حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

ولا يكون الاشتغال به من الأول إلا مقيداً بعدم عروضه فلا يقين باشتغال الذّمّة بالتكليف به إلا إلى هذا الحد فلا يجب رعايته فيما بعده ولا يكون إلا من باب

______________________________________________________

من جهة قصور المكلف لا المكلف به كما في الأول ، وشرطية وجود الموضوع راجعة إلى شرطية عدم المانع من اشتغال ذمة المكلف فان الإناء المفقود مما لا قصور في مفسدته ولا في تعلق الكراهة بشربه إلا ان العلم بكراهته لا يصلح ان يكون موجبا لاشتغال الذّمّة به فيمتنع ان يكون وجوده شرطا للتكليف الّذي هو في الحقيقة شرط نفس الإرادة والكراهة ذاتا كما في القدرة أو عرضا كما في عدم الاضطرار ، فوجود الموضوع والابتلاء به نظير وجود الحجة على التكليف ليس شرطا للتكليف وان كان شرطا للاشتغال في نظر العقل ، وهذا واضح لدى التأمل ، إنما الإشكال فيما ذكره من كون تنجز الباقي بعد الفقد بقاعدة الاشتغال إذ من المعلوم ان القاعدة المذكورة إنما تجري في كل ما يحتمل انه المنجز والباقي بعد الفقدان مما لا يحتمل فيه ذلك إذ المنجز إن كان هو العلم حال الفقدان فبطلانه ظاهر لعدم صلاحيته لذلك من جهة الفقدان ، وان كان هو العلم قبل الفقدان فذلك العلم طرفاه المفقود والباقي معا قبل زمان الفقدان لا مطلقا فليس الوجه في تنجز الباقي إلا انه طرف لعلم إجمالي قائم بين التدريجيين وهما المفقود قبل فقده والباقي بعد الفقدان كما أشار إليه في الحاشية ، وحينئذ فلا فرق بين الاضطرار والفقدان من هذه الجهة فبالنظر إلى العلم الإجمالي بين الدفعيين لا تنجز للباقي في المقامين ، وإلى العلم الإجمالي بين التدريجيين يتنجز الباقي في المقامين ، وصحة التقييد في الاضطرار وعدمها في الفقدان إنما يوجبان الفرق في حصول العلم الإجمالي بالتكليف بعد الفقدان وحصوله بعد الاضطرار ، وذلك لا يوجب فرقا في منجزية الباقي بعد الفقدان لأن العلم الحاصل حين الفقدان لا أثر له في المنجزية بعد خروج بعض أطرافه عن محل الابتلاء. وعليك بالتأمل وهو سبحانه المستعان (١) (قوله : ولا يكون الاشتغال به) هذا الأثر مشترك بين الاضطرار والفقدان لما عرفت ان

٣٠١

الاحتياط في الشبهة البدوية فافهم وتأمل فانه دقيق جداً (الثاني) انه لما كان [١] النهي عن الشيء إنما هو لأجل أن يصير داعياً للمكلف نحو تركه لو لم يكن له داع آخر ولا يكاد يكون ذلك إلا فيما يمكن عادة ابتلاؤه به وأما ما لا ابتلاء به بحسبها فليس للنهي عنه موقع أصلا ضرورة أنه بلا فائدة ولا طائل بل يكون من قبيل طلب الحاصل كان الابتلاء بجميع الأطراف مما لا بد منه في تأثير العلم فانه بدونه لا علم بتكليف فعلي لاحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء به ومنه قد انقدح

______________________________________________________

الفقدان من موانع الاشتغال فلا يكون الاشتغال الا قبله فهو من حدود الاشتغال وان لم يكن من حدود نفس التكليف كالاضطرار (١) (قوله : داعيا للمكلف) يعني داعيا عقليا بحيث يكون عدمه أرجح من وجوده في نظره لما يترتب على الوجود من استحقاق العقاب (٢) (قوله : يكون ذلك) يعني صيرورته داعيا (٣) (قوله : بحسبها) أي بحسب العادة (٤) (قوله : طلب الحاصل) لحصول الغرض وهو عدم المفسدة (٥) (قوله : كان الابتلاء بجميع الأطراف) هذا جواب (لما) في قوله : لما كان النهي. وحاصل المراد : انه يعتبر في صحة النهي عن شيء كونه في معرض ابتلاء المكلف إذ لو لم يكن كذلك كان تركه مستنداً إلى عدم حصول الداعي إلى فعله فلا مجال للنهي عنه لأنه من قبيل تحصيل الحاصل ، وحينئذ إذا كان بعض أطراف المعلوم بالإجمال خارجا عن محل الابتلاء لا يكون ذلك العلم الإجمالي منجزاً وموجباً للاحتياط فيما هو محل الابتلاء من الأطراف لاحتمال كون المعلوم منطبقا على ما هو خارج عن محل الابتلاء فلا يكون التكليف به فعليا. وتوضيح الحال : ان موضوع التكليف (تارة) يكون في معرض الابتلاء للمكلف فيحسن ان يخاطب بالاجتناب عنه مطلقا كما في بعض أواني المكلف التي

__________________

[١] كما انه إذا كان فعل الشيء الّذي كان متعلقا لغرض المولى مما لا يكاد عادة ان يتركه العبد وان لا يكون له داع إليه لم يكن لأمر به والبعث إليه موقع أصلا كما لا يخفى. منه قدس‌سره

٣٠٢

تكون تحت يده (وأخرى) لا يكون كذلك فلا يحس الخطاب به الا مشروطا بالابتلاء كما في الأواني التي قد تقتضي العادة نادرا ابتلاءه بها كأواني الملك بالنسبة إلى سواد الرعية فانه لا يصح ان تقول له : اجتنب عن إناء الملك مطلقاً ، وان صح ان تقول له : إن دخلت بيت الملك فاجتنب الإناء الفلاني (وثالثة) لا يصح الخطاب به لا مطلقا ولا مشروطا كالثوب يلبسه إنسان معين من سواد الرعية وسكان البراري والقفار بالنسبة إلى الملك فلا يحسن خطاب الملك بالاجتناب عنه مطلقا لا مطلقا ولا مشروطا ، وقد عرفت في الحاشية السابقة انه لا قصور في مفسدة الموضوع المذكور من حيث اقتضائها الكراهة حيث انها مفسدة بلا مزاحم ولا في تحقق الكراهة لقدرة المكلف على الارتكاب والاجتناب غاية الأمر أنه لا يحسن الخطاب به لحصول الصوارف العادية عنه بحيث يعد النهي عنه من قبيل تحصيل الحاصل لغوا ومن هنا وقع الإشكال في اعتبار هذا الشرط في منجزية العلم الإجمالي ، فمنعه بعض زعما منه أن امتناع الخطاب لا يقدح في منجزية العلم بعد تعلقه بالإرادة الكامنة في نفس المولى إذ الخطاب لا موضوعية له في المنجزية بل هو ملحوظ طريقا إلى تلك الإرادة وحاكيا عنها ، ولذا لو علمت الإرادة المذكورة مع العلم بعدم الخطاب لمانع وجب موافقتها ، كما أنه لو علم بالخطاب وعلم بعدم الإرادة لم تجب الموافقة في نظر العقل فإذا كان المنجز هو العلم بالإرادة فهو حاصل ، ولو كان بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء ويترتب حينئذ وجوب الاحتياط فيما هو محل الابتلاء (والجواب) : أن المانع من الخطاب في المقام ليس إلّا كونه بحيث لا يوجب تحميلا على المكلف وإلقاء له في كلفة التكليف ، وهذا مما لا يمنع أن يكون العلم مما يترتب عليه الأثر أعني المنجزية واشتغال الذّمّة إذ لو ترتب عليه ذلك كان مترتبا بعينه على الخطاب ويكون به حسنا والمفروض خلافه. وبالجملة : العلم من قبيل الخطاب فالالتزام بقبح الخطاب ولغويته وعدم ترتب أثر عليه ملازم لالتزام ذلك في العلم بعينه وهو ينافي كونه منجزا وموجبا لاشتغال ذمة العبد كما هو

