حقائق الأصول - ج ٢

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٤
الجزء ١ الجزء ٢

واختلاف ألفاظ النقل أيضا صراحة وظهوراً وإجمالا في ذلك أي في أنه نقل السبب أو نقل السبب والمسبب «الأمر الثالث» أنه لا إشكال في حجية الإجماع المنقول بأدلة حجية الخبر إذا كان نقله متضمناً لنقل السبب والمسبب عن حس لو لم نقل بان نقله كذلك في زمان الغيبة موهون جداً ، وكذا إذا لم يكن متضمناً له بل كان ممحضاً لنقل السبب عن حس إلا انه كان سبباً بنظر المنقول إليه أيضا عقلا أو عادة أو اتفاقا فيعامل حينئذ مع المنقول معاملة المحصَّل في الالتزام بمسبَّبه بأحكامه وآثاره وأما إذا كان نقله للمسبَّب لا عن حس بل بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إليه ففيه إشكال أظهره عدم نهوض تلك الأدلة على حجيته إذ المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك كما أن المنصرف من الآيات والروايات على تقدير

______________________________________________________

(١) (قوله : واختلاف ألفاظ) معطوف على اختلاف نقل الإجماع (٢) (قوله : موهون جداً) لعدم الوثوق بصدق الناقل لو لم يكن الوثوق بخطئه (٣) (قوله : متضمناً له) يعني لرأي الإمام عليه‌السلام (٤) (قوله : لنقل السبب) أي نقل رأي غير الإمام وتسميته سبباً بلحاظ مقام الإثبات أي كون العلم به سبباً للعلم برأي الإمام ، وأما بلحاظ مقام الثبوت فالأنسب أن يكون رأي غيره مسبباً عن رأيه (٥) (قوله : فيعامل حينئذ مع) سيأتي إن شاء الله أنه لا فرق في إثبات الخبر كسائر الأمارات بين المدلول المطابقي والتضمني والالتزامي ، وبين اللازم العقلي والعادي والاتفاقي لأنه كما يكشف عن المدلول المطابقي. يكشف عن جميع المداليل المذكورة فإذا كان دليل الحجية مطلقاً دل على حجيته في الجميع (٦) (قوله : الناقل بوجه) سواء أكان الوجه عقلياً أم عاديا أم اتفاقياً (٧) (قوله : أظهره عدم نهوض) يعني أن أدلة الحجية للخبر لا تشمل الخبر عن حدس بل قد يدعى دخوله في معقد الإجماع على عدم حجية رأي المجتهد بالنسبة إلى مجتهد غيره إذ لا فرق بين نقله لرأي المعصوم معتمداً على قاعدة اللطف أو الملازمة بين الحكم العقلي والشرعي أو قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت العمل أو غيرها من القواعد التي تقع

١٠١

دلالتهما ذلك خصوصاً فيما إذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد الملازمة. هذا فيما انكشف الحال وأما فيما اشتبه فلا يبعد أن يقال بالاعتبار فان عمدة أدلة حجية الأخبار هو بناء العقلاء وهم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم انه عن حس يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس حيث أنه ليس بناؤهم إذا أخبروا بشيء على التوقف والتفتيش عن أنه عن حدس أو حس بل العمل على طبقه والجري على وفقه بدون ذلك. نعم لا يبعد أن يكون بناؤهم على ذلك فيما لا يكون هناك أمارة على الحدس أو اعتقاد الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة. هذا لكن الإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالباً مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا فلا اعتبار لها ما لم ينكشف ان نقل المسبّب كان مستنداً إلى الحس فلا بد في الإجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة ألفاظها ولو بملاحظة حال الناقل وخصوص موضع النقل

______________________________________________________

في طريق استنباط الأحكام والتفصيل بلا فاصل (١) (قوله : دلالتهما ذلك) أي غير ذلك أي ما كان عن حس (٢) (قوله : فان عمدة أدلة حجية) بل لو كان المستند فيها الآيات والروايات وكانت منصرفة إلى خصوص الخبر عن حس جاز الاعتماد مع الشك لبناء العقلاء على كون الخبر عن حس مع الشك في كونه كذلك فلا فرق في بنائهم على ذلك بين كون دليل الحجية الآيات والروايات أو نفس بناء العقلاء فتأمل (٣) (قوله : يعملون به فيما يحتمل) وإن لم يكن ظهور شخصي في كونه عن حس ، ويشهد له عدم صحة الاحتجاج عند ترك العمل بالخبر باحتمال كونه عن حدس فلاحظ (٤) (قوله : حال الناقل) بملاحظة كونه من أهل التبحر والاطلاع والتثبت في النقل وانه لا يعتمد على ظاهر كلمات مشايخه في نقل الإجماع أو على بعض الوجوه التي يراها طريقاً إلى فتوى الأصحاب في المسألة ، ولا يبعد أن يكون الجامع لمثل هذه الصفات جماعة من المتأخرين كالفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني وأضرابهم من المتبحرين المتثبتين قدس الله أرواحهم (٥) (قوله : وخصوص موضع النقل) بملاحظة كونه محرراً في كتب الأصحاب أو مهملا في أكثرها

١٠٢

فيؤخذ بذاك المقدار ويعامل معه كأنه المحصل فان كان بمقدار تمام السبب وإلّا فلا يجدي ما لم يضم إليه مما حصله أو نقل له من سائر الأقوال أو سائر الأمارات بأنه تم فافهم (فتلخص) بما ذكرنا أن الإجماع المنقول بخبر الواحد من جهة حكايته رأي الإمام عليه‌السلام بالتضمن أو الالتزام كخبر الواحد في الاعتبار إذا كان من نقل إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه عليه‌السلام وما نقله من الأقوال بنحو الجملة والإجمال وتعمّه أدلة اعتباره وينقسم بأقسامه ويشاركه في أحكامه وإلا لم يكن مثله في الاعتبار من جهة الحكاية وأما من جهة نقل السبب فهو في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من الأقوال التي نقلت إليه على الإجمال بألفاظ نقل الإجماع مثل ما إذا نقلت على التفصيل فلو ضُم إليه مما حصله أو نقل له من أقوال السائرين أو سائر الأمارات مقدار كان المجموع منه وما نقل بلفظ الإجماع بمقدار السبب التام كان المجموع كالمحصل ويكون حاله كما إذا كان كله منقولا ولا تفاوت في اعتبار الخبر بين ما إذا كان المخبر به تمامه أو ما له دخل فيه وبه قوامه كما يشهد به حجيته بلا ريب في تعيين حال السائل وخصوصية القضية الواقعة المسئول عنها وغير ذلك مما له دخل في تعيين مرامه عليه‌السلام من كلامه. وينبغي التنبيه على أمور (الأول) أنه قد مر أن مبنى دعوى الإجماع غالباً هو اعتقاد الملازمة عقلا

