حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

يوجب الإشكال فيه والعجز عن التفصي عنه إشكالا في دلالة الرواية على الاستصحاب فانه لازم على كل حال كان مفاد قاعدته أو قاعدة اليقين ـ مع بداهة عدم خروجه منهما فتأمل جيداً (ومنها) صحيحة ثالثة لزرارة : «وإذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات» والاستدلال بها

______________________________________________________

منهما في الفرض مع المخالفة في الحكم وعدم سؤال الراوي عن وجه الفرق مع اطراد التعليل المذكور فيه فيهما معا هذا مضافا إلى لزوم الإشكال المتقدم من كونه نقضا لليقين باليقين لا بالشك. فتأمل والله سبحانه اعلم (١) (قوله : يوجب الإشكال) «الإشكال» فاعل (يوجب) ، وضمير «فيه» راجع إلى التوجيه و «العجز» معطوف على الإشكال «وإشكالا» مفعول «يوجب» (٢) (قوله : فانه لازم) يعني الإشكال لازم على كل حال سواء حملت على الاستصحاب أم حملت على قاعدة اليقين فلو كان حملها على قاعدة اليقين يندفع به الإشكال يتعين لذلك ، لكنه حيث لا يجدي في رفع الإشكال فيتعين حملها على الاستصحاب الّذي هو الظاهر (٣) (قوله : ومنها صحيحة ثالثة لزرارة) هذه الصحيحة رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة ، وقد ظهر حال الطريق الأول ، واما الثاني فمحمد بن إسماعيل المذكور فيه فيه كلام معروف مشهور من حيث تعيينه وأنه ابن بزيع أو البرمكي أو النيسابوري أو غيرهم إلا أن المحقق في محله انه النيسابوري تلميذ الفضل ، ورواية كتبه ومن حيث توثيقه فعن العلامة وكثير ممن تأخر عنه عده خبرا صحيحا ، وعن بعض عده حسنا ، وكيف كان فحديثه معتبر ، واما الفضل فحاله في الجلالة أظهر من أن يذكر وأشهر من ان يسطر (٤) (قوله : وإذا لم يدر في ثلاث) صدر الحديث عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قلت له : من لم يدر في أربع

٤٢١

على الاستصحاب مبني على إرادة اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة سابقا والشك في إتيانها. وقد أشكل بعدم إمكان إرادة ذلك على مذهب الخاصة ضرورة أن قضيته إضافة ركعة أخرى موصولة والمذهب قد استقر على إضافة ركعة بعد التسليم مفصولة

______________________________________________________

هو أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين قال عليه‌السلام : يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شيء عليه ، وإذا لم يدر ... الحديث (١) (قوله : على إرادة اليقين) قد يشكل جريان أصالة عدم الإتيان بالركعة سواء كان المقصود بها إثبات وجوب ركعة متصلة أم منفصلة «اما الأول» فلأن محل التشهد والتسليم الجلوس في الرابعة ومن المعلوم ان أصالة عدم الإتيان بالركعة لا تصلح لإثبات كون الركعة المأتي بها رابعة ليحرز بها محلهما إلّا بناء على القول بالأصل المثبت (فان قلت) : لازم ذلك عدم إحراز المحل لو شك في زيادة جزء بعد الرابعة فتبطل الصلاة بمجرد الشك «قلت» : زيادة الاجزاء لا تنافي المحل لأن المراد من الرابعة ما يقابل الثالثة والخامسة (واما الثاني) فلأن ترتبه عليها لو فرض كون الركعة المفصولة مصداقا للواجب ليس ترتبا شرعيا بل عقليا ، ومثله سقوط الوجوب بفعل المأمور به كما عرفت الإشارة إليه سابقا ، ونبه عليه شيخنا الأعظم (ره) في هذا المقام لكن عرفت فيما سبق أن مرجع جميع الأصول المفرغة مثل قاعدتي التجاوز والفراغ وأصالة بقاء الطهارة من الحدث التي هي مورد الصحيحة الأولى ومن الخبث التي هي مورد الصحيحة الثانية إلى توسعة في موضوع الأثر فيترتب عليها سقوط التكليف فليكن مرجع أصالة عدم الإتيان وقاعدة الشك في المحل ونحوهما إلى تضييق موضوع الأثر فيترتب عليها بقاء التكليف (٢) (قوله : على مذهب الخاصة) من البناء على الأكثر بالتسليم على المتيقن فان مرجعه إلى البناء على فعل الركعة المشكوكة وعدم الاعتناء باحتمال عدم فعلها عملا وهو ينافي البناء على عدم فعلها الّذي هو مقتضى الاستصحاب (٣) (قوله : ان قضيته) الضمير راجع إلى حمل اليقين على اليقين بعدم الركعة والشك على الشك في إتيانها. يعني أن مقتضى ذلك لزوم فعل ركعة قبل التسليم موصولة بالمتيقن لكن عرفت

٤٢٢

وعلى هذا يكون المراد باليقين اليقين بالفراغ بما علَّمه الإمام عليه‌السلام من الاحتياط بالبناء على الأكثر والإتيان بالمشكوك بعد التسليم مفصولة ، ويمكن الذب عنه بان الاحتياط كذلك لا يأبى عن إرادة اليقين بعدم الركعة المشكوكة بل كان أصل الإتيان بها باقتضائه ، غاية الأمر إتيانها مفصولة ينافي إطلاق النقض وقد قام الدليل على التقييد في الشك في الرابعة وغيره وأن المشكوكة لا بد أن يؤتى بها مفصولة (فافهم) وربما أشكل أيضا بأنه لو سلم دلالتها على الاستصحاب كانت من الأخبار الخاصة الدالة عليه في خصوص المورد لا العامة لغير مورد ، ضرورة ظهور الفقرات في كونها

______________________________________________________

الإشكال في اقتضائه ذلك في نفسه. نعم قد يقتضيه بملاحظة نفس الرواية بحيث يكون ظهورها في تطبيق الاستصحاب في المقام دليلا على إلغاء اعتبار المحل أو على صلاحيته لإثبات كون الركعة رابعة (١) (قوله : وعلى هذا يكون المراد) يعني فإذا كان حمل الرواية على الاستصحاب يوجب مخالفة المذهب لا بد حينئذ من حملها على معنى لا يخالف المذهب بان يكون المراد من اليقين اليقين بالفراغ الحاصل من عمل الاحتياط الّذي علمه الإمام عليه‌السلام بفعل الركعة بعد التسليم ويكون المراد من الشك الشك في الفراغ بفعل المشكوك قبل التسليم ، وهذا أجنبي عن الاستصحاب اللهم إلا ان يقال : بأنه إذا سلم كون ظاهر الرواية الاستصحاب فمخالفة المذهب انما تمتنع من تطبيق الاستصحاب في المقام لا من ظهورها في ثبوته فليحمل تطبيقه على المورد على التقية ويؤخذ بظهورها في ثبوته فيصح الاستدلال بها عليه للعلم بمخالفة ظهورها في التطبيق للواقع والشك في مخالفة القاعدة له ، إلا أن يدعى أن حملها على المعنى المذكور في التوجيه اقرب عرفا من التفكيك بين ظهورها في أصل القاعدة وظهورها في التطبيق على المورد ولا سيما بملاحظة صدرها المخالف للتقية بناء على ظهوره في الركعتين المنفصلتين إذ يبعد حينئذ التطبيق على التقية (٢) (قوله : ينافي إطلاق النقض) أقول : إذا كانت الركعة الواجبة التي يجري الأصل لإثبات عدمها هي الموصولة فأصالة عدمها انما تقتضي وجوب فعلها موصولة فوجوب

