حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

فصل

في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر الواحد

«أحدها» أنه يُعلم إجمالا بصدور كثير مما بأيدينا من الأخبار من الأئمة الأطهار بمقدار واف بمعظم الفقه بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار لانحل علمنا الإجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الأمارات إلى العلم التفصيليّ بالتكاليف في مضامين الأخبار الصادرة المعلومة تفصيلا والشك البدوي في ثبوت التكليف في مورد ساير الأمارات غير المعتبرة

______________________________________________________

الوحي وانتهاء التشريع كان ذلك ظاهراً في الاستمرار والامتداد فلاحظ (١) (قوله : أحدها انه يعلم إجمالا) يكفي في صدق هذه الدعوى ملاحظة بعض فوائد الوسائل المتضمنة لذكر القرائن على صحة الكتب الأربعة فلاحظ (٢) (قوله : بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار) يمكن تصوير العلم الإجمالي في المقام على وجوه (الأول) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار مرددة بين جميع الاخبار المودعة في كتب أصحابنا (رض) كما نعلم بإنشاء أحكام إلزامية في جميع ما هو محتمل الطريقية كالخبر والشهرة وغيرهما بحيث يحتمل انطباق جميع ما هو معلوم من الأحكام على مؤديات تلك الاخبار المعلومة بالإجمال ، ولازم ذلك أن لو علم تفصيلا بتلك الاخبار الصادرة لم يبق لنا علم إجمالي بتكليف إلزاميّ غير مؤدياتها وان كان يحتمل ، ولا ريب في هذه الصورة في انحلال العلم الإجمالي بالتكليف بالعلم الإجمالي بالأخبار الصادرة فلا يجب الاحتياط في أطراف الأول ويجب الاحتياط في أطراف الثاني كما لو شهدت البينة بنجاسة إناء من أواني زيد وشهدت بينة أخرى بنجاسة إناء أبيض من أواني زيد فلا يجب الاحتياط حينئذ الا بالأواني البيض لزيد لا غير (الثاني) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما ذكر سابقا ونعلم بإنشاء جملة من الأحكام الإلزامية أكثر عددا من الاخبار الصادرة المعلومة إجمالا بحيث لا يحتمل انطباقها بتمامها على مؤديات تلك

١٤١

ولازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع

______________________________________________________

الاخبار وان احتمل انطباق مقدار مساو للاخبار وبقاء مقدار آخر مردد بين الاخبار التي هي أطراف العلم الإجمالي بصدور الأخبار وبين غيرها من محتمل الطريقية ، ولازم ذلك أن لو عزلنا مقداراً مساويا للاخبار المعلومة الصدور إجمالا كان العلم الإجمالي بالتكليف فيما عدا ذلك المقدار المعزول باقيا بحاله وان كان نفس المعلوم حينئذ أقل من المعلوم الأصلي قبل العزل ولا ينبغي التأمل في مثل ذلك في وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي بالتكليف ولا يكفي الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي بالأخبار وان احتمل انطباق تمام المعلوم الأول على أطرافه إذ لا يكفي هذا المقدار في الانحلال بل لا بد فيه من احتمال انطباق تمام المعلوم بأحد العلمين على المعلوم بالعلم الآخر ، وهو غير حاصل لاختلاف المقدار ، ونظيره ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في غنم زيد البيض وشهدت بينة أخرى بوجود شاتين موطوءتين في مطلق غنم زيد مرددتين بين البيض والسود فيجب الاحتياط في البيض والسود معا ولا يكفي الاحتياط في البيض فقط (الثالث) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما سبق ونعلم بإنشاء جملة من الأحكام الإلزامية مساوية لها في المقدار إلا انها موصوفة بصفة محتملة الثبوت والعدم في مؤديات الاخبار الصادرة ، فعلى تقدير وجود الصفة في مؤديات الأخبار أمكن انطباق الأحكام عليها ، وعلى تقدير العدم امتنع الانطباق وهذا كالأول في انحلال العلم الثاني بالأول فلا يجب الاحتياط الا في أطرافه ومثله ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في قطعة خاصة من غنم زيد وشهدت بينة أخرى بوجود شاة موطوءة بيضاء في غنم زيد مطلقا بحيث كانت مرددة بين جميع افراد غنمه ، ولا يجب الاحتياط في مثله الا في القطعة الخاصة لاحتمال انطباق المعلوم الثاني على المعلوم المردد في تلك القطعة والمصنف (ره) قرر الاستدلال على النحو الأول والشيخ (ره) في رسائله قرره على الوجه الثاني ، وأورد عليه أولا بان اللازم وجوب الاحتياط بالعمل في جميع الأمارات ولا يختص بالأخبار كما سيشير إليه المصنف (ره) (قوله : ولازم ذلك لزوم)

١٤٢

الأخبار المثبتة وجواز العمل على طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل يثبت له من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب بناء على جريانه في أطراف عُلم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعضها أو قيام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه وإلا لاختص عدم جواز العمل على وفق الثاني بما إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال «وفيه» أنه لا يكاد ينهض على حجية الخبر بحيث يقدَّم تخصيصاً أو تقييداً أو ترجيحاً على غيره من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم وان كان

______________________________________________________

(١) للعلم بوجوب العمل بالخبر الصادر فيجب العمل بكل ما هو محتمل الصدور من الأخبار (٢) (قوله : الاخبار المثبتة) لأن العلم الموجب للاحتياط هو العلم بصدور الخبر المثبت لأنه علم بالتكليف الإلزامي اما العلم بصدور الخبر النافي فلا يترتب عليه أثر لعدم تعلقه بالتكليف نعم يجوز العمل بالخبر النافي لو لم يكن هناك مانع كما لو كان أصل يقتضي الاحتياط كقاعدة الاشتغال أو مثبت للتكليف كاستصحاب التكليف ، وكون الاستصحاب لم تثبت حجيته إلّا بالخبر غير المعلوم الحجية لا يقدح في منعه عن العمل بالخبر النافي لأن العمل بالاستصحاب عمل بالخبر المثبت (٣) (قوله : بناء على جريانه في أطراف) يعني إنما يمنع الاستصحاب المثبت عن العمل بالخبر النافي لو بنينا على حجيته في أطراف الشبهة المحصورة وأن العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة غير قادح في جريانه مطلقا وانما يقدح إذا كان العلم مثبتاً للتكليف والاستصحاب نافياً أما إذا بنينا على قدح العلم الإجمالي مطلقاً من جهة لزوم التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله كما أشرنا إليه في مبحث الموافقة الالتزامية ويجيء بيانه في محله فمخالفة الاستصحاب للخبر النافي غير مانعة من العمل بالخبر لعدم حجيته فيختص المانع عنه بقاعدة الاشتغال فقط ، ثم إن المناسب لهذا الاستدراك من المصنف (ره) أن الاستصحاب المثبت مطلقاً مبتلى بعلم إجمالي على خلافه وهو غير ظاهر (٤) (قوله : من عموم أو إطلاق) هذا على طريقة