______________________________________________________

(١) (قوله : تمام السبب) بان كان المقدار المنقول ملازما لرأي المعصوم بحيث يلزم من العلم به العلم به وإلّا فلا يجدي النقل ما لم ينضم إلى المنقول ما لو انضم إليه لكان العلم بهما موجباً للعلم برأي المعصوم (٢) (قوله : إذا كان من نقل) قد عرفت أن أدلة الحجية بعد ما كانت لا تصلح لإثبات حجية الخبر عن حدس فلا وجه للالتزام بحجية الإجماع المنقول من حيث حكاية رأي المعصوم حتى عند من يرى الملازمة بل ليس الحجة الا نفس حكاية السبب الكاشفة عن ثبوت المسبب عند المحكي له من جهة بنائه على الملازمة لا حكاية نفس المسبب ولو عند من يرى الملازمة كما هو ظاهر ، وعبارة المتن لا تخلو من إبهام (قوله : ولا تفاوت في اعتبار الخبر)

١٠٣

لقاعدة اللطف وهي باطلة ، أو اتفاقا بحدس رأيه عليه‌السلام من فتوى جماعة وهي غالباً غير مسلمة وأما كون المبنى العلم بدخول الإمام بشخصه في الجماعة أو العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة من الفتاوى فقليل جداً في الإجماعات المتداولة في ألسنة الأصحاب كما لا يخفى بل لا يكاد يتفق العلم بدخوله عليه‌السلام على نحو الإجمال في الجماعة في زمان الغيبة وان احتمل تشرف بعض الأوحدي بخدمته ومعرفته أحيانا فلا يكاد يجدي نقل الإجماع إلا من باب نقل السبب بالمقدار الّذي أحرز

______________________________________________________

(١) يريد أن يدفع إشكالا يرد على حجية الإجماع المنقول إذا لم يكن حاكياً لتمام السبب ، وحاصله : أن بعض السبب إذا كان لا يترتب عليه الأثر وانما يترتب على التمام امتنع أن تشمله أدلة الحجية لأنه لا بد من الأثر المصحح للتعبد كما لا يخفى وحاصل الدفع : أنه يكفي في الأثر المصحح للتعبد الأثر الضمني إذ لا ريب في حجية قول كل واحد من جزئي البينة مع أن الأثر لا يترتب إلا على تمام الخبرين ومجموعهما فكذا في المقام ، ويشهد له أيضاً ما ذكره من حجية الخبر الحاكي لبعض الخصوصيات التي لها دخل في الحكم مثل خصوصية السائل والزمان والمكان وغيرها مع أنها لا يترتب عليها تمام الأثر بالضرورة (٢) (قوله : لقاعدة اللطف) وهي التي اعتمدها الشيخ (ره) في حجية الإجماع ، وحاصلها : أنه إذا أجمعت العلماء على رأي لا بد أن يكون موافقا لرأي المعصوم عليه‌السلام لأنه يجب لطفاً عليه الظهور أو إظهار من يبين الحق في تلك المسألة فلو كان العلماء على خلاف رأيه عليه‌السلام لردعهم وبين لهم الحق (٣) (قوله : وهي باطلة) إذ لا دليل عليها من شرع أو عقل ، أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلعدم حكم العقل بوجوب ذلك على الإمام كما عن السيد المرتضى فقد قال في محكي كلامه : أنه يجوز ان يكون الحق فيما عند الإمام عليه‌السلام والأقوال الأخر تكون كلها باطلة ولا يجب عليه الظهور لأنا إذا كنا نحن السبب في استتاره فكلما يفوتنا من الانتفاع به وبتصرفه من الأحكام تكون قد أوتينا من قِبَل نفوسنا ولو أزلنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا به وأدى إلينا الحق الّذي عنده

١٠٤

من لفظه بما اكتنف به من حال أو مقال ويعامل معه معاملة المحصل (الثاني) أنه لا يخفى أن الإجماعات المنقولة إذا تعارض اثنان منها أو أكثر فلا يكون التعارض إلا بحسب المسبب وأما بحسب السبب فلا تعارض في البين لاحتمال صدق الكل لكن نقل الفتاوى على الإجمال بلفظ الإجماع حينئذ لا يصلح لأن يكون سبباً ولا جزء سبب لثبوت الخلاف فيها إلّا إذا كان في أحد المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه عليه‌السلام لو اطلع عليها ولو مع اطلاعه على الخلاف ، وهو وان لم يكن مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد إلا أنه مع عدم الاطلاع عليها الا مجملا بعيد

______________________________________________________

انتهى. قال الشيخ (ره) في العدة بعد نقل هذا الكلام : وهذا عندي غير صحيح لأنه يؤدي إلى انه لا يصح الاحتجاج بإجماع الطائفة أصلا لأنا لا نعلم بدخول الإمام عليه‌السلام إلّا بالاعتبار الّذي بيناه فمتى جوزنا انفراده عليه‌السلام بالقول ولا يجب ظهوره منع ذلك من الاحتجاج بالإجماع ... إلخ ، وما ذكره الشيخ (ره) من الوجه كما ترى ، ومثله ما أشار إليه في كلامه الّذي يرجع إلى أنه لو لم يجب عليه الظهور لم يحسن التكليف ، فان ذلك لو تم لاقتضى وجوب إظهار الحق لكل أحد من الأمة وهو كما ترى أيضا فانه قريب من بعض شبهات التصويب ، فلاحظ وتأمل (١) (قوله : من لفظه) الضمير راجع إلى النقل (٢) (قوله : بما اكتنف) الباء بمعنى مع يعني ان نقل الإجماع حينئذ يكون إجراؤه من حيث كونه نقلا للسبب فلا بد حينئذ من ملاحظة ظاهر النقل ولو من جهة القرائن المكتنفة به حالية أو مقالية ، فان كان ظاهرا فيما يوجب العلم به العلم برأي المعصوم كان حجة على رأي المعصوم ويكتفى به وإن لم يكن ظاهرا في ذلك وحصل له من غير جهة النقل ما يوجب العلم به العلم برأي المعصوم كان حجة وإلّا فلا ينفع شيئاً كما تقدم (٣) (قوله : فلا يكون التعارض الا) التعارض ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ تكاذب الدليلين وتنافيهما بحسب المدلول المطابقي أو التضمني أو الالتزامي فإذا نقل الإجماع على حكم والإجماع على

