حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

مع عدم اعتباره في جزئيته وإلّا لم يكن من زيادته بل من نقصانه وذلك لاندراجه في الشك في دخل شيء فيه جزءا أو شرطا فيصح لو أتى به مع الزيادة عمداً تشريعاً أو جهلا قصوراً أو تقصيراً أو سهواً

______________________________________________________

والوجود الثاني في الأخيرتين ليس كذلك كما هو ظاهر. نعم هو في الأوليين كذلك إلا أن اعتبار عدم الزيادة في المركب انما يصح في الصورة الأولى دون الثانية لأن اعتباره في الجزء يمنع من اعتباره ثانياً في المركب للغويته كما هو ظاهر. ثم ان اعتبار العدم المذكور في المركب يوجب اعتبار عنوان المانعية للزيادة ، واما اعتباره شطرا فالظاهر امتناعه لأن العدم غير صالح للتأثير فيمتنع ان يكون جزءا من المؤثر وكأن ذكر المصنف (ره) له من باب الفرض والتقدير (١) (قوله : مع عدم اعتباره) هذا قيد لقوله : زيادة الجزء. يعني أن كون الزيادة من باب زيادة الجزء إذا لم يعتبر عدمها في الجزء وإلّا كانت من نقص الجزء لأن اعتبار العدم في الجزء يقتضي فوات الجزء بفوات شرطه فيكون وجود الجزء ثانيا موجبا لنقص الجزء لا زيادة الجزء ، لكن عرفت أن ذلك لا ينافي صدق زيادة الجزء على نفس الوجود وان كان موجبا لنقص الجزء أيضا ، كما أن اعتبار العدم في المركب موجب لكون الوجود زيادة للجزء ونقصا لعدمه أيضا فصدق الزيادة للجزء والنقص له حاصل في المقامين لكنه مختلف بالاعتبار (٢) (قوله : وذلك لاندراجه) تعليل لظهور حال الزيادة مما مر. يعني أن أخذ العدم شرطا أو شطراً في الواجب كأخذ الوجود شرطا أو شطرا فيه ، وكما أن الثاني يرجع فيه إلى الاحتياط العقلي لو لا البراءة الشرعية كذلك الأول لجريان جميع ما سبق من التقريبات فيه ، وعليه يترتب صحة المأتي به مشتملا على الزيادة وعدم لزوم الاحتياط بتركها سواء كان فعلها عن عمد تشريعا أم عن جهل قصورا أو تقصيراً أم عن سهو (٣) (قوله : تشريعا) يعني لو جاء بالزيادة بعنوان العبادة كما لو كان الواجب عبادة وإلّا فلا ملازمة بين العمد والتشريع (٤) (قوله : أو جهلا) يعني باعتقاد كون الزيادة واجبة فلا تشريع حينئذ

٣٤١

وان استقل العقل ـ لو لا النقل ـ بلزوم الاحتياط لقاعدة الاشتغال. نعم لو كان عبادة وأتى

______________________________________________________

سواء كان الجهل عن قصور أم تقصير (١) (قوله : وان استقل) متعلق بقوله : فيصح (٢) (قوله : بلزوم) متعلق ب (استقل) (٣) (قوله : نعم لو كان عبادة) شروع في تحقيق حال الإشكال في صحة المأتي به المشتمل على الزيادة لا من جهة احتمال قدح الزيادة بذاتها بل من جهة فقد التقرب المعتبر في صحة العبادة ، وهذا الإشكال يختص بالواجب العبادي دون التوصلي. وكأن وجه الإشكال : أن الفعل المشتمل على الزيادة ليس مأمورا به إذ الأمر إنما تعلق بما عدا الزيادة فالإتيان بالمجموع بداعي الأمر لا بد أن يكون بداعي امر تشريعي غير الأمر الواقعي ، فلا يكون الفعل طاعة لأمره فلا يصح بعد فرض اعتبار التقرب فيه لأن التقرب إنما يكون بالفعل عن داعي امره لا عن داعي امر غيره (وتوضيح) دفع الإشكال : ان الزيادة المأتي بها ـ حسبما أشار المصنف (ره) ـ تارة تكون عمدا تشريعا ، وأخرى جهلا أو سهواً ، فان كان الأول فالتشريع (تارة) يكون في نفس الأمر بذاته بان يلتزم بأمر تشريعي غير الأمر الواقعي قائم بالمجموع من الزيادة والمزيد فيه ويأتي بالزيادة بداعي هذا الأمر الملتزم به (وأخرى) في نفس الأمر بحده بان يلتزم بكون الأمر له سعة تشمل الزيادة بحيث يلتزم بمقدار من الوجوب الضمني قائم بالزيادة فيأتي بالزيادة بداعي هذا الوجوب الضمني الملتزم به «وثالثة» في نفس المأمور به بان يلتزم أن الواجب يشتمل على الزيادة تشريعا بلا تصرف في الأمر أصلا ، «ورابعة» بأن يلتزم بانطباق الخالي على ما يشمل الزيادة فلا تصرف في الأمر ولا في المأمور به ولكن في تطبيق المأمور به على المشتمل على الجزء ، فيلتزم بأنه هو نظير الاستعارة على مذهب السكاكي ، ولا ينبغي التأمل في البطلان لو كان التشريع على الصورة الأولى لما ذكر المستشكل في تقرير الإشكال ، أما لو كان على الصورة الثانية فالبطلان إنما يكون لو كان الإتيان بالاجزاء الواقعية عن أوامرها الضمنية مقيدا بدخول الزيادة في موضوع الأمر ، بأن يكون تأثير تلك الأوامر في إيجاد متعلقاتها منوطا بانضمام

٣٤٢

به كذلك على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو إليه وجوبه لكان باطلا مطلقا أو في صورة عدم دخله فيه لعدم تصور الامتثال في هذه الصورة مع استقلال العقل بلزوم الإعادة مع اشتباه الحال لقاعدة الاشتغال وأما لو أتى به على نحو يدعوه إليه على أي حال كان صحيحاً ولو كان مشرعاً في دخله الزائد فيه