١٤٣

يسلم عما أورد عليه من أن لازمه الاحتياط في سائر الأمارات لا في خصوص الروايات لما عرفت من انحلال العلم الإجمالي بينها بما علم بين الأخبار بالخصوص ولو بالإجمال فتأمل جيداً «ثانيها» ما ذكره في الوافية مستدلا على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير رد ظاهر وهو أنا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة ولا سيما بالأصول الضرورية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والأنكحة ونحوها مع أن جل أجزائها وشرائطها وموانعها إنما يثبت بالخبر غير القطعي بحيث نقطع بخروج حقائق هذه الأمور عن كونها هذه الأمور عند ترك العمل بخبر الواحد ومن أنكر فانما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالايمان انتهى ، وأورد عليه أولا بان العلم الإجمالي حاصل بوجود الأجزاء والشرائط بين جميع الاخبار لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره فاللازم حينئذ إما الاحتياط أو العمل بكل ما دل على جزئية شيء أو شرطيته «قلت» : يمكن أن يقال : إن العلم الإجمالي وان كان حاصلا بين جميع الاخبار إلا أن العلم بوجود الاخبار الصادرة عنهم عليهم‌السلام بقدر الكفاية بين تلك الطائفة أو العلم باعتبار طائفة كذلك بينها يوجب انحلال ذاك العلم الإجمالي وصيرورة غيره خارجا عن طرف العلم كما مرت إليه الإشارة في تقريب الوجه الأول. اللهم إلا أن يمنع عن ذلك وادعي عدم الكفاية فيما علم بصدوره أو اعتباره

______________________________________________________

اللف والنشر المرتب (١) (قوله : يسلم عما أورد عليه) قد عرفت الإشارة إلى أن هذا الإيراد من الشيخ في رسائله انما صدر من جهة تقريره العلم الإجمالي على الوجه الثاني كما يظهر من ملاحظة كلامه في تقريب الإيراد فليلحظ (٢) (قوله : وأورد عليه أولا) المورد شيخنا العلامة في رسائله (٣) (قوله : المشروطة بما ذكر) يعني كونه موجوداً في الكتب المعتمدة وعمل جمع به من غير رد ظاهر (٤) (قوله : إما الاحتياط أو العمل) عبارة الرسائل هكذا. فاللازم حينئذ اما الاحتياط

١٤٤

أو ادعي العلم بصدور أخبار أخر بين غيرها فتأمل «وثانياً» بان قضيته إنما هو العمل بالأخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية دون الاخبار النافية لهما ، والأولى أن يورد عليه بان قضيته إنما هو الاحتياط بالأخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما من عموم دليل أو إطلاقه لا الحجية بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منها أو يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت ولو كان أصلا كما لا يخفى «ثالثها» ما أفاده بعض المحققين بما ملخصه أنا نعلم بكوننا مكلَّفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة فان تمكنا من الرجوع إليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه فلا بد من الرجوع إليهما كذلك وإلّا فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة

______________________________________________________

والعمل بكل خبر دل على جزئية شيء أو شرطيته واما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية أو الشرطية. انتهى ، والمراد منها ظاهراً أن العلم الإجمالي بموافقة جملة من الاخبار الدالة على الجزئية ونحوها يوجب الاحتياط بالعمل بكل خبر دل على ذلك ومع تعذره أو لزوم الحرج ينتقل إلى الظن بالصدور كما يأتي بيانه في دليل الانسداد (١) (قوله : أو ادعي العلم بصدور) لا يحتاج إلى دعوى العلم بصدور اخبار أخر في غير ما جمع الشرائط المذكورة بل يكفي في وجوب الاحتياط دعوى العلم الإجمالي بصدور مقدار من الاخبار أكثر من المقدار المعلوم بالإجمال في خصوص ما جمع الشرائط وان لم يعلم بوجوده في غير ما جمع الشرائط كما ذكرنا (٢) (قوله : فيما لم تقم حجة معتبرة) إذ مع قيام الحجة المعتبرة على نفي التكليف لا تجري أصالة الاحتياط في العمل بالخبر المثبت له كما لو قامت البينة على طهارة أحد أطراف الشبهة المحصورة ، ثم إن هذا التقييد في كلام المصنف (ره) هو الفارق بينه وبين إيراد شيخه (ره) (٣) (قوله : بعض المحققين) هو الشيخ محمد تقي في حاشيته على المعالم (٤) (قوله : إلى الكتاب والسنة) إن كان المراد بالسنة قول المعصوم وفعله وتقريره فدعوى الإجماع والضرورة منه على

١٤٥

هذا التكليف فلو لم يتمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار فلا بد من التنزل إلى

