حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

نهيه عنه رفعاً لحكمه عن موضوعه بل به يرتفع موضوعه وليس حال النهي عن سبب مفيد للظن إلا كالأمر بما لا يفيده وكما لا حكومة معه للعقل لا حكومة له معه وكما لا يصح بلحاظ حكمه الإشكال فيه لا يصح الإشكال فيه بلحاظه «نعم» لا بأس بالإشكال فيه في نفسه كما أشكل فيه برأسه بملاحظة توهم استلزام النصب لمحاذير تقدم الكلام في تقريرها وما هو التحقيق في جوابها في جعل الطرق غاية الأمر تلك المحاذير التي تكون فيها إذا أخطأ الطريق المنصوب كانت في الطريق المنهي عنه في مورد الإصابة ولكن من الواضح أنه لا دخل لذلك في الإشكال على دليل الانسداد بخروج القياس

______________________________________________________

ولا علمي وتكون من موارد دليل الانسداد ، فلو لم يكن حكم العقل تعليقياً على عدم النهي وكان تعليقياً على عدم النصب فقط لم يكن نفس النهي موجباً للنصب ، فالعمدة إثبات كونه تعليقياً على عدم النهي. فلاحظ (١) (قوله : نهيه عنه) أي نهي الشارع عن الظن الحاصل من سبب ، وضمير (لحكمه) راجع إلى العقل ، (وعن موضوعه) راجع إلى حكم العقل ، وضمير (به) إلى النهي ، وضمير (موضوعه) إلى حكم العقل ، وضمير (لا يفيده) راجع إلى الظن ، وضمير (معه) الأولى راجع إلى الأمر ، (ومعه) الثانية راجع إلى النهي ، وضمير (حكمه) راجع إلى العقل وضمير (فيه) الأولى راجع إلى الأمر والثانية راجع إلى النهي ، وضمير (بلحاظه) راجع إلى حكم العقل (٢) (قوله : نعم لا بأس بالإشكال فيه) ضمير (فيه) الأولى وضمير (نفسه) راجع إلى النهي و (فيه) الثانية و (برأسه) راجع إلى الأمر ، يعني أن هاهنا إشكالا آخر في صحة النهي عن الظن مع قطع النّظر عن حكم العقل بوجوب اتباع الظن بل بالنظر إلى النهي نفسه فيقال : كيف يصح النهي عن الظن مع أنه ربما يصيب الواقع فيكون النهي عنه موجبا لتفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة؟ وهذا نظير الإشكال في الأمر بالظن الّذي توهمه ابن قبة ، غاية الأمر أن الإشكال في النهي يختص بصورة الإصابة وفي الأمر بصورة الخطأ (٣) (قوله : لا دخل لذلك في الإشكال على) فانه إشكال في صحة النهي من حيث حكم العقل ومنافاته له لا من حيث صحته

٢٠١

ضرورة أنه بعد الفراغ عن صحة النهي عنه في الجملة قد أشكل في عموم النهي لحال الانسداد بملاحظة حكم العقل وقد عرفت أنه بمكان من الفساد واستلزام إمكان المنع عنه لاحتمال المنع عن أمارة أخرى وقد اختفى علينا وإن كان موجباً لعدم استقلال العقل إلا أنه إنما يكون بالإضافة إلى تلك الأمارة لو كان غيرها مما لا يحتمل فيه المنع

______________________________________________________

في نفسه (١) (قوله : ضرورة أنه) ضمير (انه) راجع إلى الشأن (٢) (قوله : بملاحظة حكم) متعلق بأشكل (٣) (قوله : واستلزام) شروع في دفع ما ذكر في عبارة الرسائل بقوله : فان المنع ... إلخ ، وحاصل الدفع : أن إمكان المنع وان كان موجبا لاحتمال المنع بالنسبة إلى كل ظن ولو كان غير الظن القياسي إلا أنه إذا لم يمنع من الاحتمال مانع آخر من لزوم الخروج عن الدين وغيره مما دل على عدم جواز إهمال التكاليف فان ذلك مانع عن احتمال الترخيص في مخالفة الظن. نعم لو فرض حصول مقدار من الظنون لا يحتمل فيها المنع الشرعي بحيث يجب العمل عقلا عليها بلا مانع أمكن تأتي احتمال المنع الشرعي في غيرها إذ لا مانع حينئذ من احتمال المنع الشرعي (ويمكن) أن يقال : ان عدم وجود ما به الكفاية من الظنون لا يمنع من المنع الشرعي لأن مرجع المنع الشرعي إلى عدم جواز التعويل على الظن بحيث تكون المظنونات كالمشكوكات ، وحينئذ فلو كان مانع عن المخالفة من لزوم الخروج عن الدين ونحوه وجب ترتيب اثره. نعم لو كان مفاد النهي الشرعي الترخيص في مخالفة الظن من جميع الجهات كان ما ذكره في محله ، إلا انه لا يمكن التزامه في الظن القياسي فضلا عن غيره إذ لا ريب أنه لو فرض كون جميع الظنون من الظن القياسي لم يكن المنع عن القياس ممتنعا. فلاحظ وتأمل. فالعمدة إذاً في دفع الإشكال المذكور كون حكم العقل تعليقيا على عدم وصول المنع لا على عدم المنع واقعا فاحتمال المنع الشرعي لا يوجب توقف العقل عن الحكم بوجوب العمل بالظن (٤) (قوله : لاحتمال) متعلق باستلزام (٥) (قوله : وان كان) اسم كان ضمير راجع إلى الاستلزام (٦) (قوله : تلك الأمارة) يعني المحتمل فيها المنع