١٠٥

فافهم (الثالث) انه ينقدح مما ذكرنا في نقل الإجماع حال نقل التواتر وانه من حيث المسبب لا بد في اعتباره من كون الاخبار به إخبارا على الإجمال بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخبر به لو علم بها

______________________________________________________

خلافه فهما من حيث حكم الإمام عليه‌السلام متعارضان لتنافيهما فيه ، واما من حيث السبب وهو نقل آراء غيره من العلماء ، فان كان ظاهر نقل الإجماع حكاية آراء جميع العلماء كما لو كان مبنى الناقل قاعدة اللطف كان النقلان متعارضين أيضا لامتناع اجتماع العلماء على الحكمين معاً فيكون النقلان أيضا متنافيين ، وان كان ظاهر النقل حكاية آراء جماعة منهم حصل للناقل القطع برأي المعصوم عليه‌السلام من القطع برأيهم لحسن ظنه بهم لم يكونا متعارضين وجاز صدق كل منهما معاً وحينئذ يثبت الخلاف عند المنقول إليه ولا يترتب على كل واحد من النقلين أثر إلا إذا كان السبب في أحدهما ملازما لرأي المعصوم عليه‌السلام لخصوصية فيه دون الآخر فيكون ذلك النقل حجة لدلالته بالالتزام على رأي المعصوم وكذا لو كان السبب في أحدهما قد انضم إليه ما يلازم رأي المعصوم مما حصَّله بنفسه أو نقله له ثالث غيرهما لكن الفرض الأول استبعده المصنف (ره) (١) (قوله : فافهم) لعله إشارة إلى عدم الفرق بين الاطلاع الإجمالي والتفصيليّ فان الاطلاع التفصيليّ إذا كان ملازما لرأي المعصوم عليه‌السلام كان نقله ولو إجمالا حجة لأنه مدلول التزامي للمنقول فتأمل أو إلى منع الاستبعاد لاختلاف حال الناقل وعصره ومشايخه الذين اعتمدهم ومجرد الخلاف لا أثر له وكم من مسألة ليس المستند فيها إلا الإجماع مع وجود الخلاف وسبر المسائل الفقهية شاهد بذلك والخلاف إنما يقدح في الإجماع بناء على قاعدة اللطف لا غير (٢) (قوله : من حيث المسبب لا بد) المتعارف من نقل التواتر نقل السبب ولا يرتبط بنقل المسبب بالمرة فلا بد من إجراء أحكام نقل السبب لا غير عليه (٣) (قوله : لا بد في اعتباره) يعني انما يعتبر نقل التواتر بلحاظ نقل السبب إذا كان يتضمن نقل مقدار من الأخبار بحيث تكون ملازمة للمسبب بنظر المنقول إليه أيضا هذا ولكن عرفت أن نقل المسبب إذا كان مستنداً إلى الحدس لا يكون

١٠٦

ومن حيث السبب يثبت به كل مقدار كان اخباره بالتواتر دالا عليه كما إذا أخبر به على التفصيل فربما لا يكون إلا دون حد التواتر فلا بد في معاملته من لحوق مقدار آخر من الاخبار يبلغ المجموع ذاك الحد نعم لو كان هناك أثر للخبر المتواتر في الجملة ـ ولو عند المخبر ـ لوجب ترتيبه عليه ولو لم يدل على ما بحد التواتر من المقدار

فصل

مما قيل باعتباره بالخصوص الشهرة في الفتوى ولا يساعده دليل وتوهم دلالة أدلة حجية خبر الواحد عليه بالفحوى لكون الظن الّذي تفيده أقوى مما يفيده الخبر فيه ما لا يخفى ضرورة عدم دلالتها على كون مناط اعتباره افادته الظن غايته تنقيح ذلك بالظن وهو لا يوجب إلّا الظن بأنها أولى بالاعتبار ولا اعتبار به ـ مع أن دعوى القطع بأنه ليس بمناط

______________________________________________________

حجة وإنما يكون الخبر حجة حينئذ بلحاظ نقل السبب فيدل بالالتزام على وجود المسبب إذا كانت الملازمة ثابتة عند المنقول إليه فاللازم عدم التعرض لنقل التواتر من حيث نقل المسبب والاقتصار على حكمه من حيث نقل السبب لا غير (١) (قوله : ومن حيث السبب) يعني ينظر إلى لسان النقل ولو بقرينة حال الناقل فان كان دالا على مقدار من الاخبار تلازم رأي المعصوم بنظر المنقول إليه كان حجة كما عرفت وإلا فلا إلا أن ينضم إليه ما يوجب العلم بالواقع كما فُصل سابقا (٢) (قوله : وتوهم دلالة أدلة) هذا أحد الوجوه التي يُتوهم منها حجية الشهرة وحاصله : ان الأدلة الدالة على حجية الخبر تدل على حجيتها بمفهوم الموافقة لأنها أولى من الخبر لكون الظن الحاصل منها أقوى من الظن الحاصل بالخبر (٣) (قوله : ضرورة عدم دلالتها) يعني أن مفهوم الموافقة إنما يكون حجة إذا كان قد أحرز مناط حكم المنطوق ولم يثبت كون مناط حجية الخبر كونه مفيدا للظن غاية الأمر أنه يظن

١٠٧

غير مجازفة وأضعف منه توهم دلالة المشهورة والمقبولة عليه لوضوح أن المراد بالموصول في قوله في الأولى : «خذ بما اشتهر بين أصحابك» وفي الثانية : «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به» هو الرواية لا ما يعم الفتوى كما هو أوضح من أن يخفى. نعم بناء على حجية الخبر