______________________________________________________

وجوب الرجوع إليها في محله ، لكن لا يحسن قوله : فان تمكنا من الرجوع .. إلخ ، إذ لا يعتبر في جواز الرجوع إلى الكتاب والسنة بذلك المعنى حصول العلم بالحكم إن أمكن وإلّا كفى الظن به ، مع ان هذا لا يرتبط بإثبات حجية خبر الواحد إلّا بتوسط مثل الوجه الأول بان نقول : يجب الرجوع إلى السنة ونعلم بحصولها في جملة من الاخبار التي بأيدينا فيجب العمل بالجميع من باب الاحتياط ، وان كان المراد بها الخبر الحاكي عن السنة بالمعنى الأول فدعوى الإجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها بهذا المعنى أيضاً في محلها إلا أنه يرد عليه الإشكال السابق من عدم لزوم حصول العلم منها وعدم اقتضائه حجية الخبر إلّا بضميمة الوجه الأول فيكون هذا الوجه هو الوجه الأول بعينه لأن الاخبار الصادرة عن الأئمة عليهم‌السلام هي الاخبار الحاكية عن السنة. وان كان المراد بها مطلق الخبر الحاكي عن السنة ولو لم يعلم ذلك فتكون عين الاخبار المدونة في الكتب ، فدعوى الإجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها مطلقاً ممنوع ، سوى ما حكي عن الشيخ وغيره من دعوى الإجماع في الجملة كما استشكله بذلك شيخنا (ره) في رسائله. مع أنه لو كان هذا هو المراد لم يحتج إلى إطالة الكلام بالنقض والإبرام ، ولا جعل دعوى الإجماع والضرورة من مقدمات الاستدلال بل كان راجعاً إلى دعوى الإجماع والضرورة على حجية الخبر. ومن هنا حمل المصنف ـ رحمه‌الله ـ كلامه على إرادة دعوى الضرورة والإجماع على وجوب الرجوع إلى السنة بالمعنى الثالث لا مطلقا ، بل في الجملة بنحو القضية المهملة كما سيصرح به المصنف (ره) في آخر عبارته وإذا ثبت ذلك فان أمكن الرجوع إليهما بنحو يحصل القطع بالحكم الواقعي للقطع بالصدور والدلالة أو ما بحكم القطع به للقطع بالاعتبار فهو وإلّا فلا بد من الرجوع إليهما بنحو يحصل الظن بالحكم فإذا لم يقم دليل على اعتبار الخبر لا بد من الرجوع إليه لإفادته الظن بالحكم (١) (قوله : هذا التكليف) يعني التكليف بالرجوع إلى السنة (٢) (قوله : فلو لم يتمكن من القطع) تفصيل لما بينه في تقرير الدليل

١٤٦

الظن بأحدهما «وفيه» أن قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع إلى الأخبار الحاكية للسنة كما صرح بأنها المراد منها في ذيل كلامه ـ زيد في علو مقامه ـ إنما هي الاقتصار في الرجوع إلى الاخبار المتيقن الاعتبار فان وفَّى وإلا أضيف إليه الرجوع إلى ما هو المتيقن اعتباره بالإضافة لو كان وإلّا فالاحتياط بنحو عرفت لا الرجوع إلى ما ظن اعتباره وذلك للتمكن من الرجوع علماً تفصيلا أو إجمالا فلا وجه معه من الاكتفاء بالرجوع إلى ما ظن اعتباره. هذا مع أن مجال المنع عن ثبوت التكليف بالرجوع إلى السنة بذاك المعنى فيما لم يعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع وأما الإيراد عليه برجوعه إما إلى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الإجمالي بتكاليف واقعية وإما إلى الدليل الأول لو كان ملاكه دعوى العلم بصدور أخبار كثيرة بين ما بأيدينا من الاخبار ففيه أن ملاكه إنما هو دعوى العلم بالتكليف بالرجوع إلى الروايات في الجملة إلى يوم القيامة فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.

______________________________________________________

فان صورة التمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار هي صورة حصول العلم بالحكم أو ما بحكم العلم (١) (قوله : انما هي الاقتصار في الرجوع) الظاهر أن هذا مما اعترف به المستدل بقوله : فان تمكنا .. إلخ وقوله (ره) : فلو لم يتمكن. إلخ إلا أن استدلاله المذكور مبني على عدم الدليل على حجية نوع خاص من السنة وبالجملة : المقدار المتيقن الاعتبار مطلقاً أو بالإضافة داخل بقوله ـ رحمه‌الله ـ : فان تمكنا ، وقوله : فلو لم يتمكن .. إلخ واستدلاله مبني على عدم ذلك إذ هو مقتضى كونه دليلا في قبال غيره من الأدلة (٢) (قوله : بنحو عرفت) يعني ما ذكره في الإيراد على الوجه الثاني بقوله : والأولى ان يورد عليه ... إلخ (٣) (قوله : واما الإيراد عليه برجوعه) المورد شيخنا العلامة «ره» في رسائله (٤) (قوله : فراجع تمام كلامه) لا يحضرني الآن كلامه لأراجعه إلا أن الّذي في بالي أن كلامه مضطرب جداً ، والله سبحانه

١٤٧

فصل

(في الوجوه التي أقاموها على حجية الظن)

وهي أربعة (الأول) أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبيّ أو التحريمي مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون لازم أما الصغرى فلان الظن بوجوب شيء أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة على مخالفته أو الظن بالمفسدة فيها بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد ، وأما الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما بل يكون التزامه بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو كذلك ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح

______________________________________________________

أعلم (١) (قوله : بناء على تبعية) قيد لقوله : أو الظن بالمفسدة ، يعني أن الظن بالمفسدة مبني على القول المذكور (٢) (قوله : والمفاسد) يعني في متعلقات الأحكام (٣) (قوله : ولو لم نقل بالتحسين) قد عرفت سابقاً أن وجوب دفع الضرر ليس من الأحكام العقلية بل هو من الفطريات التي جبلت عليها النفوس إذ لا ريب في بناء من له أدنى شعور وإدراك على الفرار من الإضرار حتى الحيوانات والأطفال في مبدإ نشوئهم وإدراكهم ، والوجدان أقوى شاهد عليه ، والظاهر أنه لا فرق بين دفع الضرر وجلب النّفع في ذلك ، والمراد من كونه من الفطريات أنه إذا أدرك الفاعل المختار الضرر في شيء رجح عدمه على وجوده وتعلقت كراهته به فيفر عنه من دون توسط إدراك العقل حسن الفرار عن الضرر ، وكذا إذا أدرك المنفعة في شيء رجح وجوده على عدمه وتعلقت إرادته به من دون توسط حكم العقل بحسنه ، فإدراك الضرر أو النّفع في شيء موجب للفرار عنه أو السعي إليه من دون توقف على حكم عقله بحسنه أو قبحه فوجوب الفرار أو السعي انما هو بملاك وجوب تحصيل الغرض حيث أن الغرض دفع الضرر أو جلب النّفع لا بملاك الحسن أو القبح العقليين ، ومن هنا يظهر أنه لا يحسن تعبير المصنف «ره» بقوله :

