حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

مثل زرارة وهو ممن لا يكاد يستفتي من غير الإمام عليه‌السلام لا سيما مع هذا الاهتمام (وتقريب) الاستدلال بها أنه لا ريب في ظهور قوله عليه‌السلام : وإلا فانه على يقين ... إلخ عرفا في النهي عن نقض اليقين بشيء بالشك فيه وانه ـ عليه‌السلام ـ بصدد بيان ما هو علة الجزاء

______________________________________________________

والحسين لها في كتب الحديث وإثبات حماد لها في أصله راويا لها عن حريز شهادة قطعية على كونها رواية عن المعصوم عليه‌السلام كما هو ظاهر ، ومنه يظهر اعتبارها ولو كان الراوي لها غير زرارة (١) (قوله : هذا الاهتمام) المستفاد من تكرير السؤال (٢) (قوله : عن نقض اليقين بشيء) يعني من دون اختصاص بمورد الرواية بل تعم كل شيء شك في بقائه (٣) (قوله : وانه عليه‌السلام بصدد بيان) لا يخفى ان قوله عليه‌السلام في الرواية : «وإلا» بمعنى وان لا يتيقن أنه قد نام حذف فيه جملة الشرط لدلالة ما قبله عليه ، واما جواب الشرط فالاحتمالات التي أشار إليها المصنف «ره» وشيخنا الأعظم «ره» في الرسائل ثلاثة «الأول» ان يكون محذوفا قامت علته مقامه وأدخلت عليها فاء الجزاء وقد عقد ابن هشام في المغني تنبيها لذلك وذكر فيه كثيرا من الأمثلة ، وذكر شيخنا الأعظم «ره» في الرسائل جملة أخرى فليراجعا ، والتقدير في المقام : وان لا يستيقن انه قد نام فليس عليه إعادة الوضوء لأنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك ... إلخ ، وعليه فيكون الإمام عليه‌السلام في مقام تعليل الحكم بعدم لزوم إعادة الوضوء بأن اليقين بالوضوء المقرون بالشك في انتقاضه يدخل تحت كبرى كلية ارتكازية وهي انه لا ينقض اليقين بالشك أبداً فتدل الرواية الشريفة على ثبوت الكبرى الكلية المذكورة بلا اختصاص لها بموردها وهي عين الاستصحاب مطلقا «الثاني» ان يكون نفس قوله عليه‌السلام : فانه على يقين ، بجعل الجملة إنشائية وان المقصود منها جعل أحكام اليقين بالوضوء في حال الشك فيه بلسان جعل الموضوع نظير قوله عليه‌السلام : الطواف بالبيت صلاة ، وعليه فيكون قوله : ولا ينقض ... إلخ بمنزلة عطف التفسير «الثالث» ان يكون قوله عليه‌السلام : ولا ينقض اليقين ... إلخ ويكون قوله عليه‌السلام : فانه على

٤٠١

المستفاد من قوله عليه‌السلام : (لا) ، في جواب : فان حرك في جنبه ... إلخ وهو اندراج اليقين والشك في مورد السؤال في القضية الكلية الارتكازية غير المختصة بباب دون باب واحتمال أن يكون الجزاء هو قوله : فانه على يقين ... إلخ غير سديد فانه لا يصح إلا بإرادة لزوم العمل على طبق يقينه

______________________________________________________

يقين ... إلخ تمهيداً للجواب ، والمعنى : ان لا يستيقن انه قد نام فبعد ما كان على يقين بالوضوء لا ينقض يقينه بالشك في النوم ، وعلى هذين لا دلالة للرواية على حجية الاستصحاب عموما حتى في غير المورد إذ الظاهر من اليقين فيها اليقين بالوضوء فالتعدي إلى غيره محتاج إلى قرينة أو إلغاء خصوصية المورد عرفا وكلاهما محل إشكال بل منع ، والّذي استظهره المصنف «ره» تبعا لشيخنا الأعظم (ره) هو الأول (١) (قوله : المستفاد) هو صفة للجزاء (٢) (قوله : وهو اندراج) الضمير راجع إلى كلمة «ما» (٣) (قوله : في مورد) قيد لليقين والشك (٤) (قوله : في القضية) متعلق بالاندراج (٥) (قوله : الارتكازية) يعني المرتكزة في ذهن العقلاء وليس المراد من كونها ارتكازية بناءهم عليها حتى يكون منافيا لما تقدم من عدم ثبوت بنائهم على العمل على طبق الحالة السابقة ، بل المقصود انه ارتكز في أذهانهم مناسبة العلة للتعليل كسائر التعليلات الارتكازية مقابل التعليلات التعبدية مثلا إذا قال : أكرم زيداً لأنه عالم فهو تعليل بأمر ارتكازي وإذا قال : أكرم زيداً لأنه طويل فالتعليل يناسب الارتكاز لأن صفة الطول لا تناسب ولا تصلح في نظر العقلاء علة لوجوب الإكرام بخلاف صفة العلم ، فحيثية اليقين الّذي يطرأ على موضوعه الشك مما يرتكز في ذهن العرف والعقلاء صلاحيته للحكم بعدم جواز النقض (٦) (قوله : غير المختصة بباب) يعني ان القضية الارتكازية لا تختص بباب دون باب بل تعم جميع الأبواب فلا بد حينئذ من تعميم الحكم إذ لو بني على تخصيصه بباب الوضوء كان التعليل تعبديا لا ارتكازيا وهو خلاف الأصل في التعليل لأن الغرض من التعليل التنبيه على وجه الحكم بحسب ما عند المخاطب فلو كان تعبديا لم يترتب عليه الغرض المذكور (٧) (قوله : احتمال ان يكون) هذا إشارة إلى الاحتمال الثاني (قوله : لا يصح إلّا بإرادة)

٤٠٢

وهو إلى الغاية بعيد ، وأبعد منه كون الجزاء قوله : لا ينقض ... إلخ وقد ذكر : فانه على يقين ، للتمهيد ، وقد انقدح بما ذكرنا ضعف احتمال اختصاص قضية : لا تنقض ... إلخ باليقين والشك في باب الوضوء جداً فانه ينافيه ظهور التعليل في انه بأمر ارتكازي لا تعبدي قطعاً ، ويؤيده تعليل الحكم بالمضي مع الشك في غير الوضوء في غير هذه الرواية بهذه القضية أو ما يرادفها فتأمل جيداً. هذا مع أنه لا موجب لاحتماله إلّا احتمال كون اللام في اليقين للعهد إشارة إلى اليقين في «فانه على يقين من وضوئه» مع ان الظاهر أنه للجنس كما هو الأصل فيه ، وسبق : (فانه على يقين ... إلخ) لا يكون قرينة