______________________________________________________

الزيادة إليها في موضوعيتها للأمر ، فان ذلك يوجب تحقق التقرب المعتبر في العبادة منوطا بالأمر الضمني المذكور فإذا لم يكن للأمر الضمني المذكور وجود واقعي لم يحصل التقرب ، اما لو لم يكن تأثير تلك الأوامر منوطا في نظر المكلف بذلك بل كان بعثها له مطلقا فلا موجب لفقد التقرب ، بل هو حاصل كما هو ظاهر لدى التأمل واما لو كان التشريع على النحوين الأخيرين فلا موجب للبطلان لصدور تلك الاجزاء عن امرها وهو عين التقرب المعتبر في العبادة ، وان كان الثاني فحيث عرفت أنه لا تشريع أصلا غاية الأمر أن المكلف اعتقد الأمر بالزيادة فجاء بها فيبتني البطلان على كون الإتيان بالاجزاء عن أوامرها الضمنية كان بنحو التقييد أو مطلقا كما في الصورة الثانية المتقدمة ، فان كان بنحو التقييد لم يحصل التقرب المعتبر وإلّا فهو حاصل كما عرفت فلا وجه لدعوى البطلان بدعوى فقد التقرب بفعل الزيادة مطلقا. فلاحظ وتأمل (١) (قوله : به كذلك) يعني عمدا تشريعا (٢) (قوله : على نحو لو لم) إشارة إلى صورة التقييد (٣) (قوله : باطلا مطلقا) يعني حتى في صورة الدخل واقعا ، لكنه لا وجه له لتحقق داعوية الأمر الواقعي حينئذ ، إلا أن يدعى ان التقييد تحكم من العبد ينافي مقام عبوديته «وفيه» انه ممنوع (٤) (قوله : لعدم تصور) وذلك لعدم كون الأمر الواقعي على ما هو عليه داعيا للمكلف إلى الفعل (٥) (قوله : في هذه الصورة) أي صورة عدم الدخل واقعا (٦) (قوله : مع اشتباه الحال) يعني إذا لم يعلم الدخل واقعا وعدمه. ووجه حكم العقل بالإعادة حينئذ الشك في تحقق الامتثال والتقرب الّذي هو شرط في صحة العبادة (٧) (قوله : على نحو يدعوه إليه) يعني لم تكن داعوية الأمر مشروطة بدخل الزيادة في الموضوع بل كانت

٣٤٣

بنحو مع عدم علمه بدخله فان تشريعه في تطبيق المأتي مع المأمور به وهو لا ينافي قصده الامتثال والتقرب به على كل حال ثم. انه ربما تمسك لصحة ما أتى به مع الزيادة باستصحاب الصحة وهو لا يخلو من كلام ونقض وإبرام خارج عما هو المهم في المقام ويأتي تحقيقه في مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى

______________________________________________________

في جميع الأحوال (١) (قوله : بنحو مع عدم) إذ لو كان مع إدخاله الزائد عن اعتقاد دخله لم يكن تشريعا ولو كان خطأ (٢) (قوله : فان تشريعه في تطبيق) يعني لا في ذات الأمر حتى لا تكون الإطاعة للأمر الواقعي ، وقد عرفت إمكان كون التشريع على نحو آخر في غير التطبيق (٣) (قوله : باستصحاب الصحة) الصحة المستصحبة (تارة) يراد بها موافقة الجزء السابق للأمر (وأخرى) كونه بحيث لو انضم إليه بقية الاجزاء لالتأم منه الكل (وثالثة) كونه معتدا به في حصول الكل (ورابعة) كونه باقيا على ما هو له من الأثر فان الجزء لما كان جزءاً من الواجب الّذي يترتب عليه الأثر كان مما يترتب عليه بعض الأثر لكونه بعض المؤثر (وخامسة) بمعنى تنجز الوجوب بالجزء اللاحق ، حسبما ذكره بعض الأعيان في حاشيته على الرسائل حيث قال (ره) : إن الأمر بالاجزاء اللاحقة في مثل الصلاة وغيرها من العبادات إنما يتنجز بعد الفراغ عن الجزء السابق ، فوجوبها قبل الإتيان بالجزء السابق تعليقي وبعد الامتثال بكل جزء يتنجز الأمر بما بعده ، فمتى شك في طروء في الأثناء يشك المانع في ارتفاع الطلب التنجيزي عن الجزء اللاحق فيستصحب ... إلخ (فان أريد) الأول فلا مجال لاستصحابها لليقين ببقائها حتى مع القطع بطروء المفسد (وان أريد) الثاني فكذلك لليقين بالشرطية المذكورة ، غاية الأمر أن المفسد الطارئ مانع عن الانضمام. وان أريد من الانضمام مطلق الانضمام الخارجي فإحرازه لا يجدي في سقوط الأمر كما لو أحرز اجتماع تمام اجزاء الواجب مقرونة بطروء المفسد (وان أريد) الثالث فلا يجدي استصحابها في عدم مانعية الطارئ ولا في الاعتداد بالاجزاء اللاحقة ، إذ هو على تقدير

٣٤٤

مانعيته مانع من الاعتداد بالاجزاء اللاحقة كالسابقة على نسق واحد ، لأن الوجه في اقتضاء الطارئ عدم الاعتداد بالاجزاء السابقة أخذ عدمه قيدا في المركب ، والمركب عبارة عن تمام الاجزاء فوجوده مانع من الاعتداد بالجميع. فتأمل (وان أريد) الرابع ففيه أنه إنما يصح الاستصحاب لو كان الطارئ المحتمل القدح على تقدير قدحه رافعا لأثر الاجزاء السابقة ، أما لو كان مانعا من ترتب الأثر عليها أو رافعا لأثر الاجزاء اللاحقة ، فلا مجال له للشك في ثبوت الأثر من أول الأمر ، وليس الشك في بقائه ، مع أنه لو فرض كونه على تقدير قدحه رافعا لأثر الاجزاء السابقة لا غير ، فالشك في بقاء الاجزاء السابقة لما كان ملازما للشك في ترتب الأثر على الاجزاء اللاحقة لتلازم الاجزاء في مقام التأثير ، ولذا كان وجوبها ارتباطياً ، فاستصحاب بقاء الأثر المترتب على الاجزاء السابقة لا يوجب العلم بترتب الأثر على الاجزاء اللاحقة واقعاً كما هو ظاهر ، ولا تعبداً إلّا بناء على القول بالأصل المثبت. فتأمل جيداً (وان أريد) الخامس ففيه أن اجزاء الواجب الارتباطي لما كانت وجوباتها الضمنية متلازمة في مقام الثبوت والسقوط لتلازم الغرض المقصود منها كان سقوط الوجوب القائم بأول الاجزاء بمجرد فعله ملازما لسقوط الوجوب القائم بآخرها في ظرفه ، وحينئذ فطروء محتمل القادحية في الأثناء يوجب الشك في سقوط الوجوب القائم بالاجزاء السابقة من أول الأمر لا أن الوجوب القائم بها يسقط واقعا وبعروض القادح يثبت بعد السقوط ، إذ هو ظاهر المنع ، وإنما يحكم بسقوط الوجوب بفعل بعض الاجزاء جريا على ظاهر الحال أو غيره ، وإلا فمن أول الأمر يشك في السقوط للشك في لحوق بقية الاجزاء على الوجه المعتبر إذ على تقدير عدم لحوقها واقعا لا سقوط من أول الأمر لا أنها تسقط ثم تثبت كما توهم ، بل التزم بعض الأساطين بعدم سقوط الوجوب القائم بالاجزاء السابقة الا بعد فعل تمام الاجزاء اللاحقة فتسقط جميعها في آن واحد ، لكن التحقيق ما عرفت وان الوجوب الضمني القائم بكل جزء يسقط بمجرد فعل الجزء لكن منوطا بسقوط الأمر بعده بفعله في ظرفه. فلاحظ (ثم إن) هنا

