حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

بنحو من الإطاعة وعدم إهمالها رأساً كما أشرنا إليها ولا شبهة في ان الظن بالواقع لو لم يكن أولى حينئذ لكونه أقرب في التوسل به إلى ما به الاهتمام من فعل الواجب وترك الحرام من الظن بالطريق فلا أقل من كونه مساويا فيما يهم العقل من تحصيل الأمن من العقوبة في كل حال. هذا ـ مع ما عرفت من أنه عادة يلازم الظن بأنه مؤدى طريق وهو بلا شبهة يكفي ولو لم يكن هناك ظن بالطريق فافهم فانه دقيق (ثانيهما) ما اختص به بعض المحققين قال : لا ريب في كوننا مكلفين بالاحكام الشرعية ولم يسقط عنا التكليف بالأحكام الشرعية وأن الواجب علينا أولا هو تحصيل العلم بتفريغ الذّمّة في حكم المكلف بان يقطع معه بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به وسقوط تكليفنا عنا سواء حصل العلم معه بأداء الواقع

______________________________________________________

المنجزية من جهة عدم إمكان الاحتياط في أطرافه أو كونه حرجيا كما يدعيه القائل المذكور كسقوط العلم بالتكاليف الواقعية عن التأثير في المنجزية لذلك أيضا (١) (قوله : بنحو من) متعلق برعاية (٢) (قوله : وعدم إهمالها) معطوف على نحو من الإطاعة مفسر له (٣) (قوله : كما أشرنا إليها) يعني في المقدمة الثالثة (٤) (قوله : مع ما عرفت من انه عادة) قد عرفت انه مجال تأمل أو منع (٥) (قوله : ما اختص به) يعني لم يتبعه في الفصول (٦) (قوله : وان الواجب علينا) يعني الواجب عقلا (٧) (قوله : يقطع معه) الضمير في الظرف راجع إلى قوله : لا ريب ... إلخ ، وليس لهذا الظرف موقع حسن. ثم إن مراده بالقطع بحكم الشارع القطع بالعمل على طبق الطريق المنصوب من قبل الشارع فان نصبه ملزوم لحكمه بفراغ المكلف بالعمل عليه عن الواقع المنصوب عليه (٨) (قوله : وسقوط) معطوف على (تفريغ) (٩) (قوله : سواء حصل العلم) كما لو كان الطريق موجبا للعلم بالواقع

__________________

ظن باعتبار طريق أصلا كما لا يخفى وأنت خبير بأنه لا وجه لاحتمال ذلك وإنما المتيقن هو لزوم رعاية الواقعيات في كل حال بعد لزوم رعاية الطرق المعلومة بالإجمال بين أطراف كثيرة فافهم. منه قدس‌سره

١٨١

أو لا حسبما مر تفصيل القول فيه فحينئذ نقول : إن صح لنا تحصيل العلم بتفريغ ذمتنا في حكم الشارع فلا إشكال في وجوبه وحصول البراءة به وان انسد علينا سبيل العلم كان الواجب علينا تحصيل الظن بالبراءة في حكمه إذ هو الأقرب إلى العلم به فيتعين الأخذ به عند التنزل من العلم في حكم العقل بعد انسداد سبيل العلم والقطع ببقاء التكليف دون ما يحصل معه الظن بأداء الواقع كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن. انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه ، (وفيه) أولا ان الحاكم على الاستقلال في باب تفريغ الذّمّة بالإطاعة والامتثال انما هو العقل وليس للشارع في هذا الباب حكم مولوي يتبعه حكم العقل. ولو حكم في هذا الباب كان بتبع حكمه إرشاداً إليه وقد عرفت استقلاله بكون الواقع بما هو مفرِّغ وان القطع به حقيقة أو تعبداً مؤمِّن جزماً وأن المؤمن في حال الانسداد هو الظن بما كان القطع به مؤمناً حال الانفتاح فيكون الظن بالواقع أيضا مؤمناً حال الانسداد (وثانياً) سلمنا ذلك لكن حكمه بتفريغ الذّمّة فيما إذا أتى المكلف بمؤدى الطريق المنصوب ليس إلّا بدعوى أن النصب يستلزمه مع ان دعوى أن التكليف بالواقع يستلزم حكمه بالتفريغ فيما إذا أتى به أولى كما لا يخفى فيكون الظن به ظنا بالحكم بالتفريغ أيضا

______________________________________________________

(١) (قوله : أولا) كما لو كان غير موجب للعلم بالواقع (٢) (قوله : والقطع ببقاء) معطوف على (انسداد) (٣) (قوله : بالإطاعة والامتثال) متعلق ب (الحاكم) (٤) (قوله : وليس للشارع في هذا) سيأتي في الفصل الآتي توضيح ذلك فانتظر (٥) (قوله : ولو حكم) الضمير المستتر في حكم راجع إلى الشارع وفي (حكمه) إلى العقل وفي إليه إلى حكمه (٦) (قوله : أو تعبداً) يعني كما في موارد الطرق (٧) (قوله : لكن حكمه) الضمير راجع إلى (الشارع) وضمير يستلزمه راجع إلى (حكمه) يعني أن حكم الشارع بفراغ الذّمّة انما جاء من جهة ان نصب الطريق يستلزم الحكم بفراغ الذّمّة بموافقته (٨) (قوله : أولى كما لا يخفى) وجه الأولوية أصالة الواقع في مقام

١٨٢

(ان قلت) : كيف يستلزم الظن [١] بالواقع مع انه ربما يقطع بعدم حكمه به معه كما إذا كان من القياس وهذا بخلاف الظن بالطريق فانه يستلزمه ولو كان من القياس (قلت) : الظن بالواقع أيضا يستلزم الظن بحكمه بالتفريغ ولا ينافي القطع بعدم حجيته لدى الشارع وعدم كون المكلف معذوراً إذا عمل به فيما أخطأ بل كان مستحقا للعقاب ولو فيما أصاب لو بني على حجيته والاقتصار عليه لتجريه فافهم «وثالثا» سلمنا أن الظن بالواقع لا يستلزم الظن به لكن قضيته ليس إلّا التنزل