______________________________________________________

(١) (قوله : لا يصح إلّا بإرادة) يعني لا يصح لو حمل الكلام على الخبر فان كونه على يقين بوضوئه معلوم لدى المخاطب استيقن بالنوم أم لم يستيقن فلا وجه لتعليقه على عدم الاستيقان بالنوم فلا بد من حمله على إنشاء لزوم العمل بلسان جعل موضوعه وهو نفس اليقين (٢) (قوله : إلى الغاية بعيد) فان الحمل على الإنشاء خلاف الظاهر ولا سيما مع لزوم كون : ولا ينقض اليقين ... إلخ بمنزلة التأكيد له ، بل يلزم أن يكون كل ذلك تأكيداً لقوله عليه‌السلام : لا حتى يستيقن (٣) (قوله : وأبعد منه كون) إشارة إلى الاحتمال الثالث ، ووجه كونه أبعد (أولا) انه خلاف ظاهر لفظ الواو في قوله عليه‌السلام : ولا ينقض ، إذ لو كان هو الجزاء لزم خلوه عنه «وثانيا» انه يلزم كون القضية من قبيل الشرطية المساقة لتحقيق الموضوع كما في مثل : إن رزقت ولدا فاختنه ، لامتناع فرض الجزاء فيها الا في فرض ثبوت الشرط مع لزوم كون الكلام بمنزلة التأكيد لما قبله كما في الاحتمال الثاني بخلاف ما لو حمل على المعنى الأول فانه يدل على علة الحكم وثبوت الكبرى الكلية المطردة في مورد الرواية وغيره (٤) (قوله : بما ذكرنا) يعني من حمل الكلام على التعليل (٥) (قوله : ينافيه) الضمير راجع إلى الاختصاص (٦) (قوله : لا تعبدي) إذ لو بنى على الاختصاص بالوضوء كان التعليل تعبديا لما عرفت من انه لا خصوصية له في نظر العرف فلا يتضح وجه التعليل (٧) (قوله : قطعاً) قيد لقوله ينافيه (قوله : لاحتماله)

٤٠٣

عليه مع كمال الملاءمة مع الجنس أيضا (فافهم) مع أنه غير ظاهر في اليقين بالوضوء لقوة احتمال ان يكون من وضوئه

______________________________________________________

(١) أي الاختصاص (٢) (قوله : أيضا فافهم) يمكن أن يكون إشارة إلى أن كمال الملاءمة لا يقتضي الحمل على الجنس لكمال الملاءمة مع العهد أيضا ، ولا سيما وكونه الأصل في لام التعريف إذا سبقها المدخول كما نصّ عليه علماء العربية. نعم ربما قيل يمتنع حمل اللام على العهد في المقام لأن المعهود في السؤال شخص خاص من اليقين فالحمل عليه يوجب كون القضية شخصية وهو ممتنع إذ لا ريب في كون المراد الحكم على كل يقين بالوضوء ملحوق بالشك به مع أن اليقين الشخصي ربما لا يكون محلا للابتلاء وقت السؤال حتى يؤمر بالعمل عليه ، لكن فيه أنه لم يظهر من الرواية ذلك ، بل الظاهر منها السؤال عن كلي اليقين بالوضوء الملحق بالشك فيه فحمل اللام على العهد يقتضي إرادة طبيعة اليقين بالوضوء ولا مانع منه (٣) (قوله : مع انه غير ظاهر) يعني ان حمل اللام على العهد انما يقتضي اختصاص الحكم باليقين بالوضوء لو كان (٤) (قوله : لقوة احتمال) لا ينبغي التأمل في كون الظاهر تعلق قوله (وضوئه) بالظرف كما تقول : صرت من هذه المسألة على علم ومن عدالة زيد على يقين (٥) (قوله : من وضوئه) قيد لليقين أما إذا كان قيداً للظرف أعني قوله : على يقين كان مطلقا ، فحمل اللام على العهد لا يقتضي الاختصاص المدعى إذ المعهود هو اليقين مطلقا واحتمال انه قيد للظرف قوي (ويمكن) ان يخدش (أولا) بأن قوة الاحتمال لا تجدي ما لم تبلغ الظهور المعتد به إذ لولاه لكان الكلام مجملا ساقطا عن الحجية (وثانيا) انه لم يظهر الفرق بين أخذه قيداً لليقين وأخذه قيداً للظرف في تمامية دعوى الاختصاص إذ على الثاني يكون مفهوم اليقين غير مقيد لكن لا إطلاق له يشمل اليقين بغير الوضوء بل يكون المراد الحصة الملازمة للتعلق بالوضوء فيكون المعرف باللام كذلك (وان شئت) قلت كل خصوصية تذكر في الجملة التي يكون فيها الاسم السابق يجب ان يقيد بها المعرف ، مثلا إذا قال : إذا اشتريت فرساً بمائة يوم الجمعة فبع الفرس ، فالمراد من الفرس الثاني هو الفرس الّذي اشتراه بمائة يوم الجمعة ،

٤٠٤

متعلقا بالظرف لا بيقين وكان المعنى فانه كان من طرف وضوئه على يقين وعليه لا يكون الأصغر الا اليقين لا اليقين بالوضوء كما لا يخفى على المتأمل «وبالجملة» لا يكاد يشك في ظهور القضية في عموم اليقين والشك خصوصاً بعد ملاحظة تطبيقها في الاخبار على غير الوضوء أيضا (ثم) لا يخفى حسن اسناد النقض وهو ضد الإبرام إلى اليقين ولو كان متعلقاً بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار لما يتخيل فيه من الاستحكام بخلاف الظن فانه يظن أنه ليس فيه إبرام واستحكام وان

______________________________________________________

ومن المعلوم أن يوم الجمعة والشراء ليسا قيدين للفرس في الجملة السابقة ، ومثله قوله تعالى (وأرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول ... الآية) فان المراد بالرسول الثاني هو الرسول الّذي أرسل ، مع أن قوله تعالى (أرسلنا) لم يجعل قيداً للرسول ففي المقام المراد من اليقين الّذي لا يجوز نقضه بالشك هو اليقين الّذي يكون المكلف من وضوئه عليه لا مطلقا (١) (قوله : لا يكاد يشك) العمدة فيه ما ذكره أولا من ظهور الرواية في التعليل بالأمر الارتكازي لا التعبدي (٢) (قوله : ثم لا يخفى حسن اسناد) هذا شروع في الرد على شيخنا الأعظم (قده) حيث استشكل تبعاً للمحقق الخوانساري (ره) في دلالة الاخبار على ثبوت الاستصحاب لو كان الشك في البقاء مستنداً إلى الشك في المقتضي ، ووجه الإشكال أن حقيقة النقض حل المبرم من قولهم نقض الحبل ، وقوله تعالى : (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة ... الآية) ولما امتنع إرادة ذلك في المقام دار الأمر بين حمله على رفع اليد عن الأمر الثابت لوجود مقتضية وحمله على مجرد رفع اليد عن الشيء ولو كان لعدم المقتضي ، وحيث ان الأول اقرب إلى المعنى الحقيقي كان هو المتعين فلا يصح التمسك بالأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك الا فيما إذا كان مشكوك البقاء واجداً لمقتضيه فتختص بالشك في الرافع دون الشك في المقتضي ، وحاصل ما ذكره المصنف (ره) في دفعه ان المصحح لاستعمال النقض في المقام كونه متعلقا باليقين الّذي هو من قبيل الأمر المبرم ، وحينئذ لا فرق بين كون المتيقن مبنيا على الثبوت والدوام أولا وليس استعماله بلحاظ نفس المتيقن حتى يختص بما إذا كان مبنيا على ذلك دون ما إذا لم يكن كذلك (٣) (قوله : لما يتخيل فيه) تعليل لحسن اسناد النقض إلى اليقين وضمير (فيه) راجع إلى اليقين

