حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

واحد فتدبر. ويمكن الذب عن الإشكال بأنه إنما يلزم إذا لم يكن القضية طبيعية والحكم فيها بلحاظ طبيعة الأثر بل بلحاظ أفراده وإلا فالحكم بوجوب التصديق يسري إليه سراية حكم الطبيعة إلى أفراده بلا محذور لزوم اتحاد الحكم والموضوع هذا مضافا إلى القطع بتحقق ما هو المناط

______________________________________________________

وجوب التصديق لخبر الواسطة والثاني إنشاؤه للخبر الحاكي عنها صح ولم يتوجه الإشكال لأن أحدهما غير الآخر فيصح أن يكون أحدهما مصححاً للآخر وموضوعا له ولا يكون اتحاد الحكم والموضوع (١) (قوله : والحكم فيها بلحاظ طبيعة) حاصل الجواب : أن الأثر الثابت للمؤدى الّذي يكون مصححاً لجعل الحجية ووجوب تصديق الخبر (تارة) يلحظ بما هو طبيعة الأثر (وأخرى) يلحظ بما أنه حاك عن الأفراد ، والإشكال إنما يلزم لو كان ملحوظاً على النحو الثاني لأن الفرد الملحوظ الّذي أخذ موضوعا لوجوب التصديق لا بد أن يكون غير الحكم بوجوب التصديق أما إذا كان ملحوظاً على النحو الأول فلا يلزم الإشكال لأن طبيعة الأثر غير الحكم بوجوب التصديق فيجوز أن تكون موضوعاً له ، ومن المعلوم أنه لا مانع من أن يكون الموضوع نفس الطبيعة فإذا ثبت الحكم لتلك الطبيعة وكانت تلك الطبيعة تسرى إلى نفس وجوب التصديق سرى إليه حكمها أيضا سراية حكم الطبيعة إلى افرادها التي تسري هي إليها ، ويمكن الخدشة فيه (أولا) بأن المصحح لجعل الحجية ليس طبيعة الأثر بما هي طبيعة الأثر وإنما المصحح له مصداق الأثر فلا يمكن أخذ الأثر المصحح بنحو الطبيعة فتأمل (وثانياً) بأن طبيعة الأثر الملحوظة إما أن تُلحظ مطلقة أو مهملة ، والأول ممتنع للزوم المحذور بعينه لأن الموضوع إذا كان يجب عقلا أن يكون مغايراً لحكمه كيف يمكن أن يكون له إطلاق يشمل حكمه؟ وهو ظاهر جداً ، والثاني يوجب قصور الآية عن شمول الخبر إذا كان أثر مؤداه وجوب التصديق وهو عين الإشكال فيبقى الإشكال بحاله (٢) (قوله : مضافا إلى القطع بتحقق) يعني لو سلمنا عدم شمول الدليل للخبر الحاكي عن الواسطة يمكن أن نقول بان الآية إنما دلت على وجوب تصديق كل خبر حتى خبر الواسطة لكن بلحاظ ما عداه من الآثار المترتبة على المؤدى لا بلحاظ وجوب التصديق ، إلا أنه

١٢١

في سائر الآثار في هذا الأثر أي وجوب التصديق بعد تحققه بهذا الخطاب وإن كان لا يمكن أن يكون ملحوظاً لأجل المحذور وإلى عدم القول بالفصل بينه وبين سائر الآثار في وجوب الترتيب لدى الاخبار بموضوع صار أثره الشرعي وجوب التصديق وهو خبر العدل ولو بنفس الحكم في الآية فافهم. ولا يخفى أنه لا مجال بعد اندفاع الإشكال بذلك

______________________________________________________

لما علم بوجود المناط فيه أيضا وأنه لا فرق بينه وبين غيره من الآثار في وجوب الترتيب أو لم يكن قول بالفصل بينه وبين غيره من الآثار نقول بوجوب ترتيبه أيضا كغيره من الآثار. هذا ولكن لا يخفى أن هذا فرار عن الإشكال لا جواب عنه ، ولعله إلى هذا أشار بقوله : فافهم ، أو أن العلم بالمناط وعدم القول بالفصل يستكشف بهما جعل الحكم ثانياً بإنشاء مستقل وهو خلاف الفرض (١) (قوله : في سائر) متعلق بمحذوف حال أو صفة للمناط (٢) (قوله : في هذا الأثر) متعلق بتحقق (٣) (قوله : أي وجوب) تفسير لهذا الأثر (٤) (قوله : أو إلى عدم القول) معطوف على قوله : إلى القطع (٥) (قوله : في وجوب) متعلق بالفصل (٦) (قوله : وهو خبر) الضمير راجع إلى الموضوع. هذا (والأولى) أن يقال : ان الكلام في أمثال المقام (تارة) يكون بلحاظ مقام الثبوت والواقع (وأخرى) بلحاظ مقام الإثبات ، اما الكلام في المقام الأول فنقول فيه : انه لا ريب في أن وجوب التصديق الثابت للخبر ليس وجوبا واحداً شخصياً بل هو منحل إلى وجوبات متعددة بتعدد أفراد الخبر فكل خبر يكون له شخص من وجوب التصديق لا يكون للخبر الآخر فإذا أخبر الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن البزنطي عن الرضا عليه‌السلام فلكل من الخبر الحاكي والمحكي وجوب تصديق غير ما يكون للآخر فيجوز أن يكون أحدها مصححاً للآخر وموضوعا له فوجوب التصديق الثابت لخبر البزنطي موضوع لوجوب التصديق الثابت لخبر إبراهيم والثاني موضوع لوجوب التصديق الثابت لخبر ابنه وهو موضوع لوجوب التصديق الثابت لخبر الكليني ولا إشكال في ذلك بعد تغايرها ، وأما الكلام في

١٢٢

للإشكال في خصوص الوسائط من الأخبار كخبر الصفار المحكي بخبر المفيد مثلا بأنه لا يكاد يكون خبراً تعبداً إلا بنفس الحكم بوجوب تصديق العادل الشامل للمفيد فكيف يكون هذا الحكم المحقق لخبر الصفار تعبداً مثلا حكما له أيضا وذلك لأنه إذا كان خبر العدل ذا أثر شرعي حقيقة بحكم الآية وجب ترتيب أثره عليه عند إخبار العدل به كسائر ذوات الآثار من الموضوعات لما عرفت من شمول مثل الآية للخبر الحاكي للخبر بنحو القضية الطبيعية