٢٠٢

بمقدار الكفاية وإلا فلا مجال لاحتمال المنع فيها مع فرض استقلال العقل ضرورة عدم استقلاله بحكم مع احتمال وجود مانعة على ما يأتي تحقيقه في الظن المانع والممنوع وقياس حكم العقل بكون الظن مناطا للإطاعة في هذا الحال على حكمه بكون العلم مناطا لها في حال الانفتاح لا يكاد يخفى على أحد فساده لوضوح أنه مع الفارق ضرورة أن حكمه في العلم على نحو التنجز وفيه على نحو التعليق. ثم لا يكاد ينقضي تعجبي لم خصصوا الإشكال بالنهي عن القياس مع جريانه في الأمر بطريق غير مفيد للظن بداهة انتفاء حكمه في مورد الطريق قطعاً مع أنه لا يظن بأحد أن يستشكل بذلك وليس إلّا لأجل ان حكمه به معلق على عدم النصب ومعه لا حكم له كما هو كذلك مع النهي عن بعض أفراد الظن فتدبر جيداً وقد انقدح بذلك أنه لا وقع للجواب عن الإشكال (تارة) بأن المنع عن القياس لأجل كونه غالب المخالفة (وأخرى) بأن العمل به يكون ذا مفسدة غالبة على مصلحة الواقع الثابتة عند الإصابة وذلك لبداهة أنه إنما يشكل بخروجه بعد الفراغ عن صحة المنع عنه في نفسه بملاحظة حكم العقل بحجية الظن ولا يكاد يجدي صحته كذلك في الذب عن الإشكال في صحته بهذا اللحاظ فافهم فانه لا يخلو عن دقة ، وأما ما قيل في جوابه من منع عموم المنع عنه بحال

______________________________________________________

(١) (قوله : مع فرض استقلال العقل) يعني لما تقدم من لزوم الخروج عن الدين لكن عرفت ما فيه (٢) (قوله : وقياس حكم العقل) كما ذكر في الرسائل في تقرير الإشكال (٣) (قوله : لم خصصوا الإشكال) الوجه في هذا التخصيص ما عرفت من الفرق بين نصب الطريق والنهي عن ظن (٤) (قوله : وذلك لبداهة) يعني أنك عرفت أن الإشكال في صحة النهي عن الظن من جهتين من حيث نفسه ومن حيث منافاته لحكم العقل بحجية الظن بعد الانسداد ، وهذان الجوابان إنما يدفعان الإشكال من الجهة الأولى لا الثانية فلا وقع لهما في المقام (٥) (قوله : بملاحظة حكم) متعلق بقوله : (يشكل) (٦) (قوله : صحته كذلك) يعني في نفسه (٧) (قوله : بهذا اللحاظ يعني لحاظ حكم العقل (٨) (قوله : من منع عموم المنع) هذان

٢٠٣

الانسداد أو منع حصول الظن منع بعد انكشاف حاله وأن ما يفسده أكثر مما يصلحه ففي غاية الفساد فانه مضافا إلى كون كل واحد من المنعين غير سديد لدعوى الإجماع على عموم المنع مع إطلاق أدلته وعموم علته وشهادة الوجدان بحصول الظن منه في بعض الأحيان لا يكاد يكون في دفع الإشكال بالقطع بخروج الظن الناشئ منه بمفيد غاية الأمر انه لا إشكال مع فرض أحد المنعين لكنه غير فرض الإشكال فتدبر جيداً.

______________________________________________________

جوابان آخر ان ذكرهما الشيخ (ره) في الرسائل (الأول) أنه ليس عن الظن القياسي منع شرعي حال الانسداد ليتوجه إشكال المنافاة بينه وبين حكم العقل (والثاني) أن القياس لا يفيد الظن بعد ما ورد في نصوص المنع عن القياس ما دل على غلبة مخالفته للواقع وان ما يفسده أكثر مما يصلحه وإذا لم يفد الظن لم يختلف حكم الشارع والعقل فيه إذ موضوع حكم العقل هو الظن لا نفس القياس وان لم يفد الظن (١) (قوله : لدعوى الإجماع) شروع في الجواب عن الأول (٢) (قوله : عموم المنع) يعني لحال الانسداد (٣) (قوله : وعموم علته) مثل : إن السنة إذا قيست محق الدين ، وان ما يفسده أكثر مما يصلحه (٤) (قوله : وشهادة الوجدان) شروع في الجواب عن الثاني (٥) (قوله : لا يكاد يكون في) خبر (ان) في (فانه) وحاصله إيراد على الجوابين معاً يعني لو سلمنا المنع في كل واحد من الجوابين ، لكن ذلك المنع لا يصلح لرفع الإشكال بل يكون فراراً عنه إذ ظاهر الجوابين تسليم المنافاة بين الحكم الشرعي والعقلي وهو عين الإشكال (٦) (قوله : بالقطع) متعلق بالإشكال (٧) (قوله : بمفيد) خبر يكون

٢٠٤

فصل

(إذا قام ظن على عدم حجية ظن بالخصوص)

فالتحقيق ان يقال بعد تصور المنع عن بعض الظنون في حال الانسداد إنه لا استقلال للعقل بحجية ظن احتمال المنع عنه فضلا عما إذا ظن كما أشرنا إليه في الفصل السابق فلا بد من الاقتصار على ظن قطع بعدم المنع عنه بالخصوص فان كفى وإلّا فبضميمة ما لم يظن المنع عنه وان احتمل مع قطع النّظر عن مقدمات الانسداد وان انسد باب هذا الاحتمال معها كما لا يخفى وذلك ضرورة انه لا احتمال مع الاستقلال حسب الفرض ومنه انقدح انه لا تتفاوت الحال لو قيل بكون النتيجة هي حجية الظن في الأصول أو في الفروع أو فيهما فافهم

______________________________________________________

(الظن المانع والممنوع)

(١) (قوله : بعد تصور المنع) حسبما تقدم ، ولو بنينا على امتناع المنع كان فرض الظن بالمنع ممتنعا (٢) (قوله : لا استقلال للعقل) قد عرفت أنه يمكن دعوى كون حكم العقل بحجية الظن معلقا على عدم ثبوت الردع لا على عدم الردع فاحتماله لا يمنع من حكم العقل بوجوب العمل (٣) (قوله : انه لا تتفاوت الحال) على ما ذكرنا تتفاوت الحال بينهما إذ بناء على حجية الظن بالأصول فالظن الممنوع مما يظن بعدم حجيته فلا يجوز العمل عليه ، وبناء على حجية الظن في الفروع يكون العمل على الممنوع لأنه منه دون المانع ، وبناء على حجية كل منهما يجوز العمل بكل واحد منهما في نفسه لكن لتمانعهما يتعين العمل بالمانع لأن المقتضي فيه تنجيزي وفي الممنوع تعليقي وذو المقتضي التنجيزي مقدم على ذي المقتضي التعليقي ، كما لو قام فرد من الخبر حجة على عدم حجية فرد آخر بحيث لو لا قيامه على عدم حجيته لكان حجة فان الأول لما كان صالحا لتخصيص دليل الحجية والثاني