٤٠٥

كان متعلقا بما فيه اقتضاء ذلك وإلا لصح أن يسند إلى نفس ما فيه المقتضي له مع ركاكة مثل (نقضت الحجر من مكانه) ولما صح ان يقال : انتقض اليقين باشتعال السراج ، فيما إذا شك في بقائه للشك في استعداده مع بداهة صحته وحسنه (وبالجملة) لا يكاد يشك في ان اليقين كالبيعة والعهد إنما يكون حسن اسناد النقض إليه بملاحظته لا بملاحظة متعلقه فلا موجب لإرادة ما هو اقرب إلى الأمر المبرم أو أشبه بالمتين المستحكم مما فيه اقتضاء البقاء لقاعدة (إذا تعذرت الحقيقة فأقرب المجازات) بعد تعذر إرادة مثل ذاك الأمر مما يصح اسناد النقض إليه حقيقة (فان قلت) : نعم ولكنه حيث لا انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة فلو لم يكن هناك اقتضاء البقاء في المتيقن لما صح اسناد الانتقاض إليه بوجه ولو مجازا بخلاف ما إذا كان هناك فانه وان لم يكن معه أيضاً انتقاض حقيقة إلا أنه صح اسناده إليه مجازا فان اليقين معه كأنه تعلق

______________________________________________________

(١) (قوله : وإلّا لصح) يعني وإلّا يكن المصحح له ما في اليقين من الإبرام بل كان ما في المتيقن من اقتضاء البقاء لصح استعماله في مورد يكون فيه اقتضاء البقاء مع انه لا يصح فلا يقال : نقضت الحجر من مكانه ، مع أن كونه في مكانه مما فيه الاقتضاء إذ لا ينفصل عن مكانه لا برافع ، ويصح ان يقال : نقضت الحجر ، بمعنى كسرته لأن الحجر في نفسه لا يخلو من نوع من الإبرام بين اجزائه ويصح ان يقال : نقضت البناء ، إذا أزلته عن مكانه لأن كونه في مكانه أيضا لا يخلو من نحو من الإبرام (٢) (قوله : ولما صح) معطوف على قوله لصح (٣) (قوله : للشك في) متعلق بقوله : شك في بقائه (٤) (قوله : نعم ولكنه حيث لا انتقاض) يعني ان ما ذكرت من ان المصحح لاستعمال النقض في المقام نفس اليقين انما يتم لو كان النقض مسلطا على اليقين حقيقة مع انه ليس كذلك إذ الشك في مورد الاستصحاب مجامع لليقين لا ناقض له ، ولأجله لا يكون رفع اليد عن العمل نقضا لليقين بل انما يكون نقضا للمتيقن فالنقض حقيقة انما يسند إلى المتيقن فلا بد ان يكون فيه جهة مصححة لإسناد النقض إليه وليس إلّا كونه واجدا لمقتضي البقاء فيتم التخصيص بالشك في

٤٠٦

بأمر مستمر مستحكم قد انحل وانفصم بسبب الشك فيه من جهة الشك في رافعه (قلت) : الظاهر أن وجه الإسناد هو لحاظ اتحاد متعلقي اليقين والشك ذاتا وعدم ملاحظة تعددهما زمانا وهو كاف عرفاً في صحة اسناد النقض إليه واستعارته له بلا تفاوت في ذلك أصلا في نظر أهل العرف بين ما كان هناك اقتضاء البقاء وما لم يكن وكونه مع المقتضي أقرب بالانتقاض وأشبه لا يقتضي تعيينه لأجل قاعدة (إذا تعذرت الحقيقة) فان الاعتبار في الأقربية إنما هو بنظر العرف لا الاعتبار وقد عرفت عدم التفاوت بحسب نظر أهله هذا كله في المادة (واما الهيئة) فلا محالة يكون المراد منها النهي عن الانتقاض

______________________________________________________

الرافع (١) (قوله : الظاهر أن وجه الإسناد) يعني ان الشك انما لم يكن ناقضا لليقين في مورد الاستصحاب من جهة اختلاف متعلقهما زمانا لكون متعلق اليقين متقدما على متعلق الشك زمانا ولو بني على التغافل عن التعدد الزماني ولم يلحظ إلا نفس المتعلق ووحدته يرى الشك ناقضا لليقين فإسناد النقض إلى اليقين مبني على هذا التغافل ولا بأس به عرفا ، ولأجل ذلك التغافل يعبر غالبا عن مورد الاستصحاب بأنه يقين سابق وشك لاحق بل ربما كان ذلك في بعض الاخبار المستدل بها عليه (٢) (قوله : وكونه مع المقتضى) يعنى قد يقال : رفع اليد عن اليقين المتعلق بما هو واجد لمقتضي البقاء اقرب إلى النقض الحقيقي من رفع اليد عن اليقين المتعلق بما هو فاقد للمقتضي فقاعدة أن تعذر الحقيقة يوجب الحمل على اقرب المجازات تقتضي حمل النقض في المقام على الأول (وفيه) أن المراد من الأقرب الّذي يجب حمل اللفظ عليه هو الأقرب عرفا لا الأقرب عقلا ، ولذا يحمل مثل زيد أسد على ان المراد انه شجاع مع كون الأقرب عقلا ان يكون واجدا لكل صفة في الأسد والمعنيان المذكوران في المقام ليس أحدهما اقرب من الآخر عرفا بل هما سواء فليحمل على الجامع بينهما لأن تخصيص أحدهما بلا مخصص (٣) (قوله : واما الهيئة فلا محالة يكون المراد) الاحتمالات المتصورة بدوا كثيرة إذ نقض اليقين «تارة» يراد به نقض نفسه «وأخرى» نقض أحكامه «وثالثة» نقض متعلقه «ورابعة» نقض أحكامه ، والجميع ممتنع

٤٠٧

بحسب البناء والعمل لا الحقيقة لعدم كون الانتقاض بحسبهما تحت الاختيار سواء كان متعلقاً باليقين كما هو ظاهر القضية أم بالمتيقن أم بآثار اليقين بناء على التصرف فيها بالتجوز أو الإضمار.