٣٠٣

أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطلاعه على ما هو عليه من الحال ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا إطلاق الخطاب ضرورة أنه لا مجال للتشبث به إلا فيما إذا شك في التقييد بشيء بعد الفراغ عن صحة الإطلاق بدونه

______________________________________________________

ظاهر بأدنى تأمل (١) (قوله : ان الملاك في الابتلاء المصحح) يعني أن الميزان الّذي يعرف به كون الموضوع مبتلى به وغير مبتلى به هو كون العلم به موجبا لحدوث الداعي في نفس العبد إلى الترك أو غير موجب لذلك فان كان موجبا له فالموضوع مبتلى به إذ لا معنى لتحميل العبد وإيقاعه في الكلفة الا التسبب إلى إيجاد ذلك الداعي العقلي إلى الفعل أو الترك فلو لم يكن موجبا لذلك الداعي فالموضوع غير مبتلى به (٢) (قوله : ولو شك في ذلك كان المرجع) يعني لو شك في الابتلاء للشك في صحة انقداح الداعي إلى ترك المعلوم بالإجمال فالمرجع فيما هو محل الابتلاء من الأطراف أصل البراءة لعدم القطع باشتغال الذّمّة بالمعلوم بالإجمال ليجب فيه الاحتياط من جهة الشك في الشرط ، لكن لا يخفى أن الابتلاء ليس شرطا للاشتغال والتنجز العقلي بوجوده الواقعي حتى يكون الشك فيه شكا فيه بل هو شرط بوجوده العلمي فما لم يعلم الابتلاء يعلم بعدم حكم العقل بالاشتغال ، فلا يخلو التعبير من مسامحة (٣) (قوله : لا إطلاق الخطاب) يعني ليس المرجع إطلاق الخطاب كما قد يظهر من كلام شيخنا الأعظم (ره) في رسائله لأن الإطلاق إنما يكون مرجعا فيما إذا أحرزت صحته وشك في مطابقته للواقع وعدمها من جهة الشك في التقييد وعدمه لا ما إذا علم بمطابقته للواقع وشك في صحته وعدمها ، والمقام من الثاني لما عرفت أن الموضوع الخارج عن محل الابتلاء لا قصور في ثبوت التكليف به لثبوت مقتضية وعدم المزاحم له غاية الأمر انه لا يحسن الخطاب به للغويته وعدم ترتب فائدة عليه وذلك إنما يوجب عدم صحته لأنه في ظرف ثبوته لا يكون

٣٠٤

لا فيما شك في اعتباره في صحته [١] تأمل لعلك تعرف إن شاء الله تعالى «الثالث» انه قد عرفت أنه مع فعلية التكليف المعلوم لا تفاوت بين أن يكون أطرافه محصورة وأن يكون غير محصورة (نعم) ربما يكون كثرة الأطراف في مورد موجبة لعسر موافقته القطعية باجتناب كلها أو ارتكابه أو ضرر فيها أو غيرهما مما لا يكون معه التكليف فعليا بعثاً أو زجراً فعلا وليس بموجبة لذلك في غيره كما أن نفسها ربما يكون موجبة لذلك ولو كانت قليلة في مورد آخر فلا بد من ملاحظة ذاك الموجب لرفع فعلية التكليف المعلوم بالإجمال أنه يكون أولا يكون في هذا المورد أو يكون مع كثرة أطرافه وملاحظة أنه مع اية مرتبة من كثرتها كما لا يخفى ولو شك في عروض الموجب فالمتبع هو إطلاق دليل التكليف لو كان وإلا فالبراءة لأجل الشك في

______________________________________________________

مطابقا للواقع بخلاف سائر المطلقات مثل أكرم العالم إذا شك في تقييده بالعدالة فان الشك في التقييد المذكور إنما يوجب الشك في مطابقة إطلاق العالم الشامل للفاسق والعادل للواقع مع القطع بصحته ، ولو كان غير مطابق للواقع فضمير (به) راجع إلى الإطلاق و (بشيء) متعلق بالتقييد ، و (بعد) ظرف لشك ، وضمير (بدونه) راجع إلى التقييد (١) (قوله : لا فيما شك) يعني لا يتشبث بالإطلاق إذا شك في وجود ما يعتبر في صحته كالابتلاء الّذي هو شرط صحة إطلاق الخطاب (٢) (قوله : أو ضرر فيها) أي في الموافقة القطعية (٣) (قوله : أو غيرهما) أي غير العسر والضرر مثل خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء (٤) (قوله : وليس بموجبة) معطوف على موجبة (٥) (قوله : ان نفسها) أي الموافقة القطعية (٦) (قوله : ولو كانت) يعني الأطراف (٧) (قوله : مع أية مرتبة) إذ قد تكون بعض مراتب الكثرة موجبة وبعض مراتبها غير موجبة (٨) (قوله : فالمتبع هو إطلاق دليل) من الواضح أن أدلة العسر والحرج والضرر مقيدة لأدلة

__________________

[١] نعم لو كان الإطلاق في مقام يقتضي بيان التقييد بالابتلاء لو لم يكن هناك ابتلاء مصحح للتكليف كان الإطلاق وعدم بيان التقييد دالا على فعليته ووجود الابتلاء المصحح لها كما لا يخفى فافهم. منه قدس‌سره

٣٠٥

التكليف الفعلي. هذا هو حق القول في المقام وما قيل في ضبط المحصور وغيره لا يخلو من الجزاف «الرابع» أنه إنما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الأطراف مما يتوقف على اجتنابه أو ارتكابه حصول العلم بإتيان الواجب أو ترك الحرام المعلومين في البين دون غيرها وان كان حاله حال بعضها في كونه محكوماً بحكم واقعاً. ومنه ينقدح الحال في مسألة ملاقاة شيء مع أحد أطراف النجس المعلوم بالإجمال وانه (تارة) يجب الاجتناب عن الملاقى دون ملاقيه فيما كانت الملاقاة بعد العلم إجمالا بالنجس بينها فانه إذا اجتنب عنه وطرفه اجتنب عن النجس في البين قطعاً ولو لم يجتنب عما يلاقيه فانه على تقدير نجاسته لنجاسته كان فرداً آخر من النجس قد شك في وجوده كشيء آخر شك في نجاسته بسبب آخر.