______________________________________________________

المقام الثاني فهو أنه لا مانع من إنشاء أحكام متعددة مترتبة بعضها موضوع للآخر بإنشاء واحد وجعلها بجعل واحد كذلك لأن ترتيبها في مقام الثبوت وفي أنفسها لا يقتضي ترتيبها في مقام الإنشاء فيجوز حينئذ للجاعل أن ينشئ هذه الوجوبات المترتبة بإنشاء واحد والوجه في ذلك أن الوجوب الّذي يكون موضوعا للآخر ليس موضوعا له بوجوده الإنشائي الخارجي حتى يتوقف إنشاء وجوب التصديق للخبر الحاكي عن الواسطة على إنشاء أثر لخبر الواسطة ويمتنع إنشاؤهما بإنشاء واحد بل يكون موضوعا بوجوده الفرضي فيرجع لسان دليل الجعل إلى أنه مهما كان لمؤدى الخبر أثر وجب تصديق الخبر وترتيب ذلك الأثر وإن كان من سنخ وجوب التصديق فيثبت لكل خبر هذا الحكم منوطاً بان يكون لمؤداه أثر وان كان ذلك الأثر من سنخ هذا الحكم. هذا ملخص ما أفاده بعض مشايخنا المعاصرين زيد تأييده (١) (قوله : للإشكال في خصوص) هذا هو الإشكال الثاني في المقام الّذي ذكره شيخنا الأعظم «قده» في رسائله الّذي عرفت أنه يختص بخبر الواسطة لا غير وحاصله أن خبر الواسطة إنما صار خبراً تعبداً بتوسط وجوب تصديق الخبر الحاكي عنها فيمتنع أن يكون موضوعا لوجوب التصديق لأن ما يكون معلولا للحكم ومتأخراً عنه يمتنع أن يثبت له ذلك الحكم للزوم الدور فانه موقوف على الحكم حسب الفرض والحكم موقوف عليه حسب الدعوى (٢) (قوله : وذلك لأنه إذا كان) هذا بيان لوجه الاندفاع وحاصله ما أشار إليه سابقاً من أن الإشكال انما يتوجه لو كان وجوب التصديق ثابتاً للخبر بلحاظ الأفراد أما إذا كان حكما على

١٢٣

أو لشمول الحكم فيها له مناطاً وان لم يشمله لفظاً أو لعدم القول بالفصل فتأمل جيداً «ومنها» آية النفر قال الله تبارك وتعالى : (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة .. الآية) وربما يستدل بها من وجوه (أحدها) أن كلمة (لعل) وإن كانت مستعملة على التحقيق

______________________________________________________

طبيعة الخبر فنفس الطبيعة مما لم تكن ناشئة عن الحكم المذكور فإذا ثبت الحكم للطبيعة وثبت خبر الواسطة بتوسط وجوب تصديق الخبر الحاكي عنها كان خبر الواسطة من أفراد تلك الطبيعة وسرى إليه حكمها سراية حكم الطبيعة إلى افرادها (وفيه) ما عرفت من أن الخبر الموضوع لوجوب التصديق إن أخذ مطلقاً لزم المحال وان أخذ مهملا جاء الإشكال لأن المهملة في قوة الجزئية فلا تصلح لإثبات الحكم بوجوب التصديق لخبر الواسطة (وبالجملة) : ثبوت الحكم لما ينشأ عنه مستحيل ولا يدفع استحالته بما ذكر (١) (قوله : أو لشمول الحكم) معطوف على قوله : لأنه ، وكذا قوله : أو لعدم القول بالفصل ، يعني انا نستكشف الحكم لخبر الواسطة بتوسط العلم بالمناط أو عدم القول بالفصل وان كان الدليل المذكور لا يشمله ، وقد عرفت أن هذا فرار عن الإشكال فالأولى الرجوع إلى ما ذكره بعض مشايخنا المتقدم إليه الإشارة من كون الحكم بوجوب التصديق للخبر ليس حكما واحداً غير قابل للتحليل بل هو منحل إلى أحكام متعددة بتعدد الخبر والحكم الثابت لخبر الواسطة لم ينشأ منه الخبر وانما نشأ من مثله الثابت للخبر الحاكي عن الواسطة ، ولا مانع من إنشاء هذه الأحكام المترتبة بإنشاء واحد ، فلاحظ وتأمل والله سبحانه أعلم.

(آية النفر)

(٢) (قوله : الآية) تمام الآية : (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) ومحل الاستدلال منها قوله تعالى : لعلهم يحذرون ، وتقريب الاستدلال بها أحد الوجوه الثلاثة المذكورة في المتن ،

١٢٤

في معناها الحقيقي وهو الترجي الإيقاعي الإنشائي إلا أن الداعي إليه حيث يستحيل في حقه تعالى أن يكون هو الترجي الحقيقي كان هو محبوبية التحذر عند الإنذار وإذا ثبت محبوبيته ثبت وجوبه شرعاً لعدم الفصل وعقلا لوجوبه مع وجود ما يقتضيه وعدم حسنه بل عدم إمكانه بدونه «ثانيها» انه لما وجب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب كما هو قضية كلمة (لو لا) التحضيضية وجب التحذر وإلا لغا وجوبه «ثالثها» أنه جعل غاية للإنذار الواجب وغاية الواجب واجب. ويشكل الوجه الأول بأن التحذر لرجاء إدراك الواقع وعدم الوقوع في محذور مخالفته من فوت المصلحة أو

______________________________________________________

(١) (قوله : في معناها الحقيقي) حسبما تقدم منه بيانه في صيغة الأمر (٢) (قوله : يستحيل في حقه) وجه استحالة الترجي الحقيقي في حقه تعالى أنه يعتبر فيه الجهل بوقوع الأمر المرجو (٣) (قوله : شرعا) قيد لوجوبه (٤) (قوله : لعدم الفصل) دليل على الوجوب الشرعي لأن كل من رجح الحذر فقد أوجبه (٥) (قوله : وعقلا) معطوف على قوله : شرعاً ، يعني إذا ثبت محبوبية الحذر وجب عقلا لأنه إذا كان له مقتض وجب وإلّا لم يحسن كذا قرر في المعالم (٦) (قوله : بل عدم إمكانه) يعني إذا لم يكن مقتض للحذر لم يكن الحذر لأن الحذر هو الاحتياط في دفع المكروه فإذا لم يكن مقتض للحذر بان كان المكروه مأموناً لا معنى للحذر حينئذ كما لا معنى للاحتياط (٧) (قوله : لكونه غاية) لدخول لام الغاية عليه (٨) (قوله : كما هو) بيان لوجه وجوب النفر (٩) (قوله : لو لا التحضيضية) هي إحدى حروف التحضيض الأربع وهي (لو لا) و (لو ما) و (إلّا) و (هلا) والمعروف عند النحاة أنها إذا دخلت على المضارع أفادت طلب الفعل والحث عليه وعلى الماضي أفادت التوبيخ على تركه والحض على الشيء الحث عليه ، ومنه قوله تعالى : ولا تحاضّون على طعام المسكين (١٠) (قوله : جعل غاية للإنذار) فان (لعل) في هذا المقام واقعة موقعها في قوله تعالى : فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى (١١) (قوله : بأن التحذر لرجاء) حاصله أن الحذر وإن كان عبارة عن