٣٤٥

معنى آخر للصحة وهو القابلية بناء على أن شأن المانع رفع القابلية سواء كان المراد من القابلية قابلية الاجزاء السابقة للحوق الاجزاء اللاحقة بها أم قابلية الاجزاء اللاحقة للالتحاق بالسابقة أم قابليتهما ، وحينئذ فإذا شك في مانعية الطارئ فقد شك في بقاء القابلية فيستصحب. هذا ولا يخفى ان استصحاب القابلية لا يصلح لإثبات الفعلية فلا محرز لفعلية الالتحاق التي هي موضوع سقوط الأمر (فان قلت) ترتب سقوط الأمر على وجود المأمور به ليس ترتبا شرعيا فان سقوط الأمر من اللوازم العقلية لوجود المأمور به ، فإثبات فعلية الالتحاق لا يجدي في إثبات سقوط الأمر (قلت) : قد عرفت فيما سبق من مباحث العلم الإجمالي أن للشارع الأقدس التصرف في مقام الفراغ بجعل البدل بلسان ثبوت موضوع التكليف كما في جميع القواعد التي تعمل في مقام الفراغ مثل قاعدتي التجاوز والفراغ ، والاستصحاب المثبت لاجزاء الواجب وشرائطه : مثل استصحاب الطهارة من الحدث الّذي هو مورد صحيح زرارة المستدل به على حجية الاستصحاب ، والسقوط وان كان من الأحكام العقلية لوجود المأمور به إلا أن أدلة الأصول المذكورة ترجع في الحقيقة إلى توسعة موضوع الحكم الواقعي بنحو يشمل مجاريها ظاهراً ، ولازم ذلك سقوط الحكم بوجود الموضوع المصطنع بالأصل ، وكما ان توسعة الموضوع واقعا امر شرعي كذلك توسعته ظاهراً ، فإذاً العمدة في سقوط مثل استصحاب القابلية كونه ليس أصلا موسعا للموضوع بنحو يكون مجديا في ترتب السقوط. فلاحظ وتأمل (وهناك) معنى آخر لاستصحاب الصحة وهو استصحاب نفس الشرط والجزء المعتبر في الواجب كما لو شك في ناقضية المذي للطهارة المعتبرة شرطا في الصلاة أو قاطعية الصفق للهيئة الاتصالية المعتبرة جزءاً مثلا فيها ، فانه بطروء المذي والصفق يستصحب كل من الطهارة والهيئة الاتصالية ، ولا ينبغي الإشكال في صحة الاستصحاب المذكور. نعم يمكن الإشكال في عدم الدليل على اعتبار الهيئة الاتصالية في الصلاة حتى تستصحب مع الشك في طروء محتمل القاطعية وان ادعاه شيخنا المرتضى ـ أعلى الله تعالى مقامه ـ لحكم الشارع على بعض الأشياء بكونه قاطعا أو ناقضا فان الحكم

٣٤٦

(الرابع) أنه لو علم بجزئية شيء أو شرطيته في الجملة ودار الأمر بين أن يكون جزءاً أو شرطا مطلقا ولو في حال العجز عنه وبين ان يكون جزءاً أو شرطا في خصوص حال التمكن منه فيسقط الأمر بالعجز عنه على الأول لعدم القدرة حينئذ على المأمور به لا على الثاني فيبقى معلقا بالباقي ولم يكن هناك ما يعين أحد الأمرين من إطلاق دليل اعتباره جزءاً أو شرطا أو إطلاق دليل المأمور به مع إجمال دليل اعتباره أو إهماله لاستقل العقل بالبراءة عن الباقي فان العقاب على تركه بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان (لا يقال) : نعم ولكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية أو الشرطية إلا في حال التمكن منه

______________________________________________________

بذلك أعم عرفا مما ادعاه ، إذ المفهوم عرفا من ذلك كون الشيء مانعا من انضمام الاجزاء اللاحقة إلى الاجزاء السابقة على نحو يلتئم منها الكل ويترتب عليه الغرض والله سبحانه اعلم (١) (قوله : ولو في حال العجز) بيان لوجه الإطلاق (٢) (قوله : ولم يكن هناك) معطوف على قوله : علم بجزئيته (٣) (قوله : من إطلاق دليل) يعني فتتعين جزئيته في حال العجز فيترتب على ذلك السقوط حاله لعدم القدرة ، إلا أن ترفع اليد عن إطلاق دليل اعتباره جزءاً أو شرطاً بحديث رفع الاضطرار ويكون الحال كما لو لم يكن له إطلاق فيرجع إلى إطلاق دليل المأمور به ـ لو كان ـ فيثبت وجوب الباقي ، وان لم يكن فإلى أصالة البراءة عقلا ونقلا عنه ، لكن رفع اليد عن إطلاق دليل الجزء أو الشرط بحديث رفع الاضطرار مشكل لأنه امتناني فلا يجري إذا لزم من جريانه خلاف الامتنان ووجوب الباقي خلاف الامتنان ، وسيأتي نظيره في كلام المصنف (ره) (٤) (قوله : أو إطلاق دليل) يعني فيتعين عدم جزئيته أو شرطيته ، ولازمه وجوب الباقي حال العجز عن التمام لعدم المانع (٥) (قوله : لاستقل العقل) جواب (لو) في قوله : لو علم بجزئية شيء ... إلخ (٦) (قوله : ولكن قضية مثل حديث) المراد من حديث الرفع (رفع ما لا يعلمون) لكون البحث عن حكم الشك كما تقدم مثله في النسيان. وحاصل

٣٤٧

(فانه يقال) : إنه لا مجال هاهنا لمثله بداهة انه ورد في مقام الامتنان فيختص بما يوجب نفي التكليف لا إثباته (نعم) ربما يقال بان قضية الاستصحاب في بعض الصور وجوب الباقي في حال التعذر أيضاً ولكنه لا يكاد يصح إلا بناء على صحة القسم الثالث من استصحاب الكلي