______________________________________________________

التنزيل فإذا كان نصب الطريق إلى الواقع موجبا للحكم بفراغ الذّمّة عن الواقع بتوسط كون مؤداه بمنزلة الواقع مثلا فترتب الحكم بالفراغ على جعل الواقع أولى (١) (قوله : ان قلت كيف) يعني كيف يستلزم الظن بالواقع الظن بحكم الشارع بالفراغ بموافقته مع انه قد يقطع بعدم كونه طريقا عنده كالظن القياسي وحينئذ يقطع بعدم حكم الشارع بالفراغ مع هذا الظن (٢) (قوله : قلت الظن بالواقع) يعني أن الحكم بالفراغ ليس مختصا بنصب الطريق بل يترتب على إتيان الواقع أيضا فان جعل الطريق إنما يوجب الحكم بالفراغ عن الواقع من جهة كون مفاد الجعل جعل المؤدى بمنزلة الواقع أو جعل الطريق بمنزلة العلم بالواقع فالواقع لما كان ملحوظا لدليل الجعل كان الجعل موجبا للحكم بالفراغ ، وحينئذ فإيجاب جعل الواقع للحكم بالفراغ عنه بالعمل على طبقه أولى كما تقدم (٣) (قوله : لتجريه) تعليل لكونه مستحقا للعقاب ، وكان الأولى عطف التشريع على التجري فان البناء على أنه حجة تشريع موجب للعقاب (٤) (قوله : فافهم) يمكن أن يكون إشارة إلى أن العقاب المستحق في هذه الصورة من جهة التجري لا ينافي الحكم بالفراغ عن الواقع

__________________

[١] وذلك لضرورة الملازمة بين الإتيان بما كلف به واقعا وحكمه بالفراغ ويشهد به عدم جواز الحكم بعدمه لو سئل عن ان الإتيان بالمأمور به على وجهه هل هو مفرغ ولزوم حكمه بأنه مفرغ وإلّا لزم عدم إجزاء الأمر الواقعي وهو واضح البطلان. منه قدس‌سره

١٨٣

إلى الظن بأنه مؤدى طريق معتبر لا خصوص الظن بالطريق وقد عرفت أن الظن بالواقع لا يكاد ينفك عن الظن بأنه مؤدى الطريق غالبا

فصل

لا يخفى عدم مساعدة مقدمات الانسداد على الدلالة على كون الظن طريقاً منصوباً شرعاً ضرورة أنه معها لا يجب عقلا على الشارع أن ينصب طريقاً لجواز اجتزائه بما استقل به العقل في هذا الحال

______________________________________________________

المانع من استحقاق العقاب عليه لاختلاف الجهات (١) (قوله : لا خصوص) قد عرفت قرب دعوى كون المراد من الظن بالطريق الظن بكونه مؤدى طريق (٢) (قوله : لا يكاد ينفك) قد عرفت انه محل تأمل

(الكشف والحكومة)

(٣) (قوله : ضرورة انه معها) اعلم أن استكشاف كون الظن حجة شرعية يتوقف على إثبات مقدمتين (إحداهما) عدم المنجز العقلي للتكاليف الواقعية (ثانيتهما) عدم جواز الرجوع إلى الأصول النافية من جهة وجود الطريق الواصل ، فانه إذا ثبت هاتان المقدمتان لا بد من استكشاف حجية الظن إذ لا مجال لاحتمال وصول حجة شرعية غير الظن ، والمقدمة الأولى وان سلمناها من جهة عدم حجية العلم الإجمالي بالتكاليف لأجل ارتفاع الاحتياط التام بأدلة نفي الحرج وعدم صلاحية احتمال التكليف المهتم به بالمنجزية عقلا ، إلا ان المقدمة الثانية لا يمكن إثباتها لإمكان كون الإجماع على عدم جواز إهمال التكاليف كاشفا عن وجوب الاحتياط شرعا أو عن جعل حجة أخرى غير الظن عليها فلا مجال لاستكشاف حجية الظن عند الشارع ، واما المقدمات المذكورة لهذا الدليل ـ أعني دليل الانسداد ـ فلم تتكفل لإثبات هاتين المقدمتين ليمكن أن يستكشف بها حجية الظن شرعا ، بل مقتضى المقدمة الخامسة منها أن الاعتماد على الظن إنما كان بتوسط حكم العقل بقبح ترجيح المرجوح

١٨٤

ولا مجال لاستكشاف نصب الشارع من حكم العقل لقاعدة الملازمة ضرورة أنها إنما تكون في مورد قابل للحكم الشرعي والمورد هاهنا غير قابل له فان الإطاعة الظنية التي يستقل العقل بكفايتها في حال الانسداد إنما هي بمعنى عدم جواز مؤاخذة الشارع بأزيد منها وعدم جواز اقتصار المكلف بدونها ومؤاخذة الشارع غير قابلة لحكمه وهو واضح واقتصار المكلف بما دونها لما كان بنفسه موجباً للعقاب

______________________________________________________

وأين ذلك من مقام إثبات حجيته شرعا كما هو ظاهر (١) (قوله : ولا مجال لاستكشاف) هذا وجه لإثبات حجية الظن شرعا بالمقدمات ، وحاصله : انه إذا ثبت بالمقدمات وجوب العمل على طبق الظن عقلا لا بد أن يستكشف كونه كذلك شرعا لقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع وانه كلما حكم العقل حكم الشرع (٢) (قوله : ضرورة انها انما) هذا جواب عن الوجه المذكور ، وحاصله : ان الملازمة على تقدير القول بها انما تكون في مورد قابل للحكم الشرعي والمقام ليس منه فان حكم العقل بكفاية الإطاعة الظنية ينحل إلى أحكام ثلاثة «الأول» حكمه بعدم وجوب الإطاعة العلمية «ثانيها» حكمه بعدم جواز الاقتصار على الإطاعة الشكية أو الوهمية «ثالثها» حكمه بحسن الإطاعة الظنية. ومرجع الأول إلى حكمه بقبح مؤاخذة الشارع على ترك الإطاعة العلمية ، ومن المعلوم أن مؤاخذة الشارع من أفعاله التي يمتنع أن تكون موضوعا للأحكام الشرعية لأن موضوع الأحكام الشرعية انما يكون خصوص فعل العبد وأما موضوع الحكمين الآخرين فهو وان كان فعل العبد القابل للحكم الشرعي إلا أن تعلق الحكم الشرعي به بلا غرض لأن الغرض في الأحكام الشرعية هو احداث الداعي العقلي إلى متعلقه بحيث يحدث بسبب الأمر والنهي داع في نفس العبد إلى الفعل أو الترك ، ومن المعلوم أن هذا الداعي حاصل بذات الفعلين ولو لم يتعلق بهما حكم شرعي فان الاقتصار على الإطاعة الشكية والوهمية بنفسه منشأ لحسن العقاب في نظر العقل وكذا الإطاعة الظنية بنفسها منشأ للثواب في نظر العقل فالنهي عن الأولى تشريعا والأمر بالثانية كذلك إن كان بقصد احداث الداعي إلى الفعل والترك كان من قبيل تحصيل الحاصل وان كان بلا غرض فهو ممتنع