______________________________________________________

كون المناط هو الظن والظن بالمناط لا اعتبار به لعدم دليل على اعتباره (١) (قوله : غير مجازفة) إذ لو كان هو المناط لم يتخلف عند الحكم واللازم باطل إذ لا ريب في عدم حجية فتوى الفقيه مع إفادتها للظن ، مضافا إلى أن كون الظن الحاصل من الشهرة أقوى من الظن الحاصل من الخبر أول الكلام ، كيف وقد ذكر في المعالم أن خبر العادل أقوى الظنون؟ فلاحظ (٢) (قوله : وأضعف منه توهم دلالة المشهورة والمقبولة) هذا هو الوجه الثاني من وجوه حجية الشهرة وحاصله الاستدلال بالنصوص الخاصة عليه (أحدها) ما رواه ابن أبي جمهور في كتاب غوالي اللئالي عن العلامة (ره) مرفوعا إلى زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟ فقال يا زرارة : خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر ... الحديث ، فانها تدل على وجوب الأخذ بما اشتهر مطلقا ولو كان فتوى ، ولو سُلم أنها ظاهرة في خصوص الرواية لكن تعليق الحكم على وصف الاشتهار يدل على كونه مناط الحكم (ثانيها) ما رواه المشايخ الثلاثة عن عمر بن حنظلة (وفيها) بعد ما فرض السائل تساوي الراويين في العدالة ونحوها قال عليه‌السلام : ينظر في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه ... الحديث ، ووجه الاستدلال ما تقدم بل هو هنا أظهر من جهة الاشتمال على التعليل بقوله : فان المجمع ... إلخ ، فانه يقتضي التعدي عن مورده كما هو ظاهر والرواية الأولى تسمى في لسانهم (المشهورة) والثانية (المقبولة) ووجه التسمية ظاهر (٣) (قوله : هو الرواية) لانصرافها من لفظ الموصول فلا إطلاق له يشمل

١٠٨

ببناء العقلاء لا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجيته بل على حجية كل أمارة مفيدة للظن أو الاطمئنان لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد

فصل

المشهور بين الأصحاب حجية خبر الواحد في الجملة بالخصوص

ولا يخفى أن هذه المسألة من أهم المسائل الأصولية وقد عرفت في أول الكتاب أن الملاك في الأصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط ولو لم يكن البحث فيها عن الأدلة الأربعة وإن اشتهر في ألسنة الفحول كون الموضوع في علم الأصول هي الأدلة وعليه لا يكاد يفيد في ذلك أي كون هذه المسألة أصولية تجشم دعوى أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن أحوال الدليل ضرورة أن البحث في المسألة ليس عن دليلية الأدلة بل عن حجية الخبر الحاكي عنها

______________________________________________________

الفتوى وأما تعليق الحكم على الوصف فليس ظاهرا في العلية بحيث يُعول عليه ولذا قيل : انه يشعر بالعلية ، والإشعار ليس ظهوراً وأما التعليل فانما يقتضي وجوب الأخذ بما لا ريب فيه وهو مما لا ريب فيه إلا أن المشهور فتوى ليس كذلك (١) (قوله : دون إثبات ذلك) الظاهر أن المشار إليه بذلك حجية الخبر ببناء العقلاء لكن يشكل قوله : خرط القتاد ، لما تقدم من أن عمدة أدلة حجية الخبر بناء العقلاء ، وسيأتي إثباته بذلك أيضا ولو كان المشار إليه هو الدعوى التي لم يستبعدها فعدم المناسبة ظاهرة أيضا

(حجية خبر الواحد)

(٢) (قوله : في طريق الاستنباط) يعني استنباط الأحكام الكلية الّذي هو وظيفة المجتهد لا الأحكام الجزئية التي هي وظيفة العامي فان ما يقع في طريق استنباطها هو المسائل الفرعية (٣) (قوله : وعليه لا يكاد يفيد) يعني بناء على ما اشتهر من

١٠٩

كما لا يكاد يفيد عليه تجشم دعوى أن مرجع هذه المسألة إلى أن السنة وهي (قول الحجة أو فعله أو تقريره) هل يثبت بخبر الواحد أو لا يثبت إلا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة؟ فان التعبد بثبوتها مع الشك فيها لدى الاخبار بها ليس من عوارضها بل من عوارض مشكوكها كما لا يخفى

______________________________________________________

أن الموضوع لعلم الأصول هو الأدلة الأربعة يشكل جعل مسألة حجية الخبر من مسائل الأصول لأن موضوعها وهو الخبر ليس من الأدلة الأربعة ، أما كونه ليس الكتاب والإجماع والعقل فواضح ، وأما أنه ليس من السنة فلأن السنة فعل المعصوم ، وقوله ، وتقريره ، وليس هو أحدها وإنما هو حاك عن أحدها والحاكي غير المحكي. ومن هنا يظهر أن ما تجشمه صاحب الفصول (ره) في دفع الإشكال من أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن حال الدليل ليس له مساس في دفع هذا الإشكال لأن البحث عن حجية الخبر وإن كان بحثاً عن دليلية الخبر لكنه ليس بحثاً عن دليلية أحد الأدلة الأربعة بل هو بحث عن دليلية الحاكي لأحدها. ومنه يظهر الإشكال على شيخنا الأعظم «ره» حيث يظهر منه صحة ذلك جوابا عن الإشكال لو لا أنه تجشم ، ووجه كونه تجشما كون المسائل الأصولية يبحث فيها عن أحوال الأدلة في فرض كونها أدلة فلا يكون البحث عن دليليتها بحثاً في مسألة أصولية (١) (قوله : كما لا يكاد يفيد) هذا تعريض بشيخنا الأعظم «ره» حيث أجاب عن الإشكال بان مرجع البحث في المقام إلى أن السنة ـ أعني قول المعصوم وفعله وتقريره ـ هل تثبت بخبر الواحد؟ فيكون البحث حينئذ بحثاً عن عوارض الدليل وهو السنة وحاصل التعريض : أن الثبوت المبحوث عنه ليس هو الثبوت حقيقة بل الثبوت تعبداً الراجع إلى وجوب العمل وترتيب آثار الثبوت الحقيقي وهذا المعنى من الثبوت ليس من عوارض السنة إذ لا نزاع في وجوب العمل بالسنة الواقعية بل من عوارض مشكوك السنة الّذي هو مؤدى الخبر ومن أحواله كما هو ظاهر ، وقد

١١٠

ـ مع أنه لازم لما يبحث عنه في المسألة من حجية الخبر والمبحوث عنه في المسائل إنما هو الملاك في أنها من المباحث أو من غيره لا ما هو لازمه كما هو واضح ، وكيف كان فالمحكي عن السيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس عدم حجية الخبر واستدل لهم بالآيات الناهية عن اتباع غير العلم والروايات الدالة على رد ما لم يعلم انه قولهم عليهم‌السلام أو لم يكن عليه شاهد من كتاب الله أو شاهدان ، أو لم يكن موافقاً

