حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

إما لانحلال العلم الإجمالي بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال أو لعدم الابتلاء إلا بما لا يكون بينها علم بالتكليف من موارد الشبهات ولو لعدم الالتفات إليها (فالأولى) الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات والاخبار على وجوب التفقه والتعلم والمؤاخذة على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم بقوله تعالى ـ كما في الخبر ـ : هلا تعلمت

______________________________________________________

خروجا عن محل الكلام كما تقدم في نظيره (١) (قوله : إما لانحلال) قد تقدم الإشكال في انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيليّ اللاحق (٢) (قوله : ولو لعدم) لو وصلية متعلقة بعدم الابتلاء (٣) (قوله : فالأولى الاستدلال للوجوب بما) قد يقرب الاستدلال (تارة) بأن الأمر بالعلم غيري لكونه مقدمة للعمل والأمر الغيري لما كان معلولا للأمر النفسيّ كشف بالإن عن الأمر النفسيّ بالعمل قبل الفحص وهو ينافي عموم أدلة البراءة (وفيه) ان العلم ليس مقدمة للعمل بوجه لإمكان الاحتياط مع الشك كما يلتزم به القائل بوجوبه قبل الفحص فيمتنع كون الأمر به غيريا (وأخرى) بأن الأمر به طريقي نظير الأمر بالعمل بالطريق فتخصص به أدلة البراءة كما لو قام دليل بالخصوص على وجوب الاحتياط قبل الفحص (وفيه) أن الأمر الطريقي عين الأمر الواقعي على تقدير المصادفة كما أن موضوعه عين موضوعه ، وليس المقام كذلك لمباينة الأمر بالعلم وللأمر الواقعي لاختلاف موضوعيهما إلا أن يجعل نظير الأمر بالتبين في آية النبأ للدلالة على الردع عن خبر الفاسق وعدم حجيته فيحمل على إرادة عدم عذرية الجهل قبل الفحص في نظر الشارع فيكون دالا على وجوب الاحتياط حينئذ ، ولزوم فعل الواقع المحتمل فيكون مقيداً لإطلاق أدلة البراءة (٤) (قوله : والمؤاخذة) معطوف على وجوب التفقه ، وقوله : على ترك وفي مقام متعلقان به وقوله : بعدم العلم ، متعلق بالاعتذار وقوله : بقوله ، متعلق بالمؤاخذة ، فان اللوم نوع من المؤاخذة فتأمل (٥) (قوله : كما في الخبر) إشارة إلى ما ورد في تفسير قوله تعالى : فلله الحجة البالغة ، من أنه يقال للعبد

٣٦١

فيقيد بها أخبار البراءة لقوة ظهورها في ان المؤاخذة والاحتجاج بترك التعلم فيما لم يعلم لا بترك العمل فيما علم وجوبه ولو إجمالا فلا مجال للتوفيق بحمل هذه الاخبار على ما إذا علم إجمالا (فافهم) ولا يخفى اعتبار الفحص في التخيير العقلي أيضا بعين ما ذكر في البراءة فلا تغفل ، ولا بأس بصرف الكلام في بيان بعض ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة والأحكام ، أما التبعة فلا شبهة في استحقاق العقوبة على المخالفة فيما إذا كان ترك التعلم والفحص مؤديا إليها فانها وان كانت مغفولة حينها وبلا اختيار إلّا انها منتهية إلى الاختيار وهو كاف في صحة العقوبة بل مجرد تركهما كاف في صحتها وان لم يكن مؤديا إلى المخالفة

______________________________________________________

يوم القيامة : هل علمت فان قال : نعم قيل له : فهلا عملت؟ وان قال : لا ، قيل له : هلا تعلمت حتى تعمل (١) (قوله : فيقيد بها اخبار) يعني ان نسبة هذه النصوص إلى اخبار البراءة نسبة المقيد إلى المطلق من حيث شمول أخبار البراءة لما قبل الفحص وبعده واختصاص هذه النصوص بالأول فتقدم عليها كما يقدم المقيد على المطلق ، (ودعوى) أن النسبة بينها هي المباينة لأن مورد هذه النصوص ترك العمل فيما علم وجوبه مثلا ولو إجمالا ومورد اخبار البراءة عدم العلم أصلا فلا موجب لتقييد الثانية بالأولى ، (ممنوعة) بأن الظاهر من الاخبار خصوص صورة عدم العلم ، إلا أن يكون المراد من عدم العلم عدم العلم التفصيليّ فلا ينافي وجود العلم الإجمالي فيمكن حملها على خصوص صورة العلم الإجمالي ، وحينئذ فلا تصلح لتقييد أدلة البراءة ، لكنه خلاف الظاهر منها. فتأمل ، ولعله أشار إليه بقوله : فافهم (٢) (قوله : اعتبار الفحص في التخيير) ولا مجال هنا للتشكيك المتقدم في اعتبار الفحص في البراءة العقلية من جهة علم المكلف هنا بجنس الإلزام فيجب فيه الفحص لذلك وان لم نقل به فيها (٣) (قوله : اما التبعة فلا شبهة) يقع الكلام في أمور (الأول) انه لا ينبغي التأمل في عدم حسن العقاب بترك التعلم إذا كان عمل المكلف موافقا للاحتياط إذ لا وجه له بعد تحقق الانقياد وعدم المخالفة الا دعوى وجوب التعلم