______________________________________________________

الإشكال : ان الشك في وجوب الباقي ناشئ عن الشك في اعتبار المقدار المتعذر فإذا رفع اعتباره بحديث الرفع ثبت وجوب الباقي كما ثبت به وجوب الناقص في صورة النسيان حسب ما تقدم (١) (قوله : لا مجال هاهنا) يعني يفترق المقام عن النسيان بأن إجراء الحديث في المقام حال التعذر فيترتب عليه وجوب فعل الباقي فيكون الحديث موجبا لكلفة المكلف وهي خلاف الامتنان ، وليس كذلك في النسيان لأن إجراءه فيه بعد الالتفات فيترتب عليه نفي وجوب الإعادة ، وفي ذلك كمال الامتنان ، واما فعل الناسي للناقص فليس مستنداً إلى إجراء الحديث بوجه كما هو ظاهر. هذا ولكن عرفت امتناع إجراء الحديث في نظائر المقام ولو لم يكن امتنانيا لأن رفع الجزئية والشرطية المشكوكة لا يقتضي بنفسه ثبوت الباقي ، لأن الحديث مسوق للرفع وليس فيه شائبة الإثبات ، مع أن رفع التكليف فيه لا معنى له لارتفاعه عقلا بالتعذر ، ورفع مباديه ـ مثل الدخل في الغرض ـ غير ممكن لأنها لا تقبل الوضع والرفع التشريعيين بعد ما كانت واقعية ناشئة من مقتضياتها الذاتيّة ، وهكذا الحال في النسيان أيضا (فان قلت) : فما معنى رفع الخطأ والنسيان والاضطرار في حديث الرفع (قلت) : لا بد أن يحمل على رفع المؤاخذة في مورد لا يحكم العقل برفعها كما لو كان الخطأ أو نحوه عن تقصير في المقدمات فيكون في الحقيقة رفعا لوجوب التحفظ المؤدي إلى المؤاخذة ، كما أشار إلى ذلك شيخنا الأعظم (قدس‌سره) في رسائله (٢) (قوله : نعم ربما يقال بان) هذا استدراك على قوله : لاستقل العقل بالبراءة ... إلخ ، فان حكم العقل بالبراءة عن الباقي انما يكون إذا لم يكن حجة على وجوبه واستصحاب وجوبه حجة عليه فهو مقدم على

٣٤٨

البراءة ، وللاستصحاب في المقام وجوه (الأول) استصحاب كلي الوجوب القائم بالباقي الجامع بين الوجوب النفسيّ والغيري فان الباقي في ظرف إمكان التام واجب لغيره وبعد تعذره يحتمل وجوبه لنفسه فيستصحب كلي الوجوب مع الغض عن خصوصيتي الغيرية والنفسيّة (الثاني) استصحاب الوجوب النفسيّ له بدعوى اتحاده مع التام عرفا فيقال مثلا : كانت الصلاة واجبة وبعد تعذر جزء أو شرط لها باقية على وجوبها (الثالث) استصحاب الوجوب النفسيّ القائم بالباقي بناء على وجوب الاجزاء بالوجوب النفسيّ غاية الأمر أن الوجوب المتيقن كان ضمنيا موجودا بحد الوجوب للتام والمشكوك استقلاليا موجودا بحد نفسه واختلاف الحدود لا يوجب تعدد وجود المحدود. هذه عمدة الوجوه التي تذكر في المقام (وأورد) المصنف (ره) على الأول بأنه من القسم الثالث من استصحاب الكلي حيث ان المتيقن من وجود الكلي كان في ضمن فرد معلوم الزوال والمشكوك في ضمن فرد مشكوك الحدوث ، ومثله لا يصح كما سيأتي (ويمكن) ان يخدش بأن صفتي النفسيّة والغيرية من الجهات التعليلية التي لا يوجب اختلافها تعدد الوجوب فلو كان الباقي واجبا لنفسه كان وجوبه كذلك بقاء لوجوبه لغيره سابقا ، غاية الأمر أن حدوثه لملاك وبقاءه لملاك آخر ، بل المحتمل أن يكون ملاك الوجوب النفسيّ فيه حاصلا من أول الأمر فيكون حدوث وجوبه لملاكين وبقاؤه لبقاء أحدهما ، فأين هو من القسم الثالث بل هو من القسم الأول. نعم يمكن الخدش فيه (أولا) بأنه مبني على وجوب الجزء لغيره وقد عرفت انه خلاف التحقيق لكنه إشكال في المبنى (وثانيا) بان استصحاب الوجوب بشخصه لا ينفع في حكم العقل بوجوب موافقته ما لم يحرز انه بملاك لنفسه لا لغيره بناء على عدم وجوب موافقة الوجوب الغيري ، وإحراز ذلك موقوف على القول بالأصل المثبت فتأمل (وأورد) المصنف (ره) على الثاني بأنه موقوف على المسامحة في موضوع الاستصحاب وهو محل الكلام لكن المختار للمصنف (ره) جواز المسامحة فيه إذا كان يصدق عرفا أن الشك في البقاء وان كان انما ينفع في المقام لو كان المتعذر مقداراً لا يمنع من الاتحاد عرفا دون ما لو

٣٤٩

أو على المسامحة في تعيين الموضوع في الاستصحاب وكان ما تعذر مما تعذر مما يسامح به عرفا بحيث يصدق مع تعذره بقاء الوجوب لو قيل بوجوب الباقي وارتفاعه لو قيل بعدم وجوبه ويأتي تحقيق الكلام فيه في غير المقام. كما ان وجوب الباقي في الجملة ربما قيل بكونه مقتضى ما يستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) وقوله : «الميسور لا يسقط بالمعسور» «وقوله : «ما لا يُدرك كله لا يُترك كله» ودلالة الأول مبنية على كون كلمة (من) تبعيضية لا بيانية ولا بمعنى الباء وظهورها في التبعيض وإن كان مما لا يكاد يخفى إلّا أن كونه بحسب الأجزاء غير واضح

______________________________________________________

كان بحيث يمنع منه عرفا (واما الوجه الثالث) فلا مجال للإشكال عليه حتى لو قيل بأن تعدد الملاك يوجب تعدد ذي الملاك عرفا وان لم يوجبه عقلا ودقة إذ من المحتمل ـ كما عرفت ـ بقاء الوجوب لبقاء ملاكه قبل التعذر غاية الأمر أن حدوثه لملاكين وبقاءه لأحدهما ، وليس هو من تعدد الملاك الموجب لتعدد وجود ذيه. فلاحظ وتأمل (١) (قوله : أو على المسامحة في) هذا الترديد لاختلاف وجه تقريب الاستصحاب كما عرفت (٢) (قوله : في غير المقام) يعني في آخر الاستصحاب.