١٢٥

الوقوع في المفسدة حسن وليس بواجب فيما لم يكن هناك حجة على التكليف ولم يثبت هاهنا عدم الفصل غايته عدم القول بالفصل. والوجه الثاني والثالث بعدم انحصار فائدة الإنذار بإيجاب

______________________________________________________

الاحتياط في دفع المكروه إلا أن المكروه (تارة) يراد به العقاب ونحوه مما يترتب على المعصية (وأخرى) يراد به الوقوع في المفسدة أو فوات المصلحة مما يترتب على مخالفة التكليف ، فان كان المراد به في المقام هو الأول امتنع التفكيك بين حسنه ووجوبه شرعا لعدم القول بالفصل وعقلا لوجوبه مع وجود مقتضية ... إلخ ما ذكر في تقريب الاستدلال ، أما إذا كان المراد به الثاني فلا مانع من التفكيك بين حسنه ووجوبه وعدم الفصل بينهما لم يثبت غاية الأمر عدم القول بالفصل وهو لا يدل على عدم الفصل ، كما أن قول المستدل : لوجوبه مع وجود مقتضية ، ممنوع بل لا ريب في حسنه مع وجود مقتضية مع عدم وجوبه كما في جميع موارد الاحتياط في الشبهات البدوية التي يرجع فيها إلى أصالة البراءة. نعم يشكل ذلك بان الحذر بالمعنى المذكور إنما يترتب على مجرد احتمال الواقع بلا توسط الخبر فترتيبه على الخبر يقتضي أن يكون المراد به المعنى الأول (١) (قوله : هاهنا) يعني إذا لم تقم حجة على التكليف (٢) (قوله : غايته عدم القول) بل لا ريب في ثبوت القول بالفصل لما عرفت من حسن الاحتياط عندهم في الشبهات البدوية مع كون المرجع فيها البراءة (٣) (قوله : والوجه الثاني والثالث) معطوف على الأول يعني يشكل الوجهان بعدم انحصار ... إلخ وحاصل إشكالهما : أنه وإن سلم اقتضاء ما ذكر من التقريبين لوجوب الحذر المترتب على الإنذار لكن لم يظهر من الآية وجوبه مطلقا وإن لم يحصل العلم بل المستفاد منها وجوبه في الجملة ولو كان مختصا بصورة إفادة الإنذار للعلم إذ يكفي ذلك في كونه فائدة لوجوب الإنذار وعدم كونه لغوا كما يكفي في كونه غاية للواجب (فان قلت) : اختصاص وجوب الحذر بصورة إفادة الإنذار للعلم خلاف إطلاق الآية (قلت) : الآية ليست مسوقة لبيان وجوب الحذر لكونه فائدة لوجوب الإنذار أو غاية للإنذار بل هي مسوقة لبيان وجوب النفر

١٢٦

التحذر تعبداً لعدم إطلاق يقتضي وجوبه على الإطلاق ضرورة أن الآية مسوقة لبيان وجوب النفر لا لبيان غايتية التحذر ولعل وجوبه كان مشروطاً بما إذا أفاد العلم لو لم نقل بكونه مشروطاً به فان النفر انما يكون لأجل التفقه وتعلم معالم الدين ومعرفة ما جاء به سيد المرسلين كي ينذروا بها المتخلفين أو النافرين على الوجهين في تفسير الآية لكي يحذروا إذا أنذروا بها وقضيته إنما هو وجوب الحذر عند إحراز أن الإنذار بها كما لا يخفى

______________________________________________________

وإذا لم تكن مسوقة لذلك لم يكن لها إطلاق لعدم كون المتكلم في مقام البيان الّذي هو شرط ثبوت إطلاق الكلام (فان قلت) : إذا كانت الآية مسوقة لبيان وجوب النفر فقد دلت على وجوب النفر على كل أحد من الطائفة كما دلت على وجوب الإنذار بكل ما علم فحينئذ نقول : لو اختص وجوب الحذر بصورة حصول العلم لزم كون وجوب الإنذار غير الموجب للعلم بلا فائدة أو ليس له غاية واجبة وهو باطل (قلت) : لم يظهر من الآية كون الحذر فائدة لوجوب كل إنذار مستقلاً أو غاية له كذلك ، بل المحتمل قريبا أن يكون فائدة لعموم الحكم وهو الوجوب على الطائفة لا الوجوب لكل واحد وكذا كونه غاية بل لعل تخصيص الوجوب بطائفة من كل فرقة مشعر بذلك والأصل في الحكم الثابت للجماعة ان يكون ثابتا لهم في حال الاجتماع لا مطلقا (١) (قوله : التحذر تعبدا) يعني وان لم يحصل العلم (٢) (قوله : لو لم نقل بكونه مشروطا) هذا إشكال آخر ذكره الشيخ (ره) في رسائله مضافا إلى الإشكال الأول وحاصل هذا الإشكال : أن ظاهر الآية كون الحذر الواجب هو ما يكون بعد الإنذار بما تفقهوا فيه من الأمور الدينية فلا بد في الحكم بوجوب الحذر من إحراز كون الإنذار بالأمور الدينية المتفقَّه فيها ومع الشك في ذلك يشك في وجوب الحذر فإذا لم يعلم بصدق المخبر لم يُعلم أنه منذر بالأمور الواقعية فلا يجب عقلا الحذر للشك في موضوعه (٣) (قوله : على الوجهين في تفسير) ففي أحدهما

١٢٧

(تم) إنه أشكل أيضا بان الآية لو سلم دلالتها على وجوب الحذر مطلقا فلا دلالة لها على حجية الخبر بما هو خبر حيث انه ليس شأن الراوي إلا الاخبار بما تحمله لا التخويف والإنذار وانما هو شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة إلى المسترشد أو المقلد (قلت) : لا يذهب عليك أنه ليس حال الرّواة في الصدر الأول في نقل ما تحملوا من النبي صلى الله عليه وعلى أهل بيته الكرام ـ والإمام عليه‌السلام ، من الأحكام إلى الأنام