٣٦٢

نفسيا وهو خلاف ظاهر الأدلة (الثاني) لا ينبغي التأمل في استحقاق العقاب بترك التعلم إذا كان العمل مخالفا للواقع مع التفات المكلف إليه حال العمل وشكه فيه فانه مقتضى النصوص المتقدمة «الثالث» هل يدور العقاب مدار مخالفة الواقع مطلقا أو يختص بما إذا لم يكن على خلافه طريق معتبر يعثر عليه بالفحص؟ قولان ، أقواهما الثاني ، فانه لا يحسن في نظر العقل العقاب على مخالفة الواقع مع ترخيص الشارع في مخالفته واقعا الّذي هو لازم قيام الطريق الواقعي على خلافه. ومجرد عدم علم العبد به لا أثر له في مانعيته من حسن العقاب. وهناك وجهان آخران وهما : دوران العقاب مدار مخالفة الطريق : ودورانه مدار مخالفة أحدهما ، يبتنيان معا على السببية التي هي خلاف ظاهر أدلة الحجية. ومن هنا يظهر أنه لو ترك المكلف التعلم والاحتياط مع كونه شاكا في الإلزام واقعا ولم يكن في الواقع إلزام في الواقعة لم يكن موجب للعقاب وان كان بالفحص يعثر على طريق يؤدي إلى الإلزام لعدم مخالفة الواقع حينئذ. نعم يستحقه بالتجري بناء على استحقاق المتجري للعقاب «الرابع» لو ترك التعلم فغفل عن الواقع وعمل حال غفلته فخالف الواقع فصريح المصنف (ره) انه لا شبهة في استحقاق العقاب ، والغفلة حال المخالفة لا تمنع من حسن العقاب عليها وان كانت حينئذ بلا اختيار لاستنادها إلى تقصيره في ترك التعلم ، وقد تقرر غير مرة حسن العقاب على ما ليس بالاختيار إذا كان منتهيا إلى ما هو بالاختيار (فان قلت) : قد تقدم أن العلم ليس من مقدمات العمل فكيف يكون تركه موجبا للمخالفة (قلت) : العلم وان لم يكن مقدمة وجودية لذات العمل لكنه قد يكون تركه سبباً لذهاب صورة الحكم أو الموضوع عن الذهن ولو بنحو الشك فيؤدي ذلك إلى مخالفة الواقع ، ولذا ترى كثيرا من أهل البوادي والسواد الذين لم يتعلموا شرائع الدين الشريف غافلين عن كثير من الواجبات وأحكامها فلا تحضر في ذهنه صورة الصلاة فضلا عن احتمال وجوبها من أول وقت الصلاة إلى آخره ، وليس كذلك غيرهم ممن يعرف تلك الشرائع المقدسة كما هو ظاهر ، فترك مثل هؤلاء للصلاة وغيرها من الواجبات وان لم يكن

٣٦٣

مع احتماله لأجل التجري وعدم المبالاة بها. نعم يشكل في الواجب المشروط والموقت ولو أدى تركهما قبل الشرط والوقت إلى المخالفة بعدهما فضلا عما إذا لم يؤد إليها

______________________________________________________

عن التفات إليها حال الترك لكنه لما كان مستنداً إلى التساهل في معرفة الأحكام كان مستندا إلى ما بالاختيار فيحسن عليه العقاب (فان قلت) : لازم ذلك عدم الاكتفاء بالتعلم بل لا بد من التحفظ على بقاء العلم لئلا تعرض الغفلة المؤدية إلى المخالفة (قلت) : لا ضير في التزام ذلك إذا كان المكلف يعلم بترتب الغفلة لو لم يتحفظ ، وحديث رفع الخطأ مختص بصورة احتمال عدم الترتب. فتأمل ، ولو فرض عمومه لصورة العلم بترتب الغفلة ـ كما هو مقتضى إطلاقه ـ كان هو الفارق بين ترك العلم رأساً المؤدي إلى الغفلة وترك التحفظ بعد العلم. اللهم إلا أن يدعى عمومه للمقامين كما هو أيضاً مقتضى إطلاقه فيدل على عدم العقاب مطلقا (والتحقيق) : ان الغفلة المؤدية إلى المخالفة انما تستند في الشاك والعالم معا إلى ترك التحفظ أو عدم الاهتمام بالحكم إذ مع أحدهما لا تحصل الغفلة ولو مع الشك في الحكم ومع عدمها تحصل الغفلة ولو مع العلم بالحكم فيكون حال المتعلم للحكم حال الشاك فيه في استناد الغفلة فيهما إلى ترك التحفظ أو عدم الاهتمام من دون فرق بينهما فلا يكون ترك التعلم في الجاهل مستندا إلى الغفلة ، وحينئذ فيشتركان في استحقاق العقاب وعدمه شرعا وعقلا لاتفاقهما في المناط فإذا بني على معذورية العالم شرعا لحديث رفع الخطأ وان لم يكن معذورا عقلا فليبن علي معذورية الجاهل أيضا كذلك لذلك الحديث ، إلا أن يدعى تخصيص الحديث بالأول دون الثاني ولو لأخبار الأمر بالتعلم ، ويمكن أن يكون الوجه في التعلم حصول الاهتمام المانع من حصول الغفلة فتأمل جيداً (١) (قوله : مع احتماله) يعني إذا كان المكلف يحتمل أداء ترك التعلم والفحص إلى المخالفة فان الاحتمال المذكور يوجب عليه الاحتياط بالتحفظ بالتعلم والفحص فتركهما حينئذ يكون تجريا وان لم يؤد إلى المخالفة لأنه اقدام على احتمال مخالفة الواجب المنجز (٢) (قوله : فضلا عما إذا لم يؤد) يعني مع احتمال الأداء فهو

٣٦٤

حيث لا يكون حينئذ تكليف فعلي أصلا لا قبلهما وهو واضح ولا بعدهما وهو كذلك لعدم [١] التمكن منه بسبب الغفلة ولذا التجأ المحقق الأردبيلي وصاحب المدارك ـ قدس‌سرهما ـ إلى الالتزام بوجوب التفقه والتعلم نفسياً تهيئياً فيكون العقوبة على ترك التعلم نفسه لا على ما أدى إليه من المخالفة فلا إشكال حينئذ في المشروط والموقت ويسهل بذلك الأمر في غيرهما

______________________________________________________

إشارة إلى صورة التجري المتقدمة (١) (قوله : حيث لا يكون حينئذ) تقرير للإشكال (٢) (قوله : وهو واضح) لأن الوجوب المشروط والموقت انما يكونان بعد الوقت والشرط على المشهور فلا يمكن ان يترشح منهما وجوب غيري يتعلق بالتعلم قبل الشرط والوقت ، وهذا الإشكال قد تقدم منه (قدس‌سره) في مقدمة الواجب وتقدم عدم اختصاصه بالتعلم بل يطرد في بعض المقدمات الوجودية التي تجب قبل الوقت مثل السفر للحج والغسل للصوم ونحوهما بل حكي الإجماع على عدم جواز إراقة الماء قبل الوقت إذا علم عدم تيسره له بعده ، والجواب عن الجميع لا بد ان يكون بوجه واحد (٣) (قوله : نفسيا تهيئياً) قد تقدم الإشكال عليه بان الواجب التهيئي ما يجب مقدمة للخطاب بواجب آخر كما سيأتي في قبال الواجب الغيري وهو ما يجب لكونه مقدمة لواجب آخر وحينئذ فالالتزام به لا يرفع الإيراد لأن المقصود من الواجب التهيئي وهو الخطاب ليس مرادا بنفسه بل مقدمة لحصول الغرض منه ، فيكون الواجب التهيئي مقدمة لذلك الغرض فإذا كانت غرضية الغرض منوطة بوجود الشرط أو الوقت كيف يجب ما هو مقدمة له قبلهما كما هو ظاهر؟