(قاعدة الميسور)

(٣) (قوله : كلمة من تبعيضية لا بيانية) يحتمل في كلمة (من) ان تكون تبعيضية وهي التي يصح قيام كلمة بعض مقامها ، نحو قوله تعالى : (منهم من كلم الله) وان تكون بيانية وهي التي يكون مدخولها جنسا نحو قوله تعالى : (أساور من ذهب وثيابا خضراً من سندس وإستبرق) وأما كونها بمعنى الباء فلم ينقل عن أحد الا عن يونس مستشهداً عليه بقوله تعالى : (ينظرون إليك من طرف خفي) وأنكره غيره وادعى انها في الآية للابتداء ، لكن لو سلم فليس

٣٥٠

لاحتمال أن يكون بلحاظ الافراد ولو سلم فلا محيص عن انه هاهنا

______________________________________________________

منه المقام ، وكأن الوجه في احتماله : أن الإتيان يتعدى بالباء إلى المأتي به نحو قوله تعالى : (ومن يغلل يأت بما غل) ، وقوله تعالى : (إلا أن يأتين بفاحشة) وبنفسه إلى المأتي نحو قوله تعالى : (واللاتي يأتين الفاحشة) وتقول : جئتك بزيد وجئت زيداً بالمال ، فيحتمل كونه هنا متعديا ب (من) إلى المأتي به على أنها بمعنى الباء ، وهو توهم ظاهر إذ لم تذكر التعدية من معاني (من) ولا ذكر معنى الباء من معانيها الا يونس على ـ ما حكي عنه ـ وليس مراده باء التعدية ـ كما هو ظاهر ـ فالتردد ينبغي أن يكون بين المعنيين الأولين. فتأمل. والاستدلال يتوقف على كونها للأول إذ لو حملت على الثاني كانت دالة على وجوب التكرار وهو غير المقصود بالاستدلال بها كما هو ظاهر (١) (قوله : لاحتمال ان يكون) يعني أن حملها على التبعيض إنما ينفع في الاستدلال لو حمل الشيء على الكل ذي الاجزاء أما لو حمل على العام ذي الافراد كانت من التبعيض في الافراد وهو غير محل الكلام. والتحقيق : أن كلمة شيء ظاهرة في الأمر الواحد فان جعل بمعنى الجنس كانت (من) بيانية ، وان جعل بمعنى الكل كانت تبعيضية ، والعام ذو الافراد المتكثرة إن لوحظت افراده لحاظ اجزاء الكل كان داخلا في الكل غايته يكون من الاجزاء ماهية ، وإلا امتنع حمل الشيء عليه لأنه ليس شيئا واحدا كما هو ظاهر ، وعليه فإذا كان الظاهر هو التبعيض صح الاستدلال ، ولا مجال للإشكال بالإجمال لاحتمال كون الحكم بلحاظ الافراد لأنها إن لوحظت على وجه تكون كلا فهي داخلة في إطلاق الرواية ، وعلى وجه آخر تكون كثيرا فهي خارجة عنها بالمرة ، فالعمدة حينئذ إثبات ظهور (من) في التبعيض ، ويبعده أنها لو حملت على التبعيض فاما ان تتعلق بما استطعتم بجعل (ما) موصولة أو موصوفة ، وهو خلاف الظاهر ، أو بالإتيان بجعل ما مصدرية ، وهو كذلك ، بل لا معنى له ، أو به بجعل (ما) موصولة أو موصوفة بدلا من (منه) ، فهو كذلك أيضا فيتعين تعلقها

٣٥١

بهذا اللحاظ يراد حيث ورد جواباً عن السؤال عن تكرار الحج بعد أمره به فقد روي أنه خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «إن الله كتب عليكم الحج ، فقام عكاشة ـ ويروى سراقة بن مالك ـ فقال : في كل عام يا رسول الله فأعرض عنه حتى أعاد مرتين أو ثلاثا فقال : ويحك وما يؤمنك أن أقول : نعم ، والله لو قلت : نعم ، لوجب ولو وجب ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتكم وإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، ومن ذلك ظهر الإشكال في دلالة الثاني أيضا حيث لم يظهر في عدم سقوط الميسور من الأجزاء بمعسورها لاحتمال إرادة عدم سقوط الميسور من أفراد العام بالمعسور منها. هذا مضافا إلى عدم دلالته على عدم السقوط لزوماً لعدم اختصاصه بالواجب ولا مجال معه

______________________________________________________

بالإتيان وجعل (ما) مصدرية وكونها بيانية. فتأمل جيداً (١) (قوله : بهذا اللحاظ يراد) يعني بلحاظ الافراد (٢) (قوله : حيث ورد جواباً) مقتضى ذلك كونها بيانية لا تبعيضية بلحاظ الافراد. فتأمل ، والمراد من الاستطاعة العرفية كما هو المراد منها من قوله : ولو وجب ما استطعتم ، بقرينة قوله : ولو تركتم ... إلخ (٣) (قوله : لاحتمال إرادة عدم) إن كان المراد احتمال عدم سقوط الميسور من الافراد دون الاجزاء فلا وجه له لأنه خلاف الإطلاق ، وان كان المراد احتمال إرادة ذلك مع إرادة عدم السقوط في الاجزاء فهو متعين لكونه مقتضى الإطلاق كما عرفت ولا يمنع من الاستدلال. وبالجملة : المفهوم أن كل ميسور مطلقا لا يسقط بالمعسور إلا أنه لما كان واردا مورد توهم السقوط اختص بالواجبات الضمنية سواء كانت افراداً لكلي أم اجزاء لكل لما عرفت من رجوع الأولى إلى الثانية ، ويخرج منه الواجبات الاستقلالية حيث لا مجال لتوهم السقوط فيها (٤) (قوله : مضافا إلى عدم دلالته) يعني ان قوله : الميسور لا يسقط ، يتعذر حمله على الوجوب لأنه

٣٥٢

لتوهم دلالته على انه بنحو اللزوم إلا أن يكون المراد عدم سقوطه بما له من الحكم وجوبا كان أو ندبا بسبب سقوطه عن المعسور بان يكون قضية الميسور كناية عن عدم سقوطه بحكمه حيث ان الظاهر من مثله هو ذلك ، كما أن الظاهر من مثل «لا ضرر ولا ضرار» هو نفي ما له من تكليف أو وضع لا أنها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه وبقائه على عهدة المكلف كي لا يكون له دلالة على جريان القاعدة في المستحبات على وجه أولا يكون له دلالة على وجوب الميسور في الواجبات على آخر فافهم (وأما الثالث) فبعد تسليم ظهور كون الكل في المجموعي لا الأفرادي لا دلالة له إلا على