٢٠٥

فصل

لا فرق في نتيجة دليل الانسداد بين الظن بالحكم من أمارة عليه وبين الظن به من أمارة متعلقة بألفاظ الآية أو الرواية كقول اللغوي فيما يورث الظن بمراد الشارع من لفظه وهو واضح. ولا يخفى أن اعتبار ما يورثه يختص بما إذا كان مما يفسد فيه باب العلم فقول أهل اللغة حجة فيما يورث الظن بالحكم مع الانسداد

______________________________________________________

لا يصلح لتخصيصه فان شمول دليل الحجية له مانع من شموله للأول لا بنحو التخصيص ، كان المتعين تقديم الأول على الثاني لئلا يلزم التخصيص بلا مخصص ، وكذا نقول في المقام بالنسبة إلى مناط حكم العقل بالحجية ، وسيأتي له نظائر كثيرة إن شاء الله ومنه يظهر الحال على طريقة التبعيض وعلى تقرير الاهتمام ، فالظن المانع لا يجامع الاهتمام في مورد الممنوع ، وعلى الكشف عن الطريق الواصل بنفسه فالعمل على المانع بناء على الترجيح بالظن لأن الظن بالمنع يوجب الظن بكون الطريق المنصوب غيره ، ومثله القول بالكشف عن الطريق الواصل بطريقه ، وأما القول بالكشف عن الطريق في الجملة فعلى تقدير إمكان الاحتياط ووجوبه يجب العمل بالممنوع لأنه من أطراف الشبهة والظن بالمنع لا يخرجه عنها ، وعلى تقدير العدم فالحكم هو الحكم في النحوين الأولين سواء قلنا بالكشف حينئذ كما احتملناه أم بالحكومة كما جزم به المصنف (ره) لما عرفت من ملازمة الظن المذكور لظن آخر يكون العمل عليه. فلاحظ وتأمل فان المقام به حقيق (١) (قوله : لا فرق في نتيجة دليل) من الواضح أنه إذا أنتجت المقدمات حجية الظن بالحكم بمناط كونه أقرب وقبح ترجيح المرجوح فلا فرق بين الظن به من أمارة قائمة عليه بلا واسطة وبين الظن به الحاصل من أمارة قائمة على غيره من جهة التلازم بينه وبين مؤدى الأمارة الموجب لحصول الظن بأحدهما من الظن بالآخر لاطراد المناط المذكور

٢٠٦

ولو انفتح باب العلم باللغة في غير المورد (نعم) لا يكاد يترتب عليه أثر آخر من تعيين المراد في وصية أو إقرار أو غيرهما من الموضوعات الخارجية الا فيما يثبت فيه حجية مطلق الظن بالخصوص أو ذاك المخصوص ومثله الظن الحاصل بحكم شرعي كلي من الظن بموضوع خارجي كالظن بأن راوي الخبر هو (زرارة بن أعين) مثلا لا آخر. فانقدح أن الظنون الرجالية مجدية في حال الانسداد ولو لم يقم دليل على اعتبار قول الرجالي لا من باب الشهادة ولا من باب الرواية (تنبيه) لا يبعد استقلال العقل بلزوم تقليل الاحتمالات المتطرقة إلى مثل السند

______________________________________________________

في الجميع ، كما لا فرق بين كون الأمارة مما توجب الظن غالبا ولا توجبه ، وما كان من الأسباب العادية وغيره لاتحاد الجميع في حصول المناط المذكور (١) (قوله : ولو انفتح باب العلم) كما أنه لو انفتح باب العلم بالاحكام فالظن به من قول اللغوي ليس بحجة وإن انسد باب العلم في اللغات كما تقدم في حجية قول اللغويين (٢) (قوله : نعم لا يكاد يترتب) إذ لا ملازمة بين حجية الظن بالاحكام وحجيته في سائر الموضوعات ذوات الآثار مثل الوصية والإقرار وغيرهما فإثبات حجيته فيها يتوقف على قيام دليل على حجية الظن مطلقا فيها أو خصوص الظن المعين ، فالظن بمراد الشارع الحاصل من قول اللغوي حجة دون الظن بمراد الموصي أو المقر الحاصل من قوله ، إلا أن يقوم عليه دليل بالخصوص ، يعني غير دليل الانسداد (٣) (قوله : أو ذاك المخصوص) لا مطلق الظن (٤) (قوله : ومثله الظن) أي مثل الظن الحاصل من قول اللغوي (٥) (قوله : على اعتبار قول الرجالي) أما دعوى كونه من باب الشهادة فليست الا من جهة كون موضوع الشهادة هو الاخبار عن الموضوع وإخبار الرجاليين عن مثل عدالة الراوي ووثاقته وكون أبي بصير الّذي يروي عنه ابن مسكان ليث المرادي ، والّذي يروي عنه شعيب بن يعقوب يحيى ابن القاسم ، ونحو ذلك من قبيل الاخبار عن الموضوع ، وقد عرفت هناك سقوط هذه الدعوى من جهة أنه وإن سلم كون موضوع الخبر هو الموضوع لا الحكم إلا أن المدلول الالتزامي له لما كان هو الحكم الكلي كان من قبيل الرواية من هذه الجهة. فلاحظ ذلك المقام وتأمل (قوله : لا يبعد استقلال)

٢٠٧

أو الدلالة أو جهة الصدور مهما أمكن في الرواية وعدم الاقتصار على الظن الحاصل منها بلا سد بابه فيه بالحجة من علم أو علمي وذلك لعدم جواز التنزل في صورة الانسداد إلى الضعيف مع التمكن من القوي أو ما بحكمه عقلا فتأمل جيداً