__________________

[١] إلا ان يقال بصحة المؤاخذة على ترك المشروط أو الموقت عند العقلاء إذا تمكن منهما ـ في الجملة ولو بان تعلم وتفحص إذا التفت وعدم لزوم التمكن منهما بعد حصول الشرط ودخول الوقت مطلقا كما يظهر ذلك من مراجعة العقلاء ومؤاخذتهم العبيد على ترك الواجبات المشروطة أو الموقتة بترك تعلمها قبل الشرط أو الوقت المؤدي إلى تركها بعد حصوله أو دخوله فتأمل. منه قدس‌سره

٣٦٥

لو صعب على أحد ولم تصدق كفاية الانتهاء إلى الاختيار في استحقاق العقوبة على ما كان فعلا مغفولا عنه وليس بالاختيار ، ولا يخفى أنه لا يكاد ينحل هذا الإشكال إلا بذلك أو الالتزام بكون المشروط أو الموقت مطلقا معلقا لكنه قد اعتبر على نحو لا تتصف مقدماته الوجودية عقلا بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غير التعلم فيكون الإيجاب حالياً وان كان الواجب استقبالياً قد أخذ على نحو لا يكاد يتصف بالوجوب شرطه ولا غير التعلم من مقدماته قبل شرطه أو وقته ، وأما لو قيل بعدم الإيجاب إلا بعد الشرط والوقت كما هو ظاهر الأدلة وفتاوى المشهور

______________________________________________________

مضافا إلى أنه لا معنى لإيجاب التعلم مقدمة للخطاب بالواجب لأن ما يتعلم ان كان ذلك الخطاب امتنع ان يكون التعلم من مقدماته لوجوب كونه مفروض الثبوت مع قطع النّظر عن العلم وإلّا كان خلفا أو لزم الدور على المشهور ، وان كان غيره بان يلتزم مثلا بوجوب تعلم وجوب الصلاة ليخاطب بوجوب الصوم فذلك مما لا يمكن الالتزام به ، مع انه يؤدي إلى دعوى عدم وجوب تعلم وجوب الصوم مثلا فيلزم التفكيك بين الأحكام في وجوب التعلم (١) (قوله : لو صعب على أحد) يعني لو استشكل أحد في حسن العقاب على ما لا بالاختيار لانتهائه إلى ما بالاختيار ولم يسعه نفي العقاب أمكن له ان يلتزم بان العقاب على ترك التعلم لا على ترك الواقع فقوله : (كفاية) فاعل (صعب) و (تصدق) على التنازع (٢) (قوله : على نحو لا تتصف) فلا يجب فعل سائر المقدمات قبل الوقت بأن يكون الواجب منها هو الجامع بين فعلها في الوقت مطلقا وفعلها قبله من باب الاتفاق فيمتنع تعلق الوجوب الغيري بها قبل الوقت لأنه يكون حينئذ وجودها بدعوة الوجوب لا من باب الاتفاق (٣) (قوله : بالوجوب شرطه) بان يكون الشرط وجوده من باب الاتفاق فيمتنع ان يترشح إليه وجوب غيري كما عرفت ، ولولاه كان مقتضى كونه قيدا في الواجب وجوب تحصيله كسائر القيود. ثم ان هذا الوجه قد فرَّ به عن الإشكال

٣٦٦

فلا محيص عن الالتزام بكون وجوب التعلم نفسياً لتكون العقوبة ـ لو قيل بها ـ على تركه لا على ما أدى إليه من المخالفة

______________________________________________________

شيخنا الأعظم (ره) كما تقدم في مبحث مقدمة الواجب وتقدم ما عليه (١) (قوله : فلا محيص عن الالتزام) قد عرفت الإشارة في ذلك المبحث إلى إمكان اندفاعه بأن تبعية الوجوب الغيري للنفسي لا تقتضي تبعيته له في جميع الخصوصيات إذ لا ريب في أن الوجوب المطلق إذا كان لمتعلقه مقدمات لا يصلح للمحركية إلى متعلقه الا بعد فعل المقدمات والوجوب الغيري له فعلية المحركية إلى تلك المقدمات فإذا جاز اختلافهما في هذا المقدار جاز اختلافهما في غيره. فنقول : الوجوب النفسيّ إذا كان منوطا بشيء غير حاصل وان كان يتبعه وجوب غيري أيضا يكون منوطا بذلك الشيء لكن يجوز اختلافهما في كيفية الإناطة فيكون الوجوب النفسيّ منوطا به بنحو الإناطة بالشرط المتقدم والوجوب الغيري منوطا به بنحو الإناطة بالشرط المتأخر ، مثلا حسن شرب الدواء منوط بوجود المرض بنحو الشرط المتقدم إذ لا يحسن الشرب الا بعد وجود المرض وحسن إحضار الدواء وتهيئته منوط بوجود المرض مطلقا ولو بنحو الشرط المتأخر ، فانه يحسن إحضار الدواء إذا كان يوجد المرض في المستقبل ، وهكذا حسن أكل الطعام منوط بالجوع قبله لكن حسن إحضار الطعام منوط بالجوع ولو بعده فوجوب التعلم منوط بالشرط ولو بنحو الشرط المتأخر لكن نفس الوجوب منوط به بنحو الشرط المتقدم (وان شئت قلت) : العلم بوجود الشرط في المستقبل مثل وجود المرض أو الجوع أو نزول الضيف يوجب ترجح إحضار الطعام أو الدواء فعلا فتتعلق به الإرادة التكوينية أو التشريعية الغيريتان. هذا مع أن إشكال لزوم التعلم عقلا قبل الشرط والوقت لا يتوقف على إثبات وجوبه شرعا حتى يلتزم بأنه واجب نفسي أو غيري بل لو لم نقل بوجوبه شرعا نفسيا أو غيريا يمكن اندفاعه بقبح تعجيز العبد نفسه عقلا عن القيام بالواجب بلا فرق بين الواجب المطلق والمشروط ولا بين ما قبل الشرط وما بعده ، فكما لا يجوز في نظر العقل

٣٦٧

ولا بأس به كما لا يخفى ، ولا ينافيه ما يظهر من الاخبار من كون وجوب التعلم انما هو لغيره لا لنفسه حيث أن وجوبه لغيره لا يوجب كونه واجباً غيريا يترشح وجوبه من وجوب غيره فيكون مقدمياً بل للتهيؤ لإيجابه (فافهم) وأما الأحكام فلا إشكال في وجوب الإعادة في صورة المخالفة بل في صورة الموافقة أيضاً في العبادة فيما لا يتأتى منه قصد القربة وذلك لعدم الإتيان بالمأمور به مع عدم دليل على الصحة والاجزاء

