حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

ثم الحكم الّذي أريد نفيه بنفي الضرر

______________________________________________________

حديث الرفع حيث لم يمكن حمله على نفي السبب (١) (قوله : ثم الحكم الّذي أريد نفيه) هذا تعرض لكيفية الأخذ بها في قبال القواعد الشرعية المثبتة للأحكام ، والكلام «تارة» فيما دل على ثبوت الحكم الضرري «وأخرى» فيما دل على ثبوته للموضوع الّذي قد يطرأ عليه الضرر «وثالثة» فيما دل على ثبوته للموضوع الضرري بذاته «ورابعة» فيما دل على ثبوته للموضوع الّذي قد طرأ عليه الضرر مع تعرضه لحال الضرر بالخصوص «أما الكلام» في الأول مثل قوله عليه‌السلام : من أضرّ بطريق المسلمين فهو له ضامن ، فهو انه لا معارضة بين القاعدة المذكورة وبينه سواء أكان مفادها نفي الحكم المؤدي إلى الضرر ـ كما اختاره الشيخ الأعظم قدس‌سره ـ أم نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما يراه المصنف «ره» (اما) على الأول فواضح لأن الحكم الثابت للضرر غير الحكم الّذي يؤدي إلى الضرر فنفي الثاني الّذي هو مفاد القاعدة لا ينافي ثبوت الأول الّذي هو مفاد الدليل المذكور ، وحيث لم يتناف مفادهما وجب الأخذ بهما معا «فان قلت» : الحكم بالضمان على الضرر وان كان حكما على الضرر إلا أنه أيضا موجب للضرر فان الضمان من الأحكام الضررية لاقتضائه اشتغال ذمة الضامن بالمال وهو ضرر «قلت» : الحكم المذكور ذو جهتين إحداهما كونه حكما للضرر ، والأخرى كونه موجبا للضرر ، والكلام هنا فيه من الجهة الأولى لا غير ، وأما من حيث الجهة الثانية فيأتي في الكلام في النوع الثالث ، ولا تلازم بين الجهتين لجواز كون الحكم الثابت للضرر غير ضرري ، (واما) على مختار المصنف (ره) فلأن الأحكام التي يقصد نفيها بالقاعدة لا تشمل الأحكام الثابتة لعنوان الضرر لأن الظاهر من القاعدة كون الضرر هو العلة في نفي الحكم ، والظاهر من دليل الحكم المثبت للضرر كون الضرر علة لثبوته ، ولامتناع كون الشيء الواحد علة للنقيضين يمتنع ان يكون الحكم المنفي بالضرر عين الحكم الّذي يثبت به ، وإذا لم يتحد الحكم المنفي بالقاعدة مع الحكم الثابت للضرر لم يكن تناف بينها وبين دليل ذلك الحكم ، كما تقدم نظيره

٣٨١

في حديث الرفع ، وعليه فتختص القاعدة بنفي الحكم الّذي لا يكون موضوعه عنوان الضرر «فان قلت» : ذلك يتوقف على ظهور دليل القاعدة في كون الضرر علة للنفي وهو لا يتم على مختاره ـ أعني كونه من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ـ لأن كونه من ذلك القبيل يتوقف على كون الضرر موضوعا للحكم ليكون نفيه بنفيه فيكون علة له لا موضوعا لعدمه ليكون علة لعدمه وحينئذ يتعين شمول القاعدة للحكم الّذي يكون موضوعه الضرر لا غير (قلت) : ظهور القاعدة في كون الضرر علة لنفي الحكم مما لا مساغ لإنكاره ولا يتوقف على أخذ الضرر فيها موضوعا لعدم الحكم بل يكفي في استفادة ذلك المناسبات العرفية ولا سيما بملاحظة سوق القضية مساق الامتنان فيتم البرهان «فان قلت» : إذا تم ظهور القضية في كون الضرر علة لعدم الحكم امتنع حينئذ أن تكون القضية من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع لأن حمل القضية على ذلك يلازم ظهورها في علية الضرر لنفس الحكم إذ هو لازم كونه موضوعا له ومنفيا بنفيه ويمتنع ظهورها في ذلك مع ظهورها فيما سبق إذ لازم الظهورين كون الضرر علة للحكم ولعدمه وهو ممتنع ، فلا بد إما من رفع اليد عن الظهور الأول فلا يتم البرهان أو عن الظهور الثاني فلا يتم مختاره (قلت) : يمكن المحافظة على الأخذ بالظهورين معا بحمل الضرر في القاعدة على العناوين الضررية مثل الوضوء والغسل الضرريين فيكون الوضوء مثلا علة للحكم لأنه موضوعه والضرر علة لعدمه لأنه موضوع لنفي الحكم عن الوضوء ، ومنه يظهر أن ظاهر القضية حينئذ ـ ولو بملاحظة المناسبات العرفية ومقام الامتنان ـ كون الضرر موضوعا لعدم الحكم ومنه استفيد عليته له وموضوع الحكم الّذي استظهر من القضية نفي حكمه بلسان نفيه هو الوضوء الضرري لا عنوان الضرر. هذا وقد عرفت سابقا أن مبنى ما اختاره المصنف (ره) من الاستظهار حمل الضرر على الطريقية ، وعليه فلا مجال لتوهم منافاة القاعدة لأدلة أحكام عنوان الضرر حتى يُتفصى عنها بالبرهان المذكور. فتأمل «وأما الكلام» في الثاني مثل ما دل على وجوب الوضوء للصلاة مطلقا