١٨٥

وان كان بغرض آخر لم يكن الوجوب والتحريم المستفادان منهما شرعيين لانحصار غرض الحكم الشرعي بما عرفت ، نعم يجوز أن يكونا إرشاديين بملاك الإرشاد إلى حكم العقل ولكنه ليس هو محل الكلام «ويمكن» أن يقال عليه : ان الأمر بالإطاعة كالأمر بنفس الصلاة ليس الغرض منه إلّا احداث الداعي إلى متعلقه بحيث يكون ذلك الداعي منشأ لإرادته ويترتب على تلك الإرادة وجوده في الخارج ، وهذا المعنى حاصل فيما نحن فيه لأن الأمر بالإطاعة يكون منشأ لحدوث الداعي في نفس العبد لإرادة نفس الإطاعة ، كما أن الأمر بالصلاة يكون منشأ لحدوث الداعي في نفس العبد لإرادة نفس الصلاة (وبالجملة) : أمر الصلاة انما اقتضى حدوث الداعي إلى نفس الصلاة لا إلى الإطاعة وأمر الإطاعة يقتضي حدوث الداعي إلى نفس الإطاعة وكيف يكون الأمر بالإطاعة بداعي احداث الداعي من قبيل تحصيل الحاصل؟ (وربما يقال) في وجه المنع : انه لو صح تعلق الأمر بالإطاعة لزم التسلسل إذ الأمر الثاني له طاعة فيتعلق بها أمر ثالث ويكون له إطاعة فيتعلق بها أمر رابع ... وهكذا (وفيه) أن التسلسل ممتنع في الأمور الحقيقية لا الاعتبارية لانقطاع الاعتبار بانقطاع ما به الاعتبار (وربما يقال) في وجه المنع : ان الإطاعة إما واجبة أو ممتنعة وكلاهما ليسا موضوعا للتكليف ، وذلك لأن الأمر الأول ان كان محركا فلا بد من تحقق الإطاعة وان لم يكن كذلك امتنعت (وفيه) أن عدم كونه محركا لا يوجب الامتناع لأن صلاحيته للمحركية كافية في كونها ممكنة ويصح أن يتعلق بها الأمر ، (وربما يقال) في وجه المنع : ان مفهوم الإطاعة منتزع من الفعل في ظرف وجود الأمر الباعث عليها ، ومن المعلوم امتناع تعلق التكليف بالمعلول في ظرف وجود الأمر الباعث عليها ، ومن المعلوم امتناع تعلق التكليف بالمعلول في ظرف وجود علته إذ المعلول في ظرف وجود علته واجب لا ممكن فلا تكون موضوعا للتكليف (وفيه) أن انتزاع مفهومها من ذات الفعل في ظرف وجود الأمر مسلم لأن وجود الأمر قيد لمفهوم الإطاعة إلّا أن ذات الأمر ليس علة تامة للفعل حتى يكون الأمر به امراً بالفعل في ظرف وجود علته التامة بل الأمر انما يكون علة لإحداث الداعي العقلي لا لإحداث الداعي الخارجي ليكون علة للفعل بل هو

١٨٦

بالإضافة إلى الفعل من قبيل المقتضي ، فلا مجال حينئذ للإشكال «والتحقيق» في وجه المنع : انك قد عرفت في مبحث التجري أن منشأ انتزاع عنوان الإطاعة مما يمتنع أن يكون منشأ انتزاع عنوان موضوع الأمر المطاع لاختلافهما في الرتبة ، «فإذا قلت» : أمر زيد بالصلاة فصلى ، فالصلاة التي هي مدخول الباء التي هي عنوان المأمور به غير الصلاة الواقعة بعد الفاء مرتبة وإن اتحدت معها ذاتاً ، وعنوان الإطاعة انما ينتزع من الفعل في رتبة لاحقة للأمر وعنوان المأمور به انما ينتزع من الفعل في رتبة سابقة على الأمر ، وحينئذ إذا أمر زيد بالصلاة ثم أمر بإطاعة الأمر المذكور فالإطاعة التي تنشأ من الأمر الثاني غير إطاعة الأمر الأول التي صارت موضوعا للأمر الثاني ، فإذا انقاد زيد للأمر الثاني كان ذلك منه طاعة للأمر الثاني لا غير وليس طاعة للأمر الأول ، وحينئذ فيستحق ثوابا واحداً على إطاعة الأمر الثاني ولا يستحق ثوابا على إطاعة الأمر الأول ، كما أنه لو انقاد للأمر الأول غافلا عن الأمر الثاني استحق ثوابا على إطاعة الأمر الأول لا غير ، فإذا امتنع انطباق عنواني إطاعتي الأمرين على فعل خارجي واحد جاء الإشكال في الأمر بالإطاعة «أولا» من جهة انه نقض للغرض من الأمر الأول إذ الغرض منه أن يترتب عليه الفعل الخارجي وهذا ينافيه الغرض من الأمر الثاني لامتناع ترتب الفعل على الأمرين معاً «وثانياً» من جهة أنه إيقاع المكلف بما لا يقدر عليه إذ يمتنع على المكلف إطاعة كل من الأمرين إذ الأمر الثاني لما كان متعلقاً بإطاعة الأمر الأول فهو منوط بوجوده ، ومن المعلوم أن الأمر الأول في ظرف وجوده يبعث نحو إطاعته والأمر الثاني في ذلك الظرف يبعث نحو إطاعة نفسه ، فإذا امتنع تحقق الإطاعة لكل منهما كان الأمران موجبين لوقوع المكلف بغير المقدور ، وليس هذا من الترتب الّذي نقول بإمكانه. فتأمل «وثالثا» من جهة ان انبعاث المكلف بالأمر الثاني نحو إطاعة الأول إذا كان محالا لما عرفت من أن انبعاثه عن الأمر الثاني ينافي إطاعته للأمر الأول كيف يمكن أن يكون غرضاً للأمر الثاني فيكون الأمر الثاني بلا غرض وهو ممتنع (فان قلت) : قد ثبت في الشريعة

١٨٧

مطلقاً إلا فيما أصاب الظن كما أنها بنفسها موجبة للثواب أخطأ أو أصاب من دون حاجة إلى أمر بها أو نهي عن مخالفتها كان حكم الشارع فيه مولويا بلا ملاك يوجبه كما لا يخفى ولا بأس به إرشاديا كما هو شأنه في حكمه بوجوب الإطاعة وحرمة المعصية