______________________________________________________

الأحكام الأولية وان كانت بلسان الحاكم فهي رافعة لنفس التكليف في ظرف ثبوته واقعا فمع الشك فيها يكون الشك في مطابقة الإطلاق للواقع فأصالة الإطلاق فيه حجة لو لا أن الشبهة مصداقية ، فالتمسك بها يتوقف على حجية أصالة العموم والإطلاق في الشبهات المصداقية. نعم تختص الشبهة في المقام بكون الأصل العقلائي فيها هو الاحتياط نظير الشك في القدرة لكون الشك في المزاحم مع إحراز مقتضي التكليف وفي مثله يبنى على عدم المزاحم ، ومنه يظهر أنه لا يتضح الوجه في حكمه بالرجوع إلى أصالة الإطلاق ومع عدمه فالرجوع إلى البراءة إذ المرجع أصالة عدم المزاحم سواء كان هناك إطلاق أم لم يكن ، وان هذا هو حق القول في المقام. فلاحظ (١) (قوله : دون غيرها) إذ هو بعد ما لم يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليه لا مقتضى للاحتياط فيه (٢) (قوله : فيما كانت الملاقاة بعد العلم) اعلم انه إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين مثلا ثم علم بملاقاة إناء ثالث لأحدهما فلا ريب في انه بعد العلم بالملاقاة يحدث علم إجمالي بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو صاحب الملاقى ـ بالفتح ـ فيكون حينئذ علمان يشتركان في طرف واحد وهو صاحب الملاقى ـ بالفتح ـ ويختلفان بالمتلاقيين ، ومقتضى حجية العلم الإجمالي وجوب الاحتياط في

٣٠٦

الملاقي ـ بالكسر ـ كما يجب في الملاقى ـ بالفتح ـ وصاحبه (وقد) يدفع وجوب الاحتياط فيه بان التكليف بالاجتناب عنه تكليف زائد على التكليف المعلوم بالإجمال والأصل فيه البراءة (وفيه) أنه يمكن دعوى ذلك بالنسبة إلى الملاقى ـ بالفتح ـ فانه يعلم إجمالا بوجوب الاجتناب إما عن الملاقي ـ بالكسر ـ أو عن صاحب الملاقى ـ بالفتح ـ والتكليف بالملاقى تكليف زائد يرجع فيه إلى أصل البراءة ، ولا مرجح لملاحظة العلم بين الأصليين على ملاحظة هذا العلم الحادث ، بل التحقيق انه هنا علم واحد قائم بين المتلاقيين والطرف الآخر كما لو علم إجمالا اما بوجوب إكرام زيد وعمرو إما بوجوب إكرام خالد الّذي لا إشكال في وجوب الاحتياط التام فيه بإكرام الجميع (وقد يدفع) كما قد يظهر من شيخنا الأعظم قدس‌سره في رسائله بان طهارة الملاقي ـ بالكسر ـ ونجاسته لما كانت من آثار طهارة الملاقي ـ بالفتح ـ ونجاسته ، وكان ذلك موجبا لامتناع جريان الأصل في الأول في عرض جريانه في الثاني للسببية والمسببية الموجبة للترتب بينهما كما سيأتي إن شاء الله بيانه في محله ، كانت المعارضة بين أصالتي الطهارة أو استصحابهما في الأصليين لا غير ، وبعد تساقطهما يرجع إلى أصالة الطهارة في الملاقي ـ بالكسر ـ بلا معارض (وفيه) أنه مبني على القول بأن المانع من جريان الأصل في طرف العلم الإجمالي هو المعارضة دون العلم الإجمالي المبتني على كون العلم الإجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية الحاصلة من جريان الأصل في تمام الأطراف دون وجوب الموافقة القطعية ، وقد عرفت أن التحقيق هو الثاني وحينئذ لا مجال لجريان الأصل في بعض الأطراف وان لم يكن له معارض لأن إجراءه مخالفة احتمالية مضافا إلى أن أصالة الطهارة في الملاقي ـ بالكسر ـ معارضة بأصالة الحل في الأصليين لأنها فيهما أصل مسببي يرجع إليها بعد تعارض أصالة الطهارة فيهما وبعد التعارض يرجع إلى أصالة الحل في الملاقي ـ بالكسر ـ ولازم ذلك جواز شربه وعدم ترتيب آثار الطهارة عليه. نعم لو كان مسبوقا بالطهارة أمكن في بعض الصور معارضة أصالة الحل فيهما باستصحاب الطهارة فيه وبعد التعارض يرجع إلى أصل الطهارة فيه ، لكن قد يكون الأصليان مسبوقين بالحل فيتعارض استصحاب الحل فيهما باستصحاب

٣٠٧

الطهارة فيه ثم يتعارض أصل الحل فيهما بقاعدة الطهارة فيه ويرجع فيه إلى أصل الحل لا غير. فتأمل جيداً (وقد يدفع) بما يظهر من المصنف (ره) من أن العلم القائم بين الملاقي ـ بالكسر ـ وصاحب الملاقى لما كان حادثا بعد العلم الأول لم يكن منجزا لأن أحد طرفيه منجز بالعلم الأول وقد عرفت أنه إذا كان لبعض الأطراف منجز تعييني امتنع تنجيز العلم الإجمالي لمتعلقه ومن هنا لو انعكس الفرض بان تأخر العلم الإجمالي القائم بين الأصليين وجب الاحتياط في الملاقي ـ بالكسر ـ وصاحب الملاقى ـ بالفتح ـ ولم يجب الاحتياط فيه كما بينه في الصورة الثانية ، ولو اقترن العلمان زمانا وجب الاحتياط في الجميع لحدوث العلمين في أطراف غير منجزة (وفيه) انك قد عرفت الإشارة سابقا إلى أن وجوب الاجتناب عن النجس إذا تعلق به العلم في زمان وبقي ممتداً بامتداد الزمان فتنجزه في كل آن يستند إلى العلم في ذلك الآن لا إلى العلم فيما قبله وحينئذ فوجوب الاجتناب عن أحد الأصليين في حال حدوث العلم الثاني يكون تنجزه مقارناً لتنجز وجوب الاجتناب إما عن الملاقي بالكسر أو عن الطرف الثالث ويكون الحال كما لو علم دفعة اما بنجاسة المتلاقيين أو بنجاسة الطرف الثالث في وجوب الاحتياط في الجميع «فان قلت» : ما ذكرت من إناطة التنجز بالعلم حدوثاً وبقاءً هل يختص بالتكليف الممتد المنحل إلى تكاليف متعددة بتعدد الزمان كوجوب الاجتناب عن النجس أو يعم ما لم يكن كذلك كوجوب صوم أول يوم من الشهر؟ وما الموجب لهذه الدعوى؟ (قلت) : لا فرق بين القسمين فإذا علم المكلف قبل الهلال بأيام أنه يجب عليه صوم أول الشهر فمجرد حدوث العلم موجب لتنجز وجوب الصوم فإذا بقي العلم بقي التنجز. إذا انتفى العلم لحدوث شك سار ارتفع التنجز ، والموجب لدعوى ذلك : أنه لو كان مجرد حدوث العلم موجباً لحدوث التنجز وبقائه كان اللازم حكم العقل بوجوب الامتثال ولو بعد ارتفاع العلم بوجوب الصوم وهو ظاهر البطلان (فان قلت) : كيف يكون ظاهر البطلان مع انه لو تردد اليوم الواجب الصوم بين يومين وصام أحدهما فانه يرتفع العلم وجوب الصوم مع بقاء تنجز وجوب صوم اليوم المردد ، ولذا نقول بوجوب صوم اليوم الثاني (قلت) :