٤٢٣

مبنية للفاعل ومرجع الضمير فيها هو المصلي الشاك وإلغاء خصوصية المورد ليس بذلك الوضوح وإن كان يؤيده تطبيق قضية (لا تنقض اليقين) وما يقاربها على غير مورد ، (بل دعوى) أن الظاهر من نفس القضية هو ان مناط حرمة النقض إنما يكون لأجل ما في اليقين والشك لا لما في المورد من الخصوصية وأن مثل اليقين لا ينقض بمثل الشك (غير بعيدة) «ومنها» قوله : من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين أو بان اليقين لا يدفع بالشك ، وهو وان كان يحتمل قاعدة اليقين لظهوره في اختلاف زمان الوصفين وإنما يكون ذلك في القاعدة دون الاستصحاب ضرورة إمكان اتحاد زمانهما إلا أن المتداول في التعبير عن مورده هو مثل هذه العبارة

______________________________________________________

الركعة المفصولة ليس هو الوجوب الثابت للركعة المشكوكة حتى يترتب على إطلاق حرمة النقض. اللهم إلّا ان يقال : ان وجوب الركعة المفصولة انما هو بحسب الأدلة الأولية اما بعد ورود ما دل على وجوب البناء على الأكثر وفعل المشكوك بعد التسليم فلا بد من التقييد وانه في حال الشك تجب المفصولة لا الموصولة ، وحينئذ فمقتضى أصالة عدم الإتيان هو فعل الركعة مفصولة وليس فيه حينئذ تقييد لإطلاق حرمة النقض أصلا بل التقييد كما عرفت لوجوب المشكوك موصولا كما يظهر بأدنى تأمل ، ولعل هذا هو مراد المصنف «ره» أو أشار إليه بقوله : فافهم. هذا والإنصاف ان الرواية لا تخلو من إجمال في المراد بملاحظة الفقرات الست أو السبع وظهورها في اتحاد المراد من اليقين فلاحظ (١) (قوله : مبنية للفاعل) بقرينة العطف على : قام فأضاف ... إلخ (٢) (قوله : غير بعيدة) هو خبر (دعوى) (٣) (قوله : لظهوره في اختلاف) بقرينة الفاء الدالة على الترتيب (٤) (قوله. ضرورة إمكان) بل لا بد من اتحاد زمانهما واختلاف زمان متعلقهما في الاستصحاب على العكس من قاعدة اليقين ، فالأوّل كأن يتيقن يوم الجمعة بوجود زيد يوم الخميس ويشك يوم الجمعة بوجوده يوم الجمعة ، والثانية كأن يتيقن يوم الجمعة بوجود زيد

٤٢٤

ولعله بملاحظة اختلاف زمان الموصوفين وسرايته إلى الوصفين لما بين اليقين والمتيقن من نحو من الاتحاد «فافهم» هذا مع وضوح أن قوله : فان الشك لا ينقض ... إلخ هي القضية المرتكزة الواردة مورد الاستصحاب في غير واحد من أخبار الباب (ومنها) خبر الصفار عن علي بن محمد القاساني قال : كتبت إليه وأنا بالمدينة عن اليوم الّذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا فكتب : اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وأفطر للرؤية ، حيث دل على أن اليقين بشعبان لا يكون مدخولا بالشك في بقائه وزواله بدخول شهر رمضان ويتفرع عدم وجوب الصوم إلا بدخول شهر رمضان ، وربما يقال : إن مراجعة الاخبار الواردة في يوم الشك ، يشرف على القطع بان المراد باليقين هو اليقين بدخول شهر رمضان وانه لا بد في وجوب الصوم ووجوب الإفطار من اليقين بدخول شهر رمضان وخروجه وأين هذا من الاستصحاب فراجع ما عقد في الوسائل لذلك من الباب تجده شاهداً عليه (ومنها) قوله عليه‌السلام : كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر ، وقوله : الماء كله طاهر حتى تعلم انه نجس،

______________________________________________________

يوم الخميس ويشك في يوم السبت بوجوده يوم الخميس ، ومنشأ الشك حينئذ ارتفاع أسباب اليقين من أصلها (١) (قوله : ولعله بملاحظة اختلاف) بل الظاهر أن الوجه إلغاء جهة الزمان فيه بحيث لا ينظر إلّا إلى نفس المتيقن مع غلبة حدوث اليقين قبل حدوث الشك ، ولعل من راجع موارد استعمال نفسه حيث يقول : كنت متيقنا بالطهارة ثم شككت فيها ، يجد صدق ما قلناه. وأما ما ذكره بعض من كون الوجه في هذه الاستعمالات غلبة اختلاف زمان الوصفين في الاستصحاب ففيه ما عرفت من امتناع ذلك ولعل مراده غلبة اختلاف زمانهما حدوثا لا وجوداً فانه غير بعيد (٢) (قوله : ومنها خبر الصفار عن) رواه الشيخ بسنده إلى الصفار وطريقه إليه صحيح والصفار محمد بن الحسن الصفار وهو من الجلالة والوثاقة بمكان ، والقاساني فيه كلام (٣) (قوله : هو اليقين بدخول شهر رمضان) ففي رواية الخزّاز : ان