______________________________________________________

الأمر بالإطاعة في كثير من الموارد مثل إطاعة الولد لوالده والعبد لسيده والزوجة لزوجها وعامة المكلفين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام وغير ذلك من الموارد «قلت» : هذه الأوامر ليست في الحقيقة أمراً بالإطاعة حقيقة ، بل هو أمر بنفس المأمور به ، فمعنى وجوب إطاعة الوالد أنه يجب على الولد إذا أمره أبوه بالقيام أن يقوم أو بالقعود أن يقعد. ويشهد لما ذكرنا حكم العقلاء بعدم استحقاق المأمور للجزاء من المطاع بل انما يستحق الجزاء من الآمر بالإطاعة ، كما أنه لو انقاد المأمور لأمر المطاع لا من جهة الأمر بالإطاعة استحق الجزاء على المطاع لا على الآمر بالإطاعة ، ولذلك نقول : لو أمر زيد عمرا بإطاعة بكر كان زيد ضامناً لعمل عمرو ولا ضمان على بكر. ومن ذلك كله يظهر أن الأمر المولوي بنفس الإطاعة التي هي موضوع حكم العقل بالحسن أو باستحقاق الثواب لا معنى له أصلا. فافهم وتأمل فان المقام بذلك حقيق ومنه سبحانه نستمد التوفيق (١) (قوله : مطلقاً) يعني سواء أخطأ الظن أم أصاب ، واستحقاقه للعقاب في صورة إصابة الظن من جهة التفويت وفي صورة الخطأ من جهة التجري ، ولو قال بدله : مطلقاً أو فيما أخطأ الظن والشك ، لكان أولى إذ لو قلنا بعدم استحقاق المتجري للعقاب ففي صورة إصابة الإطاعة الشكية والوهمية للواقع اللتين اقتصر عليهما المكلف لا مجال لاستحقاق العقاب ولو أصاب الظن (٢) (قوله : كما انها بنفسها) الضمير فيهما راجع إلى الإطاعة الظنية (٣) (قوله : أخطأ أو أصاب) الثواب في الأول لمجرد الانقياد وفي الثاني للإطاعة الحقيقية (٤) (قوله : حكم الشارع) هذا جواب (لما) في قوله : لما كان بنفسه .. إلخ (٥) (قوله : بلا ملاك) خبر كان وضمير به في «ولا بأس به» راجع إلى حكم الشارع وضمير «شأنه» راجع إلى الشارع ،

١٨٨

وصحة نصبه الطريق وجعله في كل حال بملاك يوجب نصبه وحكمة داعية إليه لا تنافي استقلال العقل بلزوم الإطاعة بنحو حال الانسداد كما يحكم بلزومها بنحو آخر حال الانفتاح من دون استكشاف حكم الشارع بلزومها مولويا لما عرفت فانقدح بذلك عدم صحة تقرير المقدمات إلا على نحو الحكومة دون الكشف وعليها فلا إهمال في النتيجة أصلا سبباً ومورداً ومرتبة لعدم تطرق الإهمال والإجمال في حكم العقل كما لا يخفى. أما بحسب الأسباب فلا تفاوت بنظره فيها وأما بحسب الموارد فيمكن أن يقال بعدم استقلاله بكفاية الإطاعة الظنية الا فيما ليس للشارع مزيد اهتمام فيه بفعل الواجب وترك الحرام واستقلاله بوجوب الاحتياط فيما فيه مزيد الاهتمام كما في الفروج والدماء بل وسائر حقوق الناس مما لا يلزم من الاحتياط فيها العسر وأما بحسب المرتبة فكذلك لا يستقل إلا بلزوم التنزل إلى مرتبة الاطمئنان من الظن بعدم التكليف الا على تقدير عدم كفايتها في دفع محذور العسر وأما على تقرير الكشف

______________________________________________________

(١) (قوله : وصحة نصبه) هذا مبتدأ خبره : لا تنافي استقلال العقل ... إلخ ، ومراده بهذا الكلام دفع توهم يقع في المقام ، وحاصل التوهم : انه لو كان للعقل حكم في باب الإطاعة والمعصية بحيث يصح تعويل الشارع عليه امتنع حينئذ على الشارع نصب الطريق لأنه لغو ، وحاصل الدفع : انه لا تنافي بين صحة نصب الطريق وإمكان التعويل على العقل في كيفية الإطاعة لجواز أن تكون هنا جهة داعية إلى نصب الشارع للطريق مثل التسهيل على المكلف وغير ذلك فان نصب طريقاً كان هو المعول عليه عند العقل وإلّا فلا بد للعقل من حكم بلزوم نحو خاص من الإطاعة كالإطاعة الظنية حال الانسداد والإطاعة العلمية حال الانفتاح (٢) (قوله : لما عرفت) يعني هنا (٣) (قوله : وعليها) يعني على الحكومة (٤) (قوله : فلا إهمال في النتيجة) قد ذكر المصنف ـ رحمه‌الله ـ هنا أمرين (أحدهما) انه على الحكومة ليست نتيجة المقدمات مهملة مرددة ، وعلله بأنه لا مجال للإهمال في حكم العقل ، وما ذكره في محله لأن العقل إذا كان هو المرجع في كيفية الإطاعة فلا مجال للتردد

١٨٩

في حكمه لأنه إذا أحرز مناط حكمه حكم وإذا شك فيه لم يحكم جزما ولا تنتهي النوبة إلى الشك في حكم العقل ، ولا ينافي هذا ما ذكره في الاستصحاب من إمكان تطرق الإهمال إلى ما هو موضوع حكم العقل لكونه أجنبيا عنه إذ هو في الحقيقة إهمال في موضوع حكمه شأنا كما سيأتي إن شاء الله لا في نفس حكمه كما هو محل الكلام (الثاني) انه على تقدير عدم الإهمال فلا تفاوت في نظره بحسب الأسباب لأن المناط في حكمه بلزوم العمل بالظن هو كونه اقرب من الشك والوهم ، وهذا المناط لا يختلف باختلاف أسباب الظن ، نعم تتفاوت بنظره الموارد لاختلافها من حيث مزيد الاهتمام وعدمه فيمكن التفكيك بينها في وجوب الاحتياط وعدمه وكذا تتفاوت مراتب الظن من حيث القوة والضعف فيمكن التفكيك بينها في وجوب الاحتياط وعدمه أيضا. وحينئذ نقول : على طريقة التبعيض بجعل المنجز هو العلم الإجمالي كما هو مذهب الشيخ (ره) فاللازم الاحتياط في كل ما لا يلزم من الاحتياط فيه الحرج ورفع اليد عنه فيما يلزم منه الحرج ، فإذا كان ترك الاحتياط في تمام موهومات التكليف هو الكافي في رفع الحرج وجب الاحتياط في مظنوناته ومشكوكاته ، وإذا كان ترك الاحتياط في بعض الموهومات كافيا في رفع الحرج وجب الاقتصار في ترك الاحتياط على بعضها ، وحينئذ لا ترجيح من حيث السبب ويكون الترجيح من حيث المورد أو من حيث المرتبة ، فإذا اختلفت الموارد من حيث مزيد الاهتمام وعدمه تعين ترك الاحتياط في خصوص ما لا مزيد للاهتمام فيه ، كما انه لو اختلفت من حيث المرتبة فكان الظن بعدم التكليف في بعضها أقوى من بعض تعين ترك الاحتياط في الأول ومع التساوي ليتخير ، وعلى تقدير كون المنجز هو العلم بالاهتمام أو الإجماع فالتعميم والتخصيص من حيث السبب والمورد والمرتبة تابع للعلم بالاهتمام والإجماع ، فكل مورد ثبت وجوب الاحتياط فيه شرعا للإجماع أو العلم بالاهتمام وجب فيه الاحتياط عقلا ، وكل مورد لم يثبت فيه وجوب الاحتياط لعدم ثبوت الإجماع أو العلم بالاهتمام لم يجب فيه الاحتياط عقلا ، ولا مجال للترجيح بالمرتبة أو بمزيد الاهتمام على هذا