فصل

إنما الثابت بمقدمات دليل الانسداد في الأحكام هو حجية الظن فيها لا حجيته

______________________________________________________

(١) يعني إذا حصل الظن بالحكم من أمارة قامت عليه وكان احتمال الخلاف ناشئا من احتمال أمور كثيرة وأمكن المكلف سد بعض أبواب تلك الاحتمالات بالفحص عن وجود حجة رافعة لها علما كانت أو علميا وجب تحصيل تلك الحجة ورفع الاحتمال مهما أمكن وان لم ينته إلى العلم بالحكم لأن ارتفاع الاحتمال ولو من بعض الجهات موجب لقوة الظن ، وكما يجب الأخذ بالظن ولا يجوز التنزل عنه بمناط الأقربية إلى الواقع يجب الاقتصار على القوي منه ، ولا يجوز التنزل إلى الضعيف لعين المناط المذكور (٢) (قوله : أو جهة الصدور) وهي الجهة الباعثة على البيان مثل كونه بداعي بيان الواقع أو بداعي بيان غيره تقية أو غير ذلك (٣) (قوله : بابه) أي باب الاحتمال (٤) (قوله : وذلك لعدم) تعليل لوجوب تقليل الاحتمالات. ثم ان هذا التعليل إنما يوجب ما ذكر من الفحص إذا كان موجباً لتقليل الاحتمالات حقيقة فان ذلك موجب لقوة الظن أما إذا كان موجبا لتقليلها حكما كما لو كانت الحجة علميا لا علما فاقتضاؤه للفحص محل إشكال إذ بعد ما كان الظن بحاله ومرتبته ولا يقوى حقيقة بالفحص لا يحكم العقل بوجوبه ، ومجرد تقليله حكما لا يصلح مناطا في نظر العقل. فلاحظ وتأمل (٥) (قوله : من القوي) حقيقة كما لو كانت الحجة علما (٦) (قوله : أو ما بحكمه) لو كانت علميا

(الظن بالفراغ)

(٧) (قوله : انما الثابت بمقدمات دليل الانسداد) من الواضح ان للعمل بالظن

٢٠٨

في تطبيق المأتي به في الخارج معها فيتبع مثلا في وجوب صلاة الجمعة يومها لا في إتيانها بل لا بد من علم أو علمي بإتيانها كما لا يخفى. نعم ربما يجري نظير مقدمات الانسداد في الأحكام في بعض الموضوعات الخارجية من انسداد باب العلم به غالباً واهتمام الشارع به بحيث علم بعدم الرضا بمخالفته الواقع بإجراء الأصول فيه مهما أمكن وعدم وجوب الاحتياط شرعا أو عدم إمكانه عقلا

______________________________________________________

أو غيره من الحجج مقامين (أحدهما) مقام الإثبات والاشتغال (وثانيهما) مقام الفراغ والامتثال ، ولا تلازم بين المقامين في الحجج فكم من حجة في الأول لا تكون حجة في الثاني وبالعكس ، ومقدمات الانسداد إذا اقتضت حجية الظن في الأول فلا يلزم ان يكون حجة في الثاني ، وحينئذ فالمرجع في مقام الفراغ قواعد أخر مثل قاعدة الفراغ والصحة والتجاوز وغيرها ولا يكفي مجرد الظن في الفراغ (١) (قوله : في الخارج معها) الضمير راجع إلى الأحكام ومعها متعلق بتطبيق (٢) (قوله : نعم ربما يجري نظير مقدمات) بعد ما كانت مقدمات الانسداد في الأحكام لا توجب حجية الظن في الفراغ ، فنقول : ليس لنا دليل آخر على حجيته فيه بل لا يظن القول به من أحد. نعم قد يحكى عن الشيخ (ره) في جواهره القول بحجية الاطمئنان فيه وفي الأحكام ، بل ربما يحكى عن شيخنا المرتضى وكأن الوجه فيه بناء العقلاء لكن لو تم فإشكال الردع عنه بالآيات الناهية عن اتباع غير العلم قد تقدم ما له وما عليه. فراجع ، ولو فرض عدم تمامية البناء المذكور ولو من جهة الآيات الرادعة فقد يقرر في بعض الموضوعات نظير دليل الانسداد في الأحكام ليثبت بذلك حجية الظن به مثل الضرر الّذي صار موضوعا شرعا لأحكام كثيرة مثل جواز التيمم والإفطار والصلاة بالنجس أو من جلوس أو غير ذلك من أنحاء صلاة المضطر فانه وان لم يمكن إجراء مقدمات الانسداد فيه إذ لا يلزم من الرجوع إلى الأصول فيه مخالفة لعلم إجمالي فضلا عن المخالفة الكثيرة لقلة ابتلاء المكلف بمحتملاته ، وحصول الطريق الشرعي إلى إثباته أو نفيه في كثير

٢٠٩

كما في موارد الضرر المردد أمره بين الوجوب والحرمة مثلا فلا محيص عن اتباع الظن حينئذ أيضاً فافهم.

خاتمة يذكر فيها أمران استطراداً

(الأول) هل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلا في الفروع العملية المطلوب فيها أولا العمل بالجوارح يتبع في الأصول الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح

______________________________________________________

منها إلا أنه يمكن إجراء شبه الدليل المذكور فيقال ـ بعد انسداد باب العلم فيه ـ انا نعلم باهتمام الشارع في مراعاة الواقع بنحو لا يرضى بإجراء الأصول في كل مورد مورد ونعلم بعدم وجوب الاحتياط فيه شرعا أو انه لا يمكن لكون الدوران في موارد احتماله من قبيل الدوران بين محذورين ، إذ على تقدير ثبوت الضرر واقعا بالوضوء مثلا يحرم وعلى تقدير عدمه يجب ، فبضميمة قبح ترجيح المرجوح يحكم بوجوب الأخذ بالظن لأنه اقرب إلى إدراك مصلحة الواقع فيكون الظن فيه حجة كما يكون حجة في الأحكام على تقدير الانسداد. هذا ولكن يتوقف ما ذكر على إحراز الاهتمام المذكور كما يتوقف أيضا على عدم أخذ الخوف موضوعا لأدلة التشريع كما ورد في الإفطار وغيره ، إذ لو أخذ نفس الخوف كان بنفسه موضوعا للحكم الواقعي والظاهري ويحصل بالاحتمال العقلائي فضلا عن الشك والظن بل يمكن دعوى كون الخوف نفسه موضوعا للحكم الواقعي بأدلة نفي الحرج لأن التكليف بالوقوع في المخوف حرج مرفوع بها ، وحينئذ لا يحتاج إلى الظن بالضرر بل يكفي خوفه في ترتيب آثار الضرر. فلاحظ وتأمل (١) (قوله : كما في موارد الضرر) مثال لعدم إمكان الاحتياط ومثله موارد خوف فوت الوقت الموجب لسقوط اعتبار بعض ما يعتبر في الصلاة جزءاً أو شرطاً (٢) (قوله : أيضا فافهم) لعله إشارة إلى بعض ما ذكرناه في الحاشية السابقة