١٤٨

مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه إذا قيل باستقلاله ولذا أطبق العقلاء عليه مع خلافهم في استقلاله بالتحسين والتقبيح فتدبر جيداً. والصواب في الجواب هو منع الصغرى أما العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته لعدم الملازمة بينه والعقوبة على مخالفته وإنما الملازمة بين خصوص معصيته واستحقاق العقوبة عليها لا بين مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها ومجرد الظن به بدون دليل على اعتباره لا يتنجز به كي يكون مخالفته عصيانه

______________________________________________________

فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ولو لم ... إلخ إذ لو لم نقل بالحسن والقبح العقليين لا يكون ذلك من المستقلات العقلية أصلا بل فطريا محضاً ، وان قلنا بالحسن والقبح العقليين يكون من المستقلات العقلية أيضا كما كان من الفطريات ، لكنه يبتني على القول بالحسن والقبح العقليين ، وبالجملة : وجوب الدفع من الفطريات وكونه من المستقلات العقلية يتوقف على القول بالحسن والقبح العقليين. فتأمل (١) (قوله : مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه) يعني كما أن العقل إذا أدرك حسن فعل بناء عليه يكون إدراكه ذلك موجباً لترجحه وتعلق الإرادة به من دون توسط حكم عقلي بوجوب فعل الحسن كذلك الحال في المقام ـ كما عرفت ـ فتأثير الضرر أو النّفع في ترجح الوجود أو العدم نظير تأثير الحسن والقبح العقليين بناء عليهما في ذلك ، وكما أن الثاني من الفطريات والجبليات فكذلك الأول (٢) (قوله : أما العقوبة فلضرورة) يعني انه إذا كانت الملازمة بين التكليف الواقعي وبين العقوبة كان الظن بالتكليف موجباً للظن بالعقوبة التي هي الضرر لأن الظن بأحد المتلازمين مستلزم للظن بالآخر أما إذا لم تكن الملازمة كذلك بل كانت بين المعصية وبين استحقاق العقوبة فالظن بالتكليف لا يستلزم الظن بالعقوبة ولا باستحقاقها على تقدير مخالفة الظن فانه مع الشك في حجية الظن لا تكون مخالفته معصية ، وإذا علم بانتفائها علم بانتفاء لازمها وهو العقوبة فمع الظن بالتكليف المشكوك الحجية يقطع بعدم الضرر (٣) (قوله : واستحقاق العقوبة) يعني لا فعلية العقوبة إذ

١٤٩

إلا أن يقال : إن العقل وان لم يستقل بتنجزه بمجرده بحيث يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفته إلّا انه لا يستقل أيضا بعدم استحقاقها معه فيحتمل العقوبة حينئذ على المخالفة ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظنون قريبة جداً

______________________________________________________

المعصية لا توجب فعلية العقوبة كما هو ظاهر (١) (قوله : إلا أن يقال ان العقل) هذا استدراك على الجواب وحاصله : أن العقل وان لم يحكم بالملازمة بين التكليف الواقعي واستحقاق العقوبة إلّا انه لا يحكم بانتفائها على تقدير ثبوت التكليف واقعاً وحينئذ فمع الظن بالتكليف يشك في العقاب ، وكما يجب دفع الضرر المظنون يجب دفع المشكوك فلا تجوز مخالفة الظن فراراً عن الضرر المشكوك الواجب الدفع هذا ولكن لا يخفى أنه ان أراد القائل بذلك منع قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيدعي جواز العقاب على التكليف الواقعي ولو لم يكن الظن حجة فذلك مما لا ينبغي التأمل في بطلانه فان قبح العقاب بلا بيان كاد أن يكون من الواضحات التي لا مجال لتطرق الريب والتردد فيها. وان أراد دعوى ان احتمال حجية الظن كاف في حسن العقاب على الواقع لأن احتمال الحجية مساوق لاحتمال وجود البيان على الواقع. ففيه أن البيان المصحح للعقاب هو خصوص البيان الواصل إلى المكلف ، ومجرد كون الظن حجة في نفس الأمر والواقع ما لم يعلم به المكلف لا يصحح العقاب هذا كله مضافا إلى أن عموم أدلة الترخيص مع الشك في التكليف موجبة للقطع بعدم العقاب لامتناع العقاب في ظرف الترخيص وتقدم قاعدة وجوب دفع الضرر على أدلة البراءة الشرعية لا تقتضيه القواعد لأن قاعدة وجوب دفع الضرر لا يوجب علما بالتكليف أو ما هو بمنزلته فتأمل جيداً (٢) (قوله : ودعوى استقلاله) يعني أن ما ذكر وان لم يوجب تمامية صغرى الدليل لكن يوجب ثبوت صغرى أخرى وهو الشك في الضرر وهي لا تنطبق عليها كبرى الدليل لكن لا يبعد ثبوت كبرى أخرى وهو وجوب دفع الضرر المشكوك فتكون مع الصغرى المتقدمة دليلا على المطلوب. ثم إنه يمكن أن يجاب عن الدليل المذكور (أولا) بناء على