______________________________________________________

أن المراد تفقه النافرين لينذروا المتخلفين وفي الآخر تفقه المتخلفين لينذروا النافرين عند رجوعهم إلى المتخلفين فعلى الأول ضمير (يتفقهوا) و (ينذروا) و (رجعوا) راجع إلى الطائفة النافرين وضمير (إليهم) و (لعلهم) راجع إلى المتخلفين ، وعلى الثاني ضمير «يتفقهوا» و «ينذروا» و «إليهم» راجع إلى المتخلفين وضمير «رجعوا» و «لعلهم» راجع إلى النافرين (١) (قوله : ثم انه أشكل أيضا) هذا الإشكال ثالث الإشكالات التي ذكرها الشيخ «ره» في الاستدلال بالآية الشريفة ، وحاصله : أن الآية دلت على وجوب الحذر عقيب الإنذار المترتب عليه والإنذار هو الإبلاغ بقصد التخويف والتخويف إنما يكون باعمال النّظر فهو من وظيفة المجتهد فوجوب الحذر بعده راجع إلى جعل حجية اجتهاده وحيث أن اجتهاد المجتهد لا يكون حجة على مجتهد مثله فلا بد من تخصيص الآية بمن يجب عليه الرجوع إلى المجتهد لحجية رأيه عليه ولا تكون مما نحن فيه من حجية الخبر ، وبهذا التقرير لم يتضح إيراد المصنف (ره) عليه بأنه لو فرض دلالتها على ... إلخ الراجع إلى أن ظاهر الآية حجية الخبر مع التخويف من حيث أنه خبر وبضميمة عدم القول بالفصل تدل على حجية غيره ، ووجه الإشكال : انه لم يظهر من الآية حجية الخبر من حيث أنه خبر ـ بناء على البيان الّذي ذكرناه ـ وإنما دلت على حجية الإنذار المتقوم بالخبر والتخويف ، وحيث أن الثاني اجتهادي فقد دلت على حجية الاجتهاد ، فالتخويف مقوم للحجية لا أنه ظرف للحجية ليتم

١٢٨

إلا كحال نقلة الفتاوى إلى العوام ولا شبهة في أنه يصح منهم التخويف في مقام الإبلاغ والإنذار والتحذير بالبلاغ فكذا من الرّواة فالآية لو فرض دلالتها على حجية نقل الراوي إذا كان مع التخويف كان نقله حجة بدونه أيضا لعدم الفصل بينهما جزماً فافهم (ومنها) آية الكتمان : (إن الذين يكتمون ما أنزلنا) الآية وتقريب الاستدلال بها ان حرمة الكتمان تستلزم القبول عقلا للزوم لغويته بدونه ولا يخفى انه لو سلمت هذه الملازمة لا مجال للإيراد على هذه الآية بما أورد على آية النفر من دعوى الإهمال أو استظهار الاختصاص بما إذا أفاد العلم فانها تنافيهما كما لا يخفى ، لكنها ممنوعة فان اللغوية غير لازمة لعدم انحصار الفائدة بالقبول تعبداً وإمكان أن تكون حرمة الكتمان لأجل وضوح الحق بسبب كثرة من أفشاه وبينه لئلا يكون للناس على الله حجة بل كان له عليهم الحجة البالغة (ومنها) آية السؤال عن أهل الذّكر (فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون) وتقريب الاستدلال

______________________________________________________

عدم القول بالفصل ولعل قوله : فافهم ، إشارة إلى ذلك. هذا والإنصاف أن الآية الشريفة لا تدل على حجية الخبر ولا على حجية الاجتهاد بل هي أجنبية عنهما بالمرة ، وإنما تدل على وجوب التفقه في الدين وتعلم معالمه في الأصول والفروع لغاية تعليم الجاهلين وتفقيههم بإقامة الحجة عليهم وإقناعهم بالطريق الّذي تعلموا به وتفقهوا بلا دلالة لها على حجية الاجتهاد أو الخبر أصلا لا مطابقة ولا التزاما ، وظني أن ذلك ظاهر بأدنى تأمل (١) (قوله : إلا كحال نقلة) يعني أنهم نقلة لا أنهم مفتون وإذا كانوا من قبيل النقلة لا المفتين فإذا صح التخويف منهم ولا يخرجون به عن كونهم ناقلين فالآية تدل على حجية نقلهم في حال التخويف لا على حجية اجتهادهم وإذا دلت على حجية نقلهم في حال التخويف دلت على حجيته في غيره لعدم القول بالفصل ، لكن عرفت تقريب الإشكال بنحو لا يتوجه عليه ما ذكر إلا أن يكون مقصود المصنف (ره) منع كون التخويف اجتهاديا ولكنه كما ترى فلاحظ (٢) (قوله : لو سلمت هذه الملازمة لا مجال) كأنه قصد بذلك

١٢٩

بها ما في آية الكتمان وفيه أن الظاهر منها إيجاب السؤال لتحصيل العلم لا للتعبد بالجواب وقد أورد عليها بأنه لو سلم دلالتها على التعبد بما أجاب أهل الذّكر فلا دلالة لها على التعبد بما يروي الراوي فانه بما هو راو لا يكون من أهل الذّكر والعلم فالمناسب إنما هو الاستدلال بها على حجية الفتوى لا الرواية (وفيه) أن كثيراً من الرّواة يصدق عليهم أنهم أهل الذّكر والاطلاع على رأي الإمام عليه‌السلام كزرارة ومحمد بن مسلم ومثلهما ويصدق على السؤال عنهم أنه السؤال عن أهل الذّكر والعلم ولو كان السائل من أضرابهم فإذا وجب قبول روايتهم في مقام الجواب بمقتضى هذه الآية وجب قبول روايتهم ورواية غيرهم من العدول مطلقا لعدم الفصل جزماً في وجوب القبول

______________________________________________________

الإيراد على ما في الرسائل حيث ذُكر فيها الإيرادان الأولان المذكوران سابقا في الجواب عن الاستدلال بآية النفر ولم يتعرض فيها لنفي الملازمة بنحو يظهر منه تسليمها ، لكن الظاهر من عبارة الرسائل نفي الملازمة بذكر الإيرادين كما يظهر من قوله (ره) فيها : نعم لو وجب الإظهار ... إلخ فليلحظ (١) (قوله : لا للتعبد بالجواب) هذا غير ظاهر بل خلاف الظاهر ، ويشهد له أن المضمون المذكور موجود في جملة من الاخبار التي استدل بها على حجية الخبر ولم يتوهم هذا الإشكال فيها. نعم من أجل أن مورد الآية الشريفة أصول الدين التي يجب فيها تحصيل العلم لا بد من حملها على ذلك مع إمكان دعوى كون المقصود الاحتجاج على اليهود بأقوال علمائهم التي هي حجة باعتقادهم وليست في مقام جعلها حجة كما لا يخفى فليتأمل (٢) (قوله : وقد أورد عليها بأنه) هذا الإيراد ذكره شيخنا الأعظم في رسائله (٣) (قوله : وفيه أن كثيرا من الرّواة) وفيه أنه إذا سلم كون المراد من أهل الذّكر أهل العلم والفتوى فظاهر الآية سؤالهم عما هم فيه من أهل العلم لا في غيره فزرارة ومحمد بن مسلم ونحوهما إذا كانوا من أهل الفتوى فوجوب سؤالهم يختص بما هم فيه من أهل الفتوى ولا يشمل غيره كالأقوال المسموعة من المعصوم عليه‌السلام نعم لو أريد من أهل العلم مطلق من كان كثير العلم ولو بالمسموعات والمبصرات