٣٨٢

ولو كان ضرريا ، فهو أن بينه وبين القاعدة عموما من وجه إلا ان الجمع العرفي بينهما حمل ما دل على ثبوت الحكم للموضوع مطلقا ولو في حال الضرر على كونه حكما اقتضائيا وحمل القاعدة على كون عنوان الضرر مانعا فيرتفع التنافي لأن وجود المقتضي لا ينافي وجود المانع وفي مثله يكون العمل على المانع (فان قلت) إذا حمل دليل العنوان الأولي على الاقتضائي فلا طريق لإثبات فعليته في غير مورد الضرر لاحتمال وجود المانع عن فعليته أيضا إلا بناء على قاعدة الاقتضاء الراجعة إلى وجوب ترتيب أثر المقتضي مع الشك في المانع (قلت) : ظاهر الدليل فعلية الحكم في جميع موارد العنوان ورفع اليد عن فعليته في مورد الضرر لا يقتضي التوقف في فعليته في غير مورده لأنه رفع لليد عن الحجة بلا وجه صالح لذلك ، ومجرد احتمال وجود المانع لا يصلح للتوقف لأن ظهور الدليل في الفعلية في غير مورد الضرر حجة على عدم المانع عنه في تلك الموارد فيلغى به احتمال المانع فليس المراد من حمل الدليل على كونه اقتضائيا حمله على مجرد الحكاية عن وجود المقتضي في العنوان الأولي مطلقا ليرد ذلك ، بل المراد كونه دالا على كونه اقتضائيا في خصوص مورد المعارضة في قبال دليل الضرر المحمول على كونه مانعا في خصوص مورده فان التوفيق بينهما عرفا بذلك يوجب تقديم دليل الضرر ، ولو توقف العرف عن الجمع بين العامين من وجه بذلك وجاز عندهم تكاذبهما في أصل وجود المقتضي للحكم لم يكن مجال لترجيح أحدهما على الآخر في مورد المعارضة. فلاحظ «وأما الكلام» في الثالث مثل ما دل على وجوب الخمس والزكوات والإنفاقات والجهاد ونحوها من الأحكام الضررية فهو انه لما كان بينه وبين القاعدة خصوص مطلق وكان دليلها أخص من دليل القاعدة وجب تقديمه عليه كما هو الحال في أمثاله من موارد اجتماع الخاصّ والعام التي يدور الأمر فيها بين التخصيص والطرح والتخصيص أولى من الطرح «وأما الكلام» في الرابع مثل ما دل على وجوب الغسل على من أجنب متعمدا وهو مريض وان كان يتضرر به فالكلام فيه هو الكلام فيما قبله لاتحادهما في مناط

٣٨٣

هو الحكم الثابت للافعال بعناوينها أو المتوهم ثبوته لها كذلك في حال الضرر لا الثابت له بعنوانه لوضوح أنه العلة للنفي ولا يكاد يكون الموضوع يمنع عن حكمه وينفيه بل يثبته ويقتضيه ، ومن هنا لا يلاحظ النسبة بين أدلة نفيه وأدلة الأحكام وتقدم أدلته على أدلتها مع أنها عموم من وجه حيث أنه يوفق بينهما عرفا بأن الثابت للعناوين الأولية اقتضائي يمنع عنه فعلا ما عرض عليها من عنوان الضرر بأدلته كما هو الحال في التوفيق بين سائر الأدلة المثبتة أو النافية لحكم الأفعال بعناوينها الثانوية والأدلة المتكفلة لحكمها بعناوينها الأولية (نعم) ربما يعكس الأمر فيما أحرز بوجه معتبر أن الحكم في المورد ليس بنحو الاقتضاء بل بنحو العلية التامة وبالجملة الحكم الثابت بعنوان أولي (تارة) يكون بنحو الفعلية

______________________________________________________

الترجيح ووجوب تقديمه على القاعدة (١) (قوله : هو الحكم الثابت للافعال) يريد به النوع الثاني (٢) (قوله : أو المتوهم ثبوته) يعني لا يجب ان يكون الحكم ثابتا محققا بل يكفي أن يكون متوهم الثبوت في نظر من قصد إفهامه ، وإن شئت قلت : يعتبر في صحة نفي الحكم بلسان نفي الموضوع أن يكون الموضوع مفروغا عن ثبوت حكم له سواء كان ثابتا قبل الخطاب أم بعده أم متوهم الثبوت (٣) (قوله : لا الثابت له بعنوانه) يشير به إلى القسم الأول (٤) (قوله : ومن هنا) يعني من أجل وضوح كون الضرر علة للنفي (٥) (قوله : وأدلة الأحكام) يعني الثابتة للعناوين الأولية (٦) (قوله : مع أنها) يعني مع أن النسبة عموم من وجه وشأن العامين من وجه الرجوع في مورد المعارضة لهما إلى قواعد التعارض أو الأصل العملي (٧) (قوله : كما هو الحال في التوفيق) و (ربما) يوفق بوجه آخر وهو أنه لو بنى على تقديم أدلة الأحكام الأولية لم يبق لأدلة الأحكام الثانوية مورد فيلزم الطرح ، ولو بني على تخصيص أدلة الأحكام الأولية لم يلزم الا التخصيص وإذا دار الأمر بين التخصيص والطرح كان الأول أولى (وقد يوفق) بوجه ثالث وهو أن التعارض بين إطلاق أدلة العناوين الأولية وإطلاق أدلة العناوين الثانوية ، وتقييد الأول أولى من تقييد الثاني لأن الإطلاق

٣٨٤

مطلقا أو بالإضافة إلى عارض دون عارض بدلالة لا يجوز الإغماض عنها بسبب دليل حكم العارض المخالف له فيقدم دليل ذاك العنوان على دليله (وأخرى) يكون على نحو لو كانت هناك دلالة للزم الإغماض عنها بسببه عرفا حيث كان اجتماعهما قرينة على أنه بمجرد المقتضي وأن العارض مانع فعلي ، هذا ولو لم نقل بحكومة دليله على دليله لعدم ثبوت نظره إلى مدلوله كما قيل

______________________________________________________

الأول بلحاظ حالي الضرر مثلا وعدمه ، ويقرب جدا في نظر العرف اختلاف الحالين في الحكم والإطلاق الثاني بلحاظ الضرر في الوضوء والضرر في الغسل والضرر في غيرهما ، ويبعد جدا في نظر العرف اختلاف الافراد المذكورة في الحكم فيكون التصرف في الإطلاق الأول في نظر العرف أولى لضعف الأول وقوة الثاني ، والفرق بين الوجهين أن الأول مبني على ملاحظة أدلة الأحكام الأولية دفعة واحدة والثاني مبني على ملاحظة كل واحد منها في نفسه في قبال دليل العنوان الثانوي (١) (قوله : مطلقا) يعني بالنسبة إلى جميع العوارض (٢) (قوله : بدلالة لا يجوز) يعني بحيث تكون دلالته على الفعلية بالنصوصية بنحو تأبى التصرف فيه بالحمل على الاقتضاء ، وحينئذ يقدم دليله على دليل الضرر ونحوه من العناوين الثانوية فيخصص به (٣) (قوله : بسببه) يعني بسبب دليل حكم العارض (٤) (قوله : هذا ولو لم نقل) يعني أن تقديم دليل الضرر بالوجه الّذي ذكرنا يتم ولو لم نقل بحكومته على أدلة أحكام العناوين الأولية لأن الجمع المذكور في قبال الجمع بين الحاكم والمحكوم بالحكومة (٥) (قوله : لعدم ثبوت) تعليل للنفي (٦) (قوله : كما قيل) هذا تعريض بشيخنا الأعظم (ره) حيث ذكر أن الوجه في تقديم القاعدة على الأدلة المتكفلة لإثبات أحكام العناوين الأولية هو حكومتها عليها والحاكم يقدم على الدليل المحكوم كما سيأتي ، والمصنف (ره) منع من هذه الحكومة هنا إشارة وفي الحاشية تصريحا. والوجه في المنع : ان الحكومة عبارة عن كون الدليل (الحاكم) ناظراً إلى الدليل المحكوم سواء أكان لاغيا لولاه كما يراه شيخنا الأعظم (قدس‌سره) أم لا كما يراه