١٩٠

فلو قيل بكون النتيجة هو نصب الطريق الواصل بنفسه فلا إهمال فيها أيضا بحسب الأسباب بل يستكشف حينئذ أن الكل حجة لو لم يكن بينها ما هو المتيقن وإلّا فلا مجال لاستكشاف حجية غيره ولا بحسب الموارد بل يحكم بحجيته في جميعها وإلّا لزم عدم وصول الحجة ولو لأجل التردد في مواردها كما لا يخفى

______________________________________________________

المبني. نعم لو قام الإجماع أو علم بالاهتمام في مقدار لم يمكن الاحتياط فيه أو كان الاحتياط بتمامه حرجا يرجع حينئذ إلى الترجيح بالمرتبة أو بمزيد الاهتمام. فلاحظ وتأمل (١) (قوله : فلو قيل بكون النتيجة) محتملات الكشف ثلاثة (الأول) أن يكون المستكشف نصب الطريق الواصل بنفسه بمعنى كون المقدمات موجبة للعلم بطريقية شيء بعينه (الثاني) أن يكون المستكشف منها نصب الطريق الواصل ولو بطريقه بمعنى كونها موجبة للعلم بطريقية شيء بعينه ولو بواسطة العلم بطريقيته من طريق يؤدي إليه فتعلم طريقيته بتوسط قيام طريق عليه (الثالث) أن يكون المستكشف نصب طريق وان لم يعلم هو بنفسه ولا بقيام طريق يؤدي إليه ، والكلام في لازم الاحتمال الأول من حيث السبب ، أو من حيث الموارد ، أو من حيث المرتبة هو أنه إن كان بين الأسباب أو الموارد أو المراتب قدر متيقن وأف بحيث لا يمكن إجراء مقدمات الانسداد فيما عداه وجب الاقتصار عليه والحكم بحجيته وعدم حجية ما سواه ، أما الحكم بحجيته فلفرض كونها متيقنة ، وأما عدم حجية ما سواه فلعدم الموجب لاستكشاف ذلك بعد صدق الطريق الواصل المستكشف نصبه على الأول ، ولا فرق بين ان يكون لبعض الظنون مزية أولا فان المزية لما لا توجب كون ذيها متيقن الاعتبار لا تصلح لأن تكون منشأ لانطباق الطريق الواصل على ذيها كما لا يخفى ، ومن ذلك يظهر لك التأمل في كلمات المصنف (ره) كما سننبه عليه (٢) (قوله : ولا بحسب الموارد) يعني ولا إهمال بحسب الموارد (٣) (قوله : وإلا لزم عدم) هذا إذا لم يكن قدر متيقن واف بين الموارد وإلّا انطبق على الظن فيه عنوان الطريق الواصل ولم يكن مجال لاستكشاف الحجة

١٩١

ودعوى الإجماع على التعميم بحسبها في مثل هذه المسألة المستحدثة مجازفة جداً وأما بحسب المرتبة ففيها إهمال لأجل احتمال حجية خصوص الاطمئناني منه إذا كان وافياً فلا بد من الاقتصار عليه ولو قيل بان النتيجة هو نصب الطريق الواصل ولو بطريقه فلا إهمال فيها بحسب الأسباب

______________________________________________________

في غيره كما عرفت ومنافاة التردد للوصول إذا لم يكن قدر متيقن كما هو ظاهر بالتأمل (١) (قوله : ودعوى الإجماع) هذه الدعوى صدرت من شيخنا الأعظم (ره) في رسائله (٢) (قوله : مجازفة جدا) يمكن أن لا تكون مجازفة وان كانت المسألة مستحدثة إذا عرف الحكم من مذاق العلماء وهو كثير في نظائره فلاحظ (٣) (قوله : ففيها إهمال لأجل لا يخفى أن خصوصية الظن الاطمئناني إن كانت موجبة لكونه متيقن الاعتبار بالإضافة إلى غيره تعين كونه هو الطريق المنصوب بعين ما ذكره في السبب ولا إهمال ، وان لم تكن كذلك بحيث يحتمل ان يكون المنصوب غيره فحيث ان التردد في المنصوب ينافي الوصول المفروض لا بد من الحكم بحجية الجميع ولا إهمال ، فلا يظهر للحكم بالإهمال وجه واضح (٤) (قوله : ولو قيل بأن النتيجة هو) هذا تعرض للازم الاحتمال الثاني من محتملات الكشف ، وحاصل ما ذكره ان الكلام فيه (تارة) من حيث السبب (وأخرى) من حيث المورد (وثالثة) من حيث المرتبة (أما) من حيث السبب فهو ان الظن بالاحكام تارة يكون سببه واحدا كالخبر مثلا ، وأخرى يكون متعددا ، والمتعدد تارة يكون متفاوتا من حيث اليقين بالاعتبار أو الظن به ، وتارة لا يكون متفاوتا ، فان كان واحداً أو غير متفاوت فلا إهمال حينئذ بل يحكم بحجية الواحد في الأول والجميع في الثاني اما الأول فلأن الوحدة موجبة للتعين بالذات فلا مجال للإهمال والتردد ، واما الثاني فلان التساوي وعدم التفاوت مانع من تعين البعض ولو بواسطة ظن آخر لكون المفروض تساويها من جميع الجهات ، فلو كان البعض حجة دون غيره كان بلا معين فلا يكون وأصلا وهو خلف ، فلا بد أن يكون الجميع حجة ، وان كانت

١٩٢

لو لم يكن فيها تفاوت أصلا أو لم يكن بينها إلا واحد ، وإلا فلا بد من الاقتصار على متيقن الاعتبار منها أو مظنونه بإجراء مقدمات دليل الانسداد حينئذ مرة أو مرات في تعيين الطريق المنصوب حتى ينتهي إلى ظن واحد أو إلى ظنون متعددة لا تفاوت