١٥٠

لا سيما إذا كان هو العقوبة الأخروية كما لا يخفى وأما المفسدة فلأنها وان كان الظن

______________________________________________________

إرادة العقوبة من الضرر بأنه لا يثبت المدعى بل ينافيه وذلك لأن المقصود منه إثبات حجية الظن بمعنى كونه يصح لأجله العقاب ، وهذا الدليل إنما اقتضى وجوب العمل على وفق الظن من جهة ترتب العقاب على مخالفته وهو عكس المطلوب وبعبارة أخرى المقصود من الحجية في المقام ما يكون علة للعقاب والثابت بالدليل ما يكون معلولا له كما هو ظاهر (وثانيا) بأن القاعدة المذكورة إذا كانت من القواعد الفطرية بملاك وجوب تحصيل الغرض فانطباقها واقعا تابع لنظر الفاعل المدرك ، فقد يكون الضرر بلا مزاحم فيفر عنه ، وقد يكون مزاحما بضرر أهم أو نفع كذلك فالأثر ـ أعني الترجيح ـ تابع لنظر الفاعل ، فقد يكون العمل على طبق الظن مما يترتب عليه في نظره ضرر أهم أو فوات نفع كذلك ، فلا بد أن يكون الأثر مستندا إليه ، ولا مجال للتحكم على الفاعل بلزوم الفرار عن ضرر مخالفة الظن إذا كان يرى في نظره انه مزاحم بالأهم ، ولذا ترى العصاة مع علمهم بالضرر في مخالفة العلم بالوجوب يُقدمون عليه لمزاحمته بالإضرار أو المنافع الشهوية ، وليس ذلك لبنائهم على عدم وجوب دفع الضرر المقطوع ، بل لبنائهم على وجوب دفع الضرر الأهم وتحصيل النّفع الأهم ولو لزم الوقوع في الضرر المهم ، فالظان بالتكليف وان كان ظانا بالضرر في المخالفة من العقوبة والمفسدة إلا انه إذا أقدم على مخالفة ذلك الظن لمزاحمته بالأهم عنده لا يكون ذلك مخالفا لقاعدة وجوب دفع الضرر المظنون ، بل كان ذلك الإقدام منه إعمالا لها وجريا على مقتضاها. وبالجملة : القاعدة المذكورة مما يمتنع ان تكون من دواعي الترجيح لأن جميع الدواعي موضوعات لها بل ليس الغرض من جعل التكاليف المولوية الا تنقيح موضوع القاعدة المذكورة حيث أنها تكون منشأ للضرر في المخالفة على تقدير العلم بها فيكون ذلك الضرر موضوعا للقاعدة المذكورة ، ولا بد من التأمل التام في المقام (١) (قوله : لا سيما إذا كان هو العقوبة) بناء على كون قاعدة وجوب دفع الضرر من القواعد العقلية فلا ريب في استقلال العقل بوجوب دفع

١٥١

بالتكليف يوجب الظن بالوقوع فيها لو خالفه إلّا انها ليست بضرر على كل حال ضرورة ان كلما يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر عليه أصلا كما لا يخفى ، وأما تفويت المصلحة فلا شبهة في انه ليس فيه مضرة بل ربما يكون في استيفائها المضرة كما في الإحسان بالمال هذا مع منع كون الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها بل إنما هي تابعة لمصالح فيها

______________________________________________________

الضرر الموهوم إذا كان أخرويا فضلا عن المشكوك ، كيف وكل واحد من أطراف الشبهة المحصورة وموارد قاعدة الاشتغال والأصول المثبتة للتكليف بل وسائر موارد الحجج الدالة على التكليف من هذا القبيل غالبا كما هو ظاهر بأدنى تأمل (١) (قوله : يوجب الظن بالوقوع) لأن المفسدة ملزومة للتكليف والظن باللازم يوجب الظن بالملزوم (٢) (قوله : ليست بضرر على) إذ لا ريب ان مفهوم المفسدة ليس عين مفهوم الضرر إذ المفسدة عبارة عن الجهة المقبحة في العقل التي صارت باعثا على كراهته تشريعا أو تكوينا وليس من لوازم العناوين المقبحة ان تكون ضررا فان عنوان العبث جهة مقبحة في الفعل وليس من سنخ الضرر أصلا ، بل لو سلم انها عين الضرر لكن لا يلزم ان يكون راجعا إلى الفاعل فان مفسدة العدوان على مال الغير لو كانت راجعة إلى الضرر لكنها ليست راجعة إلى ضرر الفاعل بل ضرر غيره وقاعدة وجوب دفع الضرر مختصة بضرر الفاعل لا غيره. ثم إن غاية مقتضى الجواب المذكور أنه لا ملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالضرر ، لكن لا مانع من احتمال الضرر فإذا بني على وجوب دفع الضرر المشكوك كما تقدم منه (قدس‌سره) لم يجز مخالفة الظن لأنها اقدام على محتمل الضرر. إلّا ان يقال : ان ترخيص الشارع في الإقدام يدل على تدارك الضرر المظنون أو المحتمل فيتوقف على إثبات البراءة الشرعية كما أفاده شيخنا الأعظم (ره) في رسائله في المقام وفي بحث الشبهة الموضوعية. لكن أورد عليه المصنف (ره) بان المفسدة الواقعية الحاصلة بالفعل

١٥٢

كما حققناه في بعض فوائدنا. وبالجملة ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال وأنيط بهما الأحكام بمضرة وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة من الأفعال على القول باستقلاله بذلك هو كونه ذا ضرر وارد على فاعله أو نفع عائد إليه ، ولعمري هذا أوضح من ان يخفى

______________________________________________________

المنهي عنه على تقدير القول بها لا تتداركها مصلحة الترخيص لأنها قائمة بنفس الترخيص لا بالفعل فالفعل باق على ما هو عليه قبل الترخيص من حيث كونه ذا مفسدة فاحتمال الضرر غير المتدارك حاصل فيه. نعم هذا الإشكال لا يتأتى فيما لو كان الضرر المحتمل هو العقاب لأن الترخيص ولو عن مصلحة فيه يمنع من ترتب العقاب كما عرفت فلو فرض احتمال العقاب لعدم حكم العقل بقبحه مع الظن بالتكليف فعموم أدلة البراءة الشرعية موجب للأمن منه والقطع بعدمه إلا أن يدعى عدم مجيء أدلة البراءة لحكومة القاعدة عليها ، لكن عرفت ان قاعدة التحكيم تقتضي العكس لتوقف مجيء القاعدة على احتمال الضرر وأدلة البراءة نافية له ولا يصح العكس لأن القاعدة لا توجب علما بالتكليف كما هو ظاهر فلا توجب انتفاء موضوعها الموجب لانتفائها. فتأمل جيداً (١) (قوله : كما حققناه في بعض فوائدنا) لا يخفى أن الّذي حققه في بعض فوائده الّذي رأيته هو كونها تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها حيث قال فيها : فهنا دعويان الأولى عدم لزوم الإلزام شرعا بما ألزم به عقلا ... إلى ان قال : الثانية لزوم أن لا يلزم شرعا إلا بما ألزم به عقلا وذلك لأن الطلب الحقيقي والبعث الجدي الإلزامي لا يكاد يكون الا بملاك يكون في المطلوب والمبعوث إليه ... إلى أن أورد على نفسه بقوله : ان قلت : يكفي حسن التكليف وثبوت المصلحة في نفس الطلب والإلزام من دون أن يكون مصلحة أو مفسدة في الواجب أو الحرام كما هو كذلك في غير مورد ، ثم عد الأوامر الامتحانية والواجبات والمستحبات العبادية والأوامر والنواهي الظاهرية وأوامر التقية. ثم قال : قلت : الطلب الحقيقي والإلزام الجدي والبعث الواقعي لا يكاد