٤٢٥

وقوله : كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام ،

______________________________________________________

شهر رمضان فريضة من فرائض الله تعالى فلا تؤدوا بالتظني ، وفي رواية إسحاق بن عمار : صم للرؤية وأفطر للرؤية وإياك والشك والظن فان خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين ، وفي رواية ابن مسلم : إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية ... الحديث (فتأمل) وقد يؤيد بقوله عليه‌السلام : لا يدخل فيه : دون مثل : لا ينقض ، هذا مضافا إلى ان جريان الاستصحاب في المقام موقوف على كون وجوب الصوم من آثار بقاء شهر رمضان وكون عدمه من آثار عدم دخوله فانه حينئذ يترتب وجوبه على استصحاب بقاء الشهر وعدم وجوبه على أصالة عدم دخوله ، أما لو كان وجوب الصوم من آثار كون الزمان المعين من رمضان بنحو مفاد كان الناقصة فاستصحاب بقائه أو عدم دخوله لا يترتب عليه تعيين حال زمان الشك من حيث كونه من رمضان أو من غيره إذ لا يترتب مفاد كان الناقصة على استصحاب مفاد كان التامة إلا على القول بالأصل المثبت ، هذا والمستفاد من مثل قوله تعالى : «فمن شهد منكم الشهر فليصمه» ونحوه هو الثاني (١) (قوله : (ومنها قوله : كل شيء)) الرواية الأولى رواها [١] الشيخ في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث ـ : كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك ، والظاهر أن ما في المتن من غلط النساخ ، والثانية رواها [٢] الكليني والشيخ عن حماد بن عثمان وحماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

[١] رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار. وطريق الشيخ إلى محمد صحيح وهو من الأجلاء والباقون كلهم ثقات لكنهم فطحيون على المشهور عدا عمرو بن سعيد فعن نصر بن الصباح انه فطحي. لكن العلامة (ره) قال لا أعتمد عليه. منه مد ظله.

[٢] رواها الشيخ عن سعد عن محمد بن الحسين عن أبي داود المنشد عن جعفر بن محمد عن يونس عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام وعن محمد بن أحمد بن يحيى عن الحسن

٤٢٦

وتقريب دلالة مثل هذه الاخبار على الاستصحاب أن يقال : إن الغاية فيها إنما هو لبيان استمرار

______________________________________________________

الماء كله طاهر حتى يعلم انه قذر ، والظاهر أن ما في المتن كما قبله ، والسند معتبر ، والثالثة رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه ... الحديث والسند معتبر وان كان مسعدة لا يخلو من خدش (١) (قوله : وتقريب دلالة مثل هذه الاخبار) اعلم ان شيخنا الأعظم (قده) في رسالة الاستصحاب منع من صلاحية هذه النصوص للدلالة على الاستصحاب وقاعدة الطهارة معاً ، بل هي ، اما دالة على الاستصحاب أو القاعدة ، والمصنف (ره) في حاشيته على ذلك الموضع من الرسالة لم يستبعد دعوى دلالتها عليهما معاً وعلى ثبوت الطهارة الواقعية للأشياء ، وفي المتن عدل عن ذلك واستقرب دلالتها على ثبوت الطهارة الواقعية وعلى الاستصحاب دون قاعدة الطهارة الظاهرية. وتقريب ما ذكره في الحاشية : ان قوله عليه‌السلام : كل ماء طاهر ، مثلا دال على ثبوت الطهارة لكل ماء بمقتضى العموم الأفرادي المستفاد من (كل) وعلى ثبوتها في كل حال بمقتضى الإطلاق الأحوالي لمفهوم الماء ، ومن المعلوم أن من تلك الأحوال حال الشك في الطهارة لأن الشك في طهارة الماء مما يصح انتزاع عنوان عرضي منه للماء يكون من أحواله مثل عنوان مشكوك الطهارة فيدل الكلام المذكور على ثبوت الطهارة لكل ماء في كل حال حتى حال كونه مشكوك الطهارة والنجاسة. ثم إن الطهارة الثابتة لكل ماء في كل حال عدا الحال المذكورة هي الطهارة الواقعية والطهارة الثابتة لكل ماء في الحال المذكورة أعني حال كونه مشكوك الطهارة هي الطهارة الظاهرية. هذا كله مدلول المغيا ـ أعني نفس كل

__________________

ابن الحسين اللؤلؤي عن أبي داود عن جعفر عن يونس عن حماد بن عيسى. ورواه الكليني عن محمد بن يحيى وغيره عن محمد بن أحمد عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي بإسناده قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام مثله. وعن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن أبي داود. فالسند معتبر جداً والظاهر أن الأول موثق بجعفر لأن الظاهر كونه ابن سماعة فتأمل منه مد ظله.

٤٢٧

شيء طاهر ـ وأما الغاية فتدل على استمرار الطهارة المذكورة إلى زمان العلم بالنجاسة ، (وحيث) أن هذا الاستمرار ليس استمراراً واقعياً إذ الطهارة الواقعية مستمرة إلى زمان النجاسة واقعاً لا إلى زمان العلم بها فجعل الغاية العلم بالنجاسة دليل على كون الاستمرار للطهارة الظاهرية (كان) الاستمرار المذكور عين استصحاب الطهارة ، فتدل الرواية بالمغيا والغاية على قاعدة الطهارة الواقعية وقاعدة الطهارة الظاهرية والاستصحاب ، وكأن وجه عدوله عن ذلك إلى ما في المتن من دلالتها على الطهارة الواقعية والاستصحاب وعدم دلالتها على الطهارة الظاهرية هو أن مجرد الإطلاق الأحوالي لمفهوم الماء الشامل لحال كونه مشكوك الطهارة والنجاسة لا يقتضي جعل الطهارة الظاهرية إذ جميع الأحكام الواقعية ثابتة في حال الشك فيها ولا تخرج بذلك عن كونها أحكاماً واقعية «والسر» في ذلك أن الحكم الظاهري هو ما يثبت لعنوان مشكوك الحكم لا ما يثبت في حال الشك به فالطهارة الثابتة للماء في جميع الحالات التي منها حال الشك فيه هي عين الطهارة الواقعية المشكوكة لا طهارة ظاهرية متيقنة. نعم لو أريد إثبات الطهارة لكل عنوان للماء ذاتي أو عرضي ومنها كونه مشكوك الحكم تم ما ذكر إلا أنه خلاف ظاهر قوله عليه‌السلام : كل ماء ، إذ مفهوم الماء كغيره لا يحكي إلا عن ذاتياته فليس عمومه إلا افراديا لا غير ، وعليه فلا يدل المغيا إلا على ثبوت الطهارة الواقعية وبضميمة الغاية يدل المجموع على الطهارة الواقعية والاستصحاب معاً ، وهذا هو ما ذكره في المتن «وفيه» أن الغاية لا تدل الا على تحديد المغيا ورفع الإبهام عنه من حيث طول الأمد وقصره فالمحدد إن كان واقعياً فهو على واقعيته مستمر إلى وجود الغاية وان كان ظاهريا فهو على ظاهريته مستمر إلى وجود الغاية فالكلام المشتمل على الغاية يدل على وجود حكم واقعي مستمر إلى وجود الغاية أو ظاهري كذلك ويمتنع أن يكون المغيا مفيداً لحكم واقعي والغاية مفيدة لحكم ظاهري فاستفادة الأمرين معاً موقوف على جعل الغاية غاية لأمر مقدر بحيث يكون معنى : كل ماء طاهر حتى تعلم انه قذر ، كل ماء طاهر وكل ماء طاهر طاهر حتى تعلم انه قذر ، فتكون (حتى) غاية لقوله : طاهر ، المقدر لكن هذا المقدر