______________________________________________________

تعجيز العبد نفسه عن القيام بالواجب المطلق أو المشروط بعد حصول الشرط لا يجوز في نظره تعجيز نفسه عنه قبل حصوله فان ذلك كله إخلال بالغرض وتفويت له يستحق عليه العقاب ، وإذا ثبت ذلك ثبت لزوم التعلم عقلا قبل حصول الشرط أو الوقت فلو تركه عامدا استحق العقاب ، وهذا غاية ما يقصده القائل بوجوب التعلم وليس مقصوده مجرد إثبات وجوبه شرعا حتى يتكلف له بما ذكر من الوجوه (فان قلت) : إثبات وجوبه شرعا كاف في استحقاق العقاب على تركه وان لم نقل بقبح تعجيز العبد نفسه قبل الوقت أو الشرط مع العلم بهما (قلت) : الوجوب الغيري لا أثر له في حسن العقاب بل يكون تبع الوجوب النفسيّ فإذا فرضنا ان قبح التعجيز غير ثابت كان ذلك التزاما باعتبار القدرة حال الوجوب النفسيّ فالعجز حاله ولو باختيار المكلف عذر في نظر العقل فلا يتنجز الوجوب النفسيّ فلا يوجب العقاب على مخالفته فلا أثر للوجوب الغيري قبل الوقت ولو كان شرعياً. نعم لا بد من الالتزام بأحد الوجوه في تصحيح المقدمات العبادية التي يؤتى بها قبل الوقت والشرط بقصد الوجوب (١) (قوله : ولا بأس به) قد عرفت ما فيه ، مضافا إلى أن لازم ذلك عدم المقيد لإطلاق أدلة البراءة لانحصار المقيد بأوامر التعلم بناء على كونها طريقية ولو كانت نفسية لم تصلح لتقييد تلك الإطلاقات ، وإلى أن حمل أوامر التعلم على النفسيّة انما يدفع الإشكال عن وجوب التعلم قبل الوقت ولا يقتضي دفع الإشكال عن وجوب فعل بعض المقدمات الأخر ، فلو بني على حمل أوامرها على النفسيّة كالأمر بالتعلم فربما لا يكون امر ببعضها مع العلم بكونها مقدمة (قوله : فافهم)

٣٦٨

إلا في الإتمام في موضع القصر أو الإجهار أو الإخفات في موضع الآخر فورد في الصحيح وقد أفتى به المشهور صحة الصلاة وتماميتها في الموضعين مع الجهل مطلقا ولو كان عن تقصير موجب لاستحقاق العقوبة على ترك الصلاة المأمور بها لأن ما أتى بها وان صحت وتمت إلّا انها ليست بمأمور بها (إن قلت) : كيف يحكم بصحتها مع عدم الأمر بها؟ وكيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة على ترك الصلاة التي أمر بها حتى فيما إذا تمكن مما أمر بها كما هو ظاهر إطلاقاتهم بان علم بوجوب القصر أو الجهر بعد الإتمام والإخفات وقد بقي من الوقت مقدار إعادتها قصراً أو جهراً ، ضرورة أنه لا تقصير هاهنا يوجب استحقاق العقوبة. وبالجملة كيف يحكم بالصحّة بدون الأمر؟ وكيف يحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الإعادة لو لا الحكم

______________________________________________________

(١) لعله إشارة إلى بعض ما ذكرنا (٢) (قوله : صحة الصلاة) هو فاعل (فورد في الصحيح) اما الصحيح الدال على الأول فهو صحيح زرارة ومحمد بن مسلم قالا قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ قال عليه‌السلام : إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه ، واما الصحيح الدال على الثاني فهو صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام عن رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه فقال عليه‌السلام : أي ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة فان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمت صلاته (٣) (قوله : انها ليست بمأمور بها) أقول : يمكن دعوى كونها مأمورا بها بأن يكون الجامع بين القصر والتمام مشتملا على مصلحة ملزمة ويكون في خصوص القصر مصلحة كذلك فيكون القصر من قبيل الصلاة في المسجد وصلاة التمام من قبيل الصلاة في البيت فالقصر أفضل الفردين لاشتماله على مصلحتين يكونان منشأ لتأكد إرادته كالصلاة في المسجد بلا فرق ، غير ان مصلحة الصلاة في المسجد الزائدة على مصلحة كلي الصلاة غير ملزمة والمصلحة الزائدة في القصر ملزمة يحرم تفويتها (٤) (قوله : لو لا الحكم) منه يظهر إشكال آخر وهو انه

٣٦٩

شرعاً بسقوطها وصحة ما أتى بها؟ (قلت) : إنما حكم بالصحّة لأجل اشتمالها على مصلحة تامة لازمة الاستيفاء في نفسها مهمة في حد ذاتها وان كانت دون مصلحة الجهر والقصر وإنما لم يؤمر بها لأجل أنه أمر بما كانت واجدة لتلك المصلحة على النحو الأكمل والأتم وأما الحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الإعادة فانها بلا فائدة إذ مع استيفاء تلك المصلحة لا يبقى مجال لاستيفاء المصلحة التي كانت في المأمور بها ولذا لو أتى بها في موضع الآخر جهلا مع تمكنه من التعلم فقد قصر ولو علم بعده وقد وسع الوقت فانقدح أنه لا يتمكن من صلاة القصر صحيحة بعد فعل صلاة الإتمام ولا من الجهر كذلك بعد فعل صلاة الإخفات وإن كان الوقت باقياً (ان قلت) : على هذا يكون كل منهما في موضع الآخر سبباً لتفويت الواجب فعلا وما هو السبب لتفويت الواجب كذلك حرام وحرمة العبادة موجبة لفسادها بلا كلام (قلت) : ليس سبباً لذلك غايته أنه يكون مضادا له وقد حققنا في محله أن الضد وعدم ضده متلازمان ليس بينهما توقف أصلا (لا يقال) : على هذا فلو صلى تماماً أو صلى إخفاتا في موضع القصر والجهر مع العلم بوجوبهما في موضعهما لكانت صلاته صحيحة وان عوقب على مخالفة الأمر بالقصر أو الجهر (فانه يقال) : لا بأس بالقول به لو دل دليل على انها تكون مشتملة على المصلحة ولو مع العلم لاحتمال اختصاص أن يكون كذلك في صورة الجهل

______________________________________________________

كيف يسقط الأمر بالقصر قبل خروج الوقت بدون فعله؟ (١) (قوله : وانما لم يؤمر بها) قد عرفت إمكان الأمر بها بنحو تعدد المطلوب ولعل مقصوده انه لم يؤمر بها تعيينا (٢) (قوله : فانها بلا فائدة) كان المناسب ان يقول : فلأنها ـ أي الإعادة قصرا ـ بلا فائدة ، لعدم إمكان تدارك مصلحتها الفائتة بفعل التمام ولذا صار مقصرا بفعل القصر مستحقاً عليه العقاب (قوله : لا يبقى مجال)