١٣٠

بين المبتدأ والمسبوق بالسؤال ولا بين أضراب زرارة وغيرهم ممن لا يكون من أهل الذّكر وإنما يروي ما سمعه أو رآه فافهم (ومنها) آية الأذن : «ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين» فانه تبارك وتعالى مدح نبيه بأنه يصدِّق المؤمنين وقرنه بتصديقه تعالى. وفيه أولا أنه إنما مدحه بأنه أذن وهو سريع القطع لا الأخذ بقول الغير تعبداً. وثانياً أنه إنما المراد بتصديقه للمؤمنين هو ترتيب خصوص الآثار التي تنفعهم ولا تضر غيرهم لا التصديق بترتيب جميع الآثار كما هو المطلوب في باب حجية الخبر ويظهر ذلك من تصديقه للتمام بأنه ما نمَّه وتصديقه لله تعالى بأنه نمه كما هو المراد من التصديق في قوله ـ عليه‌السلام ـ : فصدِّقه وكذِّبهم حيث قال ـ على ما في الخبر ـ : (يا أبا محمد كذِّب سمعك وبصرك عن أخيك فان شهد عندك خمسون

______________________________________________________

توجه الإشكال لكنه ليس مبنى الإيراد فلتلحظ عبارة الرسائل ، إلا أن يكون مقصود المصنف «ره» الإيراد من هذه الجهة ، وأن المراد من أهل الذّكر كثيرو العلم والاطلاع ولو بنحو المسموعات والمبصرات فيشمل مثل زرارة من حيث الرواية ويتعدى إلى غيره بضميمة عدم القول بالفصل فيكون إشكالا في محله إلا ان مناسبة الحكم والموضوع تقضي بكون الظاهر إرادة السؤال ممن هو عالم في موضوع السؤال بلا دخل للاجتهاد وكثرة الاطلاع ، فلاحظ (١) (قوله : بين المبتدأ والمسبوق) إشارة إلى دفع إشكال آخر على الاستدلال بالآية بأنها أخص من المدَّعى لأنها إنما تدل على الخبر المسبوق بالسؤال فلا تعم الخبر الابتدائي وحاصل الدفع : أنه لا يمكن الفصل بين النوعين في الحجية فإذا دلت على حجية أحدهما دلت على حجية الآخر (٢) (قوله : خصوص الآثار التي) كما يشهد به قوله تعالى : أذن خير لكم ، الظاهر في أنه أذن خير لجميع الناس إذ لو كان المراد ترتيب جميع الآثار كان أذن خير للمخبر ـ بالكسر ـ لا غير كما أوضحه في الرسائل فراجع (٣) (قوله : من تصديقه للنمام) كما عن تفسير القمي أنه نمَّ منافق

١٣١

قسامة أنه قال قولا وقال : لم أقله فصدقه وكذبهم) فيكون مراده تصديقه بما ينفعه ولا يضرهم وتكذيبهم فيما يضره ولا ينفعهم وإلّا فكيف يحكم بتصديق الواحد وتكذيب خمسين؟ وهكذا المراد بتصديق المؤمنين في قصة إسماعيل فتأمل جيداً

فصل

(في الأخبار التي دلت على اعتبار أخبار الآحاد)

وهي وإن كانت طوائف كثيرة كما يظهر من مراجعة الوسائل وغيرها إلا أنه يشكل الاستدلال بها على حجية أخبار الآحاد بأنها أخبار آحاد غير متفقة على لفظ ولا على معنى فتكون متواترة لفظاً أو معنى ولكنه مندفع بأنها وان كانت كذلك إلا أنها متواترة إجمالا ضرورة أنه يُعلم بصدور بعضها منهم عليهم‌السلام وقضيته وان كان حجية خبر أخصها مضمونا إلّا انه يتعدى عنه فيما إذا كان بينها ما كان بهذه الخصوصية وقد دل على حجية ما كان أعم فافهم.

______________________________________________________

على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره الله تعالى بذلك فأحضره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسأله فحلف له أنه لم ينم عليه فقبل منه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذ الرّجل يطعن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول : إنه يقبل كل ما يسمع ، حكاه في الرسائل فراجع (١) (قوله : قسامة) بالفتح الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم (٢) (قوله : في قصة إسماعيل) المحكية في الرسائل حيث قال له أبوه عليه‌السلام : إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم (٣) (قوله : من مراجعة الوسائل) والرسائل أيضا حيث قسمها فيها إلى طوائف (٤) (قوله : أخصها مضموناً) أخص الاخبار مضموناً ما دل على حجية خبر العادل ويوجد فيها خبر العادل الدال على حجية خبر الثقة فتستنتج حجية خبر الثقة. بل يمكن دعوى التواتر الإجمالي في غير ما دل على حجية خبر العادل فيكون ما دل على حجية خبر الثقة أخص مضمونا من غيره فتستفاد حجية خبر الثقة بلا واسطة. نعم فيها ما يدل على عدم حجية خبر غير الإمامي مثل

١٣٢

فصل

(في الإجماع على حجية الخبر)

وتقريره من وجوه (أحدها) دعوى الإجماع من تتبع فتاوى الأصحاب على الحجية من زماننا إلى زمان الشيخ فيكشف رضاه عليه‌السلام بذلك ويقطع به أو من تتبع الإجماعات المنقولة على الحجية ولا يخفى مجازفة هذه الدعوى لاختلاف الفتاوى فيما أخذ في اعتباره من الخصوصيات ومعه لا مجال لتحصيل القطع برضائه عليه‌السلام من تتبعها. وهكذا حال تتبع الإجماعات المنقولة. اللهم إلا أن يُدعى تواطؤها على الحجية في الجملة وإنما الاختلاف في الخصوصيات