٤٢٨

حيث لا قرينة عليه لا تمكن دعواه «والتحقيق» في معنى الجملة المذكورة : أن يقال : الغاية إما ان تجعل قيداً للموضوع أو للمحمول أو للنسبة «فعلى الأول» يكون معناه : كل ماء موجود إلى زمان العلم بنجاسته طاهر ، ولازمه عدم الحكم بالطهارة على الماء المستعمل قبل العلم بالنجاسة لأن الموضوع عليه يكون هو الماء المستمر الوجود إلى زمان العلم والمستعمل منعدم قبل العلم ، بل عليه لا يمكن تطبيقها أبداً إذ قبل العلم يشك في انطباق عنوان العام وبعده لا مجال له لمنع العلم «وعلى الثاني» يكون المعنى : الماء تثبت له الطهارة المستمرة إلى زمان العلم بالنجاسة ، فغاية الثبوت غير مذكورة لكنها تفهم تبعاً لاتحاد ظرف الثبوت وظرف الثابت ، وهذا المعنى لا مانع عنه «ومثله» المعنى اللازم على الثالث فان المعنى عليه : الماء تثبت له إلى رمان العلم بالقذارة الطهارة ، وغاية الثابت غير مذكورة ، وان كانت تفهم تبعاً لاتحاد الظرفين كما ذكرنا ، وحينئذ فيدور الأمر بينهما وإن كان الأخير أظهر ، وكيف كان ، فالطهارة المثبتة ليست هي الطهارة الواقعية بقرينة الغاية كما عرفت ، بل الطهارة الظاهرية قد أخذ عدم العلم ظرفا لثبوتها بنفسها أو لموضوعها ، وحينئذ فاما ان يقصد المتكلم ثبوتها في الظرف المذكور بملاحظة ثبوتها واقعاً بحيث يكون المقصود إبقاءها تعبداً ويرجع معنى الكلام المذكور إلى معنى : كل ماء طاهر تستمر طهارته حتى تعلم ... إلخ فذلك الاستصحاب بعينه وان لم يكن بملاحظة ذلك فهي قاعدة الطهارة بعينها. ولأجل ذلك تجري وان كان الحال السابقة المعلومة هي القذارة وانما تسقط بدليل الاستصحاب لا لقصور دليلها كما يأتي إن شاء الله تعالى ، وحيث أنه لا جامع بين الوجود والعدم لا جامع بين مفادي القاعدة والاستصحاب لتحمل عليه الرواية فيدور الأمر بينهما ، ولأجل أن الاستصحاب محتاج إلى عناية زائدة لم يكن عليها قرينة في الكلام تعين الحمل على القاعدة. وهذا هو الّذي ذكره شيخنا الأعظم (قدس‌سره) في رسالته فلاحظ. نعم قد يظهر منه ان جعل الغاية قيداً للمحمول موجب لظهور الروايات في الاستصحاب ، كما أن جعلها قيداً للنسبة يوجب ظهورها في القاعدة ، وما ذكره غير ظاهر الوجه. فلاحظ وتأمل والله سبحانه أعلم

٤٢٩

ما حكم على الموضوع واقعاً من الطهارة والحلية ظاهراً ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه لا لتحديد الموضوع كي يكون الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته أو حليته وذلك لظهور المغيا فيها في بيان الحكم للأشياء بعناوينها لا بما هي مشكوكة الحكم كما لا يخفى فهو وإن لم يكن له بنفسه مساس بذيل القاعدة ولا الاستصحاب إلا أنه بغايته دل على الاستصحاب حيث أنها ظاهرة في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهراً ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه كما أنه لو صار مغيا لغاية مثل الملاقاة بالنجاسة أو ما يوجب الحرمة لدل على استمرار ذاك الحكم واقعاً ولم يكن حينئذ بنفسه ولا بغايته دلالة على الاستصحاب ، ولا يخفى أنه لا يلزم على ذلك استعمال اللفظ في معنيين أصلا وانما يلزم لو جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع وقيوده

______________________________________________________

(١) قوله : (ما حكم) يعني ما حكم به والمراد انها قيد للمحمول (٢) (قوله : واقعاً) قيد لحكم (٣) (قوله : ظاهرا) قيد لاستمرار (٤) (قوله : لا لتحديد الموضوع) قد عرفت امتناع جعل الغاية قيداً للموضوع فضلا عن ان تختص عليه بالقاعدة (٥) (قوله : وذلك لظهور) تعليل لما يقال (٦) (قوله : الحكم للأشياء) يعني الحكم الواقعي (٧) (قوله : فهو وان لم) الضمير راجع إلى الحكم للأشياء يعني أن الحكم المذكور لا يتعلق بقاعدة الطهارة ولا بالاستصحاب بل هو أجنبي عنهما كما هو ظاهر (٨) (قوله : لدل على استمرار) هذا مما لا إشكال فيه إلا انه لا مجال لقياس ما نحن فيه عليه لما عرفت الإشارة إليه في الحاشية السابقة (٩) (قوله : ولم يكن) لأن الاستمرار حينئذ يكون واقعياً لا ظاهريا كالاستصحاب (١٠) (قوله : لا يلزم على ذلك استعمال) هذا تعريض بشيخنا الأعظم (ره) حيث قال : نعم إرادة القاعدة والاستصحاب معاً يوجب استعمال اللفظ في معنيين لما عرفت من أن المقصود في القاعدة مجرد إثبات الطهارة في المشكوك وفي الاستصحاب خصوص إبقائها في معلوم الطهارة السابقة والجامع بينهما غير موجود فيلزم ما ذكرناه ... إلخ ، ومراده من المعنيين

٤٣٠

غاية لاستمرار حكمه ليدل على القاعدة والاستصحاب من غير تعرض لبيان الحكم الواقعي للأشياء أصلا مع وضوح ظهور مثل كل شيء حلال أو طاهر في انه لبيان حكم الأشياء بعناوينها الأولية وهكذا : الماء كله طاهر ، وظهور الغاية في كونها حداً للحكم لا لموضوعه كما لا يخفى (فتأمل جيداً) ولا يذهب عليك أنه بضميمة عدم القول بالفصل قطعاً بين الحلية والطهارة وبين سائر الأحكام لعم الدليل وتم (ثم) لا يخفى أن ذيل موثقة عمار : فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك ، يؤيد ما استظهرنا منها من كون الحكم المغيا واقعياً ثابتاً للشيء بعنوانه لا ظاهريا ثابتاً له بما هو مشتبه لظهوره في انه متفرع على الغاية وحدها وانه بيان لها وحدها منطوقها ومفهومها لا لها