٣٠٨

لا نسلم أنه بعد صوم اليوم الأول من اليومين يرتفع العلم بوجوب صوم اليوم المردد بل هو بعد باق حتى لو صام الثاني منهما أيضاً ، غاية الأمر يعلم بسقوط الوجوب للعلم بالامتثال وهو لا ينافي العلم بالثبوت فبعد صوم اليوم الأول يستند تنجز صوم اليوم المردد حينئذ إلى العلم في ذلك الزمان (فان قلت) : كيف يكون العلم بوجوب صوم اليوم المردد منجزاً بعد صوم أحدهما أو إفطاره مع أن بعض أطرافه خارج عن محل الابتلاء فوجوب صوم اليوم الثاني إنما يكون لقاعدة الاشتغال التي هي عين وجوب دفع الضرر المحتمل لا لأجل العلم (قلت) : لا يعتبر في بقاء التنجز لبقاء العلم بقاء تمام الأطراف تحت الابتلاء وانما يعتبر ذلك في حدوث التنجز وأما وجوب صوم اليوم الثاني لقاعدة الاشتغال فهو فرع منجزية العلم في تلك الحال وإشغاله لذمة المكلف ولولاه لا معنى لقاعدة الاشتغال ، فوجوب الاحتياط عقلا في كل واحد من الأطراف في كل آن لأجل احتمال كون الطرف هو الواجب المنجز في ذلك الآن وهو فرع تنجز المعلوم الإجمالي بالعلم في ذلك الآن ، ولا فرق في ذلك بين ما قبل الشروع في واحد من الأطراف وما بعده وان حصل احتمال الموافقة في الثاني فقاعدة الاشتغال بما هي هي ليست منجزة بل هي فرع وجود منجز وشاغل لذمة المكلف يحتمل انطباقه على مجراها ، فلا بد من وجود ذلك المنجز وهو العلم وإن كان بعض أطرافه خارجا عن محل الابتلاء إذ لا يقدح ذلك عقلا إلا في حدوث التنجز. فتأمل (وقد يدفع) أيضاً بان العلم بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو طرف الملاقى ناشئ من العلم الإجمالي بنجاسة أحد الأصليين فيكون متأخراً عنه رتبة ، وحينئذ فلا يصلح لأن ينجز متعلقه لأن أحد طرفيه متنجز بالعلم السابق رتبة ، ولأجل ذلك تختلف الصور في وجوب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ دون الملاقى ـ بالفتح ـ أو العكس أو وجوب الاجتناب عنهما باختلاف كون العلم الّذي أحد طرفيه الملاقي ـ بالكسر ـ ناشئاً مما كان أحد طرفيه الملاقى (بالفتح) أو العكس أو كونهما ناشئين عن سبب ثالث «وفيه» أن العلم المذكور وإن كان ناشئاً عن العلم بنجاسة أحد الأصليين إلا أن العلم بالنجاسة ليس منجزاً حتى يمنع تنجيزه لطرفيه من تنجيز العلم

٣٠٩

ومنه ظهر أنه لا مجال لتوهم ان قضية تنجز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه أيضاً ، ضرورة ان العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه لا تنجز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه وإن احتمل

______________________________________________________

الثاني لأنه علم بالموضوع وهو لا يصلح للمنجزية بل المنجز هو العلم بوجوب الاجتناب عن أحدهما الناشئ من العلم بالنجاسة وهو مما لا يكون علة للعلم بوجوب الاجتناب الّذي طرفه الملاقي «بالكسر» أصلا بل هما معلولان لعلة واحدة فلا يصلح أن يكون أحدهما مانعاً عن منجزية الآخر ، وعلى هذا فلم يتضح الوجه فيما هو المشهور من طهارة الملاقي لأحد أطراف الشبهة ، وان كان هو الّذي يقتضيه المذاق الفقهي. وكأن الوجه فيه : أن السبق الزماني لأحد العلمين موجب لاستناد التنجز إليه دون اللاحق وإن قلنا بأن التنجز يستند إلى العلم حدوثاً وبقاءً ـ كما ذكرناه آنفاً ـ إذ غاية ما يقتضي اقتران العلمين حدوث أحدهما مع بقاء الآخر ، لكن ذلك لا ينافي استناد التنجز عند العقلاء إلى السابق ، فان الانحلال الموجب لسقوط العلم المنحل عن التأثير ليس حقيقياً ـ كما عرفت ـ ولا عقلياً أيضاً ـ كما يقتضيه النّظر الدّقيق ـ بل هو عقلائي ، والعقلاء مع اختلاف العلمين بالسبق واللحوق لا يرون للاحق أثراً في المنجزية ، لا بنحو الاستقلال ولا بنحو الانضمام ، وحينئذ يتعين التفصيل بين الصور ـ كما ذكره المصنف «ره» ـ ثم انه لا مجيء لشبهة معارضة أصل الطهارة في الملاقي «بالكسر» لأصل الحل في الأصليين على مسلك المصنف ـ رحمه‌الله ـ وما بعده لأن العلم الإجمالي بين الأصليين لما كان منجزاً استند سقوط الأصول إليه فلا يرجع إلى الأصل في الملاقي بالكسر الا بعد تنجيز العلم القائم بين الأصليين المانع من جريان الأصول فيهما ففي رتبة جريان الأصل في الملاقي «بالكسر» لا مجال لجريان الأصول في الأصليين حتى تتوهم المعارضة بينهما بل تختص المعارضة على مسلك الشيخ ـ رحمه‌الله ـ لا غير كما ذكرنا (١) (قوله : ومنه ظهر انه لا مجال لتوهم) يعني ما ذكره من قوله :