٢١٠

من الاعتقاد به وعقد القلب عليه وتحمله والانقياد له أولا؟ الظاهر (لا) فان الأمر الاعتقادي وان انسد باب القطع به إلا أن باب الاعتقاد إجمالا بما هو واقعه والانقياد له وتحمله غير منسد بخلاف العمل بالجوارح فانه لا يكاد يعلم مطابقته مع ما هو واقعه إلا بالاحتياط والمفروض عدم وجوبه شرعاً أو عدم جوازه عقلا ولا أقرب من العمل على وفق الظن ، وبالجملة لا موجب مع انسداد باب العلم في الاعتقاديات لترتيب الأعمال الجوانحية على الظن فيها مع إمكان ترتيبها على ما هو الواقع فيها فلا يتحمل إلا لما هو الواقع ولا ينقاد إلا له لا لما هو مظنونه ، وهذا بخلاف العمليات فانه لا محيص عن العمل بالظن فيها مع مقدمات الانسداد. نعم يجب تحصيل العلم في بعض

______________________________________________________

(الظن في أصول الدين)

(١) (قوله : من الاعتقادية) بيان لعمل الجوانح (٢) (قوله : وعقد) بيان للاعتقاد ومنه يظهر ان الاعتقاد ليس هو العلم ولا ملازما له لإمكان حصول العلم بالواقع مع عدم الاعتقاد به بل مع الاعتقاد بخلافه كما يشهد له قوله تعالى : (جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) فكل منهما ينفك عن الآخر (٣) (قوله : فان الأمر الاعتقادي) يعني أن العمل على الظن في الأصول الاعتقادية يتوقف على تتميم مقدمات الانسداد فيها وهو غير ممكن إذ منها عدم إمكان الاحتياط الموجب للدوران بين الأخذ بالطرف المظنون والموهوم وبقاعدة قبح ترجيح المرجوح يتعين الأول ، وفي المقام لا مجال للدوران المذكور لإمكان الاعتقاد بها إجمالا على ما هي عليه واقعاً ، إلا أن يدعى وجوب الاعتقاد بها تفصيلا حتى في حال الجهل فانه حيث لا يمكن العلم بها لا بد من سلوك الظن لأنه أقرب إلى الواقع ، لكن لا بد من الالتزام بالكشف إذ لو لم تكشف المقدمات عن كون الظن حجة شرعا كان الاعتقاد المطابق له تشريعاً محرما عقلا. فتأمل جيداً. إلا أن دعوى وجوب الاعتقاد تفصيلا مطلقاً لا دليل عليها من عقل أو شرع فلاحظ (٤) (قوله : لترتيب) متعلق

٢١١

الاعتقادات لو أمكن من باب وجوب المعرفة لنفسها كمعرفة الواجب تعالى وصفاته أداءً لشكر بعض نعمائه ومعرفة أنبيائه فانهم وسائط نعمه وآلائه بل

______________________________________________________

بموجب (١) (قوله : كمعرفة الواجب تعالى) لا ريب ظاهراً في وجوب هذه المعارف وانما الخلاف في وجوبها عقلا أو شرعا ، فالمحكي عن العدلية الأول ، وعن الأشاعرة الثاني ، والخلاف في ذلك منهم مبني على الخلاف في ثبوت قاعدة التحسين والتقبيح العقليين ، فعلى القول بها ـ كما هو مذهب الأولين ـ تكون واجبة عقلا لأن شكر المنعم ودفع الخوف عن النّفس واجبان وهما يتوقفان على المعرفة وما يتوقف عليه الواجب واجب ، وظاهر تقرير هذا الدليل كون وجوب المعرفة غيري ، والمصنف (ره) جعل وجوبها نفسياً بناء منه على كون المعرفة بنفسها شكراً ، فإذا كان الشكر واجباً عقلا لكونه حسنا بنفسه كانت المعرفة بنفسها واجبة لا أنها مقدمة لواجب ، ولذا قال في تعليل وجوبها : أداء لشكر بعض ... إلخ. نعم لو كان الشكر واجباً من باب وجوب دفع الضرر كان وجوبه غيره فيكون وجوب المعرفة حينئذ غيريا ، بل لو قلنا حينئذ بان وجوب دفع الضرر ليس عقلياً بل فطريا كان وجوبها فطريا غيريا لا عقلياً لا نفسياً ولا غيريا. والإنصاف يقتضي التأمل في وجوب الشكر لنفسه وان كان حصنا لأن حسنه لا يلازم وجوبه ، نعم هو واجب من باب وجوب دفع الضرر المحتمل فيكون وجوب المعرفة غيريا لا نفسياً. وأما كونه عقلياً أو فطريا فقد عرفت فيما سبق تحقيقه. فلاحظ. ثم إنه قد يتوهم كون وجوب المعرفة غيريا من جهة توقف الاعتقاد عليها ، لكنه انما يتم لو كان الاعتقاد واجباً تفصيلا مطلقاً غير مشروط بالمعرفة مع توقفه على المعرفة وقد عرفت الإشكال في الأول كما يمكن منع الثاني لإمكان تحقق الاعتقاد بلا معرفة غاية الأمر أنه تشريع محرم عقلا لكن تحريمه كذلك لا يقتضي وجوب المعرفة. نعم لو كان الواجب عقلا هو الاعتقاد عن معرفة كانت واجبة لغيرها لكنه أول الكلام (٢) (قوله : فانهم وسائط) يعني فتكون معرفتهم أداء للشكر الواجب

٢١٢

وكذا معرفة الإمام عليه‌السلام على وجه صحيح [١] فالعقل يستقل بوجوب معرفة النبي ووصيه لذلك ولاحتمال الضرر في تركه ولا يجب عقلا معرفة غير ما ذكر إلّا ما وجب شرعاً معرفته كمعرفة الإمام عليه‌السلام على وجه آخر غير صحيح أو أمر آخر مما دل الشرع على وجوب معرفته وما لا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل كان أصالة البراءة من وجوب معرفته محكمة ولا دلالة لمثل قوله تعالى : (وما خلقت الجن والأنس) الآية ولا لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس ، ولا لما دل على وجوب التفقه وطلب العلم من الآيات والروايات على وجوب معرفته بالعموم ضرورة أن المراد من : (ليعبدون) هو خصوص عبادة الله ومعرفته والنبوي إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات لا بيان حكم المعرفة