______________________________________________________

لو أريد النقض الحقيقي (أما في الثاني والرابع) فواضح إذ الأحكام ليست من فعل المكلف ليمكنه نقضها ولا نقضها مضافا إلى انه لا معنى لنقضها بالشك (ومنه) يظهر امتناع الثالث مضافا إلى انه قد لا يكون من أفعاله الاختيارية لا حدوثا ولا بقاء (اما الأول) فلأنه ان أريد من حرمة نقضه بالشك وجوب البقاء على اليقين حقيقة فممتنع إذ قد لا يكون حصول اليقين اختياريا ، وان أريد حرمة نقضه بالشك في ظرف حصوله فان أريد ما كان من موارد قاعدة الشك الساري فالانتقاض ضروري لا معنى للنهي عنه ، وان أريد ما كان من موارد الاستصحاب فالانتقاض غير حاصل فلا معنى للنهي عنه. هذا كله مضافا إلى ان جميع هذه الاحتمالات خلاف الضروري من مفاد النص ولم يتوهم أحد احتمالها منه ، ومثلها أن يكون المراد نقض اليقين عملا بمعنى جعل أحكام اليقين للشك فانه وان كان في نفسه معقولا كما لو كان اليقين موضوعا لحكم شرعي أو جزءاً للموضوع إلا أنه خلاف مورد الرواية فان جواز الصلاة ونحوه ليس من أحكام نفس اليقين ، فيدور الأمر بين إرادة نقض المتيقن عملا بجعل أحكامه حال الشك في وجوده ، وإرادة وجوب العمل مع الشك العمل مع اليقين فكما أنه لو تيقن الطهارة مثلا لوجب عليه ترتيب أحكام الطهارة وأحكام اليقين بها كذلك لو شك في الطهارة بعد اليقين بها فيجب عليه ترتيب أحكامها وأحكام اليقين بها فكل عمل يجب في حال اليقين بشيء يجب في حال الشك به سواء كان العمل لأثر لليقين أم لأثر للمتيقن ، والّذي استظهره المصنف (ره) تبعا لشيخنا الأعظم (ره) هو الأول وسيأتي قريباً توضيح الحال (١) (قوله : بحسب البناء) ذكر البناء غير ظاهر فان الظاهر هو كونه بحسب العمل لا غير (٢) (قوله : ظاهر القضية) يعني من حيث الوضع (٣) (قوله : فيها بالتجوز أو الإضمار) ضمير فيها راجع إلى القضية والتجوز على

٤٠٨

بداهة أنه كما لا يتعلق النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه بنفس اليقين كذلك لا يتعلق بما كان على يقين منه أو أحكام اليقين فلا يكاد يجدي التصرف بذلك في بقاء الصيغة على حقيقتها فلا مجوز له فضلا عن الملزم كما توهم (لا يقال) : لا محيص عنه فان النهي عن النقض بحسب العمل لا يكاد يراد بالنسبة إلى اليقين وآثاره لمنافاته مع

______________________________________________________

تقدير إرادة المتيقن والإضمار على تقدير إرادة آثار اليقين (١) (قوله : بداهة) تعليل لقوله سواء كان ... إلخ (٢) (قوله : بما كان على) يعني المتيقن (٣) (قوله : أو أحكام اليقين) بل وأحكام المتيقن (٤) (قوله : فلا يكاد يجدي التصرف) هذا تعريض بشيخنا الأعظم قدس‌سره حيث أنه بعد ما خص النقض بما إذا كان الشك في الرافع قال : ثم لا يتوهم الاحتياج إلى تصرف في اليقين بإرادة المتيقن منه لأن التصرف لازم على كل حال فان النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه لا يتعلق بنفس اليقين على كل تقدير بل المراد نقض ما كان على يقين منه وهو الطهارة السابقة أو أحكام اليقين ... إلخ فيظهر منه إمكان تعلق النقض الاختياري بالمتيقن وأحكام اليقين دون نفس اليقين ، وقد عرفت أنه لا فرق بينها في ذلك ومن هنا ذكر المصنف (ره) انه لا يكاد يجدي التصرف ... إلى قوله : كما توهم ومراده من المتوهم شيخه ـ قدس‌سره ـ هذا ولكن قال شيخنا الأعظم ـ قدس‌سره ـ بعد ذلك : وكيف كان فالمراد اما نقض المتيقن فالمراد بالنقض رفع اليد عن مقتضاه واما نقض أحكام اليقين أي الثابتة للمتيقن من جهة اليقين والمراد حينئذ رفع اليد عنها. انتهى ، وهو صريح في أن النقض المتعلق بالمتيقن أو أحكام اليقين يراد منه النقض عملا لا حقيقة ، فالجمع بين الكلامين يقتضي إرادة وجوب التصرف في اليقين بإرادة المتيقن أو أحكامه من جهة مورد الرواية وإرادة النقض العملي من النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه ، وان كانت العبارة الأولى توهم ما عليه المصنف (ره) من إرادة النقض الحقيقي فلاحظ (٥) (قوله : لا محيص عنه فان) يعني لا بد من الحمل على إرادة نقض المتيقن لأن الحمل على ما ذكرت

٤٠٩

المورد (فانه يقال) : إنما يلزم لو كان اليقين ملحوظاً بنفسه وبالنظر الاستقلالي لا ما إذا كان ملحوظا بنحو المرآتية وبالنظر الآلي كما هو الظاهر في مثل قضية (لا تنقض اليقين) حيث تكون ظاهرة عرفا في انها كناية عن لزوم البناء والعمل