______________________________________________________

مكاتبة علي بن سويد : لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا فانك إن تعديتهم أخذت دينك من الخائنين ... الحديث ، ولكنه ـ مع معارضته بغيره مما دل على جواز العمل بكتب بني فضّال والشلمغاني وما ورد في تفسير قوله تعالى : «ومن يتق الله يجعل له مخرجا» فظاهر التعليل فيه أن المانع من العمل بأخبارهم عدم الائتمان فتأمل ، ثم اني لم أجد فيما رأيت من أخبار الثقات ما يدل على حجية ما هو أعم من ذلك فلا بد من التتبع والتأمل ، كما أن الظاهر مما دل على حجية خبر الثقة من تلك النصوص اعتبار كونه ثقة في خصوص ذلك الخبر ولا يعتبر كونه ثقة في نفسه ، وكأن الوجه في ذلك مناسبة الحكم لموضوعه وإلا فإطلاق الثقة يقتضي كونه ثقة مطلقاً ، فقرينة المناسبة المذكورة ولا سيما بملاحظة الارتكاز العقلائي أوجبت كون الظاهر ما ذكرنا ، ولأجل ذلك استقر بناء الأصحاب على العمل باخبار الضّعفة مع اقترانها بما يوجب الوثوق بصدورها ولو كان ذلك مثل عمل المشهور أو الأساطين بها كما لا يبعد أن يكون المراد من الوثوق الوثوق النوعيّ جريا على مقتضى الارتكاز العقلائي (١) (قوله : من تتبع فتاوى) فيكون الإجماع حينئذ محصّلا (٢) (قوله : أو من تتبع الإجماعات) فيكون الإجماع محكياً متواتراً لا بنقل الآحاد حتى يلزم الدور (قوله : إلا أن يدعى تواطؤها)

١٣٣

المعتبرة فيها ولكن دون إثباته خرط القتاد (ثانيها) دعوى اتفاق العلماء عملا بل كافة المسلمين على العمل بخبر الواحد في أمورهم الشرعية كما يظهر من أخذ فتاوى المجتهدين من الناقلين لها. وفيه ـ مضافا إلى ما عرفت مما يرد على الوجه الأول ، أنه لو سلم اتفاقهم على ذلك لم يُحرز أنهم اتفقوا بما هم مسلمون ومتدينون بهذا الدين أو بما هم عقلاء ولو لم يلزموا بدين كما هم لا يزالون يعملون بها في غير الأمور الدينية من الأمور العادية فيرجع إلى ثالث الوجوه وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء من ذوي الأديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة واستمرت إلى زماننا ولم يردع عنه نبي ولا وصي نبي ضرورة أنه لو كان لاشتهر وبان

______________________________________________________

(١) يعني أن الاختلاف في خصوصيات الفتاوى أو معاقد الإجماعات المنقولة مانع من حصول الاتفاق على الحجية إلا إذا كان الاختلاف راجعاً إلى الاختلاف فيما هو الحجة بحيث لو انكشف لبعض بطلان مذهبه لا بد أن يلتزم بأحد المذاهب الباقية فلو ادعي ذلك كان إجماعا وحجة ، إلا أن إثبات هذه الدعوى صعب جداً ، لكن الإنصاف ان ذلك ليس بذلك البعيد (٢) (قوله : دعوى اتفاق العلماء عملا) الفرق بين هذا الوجه والوجه الأول هو الفرق بين الطريق والواقع فان الإجماع العملي انما يكون حجة من جهة كشفه عن الإجماع القولي (٣) (قوله : مضافا إلى ما عرفت) من جهة اختلاف العلماء عملا فلا يكشف عن اتفاقهم قولا على الحجية إلّا إذا كان عن تواطؤ منهم على الحجية (٤) (قوله : لم يُحرز أنهم اتفقوا ... إلخ) يعني أن الاتفاق العملي وان كان كاشفاً عن الاتفاق القولي لكنه مجمل من حيث أن قولهم بذلك بما أنهم مسلمون ومتدينون فيكون الاتفاق القولي المستكشف بالعمل من قبيل الاتفاق على الحكم الشرعي فيعلم أنه مأخوذ من الشارع يداً بيد إلى زماننا هذا ، أو بما أنهم عقلاء فلا يرتبط بجهة الشارع أصلا بل يكون ذلك بناء منهم كسائر أبنية العقلاء ويكون حينئذ راجعاً إلى الوجه الثالث وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء ... إلخ. وقد يقرر هذا الوجه على وجوه «الأول» أن الشارع

١٣٤

الأقدس كما كان في مقام جعل الأحكام كان في مقام جعل الطرق الواصلة إلى المكلفين أيضا وحيث أن العقلاء بناؤهم على طريقية خبر الثقة ولم يكن قد نصب الشارع طريقاً غيره يعلم أنه الطريق المجعول عنده ويكون قد اعتمد في إيصاله إلى المكلفين ببناء العقلاء عليه إذ لو لا ذلك لزم الإخلال بغرضه وهو مستحيل ، وهذا الوجه يتوقف على مقدمات ثلاث «الأولى» كون الشارع في مقام نصب الطرق «الثانية» كونه طريقاً عند العقلاء «الثالثة» عدم ثبوت طريق سواه ، (والأولى) ممنوعة كما اعترف بذلك شيخنا الأعظم (ره) في التنبيه الأول من تنبيهات الانسداد فليلحظ (والثانية) مسلمة (والثالثة) مبنية على عدم تمامية الأدلة المتقدمة على الحجية (الثاني) أن الشارع بعد ما جعل أحكاما واقعية وكان خبر الثقة عند العقلاء طريقاً ارتكازيا يجرون معه حيث ما جرى وينتهون معه حيث ما انتهى لاعتقاد كونه طريقاً إلى تلك الأحكام لكون طريقيته مما تقتضيها فطرتهم وجبلت عليها نفوسهم فلو سلكوه فأخطأ كان عقابهم عقابا بلا بيان لفرض الغفلة منهم وعدم تنبيه الشارع لهم ، وهذا الوجه لا يتوقف الا على إثبات كونه طريقاً عند العقلاء على النحو المذكور ، إلا أنه لا يجدي الا في حق العامل بالخبر غفلة منه وجريا على مقتضى ارتكاز طريقيته ، أما المتنبه الملتفت الشاك في طريقيته فلا يجدي في حقه لعدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان في حقه إذ مع الشك يرجع إلى ما يحكم به عقله من البراءة أو الاشتغال حسب اختلاف الموارد ، (الثالث) بناء العقلاء على كون خبر الثقة مقتضياً للحجية فهو بنفسه منجِّز للواقع وعذر في مخالفته وبذاته معيار للإطاعة والمعصية ومناط للثواب والعقاب إذا لم يردع عنه المولى ومع احتمال الردع يُبنى على عدمه تعبداً منهم أو إذا قام على عدمه طريق من ظاهر قول أو فعل أو حال معتبر ، وهذا الوجه من أحسن الوجوه إلا أنه غير ثابت «الرابع» بناؤهم على كونه حجة بينهم يُعامل معاملة الحجج الذاتيّة إلا أن ارتكاز حجيته عندهم أوجب اعتقاد كونه حجة عند الشارع فانه مولاهم وسيدهم ، وحيث أن ذلك البناء منهم لو كان على خلاف الواقع كان الواجب