٣٨٥

(ثم) انقدح بذلك حال توارد دليلي العارضين

______________________________________________________

المصنف (ره) على الخلاف الآتي بينهما إن شاء الله تعالى ، ودليل القاعدة المذكورة ليس له هذا النّظر بل هو دليل في عرض الأدلة الأولية ، فشيخنا الأعظم (قدس‌سره) يفسر القاعدة بأن الأحكام المجعولة في الإسلام لم تجعل على نحو تؤدي إلى الضرر بل إنما جعلت في غير حال الضرر فتكون شارحة لحال الأحكام المجعولة في الإسلام ، والمصنف (ره) يمنع من كون معناها ذلك بل ليس معناها الا أمراً واقعيا وهو نفي الضرر من دون نظر إلى أدلة الأحكام أصلا (هذا) ولكن لا يخفى انه لو بني على كون مفاد القاعدة نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما يراه المصنف (ره) وجب الالتزام بكون القاعدة حاكمة على أدلة الأحكام مضيقة لموضوعها بتنزيلها السلبي ، كما ان أدلة التنزيل الإثباتي مثل قوله عليه‌السلام : الطواف بالبيت صلاة ، وقوله عليه‌السلام : الفقاع خمر استصغره الناس ، حاكمة على أدلة الصلاة والخمر موسعة لموضوعهما ، وبالجملة : دليل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كدليل إثبات الحكم بلسان إثبات الموضوع حاكم على دليل ثبوت الحكم للموضوع بأجلى مظاهر الحكومة بحيث لولاه لكان لاغيا ، ولو بني على كون مفادها نفي السبب بلسان نفي المسبب كما يراه شيخنا الأعظم (قدس‌سره) ففي كونها حاكمة خفاء وإشكال (١) (قوله : انقدح بذلك حال توارد) هذا تعرض لحكم تعارض القاعدة مع أدلة الأحكام الثابتة للعناوين الثانوية غير عنوان الضرر ، يعني حيث كان الجمع العرفي بين أدلة الأحكام الثانوية وأدلة الأحكام الأولية حمل الثانية على الاقتضاء والأولى على المنع الفعلي كان اللازم في مورد تنافي الدليلين المتكفلين للحكمين الثانويين البناء على التعارض أو التزاحم لعدم إمكان الجمع العرفي بينهما حيث كانا من قبيل واحد فهما مع إحراز المقتضي لكل منهما في مورد التنافي يكونان متزاحمين ومع عدمه يكونان متعارضين ، فعلى الأول ينظر في المقتضيين فان كان أحدهما أقوى يؤخذ به ويحكم بثبوت مقتضاه ومع التساوي يتخير المكلف في العمل على أحدهما ، وعلى الثاني يرجع إلى قواعد التعارض من الترجيح أو التخيير

٣٨٦

كدليل نفي العسر ودليل نفي الضرر مثلا فيعامل معهما معاملة المتعارضين لو لم يكن من باب تزاحم المقتضيين وإلا فيقدم ما كان مقتضية أقوى وان كان دليل الآخر أرجح وأولى ولا يبعد ان الغالب في توارد العارضين أن يكون من ذاك الباب بثبوت المقتضي فيهما مع تواردهما لا من باب التعارض لعدم ثبوته إلا في أحدهما كما لا يخفى هذا حال تعارض الضرر مع عنوان أولي أو ثانوي آخر ، وأما لو تعارض مع ضرر آخر فمحل القول فيه أن الدوران ان كان بين ضرري شخص واحد أو اثنين

______________________________________________________

أو الأصل (١) (قوله : كدليل نفي العسر ودليل) يمكن ان يخدش بأن أدلة نفي العسر كأدلة نفي الضرر امتنانية لا تجري في مورد يلزم من إجرائها خلاف الامتنان لأن ورودها مورد الامتنان موجب لقصورها عن شمول المورد المذكور ونفي الضرر إذا كان يلزم منه الحرج خلاف الامتنان كما أن نفي الحرج إذا كان يلزم منه الضرر خلاف الامتنان فدليل نفي كل منهما يقصر عن شمول مورد الدوران ولو لم يكن دليل نفي الآخر فلا مجال حينئذ لاعمال قواعد التزاحم والتعارض بين دليليهما بل اللازم إجراء حكم تعارض الضررين الّذي سيأتي بيانه في كلامه (٢) (قوله : معاملة المتعارضين) من الأخذ بالراجح لو كان وإلّا فالتخيير أو الرجوع إلى الأصل من أول الأمر على الخلاف الآتي في العامين من وجه (٣) (قوله : فيقدم ما كان) لأنه أولى بالتأثير من الأضعف (٤) (قوله : أرجح وأولى) يعني في مقام الدليليّة ، والوجه في ذلك اختصاص أدلة أحكام أدلة المتعارضين بهما فلا تشمل المتزاحمين (٥) (قوله : لعدم ثبوته) تعليل لكونه من باب التعارض (٦) (قوله : هذا حال تعارض الضرر) مما أشرنا إليه تعرف أن تعارض الضرر مع عنوان ثانوي آخر يختلف حكمه باختلاف كون الثاني امتنانيا ، فعلى الأول يجري فيه حكم تعارض الضررين ، وعلى الثاني يسقط دليل نفي الضرر إذا لزم من إجرائه خلاف الامتنان ويكون العمل على الآخر لا غير ، وإلّا فكون العمل على دليل نفي الضرر أو عليه تابع لكونهما من المتعارضين أو المتزاحمين وإعمال قواعد التعارض أو التزاحم

٣٨٧

فلا مسرح الا لاختيار أقلهما لو كان وإلّا فهو مختار وأما لو كان بين ضرر نفسه وضرر غيره فالأظهر عدم لزوم تحمله الضرر ولو كان ضرر الآخر أكثر فان نفيه يكون للمنة على الأمة ولا منة على تحمل الضرر لدفعه عن الآخر وان كان أكثر (نعم) لو كان الضرر متوجهاً إليه