______________________________________________________

مفاد القاعدة ومفاد الاستصحاب (١) (قوله : ليدل على القاعدة) هذا غاية لجعلها من قيود الموضوع وقوله : والاستصحاب ، غاية جعلها من قيود الحكم لكن عرفت الإشكال في إمكان جعلها قيداً للموضوع فضلا عن اقتضائه القاعدة إلا أن يراد من الموضوع الحكم الّذي هو مفاد القاعدة حيث انه موضوع للاستمرار الّذي هو مفاد الاستمرار فلاحظ كلام شيخنا الأعظم (ره) لكن يأباه كلام المصنف (ره) فلاحظ وتأمل (٢) (قوله : في انه لبيان حكم) هذا مسلم لو لم تلحق به الغاية (٣) (قوله : لا لموضوعه) قد عرفت اشكاله (٤) (قوله : ولا يذهب عليك انه) يعني أنه على تقدير تمامية دلالة الروايات على الاستصحاب في الطهارة والحلية يمكن بضميمة عدم القول بالفصل استفادة القاعدة الكلية ، لكن تقدم منه (ره) مراراً ان عدم القول بالفصل لا يكفي في التعميم ما لم يثبت القول بعدم الفصل (٥) (قوله : يؤيد ما استظهرنا) بل يؤيد ما استظهره شيخنا (قدس‌سره) من أن موضوع ليس عليك شيء مجرد عدم العلم بلا دخل لليقين بثبوته الواقعي (٦) (قوله : لظهوره في انه) يعني أن ذيل الرواية يتضمن حكمين أحدهما مثبت والآخر منفي ، وظاهره أنه متفرع على الغاية وحدها فيدل على ان الغاية تضمنت حكمين أيضا ، أحدهما استمرار الحكم المثبت في الصدر ليتفرع عليه الحكم المنفي ، وثانيهما انتهاء الاستمرار ليتفرع عليه الحكم المثبت فيدل ذلك على ان الصدر

٤٣١

مع المغيا كما لا يخفى على المتأمل. ثم إنك إذا حققت ما تلونا عليك مما هو مفاد الاخبار فلا حاجة في إطالة الكلام في بيان سائر الأقوال والنقض والإبرام فيما ذكر لها من الاستدلال ولا بأس بصرفه إلى تحقيق حال الوضع وانه حكم مستقل بالجعل كالتكليف أو منتزع عنه وتابع له في الجعل أو فيه تفصيل حتى يظهر حال ما ذكر هاهنا بين التكليف والوضع من التفصيل فنقول وبالله الاستعانة : لا خلاف كما لا إشكال في اختلاف التكليف والوضع مفهوماً واختلافهما في الجملة مورداً لبداهة ما بين مفهوم السببية أو الشرطية ومفهوم مثل الإيجاب أو الاستحباب من المخالفة والمباينة كما لا ينبغي النزاع في صحة تقسيم الحكم الشرعي إلى التكليفي والوضعي بداهة أن الحكم وان لم يصح تقسيمه إليهما ببعض معانيه ولم يكد يصح إطلاقه على الوضع إلا ان صحة تقسيمه بالبعض الآخر إليهما وصحة إطلاقه عليه بهذا المعنى مما لا يكاد

______________________________________________________

لا يرتبط بالغاية في مدلوله ، ويتعين حمله على الطهارة الواقعية. هذا ولا يخفى أن ظاهر الذيل كونه متفرعا على تمام القضية المغياة فانه تصريح بالمنطوق والمفهوم والغاية لا منطوق لها أصلا ، فما ذكره المصنف (ره) سبك إشكال في إشكال والله سبحانه العالم بحقيقة الحال (١) (قوله : حتى يظهر حال) غاية لقوله لا بأس (٢) (قوله : بين التكليف) ظرف مقدم لقوله من التفصيل ، وهذا التفصيل نسبه الفاضل التوني إلى نفسه في محكي عبارته حيث قال : إن الاستصحاب المختلف فيه لا يكون إلا في الأحكام الوضعيّة ... إلى آخر كلامه (٣) (قوله : في اختلاف التكليف) إذ المراد بالتكليف أحد الأحكام الخمسة الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة والمراد بالوضع ما عداها (٤) (قوله : واختلافهما في الجملة مورداً) فانه يقال : الزوال سبب لوجوب الصلاة ، فمورد السببية الزوال ومورد الوجوب الصلاة وقد يتفقان مورداً مثل ما يقال : الإفطار في رمضان حرام وسبب لوجوب الكفارة (٥) (قوله : لبداهة) تعليل لقوله : لا خلاف ... إلخ (٦) (قوله ببعض معانيه) مثل خطاب الله المتعلق بافعال المكلفين (٧) (قوله بالبعض الآخر) مثل المحمولات

٤٣٢

ينكر كما لا يخفى ، ويشهد به كثرة إطلاق الحكم عليه في كلماتهم ، والالتزام بالتجوز فيه كما ترى ، وكذا لا وقع للنزاع في انه محصور في أمور مخصوصة كالشرطية والسببية والمانعية ـ كما هو المحكي عن العلامة ـ أو مع زيادة العلية والعلامية ، أو مع زيادة الصحة والبطلان والعزيمة والرخصة أو زيادة غير ذلك ـ كما هو المحكي عن غيره ـ أو ليس بمحصور بل كل ما ليس بتكليف مما له دخل فيه أو في متعلقه وموضوعه أو لم يكن له دخل مما أطلق عليه الحكم في كلماتهم ، ضرورة أنه لا وجه للتخصيص بها بعد كثرة إطلاق الحكم في الكلمات على غيرها ، مع انه لا تكاد تظهر ثمرة مهمة علمية أو عملية للنزاع في ذلك وانما المهم في النزاع هو أن الوضع كالتكليف في انه مجعول تشريعاً بحيث يصح انتزاعه بمجرد إنشائه أو غير مجعول كذلك بل انما هو منتزع عن التكليف ومجعول بتبعه وبجعله (والتحقيق) أن ما عد من الوضع على أنحاء (منها) ما لا يكاد