٣٧٠

ولا بُعد أصلا في اختلاف الحال فيها باختلاف حالتي العلم بوجوب شيء والجهل به كما لا يخفى. وقد صار بعض الفحول بصدد بيان إمكان كون المأتي في غير موضعه مأمورا به بنحو الترتب وقد حققنا في مبحث الضد امتناع الأمر بالضدين مطلقا ولو بنحو الترتب بما لا مزيد عليه فلا نعيد ، ثم إنه ذكر لأصل البراءة شرطان آخران (أحدهما) أن لا يكون موجباً لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى (ثانيهما) أن لا يكون موجبا للضرر على آخر ، ولا يخفى أن أصالة البراءة عقلا ونقلا في الشبهة البدوية بعد الفحص لا محالة تكون جارية وعدم استحقاق العقوبة الثابت بالبراءة العقلية والإباحة ورفع التكليف الثابت بالبراءة النقليّة لو كان موضوعاً لحكم شرعي أو ملازماً له فلا محيص عن ترتبه عليه بعد إحرازه

______________________________________________________

(١) به يندفع الإشكال الثالث الّذي ذكرناه (٢) (قوله : بنحو الترتب) يعني بان يؤمر بالتمام على تقدير عصيان الأمر بالقصر الحاصل بامتناع حصول مصلحته لكن بنحو الشرط المتأخر فإذا فرض تحقق العصيان ولو بعد فعل التمام كان مأمورا بالتمام من أول الأمر (فان قلت) : الموجب لامتناع حصول مصلحة القصر فعل التمام فإناطة الأمر بالتمام بامتناع المصلحة موجبة لإناطته بفعل التمام لأن المنوط بالمعلول منوط بعلته وإناطة الأمر بالتمام بفعل التمام محال لأنه طلب الحاصل (قلت) : هذا مبني على أن عدم علة أحد الضدين مقدمة لوجود الضد الآخر لأن بديله وهو وجود علة أحد الضدين علة لعدم الآخر وهو غير مبنى عدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده. فتأمل (٣) (قوله : امتناع الأمر بالضدين) قد عرفت انه لم يتضح الوجه في الامتناع (٤) (قوله : ذكر لأصل البراءة) الذاكر هو الفاضل النراقي (ره) (٥) (قوله : آخران) يعني غير شرط الفحص (٦) (قوله : لا محالة تكون جارية) أما الثانية فلإطلاق أدلتها التي لم يخرج عنها الا فيما قبل الفحص كما عرفت. وأما الأولى فلأنه ان احتمل اعتبار شيء فيها فهو الفحص فمع حصوله تجري بلا توقف على شيء آخر (٧) (قوله : وعدم استحقاق العقوبة) يعني فإذا جرت البراءة

٣٧١

فان لم يكن مترتبا عليه بل على نفي التكليف واقعاً فهي وإن كانت جارية إلا أن ذاك الحكم لا يترتب لعدم ثبوت ما يترتب عليه بها وهذا ليس بالاشتراط ، وأما اعتبار أن لا يكون موجباً للضرر فكل مقام تعمه قاعدة نفي الضرر وإن لم يكن مجال فيه لأصالة البراءة كما

______________________________________________________

العقلية والنقليّة وثبت مضمونها أعني عدم استحقاق العقوبة ورفع التكليف وكان مضمونهما ملزوما لحكم شرعي أو ملازما له لا بد من العلم بذلك الحكم الشرعي لأن العلم بالملزوم يوجب العلم باللازم وكذا العلم بالملازم يوجب العلم بملازمه. فان كان مقصود المشترط انها لا تجري أصلا بعد الفحص في مثل هذا المقام فذاك خلاف أدلتها وان كان مقصوده أنها تجري لكن لا يترتب الحكم اللازم أو الملازم فذاك خلاف الدليل الدال على اللزوم أو الملازمة (فان قلت) : سلمنا ترتب اللازم لكن نمنع ترتب الملازم لأنه موقوف على القول بالأصل المثبت (قلت) : هذا لا يرتبط بالأصل المثبت لأن المفروض ان الحكم الملازم ملازم للبراءة النقليّة أعني رفع الحرمة مثلا ظاهراً فإذا علم بوجود الملازم بمقتضى حديث الرفع مثلا لا بد أن يعلم بملازمه. نعم إذا كان الأثر ملازما للواقع ، وكان الأصل مثبتا للواقع ظاهراً كان إثبات الملازم به موقوفا على القول بالأصل المثبت ولكن الفرض ليس كذلك بل الأثر لازم أو ملازم لنفس مضمون البراءة العقلية أو النقليّة (١) (قوله : فان لم يكن مترتبا) يعنى وان كان الأثر لازما لنفي التكليف واقعا جرت أصالة البراءة بعد الفحص ولكن لا يترتب لأجلها ذلك الأثر لعدم إحراز موضوعه إذ ليس مفاد حديث الرفع الا رفعه ظاهراً (فان قلت) : ما الفرق بينه وبين استصحاب عدم التكليف الّذي لا ريب في انه يترتب عليه أثر نفي التكليف واقعا (قلت) : الفرق أن مفاد الاستصحاب إثبات النفي الواقعي ظاهراً فيترتب عليه آثار نفس النفي الواقعي ومفاد حديث الرفع النفي ظاهراً للتكليف الواقعي ولا تعرض له للنفي الواقعي ، وقد تقدم نظير هذا في الفرق بين أصالة الحل واستصحاب الحل على

٣٧٢

هو حالها مع سائر القواعد الثابتة بالأدلة الاجتهادية إلا أنه حقيقة لا يبقى لها مورد ، بداهة أن الدليل الاجتهادي يكون بياناً وموجباً للعلم بالتكليف ولو ظاهراً فان كان المراد من الاشتراط ذلك فلا بد من اشتراط أن لا يكون على خلافها دليل اجتهادي لا خصوص قاعدة الضرر فتدبر والحمد لله على كل حال (ثم) انه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان قاعدة الضرر والضرار على نحو الاقتصار وتوضيح مدركها وشرح مفادها وإيضاح نسبتها مع الأدلة المثبتة للأحكام الثابتة للموضوعات بعناوينها الأولية أو الثانوية وإن كانت أجنبية عن مقاصد الرسالة إجابة لالتماس بعض الأحبة فأقول وبه أستعين : إنه قد استدل عليها باخبار كثيرة منها موثقة زرارة عن أبي جعفر : ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان وكان سمرة يمر إلى نخلته ولا يستأذن فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبى سمرة فجاء الأنصاري إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكا إليه فأخبر بالخبر فأرسل رسول الله وأخبره بقول الأنصاري وما شكاه فقال : إذا أردت الدخول فاستأذن فأبى فلما أبى فساومه حتى بلغ من الثمن ما شاء الله فأبى أن