١٣٥

ومن الواضح أنه يكشف عن رضاء الشارع به في الشرعيات أيضا (ان قلت): يكفي في الردع الآيات الناهية والروايات المانعة عن اتباع غير العلم وناهيك قوله تعالى : (ولا تقف ما ليس لك به علم) وقوله تعالى : (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) (قلت) : لا يكاد يكفي تلك الآيات في ذلك فانه مضافا إلى أنها وردت إرشاداً إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين. ولو سلم فانما المتيقن ـ لو لا أنه المنصرف إليه إطلاقها ـ هو خصوص الظن الّذي لم يقم على اعتباره حجة ، لا يكاد يكون الردع بها إلا على وجه دائر وذلك لأن الردع بها يتوقف على عدم تخصيص عمومها أو تقييد إطلاقها بالسيرة على اعتبار خبر الثقة وهو يتوقف على الردع عنها بها وإلا لكانت مخصصة أو مقيدة لها كما لا يخفى

______________________________________________________

عليه لقاعدة اللطف ردعهم وتنبيههم على خطئهم فحيث لم يردعهم علم أن اعتقادهم كان موافقاً للواقع واحتمال وجود مفسدة في الردع أو مصلحة في عدم الردع خلاف الظاهر نعم لا بد من إحراز مقدمات الإمضاء من الاطلاع وإمكان الردع مما يوجب الظهور في الإمضاء وهذا الوجه هو الّذي ينبغي أن يعول عليه هنا وفي سائر موارد بناء العقلاء (١) (قوله : ومن الواضح انه يكشف) لم يظهر الوجه في هذا الاستكشاف ولم يتضح أن المصنف (ره) بان على أي التقريرات المذكورة ، وعبارته هنا مجملة ، نعم سيأتي في آخر الفصل قوله : ضرورة ان ما جرت ... إلخ ونبين هناك أنه تقرير آخر غير ما ذكر (٢) (قوله : في أصول الدين) قد عرفت وجه التأمل فيه في أول مبحث الخبر فراجع (٣) (قوله : إطلاقها) فاعل لقوله : المنصرف (٤) (قوله : هو خصوص) خبر لقوله : المتيقن ، ثم إن في دعوى الانصراف المذكورة تأملا أو منعا ، بل الظاهر أنه لو دل على حجية بعض الظنون دليل كان مخصصا أو حاكما على الآيات الشريفة كما تقدم بيان ذلك إجمالا ، ولو تمت دعوى الانصراف المذكورة كان الدليل واردا عليها ، فلاحظ (٥) (قوله : لا يكاد يكون الردع) خبر قوله سابقا (فانه) (٦) (قوله : لأن الردع بها يتوقف ... إلخ) من الواضح أن

١٣٦

مقتضى الأخذ بظاهر الآيات الشريفة ينافي مقتضى الأخذ بالسيرة ، وحينئذ يقع الكلام في أن مقتضى القاعدة تقديم الأول بجعل الآيات رادعة عن السيرة ، أو الثاني بجعل السيرة مخصصة لعموم الآيات فنقول : تارة تكون السيرة مانعة عن انعقاد ظهور الآيات في الردع عنها وأخرى لا تكون كذلك بل تكون مانعة من حجية ظهور الآيات في الردع ، فعلى الأول لا ينبغي التأمل في وجوب الأخذ بمقتضى السيرة لأن اقتضاء الآيات للردع يتوقف على ظهورها فيه وظهورها فيه يتوقف على عدم وجود السيرة ـ حسب الفرض ـ فإذا فرض وجود السيرة كان مانعا عن انعقاد ظهور الآيات في الردع فيمتنع الردع بها عن السيرة ، وعلى الثاني لا بد من الأخذ بمقتضى الآيات ورفع اليد عن السيرة ، وذلك لأن الردع بالآيات يتوقف على ظهورها فيه وكون ذلك الظهور حجة ، أما ظهورها فمسلم حسب الفرض ، واما كون ذلك الظهور حجة فلعدم المزاحم له في الحجية الا السيرة والسيرة أيضا لا تصلح للمزاحمة لأن حجيتها مشروطة بعدم وجود الرادع وظهور الآيات يكفي في الردع (فان قلت) : يمكن دعوى العكس بأن نقول : حجية الظهور في الردع موقوفة على عدم حجية السيرة وإلا كانت مخصصة للظهور مانعة عن حجيته (قلت) : وجود مقتضي الحجية في ظهور الآيات في الردع غير موقوف على شيء وإنما الموقوف على عدم مانعية السيرة فعلية الحجية للظهور بخلاف مقتضي الحجية في السيرة فانه موقوف على عدم الرادع عنها فيكون مقتضي الحجية في الظهور تنجيزيا وفي السيرة تعليقيا ، ولا ريب أن المقتضي التنجيزي لا يصلح لمعارضته المقتضي التعليقي لأن الثاني ينتفي بثبوت الأول لأنه مقتضي كونه تعليقيا على عدم الآخر كما هو ظاهر بالتأمل ، ومن ذلك يظهر لك الإشكال في قول المصنف (ره) : لأن الردع بها يتوقف على عدم التخصيص أو التقييد بالسيرة ، لأن فعلية التخصيص متأخرة رتبة عن اقتضاء السيرة للتخصيص وفي رتبة الاقتضاء المذكور لا مانع من فعلية الردع فإذا كان الردع فعليا ارتفع اقتضاء السيرة للتخصيص فتمتنع فعليته فعدم التخصيص معلول الردع لا موقوف عليه الردع ، فتأمل في المقام فانه به

١٣٧

«لا يقال» : على هذا لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضا إلا على وجه دائر فان اعتباره بها فعلا يتوقف على عدم الردع بها عنها وهو يتوقف على تخصيصها بها وهو يتوقف على عدم الردع بها عنها (فانه يقال) : إنما يكفي في حجيته بها عدم ثبوت الردع عنها لعدم نهوض ما يصلح لردعها كما يكفي في تخصيصها لها ذلك كما لا يخفى ضرورة أن ما جرت عليه السيرة المستمرة في مقام الإطاعة والمعصية وفي استحقاق العقوبة بالمخالفة وعدم استحقاقها مع الموافقة ولو في صورة المخالفة عن الواقع يكون عقلا في الشرع متبعاً ما لم ينهض دليل على المنع عن اتباعه في الشرعيات