______________________________________________________

(١) (قوله : فلا مسرح الا لاختيار) هذا في صورة تعارض ضرري شخص واحد ظاهر لأن في نفي الأكثر من الضررين كمال الامتنان فتجري القاعدة لنفيه بعد فرض كون الوقوع في المقدار الأقل مما لا بد منه أما في تعارض ضرري شخصين فمشكل لما سيأتي في صورة تعارض ضرري نفسه وغيره (٢) (قوله : بين ضرر نفسه وضرر) كما لو كان تصرف المالك في ملكه موجباً لتضرر جاره وترك تصرفه فيه موجبا لضرر نفسه (٣) (قوله : فالأظهر عدم لزوم) كما هو المشهور بل عن الشيخ في المبسوط والعلامة (ره) في التذكرة نفي الخلاف فيه قال في محكي الأول : ان حفر رجل بئراً في داره وأراد جاره ان يحفر بالوعة أو بئر كنيف بقرب هذه البئر لم يمنع منه وان ادى ذلك إلى تغير ماء البئر أو كان صاحب البئر يستقذر ماء بئره لقربه من الكنيف والبالوعة لأن له ان يتصرف في ملكه بلا خلاف ، وقال في محكي الثاني في باب حريم الحقوق : وان أراد الإنسان ان يحفر في ملكه أو داره بئراً وأراد جاره ان يحفر لنفسه بئراً بقرب تلك البئر لم يمنع من ذلك بلا خلاف وان نقص بذلك ماء البئر الأولى لأن الناس مسلطون على أموالهم ، وفي ظهور الأول في نفي الخلاف فيما نحن فيه إشكال ظاهر وان جزم به بعض ، نعم عن غير واحد من القدماء دعوى الإجماع عليه ، والوجه فيه ما أشار إليه المصنف (ره) من الرجوع إلى قاعدة السلطنة بعد سقوط قاعدة نفي الضرر في كل منهما لقصورها بلزوم خلاف الامتنان من إجرائها (فان) قلت : القاعدة المذكورة وان كانت امتنانية إلا أن المقصود من ذلك كون الموجب لتشريعها الامتنان في حق المتضرر ، ولا ريب أن نفي كل من الضررين امتنان في حق المتضررين فلا وجه لرفع اليد عنها غاية الأمر انه

٣٨٨

ليس له دفعه عن نفسه بإيراده على الآخر اللهم إلّا ان يقال : إن نفي الضرر وان كان للمنة إلا أنه بلحاظ نوع الأمة واختيار الأقل بلحاظ النوع منه. فتأمل

______________________________________________________

لا يمكن إعمالها في نفيهما معا فليرجع إلى قاعدة التزاحم الموجبة لإعمالها في حق الأكثر ضرراً فانه أولى كما هو ظاهر (قلت) : ظهور دليل نفي الضرر في كونه امتنانا محضا مما لا ينبغي ان يكون مجالا للإشكال وهو كاف في قصوره عن شمول صورة ما لو لزم من إجرائه خلاف الامتنان ، وليس المقصود انه امتنان على كل أحد حتى يدفع بظهوره في كونه امتنانا على خصوص المتضرر كما لعله ظاهر بالتأمل هذا مضافا إلى ان مفاد القاعدة مجرد النفي والنفي لا يقبل التأكد إذ لا تأكد في الاعدام (١) (قوله : ليس له دفعه عن نفسه) لأن دفعه عن نفسه إلى غيره مناف لاعمال قاعدة نفي الضرر في حق الغير الّذي يقصد دفع الضرر إليه (فان) قلت : يلزم من تطبيق القاعدة لنفي الضرر عن الغير خلاف الامتنان في حقه (قلت) : ممنوع فان توجه الضرر إليه لم يجئ من إجراء القاعدة وانما جاء من قبل أسبابه التكوينية التي اقتضت توجهه إليه وليس ضرره مستنداً إلى حكم الشارع ليرفع برفعه وانما الّذي يجيء من قبل الحكم خصوص توجيه الضرر إلى غيره الّذي عرفت انه مرفوع برفعه (٢) (قوله : اللهم إلّا ان يقال) هذا استدراك على قوله : ولا منة على تحمل الضرر ... إلخ يعني أن ذلك يتم لو لوحظ كل واحد من الأمة في قبال غيره اما لو لوحظ مجموع الأمة امرا واحدا كان الحال كما لو تعارض ضررا شخص واحد في تحقق الامتنان برفع أكثر الضررين (٣) (قوله : فتأمل) لعله إشارة إلى منع ما ذكر وان الظاهر كون الامتنان بلحاظ كل واحد واحد من الأمة في نفسه ، ثم انه حيث بني على جواز التصرف المؤدي إلى ضرر الغير إذا كان يلزم من تركه الضرر على المالك لقاعدة السلطنة فالمعروف عدم الضمان بل قيل : لا ينبغي الإشكال فيه ، وكأن الوجه عدم الدليل عليه بعد البناء على جواز التصرف ولكنه لا يخلو عن إشكال إذ الجواز أعم من عدم الضمان فلا موجب لرفع اليد عن عموم ما يقتضي الضمان

٣٨٩

فصل

في الاستصحاب وفي حجيته إثباتا ونفياً أقوال للأصحاب

ولا يخفى أن عباراتهم في تعريفه وان كانت شتى

______________________________________________________

من قاعدة الإتلاف ، كما انه يشكل التصرف المؤدي إلى ضرر الغير إذا لم يكن في تركه الضرر وان كان فيه منفعة عائدة إلى المالك لعموم نفي الضرر (ودعوى) ان ترك التصرف حرج (ممنوعة) في الفرض المذكور وان صدرت عن جماعة من الأعاظم ، كدعوى كون ترك منع المالك عن التصرف المذكور ضررا عليه إذ هي مع كونها خلفا ممنوعة ، ومنه يظهر المنع فيما لو كان التصرف لغير منفعة عائدة له بل كان لغوا محضاً ولعله ظاهر. (إلى هنا) انتهى الكلام فيما قصد توضيحه من مباحث البراءة والاشتغال والحمد لله سبحانه على كل حال ، وكان ذلك في النجف الأشرف ليلة الاثنين السادس من ربيع الثاني من السنة السادسة والأربعين بعد الألف والثلاثمائة هجرية على يد الأحقر (محسن) خلف العلامة المرحوم السيد (مهدي) الطباطبائي الحكيم قدس الله روحه ونور ضريحه وأسكنه أعلى عليين.

(الكلام في الاستصحاب)

(١) (قوله : وان كانت شتى) مثل : (أنه) إبقاء ما كان (وأنه) إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الأول [وأنه] إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه (وأنه) التمسك بثبوت ما ثبت في وقت أو حال على بقائه بعد ذلك الوقت أو غير تلك الحال (وأنه) كون حكم أو وصف يقيني الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق «وانه» الحكم على حكم مثبت في وقت أو حال ببقائه بعده من حيث ثبوته في الأول مع عدم العلم بالبقاء ولو تقديراً و «أنه» إبقاء ما كان في الزمن الثاني تعويلا على ثبوته في الزمن الأول