______________________________________________________

مذاق المصنف (ره) (١) (قوله : هو حالها) الضمير راجع إلى البراءة وكذا ضمير لها في قوله : (لا يبقى لها) (٢) (قوله : لا يبقى لها مورد) يعني لا يبقى للبراءة مورد مع جريان قاعدة الضرر لا أن عدم القاعدة شرط في جريانها لأن الشرط انما يطلق مع إحراز المقتضي لا مع عدم المقتضي كما في المقام (٣) (قوله : يكون بيانا) يعني فيمنع من جريان البراءة لأنها انما تجري مع عدم البيان (٤) (قوله : لا خصوص) لعدم الفرق بين القواعد الاجتهادية في رفع مورد البراءة

(قاعدة نفى الضرر)

(٥) (قوله : موثقة زرارة) قد رواها في الوسائل عن الكافي عن عدة من

٣٧٣

يبيعه فقال : لك بها عذق في الجنة فأبى أن يقبل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصاري : اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانه لا ضرر ولا ضرار ، وفي رواية الحذاء عن أبي جعفر عليه‌السلام مثل ذلك إلا انه فيها بعد الآباء : ما أراك يا سمرة إلا مضاراً اذهب يا فلان فاقلعها وارم بها وجهه ، إلى غير ذلك من الروايات الواردة في قصة سمرة

______________________________________________________

أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام وتسميتها موثقة لأن في سندها ابن بكير وهو فطحي وان كان من أصحاب الإجماع ، والسند معتبر إذ العدة فيهم مثل علي بن إبراهيم القمي الشهير صاحب التفسير ، وأحمد بن محمد البرقي ، وثقة الشيخ والنجاشي وغيرهما ، والطعن فيه بأنه يعتمد المراسيل ويروي عن الضعفاء ليس طعنا فيه ـ كما عن ابن الغضائري ـ بل في من يروي عنه وأبوه وثقة الشيخ والعلامة ، وعن النجاشي انه كان ضعيفا في الحديث ، وعن جدي (ره) في تكملته : المشهور بين الفقهاء العمل بروايته كما اعتمده العلامة (ره) ، وحيث كان الجارح له هو النجاشي وهو أسطوانة أهل هذا الفن ولا مجال لرد كلامه أخذوا في تأويل كلامه. وأطال الكلام في نقل كلماتهم ، وحاصل ما ارتضاه ان المراد انه يروي عن الضعفاء وهو كلام متين ـ كما قيل ـ واما زرارة فحاله في الجلالة أظهر من ان يذكر وأشهر من ان يسطر ، ثم إن المتن المذكور في نسختي من الوسائل يخالف يسيراً ما هو مذكور في المتن وان كان لا يقدح في الدلالة فراجع (١) (قوله : وفي رواية الحذاء) هو أبو عبيدة زياد بن عيسى وثقة النجاشي والعلامة وسعد بن عبد الله الأشعري ، رواها عنه الحسن بن زياد الصيقل ولم ينص على توثيقه أحد ، لكن روى عنه جماعة من الأعيان منهم أربعة من أصحاب الإجماع ومنهم يونس بن عبد الرحمن كما في هذا السند ولا يبعد دلالة ذلك على توثيقه ، واما طريق الصدوق إليه فمعتبر فليراجع (٢) (قوله : مثل ذلك) بل مع اختلاف يسير أيضا (٣) (قوله : فاقلعها وارم بها) الموجود في نسختي فاقطعها واضرب بها (قوله : الواردة في قصة سمرة)

٣٧٤

وغيرها وهي كثيرة وقد ادعي تواترها مع اختلافها لفظاً ومورداً فليكن المراد به تواترها إجمالا بمعنى القطع بصدور بعضها ، والإنصاف أنه ليس في دعوى التواتر كذلك جزاف وهذا مع استناد المشهور إليها موجب لكمال الوثوق بها وانجبار ضعفها مع أن بعضها موثقة فلا مجال للإشكال فيها من جهة سندها كما لا يخفى وأما دلالتها

______________________________________________________

(١) لم أعثر في قصة سمرة الا على الروايتين أعني روايتي زرارة والحذاء عن أبي جعفر عليه‌السلام : نعم رواية زرارة مروية بطريقين أحدهما الموثق بواسطة ابن بكير والثاني مرسل عن ابن مسكان عنه (٢) (قوله : وغيرها) يعني غير ما ورد في قصة سمرة كرواية عقبة بن خالد الحاكية لقضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في موارد كثيرة ، وفيها وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ضرر ولا ضرار ، وكذا في روايته الأخرى ، لكن الظاهر انهما رواية واحدة وان عدت في كتب الحديث وغيرها روايتين فليلحظ ، وفيما عندي من مجمع البحرين زيادة قوله : في الإسلام ، وكذا أرسله الصدوق في الفقيه على ما في الوسائل في أول المواريث ، وعن التذكرة ونهاية ابن الأثير ، وكمكاتبة محمد بن الحسين إلى أبي محمد عليه‌السلام : رجل كانت له رحى على نهر قرية والقرية لرجل فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر ويعطل هذه الرحى أله ذلك أم لا؟ فوقع عليه‌السلام : يتقي الله ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضر أخاه المؤمن. فتأمل ، وكرواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل شهد بعيرا مريضا وهو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم فجاء وأشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد فقضي : أن البعير برئ فبلغ ثمنه ثمانية دنانير قال لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ فان قال : أريد الرّأس والجلد فليس له ذلك هذا الضرار وقد أعطي حقه إذا أعطي الخمس ، ولعل منها ما ورد في العيون الضارة بعضها ببعض. فتأمل (٣) (قوله : والإنصاف ان) لا يخلو من تأمل وكيف والعمدة روايات زرارة والحذاء وعقبة والغنوي اما المراسيل فلم يثبت انها غير المسانيد وبقية النصوص أجنبية عن القاعدة فتأمل (٤) (قوله : وهذا مع) يعني كثرتها بحد

٣٧٥

فالظاهر أن الضرر هو ما يقابل النّفع من النقص في النّفس أو الطرف أو العرض أو المال تقابل العدم والملكة ، كما ان الأظهر أن يكون الضرار بمعنى الضرر جيء به تأكيدا كما يشهد به إطلاق المضار على سمرة ، وحكي عن النهاية لا فعل الاثنين وان كان هو الأصل في باب المفاعلة ولا الجزاء على الضرر لعدم تعاهده من باب المفاعلة