٣١٠

(وأخرى) يجب الاجتناب عما لاقاه دونه فيما لو علم إجمالا نجاسته أو نجاسة شيء آخر ثم حدث العلم بالملاقاة والعلم بنجاسة الملاقى أو ذاك الشيء أيضاً فان حال [١] الملاقى في هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه في الصورة السابقة في عدم كونه طرفاً للعلم الإجمالي وانه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعاً غير معلوم النجاسة أصلا لا إجمالا ولا تفصيلا

______________________________________________________

كان فرداً آخر. وغرضه بهذا الكلام الإشارة إلى ما عن ظاهر ابن زهرة من أن المتنجس من شئون نفس النجس فوجوب الاجتناب عن النجس يقتضي الاجتناب عنه وعما لاقاه نظير وجوب إكرام زيد المقتضي لإكرامه وإكرام ولده وخادمه وسائر توابعه ، فالخروج عن عهدة وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال يتوقف على الاجتناب عن الملاقي لاحتمال انطباقه على الملاقى «بالفتح» المقتضي وجوب اجتنابه حينئذ لاجتناب ملاقيه حينئذ ، ويكون الحال كما لو قسم أحد الإناءين قسمين فانه يجب الاحتياط فيهما ولا يرجع في أحدهما إلى أصل الطهارة أو غيره من الأصول النافية. وحاصل دفع المصنف ـ رحمه‌الله ـ له : المنع عن ذلك وان الملاقاة للنجس تقتضي تنجس الملاقي له فيحدث فرد آخر للنجس يجب الاجتناب عنه كما يجب الاجتناب عن الملاقى غاية الأمر ان للنجس فردين ذاتياً وعرضياً ، ولذلك لا تجري أحكام النجس على المتنجس به فان نجاسة البول تذهب بالغسل مرتين وليس كذلك المتنجس به بل إما أن تذهب بالغسل مرة لو كان إطلاق أو يحتاج إلى الغسل ثلاثاً لو لم يكن إطلاق. فتأمل (١) (قوله : وأخرى يجب الاجتناب) معطوف على قوله : تارة يجب الاجتناب ... إلخ (٢) (قوله : عما لاقاه دونه) يعني عن الملاقي «بالكسر» دون الملاقى «بالفتح» (٣) (قوله : فان حال الملاقى) يعني الملاقى «بالفتح» ووجه كون حاله في هذه الصورة حال الملاقي «بالكسر» في الصورة السابقة أنه طرف لعلم إجمالي قائم بينه وبين شيء قد تنجز بعلم سابق على هذا العلم قائم به والملاقي بالكسر فصار كأنه مشكوك بدواً لانحلال العلم الّذي هو طرفه بتنجز أحد طرفيه بالعلم السابق ، وحيث أن المصنف ـ رحمه‌الله ـ يدعي الانحلال الحقيقي

__________________

[١] وان لم يكن احتمال نجاسة ما لاقاه الا من قبل ملاقاته. منه قدس‌سره

٣١١

(وكذا) لو علم بالملاقاة ثم حدث العلم الإجمالي ولكن كان الملاقى خارجا عن محل الابتلاء في حال حدوثه وصار مبتلى به بعده (وثالثة) يجب الاجتناب عنهما فيما لو حصل العلم الإجمالي بعد العلم بالملاقاة ضرورة انه حينئذ يعلم إجمالا اما بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين وهو الواحد أو الاثنان (المقام الثاني) : في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

______________________________________________________

بتنجز أحد أطراف العلم قال غير معلوم النجاسة ... إلخ ، ولو كان يرى الانحلال الحكمي لقال : ليس طرفا لعلم إجمالي منجز (١) (قوله : وكذا لو علم) يعني يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر أيضاً دون الملاقى لو علم بملاقاة إناء مثلا لآخر ثم خرج الملاقى بالفتح عن محل الابتلاء ثم علم إجمالا بنجاسته قبل الملاقاة أو إناء ثالث فانه حينئذ يحدث علم إجمالي بنجاسة الملاقي بالكسر أو صاحب الملاقى بالفتح فيحدث بسببه علم بوجوب الاجتناب عن أحدهما فيجب الاحتياط فيهما والعلم الإجمالي بنجاسة الملاقى بالفتح أو صاحبه لا أثر له لخروجه عن محل ابتلاء فإذا اتفق ان صار في محل الابتلاء لا يجب الاجتناب عنه لما تقدم في الملاقي بالكسر في الصورة السابقة من أنه فرد آخر مشكوك بدواً وليس طرفا لعلم إجمالي منجز. هذا وقد عرفت في الصورة السابقة الإشكال الجاري في هذين الفرضين بعينه الموجب للاحتياط فلاحظ (٢) (قوله : عنهما) يعني المتلاقيين.

(الأقل والأكثر الارتباطيان)

(٣) (قوله : الارتباطيين) المراد من الأكثر الارتباطي هو المركب من أمرين أو أمور يترتب عليها غرض واحد أو أغراض متعددة متلازمة في مقام الثبوت والسقوط بحيث لا يترتب الأثر المقصود على بعضها الا في ظرف وجود الباقي ومن هنا لا يسقط الأمر ببعضها الا في ظرف سقوط الأمر بالباقي ويقابله الأكثر

٣١٢

(والحق) أن العلم الإجمالي بثبوت التكليف بينهما أيضاً يوجب الاحتياط عقلا بإتيان الأكثر لتنجزه به حيث تعلق بثبوته فعلا (وتوهم) انحلاله إلى العلم بوجوب الأقل تفصيلا والشك في وجوب الأكثر بدواً ضرورة لزوم الإتيان بالأقل لنفسه شرعا