٣٩٠

إلا أنها تشير إلى مفهوم واحد ومعنى فارد وهو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه (إما) من جهة بناء العقلاء على ذلك في أحكامهم العرفية مطلقا أو في الجملة تعبداً (أو للظن) به الناشئ عن ملاحظة ثبوته سابقاً (وإما) من جهة دلالة النص أو دعوى الإجماع عليه كذلك حسبما يأتي الإشارة إلى ذلك مفصلا ولا يخفى أن هذا المعنى هو القابل لأن يقع فيه النزاع والخلاف في نفيه وإثباته مطلقاً أو في الجملة وفي وجه ثبوته على أقوال ضرورة أنه لو كان الاستصحاب هو نفس بناء العقلاء على البقاء أو الظن به الناشئ من العلم بثبوته لما تقابل فيه الأقوال ولما كان النفي والإثبات واردين على مورد واحد بل موردين وتعريفه بما

______________________________________________________

ولو تقديراً مع عدم العلم بالبقاء ولو تقديراً ... إلى غير ذلك (١) (قوله : إلّا انها تشير إلى) كون التعاريف المذكورة تشير إلى مفهوم واحد وهو ما ذكره المصنف «ره» مما لا ينبغي الإشكال فيه ، نعم بناء على كونه من الأمارات لا من الأصول يشكل جعله عبارة عن الحكم المذكور فانه مؤدى الاستصحاب على هذا المبنى لا نفسه بل هو اما نفس ظن البقاء أو نفس الوجود السابق ، إلّا ان يجعل الاستصحاب عبارة عن نفس الحكم الظاهري بالبقاء الّذي هو مؤدى الظن به أو الوجود السابق كما يقتضيه التعريف الثاني ونحوه لا نفس الأمارة الدالة على الحكم ولا مشاحة في الاصطلاح لو ثبت (٢) (قوله : مطلقا أو في الجملة) إشارة إلى بعض التفصيلات الآتية (٣) (قوله : تعبدا) يعني فيكون أصلا (٤) (قوله : أو للظن) معطوف على قوله : تعبداً ، وعليه فيكون مدلول الأمارة (٥) (قوله : عليه كذلك) يعني مطلقا أو في الجملة (٦) (قوله : وفي وجه ثبوته) يعني دليل ثبوته وانه النص أو الإجماع أو بناء العقلاء (٧) (قوله : لما تقابل فيه الأقوال) يعني الأقوال في ثبوت الاستصحاب ونفيه فالقائل بثبوت الاستصحاب قد لا يثبت البناء المذكور بل يقول بثبوته من الاخبار ، والقائل بنفيه قد لا ينفي البناء المذكور لكنه لا يرى البناء حجة فتأمل ، وكذا لو كان هو الظن إذ القائل بثبوت الاستصحاب قد

٣٩١

ينطبق على بعضها وإن كان ربما يوهم أن لا يكون هو الحكم بالبقاء بل ذاك الوجه إلا أنه حيث لم يكن بحد ولا برسم بل من قبيل شرح الاسم كما هو الحال في التعريفات غالباً لم يكن له دلالة على أنه نفس الوجه بل الإشارة إليه من هذا الوجه ولذا لا وقع للإشكال على ما ذكر في تعريفه بعدم الطرد أو العكس فانه لم يكن به إذا لم يكن بالحد أو الرسم بأس فانقدح أن ذكر تعريفات القوم له وما ذكر فيها من الإشكال بلا حاصل وتطويل بلا طائل «ثم» لا يخفى ان البحث في حجيته مسألة أصولية حيث يبحث فيها لتمهيد قاعدة تقع في طريق استنباط الأحكام الفرعية وليس مفادها حكم العمل بلا واسطة

______________________________________________________

لا يعترف بثبوت الظن المذكور والقائل بنفيه قد لا يلتزم بنفي الظن بل يمنع الدليل على حجيته ، ومنه يظهر المراد من قوله : ولما كان النفي ... إلخ فانه مفسر لما قبله (١) (قوله : ينطبق على بعضها) كما قد يعطيه التعريف الرابع ومثله إشكالا التعريف الخامس المذكور في القوانين (٢) (قوله : بل ذاك الوجه) يعني المذكور في التعريف وكذا قوله فيما يأتي : انه نفس الوجه (٣) (قوله بأس) فاعل (يكن) في قوله : فانه لم يكن ، وقد عرفت التأمل فيما ذكره (قده) مرارا وانه لو كان المقصود مجرد الإشارة لم يكن وجه للعدول عن تعريف المشهور ولا سيما وكون العدول بعد النقض والإبرام في الطرد والعكس في تعريفات القوم فتأمل (٤) (قوله : يبحث فيها لتمهيد) هذا يختص بالاستصحاب الجاري لإثبات الحكم الأصولي أو الحكم الفرعي الكلي دون الجاري في الموضوعات الجزئية مثل حياة المفقود وطهارة الإناء والأحكام الجزئية مثل حلية هذا المائع وحرمته ، فان ذلك لا يقع في طريق استنباط الأحكام الفرعية بل هو من الأحكام الفرعية نظير قاعدة التجاوز والفراغ والبناء على الأكثر والحرية واليد والصحة ونحوها من الأصول الحكمية والموضوعية فانها من المسائل الفرعية جزما. نعم لو كان يكفي في كون المسألة أصولية وقوعها في الجملة في طريق استنباط الأحكام وان كانت في بعض مواردها ليست كذلك كانت مسألة الاستصحاب كلية من المسائل الأصولية لوقوعها في طريق الاستنباط في الجملة (قوله : حكم العمل بلا واسطة)

٣٩٢

وان كان ينتهي إليه كيف وربما لا يكون مجرى الاستصحاب إلا حكما أصولياً كالحجية مثلا؟. هذا لو كان الاستصحاب عبارة عما ذكرنا وأما لو كان عبارة عن بناء العقلاء على بقاء ما علم ثبوته أو الظن به الناشئ من ملاحظة ثبوته فلا إشكال في كونه مسألة أصولية ، وكيف كان فقد ظهر مما ذكرنا في تعريفه اعتبار أمرين في مورده ، القطع بثبوت شيء ، والشك في بقائه ولا يكاد يكون الشك في البقاء الا مع اتحاد القضية المشكوكة