______________________________________________________

الشرعية. فتأمل (١) (قوله : عن العلامة) وعن السيوري وغيرهما (٢) (قوله : والعلامية) يعني كون الشيء علامة ، حكيت هذه الزيادة عن الشهيد الثاني واحتمل ردهما إلى السبب أو العلامية إلى الشرط (٣) (قوله : أو مع زيادة الصحة) و (٤) (قوله : والعزيمة) كما عن الآمدي (٥) (قوله : أو زيادة غير ذلك) كما عن صلاح الدين زيادة التقديرات والحجاج والمراد من الأول تنزيل الموجود أو المعدوم منزلة الآخر مثل تنزيل المقتول منزلة الحي في ملك الدية والماء المحتاج إليه منزلة عدمه في شرعية التيمم ، ومن الثاني مطلق الحجج التي يستند إليها القضاة من بينة وإقرار ويمين (٦) (قوله : له دخل فيه) أي في التكليف كما في القسم الأول من الأقسام الآتية (٧) (قوله : أو في متعلقه) كما في القسم الثاني (٨) (قوله : أو لم يكن) كما في القسم الثالث (٩) (قوله : للنزاع في ذلك) يعني النزاع في الحصر وعدمه (١٠) (قوله : هو أن الوضع كالتكليف) يعني أنه لا إشكال في كون الأحكام التكليفية مجعولة استقلالا تشريعاً بحيث يصح اعتبارها من مجرد جعلها بقوله : هذا واجب أو حرام ، أو غيرهما فيكون واجباً أو حراماً بمجرد ذلك فهل الأحكام الوضعيّة كذلك فيصح انتزاع السببية من قوله : هذا

٤٣٣

يتطرق إليه الجعل تشريعاً أصلا لا استقلالا ولا تبعاً وان كان مجعولا تكويناً عرضاً بعين جعل موضوعه كذلك (ومنها) ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل التشريعي إلا تبعاً للتكليف (ومنها) ما يمكن فيه الجعل استقلالا بإنشائه وتبعاً للتكليف بكونه منشأ لانتزاعه وان كان الصحيح انتزاعه من إنشائه وجعله وكون التكليف من آثاره وأحكامه على ما يأتي الإشارة إليه (أما النحو الأول) فهو كالسببية والشرطية والمانعية والرافعية لما هو سبب التكليف وشرطه ومانعة ورافعه حيث أنه لا يكاد يعقل انتزاع هذه العناوين لها

______________________________________________________

سبب لكذا ، وكذا بقية الأحكام الوضعيّة ، أو هي منتزعة من التكليف ، أو لا هذا ولا ذاك أو فيه تفصيل؟ (١) (قوله : ولا تبعاً) يعني ولا منتزعا من التكليف (٢) (قوله : عرضاً) أي مجعول بالعرض بجعل موضوعه تكويناً بالحقيقة (٣) (قوله : كذلك) أي تكويناً (٤) (قوله : من إنشائه) أي إنشاء نفسه (٥) (قوله : لما هو) حال من السببية وما بعدها ، (٦) (قوله : سبب التكليف) على سبيل اللف والنشر المرتب (٧) (قوله : حيث أنه لا يكاد) أقول : قد عرفت الإشارة إلى أن العناوين المذكورة اعتبارية محضة ليس لها حقيقة وراء الاعتبار ولا بد أن يكون اعتبارها من منشأ معين لامتناع الجزاف ، فهل المنشأ في انتزاع السببية للتكليف وأخواتها هو التكليف المترتب على موضوعاتها ، أو جعلها استقلالا ، أو لا هذا ولا ذاك بل خصوصية ذاتية قائمة بتلك الموضوعات؟ الّذي اختاره شيخنا الأعظم قدس‌سره هو الأول ، ونسب الثاني إلى المشهور وفي النسبة تأمل ، واختار المصنف (ره) الأخير مستدلا على بطلان الأول بأنه عليه يلزم تأخر السبب عن المسبب لأنه إذا كان وصف السببية منتزعا عن المسبب كان متأخراً عنه فيلزم تأخر ذات السبب بوصف كونه سبباً عنه وهو محال لتقدمه عليه ، وعلى بطلان الثاني بالخلف لأنه إذا كان مجعولا كان اعتباره منوطاً بالجعل وجوداً وعدما إناطة كل معلول بعلته ، واللازم باطل ضرورة صحة اعتبار وصف السببية للدلوك إذا كان بنحو يترتب عليه وجوب

٤٣٤

من التكليف المتأخر عنها ذاتاً حدوثاً وارتفاعا ، كما أن اتصافها بها ليس إلا لأجل

______________________________________________________

الصلاة وان لم تنشأ له السببية ، وعدم صحة اعتباره له إذا كان بحيث لا يترتب عليه وجوب الصلاة وان أنشئت له السببية (ويمكن) دفع الأول بأنه لا استحالة في تأخر وصف السببية عن ذات المسبب وانما المستحيل تأخر ذات السبب عنه. مضافا إلى أن إطلاق السبب على مثل الدلوك مسامحة لأن السبب الحقيقي لوجوب الصلاة بعد ما كان الوجوب فعلا اختياريا للموجب هو إرادة الفاعل غاية الأمر أن الدلوك من قبيل الداعي والداعي انما يكون مرجحاً لا سبباً فإطلاق السبب عليه ادعائي والمصحح للادعاء يمكن أن يكون هو الخصوصية القائمة فيه ويمكن أن يكون هو ترتب الوجوب عليه ترتبه على السبب الحقيقي. إلا أن يقال : إن المصحح للادعاء خصوصية فيه كما في السبب الحقيقي (والتحقيق) : ان اعتبار السببية والشرطية والمانعية والرافعية ملازم لاعتبار ما يقابلها من المسببية والمشروطية والممنوعية والمرفوعية ، ومنشأ اعتبار الجميع هو ترتب وجود المسبب والمشروط على وجود ذات السبب والشرط وعدمهما على وجود ذات المانع والرافع كاعتبار الفاعلية والمفعولية والموجبية والقابلية ، فكما أن اعتبار الفاعلية انما يكون بلحاظ الفعل كذلك اعتبار العناوين المذكورة ، والخصوصية المعتبرة في مثل السبب ومسببه انما تكون دخيلة في ترتب المسبب على سببه أما نفس اعتبار السببية والمسببية فهي منتزعة في الرتبة اللاحقة لملاحظة المسبب والسبب. ثم لم يوضح المصنف (ره) وجه الفرق بين السببية للأمر والجزئية للمأمور به إذ كما أن الثانية منتزعة في رتبة متأخرة عن الأمر لأجل إضافتها إلى المأمور به ـ كما سيأتي ـ كذلك الأولى ، وكما أنه لا بد في موضوع الأولى من خصوصية ، وإلا لأثر كل شيء في كل شيء ، لا بد أن يكون في موضوع الثانية أيضا خصوصية ، وإلا لكان كل شيء جزءاً من كل شيء ، وإذا التزم بان الثانية منتزعة عن الأمر فليلتزم بان الأولى كذلك. فتأمل جيداً (١) (قوله : من التكليف) إشارة إلى مذهب شيخنا الأعظم (ره) (٢) (قوله : حدوثاً وارتفاعا) الأول إشارة إلى السببية والشرطية والثاني إشارة