______________________________________________________

يلزم منه خروج المستحبات إذا تعذر بعض اجزائها ، إذ لا ريب في عدم وجوب الباقي فيها فيدور الأمر بين تخصيصه بالواجبات وبين حمله على الثبوت ولو بنحو الاستحباب ، والثاني أولى لأنه أظهر ، وعليه فلا تدل على وجوب الباقي (١) (قوله : إلّا ان يكون المراد) هذا استدراك على الإشكال ودفع له ، وحاصله : ان المراد من عدم السقوط ليس مجرد المطلوبية حتى يرد الإشكال ، بل عدم سقوط حكم الميسور ، وحينئذ تقتضي في الواجبات وجوب الباقي ، وفي المستحبات استحبابه فيتم المطلوب ، والوجه في هذا المعنى : تعارف التعبير عن مقام ثبوت الحكم أو نفيه بثبوت موضوعه أو نفيه كما في (لا ضرر) بناء على ما سيأتي من كون المراد نفي الحكم الثابت للموضوع الضرري (٢) (قوله : على وجه) وهو حمل عدم السقوط على اللزوم (٣) (قوله : على آخر) وهو حمله على الثبوت في الجملة (٤) (قوله : فافهم) يمكن أن يكون إشارة إلى أن حمل عدم السقوط على البقاء في العهدة يلزم منه خروج المستحبات جزما إذ لا عهدة لها وانما تكون العهدة للواجبات فقط. هذا ولعل الأولى الجمود على ظاهر نسبة السقوط إلى نفس الميسور وحمله على إرادة عدم السقوط عن مقام التشريع وجوبا كان أو استحبابا (٥) (قوله : فبعد تسليم ظهور) قد عرفت الكلام فيه فيما سبق (٦) (قوله : لا دلالة له الا على) إلا أن يحمل على معنى لا يسقط ـ كما هو غير بعيد ـ فيكون

٣٥٣

رجحان الإتيان بباقي الفعل المأمور به واجباً كان أو مستحباً عند تعذر بعض أجزائه لظهور الموصول فيما يعمهما وليس ظهور (لا يترك) في الوجوب لو سلم موجباً لتخصيصه بالواجب لو لم يكن ظهوره في الأعم قرينة على إرادة خصوص الكراهة أو مطلق المرجوحية من النفي ، وكيف كان فليس ظاهراً في اللزوم هاهنا ولو قيل بظهوره فيه في غير المقام «ثم» إنه حيث كان الملاك

______________________________________________________

المراد منه عدم الارتباط الاجزاء في المصلحة عند تعذر بعضها فلاحظ (١) (قوله : لو سلم إشارة إلى الإشكال في ثبوت ظهور الجملة الخبرية في الوجوب إلا ان تكون «لا» ناهية لا نافية (٢) (قوله : ظهوره) الضمير راجع إلى الموصول ، ثم إن ما ذكره من تعارض ظاهري الحكم والموضوع جار في كثير من العمومات المخصصة التي بنوا فيها على التخصيص بالتصرف في الموضوع فتأمل (٣) (قوله : ثم انه حيث كان الملاك) من الواضح أن لفظ الميسور كسائر الألفاظ الواقعة في الكتاب والسنة يرجع في تشخيص مفهومها إلى العرف ، فإذا أخذ المفهوم منه يرجع في تشخيص مصداقه إلى العقل ولا اعتبار بتطبيق العرف ذلك المفهوم وعدمه أصلا إذ مهما طبق العقل ذلك المفهوم على مصداق حصل عنده صغرى وجدانية فيضمها إلى الكبرى الشرعية المستفادة من دليل القاعدة ، ويستنتج منهما النتيجة ، وان توقف العرف في التطبيق ، ومهما توقف العقل عن التطبيق امتنع عنده الاستنتاج وان تم التطبيق عند العرف إذ تطبيق العرف وعدمه مع الخطأ لا اعتبار به وعليه فإذا رجعنا إلى العرف لتشخيص مفهوم الميسور فوجدناه عندهم عبارة عن بعض مراتب ما اشتمل على المعسور امتنع انطباقه على المباين ، ولازمه عدم وجوب الفاقد للشرط إذا كان الواجب هو الواجد له وقد تعذر ذلك الشرط لأن الفاقد ليس من مراتب الواجد بل مباين له فلا يكون ميسورا منه وان كان العرف يعد الفاقد ميسوراً للواجد كان اللازم الحكم بوجوب الواحد من العشرة إذا كان الواجب هو العشرة وقد تعذر منها تسعة لكون الواحد بعض مراتب العشرة فيكون ميسوراً

٣٥٤

في قاعدة الميسور هو صدق الميسور على الباقي عرفاً كانت القاعدة جارية مع تعذر الشرط أيضاً لصدقه حقيقة عليه مع تعذره عرفاً كصدقه عليه كذلك مع تعذر الجزء في الجملة وان كان فاقد الشرط مبايناً للواجد عقلا ، ولأجل ذلك ربما لا يكون الباقي الفاقد لمعظم الأجزاء أو لركنها مورداً لها فيما إذا لم يصدق عليه الميسور عرفا وان كان غير مباين للواجد عقلا (نعم) ربما يلحق به شرعاً ما لا يعد بميسور عرفا

______________________________________________________

لها واقعاً وان كان العرف لا يعدها ميسورا نعم ربما يكون خطأ العرف ممضى في نظر الشارع بتوسط مقدمات الإطلاق المقامي الجارية في كل ما يغفل عنه غالباً كما تقدم غير مرة فيكون تطبيق العرف وعدمه حينئذ حجة أيضا وعليه جرى المصنف (ره) في كلامه في المقام فلاحظ (١) (قوله : الشرط أيضا) يعنى كما تجري مع تعذر الجزء (٢) (قوله : عليه مع تعذره عرفا) ضمير «عليه» راجع إلى الباقي وضمير «تعذره» إلى الشرط وقوله «عرفا» قيد لصدقه (٣) (قوله : عليه كذلك) يعني عرفا (٤) (قوله : الجزء في الجملة) لا مطلقا كما سيأتي (٥) (قوله : عقلا) قيد لقوله : (مباينا) (٦) (قوله : وان كان غير مباين) بل كان بعض مراتبه لكن خفاء ذلك أوجب عدم عده ميسوراً عرفا (٧) (قوله : بتخطئته للعرف) من الواضح ان إطلاق الميسور (تارة) يكون بلحاظ الحكم الوجوبيّ أو الاستحبابي (وأخرى) بلحاظ الغرض الباعث على الحكم (فان) كان بلحاظ الأول فلا مجال لتخطئة العرف في تطبيقه وعدمه الا في مثل ما سبق بأن يقوم الدليل على أن الفاقد للشرط مثلا ليس ميسورا للواجد له وان كان وافياً بمعظم الغرض أو على أن الواحد ميسور للعشرة وان لم يكن وافياً إلّا بمقدار يسير من الغرض فان الدليل المذكور يكون تخطئة للعرف في تطبيقهم الميسور في الأول وعدمه في الثاني ، ولا دخل للقيام بمعظم الغرض وعدمه في التخطئة ، وان كان بلحاظ الغرض كان المعيار في صدق الميسور كون بعض الواجب وافياً بمقدار من الغرض ، فإذا صدق الميسور عرفا على