______________________________________________________

(١) اشتهر تعريف الحكم الفرعي بأنه ما يتعلق بالعمل بلا واسطة وادعى بعض المحققين ان تقييد لتعلق بالعمل لا خراج الأحكام الأصولية فانها تتعلق بالأدلة وتقييده بعدم الواسطة لإخراج الأحكام الاعتقادية فانها تتعلق بالعمل بواسطة اعتبار موضوعها في صحة العمل ، وعليه فجميع القواعد الظاهرية ومنها الاستصحاب من الأحكام الفرعية لأنها تتعلق بالعمل بلا واسطة ولو أريد من الواسطة الواسطة في العروض كانت جميع القواعد من الأحكام الأصولية لتعلقها بالعمل بواسطة عنوان الشك ، وكأن دعوى المصنف «ره» ان ليس مفاد الاستصحاب حكم العمل بلا واسطة بلحاظ بعض موارد الاستصحاب مثل استصحاب الحجية فلاحظ (٢) (قوله : عما ذكرنا) يعني نفس الحكم ببقاء ما ثبت (٣) (قوله : فلا إشكال في كونه) لأن البحث فيه يكون من قبيل البحث عن حجية الخبر وغيره من الأدلة والإشكال فيه هو الإشكال فيها والجواب هو الجواب ، وكأن مقصود المصنف «ره» من نفي الإشكال نفي الإشكال الوارد على تقدير كونه حكما من انه كيف يكون البحث عنه بحثا عن مسألة أصولية مع انه بحث عن الحكم الشرعي المتعلق بفعل المكلف بتخيل انه نظير بعض القواعد الشرعية المتكفلة لجعل الحكم لفعل المكلف التي لا ريب في كونها مسائل فرعية (٤) (قوله : اعتبار امرين في مورده) اما ظهور اعتبار الثاني فلذكره صريحا في التعريف واما اعتبار الأول فلدلالة الشك في البقاء على كون الحدوث مفروغا عن ثبوته (٥) (قوله : اتحاد القضية المشكوكة) المراد من القضية أعم مما كان مفاد كان التامة كما إذا كان المستصحب وجود زيد

٣٩٣

والمتيقنة بحسب الموضوع والمحمول ، وهذا مما لا غبار عليه في الموضوعات الخارجية في الجملة ، وأما الأحكام الشرعية سواء كان مدركها العقل أم النقل فيشكل حصوله فيها لأنه لا يكاد يشك في بقاء الحكم إلا من جهة الشك في بقاء موضوعه

______________________________________________________

أو ليس التامة كما إذا كان المستصحب عدم زيد أو كان الناقصة كما إذا كان المستصحب كون الماء كرا ، أو ليس الناقصة كما إذا كان المستصحب ليس الماء كراً ، ثم المراد من اتحاد الموضوع والمحمول اتحادهما بحسب الوجود لا بحسب الذات والماهية إذ الاتحاد في الماهية مع تعدد الوجود لا يكفي في صدق البقاء عرفاً ولذا لا يكون وجود عمرو مقارنا لعدم زيد بقاء لوجود الإنسان مع اتحادهما ذاتا ومن هنا لم يجر الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام الشك في وجود الكلي (١) (قوله : لا غبار عليه في الموضوعات) كأن الوجه في عدم تأتي الإشكال الآتي فيها أنه مع الشك في تبدل قيود الموضوع يمكن أن يستصحب بقيوده فيكون الاستصحاب مثبتا لقيده كما يكون مثبتا لذاته ، ومع العلم بتبدلها على تقدير بقاء ذاته ان اختلاف الحالات وتبادلها عليها لا يوجب اختلافا فيها فلا يختل الشك في بقاء الذات فيها بخلاف الأحكام الكلية فان موضوعاتها نفس المفاهيم الكلية ومن الواضح أن اختلاف القيود موجب لاختلاف المفهوم المأخوذ موضوعا للحكم فلا يصدق على الشك في الحكم أنه شك في بقاء الحكم لأن صدقه يتوقف على وحدة الموضوع لذلك الحكم ومع اختلافه يكون الشك في حدوث حكم لموضوع آخر لا في بقاء ذلك الحكم لموضوعه (٢) (قوله : حصوله فيها) يعنى حصول الاتحاد في الأحكام (٣) (قوله : الا من جهة للشك في بقاء موضوعه) هذا مبني على إرجاع جميع القيود التي تؤخذ في القضية إلى الموضوع ولأجل ذلك بنى شيخنا الأعظم (قده) على إرجاع الواجبات المشروطة إلى الواجبات المعلقة ، لكن عرفت أنه لا دليل عليه ظاهر من عقل أو عرف ، بل عرفت في مبحث المقدمة امتناع كون شرائط الوجوب ـ أعني شرائط الاحتياج ـ شروطا للواجب فوجود الاستطاعة له دخل في عروض الوجوب على الحج نفسه لا الحج عن استطاعة ، وكذا المجاورة للنار دخيلة في عروض الحرارة على نفس الجسم لا الجسم

٣٩٤

بسبب تغير بعض ما هو عليه مما احتمل دخله فيه حدوثا أو بقاء وإلّا لا يتخلف الحكم عن موضوعه إلا بنحو البداء بالمعنى المستحيل في حقه تعالى ولذا كان النسخ بحسب الحقيقة دفعاً لا رفعا ، ويندفع هذا الإشكال بان الاتحاد في القضيتين بحسبهما

______________________________________________________

المقيد بالمجاورة ، فالحار هو نفس الجسم واتصال الحطب بالنار دخيل في عروض الاحتراق عليه فموضوع الاحتراق نفس الحطب. نعم لا إطلاق للموضوع يشمل حال عدم القيد وان كان غير مقيد به ، ومنه يظهر أن تسجيل الإشكال لا يتوقف على أخذ القيود المذكورة في الموضوع ، بل يكفي فيه عدم الإطلاق فيه الشامل لحال عدمها فانه كاف في اختلاف المفهوم الموجب لتعدد الموضوع المانع من صدق الشك في البقاء على الشك في الحكم للموضوع في حال عدم القيد (١) (قوله : وإلّا لا يتخلف) يعني وإلّا يكون الشك في الموضوع بل كان محرزا امتنع الشك في الحكم لأن الموضوع علة تامة للحكم ويستحيل الشك في المعلول مع العلم بالعلة (٢) (قوله : إلّا بنحو البداء) بان يبدو للحاكم الخطأ في حكمه فيعدل عنه من دون اختلاف في موضوعه أصلا ، ولذا كان مستحيلا في حقه تعالى لأنه يستدعي الجهل بحال الموضوع وهو عليه ممتنع (٣) (قوله : ويندفع هذا الإشكال) سيأتي إن شاء الله أن المدار في اتحاد القضيتين وتعددهما هو العرف لا العقل ولا الدليل ، وعليه يبتني جواز استصحاب الحكم مع العلم بارتفاع بعض القيود المأخوذة في لسان الدليل في موضوع الحكم ، كما لو دل الدليل على نجاسة الماء المتغير فزال تغيره بنفسه فشك في بقاء نجاسته فانه يجوز استصحاب النجاسة لذات الماء بعد زوال التغير لعدم كونه مقوما للموضوع عرفا ولا يكون زواله موجبا للتعدد ، وحينئذ فإذا جاز الاستصحاب في ذلك جاز مع اختلال بعض القيود التي ترجع لنا إلى الموضوع بطريق أولى إذا كانت من قبيل التغير ليست مقومة للموضوع في نظر العرف (وبالجملة) مبنى هذه الشبهة كون المرجع في بقاء الموضوع هو العقل ، وسيأتي ان التحقيق خلافه (٤) (قوله : بحسبهما) يعني الموضوع والمحمول