______________________________________________________

من إرادة نقض اليقين عملا ينافي مورد الرواية إذ الحكم المترتب في الرواية على حرمة النقض صحة الصلاة ونحوها وذلك من أحكام الطهارة المشكوكة لا اليقين بها هذا ولا يخفى أنه كان الأنسب إسقاط قوله : لا محيص عنه ، إذ بعد إثبات امتناعه لا وجه لدعوى كونه لا محيص عنه كما هو ظاهر (١) (قوله : انما يلزم لو كان) يعني ان ما ذكرناه من إرادة حرمة نقض اليقين عملا نعني منه حرمة نقض المتيقن إذ اليقين ملحوظ عبرة وطريقا إلى نفس المتيقن (٢) (قوله : كما هو الظاهر في مثل قضية) هذا الاستظهار غير ظاهر إذ هو خلاف الأصل المعول عليه في الألفاظ فان كل لفظ انما يحكي عن معناه استقلالا واستعمال اليقين طريقا في بعض المقامات مثل رواية زرارة : إذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة فليستقبل صلاته استقبالا ، لا يقتضي الحمل عليه في غيرها ما لم تقم قرينة عليه ، مع إمكان المنع من كونه فيها طريقا بهذا المعنى بل من الجائز أن يكون موضوعا لوجوب الإعادة إرشاداً فانه الموافق للأصل المذكور (وثانياً) انه خلاف ظاهر سياقه مساق الشك إذ الشك في قوله : ولا ينقض اليقين بالشك ، ملحوظ في نفسه استقلالا لا طريقا فيكون اليقين كذلك لكونهما في سياق واحد ، وخلاف ما يظهر من الرواية من كونها تنبيها على امر ارتكازي فان الأمر الارتكازي عدم رفع اليد عن اليقين بما هو يقين في قبال الشك ، وخلاف ما يظهر من الصغرى المعلل بها الجواب ـ أعني قوله عليه‌السلام : فانه على يقين من وضوئه ـ فان الظاهر منها ملاحظة اليقين استقلالا ، وليس المراد منها انه على وضوء ، بل لعله أيضا خلاف ما ذكره المصنف (ره) من كون المصحح لاستعمال النقض في المقام نفس اليقين لما فيه من الاستحكام فان حمل اليقين على الطريقية إلى المتيقن نقض لما ذكر إلّا بدعوى

٤١٠

بالتزام حكم مماثل للمتيقن تعبداً إذا كان حكما ولحكمه إذا كان موضوعا لا عبارة عن لزوم العمل بآثار نفس اليقين بالالتزام بحكم مماثل لحكمه شرعاً وذلك لسراية الآلية والمرآتية من اليقين الخارجي إلى مفهومه الكلي فيؤخذ في موضوع الحكم في مقام بيان حكمه مع عدم دخله فيه أصلا كما ربما يؤخذ فيما له دخل فيه أو تمام الدخل (فافهم)

______________________________________________________

اكتساب المتيقن من اليقين حيثية الإبرام والاستحكام ، لكنها ـ مع انها لا تخلو من تكلف ـ لا تأبى كون حمله على اليقين الاستقلالي أنسب بلفظ النقض ، فالمتعين مما ذكرناه إبقاء اليقين على معناه وإرادة حرمة رفع اليد عنه ووجوب العمل حال الشك عمله حال اليقين سواء كان العمل مستندا إلى أثر شرعي لليقين كما لو كان تمام الموضوع له أو جزؤه ، أم مستنداً إلى أثر شرعي للمتيقن كما في مورد الرواية ، وسيجيء إن شاء الله تعالى في وجه تحكيم الاستصحاب على الأصول ما له نفع تام في المقام فانتظر وتأمل والله سبحانه اعلم (١) (قوله : بالالتزام بحكم مماثل) قد عرفت في بعض الحواشي السابقة وفي السؤال المتقدم ان هذا المعنى وان كان معقولا إلّا انه لا ينافي مورد الرواية (٢) (قوله : وذلك لسراية الآلية) هذا تعليل لقوله : كما هو الظاهر ، ودفع لتوهم انه كيف يكون اليقين في الرواية ملحوظا آلة للمتيقن وطريقا إليه مع ان اليقين الّذي يكون كذلك هو اليقين الخارجي الّذي هو مصداق مفهوم اليقين لا نفس المفهوم (وحاصل) الدفع تسليم ذلك ودعوى سراية الآلية من المصداق إلى نفس المفهوم. هذا وفي دعوى كون اليقين الخارجي طريقا إلى المتيقن خفاء فان اليقين نوع من العلم لا به يكون العلم فتأمل جيداً (٣) (قوله : فيؤخذ في) يعني (فتارة) يؤخذ اليقين في موضوع الحكم طريقا محضا بلا دخل له في موضوع ذلك الحكم بل تمام الموضوع هو ذات المتيقن (وأخرى) يؤخذ في موضوعه موضوعا تمامه أو جزؤه فضمير (حكمه) و (فيه) راجع إلى الموضوع ، وضمير (دخله) راجع إلى اليقين وكلمة (ما) في قوله : فيما له ،

٤١١

ثم إنه حيث كان كل من الحكم الشرعي وموضوعه مع الشك قابلا للتنزيل بلا تصرف وتأويل غاية الأمر تنزيل الموضوع بجعل مماثل حكمه وتنزيل الحكم بجعل مثله كما أشير إليه آنفاً كان قضية (لا تنقض) ظاهرة في اعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية والموضوعية. واختصاص المورد بالأخيرة لا يوجب تخصيصها بها خصوصاً بعد ملاحظة أنها قضية كلية ارتكازية قد أتي بها في غير مورد لأجل الاستدلال بها على حكم المورد فتأمل (ومنها) صحيحة أخرى لزرارة (قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف

______________________________________________________

عبارة عن الموضوع (١) (قوله : ثم انه حيث كان كل) هذا بيان لعموم الرواية لاستصحاب الموضوع ولاستصحاب الحكم وانها لا تختص بالأول وان كان موردا لها لأن المورد لا يخصص الوارد (وتوضيحه) : ان اليقين في قوله عليه‌السلام : ولا ينقض اليقين بالشك مطلق ، فيعم كلا من اليقين بالحكم واليقين بالموضوع فيدل على جعل كل منهما في حال الشك في بقائه غاية الأمر أن جعل الموضوع تعبداً راجع إلى جعل حكم مماثل لحكمه وجعل الحكم كذلك راجع إلى جعل مماثله ، وحيث لا مانع من ان يكون الكلام المذكور متكفلا لجعل الأمرين معا وجب حمله على ذلك أخذا بإطلاقه ، كما أن قوله مثلا : اعمل بالخبر ، لما كان عاما للخبر الحاكي عن الموضوع والخبر الحاكي عن الحكم وجب الأخذ بإطلاقه ويكون أيضا متكفلا لجعل المماثل للحكم لو كان حاكياً عنه ولجعل مماثل حكم الموضوع لو كان حاكيا عن الموضوع (٢) (قوله : بلا تصرف وتأويل) يعني كائنين على خلاف ظاهر الكلام ، وإلّا فلا بد من التصرف والتأويل في الجملة إذ قد عرفت ان مقتضى الجمود على ما تحت العبارة إرادة حرمة نقض اليقين حقيقة وهو ممتنع كما عرفت (٣) (قوله : ومنها صحيحة أخرى) هذه الصحيحة رواها الشيخ (ره) بالطريق المتقدم بعينه ورواها الصدوق عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة ، وهذا السند حسن بإبراهيم بن هاشم عند المشهور ولكنه