______________________________________________________

الاستقلالي فان كل واحد من أجزائه يترتب عليه الغرض مطلقاً ولو في ظرف عدم الباقي كصوم شهر رمضان فان صوم كل يوم يترتب عليه الغرض ولو مع عدم صوم بقية أيامه ، وعلى هذا فلا يعتبر في محل الكلام أن يكون الأقل ارتباطياً بل لو كان الأقل بسيطاً والأكثر المركب من ذلك الأقل وغيره ارتباطياً كان محلا للكلام من حيث البراءة والاشتغال (١) (قوله. والحق أن العلم الإجمالي بثبوت) من الواضح أن الأقل لما كان داخلا في الأكثر وبعضاً منه كان الوجوب النفسيّ على تقدير ثبوته للأكثر ثابتاً للأقل أيضا غايته أنه لم يثبت له وحده بل ثبت له مع غيره ، وحينئذ فلا إجمال في المعلوم حتى يسري الإجمال إلى العلم ويحكم بأن التكليف الثابت للأقل أو الأكثر معلوم بالإجمال ، بل التكليف للأقل معلوم تفصيلا وللزائد على الأقل مشكوك بدواً ، وحينئذ كان اللازم على المصنف ـ رحمه‌الله ـ التصدي لوجه منجزية العلم بالتكليف على النحو المذكور لوجوب الأكثر ، مع أن الزائد على الأقل مما لم يُعلم لا تفصيلا ولا إجمالا فهو لا معلوم ولا مما يحتمل انطباق المعلوم عليه ، ولا يحسن قياس العلم المذكور بالعلم الإجمالي المردد بين المتباينين لوضوح الفرق بينهما فان المعلوم بالإجمال هناك محتمل الانطباق على كل واحد من الأطراف ، والمعلوم هنا معلوم الانطباق على الأقل تفصيلا وعدم الانطباق على الأكثر كذلك ، ولذا لا ريب في حصول مثل هذا العلم في الأقل والأكثر الاستقلالي ، مع أنه لا مجال لتوهم وجوب الاحتياط فيه بإتيان الأكثر وحيثية الارتباط والاستقلال لا دخل لها في وجود العلم الإجمالي وعدمه كما هو ظاهر بأدنى تأمل. نعم لو كان بناؤه على إمكان ثبوت الوجوب الغيري للأجزاء المبتني على أخذ الحدود

٣١٣

أو لغيره كذلك أو عقلا ومعه لا يوجب تنجزه لو كان متعلقاً بالأكثر (فاسد) قطعاً لاستلزام الانحلال المحال بداهة توقف لزوم الأقل فعلا إما لنفسه أو لغيره على تنجز التكليف مطلقاً ولو كان متعلقاً بالأكثر فلو كان لزومه كذلك مستلزماً لعدم تنجزه

______________________________________________________

الذهنية في موضوع الوجوب الغيري كان إجمال المعلوم وتردده بين الأقل بشرط لا والأكثر محققا ، إلا أن الّذي صرح به في مقدمة الواجب خلافه وان كان قد يظهر منه هنا ارتضاؤه ، كما سيأتي الإشارة إليه في وجه الانحلال. هذا ومما يمكن أن يوجه به إجمال العلم بنحو يقتضي الاحتياط أن الأقل وان كان معلوما وجوبه إلا أنه لا إطلاق له من حيث انفراده عن الزائد واجتماعه معه ، بل هو مهمل من حيث الحالين ، والإجمال الأحوالي كالإجمال الأفرادي يقتضي عدم جواز الاقتصار على الأقل في حال الانفراد للشك في وجوبه في تلك الحال ، وكأن المصنف ـ رحمه‌الله ـ اكتفى في وجه منجزية الأكثر بما سيأتي في نقض دعوى الانحلال. فتأمل وانتظر (١) (قوله : أو لغيره كذلك) يعني شرعا بناء على وجوب المقدمة شرعا أو عقلا بناء على وجوبها عقلا لا غير ، وهذا مبني على أخذ الحدود الذهنية في موضوع التكليف الغيري كما أشرنا إليه (٢) (قوله : فاسد قطعاً) لأن العلم تفصيلا بالوجوب المردد بين النفسيّ والغيري للأقل ناشئ من العلم إجمالي بالوجوب النفسيّ إجمالا ، وقد تقدم في مبحث الانحلال أن مثله لا يوجب الانحلال فراجع. نعم لو قرر الانحلال بالعلم التفصيليّ بالوجوب النفسيّ للأقل بناء على ثبوت الوجوب النفسيّ للأجزاء ـ كما أشرنا إليه في الحاشية السابقة ـ لم يكن مجال لهذا الإشكال إذ ليس لنا إلّا علم واحد وهو هذا العلم كما عرفت لا علمان ينشأ أحدهما من الآخر (٣) (قوله : لاستلزام الانحلال المحال) يعني الخلف (٤) (قوله : لزوم الأقل فعلا) يعني تنجز الأقل وإلّا فلزومه واقعاً لا يتوقف على تنجز التكليف مطلقاً ولو كان متعلقاً بالأكثر بل يكفي فيه ثبوت التكليف واقعاً إما للأقل أو للأكثر وهو معلوم فيكون لزوم الأقل إما لنفسه أو لغيره معلوما. نعم

٣١٤

إلّا إذا كان متعلقاً بالأقل كان خلفا ، مع انه يلزم من وجوده عدمه لاستلزامه عدم تنجز التكليف على كل حال المستلزم لعدم لزوم الأقل مطلقا المستلزم لعدم الانحلال وما يلزم من وجوده عدمه محال (نعم) انما ينحل إذا كان الأقل ذا مصلحة ملزمة فان وجوبه حينئذ يكون معلوماً له وإنما كان الترديد لاحتمال ان يكون الأكثر

______________________________________________________

تنجز التكليف بالأقل المردد بين النفسيّ والغيري يتوقف على تنجز التكليف النفسيّ مطلقا ولو كان قائما بالأكثر إذ لو لم يكن منجزاً على تقدير قيامه بالأكثر امتنع تنجز التكليف بالأقل لو كان غيريا ، لأن تنجز التكليف الغيري للأقل تابع لتنجز التكليف النفسيّ للأكثر ، فلا يمكن الحكم بتنجز الأول على تقدير ثبوته إلا في فرض تنجز الثاني فلو كان تنجز الأول يستنتج منه عدم تنجز الثاني كان خلفا للفرض (١) (قوله : مع انه يلزم من وجوده عدمه) الضمائر البارزة راجعة إلى الانحلال (٢) (قوله : لاستلزامه عدم) يعني ان الانحلال يقتضي عدم تنجز التكليف النفسيّ على تقدير كونه متعلقا بالأكثر ، وهو يقتضي عدم تنجز الأقل مطلقا ولو كان واجبا غيريا لما عرفت من تبعية تنجز الوجوب الغيري لتنجز الوجوب النفسيّ ، وإذا لم يتنجز وجوب الأقل لو كان غيرياً امتنع الانحلال لأنه يتوقف على تنجز وجوب الأقل مطلقا. فتأمل. ثم إنك عرفت الإشارة في تقرير الإشكالين إلى أنهما يتوقفان على التلازم بين الوجوب النفسيّ والغيري في مرتبة التنجز كما هما متلازمان في جميع مراتب الحكم السابقة على هذه المرتبة ، ولو منع ذلك لم يتم كل من الإشكالين (أما) الأول فلمنع ما ذكر في تقريره من توقف لزوم الأقل مطلقا على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالأكثر إذ لا موجب لهذا التوقف الا التلازم المذكور ، فلو مُنع مُنع التوقف المذكور وجاز الالتزام بتنجيز الأقل مطلقا وعدم تنجز التكليف النفسيّ لو كان متعلقا بالأكثر (وأما) الثاني فلمنع قوله : المستلزم ـ يعني عدم تنجز التكليف على كل حال ـ لعدم لزوم الأقل ، إذ لا موجب أيضا لهذا الاستلزام إلا ما ذكرنا من التلازم فلو مُنع مُنع الاستلزام. ثم ان نظير هذين الإشكالين يجري