١٥٣

فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون هاهنا أصلا ولا استقلال للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو ترك ما فيه احتمال المصلحة فافهم (الثاني) أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح (وفيه) أنه لا يكاد يلزم منه ذلك الا فيما إذا كان الأخذ بالظن أو بطرفه لازماً مع عدم إمكان الجمع بينهما عقلا أو عدم وجوبه شرعاً ليدور الأمر بين ترجيحه وترجيح طرفه ولا يكاد يدور الأمر بينهما إلّا بمقدمات دليل الانسداد وإلا كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على حسب اختلاف الأشخاص أو الأحوال في اختلاف المقدمات على ما ستطلع على حقيقة الحال «الثالث» ما عن السيد الطباطبائي ـ قدس‌سره ـ من أنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالإتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوماً وترك ما يحتمل

______________________________________________________

أن يتعلق بشيء ما لم يكن فيه بذاته أو بالوجوه والاعتبارات الطارية عليه خصوصية موافقة للغرض داعية إلى تعلق الطلب به حقيقة وإلا كان تعلق الطلب به دون غيره ترجيحا بلا مرجح ، وهذا واضح ... إلخ ، فهذا كله صريح في كونها تابعة لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد فلاحظ ، ولعل مراده غير هذا المقام مما لم أعثر عليه والله سبحانه اعلم (١) (قوله : فلا مجال لقاعدة دفع) بل عرفت ان التحقيق انه لا مجال للتمسك بها والعمدة هو الجواب الثاني المطرد في العقوبة وغيرها فلاحظه وتأمل (٢) (قوله : ولا استقلال للعقل) دفع لما يتوهم من أن الظن بالتكليف وان لم يستلزم الظن بالضرر لكنه مستلزم للظن بالمفسدة أو المصلحة ويكفي ذلك في وجوب العمل بالظن لاستقلال العقل بقبح ارتكاب ما فيه احتمال المفسدة أو ترك المصلحة ، وحاصل الدفع : منع استقلال العقل بذلك (٣) (قوله : أو غيرهما) مثل الاستصحاب أو فتوى المجتهد (٤) (قوله : على حسب اختلاف الأشخاص) وذلك لاختلافهم في التمكن من الرجوع إلى العلم أو العلمي لاختلافهم في الاستظهار من الأدلة المتقدمة فإذا اتفق ثبوت ذلك لبعض لم يجز له الرجوع إلى الظن للتمكن

١٥٤

الحرمة كذلك ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كله لأنه عسر أكيد وحرج شديد فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات لأن الجمع على غير هذا الوجه بإخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشكوكات والموهومات باطل إجماعا ، ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد فانه بعض مقدمات دليل الانسداد ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته ومعه لا يكون دليل آخر بل ذاك الدليل (الرابع) دليل الانسداد وهو مؤلف من مقدمات يستقل العقل مع تحققها بكفاية الإطاعة الظنية حكومة أو كشفا على ما تعرف ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس (أولاها) انه يُعلم إجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة (ثانيتها) أنه قد انسد علينا باب العلم

______________________________________________________

من العلمي ولو كان الاحتياط ممكنا في حقه أو كان يرى جواز الرجوع إلى الأصل فلا بدّ في الأخذ بالظن من ثبوت المقدمات الآتية (١) (قوله : ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس) اما توقف استقلاله بذلك على ثبوت المقدمة الأولى فغير ظاهر إذ لو فرض كون التكاليف الواقعية محتملة ودار الأمر بين إهمالها ، والاحتياط فيها ، والرجوع إلى الأصل في كل مسألة بالنظر إليها ، والتقليد ، والإطاعة الوهمية والشكية دون الظنية وعكس ذلك وبطل ما عدا الأخير بالمقدمات الأربع تعين الأخير نعم يمكن أن تنفع في إثبات المقدمة الثالثة وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة الّذي تتكفله الرابعة لكن على هذا التقدير تكون من مقدمات تينك المقدمتين لا في عرضهما كما هو ظاهر ، واما المقدمة الثالثة فيغني عنها المقدمة الرابعة فانه إذا لم يجز الرجوع إلى الأصول في كل مسألة كيف يجوز الإهمال وعدم التعرض للأحكام المحتملة بالمرة؟ ومجرد الاختلاف مفهوما بالقصد أو نحوه لا يكفي في جعلهما مقدمتين متقابلتين يتوقف الاستنتاج على إثبات كل واحدة منهما مستقلا وان شئت قلت : لو قال في المقدمة الرابعة : يجب الأخذ بالاحتياط في موارد

١٥٥

والعلمي إلى كثير منها (ثالثتها) أنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلا (رابعتها) أنه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا بل لا يجوز في الجملة كما لا يجوز الرجوع إلى الأصل في المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط ولا إلى فتوى العالم بحكمها (خامستها) أنه كان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحاً فيستقل العقل حينئذ بلزوم الإطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة وإلا لزم بعد