______________________________________________________

فتجب (١) (قوله : وكذا معرفة الإمام عليه‌السلام) يعني واجبة لنفسها لأن الإمامة كالنبوة من المناصب الإلهية فيكون الإمام عليه‌السلام من وسائط النعم فتجب معرفته كمعرفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا هو الوجه الصحيح (٢) (قوله : لذلك) يعني أداء للشكر (٣) (قوله : ولاحتمال الضرر) قد عرفت أن وجوبها لذلك يكون غيريا (٤) (قوله : على وجه آخر غير صحيح) وهو كون الإمامة من المناصب غير الإلهية (٥) (قوله : ولا دلالة لمثل قوله تعالى) الاستدلال بالآية الشريفة مبني على تفسير قوله تعالى : «ليعبدون» ب (يعرفون) كما في النص وكان الأولى التعرض لذلك (٦) (قوله : على وجوب معرفته) متعلق بقوله : دلالة (٧) (قوله : ضرورة أن المراد) بيان لوجه عدم الدلالة (٨) (قوله : خصوص عبادة) كأن مراده أن المعرفة المفسر بها العبادة خصوص معرفة الله

__________________

[١] وهو كون الإمامة كالنبوة منصباً إلهياً يحتاج إلى تعيينه تعالى ونصبه لا أنها من الفروع المتعلقة بافعال المكلفين وهو الوجه الآخر منه قدس‌سره

٢١٣

فلا إطلاق فيه أصلا ومثل آية النفر إنما هو بصدد بيان الطريق المتوسل به إلى التفقه الواجب لا بيان ما يجب فقهه ومعرفته كما لا يخفى ، وكذا ما دل على وجوب طلب العلم إنما هو بصدد الحث على طلبه لا بصدد بيان ما يجب العلم به. ثم إنه لا يجوز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلا أو شرعاً حيث انه ليس بمعرفة قطعاً فلا بد من تحصيل العلم لو أمكن ومع العجز عنه كان معذوراً ان كان عن قصور لغفلة أو لغموضة المطلب مع قلة الاستعداد كما هو المشاهد في كثير من النساء بل الرّجال بخلاف ما إذا كان عن تقصير في الاجتهاد ولو لأجل حب طريقة الآباء والأجداد واتباع سيرة السلف فانه كالجبلي للخلف وقلما عنه تخلف والمراد من المجاهدة في قوله تعالى : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) هو المجاهدة مع النّفس بتخليتها عن الرذائل وتحليتها بالفضائل وهي التي كانت أكبر من الجهاد لا النّظر والاجتهاد

______________________________________________________

لا غير (١) (قوله : فلا إطلاق) يعني يعرف به موضوع المعرفة (٢) (قوله : لا بيان ما يجب) فلا إطلاق لها أيضا ونحوه ما يأتي (٣) (قوله : كما هو المشاهد) إشارة إلى الخلاف في وجود القاصر الّذي ربما نسب إلى المشهور القول بنفيه لما دل على حصر المكلف بالمؤمن والكافر وان الكافر مخلد في النار بضميمة ما دل على قبح تعذيب القاصر ، ولقوله تعالى : «لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل» ولقوله تعالى : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وقد استدل المصنف ـ رحمه‌الله ـ على وجوده بالوجدان والمشاهدة. والإنصاف يقتضي الإذعان بما ذكر إذ لا يمكن التشكيك في وجود كثير من الرّجال والنساء بمرتبة من الغفلة وقلة الاستعداد (٤) (قوله : هو المجاهدة مع) هذا جواب عن الاستدلال بالآية على عدم وجود القاصر ، ويمكن الجواب عنها أيضاً بأنه لو سلم عمومها للاجتهاد والنّظر إلا أنها لا تنافي عدم الاهتداء لعدم الاجتهاد من جهة الغفلة وقلة الاستعداد ، كما يمكن الجواب عن الآية الأولى بأن المراد من الحجة

٢١٤

وإلا لأدى إلى الهداية مع انه يؤدي إلى الجهالة والضلالة إلّا إذا كانت هناك منه تعالى عناية فانه غالباً بصدد إثبات أن ما وجد آباءه عليه هو الحق لا بصدد الحق فيكون مقصراً مع اجتهاده ومؤاخذاً إذا أخطأ على قطعه واعتقاده. ثم لا استقلال للعقل بوجوب تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم فيما يجب تحصيله عقلا لو أمكن لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه بل بعدم جوازه لما أشرنا إليه من ان الأمور الاعتقادية مع عدم القطع بها أمكن الاعتقاد بما هو واقعها والانقياد لها فلا إلجاء فيها أصلا إلى التنزل إلى الظن فيما انسد فيه باب العلم بخلاف الفروع العملية كما لا يخفى. وكذلك لا دلالة من النقل على وجوبه فيما يجب معرفته مع الإمكان شرعاً بل الأدلة الدالة على النهي عن اتباع الظن دليل على عدم جوازه أيضاً. وقد انقدح من مطاوي ما ذكرنا

______________________________________________________

على الله المنفية ، الاحتجاج بعدم الإرسال كما يشهد به قوله تعالى : (هلا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك) لا مطلق الحجة ، ولو كانت هي القصور والغفلة. والجواب عن الأول مذكور في الرسائل ، وأشار المصنف ـ رحمه‌الله ـ في حاشيته على المتن إلى شيء منه فليلحظ وليتأمل (١) (قوله : وإلّا لأدى إلى) هذا إنما يتوجه لو أريد مطلق النّظر والاجتهاد ، وهو خلاف ظاهر الظرف فان المجاهدة في الله انما تكون بقصد الوصول إليه والفوز بمعرفته (٢) (قوله : لا استقلال للعقل) لا يخلو من تأمل إذ الظن أولى من الشك ، ولا يبعد أن يكون من مراتب العلم فوجوبه مع العجز عن تحصيل العلم بعين مناط وجوب تحصيل العلم من كونه شكراً أو غيره (٣) (قوله : لو أمكن) قيد ليجب والضمير فيه وفي تحصيله راجع إلى العلم (٤) (قوله : بل بعدم جوازه) هذا في غاية الغرابة وما ذكره دليلا عليه لا يقتضيه وانما يقتضي عدم وجوب تحصيل الظن ، لكن عرفت أن الظن من مراتب المعرفة فلا يبعد وجوبه عقلا كالعلم. نعم لا يجوز الاعتقاد على طبق الظن لو حصل لأنه تشريع (٥) (قوله : دليل على عدم جوازه) هذا غير ظاهر