٣١٥

على الانحلال الحقيقي بالعلم بالوجوب النفسيّ للأقل كما عرفت بيانه في الحاشية على قوله : والحق ان العلم الإجمالي ... إلخ ، فيقال : يتوقف تنجز وجوب الأقل لنفسه على تنجز الأكثر لو كان هو الواجب فلا يمكن ان يترتب عدم الثاني على نفس الأول لأنه خلف كما يقال : الانحلال بالعلم التفصيليّ يستلزم عدم تنجز الأكثر وهو يستلزم عدم تنجز الأقل مطلقا وهو يستلزم عدم الانحلال ، وسند تتوقف في الأول والاستلزام في الثاني هو التلازم بين الوجوبات النفسيّة الضمنية في مرتبة التنجز بمعنى أنه لو ثبت وجوب واحد لجملة أشياء بنحو الارتباط بينها فانه وان انحل إلى وجوبات ضمنية متعددة بتعدد تلك الأشياء إلا أنها لما كانت متلازمة في مقام الأثر والثبوت والسقوط امتنع التفكيك بينها في التنجز بحيث يتنجز بعضها ولا يتنجز البعض الآخر ، فلو بني على جواز التفكيك بينها فيه جاز منع التوقف والاستلزام كما تقدم حرفا فحرفا فلاحظ. وحيث عرفت أن التحقيق والمختار للمصنف (ره) أن الأجزاء واجبة بالوجوب النفسيّ ، فدعوى الانحلال ينبغي ان تكون بالعلم التفصيليّ بوجوب الأقل لنفسه ، وحينئذ يتوقف منع الانحلال على إثبات التلازم بين الوجوبات الضمنية النفسيّة. فنقول : لا تلازم بين تلازمها في مقام الثبوت والسقوط وتلازمها في مقام التنجز لاختلاف المناط في المقامين ، فان المناط في تلازمها في مقام الثبوت والسقوط تلازمها في الغرض والمصلحة وجوداً وعدما الّذي هو الوجه في الثبوت والسقوط ، والمناط في مقام التنجز هو البيان وهي غير متلازمة فيه فان العلم التفصيليّ بوجوب الأقل لنفسه إنما يصلح بيانا على وجوب الأقل لنفسه ولا يصلح بيانا على وجوب الزائد ، كيف وقد عرفت انه مشكوك محضا بحيث لا يحتمل انطباق المعلوم عليه أصلا فكيف يمكن أن يتنجز؟ وهل يمكن دعوى كون التنجز بلا بيان؟ وبالجملة : لا بد في المقام من الالتزام بأحد أمور : (الأول) تنجز وجوب الزائد على الأقل بمجرد العلم بوجوب الأقل (الثاني) عدم تنجز الأقل وعدم تنجز الزائد (الثالث) التفكيك بين الأقل والزائد في التنجز ، وحيث أن الأول غير ممكن لأنه تنجيز بلا بيان ، وكذا

٣١٦

الثاني للعلم بوجوب الأقل الصالح لمنجزيته ، فيتعين الثالث ، والرجوع إلى طريقة العقلاء في الاحتجاج والاعتذار يلحق ما ذكرنا بالبديهيات إذ لا ريب في صحة الاحتجاج عند ترك الأقل بالعلم بوجوبه ، وفي صحة الاعتذار عند ترك الجزء المشكوك بالجهل بوجوبه. فلاحظ ، ولو ، بنى على كون الاجزاء واجبة بالوجوب الغيري فان بنينا على أن العلم التفصيليّ القائم على ثبوت التكليف في بعض الأطراف يقتضي انحلاله حقيقة كما هو ظاهر المصنف (ره) في مبحث الانحلال فالعلم الإجمالي بالوجوب النفسيّ لا بد من انحلاله حقيقة حينئذ بالعلم التفصيليّ بوجوب الأقل لنفسه أو لغيره وبعد انحلاله حقيقة لا منجز لوجوب الزائد على الأقل فيدور الأمر حينئذ بين الاحتمالات الثلاثة المتقدمة ، ولا بد من تعين الثالث منها لعين الوجه المتقدم ، وان بنينا على انحلاله حكما فلا بد من الالتزام به هنا لعين الوجه السابق في مبحث الانحلال وليس معنى انحلاله حكما الا عدم صلاحيته لمنجزية المعلوم بالإجمال الصالح للانطباق على الأكثر ، وحينئذ فلا منجز لوجوب الأكثر إجمالا ولا تفصيلا فتنتهي النوبة أيضا إلى التردد بين المحتملات الثلاثة ويتعين الأخير منها ، وبذلك يتضح لك عدم تمامية نقض الانحلال بالنحو الّذي ذكره المصنف (ره) على جميع المباني (نعم هنا) شبهة أخرى تقتضي الاحتياط وهي أن العلم التفصيليّ بوجوب الأقل إذا نجزه واشتغلت به ذمة المكلف لا بد من الاحتياط بالأكثر لأن الاقتصار على إتيان الأقل بوجوب الشك في سقوط وجوب الأقل ، ومن الواضح أن الشك في السقوط مجرى لقاعدة الاشتغال فما لم يأت بالأكثر يشك في سقوط وجوب الأقل ، ولا بد له من إحراز سقوطه (ويمكن) الجواب عنها بأن الشك في السقوط إنما يرجع فيه إلى قاعدة الاشتغال لو كان منشؤه الشك في إتيان المكلف به وليس في المقام كذلك للعلم بإتيان الأقل وانما منشؤه الشك في كون وجوبه استقلاليا أو في ضمن الأكثر إذ على تقدير كونه ضمنيا لا يسقط إلّا في ظرف سقوط وجوب الزائد المتوقف على إتيانه لتلازم الوجوبات الضمنية في الثبوت والسقوط ، وعلى تقدير كونه استقلاليا يسقط بمجرد إتيان الأقل ، وحيث كان منشأ الشك في سقوط وجوب الأقل ذلك لا الشك في إتيان الأقل فالمرجع فيه