______________________________________________________

تقرب دعوى التواتر فيها (١) (قوله : تقابل العدم والملكة) يعني أن النّفع عبارة عن وجود شيء لشيء وعدمه عما ينبغي ان يكون له ضرر فالبصر للإنسان مثلا نفع والعمى ضرر ووجود المال لزيد مثلا نفع وعدمه عنه ضرر فالضرر عدم النّفع عما من شأنه ان يكون ذا نفع. هذا ولا يخفى أن ذلك خلاف المتفاهم عرفا فان المتفاهم منهما ان الضرر عبارة عن النقص عن المرتبة التي ينبغي ان يكون عليها الموضوع والنّفع عبارة عن الزيادة على تلك المرتبة وعليه فيكون لهما ضد ثالث وهو التمام حيث يكون الشيء بلا نقص ولا زيادة ، فوجود البصر للإنسان ليس نفعا بل كمال له وعدمه عنه نقص ، وكونه بحيث يبصر من خلفه مثلا نفع فتقابل العدم والملكة انما هو بين الضرر والتمام لا بين النّفع والضرر (٢) (قوله : ان يكون الضرار بمعنى الضرر) قد عرفت أن الضرر بمعنى النقص فيكون من قبيل حاصل المصدر نظير الوجع والألم ونحوهما وليس معنى الضرار ذلك قطعا ، بل معناه ـ كما يشهد به تتبع موارد استعماله مثل قوله تعالى : (والذين اتخذوا مسجداً ضرار ، وقوله تعالى : (ولا يضار كاتب ولا شهيد) وقوله : (لا تضار والدة بولدها) وقوله تعالى : (ولا تمسكوهن ضراراً) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لسمرة : انك رجل مضار ، وقول الصادق عليه‌السلام في خبر الغنوي : هذا الضرار ـ هو السعي في إيصال الضرر كما هو الظاهر من مثل قاتله وضاربه وخادعه ، وان كان الظاهر من القاموس كون ضره وضرَّ به وأضره وضاره بمعنى ، وكيف كان فهو غير الضرر فمعنى (لا ضرر) نفي نفس الضرر ، ومعنى «لا ضرار» نفي الإضرار وليس أحدهما عين الآخر حتى يكون تأكيداً له (٣) (قوله : وان كان هو الأصل في باب المفاعلة) كما هو المشهور بين أهل العربية لكن رب مشهور لا أصل له

٣٧٦

وبالجملة لم يثبت له معنى آخر غير الضرر كما أن الظاهر أن يكون (لا) لنفي الحقيقة كما هو الأصل في هذا التركيب حقيقة أو ادعاء كناية عن نفي الآثار كما هو الظاهر من مثل :

______________________________________________________

وكيف يصح دعوى أن قاتل زيد عمراً بمعنى تقاتل زيد وعمرو مع ان زيدا في المثال الأول فاعل وعمراً مفعول ، وكل منهما فاعل في المثال الثاني ، وكأن الوجه في توهم ذلك صدق نسبة المفاعلة إلى المفعول في بعض الموارد غالبا كباب المقاتلة والمضاربة والمطاردة والمراهنة والمعاطاة ونحوها بحيث إذا صح قاتل زيد عمراً صح غالبا قاتل عمرو زيداً وكذا في بقية الأمثلة فأوجب ذلك توهم دخوله في معنى المفاعلة مع ان هذا المقدار لا يقتضي ذلك ولا سيما وكون أكثر موارد استعمال الصيغة المذكورة مما لا يصح فيه النسبة من الطرفين ، بل قد لا تصدق في الموارد المذكورة إذا أمكن قيام الفعل بواحد والأمر سهل (١) (قوله : الظاهر ان تكون لا لنفي الحقيقة) لا ريب في أن الأصل في كلمة (لا) أن تكون لنفي حقيقة مدخولها ، وحيث تعذر حملها على ذلك في المقام فلا بد من التصرف فيها بحملها على ما هو اقرب إليه من المعاني المجازية ، فيدور الأمر بدواً بين معان (الأول) نفي الحقيقة ادعاء بلحاظ نفي الخواصّ والآثار ، كما هي كذلك في مثل قوله عليه‌السلام : لا صلاة إلّا بطهور «الثاني» نفي نوع من الحقيقة حقيقة وهو خصوص الضرر الآتي من قبل الحكم الشرعي فانه مما يمكن نفيه حقيقة بنفي سببه وهو الحكم «الثالث» نفي نوع منها حقيقة وهو الضرر غير المتدارك فيستكشف منه أن كل ضرر متدارك بجعل الشارع للضمان أو للخيار أو غيرهما (الرابع) جعل مدخولها هو الحكم على نحو المجاز في الحذف أو في الكلمة باستعمال لفظ الضرر في الحكم المؤدي إليه بعلاقة السببية «الخامس» جعلها ناهية بأن يكون المقصود من نفي الضرر في الخارج الزجر عنه واحداث الداعي إلى عدمه كما هو ظاهر في قوله تعالى : (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) ولا فرق في احتمال هذه المعاني بين كون الكلام خبراً

٣٧٧

وإنشاء ، غاية الأمر أنه على الأول يختص بالآثار الشرعية لأن غيرها مما لا يصح أن يكون تحت الرفع والوضع التشريعيين ، وعلى الثالث يكون المقصود من رفع الضرر غير المتدارك جعل التدارك لكل ضرر ، وعلى الخامس يكون المقصود من إنشاء عدم الضرر الزجر عنه ، كما هو الحال في مثل : لا تقم ، حيث عرفت الإشارة إلى انها مستعملة في إنشاء عدم القيام بداعي الزجر عنه «ثم» ان الّذي استظهره المصنف «ره» هو المعنى الأول قياسا على نظائره ، ويشكل (أولا) : بأنه يتوقف على ان يكون للضرر آثار وخواص ولو غير شرعية لو حمل الكلام على الخبر ويكون النفي بلحاظها ، وان تكون كلمة (لا) بمعنى ليس الناقصة كما في (لا صلاة إلّا بطهور) بمعنى ليس الصلاة مع الحدث صلاة ، وكلا الأمرين غير ظاهر «اما» الأول فلأن الضرر وان كان ذا آثار وخواص فليس النفي بلحاظها قطعا إذ من الواضح ان ليس المقصود بالكلام نفي آثار الضرر بل نفي آثار موضوعه أعني الوضوء الضرري مثلا كما سيأتي «وأما» الثاني فلأن المعنى المطابقي للقضية نفي وجود الضرر الّذي هو مفاد ليس التامة لا نفي كون النوع الفلاني من الضرر ضررا ليكون من قبيل المثالين المذكورين في المتن (لا يقال) ما ذكرت انما يتم لو كان الضرر ملحوظا لحاظ استقلاليا اما لو كان ملحوظا لحاظا آليا لنفس الموضوع الضرري كالوضوء فلا ريب أن الوضوء الضرري نوع خاص من حقيقة الوضوء التي لها آثار خاصة شرعية كالوجوب أو خارجية كالطهارة فيصح حينئذ نفي تلك الحقيقة عن الوضوء الضرري بلحاظ الآثار المذكورة ويكون مفاد «لا» مفاد ليس الناقصة فيتم المعنى المذكور ويكون الضرر نظير نفي الخطأ والنسيان في حديث الرفع (لأنا نقول) : «أولا» ذلك خلاف ظاهر الجملة والالتزام به في رفع الخطأ لانحصار المراد فيه لا يقتضي الالتزام به في المقام مع إمكان إرادة غيره «وثانيا» انه خلاف ظاهر رواية سمرة كما يظهر بأدنى تأمل فيها فتأمل جيداً «واما الثاني» فهو الّذي استظهره شيخنا الأعظم «ره» في رسائله ، والوجه فيه : أن الكلام لو حمل على الإنشاء اختص طبعا بالضرر الآتي من قبل الشارع

