن يكون في مكان غير ما كان فيه الآن السابق أو في حد إذا كانت الحركة في غير المكان كحركة الطفل والشجرة في النموّ فانهما ما داما في النموّ يكون نموهما في كل آن بحد خاص فهو في الآن اللاحق يخلع حداً كان له في الآن السابق ويلبس حداً آخر فهو في كل آن في خلع ولبس ومثله الاشتداد في الكيف «والثانية» عبارة عن كون الشيء بين المبدأ والمنتهى ، كالنهار الّذي هو عبارة عن كون الشمس بين المشرق والمغرب ، والليل الّذي هو عبارة عن كونها بين المغرب والمشرق. والتدرج والتصرم إنما هو في القسم الأول لا الثاني فانه من القار ، ولذا يقال : النهار يوجد عند طلوع الشمس وينعدم بغروبها. هذا وحيث أن الفرق بين القسمين انما هو بمحض الاعتبار وملاحظة مجموع ما بين المبدأ والمنتهى وعدمه فالعمدة ما تقدم (٥) (قوله : واما إذا كان من جهة الشك) الشك في مثل جريان الماء «تارة» يكون للشك في طروء ما يمنع عن جريانه أو قوة استعداده للجريان

٤٦٠