٣١٧

ذا مصلحتين

______________________________________________________

أصل البراءة (ومن) هذا يظهر لك الجواب عن الشبهة التي ذكرناها في الحاشية على قوله : والحق ان العلم الإجمالي ... إلخ الراجعة إلى إجمال الأقل المعلوم من حيث الأحوال ، وحاصل الجواب : ان الانفراد مما يعلم بعدم أخذه قيدا في الأقل وإلّا فهو خارج حينئذ عما نحن فيه ويكون الواجب حينئذ مرددا بين أخذه بشرط لا وأخذه بشرط شيء بل الشك إنما هو في أخذ الأقل موضوعا للوجوب لا بشرط وأخذه بشرط شيء والإتيان به وحده وإن كان يوجب الشك في وجوبه في هذا الحال فيشك في سقوط وجوبه ، إلا أن منشأ الشك في سقوطه الشك في ثبوت الوجوب الملازم له لغيره وفي مثله يرجع إلى البراءة (فان قلت) : هذا بعينه جاء في التردد بين وجوبه بشرط لا ووجوبه بشرط شيء لو اقتصر على الإتيان به وحده إذ الشك في السقوط ناشئ من الشك في وجوب غيره معه فليرجع فيه إلى البراءة ، مع أنه لا ريب في الرجوع إلى قاعدة الاشتغال (قلت) الرجوع إلى قاعدة الاشتغال ليس للشك في سقوط التكليف بذات الأقل بل للشك في سقوط التكليف بالأمر المردد بين شرط لا وشرط شيء فانه يعلم إجمالا بوجوب أحد الأمرين من شرط لا وشرط شيء فيتنجز المعلوم بالإجمال ، فالاقتصار على ذات الأقل يوجب الشك في سقوط التكليف بذلك الأمر المردد في حصوله خارجاً ، فالشك في السقوط للشك في إتيان الموضوع الواجب لا لشيء آخر. فلاحظ (ثم إنه) يمكن أن يقرب الانحلال بالعلم التفصيليّ بحرمة ترك الأقل بنحو لا يتوقف على إمكان التفكيك بين الوجوبات النفسيّة الضمنية أو بين الوجوب الغيري والنفسيّ كما كان يتوقف عليه انحلاله بالعلم التفصيليّ بوجوب الأقل تركنا ذكره خوف الإطالة واعتمادا على ذكرنا له في الحاشية القديمة على الكتاب فليراجع وليتأمل فان المقام به حقيق وإليه سبحانه نبتهل في فيض العناية والتوفيق (١) (قوله : ذا مصلحتين) يعني غير متلازمتين بحيث يمكن انفكاك إحداهما عن الأخرى فتترتب إحداهما على الأقل لو اقتصر عليه وتترتبان معا على الأكثر ، وهذا هو المسمى بالأكثر الاستقلالي ، ولهذا كان خارجا عن محل الكلام في المقام إذ

٣١٨

أو مصلحة أقوى من مصلحة الأقل فالعقل في مثله وان استقل بالبراءة بلا كلام إلّا انه خارج عما هو محل النقض والإبرام في المقام. هذا مع أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز إلّا بالأكثر بناء على ما ذهب إليه المشهور من العدلية من تبعية الأوامر والنواهي للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها وكون الواجبات الشرعية ألطافا في الواجبات العقلية وقد مر اعتبار موافقة الغرض وحصوله عقلا في إطاعة الأمر وسقوطه فلا بد من إحرازه في إحرازها كما لا يخفى.

______________________________________________________

هو في الارتباطي (١) (قوله : أو مصلحة أقوى) يعني غير متلازمة المراتب كما تقدم.

(شبهة الغرض)

(٢) (قوله : هذا مع أن الغرض الداعي) هذا وجه آخر لوجوب الاحتياط (وتوضيحه) : أن المشهور بين العدلية أن الأمر بالشيء ناشئ عن غرض للآمر في ذلك الشيء فيكون الأمر دائماً معلولا لذلك الغرض ، فالعلم بالأمر يستلزم العلم بالغرض لأن العلم بالمعلول يستلزم العلم بالعلة ، وحينئذ فيجب بحكم العقل العلم بحصول ذلك الغرض ومع الاقتصار على فعل الأقل يشك في حصوله فلا بد من الاحتياط ليحصل العلم بحصوله ، فالشك في المقام راجع إلى الشك في محصل الغرض بعد الجزم بثبوته لا في أصل ثبوته مع العلم بمحصله على تقدير ثبوته كما في الشبهة البدوية والشك في المحصل موضوع لقاعدة الاشتغال لا لأصالة البراءة (٣) (قوله : بناء على ما ذهب) أما بناء على ما ذهب إليه جماعة من كون الغرض يحصل بنفس الأمر لا بفعل المأمور به فلا موجب للاحتياط حينئذ للعلم بحصول الغرض بمجرد الأمر (٤) (قوله : وكون الواجبات) الظاهر أن المراد أن الواجبات الشرعية مقربات للواجبات العقلية كما يشهد به قوله تعالى : (إن الصلاة

٣١٩

ولا وجه للتفصي عنه (تارة) بعدم ابتناء مسألة البراءة والاحتياط على ما ذهب إليه مشهور العدلية وجريانها على ما ذهب إليه الأشاعرة المنكرين لذلك أو بعض العدلية المكتفين بكون المصلحة في نفس الأمر دون المأمور به (وأخرى) بان حصول المصلحة واللطف في العبادات لا يكاد يكون الا بإتيانها على وجه الامتثال وحينئذ كان لاحتمال اعتبار معرفة اجزائها تفصيلا ليؤتى بها مع قصد الوجه مجال ومعه لا يكاد يقطع بحصول اللطف والمصلحة الداعية إلى الأمر فلم يبق الا التخلص عن تبعة مخالفته

______________________________________________________

تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ... الآية) لا أن الواجبات الشرعية واجبات عقلية لو اطلع العقل على جهاتها ، والأمر سهل (١) (قوله : ولا وجه للتفصي عنه تارة) المتفصي بذلك شيخنا المرتضى «قده» في رسائله ، وحاصل ما ذكره أولا : ان النزاع في البراءة والاشتغال في هذه المسألة من حيث التردد في الوجوب بين الأقل والأكثر مع التغافل عن حيثية الشك في الغرض ومقتضاها ، بشهادة أن النزاع في هذه المسألة لا يختص بمذهب دون غيره بل تجري على جميع المذاهب ، (٢) (قوله : وأخرى بأن حصول) هذا هو الوجه الثاني ، وحاصله : ان الشك في محصل الغرض وان كان موضوعا لقاعدة الاشتغال إلا أنه حيث يمكن القطع بحصوله وهو متعذر في العبادات لاحتمال توقف حصول الغرض فيها على الجزم بالنية وهو ممتنع مع الشك والتردد في الواجب بين الأقل والأكثر فيسقط حكم العقل بوجوب الجزم بحصول الغرض ويبقى حكمه من حيث تردد الوجوب بين الأقل والأكثر الّذي هو وجوب فعل الأقل للعلم بوجوبه وجواز ترك الأكثر للجهل بوجوبه (٣) (قوله : على وجه الامتثال) يعني على وجه الإطاعة (٤) (قوله : كان لاحتمال) (كان) تامة فاعلها قوله : (مجال) و (لاحتمال) متعلق بها ، (٥) (قوله : اعتبار معرفة) يعني اعتبار المعرفة في تحقق الامتثال المعتبر في صحة العبادة وحصول الغرض منها (٦) (قوله : ومعه) الضمير راجع إلى احتمال الاعتبار

٣٢٠