٣٥٥

بتخطئته للعرف وان عدم العد كان لعدم الاطلاع على ما هو عليه الفاقد من قيامه في هذا الحال بتمام ما قام عليه الواجد أو بمعظمه في غير الحال وإلا عد أنه ميسوره كما ربما يقوم الدليل على سقوط ميسور عرفي لذلك أي للتخطئة وانه لا يقوم بشيء من ذلك «وبالجملة» ما لم يكن دليل على الإخراج أو الإلحاق كان المرجع هو الإطلاق ويستكشف منه أن الباقي قائم بما يكون المأمور به قائما بتمامه أو بمقدار يوجب إيجابه في الواجب واستحبابه في المستحب وإذا قام دليل على أحدهما فيخرج أو يدرج تخطئة أو تخصيصاً

______________________________________________________

شيء لاعتقادهم وفاءه بمرتبة من الغرض أو لم يصدق عليه لاعتقادهم عدم وفائه بذلك جاز تخطئتهم إذا كان الواقع على خلاف اعتقادهم ، ولا دخل لقلة الاجزاء وكثرتها في ذلك ، فيتوقف الحكم بالتخطئة حينئذ على أمور (الأول) كون القاعدة بلحاظ الغرض (الثاني) حصول الاعتقاد الخطئي عند العرف (الثالث) تعرض الدليل للتخطئة إذ لو دل على وجوب بعض الاجزاء عند تعذر الباقي لغرض أجنبي عن الغرض القائم بالتام لم يكن ذلك تخطئة للعرف في شيء أصلا ، والأولان في نهاية من المنع إذ ليس دليل القاعدة ناظراً إلى مقام الوفاء بالغرض ، وليس للعرف اعتقاد به إذ ليس لهم اطلاع على مقام الأغراض كما لا يخفى ، ومن هنا يظهر لك الإشكال فيما يظهر من كلام المصنف (ره) كما سنشير إليه أيضا (١) (قوله : بتخطئته للعرف) الضمير راجع إلى الشرع (٢) (قوله : وإلا عد أنه) يعني وان كان العرف له الاطلاع على وفائه بالغرض عده ميسوراً لكن عرفت أنه ممنوع فإذا الدليل لا يقتضي إلّا الإلحاق بلا تخطئة (٣) (قوله : لذلك أي للتخطئة) بل هو ممنوع فليس الدليل الا مخصصا بحتاً (٤) (قوله : هو الإطلاق) أي الإطلاق المقامي المقتضي لحجية تطبيق العرف (٥) (قوله : ويستكشف منه) بل لا يستكشف منه الا وفاؤه بغرض ما وان لم يكن من مراتب الغرض من التام (٦) (قوله : على أحدهما) يعني الإخراج

٣٥٦

في الأول وتشريكا في الحكم من دون الاندراج في الموضوع في الثاني فافهم (تذنيب) لا يخفى أنه إذا دار الأمر بين جزئية شيء أو شرطيته وبين مانعيته أو قاطعيته لكان من قبيل المتباينين ولا يكاد يكون من الدوران بين المحذورين لإمكان الاحتياط بإتيان العمل مرتين مع ذاك الشيء مرة وبدونه أخرى كما هو أوضح من أن يخفى.

خاتمة في شرائط الأصول

(أما الاحتياط) فلا يعتبر في حسنه شيء أصلا بل يحسن على كل حال إلّا إذا كان موجباً لاختلال النظام ولا تفاوت فيه بين المعاملات والعبادات مطلقاً

______________________________________________________

والإلحاق (١) (قوله : في الأول) يعني الإخراج فانه قد يكون من التخطئة وقد يكون من التخصيص (٢) (قوله : وتشريكا) كان المناسب أن يقول بعده : أو تخطئة كما ذكره بقوله سابقا : نعم ربما يلحق ... إلخ (٣) (قوله : في الثاني) يعني الإلحاق (٤) (قوله : ولا يكاد يكون من) كأن وجه توهم كونه من الدوران بين المحذورين دوران وجود الشيء بين الوجوب والحرمة لأنه على تقدير الجزئية أو الشرطية يكون واجبا وعلى تقدير المانعية أو القاطعية يكون حراما ، لكنه إنما يتم لو لم يمكن التكرار أما إذا أمكن التكرار فلا ، لأنه إذا فعله أولا يحتمل الموافقة على تقدير الجزئية أو الشرطية ولا يحتمل المخالفة حينئذ إذ لا حرمة في فعل المانع أو القاطع إذا أمكن فعل الواجب ثانيا مقرونا بعدمه وإذا تركه ثانيا يحتمل الموافقة ولا يحتمل المخالفة كما هو ظاهر ولا بد في باب الدوران بين المحذورين من احتمال الموافقة والمخالفة في كل واحد من الفعل والترك (٥) (قوله : فلا يعتبر في حسنه شيء) قد يقال كما يعتبر الفحص في البراءة يعتبر في الاحتياط أيضا إذ قد يؤدي ترك الفحص إلى ابتلاء المكلف بالتزاحم في الاحتياط بين احتمال الواجب الأهم واحتمال الواجب المهم فيجب عليه تقديم الاحتياط في الأول ولا يكون معذورا في ترك الثاني لاستناد تعذر الاحتياط

٣٥٧

ولو كان موجباً للتكرار فيها و (توهم) كون التكرار عبثاً ولعباً بأمر المولى وهو ينافي قصد الامتثال المعتبر في العبادة «فاسد» لوضوح أن التكرار ربما يكون بداع صحيح عقلائي مع أنه لو لم يكن بهذا الداعي وكان أصل إتيانه بداعي امر مولاه بلا داع له سواه لما ينافي قصد الامتثال وان كان لاعباً في كيفية امتثاله (فافهم) بل يحسن أيضا فيما قامت الحجة على البراءة عن التكليف لئلا يقع فيما كان في مخالفته على تقدير ثبوته من المفسدة وفوت المصلحة