٣٩٥

وان كان مما لا محيص عنه في جريانه إلا أنه لما كان الاتحاد بحسب نظر العرف كافيا في تحققه وفي صدق الحكم ببقاء ما شك في بقائه وكان بعض ما عليه الموضوع من الخصوصيات التي يقطع معها بثبوت الحكم له مما يعد بالنظر العرفي من حالاته وان كان واقعاً من قيوده ومقوماته كان جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية الثابتة لموضوعاتها عند الشك فيها لأجل طروء انتفاء بعض ما احتمل دخله فيها مما عد من حالاتها لا من مقوماتها بمكان من الإمكان ، ضرورة صحة إمكان دعوى بناء العقلاء على البقاء تعبداً أو لكونه مظنوناً ولو نوعاً أو دعوى دلالة النص أو قيام الإجماع عليه قطعاً بلا تفاوت في ذلك بين كون دليل الحكم نقلا أو عقلا ، أما الأول فواضح وأما الثاني فلان الحكم الشرعي

______________________________________________________

(١) (قوله : في تحققه) يعني الاتحاد في القضيتين (٢) (قوله : من حالاته) يعني بحيث لا يكون ارتفاعها موجباً لارتفاع الموضوع كما هو شأن الحال (٣) (قوله : من قيوده ومقوماته) يعني بحيث يكون ارتفاعها موجبا لارتفاع الموضوع كما هو شأن المقوم (٤) (قوله : ضرورة صحة إمكان) تعليل لكفاية الاتحاد في نظر العرف ، وحاصله : صدق كون الشك في البقاء بلا فرق بين كون الدليل على الحجية بناء العقلاء أو النص أو الإجماع. هذا ولكن في صحة ذلك تأمل إذ لو كان الدليل بناء العقلاء أو الإجماع فحيث ان القدر المتيقن غير ذلك يجب الاقتصار عليه إذ ليس لهما إطلاق يؤخذ به كما هو غير خفي ، ولعله يأتي فيما يأتي إن شاء الله (٥) (قوله : واما الثاني فلأن الحكم الشرعي) هذا شروع في جواز استصحاب الحكم الشرعي المستكشف بتوسط حكم العقل. ووجه الإشكال فيه ما عرفت من الإشكال في جواز استصحاب مطلق الأحكام الشرعية الكلية. ومنه يتضح أن الوجه في الجواز هو الوجه في جوازه بعينه (وتوضيح) ما ذكره المصنف (ره) انه لا إشكال في أن كل قيد من القيود المأخوذة في موضوع الحكم العقلي مما ينتفي بانتفائه الحكم العقلي لكن لا يلزم من انتفائه انتفاء ملاكه ومناطه إذ يجوز أن يكون الشيء مما له دخل في

٣٩٦

المستكشف به عند طروء انتفاء ما احتمل دخله في موضوعه مما لا يرى مقوما له كان مشكوك البقاء عرفا لاحتمال عدم دخله فيه واقعاً وإن كان لا حكم للعقل بدونه قطعاً (ان قلت) : كيف هذا مع الملازمة بين الحكمين «قلت» : ذلك لأن الملازمة إنما تكون في مقام الإثبات والاستكشاف لا في مقام الثبوت فعدم استقلال العقل الا في حال غير ملازم لعدم حكم الشرع إلا في تلك الحال وذلك لاحتمال أن يكون ما هو ملاك حكم الشرع من المصلحة أو المفسدة التي هي ملاك حكم العقل كان على حاله في كلتا الحالتين

______________________________________________________

حصول القطع بوجود الملاك ولا يكون له دخل في وجود الملاك واقعا بحيث لا يحرز العقل وجود ملاك حكمه الا في ظرف القيد وان لم يكن لوجود القيد دخل واقعا في نفس وجود الملاك ، ولازم ذلك ان لو انتفى مثل القيد المذكور ينتفي حكم العقل جزما ويكون ملاكه محتمل البقاء واحتمال بقاء الملاك ملزوم لاحتمال بقاء الحكم الشرعي لأنه تابع له فإذا فرض ان انتفاء القيد لا يوجب تعدد الموضوع في نظر العرف يصدق على الشك في الحكم أنه شك في بقائه فيشمله دليل الاستصحاب مضافا إلى أنه لو سلم أن ارتفاع القيد موجب لارتفاع الملاك واقعا ، لكن لا مانع من احتمال وجود ملاك آخر للحكم الشرعي لم يطلع عليه العقل فيحتمل لأجله بقاء الحكم غاية الأمر أن الحكم الشرعي بحدوثه يستند إلى الجامع بين الملاكين وببقائه يستند إلى الملاك الآخر الّذي لم يرتفع بارتفاع القيد واختلاف علة الحدوث والبقاء لا يوجب تعدداً في وجود المعلول فضلا عما إذا كان بهذا المقدار من الاختلاف إذا لاستناد ليس إلّا إلى الجامع غاية الأمر ان الجامع كان موجودا أولا في ضمن فردين ثم صار موجودا في ضمن أحدهما (١) (قوله : قطعا) هو قيد للنفي (٢) (قوله : في مقام الإثبات) يعني بحيث لو حكم العقل علم بحكم الشرع (٣) (قوله : لا في مقام الثبوت) يعني لا يصدق قولنا لو لم يكن حكم للعقل لم يكن حكم للشرع لعدم الدليل عليه بل الدليل على خلافه ضرورة صدق قولنا : قد يكون حكم الشرع ولا حكم للعقل ، كما إذا كان ملاك الحكم العقلي موجوداً ولم يطلع عليه العقل فانه لا حكم للعقل لعدم إحراز

٣٩٧

وان لم يدركه الا في إحداهما لاحتمال عدم دخل تلك الحالة فيه أو احتمال ان يكون معه ملاك آخر بلا دخل لها فيه أصلا وان كان لها دخل فيما اطلع عليه من الملاك (وبالجملة) حكم الشرع إنما يتبع ما هو ملاك حكم العقل واقعاً لا ما هو مناط حكمه فعلا وموضوع حكمه كذلك مما لا يكاد يتطرق إليه الإهمال والإجمال مع تطرقه إلى ما هو موضوع حكمه شأنا وهو ما قام به ملاك حكمه واقعاً فرب خصوصية لها دخل في استقلاله مع احتمال عدم دخله فبدونها لا استقلال له بشيء قطعاً مع احتمال بقاء ملاكه واقعاً ومعه يحتمل بقاء حكم الشرع جداً لدورانه معه وجوداً وعدماً فافهم وتأمل جيداً (ثم) انه لا يخفى اختلاف آراء الأصحاب في حجية الاستصحاب مطلقا وعدم حجيته كذلك والتفصيل بين الموضوعات والأحكام أو بين ما كان الشك في الرافع وما كان في المقتضي إلى غير ذلك من التفاصيل الكثيرة على أقوال شتى لا يهمنا نقلها ونقل ما ذكر من الاستدلال عليها وأنما المهم الاستدلال على ما هو المختار منها وهو الحجية مطلقا على نحو يظهر بطلان سائرها فقد استدل عليه بوجوه «الوجه الأول» استقرار بناء العقلاء من الإنسان بل ذوي الشعور من كافة أنواع الحيوان على العمل على طبق الحالة السابقة وحيث لم يردع عنه الشارع كان ماضياً