______________________________________________________

حقيق ومنه سبحانه نستمد التوفيق (١) (قوله : على هذا لا يكون اعتبار) يعني أن لازم ما ذكر من أن الردع يتوقف على عدم التخصيص ان عدم الردع موقوف على التخصيص لأن ما يتوقف على عدمه وجود الشيء يكون مانعا عن وجود الشيء ، وإذا كان مانعا عنه كان علة لعدمه وكذا قوله : عدم التخصيص موقوف على الردع ، ملازم لقولنا : التخصيص موقوف على عدم الردع (٢) (قوله :

وهو يتوقف) يعني عدم الردع موقوف على تخصيصها بها وهذه المقدمة من لوازم كون الردع موقوفا على عدم التخصيص (٣) (قوله : وهو يتوقف) يعني تخصيصها يتوقف على عدم الردع بها وهذه المقدمة من لوازم كون عدم التخصيص موقوفا على الردع (٤) (قوله : يكفي في حجيته بها عدم) حاصل الإشكال المنع عما ذكر في السؤال من أن اعتبار الخبر بالسيرة يتوقف على عدم الردع بل انما يتوقف على عدم ثبوت الردع فلا دور (٥) (قوله : ضرورة ان ما جرت عليه) تعليل لجواز الاعتماد على السيرة إذا لم يثبت الردع ، وحاصل التعليل : ان الإطاعة الواجبة بحكم العقل والمعصية المحرمة كذلك ما كان طاعة أو معصية عند العقلاء ومن المعلوم ان خبر الثقة إذا كان حجة عند العقلاء كان سلوكه طاعة عندهم ومخالفته معصية فيجب سلوكه عقلا لأنه طاعة عند العقلاء وتحرم مخالفته لأنها معصية كذلك ، نعم لو قام دليل شرعي على خلاف ما عند العقلاء كان واجب الاتباع

١٣٨

فافهم وتأمل [١]

______________________________________________________

عقلا (وفيه) انه لا ريب فيما ذكر من كون الإطاعة والمعصية الواجبة والمحرمة ما كان طاعة ومعصية عند العقلاء لكن المراد به انه يجب الرجوع إلى العقلاء في تشخيص مفهوم الإطاعة والمعصية مثل قصد الأمر والوجه والتمييز أو غير ذلك مما يعتبر في مفهوم الإطاعة والعمد ونحوه مما يعتبر في مفهوم المعصية لا غير ذلك مما يرجع إلى المصداق وحينئذ فإذا كان سلوك ما هو طريق عند المولى طاعة ومخالفته معصية ولم يثبت كون خبر الثقة طريقا عند الشارع لا يكون سلوكه طاعة للشارع عندهم ولا مخالفته معصية له عندهم أصلا ، ومجرد كونه طريقا عندهم بنحو تكون موافقته طاعة ومخالفته معصية عندهم بالإضافة إلى مواليهم لا يلازم كونه كذلك بالإضافة إلى الشارع ، نعم لو كان العقلاء مرجعا في تشخيص مصداقهما كان ما ذكر في محله إلّا انه في غاية المنع ، وهذا الوجه الّذي ذكره المصنف (ره) خامس تقريرات حجية السيرة التي أشرنا إليها سابقا ، وقد عرفت أن الوجه المتعين منها هو الرابع المتوقف على إحراز رضا الشارع وإمضائه ولو بظاهر الحال والله سبحانه اعلم (١) (قوله : فافهم وتأمل) قد أشار

__________________

[١] قولنا : فافهم وتأمل ، إشارة إلى كون خبر الثقة متبعا ولو قيل بسقوط كل من السيرة والإطلاق عن الاعتبار بسبب دوران الأمر بين ردعها به وتقييده بها وذلك لأجل استصحاب حجيته الثابتة قبل نزول الآيتين «فان قلت» : لا مجال لاحتمال التقييد بها فان دليل اعتبارها مغيا بعدم الردع عنها ومعه لا تكون صالحة لتقييد الإطلاق مع صلاحيته للردع عنها كما لا يخفى (قلت) : الدليل ليس إلا إمضاء الشارع لها ورضاه بها المستكشف بعدم ردعه عنها في زمان مع إمكانه وهو غير مغيا. نعم يمكن ان يكون له واقعا وفي علمه تعالى أمد خاص كحكمه الابتدائي حيث انه ربما يكون له أمد فينسخ فالردع في الحكم الإمضائي ليس إلا كالنسخ في الابتدائي وذلك غير كونه بحسب الدليل مغيا كما لا يخفى (وبالجملة) ليس حال السيرة مع الآيات الناهية إلا كحال الخاصّ المقدم والعام المؤخر في

١٣٩

في الحاشية في وجه ذلك إلى تقرير آخر في حجية السيرة على حجية خبر الثقة وحاصله : ان سيرة العقلاء على العمل بالخبر قبل نزول الآيات المذكورة كانت بلا رادع فتكون حجة على الحجية وبعد نزول الآيات يدور الأمر بين تخصيص الآيات بها وكونها رادعة عنها كما هو الحال في الخاصّ المقدم على العام إذ يدور الأمر بين كونه مخصصا للعام ومنسوخا به ، وقد تقدم ان الأولى القول بالتخصيص ولو فرض التوقف فالمرجع أصالة الحجية (ثم) أورد على نفسه بان ذلك يتم لو لم يكن دليل اعتبار السيرة مغيا بعدم الردع عنها اما إذا كان مغيا بذلك ففي زمان نزول الآيات يمتنع ان تكون السيرة مقيدة أو مخصصة لإطلاقها أو عمومها لعدم الدليل على اعتبارها حينئذ من جهة تحقق غاية الاعتبار (ثم) أجاب بان الدليل على اعتبارها إمضاء الشارع لها ورضاه المستكشف بعدم الردع عنها في زمان وهو غير مغيا بعدم الرادع نظير دليل الحكم الابتدائي هذا ملخص كلامه (ولكن) الإنصاف يقتضي الفرق بين الأحكام الابتدائية والأحكام الإمضائية فان ظهور أدلة الثانية في الدوام والاستمرار في غاية الإشكال وان كان مسلما في أدلة الأول لأن الوجه في ذلك الظهور ظهور الأحكام الابتدائية في كونها أحكاما قانونية ليست مخصصة بزمان دون زمان وليس الأمر كذلك في الأحكام الإمضائية ، كيف والغالب كون تبليغ الأحكام على التدريج؟ ولذا لا يصح أن يدعى أن جميع الأحكام الابتدائية في الشريعة المقدسة كانت ناسخة لما كان قبلها من الأحكام الإمضائية بل النسخ يختص بالاحكام الابتدائية التي تعقبها حكم على خلافها ، نعم لو فرض عدم الردع إلى زمان انقطاع

__________________

دوران الأمر بين التخصيص بالخاص أو النسخ بالعامّ ففيهما يدور الأمر أيضا بين التخصيص بالسيرة أو الردع بالآيات فافهم. منه قدس‌سره

١٤٠