______________________________________________________

تقدم (١) (قوله : مع أنه لازم لما يبحث عنه) يعني مع أنه يرد عليه إشكال آخر وهو أن الثبوت ليس هو المبحوث عنه بل المبحوث عنه هو الحجية ومن لوازمها الثبوت المذكور والملاك الّذي تعد به المسألة من مسائل الفن كون نفس المبحوث عنه من عوارض الموضوع فلا يكفي كون لازمه من العوارض إلا أن يقال : إن الحجية لما كانت عند بعضهم من الاعتباريات المنتزعة فالبحث عنها لا بد أن يكون بحثاً عن نفس منشأ الانتزاع وهو ثبوت المؤدى ، والملاك الّذي به تعد المسألة من مسائل الفن ما يكون المبحوث عنه حقيقة من العوارض لا ما يكون المبحوث عنه عرضاً كذلك كما أشار إليه في مبحث الاجتماع فتأمل ، وربما يجاب بأنه لما كان مفاد أدلة حجية الخبر كونه بمنزلة العلم ـ كما أشرنا إليه في مبحث قيام الأمارات مقام العلم ـ كان البحث في الحقيقة عن أن السنة هل تعلم بالخبر أولا؟ فيكون المبحوث عنه العلم بها وهو من العوارض للسنة الواقعية (فان قلت) : العلم ليس من عوارض السنة الواقعية لأن العلم لا يتعلق بالوجودات الواقعية وانما يتعلق بالصور الذهنية ، (قلت) : يكفي ذلك في عده من عوارض الواقع لحكاية الصور عن الواقع والحاكي بنظرٍ عين المحكي ولذا كان موضوع علم الفقه فعل المكلف مع أن الأحكام التكليفية لا تتعلق بالفعل الخارجي بل تتعلق بنفس الصورة أيضا نظير العلم. ويمكن الخدشة فيه بان البحث عن كون السنة معلومة إن كان بلحاظ الآثار الشرعية للعلم كانت المسألة من المبادئ التصديقية لعلم الفقه لكون البحث فيها عن وجود

١١١

للقرآن إليهم أو على بطلان ما لا يصدِّقه كتاب الله ، أو على أن ما لا يوافق كتاب الله زخرف ، أو على النهي عن قبول حديث إلا ما وافق الكتاب أو السنة ... إلى غير ذلك ، والإجماع المحكي عن السيد في مواضع من كلامه بل حكي عنه انه جعله بمنزلة القياس في كون تركه معروفاً من مذهب الشيعة ، والجواب أما عن الآيات فبأن الظاهر منها أو المتيقن من إطلاقاتها هو اتباع غير العلم في الأصول الاعتقادية لا ما يعم الفروع الشرعية ، ولو سلم عمومها لها فهي مخصصة بالأدلة الآتية على اعتبار الاخبار ، وأما عن الروايات فبأن الاستدلال بها خال عن السداد فانها أخبار آحاد (لا يقال) : إنها وإن لم تكن متواترة لفظاً ولا معنى إلّا انها متواترة إجمالا

______________________________________________________

الموضوع وإن كان بلحاظ وجوب العمل فليس ذلك من آثار العلم بالسنة المقصود بالبحث لأن وجوب العمل (عقلا) من آثار منجزية الخبر للواقع وقد عرفت أن المناط فيه ليس هو العلم بالسنة (وشرعاً) من آثار نفس قيام الحجة ولو لم تكن علماً ، مع أن ثبوته محل إشكال فتأمل (١) (قوله : للقرآن إليهم) كلمة (إليهم) متعلقة بقوله : رد ما لم يعلم (٢) (قوله : أو على بطلان) معطوف على قوله : على رد (٣) (قوله : فبأن الظاهر منها أو) يمكن منع ذلك فان موردها وإن كان أصول الدين إلا أن ورودها مورد التنديد بالكفار والتعليل في بعضها بان الظن لا يغني عن الحق شيئاً مما يوجب حفظ ظهورها في العموم كما لعله ظاهر بالتأمل ، (٤) (قوله : ولو سلم عمومها لها فهي مخصصة) بل الظاهر أن تلك الأدلة حاكمة على ما دل منها على عدم جواز العمل بغير العلم مثل قوله سبحانه : ولا تقف ما ليس لك به علم ، بناء على أن مفاد أدلة الحجية جعل الخبر علما تنزيلا بل هي كذلك بالإضافة إلى ما دل على عدم جواز العمل بالظن بناء على أن مفادها (أي أدلة الحجية) نفي كونه ظنا وأنه علم ، مضافا إلى إمكان دعوى ظهور أدلة المنع عن الظن في كونه ليس في نفسه من حيث كونه ظناً حجة ، وحينئذ فلا تنافي أدلة الحجية الدالة على أنه من حيث كونه ظناً خاصاً حجة لعدم التنافي بين المقتضي واللامقتضي كما هو ظاهر

١١٢

للعلم الإجمالي بصدور بعضها لا محالة (فانه يقال) : إنها وإن كانت كذلك إلّا انها لا تفيد الا فيما توافقت عليه وهو غير مفيد في إثبات السلب كلياً كما هو محل الكلام ومورد النقض والإبرام وإنما تفيد عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والسنة والالتزام به ليس بضائر

______________________________________________________

فان لم يتم شيء مما ذكرنا كان الجواب ما ذكره المصنف (ره) من كون أدلة حجية الخبر مخصِّصة لها لاختصاصها بالخبر في الفروع ، وعموم تلك الأدلة لغير الخبر وللأصول (١) (قوله : للعلم الإجمالي بصدور) لا يخلو من تأمل فان الحر ـ رحمه‌الله ـ قد عقد في كتاب القضاء من وسائله باباً ذكر فيه الأخبار المذكورة إلا أن أكثرها وارد في المتعارضين ، وليس مما نحن فيه وفي كون الباقي مما يبلغ حد التواتر الإجمالي محل تأمل ومحتاج إلى المراجعة (٢) (قوله : إلا فيما توافقت عليه) فان المضمون الّذي توافقت عليه النصوص المعلوم إجمالا صدور بعضها مما يعلم بصدوره عن المعصوم أما ما اختلفت فلا يعلم صدوره فلا يعلم وجوب العمل به (٣) (قوله : وهو غير مفيد) يعني أن ما توافقت عليه النصوص وان كان يجب العمل به لكنه لا ينفع في إثبات نفي الحجية عن كل فرد من الخبر كما هو مدعى النافين وإنما ينفع في نفي الحجية عن نوع خاص منه وذلك ليس محل الكلام هنا لأن الكلام في حجية الخبر في الجملة ولو لبعض أفراده بمعنى الموجبة الجزئية والدليل المذكور للنافي إنما يقتضي السالبة الجزئية وهي لا تنافي الموجبة الجزئية التي يدعيها المثبت ولا تثبت السالبة الكلية التي يدعيها النافي (٤) (قوله : وإنما تفيد عدم) هذا بيان لما اتفقت عليه النصوص وأنه عدم حجية المخالف للكتاب والسنة معاً لكن ذلك يتوقف على عدم التواتر الإجمالي فيما ليس بهذا المضمون لأن الاخبار المتضمنة لهذا المضمون نادرة فلاحظ (٥) (قوله : ليس بضائر) يعني لا يقدح في دعوى حجية الخبر في الجملة. هذا ولكن بناء القائلين بحجية الخبر على تخصيص الكتاب والسنة المتواترة به فلا بد حينئذ من التفصي عن هذا الاستدلال بوجه آخر ولا بأس بان يقال : إن من جملة الاخبار المانعة ما دل