٤١٢

أو غيره أو شيء من المني فعلَّمت أثره إلى أن أصيب له الماء فحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا وصليت ثم إني ذكرت بعد ذلك ، قال : تعيد الصلاة وتغسله ، قلت : فان لم أكن رأيت موضوعه وعلمت أنه قد أصابه فطلبته ولم أقدر عليه فلما صليت وجدته ، قال عليه‌السلام : تغسله وتعيد ، قلت : فان ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئاً فصليت فرأيت فيه ، قال : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك؟ قال لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً ، قلت : فاني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فاغسله؟ قال : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك ، قلت فهل علي إن شككت في انه أصابه شيء أن انظر فيه؟ قال : لا ولكنك إنما تريد أن تذهب الشك الّذي وقع في نفسك ، قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته وإن لم تشك ثم رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك) وقد ظهر مما ذكرنا في الصحيحة الأولى تقريب الاستدلال بقوله : فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك ، في كلا الموردين ولا نعيد (نعم) دلالته في المورد الأول على الاستصحاب مبني على أن يكون المراد من اليقين في قوله عليه‌السلام : لأنك كنت على يقين من طهارتك ، اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة

______________________________________________________

صحيح عند جماعة من المحققين لثبوت توثيقه عندهم (١) (قوله : أو غيره أو شيء) الأول معطوف على رعاف والثاني معطوف على دم (٢) (قوله : وقد ظهر مما ذكرنا) بل التقريب هنا أظهر لأن ظهور الرواية في التعليل مما لا ينكر كيف وهو مدلول اللام في «لأنك»؟ (٣) (قوله : مبني على ان يكون) يعني يحتمل بدواً

٤١٣

كما هو الظاهر فانه لو كان المراد منه اليقين الحاصل بالنظر والفحص بعده الزائل بالرؤية بعد الصلاة كان مفاده قاعدة اليقين كما لا يخفى. ثم إنه أشكل على الرواية بان الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة ليست نقضاً لليقين بالطهارة بالشك فيها بل باليقين بارتفاعها فكيف يصح أن يعلل عدم الإعادة بأنها نقض اليقين بالشك؟ (نعم) إنما يصح أن يعلل به جواز الدخول في الصلاة كما لا يخفى ، ولا يكاد يمكن التفصي عن هذا الإشكال إلا بان يقال : إن الشرط في الصلاة فعلا حين الالتفات إلى الطهارة

______________________________________________________

في الرواية معنيان (الأول) ان يكون المراد باليقين اليقين الحاصل قبل ظن الإصابة وبالشك الشك الحاصل حال الصلاة لاحتمال الإصابة بان يكون قوله : فنظرت ... إلخ بمعنى لم اعلم بالإصابة (الثاني) ان يكون المراد باليقين اليقين بالطهارة الحاصل بالنظر بأن يحمل قوله : فلم أر شيئاً ، على معنى علمت بعدم الإصابة ويكون المراد بالشك الشك الحاصل بعد ذلك حال الصلاة بان يكون قد شك حال الصلاة في وجود النجاسة حال النّظر وعدم الرؤية ، وعلى الأول تكون الرواية دالة على ثبوت الاستصحاب لاختلاف متعلقي اليقين والشك زمانا وعلى الثاني تكون دالة على ثبوت قاعدة الشك الساري لاتحاد متعلقيهما (١) (قوله : كما هو الظاهر) وجهه : أن حمل «فلم أر شيئا» على اليقين بعدم الإصابة غير ظاهر ، كما أن حدوث الشك له حال الصلاة الموجب لزوال اليقين المذكور لا دال عليه في الرواية (٢) (قوله : ثم انه أشكل على الرواية) هذا الإشكال مبني على ان الطهارة الواقعية شرط في صحة الصلاة فان المكلف إذا علم بعد الصلاة ان صلاته وقعت فاقدة للشرط كان العلم المذكور ملزوما للعلم ببقاء التكليف المقتضي للإعادة فالإعادة المستندة إلى العلم المذكور لا تنافي حرمة نقض اليقين بالشك لأنها من نقض اليقين باليقين (٣) (قوله : جواز الدخول) لأن عدم جواز الدخول نقض لليقين بالشك فحرمة النقض تقتضي جواز الدخول (٤) (قوله : حين الالتفات) انما قيد به لأنه لو صلى في النجس غافلا صحت صلاته ولو كان الشرط

٤١٤

هو إحرازها ولو بأصل أو قاعدة لانفسها فتكون قضية استصحاب الطهارة حال الصلاة عدم إعادتها ولو انكشف وقوعها في النجاسة بعدها كما أن إعادتها بعد الكشف تكشف عن جواز النقض وعدم حجية الاستصحاب.

______________________________________________________

إحراز الطهارة مطلقا كان اللازم البطلان لأنه لا إحراز لها في حال الغفلة (١) (قوله : هو إحرازها ولو) يعني إذا كان الشرط لصحة الصلاة إحراز الطهارة كان عدم وجوب إعادة الصلاة في مورد السؤال في الرواية من آثار ثبوت الاستصحاب وحرمة نقض اليقين بالشك لأنه بالاستصحاب تحرز الطهارة فيتحقق الشرط وتصح الصلاة المشروطة فيصح حينئذ تعليل صحة الصلاة وعدم وجوب الإعادة بعدم جواز نقض اليقين بالشك (فان قلت) : إذا كان إحراز الطهارة ولو بأصل كافيا في صحة الصلاة لم يتوقف عدم وجوب الإعادة على حرمة نقض اليقين بالشك بل يكفي فيه قاعدة الطهارة «قلت» : قاعدة الطهارة لا تجري في مورد يجري فيه الاستصحاب كما سيأتي إن شاء الله تعالى فمهما كان الاستصحاب جاريا كان هو المستند في الصحة لا غير «فان قلت» : كون الشرط إحراز الطهارة ينافي ما عليه جل الأصحاب من أن الشرط عدم إحراز النجاسة «قلت» : هو ممنوع كيف وظاهرهم الاتفاق على عدم الاكتفاء بالصلاة في أحد الثوبين المعلوم نجاسة أحدهما إجمالا؟ إذ لا ريب في ان واحدا منهما بعينه مما لم تعلم نجاسته «ودعوى» أن المعلوم بالإجمال لما لم تجز الصلاة فيه لم تجز الصلاة في كل واحد من محتملاته «مندفعة» باطراد الحكم عندهم حتى لو كان الطرف الآخر مما لا يصلى فيه كما لو كان طعاما لا يجوز أكله أو بيعه. فتأمل. ثم إنه بناء على ما ذكره المصنف (ره) من أن مفاد دليل الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن لا غير لا يكون الاستصحاب محرزا للطهارة الواقعية. نعم به يحصل إحراز وجداني للطهارة الظاهرية فيتوقف اندفاع الإشكال على كون الشرط إحراز الطهارة واقعية كانت أم ظاهرية (٢) (قوله : بعدها) ظرف (انكشف)