______________________________________________________

متفاوتة في اليقين بالاعتبار بأن كان بعضها متيقن الاعتبار دون بعض كان المتيقن هو الحجة لكونه وأصلا إلى المكلف ، وان كانت متفاوتة بالظن بالاعتبار بأن كان بعضها مظنون الاعتبار دون ما سواه جرى دليل الانسداد في تعين الحجة على الاعتبار ، فيقال : الظن بالواقع منه مظنون الاعتبار ، ومنه مشكوك الاعتبار ومنه موهوم الاعتبار. ثم يقال : الظن باعتبار بعض الظنون المتعلقة بالواقع إما ان يكون واحدا فهو الحجة على الاعتبار أو متعدداً وكلها متساوية في تيقن الاعتبار أو بالظن به كما تقدم فكلها حجة أيضا أو بعضها متيقن الاعتبار دون غيره فهو الحجة دون غيره ، وان كان متعدداً متفاوتاً في الظن بالاعتبار فلا بد من إجراء الدليل ثالثا لتعيين الحجة على اعتبار الظن بالاعتبار فيقال كما ذكر ، وهكذا حتى ينتهي الأمر إلى ظن واحد أو ظنون متساوية أو بعضها متيقن الاعتبار فيكون ذلك هو الحجة. ثم منه ينتقل إلى إثبات غيره حتى يتعين الظن الّذي هو حجة على الواقع ويكون وأصلا إلى المكلف بطريقه لا بنفسه (واما) من حيث المورد والمرتبة فسيأتي (١) (قوله : لو لم يكن فيها تفاوت) بأن كانت كلها متيقنة الاعتبار أو مظنونة الاعتبار بظن واحد أو بظنون متعددة متيقنة الاعتبار أو مظنونة الاعتبار بظن واحد وهكذا بحيث ينتهي الحال إلى تساوي الظنون من جميع الحيثيات (٢) (قوله : وإلا فلا بد) يعني إذا كانت متعددة متفاوتة من حيث اليقين بالاعتبار أو الظن به (٣) (قوله : على متيقن) يعني ان كانت متفاوتة في اليقين بالاعتبار (٤) (قوله : أو مظنونه) يعني ان كانت متفاوتة بالظن بالاعتبار (٥) (قوله : بإجراء مقدمات دليل الانسداد) قد عرفت صورة الدليل في الحاشية السابقة ولا يتوقف استكشاف الطريق على عدم وجوب الاحتياط في محتملات

١٩٣

بينها فيحكم بحجية كلها ، أو متفاوتة يكون بعضها الوافي متيقن الاعتبار فيقتصر عليه وأما بحسب الموارد والمرتبة فكما إذا كانت النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه فتدبر جيداً ، ولو قيل بان النتيجة هو الطريق ولو لم يصل أصلا فالإهمال فيها يكون من الجهات ولا محيص حينئذ إلا من الاحتياط في الطريق بمراعاة أطراف الاحتمال لو لم يكن بينها متيقن الاعتبار لو لم يلزم منه محذور وإلا لزم التنزل إلى حكومة العقل بالاستقلال فتأمل فان المقام من مزال الأقدام (وهم ودفع)

______________________________________________________

الطريق التي هي إحدى المقدمات لدليل الانسداد ، فان مقدمات الانسداد في نفس الأحكام لما كانت موجبة للعلم بنصب الطريق الواصل ولو بطريقه لم يتوقف استكشاف الطريقية على ذلك بل يكفي التفاوت في الظن بالاعتبار وعدمه حتى ينتهي الأمر إلى ظن واحد أو متعدد متيقن الاعتبار ، كما انك عرفت الإشارة إلى كفاية التفاوت بين الظن بالاعتبار في الظن باعتباره وعدمه بل يكفي التفاوت في ذلك ولو في بعض المراتب البعيدة فتأمل جيداً (١) (قوله : فكما إذا كانت النتيجة) يعني من التعميم في الأول والإهمال في الثاني ، وقد عرفت أن اللازم التفصيل بين ما لو كان قدر متيقن واف فهو الحجة وغيره فاللازم التعميم (٢) (قوله : ولو قيل بان النتيجة) هذا إشارة إلى لازم الاحتمال الثالث (٣) (قوله : ولا محيص حينئذ الا من) لعدم الطريق إلى التعيين (٤) (قوله : لو لم يكن بينها متيقن) وإلا فالمتيقن الاعتبار هو الحجة (٥) (قوله : لو لم يلزم) قيد لقوله : فلا محيص ... إلخ ، والمراد بالمحذور اختلال النظام أو الحرج (٦) (قوله : وإلا لزم التنزل) يعني وان لزم المحذور لزم التنزل من الكشف إلى الحكومة ، وكأن الوجه في تعين الحكومة حينئذ لزوم التسلسل لتساوي المراتب وإلّا فلو أمكن الاحتياط في أطراف محتمل الطريق على الطريق فلا كشف ولا حكومة ، أو كان هناك متيقن الطريقية على الطريق أمكن القول بالكشف بعين الوجه في الكشف في

١٩٤

لعلك تقول : ان القدر المتيقن الوافي لو كان في البين لما كان مجال لدليل الانسداد ضرورة أنه من مقدماته انسداد باب العلمي أيضاً ، لكنك غفلت عن أن المراد ما إذا كان اليقين بالاعتبار من قبله لأجل اليقين بأنه لو كان شيء حجة شرعاً كان هذا الشيء حجة قطعاً بداهة أن الدليل على أحد المتلازمين إنما هو الدليل على الآخر لا الدليل على الملازمة. ثم لا يخفى أن الظن باعتبار الظن بالخصوص يوجب اليقين باعتباره من باب دليل الانسداد على تقرير الكشف بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه فانه حينئذ

______________________________________________________

دليل الانسداد في الأحكام فتأمل جيداً (١) (قوله : لعلك تقول) هذا هو الوهم وحاصله : أنه لا مجال للتفصيل بين صورة وجود المتيقن الوافي وعدمها في محتملات الكشف لأن وجود القدر المتيقن مانع من تتميم مقدمات الانسداد ، إذ من المقدمات انسداد باب العلمي (٢) (قوله : لكنك غفلت عن) هذا دفع للوهم وحاصله : أن وجود القدر المتيقن انما يكون منافياً لتتميم مقدمات الانسداد لو كان اليقين بوجود القدر المتيقن حاصلا بلا توسط دليل الانسداد ، أما إذا كان حاصلا بواسطته فلا يعقل أن يكون منافياً له لأن المعلول يمتنع أن يكون منافياً لعلته واليقين بالقدر المتيقن حاصل من دليل الانسداد ، وذلك لأن اليقين بأن خبر الثقة مثلا حجة ناشئ من يقينين : أحدهما اليقين بنصب الطريق ، ثانيهما اليقين بالملازمة بين نصب الطريق وكون القدر المتيقن طريقا ، واليقين الأول كان حاصلا بدليل الانسداد ، واليقين الثاني وان لم يكن حاصلا به إلا أن حصول الأول به كاف في استناد اليقين باعتبار القدر المتيقن إلى دليل الانسداد كما هو ظاهر ، ومن هنا يظهر أن قوله : لأجل اليقين ... إلخ بمعنى بضميمة اليقين بأنه ... إلخ ، وهو اليقين بالملازمة ، وأن قوله : انما هو الدليل على الآخر ، بمعنى أن للدليل على الآخر دخلا في وجوده لا أنه مستقل في التأثير كما أن المراد من قوله (ره) : لا الدليل على الملازمة. بمعنى أنه لا يستند إلى الدليل على الملازمة فقط بل يستند إليه وإلى الدليل