٢١٥

أن القاصر يكون في الاعتقاديات للغفلة أو عدم الاستعداد للاجتهاد فيها لعدم وضوح الأمر فيها بمثابة لا يكون الجهل بها الا عن تقصير كما لا يخفى فيكون معذوراً [١] عقلا ولا يصغى إلى ما ربما قيل بعدم وجود القاصر فيها لكنه إنما يكون معذوراً غير معاقب على عدم معرفة الحق إذا لم يكن يعانده بل كان ينقاد له على إجماله لو احتمله. هذا بعض الكلام مما يناسب المقام ، وأما بيان حكم الجاهل من حيث الكفر والإسلام فهو مع عدم مناسبته خارج عن وضع الرسالة (الثاني) الظن الّذي لم يقم على حجيته دليل هل يجبر به ضعف السند أو الدلالة بحيث صار حجة ما لولاه لما كان بحجة أو يوهن به ما لولاه على خلافه لكان حجة أو يرجح به أحد المتعارضين بحيث

______________________________________________________

لأن مفاد تلك الأدلة النهي عن اتباعه بالاعتقاد بمؤداه ونحوه لا النهي عن تحصيله كما لا يخفى (١) (قوله : القاصر يكون) يكون هنا تامة وفاعلها ضمير القاصر (٢) (قوله : بل كان ينقاد) لما عرفت من وجوب الاعتقاد بالأمور الواقعية إجمالا (٣) (قوله : عدم مناسبته) من أجل عدم كونه بيانا لمسألة أصولية بل هي كلامية أو فرعية حسب اختلاف الآثار المقصودة (٤) (قوله : لم يقم على حجيته دليل) يعني حتى دليل الانسداد ، اما لو كان حجة بدليل الانسداد كان متبعاً بنفسه كما هو مقتضى حجيته ولو بدليل الانسداد كما سيأتي التنبيه عليه من المصنف (ره) (٥) (قوله : ما لولاه لما) كلمة (ما) اسم (صار) والضمير راجع إلى الظن ، يعني الأمر الّذي لو لا الظن لما كان حجة هل يصلح الخبر لجبره (٦) (قوله : ما لولاه) كلمة

__________________

[١] ولا ينافي ذلك عدم استحقاقه درجة بل استحقاقه دركة لنقصانه بسبب فقدانه للإيمان به تعالى أو برسوله أو لعدم معرفة أوليائه ضرورة أن نقصان الإنسان لذلك يوجب بعده عن ساحة جلاله تعالى وهو يستتبع لا محالة دركة من الدركات وعليه فلا إشكال فيما هو ظاهر بعض الروايات والآيات من خلود الكافر مطلقاً ولو كان قاصراً فقصوره إنما ينفعه في دفع المؤاخذة عنه بما يتبعها من الدركات لا فيما يستتبعه نقصان ذاته ودنو نفسه وخساسته فإذا انتهى إلى اقتضاء الذات لذلك فلا مجال للسؤال عنه بلم ذلك فافهم منه قدس‌سره

٢١٦

لولاه على وفقه لما كان ترجيح لأحدهما أو كان للآخر منهما أم لا؟ ومجمل القول في ذلك ان العبرة في حصول الجبران أو الرجحان بموافقته هو الدخول بذلك تحت دليل الحجية أو المرجحية الراجعة إلى دليل الحجية كما ان العبرة في الوهن انما هو الخروج بالمخالفة عن تحت دليل الحجية فلا يبعد جبر ضعف السند في الخبر بالظن بصدوره أو بصحة مضمونه ودخوله بذلك تحت ما دل على حجية ما يوثق به فراجع أدلة اعتبارها

______________________________________________________

(ما) نائب الفاعل ليوهن والضمير راجع إلى الظن ، و (على خلافه) ظرف مستقر حال من الضمير (١) (قوله : لما كان ترجيح) لتساويهما لو لا الظن (٢) (قوله : أو كان للآخر) لاشتمال الآخر على المرجح الّذي هو أضعف من الظن (٣) (قوله : هو الدخول) مثلا إذا كان خبر الفاسق ليس بحجة في نفسه ولكن الحجة الخبر المظنون صدوره فإذا ظن بصدور خبر الفاسق صار خبر الفاسق بواسطة الظن المذكور من افراد الحجة ، أما لو كان الحجة خصوص خبر العادل فالظن بصدور خبر الفاسق لا يوجب كونه من خبر العادل فلا يكون حجة ولا يكون الظن جابرا له والحكم في التوهين على العكس من ذلك ، مثلا إذا كان خبر العادل حجة مطلقا فالظن على خلافه لا يوجب وهنه إذ لا يخرج بالظن عن موضوع الحجة ، وإذا كان خبر العادل حجة بشرط ان لا يكون ظن على خلافه فقيام الظن على خلافه يوجب وهنه لأنه يخرج عن موضوع الحجة (٤) (قوله : الراجعة إلى دليل الحجية) يعني دليل المرجحية راجع إلى دليل الحجية لأن دليل الترجيح يجعل المشتمل على المرجح حجة ولولاه لما كان حجة (٥) (قوله : بصدوره أو بصحة) المحتمل بدواً في أدلة الحجية أحد أمور ثلاثة (الأول) حجية الخبر المظنون بصدوره بالنظر إلى نفس السند مثل كون الراوي ممن يظن بصدقة (الثاني) حجية مظنون الصدور ولو بالنظر إلى ما هو خارج عن السند مثل عمل الأصحاب به

٢١٧

وعدم جبر ضعف الدلالة بالظن بالمراد لاختصاص دليل الحجية بحجية الظهور في تعيين المراد والظن من أمارة خارجية به لا يوجب ظهور اللفظ فيه كما هو ظاهر إلا فيما أوجب القطع ولو إجمالا باحتفافه بما كان موجبا لظهوره فيه لو لا عروض انتفائه وعدم وهن السند بالظن بعدم صدوره وكذا عدم وهن دلالته مع ظهوره إلا فيما كشف بنحو معتبر عن ثبوت خلل في سنده أو وجود قرينة مانعة عن انعقاد ظهوره فيما فيه ظاهر لو لا تلك القرينة لعدم اختصاص دليل اعتبار خبر الثقة ولا دليل اعتبار الظهور بما إذا لم يكن ظن بعدم صدوره أو ظن بعدم إرادة ظهوره ، وأما الترجيح