٤١٥

حالها كما لا يخفى فتأمل جيداً (لا يقال) : لا مجال حينئذ لاستصحاب الطهارة فانه إذا لم يكن شرطاً لم يكن موضوعا لحكم مع أنه ليس بحكم ولا محيص في الاستصحاب عن كون المستصحب حكما أو موضوعا لحكم (فانه يقال) : إن الطهارة وإن لم تكن شرطاً فعلا إلا انها غير منعزل عن الشرطية رأساً بل هو شرط واقعي اقتضائي ـ كما هو قضية التوفيق بين بعض الإطلاقات ومثل هذا الخطاب ـ

______________________________________________________

(١) (قوله : حالها) ظرف لجواز النقض (٢) (قوله : لا يقال لا مجال حينئذ) يعني إذا كان الشرط إحراز الطهارة لا نفس الطهارة الواقعية امتنع جريان الاستصحاب لإثباتها لما تقدم من أنه لا بد ان يكون المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي والطهارة ليست واحدا منهما. اما الأول فواضح. واما الثاني فلأنه المفروض ، وإذا امتنع جريان الاستصحاب لإثباتها لم يتحقق إحراز الطهارة الّذي هو الشرط فاللازم بطلان الصلاة ولزوم الإعادة فيشكل تعليل عدم الإعادة بالاستصحاب في الرواية. ثم إن هذا الإشكال يتوقف على عدم أثر شرعي للطهارة غير شرطيتها للصلاة وإلّا كفى ثبوته في جريان الاستصحاب ويتم التعليل. كما ان هذا الإشكال مبني على مذاق المصنف (ره) من كون مفاد دليل الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن أما بناء على أن مفاده معاملة الشك معاملة اليقين في جميع الآثار العملية الثابتة له من جهة نفسه أو من جهة المتيقن كما استظهرناه ، فلا مجال له على هذا المبني إذ لا يتوقف جريان الاستصحاب على كون الطهارة حكما شرعيا أو موضوعا له بل يكفي فيه كون العلم موضوعا له والمفروض انه كذلك فلاحظ (٣) (قوله : فانه يقال ان الطهارة) حاصله : انه ليس المقصود من قولنا شرط صحة الصلاة إحراز الطهارة لانفسها أن الأمر كذلك مطلقا ، بل المقصود أن الشرط الواقعي الأولي هو نفس الطهارة الواقعية غاية الأمر انه لو أخطأ الاستصحاب ولم يصادف ثبوتها واقعا كان الشرط الفعلي حينئذ هو إحرازها لانفسها ، وإذا كانت الطهارة الواقعية شرطا جاز جريان الاستصحاب لإثباتها. والداعي إلى الالتزام بذلك أنه وجه جمع بين

٤١٦

هذا مع كفاية كونها من قيود الشرط حيث أنه كان إحرازها بخصوصها لا غيرها شرطاً (لا يقال) : سلمنا ذلك لكن قضيته أن يكون علة عدم الإعادة حينئذ بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة هو إحراز الطهارة حالها باستصحابها لا الطهارة المحرزة بالاستصحاب ـ مع أن قضية التعليل أن تكون العلة له هي نفسها لا إحرازها ضرورة أن نتيجة قوله : لأنك كنت على يقين ... إلخ أنه على الطهارة لا أنه

______________________________________________________

ما دل بظاهره على اعتبار الطهارة نفسها مثل : لا صلاة إلّا بطهور. فتأمل وما دل على صحة الصلاة بفقدها إذا كانت مجرى للاستصحاب كهذه الصحيحة «وفيه» أنه يمتنع الجمع بين دعوى كونها شرطا اقتضائيا في صورة الفقدان ودعوى صحة جريان الاستصحاب حينئذ لتوقف جريانه على أثر فعلي لمجراه وهو غير حاصل بالفرض (١) (قوله : مع كفاية كونها من قيود) يعني أنه يكفي في صحة جريان الاستصحاب في شيء كونه من قيود الشرط وان لم يكن بنفسه شرطا إذ لا ريب في صحة جريان استصحاب طهارة الماء المتوضأ به مع أن طهارة الماء قيد لشرط الصلاة وهو الوضوء فكذا في المقام فانه إذا كان الشرط إحراز الطهارة كانت الطهارة قيداً للإحراز ويكفي ذلك في صحة جريان الأصل لإثباتها «ويشكل» بان قيود الشرط التي يجري الأصل فيها هي التي تكون بوجودها الواقعي قيداً للشرط مثل طهارة الماء للوضوء والمفروض أن الطهارة ليست كذلك ، بل لو فرض تسليم كون الطهارة بوجودها الواقعي قيداً للإحراز كان الفرض من صغريات أخذ العلم جزءاً من الموضوع ، وقد تقدم منه (ره) عدم صلاحية دليل الاستصحاب لإثبات قيامه مقامه (٢) (قوله : سلمنا ذلك لكن قضية) يعني سلمنا صحة جريان الاستصحاب لإثبات الطهارة لكن لو كان الشرط لصحة الصلاة هو إحراز الطهارة كان المناسب تعليل عدم وجوب الإعادة في الرواية بتحقق إحراز الطهارة لا بتحقق نفس الطهارة. مع أن ظاهر التعليل في الرواية كون العلة ثبوت نفس الطهارة فيدل على بطلان كون الشرط إحراز الطهارة (٣) (قوله : ان نتيجة قوله لأنك) يعني

٤١٧

مستصحبها كما لا يخفى «فانه يقال» : نعم ولكن التعليل إنما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الحال لنكتة التنبيه على حجية الاستصحاب وأنه كان هناك استصحاب مع وضوح استلزام ذلك لأن يكون المجدي بعد الانكشاف هو ذاك الاستصحاب لا الطهارة وإلا لما كانت الإعادة نقضاً كما عرفت في الإشكال