١٩٥

يقطع بكونه حجة كان غيره حجة أولا واحتمال عدم حجيته بالخصوص لا ينافي القطع بحجيته بملاحظة الانسداد ضرورة أنه على الفرض لا يحتمل أن يكون غيره حجة بلا نصب قرينة ولكنه من المحتمل أن يكون هو الحجة دون غيره لما فيه من خصوصية الظن بالاعتبار وبالجملة : الأمر يدور بين حجية الكل وحجيته فيكون مقطوع الاعتبار ومن هنا ظهر حال القوة ولعل نظر من رجح بها إلى هذا الفرض وكان منع شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ عن الترجيح بها بناءً على كون النتيجة هو الطريق الواصل ولو بطريقه أو الطريق ولو لم يصل أصلا وبذلك ربما يوفق بين كلمات الاعلام في المقام وعليك بالتأمل التام. ثم لا يذهب عليك أن الترجيح بها إنما هو

______________________________________________________

على الملزوم معاً ، وليس المراد أنه لا دخل للدليل على الملازمة في اليقين باللازم كما هو واضح (١) (قوله : يقطع بكونه) محل تأمل كما سيأتي (٢) (قوله : على الفرض) يعني فرض الكشف عن الطريق الواصل بنفسه (٣) (قوله : لما فيه من خصوصية) انما يتم لو كانت مما يصح الاتكال عليها في تعيين الحجة وهو غير ظاهر (٤) (قوله : ومن هنا ظهر حال القوة) يعني إذا كان بعض الظنون أقوى من بعض يمكن الترجيح بالقوة بحيث يكون الأقوى هو الحجة لأن القوة مما يصح الاتكال عليها في تعيين الطريق (٥) (قوله : ولعل نظر من رجح) إشارة إلى ما وقع بين شيخنا المرتضى (ره) وبين المحقق التقي «ره» والفاضل النراقي ـ رحمه‌الله ـ من الخلاف في جواز الترجيح بالظن بالاعتبار بناء على الكشف فمنعه شيخنا (ره) لأنه بعد ما لم يكن الظن حجة لا دليل على جواز الترجيح به ، ورجح به المحققان المذكوران ، وأراد المصنف (ره) جعل النزاع المذكور لفظياً وان نظر المرجح إلى الكشف عن نصب الطريق الواصل بنفسه والمانع إلى الكشف عن نصب الطريق الواصل ولو بطريقه أو غير الواصل. وهذا وان كان وجها حسناً في الجمع إلّا انه لا يساعده كلام شيخنا (ره) ، فان نظره إلى إثبات التعميم بإبطال الترجيح بالظن وهو لا يتم إلّا على الكشف عن الطريق الواصل بنفسه

١٩٦

على تقدير كفاية الراجح وإلا فلا بد من التعدي إلى غيره بمقدار الكفاية فيختلف الحال باختلاف الأنظار بل الأحوال ، وأما تعميم النتيجة بان قضية العلم الإجمالي بالطريق هو الاحتياط في أطرافه فهو لا يكاد يتم إلا على تقدير كون النتيجة هو نصب الطريق ولو لم يصل أصلا ، مع أن التعميم بذلك لا يوجب العمل الا على وفق المثبتات من الأطراف دون النافيات الا فيما إذا كان هناك ناف من جميع الأصناف ، ضرورة ان

______________________________________________________

ولا كلام النراقي فانه ظاهر في كون المراد من الترجيح بالظن إجراء مقدمات الانسداد في تعيين الطريق وهو لا يتم على الكشف عن الطريق الواصل بنفسه ، مع أنه أجنبي عن الترجيح بالظن. فلاحظ صدر عبارته المحكية في الرسائل. نعم تساعده كلمات المحقق التقي (ره). هذا مضافا إلى ما أشرنا إليه من أن مجرد الظن بالاعتبار لا يصح الاتكال عليه في تعيين الحجة ما لم يكن في نفسه حجة فتأمل جيداً (١) (قوله : على تقدير كفاية) بحيث يجوز الرجوع في غير مورده إلى الأصول ولا يلزم محذور (٢) (قوله : بمقدار الكفاية) يعني لا الأكثر إذا لم يكن مرجح لذلك المقدار فيلزم التعميم كما لو لم يكن مرجح أصلا (٣) (قوله : باختلاف الأنظار) يعني من حيث حصول الظن بالاعتبار الموجب للترجيح وعدمه وكونه بمقدار كاف بالمعنى المتقدم وعدمه (٤) (قوله : وأما تعميم النتيجة) هذا هو الطريق الثالث من طرق التعميم التي ذكرها شيخنا الأعظم ـ رحمه‌الله ـ ، (٥) (قوله : الا على تقدير كون) إذ على تقدير الكشف عن الطريق الواصل بنفسه يكون الجميع حجة وعلى تقدير الكشف عن الواصل ولو بطريقه يمكن تعيينه بالظن كما تقدم فلا موجب للاحتياط في الجميع (٦) (قوله : دون النافيات) إذ هي لا اقتضاء لها في الترك ولا تصلح للمؤمنية مع الشك في حجيتها (٧) (قوله : الا فيما إذا) فانه يعلم حينئذ بقيام الحجة على النفي فيحصل الأمن من تبعة التكليف لو

١٩٧

الاحتياط فيها لا يقتضي رفع اليد عن الاحتياط في المسألة الفرعية إذا لزم حيث لا ينافيه ، كيف ويجوز الاحتياط فيها مع قيام الحجة النافية كما لا يخفى فما ظنك بما لا يجب الأخذ بموجبة إلّا من باب الاحتياط فافهم.

فصل

قد اشتهر الإشكال بالقطع بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد بتقرير الحكومة وتقريره ـ على ما في الرسائل ـ أنه كيف يجامع حكم العقل بكون الظن كالعلم مناطاً للإطاعة والمعصية ويقبح على الآمر والمأمور التعدي عنه ومع

______________________________________________________

كان (١) (قوله : الاحتياط فيها) ضمير فيها راجع إلى النافيات (٢) (قوله : لا يقتضي رفع) لما عرفت من عدم الاقتضاء للنافي فلا معنى للاحتياط فيه حتى يزاحم الاحتياط في المسألة الفرعية الناشئ عن العلم الإجمالي بالتكليف (٣) (قوله : فيها مع) الضمير راجع إلى المسألة الفرعية.