______________________________________________________

واعتمادهم عليه (الثالث) حجية ما هو أعم من ذلك وما هو مظنون الصحة ومطابقة مؤداه الواقع ولو بالنظر إلى الخارج كما لو كان الخبر موافقا لفتوى المشهور وان لم يعتمدوا عليه كخبر الدعائم والرضوي ونحوهما ، وظاهر المصنف (ره) استظهار الثالث من أدلة الحجية ولا يخلو من تأمل بل المتيقن هو الأول وان كان الثاني أظهر (١) (قوله : وعدم جبر) معطوف على جبر ضعف السند (٢) (قوله : الا فيما أوجب) الاستثناء منقطع لأن ذلك من القطع بالظهور الّذي هو الحجة وهو غير محل الكلام (٣) (قوله : لو لا عروض) قيد لقوله موجبا (٤) (قوله : وعدم وهن) معطوف على جبر ضعف يعني لا يبعد عدم وهن السند بالظن بعدم الصدور. هذا ولكن لا يخفى أنه إذا كان الظن بالصدور أو بصحة المظنون كافيا في الجبر كان عدمه كافيا في الوهن فضلا عن الظن بعدم الصدور فيمتنع الجمع بين الدعوى الأولى مع هذه الدعوى ، إلا ان يريد الظن الشخصي في الثانية ، والنوعيّ في الأولى ، لكنه تفكيك خلاف الظاهر فتأمل جيداً (٥) (قوله : وكذا عدم) هذا يناسب ما سبق منه (٦) (قوله : الا فيما كشف) هذا الاستثناء منقطع لأن الكلام في التوهين بالظن غير المعتبر لا بالطريق المعتبر عداه (٧) (قوله : لو لا تلك قيد) لانعقاد ظهوره (٨) (قوله : لعدم اختصاص) تعليل لعدم وهن

٢١٨

بالظن فهو فرع دليل على الترجيح به بعد سقوط الأمارتين بالتعارض من البين وعدم حجية واحد منهما بخصوصه وعنوانه وإن بقي أحدهما بلا عنوان على حجيته ولم يقم دليل بالخصوص على الترجيح به وان ادعى شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ استفادته من الأخبار الدالة على الترجيح بالمرجحات الخاصة على ما يأتي تفصيله في التعادل والتراجيح ، ومقدمات الانسداد في الأحكام انما توجب حجية الظن بالحكم أو بالحجة لا الترجيح به ما لم يوجب الظن بأحدهما ، ومقدماته في خصوص الترجيح لو جرت انما توجب حجية الظن في تعيين المرجح لا انه مرجّح إلا إذا ظن أنه أيضا مرجح فتأمل جيداً. هذا فيما لم يقم على المنع عن العمل به بخصوصه دليل ، وأما ما قام الدليل على المنع عنه كذلك كالقياس فلا يكاد يكون به جبر أو وهن أو ترجيح فيما لا يكون لغيره أيضا وكذا فيما يكون به أحدها لوضوح أن الظن القياسي إذا كان على خلاف ما لولاه لكان حجة بعد المنع عنه لا يوجب خروجه عن تحت دليل الحجية وإذا كان على وفق ما لولاه لما كان حجة لا يوجب دخوله تحت دليل الحجية وهكذا لا يوجب ترجيح أحد المتعارضين

______________________________________________________

السند والدلالة بالظن ، وقد عرفت انه ينافي ما سبق إلا ان يكون المستفاد من أدلة الحجية ان موضوعها أحد الأمرين خبر العادل مثلا والخبر المظنون بصدوره فالظن بالخلاف لا يوجب خروج الأول عن موضوع الحجية وان كان يوجب خروج الثاني (١) (قوله : وان بقي أحدهما) سيجيء إن شاء الله الإشكال فيما ذكر (٢) (قوله : ما لم يوجب الظن) بل ولو أوجبه إذ الظن بالحكم حينئذ هو الحجة لا انه مرجح لأحد المتعارضين (٣) (قوله : ومقدماته في) يعني لو جرت مقدمات الانسداد في باب الترجيح كانت نتيجتها حجية الظن في تعيين المرجح ولا يثبت انه مرجح إلا إذا ظن بأنه مرجح فيكون الظن المذكور حجة بالمقدمات (٤) (قوله : فيما لا يكون لغيره) يعني المورد

٢١٩

وذلك لدلالة دليل المنع على إلغائه الشارع رأساً وعدم جواز استعماله في الشرعيات قطعاً ودخله في واحد منها نحو استعمال له فيها كما لا يخفى فتأمل جيداً

______________________________________________________

الّذي لا يكون الظن غير القياسي فيه جابراً أو موهنا أو مرجحا ، فالظن القياسي أيضا لا يكون جابراً ولا موهنا ولا مرجحا لاتحاد المناط لو لم يكن أولى وكذا لا يكون جابراً ولا موهنا ولا مرجحا في المورد الّذي يكون غيره فيه جابراً أو موهنا أو مرجحا (١) (قوله : وذلك لدلالة ... إلخ) تعليل لما أفاده بقوله : لوضوح ... إلخ (٢) (قوله : على إلغائه الشارع رأسا) (فان قلت) : ما الفرق بين دليل المنع عن الظن القياسي ودليل المنع عن مطلق الظن من الآيات؟ وهل فرق بين قوله تعالى : (ان الظن لا يغني من الحق شيئاً) وقوله عليه‌السلام : إن دين الله لا يصاب بالعقول؟ (قلت) : وإن لم يكن بينهما فرق من حيث الدلالة إلا ان بينهما فرقا من حيث العموم والخصوص فان نسبة ما دل على أن الخبر المظنون الصدور مثلا حجة إلى ما دل على المنع عن الظن بقول مطلق نسبة الخاصّ إلى العام فيقدم عليه ونسبته إلى ما دل على المنع عن القياس نسبة العامين من وجه الموجب للرجوع إلى الأصل في مورد التعارض وهو أصالة عدم الحجية فلاحظ (٣) (قوله : في واحد منها) أي من الجبر والوهن والترجيح. والله سبحانه اعلم بحقائق الأحكام ومنه نستمد الاعتصام في البدء والختام. تم على يد مؤلفه الحقير (محسن الطباطبائي الحكيم) في الثالث والعشرين من شهر شعبان من السنة الخامسة والأربعين بعد الألف والثلاثمائة حامداً لله سبحانه مصليا على رسوله وآله الطاهرين.

٢٢٠