______________________________________________________

أن ظاهر التعليل إشارة إلى قياس مؤلف من صغرى خارجية وكبرى شرعية صورته هكذا : انك كنت على يقين من طهارتك فشككت ، وكل من كان على يقين من طهارته فشك فهو متطهر ، ونتيجته : إنك متطهر ، فيرجع التعليل في الحقيقة إلى التعليل بالنتيجة وهو حصول الطهارة لا بالاستصحاب (١) (قوله : نعم ولكن التعليل) يعني انك عرفت أن إحراز الطهارة ليس شرطا مطلقا بل شرطيته منحصرة بحال فقدان الطهارة ، وأما في حال الوجدان فالشرط هو الطهارة لا إحرازها وحينئذ نقول : إن كان التعليل بملاحظة زمان انكشاف الفقدان وهو ما بعد الصلاة لزم أن يكون بالاستصحاب لأنه به إحراز الطهارة الّذي هو الشرط ، وان كان بملاحظة زمان الجهل بالفقدان لزم أن يكون بنفس الطهارة لإمكان إثباتها بالاستصحاب حينئذ ، فتضمن الصحيحة التعليل بنفس ثبوت الطهارة انما هو بملاحظة زمان الجهل وهو زمان الصلاة فلا تدل على بطلان شرطية الإحراز بعد انكشاف الفقدان وهو ما بعد الصلاة (٢) (قوله : لنكتة التنبيه) يعني الباعث على ملاحظة زمان الشك في التعليل التنبيه على حجية الاستصحاب في ذلك الحال فتدل الرواية على أمور (أحدها) حجية الاستصحاب (ثانيها) شرطية الطهارة في ذلك الحال كما عرفت تقريبه في السؤال (ثالثها) شرطية الإحراز في حال الفقدان كما يقتضيه الحكم فيها بعدم لزوم الإعادة حاله إذ لو لم يكن الإحراز شرطا كان اللازم الإعادة. ثم إن ما ذكره المصنف (ره) من كون التعليل بلحاظ ما قبل الانكشاف غير ظاهر لأن المعلل عدم وجوب الإعادة بعد الانكشاف فلا بد أن يكون التعليل بلحاظ هذا الحال المسئول عنه. فالأولى في الجواب دعوى وجوب

٤١٨

«ثم» إنه لا يكاد يصح التعليل لو قيل باقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء كما قيل ضرورة أن العلة عليه إنما هو اقتضاء ذاك الخطاب الظاهري حال الصلاة للاجزاء وعدم إعادتها لا لزوم النقض من الإعادة كما لا يخفى. اللهم إلا ان يقال : إن التعليل به إنما هو بملاحظة ضميمة اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء بتقريب أن الإعادة لو قيل بوجوبها كانت موجبة لنقض اليقين بالشك في الطهارة قبل الانكشاف وعدم حرمته شرعاً وإلا للزم عدم اقتضاء ذاك الأمر له كما لا يخفى مع اقتضائه شرعاً أو عقلا

______________________________________________________

رفع اليد عن ظهور التعليل في كون العلة هو الطهارة الواقعية وحمله على كفاية تحقق العلم بالطهارة حين الصلاة في صحتها (١) (قوله : لا يكاد يصح التعليل) إشارة إلى ما قيل في توجيه التعليل من أنه مبني على اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء فانه على هذا المبني تكون الطهارة الظاهرية بمنزلة الطهارة الواقعية ولو بعد انكشاف الخلاف فيترتب عليها صحة العمل واقعا. وأورد عليه (ره) انه على هذا المبني تكون العلة في عدم وجوب الإعادة اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء وظاهر الرواية أن العلة هو حرمة نقض اليقين بالشك لأن الإعادة نقض له به (٢) (قوله : بتقريب ان الإعادة) توضيحه : أن الإعادة بلحاظ حال الانكشاف المسئول عنه نقض لليقين باليقين كما تقدم في تقرير الإشكال لكنها بلحاظ ما قبل الانكشاف من نقض اليقين بالشك فإذا فرض أن الأمر الظاهري يقتضي الاجزاء كان تطبيق حرمة نقض اليقين بالشك بلحاظ هذا الحال موجبا لعدم الإعادة واقعا واجزاء المأتي به عن الواقع فلا تجب الإعادة حينئذ بعد الانكشاف إذ وجوبها حينئذ ملازم لبقاء الأمر وبقاء الأمر خلاف القول بالاجزاء. ثم إن الفرق بين هذا الوجه وما ذكره المصنف (ره) واضح إذ هذا الوجه مبني على كون الشرط هو الطهارة الواقعية غاية الأمر أن الطهارة الظاهرية مجزية بناء على اجزاء الأمر الظاهري. ووجه المصنف (ره) مبني على أن الشرط الفعلي إحراز الطهارة لانفسها الا في صورة وجودها الواقعي. ومنه يظهر أنه يشكل على هذا الوجه القول بالصحّة في صورة العلم بعدم النجاسة مع انكشاف الخلاف إذ لا أمر

٤١٩

فتأمل ، ولعل ذلك مراد من قال بدلالة الرواية على اجزاء الأمر الظاهري. هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه التعليل ـ مع أنه لا يكاد

______________________________________________________

ظاهري حينئذ. فتأمل (١) (قوله : فتأمل) وجهه على ما في حاشية الكتاب أن اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ليس بذلك الوضوح كي يحسن بملاحظته التعليل بلزوم النقض من الإعادة كما لا يخفى. انتهى. وحكي أنه «ره» ضرب عليها أخيراً أو كأن الوجه فيه ما أشار إليه في حاشيته أيضا من أنه يكفي كون الاجزاء مفروغا عنه عند السائل كما يظهر من قناعته بالتعليل وان لم يكن بذلك الوضوح في نفسه هذا مع أن الكلام في توجيه الرواية ويكفي فيه مجرد احتمال المفروغية عنه عند السائل ولو ببيان من الإمام عليه‌السلام كما لا يخفى (٢) (قوله : هذا غاية ما يمكن) أقول : يحتمل في الرواية معنى آخر نبه عليه شيخنا الأعظم «قدس‌سره» وهو أن يكون السؤال عن صورة رؤية النجاسة بعد الصلاة مع الشك في وجودها حال الصلاة فتكون هذه الصورة نظير الصورة المذكورة في ذيل الرواية المعلل الحكم فيها بمثل ما علل به الحكم في هذه الصورة ، وحينئذ لا إشكال في الرواية بالنظر إلى نفسها لأن الإعادة حينئذ نقض لليقين بالشك لا باليقين ، كما لا إشكال عليها أصلا لو قيل بان الطهارة الواقعية شرط في صحة الصلاة. نعم لو قيل بعدم كونها شرطا كما تقتضيه جملة من النصوص المعتبرة الموافقة لفتوى المشهور أشكل امر الجمع بينها وبين تلك النصوص ، لكن الإشكال على النحو المذكور أهون كالإشكال في ذيلها أيضا من هذه الجهة. ثم إنه لا يبعد ان يكون وجه الجمع هو شرطية الطهارة نفسها في صحة الصلاة ، ولو صلى جاهلا بها أجزأت إما لعدم إمكان التدارك أو لحصول الغرض أو غير ذلك مما يمنع عن بقاء الأمر بالإعادة. ثم إن ما يقرب هذا المعنى أمور «الأول» قول الراوي : فرأيت ولم يقل فرأيته ، كما قال في الفرض السابق : وجدته «الثاني» موافقته للصورة الثانية من الصورتين المذكورتين في ذيل الرواية في التعليل «الثالث» انه لو حمل على الوجه الأول يكون موافقاً للصورة الأولى

٤٢٠