______________________________________________________

الأصول النافية في الجملة لأغنى عن المقدمة الثالثة. فلاحظ وتأمل ، وأما المقدمة الخامسة فالاحتياج إليها يتوقف على تعيين كون المانع من الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مسألة مستقلا هو الإجماع أو العلم بالاهتمام أو انه العلم الإجمالي ، فعلى الأخيرين يكون محتاجا إليها فانه لا موجب لتعيين الاحتياط في خصوص المظنونات الا تلك المقدمة أما إذا كان المستند في المنع هو الإجماع فيمكن دعوى عدم الحاجة إليها لقيام الإجماع من أول الأمر على لزوم الاحتياط في خصوص المظنونات. اللهم إلا أن يدعى عدم قيام الإجماع على ذلك وانما معقد الإجماع لزوم الاحتياط في الجملة فيحتاج في تعيينه إلى المقدمة المذكورة فإذا لا بد من النّظر فيه وسيجيء في المقدمة الرابعة بيان بعض ما ذكرنا في كلام المصنف (ره) (١) (قوله : والعلمي) المراد به مطلق الأمارات المعتبرة (٢) (قوله : بل لا يجوز في الجملة) يعني إذا كان موجباً لاختلال النظام. ثم انه لا ينبغي أن يذكر هذا في المقدمات إذ يكفي عدم وجوب الاحتياط وعدم جوازه في الجملة وان كان حقاً إلّا أنه لا يتوقف عليه الاستنتاج (٣) (قوله : واحتياط) المراد به أصالة الاحتياط الجارية في المسألة مع قطع النّظر عن غيرها ، وبذلك يفترق عن الاحتياط في قوله : لا يجب علينا الاحتياط ، فان المراد به الاحتياط في كل مسألة وإن كان على خلاف الأصل فيها. ثم انه لا يتوقف الاستنتاج على المنع من العمل بأصالة الاحتياط الجاري في المسألة من حيث هي وانما يتوقف على عدم جواز العمل بغيره من الأصول ومقصود المصنف ـ رحمه‌الله ـ ذلك كما يظهر بأدنى تأمل (٤) (قوله : ولا إلى فتوى) لا ينبغي

١٥٦

انسداد باب العلم والعلمي بها إما إهمالها ، وإما لزوم الاحتياط في أطرافها ، وإما الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مع قطع النّظر عن العلم بها أو التقليد فيها أو الاكتفاء بالإطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية والفرض بطلان كل واحد منها (أما المقدمة الأولى) فهي وإن كانت بديهية إلا أنه قد عرفت انحلال العلم الإجمالي بما في الأخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام التي تكون فيما بأيدينا من الروايات في الكتب المعتبرة ومعه لا موجب للاحتياط إلا في خصوص ما في الروايات وهو غير مستلزم للعسر فضلا عما يوجب الاختلال ولا إجماع على عدم وجوبه ولو سلم الإجماع على عدم وجوبه لو لم يكن هناك انحلال (وأما المقدمة الثانية) فاما بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بينة وجدانية يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد ، وأما بالنسبة إلى العلمي فالظاهر أنها

______________________________________________________

ذكر هذا في هذه المقدمة لأن فتوى المجتهد من قبيل الأمارات العلمية والمتعرض لنفي ذلك هو المقدمة الثانية (١) (قوله : قد عرفت انحلال) تقدم بيان ذلك في الدليل الأول من الأدلة العقلية (٢) (قوله : ومعه لا موجب للاحتياط) يعني مع هذا الانحلال يسقط العلم الإجمالي بثبوت التكاليف الكثيرة عن اقتضاء الاحتياط في كل ما هو محتمل التكليف ويكون الأثر للعلم بالأخبار الصادرة فيجب الاحتياط في أطرافه لا غير. وحينئذ لا مانع عن الاحتياط في أطرافه لعدم الحرج في ذلك ولا إجماع على عدم وجوبه فيجب الاحتياط في أطرافه ولا موجب للرجوع إلى الظن بل لا يجوز إذا كان مخالفاً للاحتياط المذكور. ثم إنك عرفت ان المقدمة الأولى لا يتوقف عليها الدليل المذكور ويكفي مجرد احتمال التكاليف فيرجع هذا الإشكال في الحقيقة إلى انه لا بد أن تتكفل المقدمة الرابعة عدم وجوب التبعيض في الاحتياط بالنحو المذكور أعني الاحتياط في موارد النصوص والرجوع إلى الأصل في غيرها كما تكفلت عدم وجوب الاحتياط مطلقاً وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة مسألة (٣) (قوله : ولو سلم الإجماع) لو وصلية يعني لو سلمنا الإجماع على

١٥٧

غير ثابتة لما عرفت من نهوض الأدلة على حجية خبر يوثق بصدقة وهو ـ بحمد الله ـ واف بمعظم الفقه لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا منها كما لا يخفى (وأما الثالثة) فهي قطعية ولو لم نقل بكون العلم الإجمالي منجّزاً مطلقاً أو فيما جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام حسب ما يأتي وذلك لأن إهمال معظم الأحكام وعدم الاجتناب كثيراً عن الحرام مما يقطع بأنه مرغوب عنه شرعاً ومما يلزم تركه إجماعا (إن قلت) : إذا لم يكن العلم بها منجزاً لها للزوم الاقتحام في بعض الأطراف كما أشير إليه فهل كان العقاب على المخالفة في ساير الأطراف حينئذ على

______________________________________________________

عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم الإجمالي بالتكاليف غير منحل فلا نسلم الإجماع على عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم المذكور منحلا (١) (قوله : غير ثابتة لما عرفت) وعليه فتختلف هذه المقدمة باختلاف أنظار الباحثين عن حجية الخبر وغيره فان ثبت ما به الكفاية بحيث يحتمل انطباق تمام المعلوم بالإجمال عليه لم تتم هذه المقدمة لانحلال العلم الإجمالي المذكور ، وإلّا كانت تامة (٢) (قوله : أو فيما جاز أو وجب) هذان معطوفان على قوله : مطلقاً ، ومفسران له : والمراد بما جاز أو وجب العلم الإجمالي الّذي جاز الاقتحام في بعض أطرافه أو وجب ذلك ، (٣) (قوله : كما في المقام) فان العلم فيه مما يجب الاقتحام في بعض أطرافه لكون الاحتياط التام مما يوجب اختلال النظام المحرم شرعاً (٤) (قوله : حسب ما يأتي) يعني في تنبيهات العلم الإجمالي بالتكليف حيث ذكر هناك : أن العلم الإجمالي إذا قام دليل على جواز الإقدام على مخالفته في بعض أطرافه لم يجب الاحتياط عقلا في الباقي ، وحاصل ما ذكر ـ كما أشار إليه هنا بقوله : ان قلت ... إلخ ـ : ان الدليل الدال على جواز الإقدام موجب لانقلاب العلم بالتكليف إلى الشك به ومعه يكون العقاب على مخالفة التكليف في الباقي عقابا بلا بيان قبيحا في نظر العقل ويأتي إن شاء الله توضيحه وتوضيح ما فيه في ذلك المقام (٥) (قوله : وذلك لأن) تعليل لقوله : فهي قطعية (٦) (قوله : فهل كان العقاب) هذا إشارة إلى ما