(إشكال خروج القياس)

(٤) (قوله : قد اشتهر الإشكال بالقطع) اعلم أنه لا ينبغي الإشكال في عدم حجية الظن القياسي شرعا بمعنى عدم كونه طريقاً منصوبا من قبل الشارع مثبتاً كان أو نافياً ، وفي جواز الاعتماد عليه في الجملة ولو عند انسداد باب العلم والعلمي إشكال ، وعلى تقدير عدم الجواز أخذاً بإطلاق نصوص المنع عنه وإطلاق معاقد الإجماعات على عدم العمل به فيشكل ذلك بناء على حجية الظن عقلا بدليل الانسداد لأن حكم العقل بحجية الظن كسائر أحكامه لا يقبل التخصيص فالنهي الشرعي عن القياس ان كان ممضى عند العقل كان ذلك تخصيصاً لحكمه بحجية الظن وهو ممتنع ، وان كان مردوداً عنده كان المنع الشرعي لغواً قبيحاً ، مع انك قد عرفت أنه ثابت فضلا عن كونه صحيحاً (٥) (قوله : بتقرير الحكومة) أما على الكشف

١٩٨

ذلك يحصل الظن أو خصوص الاطمئنان من القياس ولا يجوِّز الشارع العمل به؟ فان المنع عن العمل بما يقتضيه العقل من الظن أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممكناً جرى في غير القياس فلا يكون العقل مستقلا إذ لعله نهى عن أمارة مثل ما نهى عن القياس واختفى علينا ولا دافع لهذا الاحتمال إلا قبح ذلك على الشارع إذ احتمال صدور ممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع إلّا بقبحه وهذا من أفراد ما اشتهر من أن الدليل العقلي لا يقبل التخصيص انتهى موضع الحاجة من كلامه ـ زيد في علو

______________________________________________________

بأنحائه الثلاثة فلا مجال للإشكال لعدم حكم العقل حينئذ حتى يستشكل في الجمع بينه وبين النهي الشرعي ، بل يكون النهي حينئذ كاشفاً عن كون الطريق المستكشف غيره ولا تجب موافقته ، بل لا مجال للإشكال على بعض أنحاء الحكومة أيضاً إذ لو كان المنجز هو العلم بالاهتمام أو الإجماع فالنهي موجب لخروج مورد القياس عن مواردهما فلا موجب للعمل به ، كما أنه بناء على العلم الإجمالي بنصب الطرق الموجب للاحتياط في كل محتمل الطريقية كما هو مذهب القائل بالظن بالطريق فلا إشكال إذ النهي موجب لخروج القياس عن كونه محتمل الطريقية ليجب العمل عليه. نعم يتسجل الإشكال على هذا المذهب لو كان الظن بالطريق حاصلا من القياس ، كما لا مجال للإشكال على طريقة التبعيض فان العمل بالاحتياط في المظنونات ليس عملا بالظن وانما هو احتياط من جهة العلم الإجمالي غاية الأمر يترجح إسقاط الاحتياط في مظنون عدم التكليف من جهة انه أبعد عن الواقع من غيره فإذا كان الظن بعدم التكليف ناشئاً من القياس فإسقاط الاحتياط في مورده ليس عملا بالقياس ، اللهم إلا أن يدعى عموم أدلة النهي عن القياس لذلك أيضاً فيتسجل الإشكال عليه أيضاً. نعم يتضح ورود الإشكال على ما هو ظاهر المشهور من أن المقدمات موجبة لحكم العقل بحجية الظن في حال الانسداد كغيره من الحجج بنحو يكون عليه المعول في إثبات التكليف ونفيه فلاحظ (١) (قوله : الا بقبحه) الموجب لكونه ممتنعاً بالعرض (٢) (قوله : وهذا من أفراد) يعني

١٩٩

مقامه ـ وأنت خبير بأنه لا وقع لهذا الإشكال بعد وضوح كون حكم العقل بذلك معلقاً على عدم نصب الشارع طريقاً وأصلا وعدم حكمه به فيما كان هناك منصوب ولو كان أصلا ، بداهة أن من مقدمات حكمه عدم وجود علم ولا علمي فلا موضع لحكمه مع أحدهما ، والنهي عن ظن حاصل من سبب ليس إلّا كنصب شيء بل هو يستلزمه فيما كان في مورده أصل شرعي فلا يكون

______________________________________________________

حكم العقل في المقام (١) (قوله : بعد وضوح كون) لا ريب فيما ذكر فانه إذا كان من مقدمات حكم العقل انسداد باب العلم والعلمي كان مورده خصوص الوقائع التي لم يكن فيها طريق علمي على ثبوت التكليف أو نفيه والوقائع التي قام فيها الطريق على ثبوت التكليف فيها أو انتفائه خارج عن موضوع الدليل وعن حكم العقل بحجية الظن (٢) (قوله : بذلك) أي بحجية الظن (٣) (قوله : وعدم حكمه) معطوف على (كون حكم العقل) وضمير (به) راجع إلى المراد باسم الإشارة (٤) (قوله : ولو كان أصلا) لا يخلو من تسامح فان الأصل ليس من الطرق ولذا تكفلت المقدمة الرابعة لنفيه والمقدمة الثانية لنفي الطريق والأمر سهل (٥) (قوله : ليس إلّا كنصب شيء) هذا غير ظاهر ولا يقتضيه كون انسداد باب العلم والعلمي من مقدمات الدليل ، إذ النهي ليس نصباً للطريق ولا كالنصب ـ كما هو ظاهر ـ ولعل المقصود أنه كما أن حكم العقل معلق على عدم النصب معلق على عدم النهي أيضا وإن كان الوجه الّذي ذكره في الأول لا يرتبط بإثبات الثاني ، بل الوجه في الثاني صحة النهي في نظر العقلاء الكاشف عن كون حكمه بوجوب العمل بالظن تعليقياً لا تنجيزيا منافياً للنهي ، ولكن العبارة لا تساعد عليه فلاحظ (٦) (قوله : بل هو يستلزمه) هذا الاستلزام لا يخلو من تأمل أيضاً غاية الأمر أن يكون مورد الظن القياسي كسائر الموارد التي لا علم فيها ولا علمي حاكم على الأصل يكون الأصل فيها مرجعاً لو لم يكن عنه مانع من علم إجمالي أو معارضة أو لزوم الخروج عن الدين أو غير ذلك بلا فرق بينه وبين سائر الموارد التي ليس فيها علم

٢٠٠