______________________________________________________

ملاكه ويثبت حكم الشرع لإحراز ملاكه عنده (١) (قوله : وان لم يدركه الا) فيكون وجود القيد دخيلا في العلم بالمناط لا في نفس وجوده (٢) (قوله : أو احتمال ان يكون) يعنى يحتمل أيضا ان يكون في المقيد ملاكان أحدهما يرتفع بارتفاع القيد لدخله في وجوده والآخر يبقى ولو مع ارتفاع القيد لعدم دخله فيه (٣) (قوله : حكمه كذلك) يعني فعلا (٤) (قوله : في استقلاله) يعني دخيلة في حكمه فعلا لدخلها في إحراز مناطه مع احتمال عدم دخلها في مناطه وملاكه (٥) (قوله : ومعه يحتمل) يعنى مع احتمال بقاء ملاكه واقعا (٦) (قوله : على طبق الحالة السابقة) يعنى من حيث كونه عملا على طبق الحالة السابقة فيكون عندهم أصلا تعبديا لا من جهة

٣٩٨

«وفيه» أولا منع استقرار بنائهم على ذلك تعبداً بل إما رجاء واحتياطاً ، أو اطمئناناً بالبقاء ، أو ظنا ولو نوعاً ، أو غفلة كما هو الحال في ساير الحيوانات دائماً وفي الإنسان أحياناً (وثانياً) سلمنا ذلك لكنه لم يعلم ان الشارع به راض وهو عنده ماض ويكفي في الردع عن مثله ما دل من الكتاب والسنة على النهي عن اتباع غير العلم وما دل على البراءة أو الاحتياط في الشبهات فلا وجه لاتباع هذا البناء فيما لا بد في اتباعه من الدلالة على إمضائه فتأمل جيداً «الوجه الثاني» أن الثبوت في السابق موجب للظن به في اللاحق (وفيه) منع اقتضاء مجرد الثبوت للظن بالبقاء فعلا ولا نوعاً فانه لا وجه له أصلا إلا كون الغالب فيما ثبت أن يدوم مع إمكان ان لا يدوم وهو غير معلوم ولو سلم فلا دليل على اعتباره بالخصوص مع نهوض الحجة على عدم اعتباره بالعموم «الوجه الثالث» دعوى الإجماع عليه كما عن المبادئ حيث قال : الاستصحاب حجة لإجماع الفقهاء على انه

______________________________________________________

الظن ليكون أمارة كما يظهر من مقابلة هذا الوجه بما بعده (١) (قوله : منع استقرار بنائهم) الإنصاف ان المنع عن بنائهم على ذلك مطلقا لا يخلو من منع أو تأمل (٢) (قوله : على ذلك تعبداً بل اما) يعني انهم وان عملوا على طبق الحالة السابقة لكن ليس لأنه عمل على طبقها كما يريد المستدل بل قد يكون وجه العمل الاحتياط وقد يكون الاطمئنان وقد يكون الظن ولو النوعيّ (٣) (قوله : أو غفلة كما هو الحال) هذا لا ينبغي أن يعد من العمل على طبق الحالة السابقة بوجه فان عمل الحيوانات دائما وعمل الإنسان أحيانا ليس إلّا لمحض العادة الناشئة من تكرر العمل وان انتقضت مرة أو أكثر ما لم تتبدل بعادة أخرى على خلافها فترى الإنسان الّذي اعتاد سلوك طريق معين إلى داره إذا انتقل منها إلى أخرى يسلك طريقا آخر إلى الثانية مرة أو مرات فإذا غفل سلك طريقه الأول لمحض العادة السابقة وإلا فهو على خلاف العادة السابقة وكذا الحال في عمل الحيوانات (٤) (قوله : ويكفي في الردع) تقدم الكلام فيه في أدلة حجية الخبر (قوله : وهو غير معلوم)

٣٩٩

متى حصل حكم ثم وقع الشك في انه طرأ ما يزيله أم لا؟ وجب الحكم ببقائه على ما كان أولا ، ولو لا القول بان الاستصحاب حجة لكان ترجيحاً لأحد طرفي الممكن من غير مرجح (انتهى) وقد نقل عن غيره أيضا (وفيه) أن تحصيل الإجماع في مثل هذه المسألة مما له مبان مختلفة في غاية الإشكال ولو مع الاتفاق فضلا عما إذا لم يكن وكان مع الخلاف من المعظم حيث ذهبوا إلى عدم حجيته مطلقاً أو في الجملة ونقله موهون جدا لذلك ولو قيل بحجيته لو لا ذلك «الوجه الرابع» وهو العمدة في الباب الاخبار المستفيضة منها صحيحة زرارة : قال : قلت له : الرّجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ قال : يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن وإذا نامت العين والاذن والقلب فقد وجب الوضوء ، قلت : فان حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم قال : لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بين وإلا فانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك أبداً ولكنه ينقضه بيقين آخر ، وهذه الرواية وإن كانت مضمرة إلّا أن إضمارها لا يضر باعتبارها حيث كان مضمرها

______________________________________________________

(١) يعني بنحو الكلية وإلّا فهو يختلف باختلاف استعداد مشكوك البقاء لو كان الشك في المقتضي أو باختلاف غلبة وجود الرافع لو كان الشك في الرافع (٢) (قوله : تحصيل الإجماع) يعني الإجماع المحصل الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام (٣) (قوله : في غاية الإشكال) إذ قد يكون الذاهب إلى الحجية انما يذهب إليها على تقدير صحة مبناه وإلا فهو ذاهب إلى عدم الحجية لو كان مبناه باطلا فكيف يكون كاشفا حينئذ عن رأي المعصوم عليه‌السلام (٤) (قوله : الخلاف من المعظم) لا تخلو هذه النسبة من تأمل وغالب التفصيلات منسوبة إلى اشخاص معينين (٥) (قوله : ونقله موهون) يعني الإجماع المنقول موهون نقله في المقام لخلاف المعظم (٦) (قوله : منها صحيحة زرارة) رواها الشيخ «ره» عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة وطريق الشيخ إلى الحسين صحيح وهو ومن قبله من أجلاء ثقات أصحابنا (قدس‌سرهم) (٧) (قوله : حيث كان مضمرها) بل إثبات الشيخ

٤٠٠