١٥٨

تقدير المصادفة إلا عقاباً بلا بيان والمؤاخذة عليها الا مؤاخذة بلا برهان؟ (قلت): هذا انما يلزم لو لم يعلم بإيجاب الاحتياط وقد علم به بنحو اللِّم حيث علم اهتمام الشارع بمراعاة تكاليفه بحيث ينافيه عدم إيجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعاة ولو كان بالالتزام ببعض المحتملات مع صحة دعوى الإجماع على عدم جواز الإهمال في هذا الحال وأنه مرغوب عنه شرعاً قطعاً فلا تكون المؤاخذة والعقاب حينئذ بلا بيان وبلا برهان كما حققناه في البحث وغيره (وأما المقدمة الرابعة) فهي بالنسبة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام فيما يوجب عسرة اختلال النظام وأما فيما لا يوجب فمحل نظر بل منع لعدم حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على قاعدة الاحتياط وذلك لما حققناه في معنى ما دل على نفي الضرر والعسر من أن التوفيق بين دليلهما ودليل التكليف أو الوضع المتعلقين

______________________________________________________

ذكرناه من وجه عدم لزوم الاحتياط في الباقي بعد ارتكاب ما يندفع به الحرج ، (١) (قوله : بنحو اللم) يعني استدلالا على المعلول بوجود العلة فان الاهتمام علة لجعل وجوب الاحتياط في ظرف الشك فإذا علم بالاهتمام علم بجعل وجوب الاحتياط فيكون العلم بوجوب الاحتياط حجة في نظر العقل على وجوبه فيجب عقلا كما لو كان عليه دليل سمعي (٢) (قوله : ولو كان بالالتزام) ضمير كان راجع إلى الاحتياط يعني ولو كان الاحتياط بالعمل ببعض المحتملات ولم يكن تاماً موجباً لحصول اليقين بالواقع (٣) (قوله : مع صحة دعوى) هذا وجه آخر لاستكشاف وجوب الاحتياط وهو الإجماع ، وعلى كلا الوجهين فالاحتياط مستند إلى جعل الشارع للحجة المستكشفة بأحد الطريقين. هذا هو القول بالكشف وسيجيء في كلام المصنف (ره) التعرض له (٤) (قوله : فيما لا يوجب فمحل) يعني إذا لم يكن الاحتياط موجبا لاختلال النظام بل كان موجباً للحرج فعدم وجوبه محل نظر بل منع (٥) (قوله : لما حققناه في معنى ما دل) اعلم ان دليل نفي الضرر والحرج ونحوهما يحتمل فيه معان كثيرة إلا أن الأظهر عند شيخنا الأعظم (ره) في

١٥٩

بما يعمهما

______________________________________________________

رسائله كونه من قبيل نفي السبب بلسان نفي مسببه فالمعنى نفي الحكم الّذي يأتي من قبله الضرر والحرج ، والأظهر عند المصنف (ره) كونه من قبيل نفي الحكم بلسان نفي موضوعه فالمعنى نفي الحكم الّذي يكون للموضوع الحرجي أو الضرري ويختص بما في رفعه امتنان ، وقد فرَّع المصنف (ره) على الاختلاف بين المعنيين صحة تطبيق قاعدة نفي الحرج في المقام وعدمه إذ لا ريب في أن الأحكام الواقعية في حال الجهل بها موجبة للحرج كما أن موضوعاتها ليست حرجية. فعلى الأول يصح تطبيق القاعدة لرفع تلك الأحكام بعد ما كانت موجبة للحرج ، وعلى الثاني لا يصح بعد ما لم تكن موضوعاتها حرجية «فان قلت» : الأحكام الواقعية انما تقتضي حفظ وجود موضوعاتها فإذا لم تكن موضوعاتها حرجية كيف تكون موجبة للحرج «قلت» : الأمر كما ذكرت إلا أن موضوعاتها إذا كانت مرددة بين أطراف يكون مجموعها حرجياً فقد اقتضت حفظ كل واحد من تلك المحتملات فيكون مقتضاها حرجياً ولو بالعرض من جهة الجهل ، «فان قلت» : فلم لا نقول ان موضوعاتها حرجية «قلت» : مع تردد الموضوع بين الأطراف الكثيرة لا يصح دعوى ثبوت الحكم للمجموع بل موضوع الحكم ليس إلّا الموضوع الواقعي وهو ليس بحرجي ولا تلازم بين اقتضاء ذلك الحكم لفعل جميع المحتملات في ظرف الشك وعدم كونها موضوعا له كما هو ظاهر هذا ويمكن الخدشة فيه «أولا» بان المعنى الّذي ذكره خلاف الظاهر جداً وسيأتي إن شاء الله بيانه في قاعدة الضرر «وثانياً» بالفرق بين لسان أدلة الحرج ولسان أدلة الضرر ولا يصح قياس أحدهما على الآخر فان قوله تعالى : (ما جعل عليكم في الدين من حرج) صريح في نفي جعل الحرج على العباد تشريعاً وليس مثل : (لا ضرر ولا ضرار) مما هو ظاهر في نفي الموضوع فان دعوى ظهور الثاني فيما ذكر لا تلازم دعوى ظهور الأول فيه كما هو ظاهر جدا بأدنى تأمل ، (١) (قوله : بما يعمهما) الضمير في (يعمهما) راجع إلى الضرر والحرج وفي (نفيهما) إلى

١٦٠