١١٣

بل لا محيص عنه في مقام المعارضة وأما عن الإجماع فبأن المحصل منه غير حاصل والمنقول منه للاستدلال به غير قابل خصوصاً في المسألة كما يظهر وجهه للمتأمل ـ مع أنه معارض بمثله وموهون بذهاب المشهور إلى خلافه وقد استدل للمشهور بالأدلة الأربعة

فصل في الآيات التي استدل بها

فمنها آية النبأ قال الله تبارك وتعالى «ان جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا» ويمكن تقريب الاستدلال بها من وجوه أظهرها أنه من جهة مفهوم الشرط

______________________________________________________

على أن الخبر المخالف للكتاب زخرف ـ كما في رواية ابن الحر ـ أو : لم أقله ـ كما في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في رواية هشام بن الحكم ـ وحيث أن هذا المضمون مما يأبى عن التخصيص وجب حمل المخالفة فيه على المخالفة بنحو التباين للعلم الإجمالي بصدور الاخبار المخالفة عن المعصومين صلى الله عليهم أجمعين فيكون المتيقن من أدلة المنع ما كان مخالفاً للكتاب بنحو التباين ويبقى غيره خالياً عن المانع فيرجع فيه إلى الأدلة الدالة على الحجية (١) (قوله : بل لا محيص عنه) بل هو مسلم ظاهرا بين القائلين بالحجية (٢) (قوله : غير قابل) لعدم ثبوت حجيته كما تقدم (٣) (قوله : خصوصا في المسألة) لأن حجيته على المنع تتوقف على إثبات حجية الخبر فكيف يكون نافيا لها لأن حجيته حينئذ يلزم من وجودها عدمها ، ولو قيل : إنه لا يشمل نفسه ، قلنا : ولكن لا يثبت نفسه ، وإن شئت قلت : يعلم إجمالا بعدم حجية هذا الإجماع المنقول إما لأن الخبر حجة فيكون مخالفا للواقع أو ليس بحجة وهو من أفراده (٤) (قوله : معارض بمثله) وهو إجماع الشيخ (ره) المعتضد بإجماع جماعة كما قيل (٥) (قوله : من وجوه) أحدها من جهة مفهوم الوصف المبتني على القول بحجية مفهوم الوصف (ثانيها) من جهة مفهوم خصوص الوصف الخاصّ أعني الفسق فان خصوصيته مناسبته لعدم القبول من جهة

١١٤

وأن تعليق الحكم بإيجاب التبين عن النبأ الّذي جيء به على كون الجائي به الفاسق يقتضي انتفاءه عند انتفائه. ولا يخفى أنه

______________________________________________________

عدم ما يوجب الأمن من تعمد الكذب في الفاسق (ثالثها) من جهة التبين المأمور به إذ ليس المراد به التبين العلمي بل التبين العرفي ، ومن المعلوم حصوله بنفس خبر العادل فيكون بنفسه حجة (رابعها) من جهة التعليل في الآية الشريفة بمخافة الوقوع في الندم وخبر العادل لا يُخاف من الوقوع في الندم من العمل به لأن الندم إنما يحسن إطلاقه على ارتكاب ما لا يحسن فعله عند العقلاء كالاعتماد على خبر الفاسق ولا كذلك الاعتماد على خبر العادل ولو انكشف كونه مخالفا للواقع ، وكأن المصنف (ره) أشار بقوله : أظهرها ، إلى ما فيها من الإشكال إذ (الأول) مبني على القول بمفهوم الوصف والتحقيق خلافه (والثاني) يرجع إلى الظن بالعلية غير المستند إلى ظاهر الكلام وحجية مثله أول الكلام (والثالث) مبني على إرادة التبين العرفي المسامحي من قوله تعالى : فتبينوا ، وهو خلاف الظاهر من مادة البيان (والرابع) فيه أن ظاهر الآية كون الندم على مجرد إصابة القوم بالجهالة من حيث كونها جهالة وهذا المعنى موجود بخبر العادل ، وليس المراد منه السفاهة فانه خلاف الظاهر ، لكن سيأتي قريبا من المصنف (ره) أن دعوى ذلك غير بعيدة لكن لا يخفى أنها خلاف مورد نزول الآية وهو العمل بخبر الوليد بن عقبة ـ لعنه الله ـ إذ لا ريب في انه لم يكن سفاهة كما هو واضح جداً (١) (قوله : وأن تعليق الحكم بإيجاب) من أهم مقاصد المثبتين والنافين والمستدلين بهذه الآية الشريفة والرادّين معرفة أن موضوع القضية الشرطية هو مطلق النبأ والشرط حال من أحواله أو هو نبأ الفاسق والشرط وجوده ، وتوضيح ذلك : أن من الموضح في محله أن الحكم في المفهوم يجب أن يكون نقيضاً للحكم في المنطوق وإنما جاز اجتماعهما في القضايا الشرطية لكون أحدهما ثابتا في حال الشرط والآخر ثابتا في حال نقيضه ، مثلا مفهوم قولنا : ان جاء زيد فأكرمه ، إن لم يجئ زيد لا يجب إكرامه ، وقولنا : لا يجب إكرام زيد ، نقيض قولنا : يجب إكرامه ،