٤٣٥

ما عليها من الخصوصية المستدعية لذلك تكويناً للزوم أن يكون في العلة باجزائها ربط خاص به كانت مؤثراً في معلولها لا في غيره ولا غيرها فيه وإلا لزم أن يكون كل شيء مؤثراً في كل شيء ، وتلك الخصوصية لا يكاد يوجد فيها بمجرد إنشاء مفاهيم العناوين وبمثل قول : دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة وإنشاء لا إخباراً ، ضرورة بقاء الدلوك على ما هو عليه قبل إنشاء السببية له من كونه واجداً لخصوصية مقتضية لوجوبها أو فاقداً لها وان الصلاة لا تكاد تكون واجبة عند الدلوك ما لم يكن هناك ما يدعو إلى وجوبها ومعه تكون واجبة لا محالة وان لم ينشأ السببية للدلوك أصلا. ومنه انقدح أيضا عدم صحة انتزاع السببية له حقيقة من إيجاب الصلاة عنده لعدم اتصافه بها بذلك ضرورة. نعم لا بأس باتصافه بها عناية وإطلاق السبب عليه مجازاً ، كما لا بأس بأن يعبر عن إنشاء وجوب الصلاة عند الدلوك مثلا بأنه سبب لوجوبها فكني به عن الوجوب

______________________________________________________

إلى المانعية والرافعية (١) (قوله : لذلك) أي للتكليف حدوثا وارتفاعا (٢) (قوله : بمجرد إنشاء) إشارة إلى ما ربما ينسب إلى المشهور من انها مجعولة استقلالا (٣) (قوله : وبمثل قول) معطوف على إنشاء (٤) (قوله : لا اخباراً) إذ لو كان اخباراً لم يقتض تحقق هذه العناوين (٥) (قوله : ضرورة) تعليل لقوله : لا يكاد يوجد ... إلخ (٦) (قوله : ما يدعو) يعني الخصوصية القائمة في الدلوك وإليه يرجع ضمير قوله : معه (٧) (قوله : عدم صحة) يعني حيث لا خصوصية (٨) (قوله : بها عناية) قد عرفت أن إطلاق السببية على مثل الدلوك لا بد ان يكون بالعناية ولو كانت فيه الخصوصية التي بها يكون داعياً (٩) (قوله : كما لا بأس بأن يعبر) إشارة إلى ما ربما يقع في بعض الاخبار من التعبير بان الشيء الفلاني سبب للوجوب أو نحو ذلك فلا يتوهم من هذا التعبير ان

٤٣٦

عنده فظهر بذلك أنه لا منشأ لانتزاع السببية وسائر ما لاجزاء العلة للتكليف إلا ما هي عليها من الخصوصية الموجبة لدخل كل فيه على نحو غير دخل الآخر فتدبر جيداً (واما النحو الثاني) فهو كالجزئية والشرطية والمانعية والقاطعية لما هو جزء المكلف به وشرطه ومانعة وقاطعه حيث ان اتصاف شيء بجزئية المأمور به أو شرطيته أو غيرهما لا يكاد يكون إلا بالأمر

______________________________________________________

السببية قابلة للجعل والإنشاء لأن ذلك حقيقة إنشاء للوجوب بطريق كنائي (١) (قوله : فظهر بذلك) فيه تأمل عرفته (٢) (قوله : لما هو جزء المكلف به) قيد لقوله : كالجزئية وما بعدها ، على سبيل اللف والنشر المرتب (٣) (قوله : اتصاف شيء بجزئية) اعلم أنه إذا ورد امر بجملة أمور تدريجية متصلة مقيدة بوجود شيء وعدم آخر كان كل واحد من تلك الأمور جزءاً للمأمور به ومجموعها كلالة وما أخذ وجوده قيداً شرطا له وما أخذ عدمه قيداً مانعاً وما كان منافياً للاتصال المعتبر قاطعا ، ومحصل مراد المصنف (ره) : أن هذه العناوين لا يصح جعلها استقلالا وانما تتنزّع بملاحظة الأمر المتعلق بتلك الجملة فان تعلق الأمر بتلك الجملة صح اعتبار العناوين المذكورة وإن لم يتعلق بها الأمر لم يصح اعتبارها. والوجه في ذلك : ان عنوان الجزئية للمأمور به مثلا قد أخذ مضافا إلى عنوان المأمور به فما لم يكن امر ليس هناك شيء مأمور به حتى تضاف إليه الجزئية. وهذا في غاية الوضوح إلا أنه ليس له كثير مساس فيما هو محل الكلام ، لأن الكلام في المقام بالنظر إلى نفس العناوين المذكورة من حيث هي لا من حيث كونها مضافة إلى المأمور به ، وإلّا فكل ما يضاف إلى عنوان المأمور به لا بد أن يكون متأخرا عنه ولو لم يكن من قبيل العناوين المذكورة مثل مكان المأمور به وزمان المأمور به ونحوهما «فالتحقيق» أن يقال : «اما» مفهوم الجزئية فهو كمفهوم الكلية ينتزع من كل وحدة طارئة على المتكثرات كما سيشير إلى ذلك المصنف (ره) فقبل ملاحظة تلك الوحدة لا كلية ولا جزئية ، بل ليس إلّا أمور متكثرة فإذا طرأت الوحدة عليها صار كل واحد من تلك الأمور

٤٣٧

بجملة أمور مقيدة بأمر وجودي أو عدمي ، ولا يكاد يتصف شيء بذلك ـ أي كونه جزءاً أو شرطاً لمأمور به ـ إلا بتبع ملاحظة الأمر بما يشتمل عليه مقيداً بأمر آخر وما لم يتعلق بها الأمر كذلك لما كاد اتصف بالجزئية أو الشرطية وان أنشأ الشارع له الجزئية أو الشرطية وجعل الماهية