٣٧٨

(لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) و : يا أشباه الرّجال ولا رجال ، فان قضية

______________________________________________________

لأن غيره مما لا يقبل الرفع ، ومن المعلوم أن الضرر المذكور مما يصح رفعه حقيقة برفع سببه وهو الحكم المؤدي إليه نظير رفع المؤاخذة وان حمل على الخبر اختص أيضا بذلك إما بقرينة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «في الإسلام» كما عرفته في رواية الصدوق وعن التذكرة ونهاية ابن الأثير وفي مجمع البحرين الّذي هو عين ما في النهاية ظاهرا إذ لا معنى لنفي الضرر في الإسلام إلا نفيه في القوانين الدينية فلا تعرض له للضرر الموضوعي ، وإما بقرينة موردها من رواية سمرة : وإما بقرينة كونه صادرا من الشارع ، وإما بقرينة خارجية إذ لا ريب في ثبوت الضرر الخارجي المتسبب عن أسبابه التكوينية فيختص النفي بغيره «وأما المعنى الثالث» فهو الّذي قد يظهر من المحكي عن الفاضل النوني ، وفيه أن التدارك الّذي أخذ عدمه قيداً في الضرر المنفي إن كان المراد به ما يكون برفع الحكم المؤدي إلى الضرر فهو راجع إلى المعنى الثاني ، وان كان المراد به شيئا آخر لا ينافي ثبوت الضرر فهو خلاف إطلاق نفي الضرر ، وكيف كان فلا يخلو عن تكلف «وأما المعنى الرابع» فهو راجع إلى الثاني غاية الأمر انه يخالفه في كيفية الاستعمال والأمر فيه سهل «وأما الخامس» فهو المحكي عن البدخشي واحتمله شيخنا الأعظم «ره» في رسائله بل ارتضاه بعض الأعيان من مشايخنا «قدس‌سره» على ما حكي عنه «فان قلت» لا ريب في أن (لا) الناهية مختصة بالفعل المضارع فكيف يصح الحكم بان (لا) في المقام ناهية مع انها داخلة على الاسم «قلت» : ليس المقصود انها ناهية باصطلاح النحاة بل المقصود انها مفيدة للنهي والزجر حيث أن الجملة المشتملة عليها مستعملة في نفي الضرر اخباراً أو إنشاء بداعي الزجر عنه «وفيه» ان حمل الكلام على ذلك انما يصح بعد تعذر حمله على نفي الحقيقة حقيقة الّذي عرفته فحمله عليه مع إمكانه حمل للكلام على خلاف ظاهره ولا سيما بقرينة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «في الإسلام» الّذي عرفت تذييله في المرسلات فتأمل جيداً والله سبحانه اعلم (١) (قوله لا صلاة لجار المسجد) كان المناسب التمثيل بمثل : لا صلاة إلّا بطهور ، إذ المقصود بالمثالين

٣٧٩

البلاغة في الكلام هو إرادة نفي الحقيقة ادعاء لا نفي الحكم أو الصفة كما لا يخفى ، ونفي الحقيقة ادعاء بلحاظ الحكم أو الصفة غير نفي أحدهما ابتداء مجازاً في التقدير أو في الكلمة مما لا يخفى على من له معرفة بالبلاغة. وقد انقدح بذلك بُعد إرادة نفي الحكم الضروري أو الضرر غير المتدارك أو إرادة النهي من النفي جداً. ضرورة بشاعة استعمال الضرر وإرادة خصوص سبب من أسبابه أو خصوص غير المتدارك منه ، ومثله لو أريد ذاك بنحو التقييد فانه وإن لم يكن ببعيد إلا أنه بلا دلالة عليه غير سديد وإرادة النهي من النفي وإن كان ليس بعزيز إلا أنه لم يعهد من مثل هذا التركيب وعدم إمكان إرادة نفي الحقيقة حقيقة لا يكاد يكون قرينة على إرادة واحد منها بعد إمكان حمله على نفيها ادعاء بل كان هو الغالب في موارد استعماله

______________________________________________________

المذكورين نفي الكمال لا نفي الآثار فتأمل (١) (قوله : هو إرادة نفي الحقيقة) لكن عرفت أن ذلك حيث يدور الأمر بينها لا ما إذا كان غيرها أظهر (٢) (قوله : بُعد إرادة) هو فاعل (انقدح) ، يشير بهذا إلى مختار الشيخ الأعظم قدس‌سره وغيره من بقية الأقوال (٣) (قوله : ضرورة بشاعة) تعليل للبعد ، يعني ان الضرر (تارة) ينشأ من الحكم (وأخرى) ينشأ من أسبابه التكوينية وإرادة خصوص الأول ليس عليها قرينة ، لكن قد عرفت القرينة عليه وهي عدم ارتفاع الثاني خارجا وعدم كونه مما يصلح للرفع الشرعي (٤) (قوله : ومثله لو أريد ذاك) الفرق بينه وبين ما قبله انه على الأول يكون المرفوع نفس الذوات الخاصة بلا ملاحظة تقييدها بالوصف ، وعلى الثاني تكون قد لوحظ تقييدها بالوصف (٥) (قوله : لم يعهد من مثل) قد عرفت إرادة النهي من النفي في قوله تعالى : «لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج» (٦) (قوله : وعدم إمكان إرادة) قد عرفت إمكان إرادة نفي الحقيقة حقيقة لو أريد خصوص الضرر الناشئ من الحكم الشرعي فليحمل عليه فانه أولى من حمله على النفي الادعائي مع احتياجه إلى تمحل (٧) (قوله : كان هو الغالب) مسلم لكن في غير أمثال هذا التركيب كأمثلة المتن ونحوها ، ولم يعهد في أمثاله الا في

٣٨٠