١١٥

على هذا التقرير لا يرد أن الشرط في القضية لبيان تحقق الموضوع

______________________________________________________

المستفاد من جزاء الشرطية فإذا كان المفهوم نقيضا للمنطوق يجب أن يكون متحداً معه في جميع الخصوصيات المأخوذة فيه في القضية من الموضوع والمكان والزمان وغير ذلك ، فان الاتحاد في الخصوصيات من مقومات التناقض بين الشيئين وحينئذ فإذا كان موضوع الحكم في الجزاء هو خبر الفاسق والشرط وجوده بحيث يكون مفاد الآية الشريفة مفاد قولنا : إن وجد خبر الفاسق فتبين عنه ، امتنع إفادة الآية لحجية خبر العادل لأن خبر العادل لما كان غير خبر الفاسق فعدم التبين عنه لا يكون نقيضاً لوجوب التبين عن خبر الفاسق لاختلاف الموضوع المانع من ثبوت التناقض بينهما وإذا كان موضوع الحكم نفس النبأ مطلقا والشرط حال من أحواله وهو كون الجائي به فاسقا دلت الآية على حجية خبر العادل لأنه من أفراد موضوع الحكم فيه فينتفي عنه الحكم بوجوب التبين لانتفاء الشرط وهو كون الجائي به فاسقا وحينئذ فالعمدة في المقام تشخيص ظهور الآية في أحد المفادين ، والّذي يظهر من المصنف (ره) أنها ظاهرة في المفاد الثاني وأن موضوع الحكم نفس النبأ والشرط كون الجائي به فاسقا خلافا لشيخه (ره) في رسائله فادعى ظهورها في الأول وأنها من قبيل : إن رزقت ولدا فاختنه ، و : إن تزوجت فلا تضيِّع حق زوجتك ، ونحوهما ، وهذا الّذي ادعاه شيخه (ره) هو الّذي يقتضيه التدبر ، فان قوله تعالى فتبينوا ، وإن كان خالياً عن الصلة إلا أنها بتقدير (عنه) يعني فتبينوا عنه كما اعترف به المصنف (ره) والضمير إنما يرجع إلى النبأ الّذي جاء به الفاسق المذكور في الشرط ، ولا وجه لإرجاعه إلى مطلق النبأ ، وقوله تعالى :

إن جاءكم ، بمنزلة قوله : إن أخبركم ، والاخبار عين وجود الخبر فالشرط حينئذ نفس الوجود لا صفة في المخبر وهو كونه فاسقا كما هو ظاهر فكيف يدعى ظهورها في غيره؟ (١) (قوله : على هذا التقرير لا يرد) لم يتقدم منه إلا تصوير التقرير بلا تعرض لإثباته وبيان ما يوجب كونه ظاهر الآية كما لا يخفى وحينئذ فلا يجدي

١١٦

فلا مفهوم له أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع فافهم. نعم لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجيء الفاسق به كانت القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع ـ مع أنه يمكن أن يقال : إن القضية ـ ولو كانت مسوقة لذلك ـ إلا أنها ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبين في النبأ الّذي جاء به الفاسق فيقتضي انتفاء وجوب التبين عند انتفائه ووجود موضوع آخر فتدبر

______________________________________________________

في دفع الإيراد المذكور (١) (قوله : فلا مفهوم له أو مفهومه) الظاهر أن القضية في المقام مما لا مفهوم لها لا أن مفهومها سالبة بانتفاء الموضوع وذلك من جهة أن وجوب التبين يمتنع أن يكون نفسيا إذ لا ريب في خلافه ولا غيريا لعدم كونه مقدمة لواجب شرعي ولا إرشاديا لعدم وجوب التبين عقلا إلا في مقامات مخصوصة توقف فيها العلم بالامتثال على العلم بالواقع فلا بد أن يكون كناية عن عدم حجية الخبر فكأنه قيل إن جاءكم فاسق بنبإ فخبره ليس بحجة ، وحينئذ فالمفهوم يكون موجبة بانتفاء الموضوع لا سالبة كذلك ، وحيث أن الموجبة بانتفاء الموضوع ممتنعة لا مجال لدعوى المفهوم في المقام أصلا : مضافا إلى أنه لو سلم كون حكم المنطوق موجبا وأن المفهوم يكون سالبة بانتفاء الموضوع لكن ثبوت المفهوم ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع إنما يصح في القضايا الشرطية الخبرية لا الشرعية لأن انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه ضروري ذاتي لا شرعي فلا مجال لاعمال التشريع فيه فقولنا : إذا لم يوجد لك ولد فلا يجب عليك ختانه ، ليست مما يمكن أن تكون شرعية كما هو ظاهر ، ولعله إلى هذا أشار بقوله : فافهم ، (٢) (قوله : مع أنه يمكن أن يقال ان) لعل الوجه فيما ذكره أن المفهوم وان كان يجب أن يتحد مع المنطوق في جميع الخصوصيات المذكورة في القضية من موضوع وغيره لكن يجب أن يُعرى عن خصوصية الشرط فيكون المنطوق ثابتا في حال الشرط والمفهوم ثابتا في غير حاله وحينئذ فإذا كان الشرط نفس الموضوع فمقتضى لزوم تعريته عن خصوصية الشرط لزوم تعريته عن خصوصية الموضوع فيكون

١١٧

ولكنه يُشكل بأنه ليس لها هاهنا مفهوم ولو سلم أن أمثالها ظاهرة في المفهوم لأن التعليل بإصابة القوم بالجهالة المشترك بين المفهوم والمنطوق يكون قرينة على أنه ليس لها مفهوم. ولا يخفى أن الإشكال إنما يبتني على كون الجهالة

______________________________________________________

المفهوم حينئذ عدم حكم المنطوق ولو في غير ذلك الموضوع فيكون المفهوم في المقام عدم وجوب التبين ولو عن غير الفاسق إذا لم يوجد خبر الفاسق وهو المطلوب (وفيه) أن التعرية عن خصوصية الشرط وان كانت مسلمة لكن خصوصية الشرط في المقام وجود الموضوع وتعريته عن وجود الموضوع لا يقتضي تعريته عن نفس الموضوع مثلا إذا قيل إذا وُجد لك ولد فاختنه ، فالضمير في الجزاء راجع إلى وجوده حينئذ فتعرية الحكم عن وجود الولد لا يقتضي تعريته عن نفس الولد ولذا كان المفهوم : إذا لم يوجد لك ولد فلا يجب ختانه ، فالضمير راجع إلى ولده لا إلى مطلق الولد فكذا في المقام ولا وجه حينئذ لظهور الآية في عدم وجوب التبين عن مطلق الخبر. هذا لو أراد المصنف (ره) دعوى الدلالة من جهة أداة الشرط وأما لو أراد دعوى الدلالة من جهة أخرى فقد عرفتها وعرفت ما فيها ولعله إلى بعض ما ذكرنا أشار بقوله : فتدبر ، (١) (قوله : ولكنه يشكل بأنه ليس) هذا الإشكال الثاني من الإشكالين اللذين زعم شيخنا الأعظم في رسائله عدم إمكان الذب عنهما (يعني عدم إمكان دفعهما) وحاصله : أنه لو سلم كون القضية المذكورة في نفسها ظاهرة في المفهوم فهي لما كانت معللة بعدم إصابة القوم بالجهالة المستفاد من قوله تعالى : أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ، دلت على أن الوجه في وجوب التبين هو إصابة قوم بجهالة والوقوع في خلاف الواقع ، ومن المعلوم أن هذا المانع لا يختص بخبر الفاسق فان خبر العادل مثله أيضا فيدل التعليل على المنع عن العمل بخبر العادل ، وحينئذ يقع التعارض بين المفهوم المقتضي لجواز العمل يخبر العادل والتعليل المانع عنه ، ولا ريب في كون التعليل مقدما على المعلل لكونه حاكما عليه فقد يرفع به اليد عن عمومه كما في أكرم العلماء لأنهم عدول ، أو عن خصوصه كما في قوله : أكرم زيدا لأنه عادل