______________________________________________________

فيه إلى تقصيره في ترك الفحص المؤدي إلى ذلك لأن المفروض كونه بحيث لو فحص لأمكنه الجمع بين الواجبين المتزاحمين (وفيه) أن الملاك في حسن الاحتياط عقلا ليس إلّا كونه انقيادا إلى المولى ، وهذا المعنى لا يفرق فيه بين الحالات ، ومجرد كون ترك الفحص مؤديا إلى مخالفة الواقع إنما يقتضي وجوب الفحص للفرار عن المخالفة لا لأجل كونه دخيلا في حسن الاحتياط كما هو مقتضى دعوى كونه شرطا فيه كما هو واضح (١) (قوله : ولو كان موجبا) بيان لوجه الإطلاق (٢) (قوله : فاسد لوضوح) تقدم الكلام فيه في القطع (٣) (قوله : امتثاله فافهم) لعله إشارة إلى أن كيفية الامتثال عبارة عن نفس فعل محتملات الواقع فإذا كانت كيفية الامتثال لعبا امتنع انطباق الإطاعة والانقياد عليها فلا يصح الواقع إذا كان عبادة (وفيه) ان اللعب انما ينطبق على الفعل عن الأمر المحتمل فالفعل عن الأمر المحتمل الّذي هو الانقياد مأخوذ في موضوعه فلا ينافيه ولا يمنع من انطباقه (٤) (قوله : بل يحسن أيضا فيما) يعني يحسن الاحتياط عقلا لو قام الدليل على نفي التكليف كما لو قام الخبر المعتبر على عدم وجوب شيء أو عدم حرمته فان كونه حجة شرعا على نفي التكليف لا ينافي حسن الاحتياط عقلا لأن الوجه في حسن الاحتياط كونه انقياد أو إطاعة حكمية وهو حاصل عند قيام الحجة على عدم التكليف لأن احتمال ثبوته حاصل لاحتمال خطأ الحجة فيحسن عقلا الفعل في الأول والترك في الثاني برجاء موافقة الواقع (٥) (قوله : لئلا يقع) تعليل لحسن الاحتياط عقلا (٦) (قوله : في مخالفته على تقدير) ضمير مخالفته راجع إلى (الاحتياط) وضمير

٣٥٨

(وأما البراءة) العقلية فلا يجوز إجراؤها إلا بعد الفحص واليأس عن الظفر بالحجة على التكليف لما مرت الإشارة إليه من عدم استقلال العقل بها الا بعدهما (واما البراءة) النقليّة فقضية إطلاق أدلتها

______________________________________________________

ثبوته راجع إلى (ما) وقوله : من المفسدة إلخ بيان ل (ما) وهذا بناء على ان قصد مثل ذلك كاف في تحقق الانقياد (١) (قوله : لما مرت الإشارة) يعني في الدليل الرابع من أدلة البراءة (٢) (قوله : من عدم استقلال العقل) ووجه توقف العقل عن حكمه بالبراءة قبل الفحص واليأس أحد أمور (الأول) كون احتمال التكليف بيانا ومنجزا عند العقلاء كسائر الحجج العقلائية (الثاني) كون البيان الّذي عدمه موضوع لقبح العقاب هو الحجة الواقعية فمع احتمال وجود الحجة لا يحرز موضوع القاعدة فلا حكم للعقل للشك في موضوعه (الثالث) كون البيان المذكور هو الحجة الواصلة لو لا تقصير المكلف بترك الفحص فقبل الفحص لا يحرز عدم مثل هذه الحجة لجواز وصولها إلى المكلف بالفحص فلا حكم للعقل بقبح العقاب ويترتب على الأول حسن العقاب على مخالفة الواقع قبل الفحص وان لم تكن عليه حجة في الواقع لتحقق الحجة عليه وهي الاحتمال ، وليس كذلك الأخيران ويترتب على الثاني حسن العقاب إذا كان حجة على التكليف في الواقع وان لم يمكن أن يعثر عليها بعد الفحص وليس كذلك الأخير فان حسن العقاب عليه مشروط بأمرين وجود حجة على الواقع وكونها يعثر عليها بعد الفحص ، ولو قلنا بان المراد بالبيان هو الحجة الواصلة فعلا جاز الرجوع إلى البراءة العقلية قبل الفحص بمجرد الشك لعدم وصول الحجة حينئذ والأول غريب وليس له نظير ، وتوهم وجود النظير له وهو الشك في الفراغ قد عرفت ما فيه سابقا وان المنجز ليس هو الشك بل سوء العلم المستمر حال الشك في الفراغ والثاني أضعف منه يظهر ذلك مما عرفت من لازمه والثالث قريب ، ولكن الأخير منه اقرب لعدم صحة الاحتجاج في نظر العقلاء بوجود الحجة واقعا مع عدم وصولها إلى المكلف وجهله بها ، ومجرد كونه قادرا على رفع جهله لا يصحح العقاب كما هو الحال في الشبهات الموضوعية أيضا (٣) (قوله : فقضية إطلاق أدلتها) حيث

٣٥٩

وان كان هو عدم اعتبار الفحص في جريانها كما هو حالها في الشبهات الموضوعية إلا انه استدل على اعتباره بالإجماع وبالعقل فانه لا مجال لها بدونه حيث يعلم إجمالا بثبوت التكليف بين موارد الشبهات بحيث لو تفحص عنه لظفر به ولا يخفى أن الإجماع هاهنا غير حاصل ونقله لوهنه بلا طائل فان تحصيله في مثل هذه المسألة مما للعقل إليه سبيل صعب لو لم يكن عادة بمستحيل لقوة احتمال أن يكون المستند للجل لو لا الكل هو ما ذكر من حكم العقل وان الكلام في البراءة فيما لم يكن هناك علم موجب

______________________________________________________

أن الظاهر من أدلة البراءة مثل حديث الرفع والسعة ونحوهما أن موضوعها مجرد عدم العلم بالواقع وهو حاصل قبل الفحص كما هو حاصل بعده فليس في أدلتها اعتبار الفحص في جريانها. نعم لو كان موضوعها عدم الدليل على الواقع أشكل تطبيق أدلتها قبل الفحص للشك في الدليل ، بل وبعد الفحص أيضا الا مع العلم بعدمه أو يجعل اليأس طريقا إلى عدمه أو يكون المراد منه ما يعثر عليه بالفحص نعم يمكن تطبيقها قبل الفحص أو بعده مع الشك لأصالة عدم الدليل (١) (قوله : فانه لا مجال لها) بيان لوجه الاستدلال بالعقل (٢) (قوله : بحيث لو تفحص عنه) لو لا هذا القيد لم ينفع الفحص في جواز الرجوع إلى البراءة إذ ما دام الشك في التكليف موجودا لم تخرج الواقعة عن كونها من أطراف العلم الإجمالي فيجب فيها الاحتياط ، ولأجل تقييد المعلوم بالإجمال بالقيد المذكور يرجع إلى البراءة بعد الفحص لأنه لما لم يعثر على التكليف في الواقعة يكون التكليف المحتمل خارجا عن أطراف المعلوم بالإجمال فيسوغ الرجوع فيها إلى البراءة (٣) (قوله : ان الإجماع هاهنا) يعنى الإجماع المحصل (٤) (قوله : فان تحصيله) يعني على وجه يكشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام (٥) (قوله : من حكم العقل) يعني الناشئ من العلم الإجمالي (٦) (قوله : وان الكلام في البراءة) تعرض للاستدلال بالعقل (٧) (قوله : فيما لم يكن هناك) هو مسلم لكن بقرينة غلبة وجود العلم المذكور وكون محل الكلام في المسألة ابتلائيا فعليا لا فرضي يكون الاستدلال بالعلم المذكور على وجوب الفحص ليس

٣٦٠