______________________________________________________

جزءاً ومجموعها كلا والوحدة قد تكون وحدة اللحاظ ، وقد تكون وحدة الغرض ، وقد تكون وحدة الأمر ، وقد تكون وحدة الزمان ، وقد تكون وحدة المكان ، وقد تكون غير ذلك ، وباختلافها يختلف ما تضاف إليه الجزئية فيقال : جزء الملحوظ ، وجزء موضوع الغرض ، وجزء المأمور به ، وجزء الموجود في الزمان ، وجزء الموجود في المكان ... وهكذا ، فنفس مفهوم الجزئية غير موقوف اعتباره على ملاحظة الأمر ، بل موقوف على ملاحظة جهة وحدة ما ، وجزئية المأمور به موقوفة على ملاحظة الأمر بعينه (واما) الشرطية فاتصاف شرط الواجب بها ان كان بلحاظ كونه دخيلا في ترتب الأثر على الواجب لكونه من قبيل المقتضي له وشرطه كسائر شروط تأثير المقتضيات في آثارها فهو في الحقيقة شرط للأثر وتكون شرطيته حينئذ كسببية التكليف وشرطيته منتزعة من ترتب اثره عليه على نحو خاص من الترتب ، كما أن السببية منتزعة من ترتبه عليه بنحو آخر ولا دخل للأمر في اعتبارها أصلا ، وان كان بلحاظ تقييد ذات الواجب به فهي منتزعة من ذلك التقييد ولا دخل للأمر أيضاً في اعتبارها. ومنه يظهر الكلام في المانعية فان المانع إن كان بمعنى ما يكون عدمه دخيلا في ترتب الأثر فهو كالسبب ، وان كان بمعنى ما يؤخذ عدمه قيداً في ذات الواجب فهو كالقيد ، وعلى كل حال ليست المانعية منتزعة من الأمر ، (واما) القاطعية فاعتبارها للقاطع بملاحظة ترتب القطع والانفصال عليه ، ولا دخل للأمر فيها بالمرة ، ولعل في هذا المقدار كفاية فتأمل جيداً والله سبحانه اعلم (١) (قوله : بجملة أمور) يعني فينتزع من الأمر مفهوم الجزئية لكل واحدة من الأمور والشرطية للأمر الوجوديّ والمانعية والقاطعية للشيء الّذي قيدت الجملة بعدمه (٢) (قوله : بما يشتمل) متعلق بالأمر (قوله : وجعل الماهية)

٤٣٨

وأجزائها ليس إلا تصور ما فيه المصلحة المهمة الموجبة للأمر بها فتصورها باجزائها وقيودها لا يوجب اتصاف شيء منها بجزئية المأمور به أو شرطيته قبل الأمر بها فالجزئية للمأمور به أو الشرطية له انما ينتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الأمر به بلا حاجة إلى جعلها له وبدون الأمر به لا اتصاف بها أصلا وان اتصف بالجزئية أو الشرطية للمتصور أو لذي المصلحة كما لا يخفى «وأما النحو الثالث» فهو كالحجية والقضاوة والولاية والنيابة والحرية والرقية والزوجية والملكية إلى غير ذلك ، حيث أنها وإن كان من الممكن انتزاعها من الأحكام التكليفية التي تكون في مواردها ـ كما قيل ـ ومن جعلها بإنشاء أنفسها ، إلّا انه لا يكاد يشك في صحة انتزاعها من مجرد جعله تعالى أو من بيده الأمر من قبله ـ جل وعلا ـ لها بإنشائها بحيث يترتب عليها آثارها كما تشهد به ضرورة صحة انتزاع الملكية والزوجية والطلاق والعتاق بمجرد العقد أو الإيقاع ممن بيده الاختيار بلا ملاحظة

______________________________________________________

(١) دفع لتوهم أن يقال : إنه لا إشكال في ان الماهيات المخترعة مجعولة للشارع وذلك كاف في اعتبار الجزئية لكل واحد من اجزائها ولو لم يكن امر ، وحاصل الدفع : ان معنى جعل الماهيات تصورها ولحاظها وهذا المقدار لا يصحح اعتبار الجزئية للمأمور به وان صحح اعتبار الجزئية لذي المصلحة أو المتصور كما عرفت (٢) (قوله : من الممكن) يعني الإمكان الاحتمالي بدوا وإلّا فسيأتي امتناع ذلك (٣) (قوله : أو من بيده الأمر من قبله) المراد به مطلق من له السلطنة على إنشائها في نظر الشارع سواء كان مالكا أم وليا أم وكيلا أم مأذونا أم غير ذلك. ثم ان اعتبار السلطنة المذكورة انما هو بلحاظ الآثار الشرعية المترتبة على هذه الأمور وإلّا يكفي في صحة الإنشاء مجرد ترتب الأثر في نظر الجاعل. وتوضيح ذلك ما أشرنا إليه في مبحث الأمر من أن العناوين المذكورة وكذا كثير من عناوين العقود والإيقاعات ، مثل البيع والصلح والرهن والهبة والعطية والإجارة والنكاح والطلاق والرجوع وغير ذلك ، بل وعناوين الأحكام التكليفية من الوجوب والإلزام والحرمة

٤٣٩

التكاليف والآثار ولو كانت منتزعة عنها لما كاد يصح اعتبارها إلّا بملاحظتها وللزم ان لا يقع ما قصد ووقع ما لم يقصد

______________________________________________________

والمنع والكراهة والإباحة ... إلى غير ذلك لها حقائق حقيقية «تارة» تنشأ تكوينا حقيقة بفعلها في الخارج مثل : إيجاد العطاء الخارجي في الهبة والعطية ، والأجر في الإجارة ، والعين المرهونة في الرهن ، والصلح الحقيقي في الصلح ، وإيجاد نفس الفعل في الإيجاب ، وإلصاق الفعل بفاعله في الإلزام ... وهكذا «وأخرى» تنشأ تكوينا ادعاء كما هو محكي هذه العناوين في باب العقود والإيقاعات الإنشائية ، فمعنى صالحت وأعطيت ووهبت وأوجبت الفعل ومنعت عنه وألزمت به أوجدت الصلح والعطاء والهبة والوجوب والمنع والإلزام بمفاهيمها الحقيقية ادعاء لا حقيقة ، وهكذا الحال في بقية العناوين المذكورة وغيرها ، والمصحح لهذا الادعاء غالبا تعلق إرادة الجاعل المؤدية في الجملة إلى حصولها في الخارج أو دفع المانع عنه مع مظنة وجود المقتضي ، فترى من يريد الإعطاء الخارجي لزيد يقول له : أعطيتك ، إنشاء ، ومن يريد إعطاء الأجر : آجرتك ، وهكذا ، فإنشاء هذه الأمور ليس إنشاء لأمر اعتباري بل إنشاء لأمر حقيقي ادعاء لا حقيقة ، ولأجل ذلك ربما يكون هذا الادعاء بعينه من غير الجاعل لوجود المصحح له فترى صحة دعوى كون الفعل واجبا إذا علم تعلق إرادة المولى به وان لم يكن إنشاء منه للوجوب أصلا كصحة قولنا : فلان قاض أو وال إذا علم بتعلق إرادة السلطان بتنفيذ قضائه وتصرفه وان لم يكن منه إنشاء للقضاء والولاية ، غاية الأمر أن الشارع اعتبر في اعتبارها أو في ترتب الآثار عليها في بعض المقامات الإنشاء مطلقا أو من منشئ خاص أو بلفظ كذلك أو غير ذلك. وهذا مما لا دخل له في صحة الإنشاء ولا في توقف اعتبارها عليه فلاحظ وتأمل والله سبحانه اعلم (١) (قوله : التكاليف والآثار) يعني المترتبة على هذه العناوين الأربعة (٢) (قوله : وللزم ان لا يقع ما قصد) يعني لو كانت هذه العناوين منتزعة من آثارها لا من نفس إنشائها لزم عدم ترتبها على إنشائها ،

٤٤٠