١١٨

بمعنى عدم العلم مع ان دعوى انها بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل غير بعيدة. ثم انه لو سلم تمامية دلالة الآية على حجية خبر العدل ربما أشكل شمول مثلها للروايات الحاكية لقول الإمام عليه‌السلام بواسطة أو وسائط فانه كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق الّذي

______________________________________________________

فانه في الأول يقتضي التخصيص بالعدول من العلماء ، وفي الثاني يقتضي التعميم لكل عادل بل وكذا في الأول فيوجب إكرام الجهلاء العدول كما انه في الثاني يقتضي التخصيص بحال العدالة فلا يشمل زيداً حال الفسق فكذا الحال في المقام يقتضي تعميم المنع لخبر العادل أيضا (فان قلت) : المفهوم حاكم على التعليل في المقام لأنه إذا دل على جواز العمل بخبر العادل فقد دل على كونه علما تنزيلا كما عرفت الإشارة إليه فلا يكون العمل به موجبا لإصابة قوم بجهالة بل يكون بعلم كما لا يخفى (قلت) : الأصل في التعليل أن يكون ارتكازيا لا تعبديا والارتكاز العقلائي يقتضي كون المنع من جهة كون خبر الفاسق جهلا حقيقة بذاته ، وهذا المانع بعينه حاصل في خبر العادل ولو بالنظر إلى المفهوم لأن المفهوم إنما يقتضي كونه علما تعبدا لا حقيقة ، وكونه علما تعبدا لا يوجب ارتفاع المحذور المذكور في التعليل كما هو ظاهر (فان قلت) : المفهوم أخص مطلقا من التعليل والخاصّ ـ ولو كان مفهوما ـ مقدم على العام ولو كان تعليلا (قلت) : هذا مسلم إذا كان المفهوم مستفادا من الكلام الخالي عن التعليل أما إذا كان مستفادا منه فلا ، والسر فيه : أن المفهوم لما كان مدلولا للكلام من جهة دلالته على خصوصية في المنطوق تلازم المفهوم يقع التعارض في الحقيقة بين التعليل وبين المعلل في دلالته على الخصوصية وقد عرفت ان التعليل مقدم والظهور المنعقد تابع له (١) (قوله : بمعنى عدم العلم) كما هو مقتضى مادة الاشتقاق (٢) (قوله : غير بعيدة) بل هي بعيدة بملاحظة مورد نزول الآية وهو العمل بخبر الوليد ـ لعنه الله ـ (٣) (قوله : فانه كيف يمكن الحكم) اعلم أن في ثبوت السنة بالأخبار بالواسطة ـ كما لو أخبر الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن البزنطي عن الرضا عليه‌السلام أنه يجب الغسل يوم الجمعة ـ إشكالين أحدهما

١١٩

ليس إلا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من الأثر الشرعي بلحاظ نفس هذا الوجوب فيما كان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر لأنه وإن كان أثرا شرعيا لهما إلا أنه بنفس الحكم في مثل الآية بوجوب تصديق خبر العدل حسب الفرض نعم لو أنشأ هذا الحكم ثانياً فلا بأس في ان يكون لحاظه أيضا حيث أنه صار أثراً بجعل آخر فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع بخلاف ما إذا لم يكن هناك إلا جعل

______________________________________________________

ما أشار إليه المصنف (ره) بهذا الكلام وهو يختص بالأخبار عن الواسطة كخبر الكليني ، وثانيهما يختص بخبر البزنطي وما بعده ولا يشمل خبر الكليني ، وحاصل الإشكال الأول أنه لا ريب في أن جعل الحجية للخبر ووجوب تصديقه في فرض يكون لمؤداه أثر عملي وإلا كان الجعل لغواً بل لا معنى له أصلا ، وعليه فالأثر للمؤدى يكون من علل وجود الحجية ووجوب التصديق فلا بد أن يكون متقدما عليه رتبة تقدم العلة على معلولها فإذا كان مؤدى الخبر خبرا آخر كخبر الكليني الحاكي عن خبر علي بن إبراهيم ولم يكن للخبر المؤدى أثر غير وجوب تصديقه يلزم أن يكون وجوب التصديق الثابت للخبر الحاكي كخبر الكليني مُنشأ بلحاظ وجوب التصديق الثابت لخبر علي بن إبراهيم فيكون الأثر المصحح لوجوب تصديق خبر الكليني عين وجوب التصديق وهو مستحيل لما عرفت من وجوب كونه غيره متقدما عليه رتبة ، وهذا الإشكال بعينه يجري في الاخبار بالعدالة من حيث ترتب وجوب التصديق على خبره لا غيره من الآثار مثل جواز الائتمام به ونحوه فانه لا مجال للإشكال فيه لاختلاف الأثر (١) (قوله : ليس إلا بمعنى) يعني ليس معنى وجوب التصديق إلا وجوب ترتيب الأثر الشرعي الثابت للمخبر به فيكون أثر المؤدى من قبيل الموضوع لوجوب تصديق الخبر (٢) (قوله : بلحاظ نفس هذا) لأن الأثر الشرعي عين هذا الوجوب فكيف يكون وجوب التصديق ثابتاً بلحاظ نفسه وموضوعا لنفسه ويكون بنفسه مصححا لنفسه (٣) (قوله : نعم لو أنشأ هذا) يعني لو كان هناك إنشاء ان أحدهما إنشاء

١٢٠