حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

بموادها في مثل : زيد قائم ، و : ضرب عمرو بكراً شخصياً ، وبهيئاتها المخصوصة من خصوص إعرابها نوعياً ، ومنها خصوص هيئات المركبات الموضوعة لخصوصيات النسب والإضافات بمزاياها الخاصة من تأكيد وحصر وغيرهما نوعياً ، بداهة أن وضعها كذلك وافٍ بتمام المقصود منها كما لا يخفى من غير حاجة إلى وضع آخر لها بجملتها ـ مع استلزامه الدلالة على المعنى (تارة) بملاحظة وضع نفسها (وأخرى) بملاحظة وضع مفرداتها

______________________________________________________

أو بمفرداته وإنما الإشكال في ثبوت وضع للمركب بمادته وهيئته زائد على الوضعين المذكورين فالمحكي عن جماعة ذلك وقد أبطله المصنف (ره) بوجهين (أحدهما) لزوم اللغوية بالوضع إن كان بلا غرض أو تحصيل الحاصل إن كان بقصد التوصل إلى التفهيم لحصوله بالوضع الأول (وثانيهما) لزوم الدلالة على المعنى مرتين إحداهما بملاحظة وضع المواد والهيئات (وثانيتهما) بملاحظة وضع المركب ـ مع أن الوجدان قاض بأنه ليس إلّا دلالة واحدة ، ويمكن دفع (الأول) بصلاحية كل من الوضعين للمقدمية مع العلم به ولو مع الجهل بالآخر (والثاني) بأن حكومة الوجدان بوحدة الدلالة لا تمنع من ثبوت وضعين لإمكان كونه من قبيل اجتماع علتين على معلول واحد فيستند الأثر إليهما أو إلى الجامع بينهما ، فالعمدة في الإشكال على القول المذكور أنه قول بلا بيان ودعوى بلا برهان (١) (قوله : بموادها) أي بمواد المركبات لا المفردات (٢) (قوله : شخصياً) الوضع الشخصي ما يكون الموضوع فيه جامعاً بين أشخاص كلفظ زيد والنوعيّ ما يكون الموضوع فيه جامعاً بين أنواع كهيئة الفاعل المشتركة بين كثير من المواد مثل ضارب وقاتل وشارب ... إلى غير ذلك ، ومنه يظهر أن هيئات مفردات المركبات ليست داخلة في كلام المصنف (ره) في المفردات (٣) (قوله : وبهيئاتها) معطوف على قوله : بموادها (٤) (قوله : ومنها) يعني من هيئات المركبات (٥) (قوله : نوعيا) مفعول مطلق لقوله : الموضوعة ، على حذف الموصوف

٤١

ولعل المراد من العبارات الموهمة لذلك هو وضع الهيئات على حدة غير وضع المواد ، لا وضعها بجملتها علاوة على وضع كل منهما.

(السابع) لا يخفى ان تبادر المعنى من اللفظ وانسباقه إلى الذهن من نفسه وبلا قرينة علامة كونه حقيقة فيه بداهة أنه لو لا وضعه له لما تبادر (لا يقال): كيف يكون علامة مع توقفه على العلم بأنه موضوع له ـ كما هو واضح ـ فلو كان العلم به موقوفا عليه لدار (فانه يقال) : الموقوف عليه غير الموقوف عليه ،

______________________________________________________

(١) (قوله : ولعل المراد) لا ينبغي التأمل في كون ذلك هو المراد فلتلحظ عباراتهم

(التبادر)

(٢) (قوله : وبلا قرينة) مقالية أو حالية ولو كانت مقدمات الحكمة (ومنه) يظهر أن فهم الوجوب النفسيّ العيني التعييني من صيغة (افعل) لا يقتضي كونها حقيقة فيه لأن فهم ذلك بواسطة مقدمات الحكمة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى (٣) (قوله : لو لا وضعه له لما) التبادر عبارة عن انسباق المعنى من اللفظ بحيث يكون سماع اللفظ موجبا لحضور المعنى في الذهن وهذا الانسباق هو الدلالة التصورية وحينئذ يشكل ترتبه على الوضع أو العلم به (اما) على الأول فواضح (واما) على الثاني فلأن حضور المعنى حاصل من جهة العلم بالوضع لا من جهة اللفظ نعم قد يترتب على العلم بالوضع الدلالة التصديقية المتقدم بيانها لكنها غير التبادر فلا يبعد إذاً أن يقال : إن تبادر المعنى من اللفظ إنما يكون بتوسط الملازمة الذهنية بينهما الحاصلة من كثرة استعماله فيه سواء أكان عن وضع اللفظ له أم مجازاً بقرينة حتى يبلغ حداً يوجب فهم المعنى عند سماع اللفظ فالتبادر دائما يكون علامة لهذه الملازمة الذهنية التي هي وضع تعيني لو لم يكن اللفظ قد وضع للمعنى (٤) (قوله : مع توقفه على العلم) قد عرفت أنه لا يرتبط بالعلم بالوضع (٥) (قوله : الموقوف عليه) يعنى العلم الموقوف على التبادر غير العلم الموقوف عليه التبادر فضمير (عليه) الأول

٤٢

فان العلم التفصيليّ بكونه موضوعاً له موقوف على التبادر ؛ وهو موقوف على العلم الإجمالي الارتكازي به لا التفصيليّ فلا دور هذا إذا كان المراد به التبادر عند المستعلم وأما إذا كان المراد به التبادر عند أهل المحاورة فالتغاير أوضح من ان يخفى ثم إن هذا فيما لو علم استناد الانسباق إلى نفس اللفظ ، وأما فيما احتمل استناده إلى قرينة فلا يجدي أصالة عدم القرينة في إحراز كون الاستناد إليه لا إليها ـ كما قيل ـ لعدم الدليل على اعتبارها الا في إحراز المراد لا الاستناد (ثم) إن عدم صحة سلب اللفظ بمعناه المعلوم المرتكز في الذهن إجمالا

______________________________________________________

راجع إلى التبادر (والثاني) راجع إلى الموصول المراد به العلم (١) (قوله : فان العلم التفصيليّ) العلم التفصيليّ بالوضع بمعنى التخصيص لا يحصل من مجرد التبادر لما عرفت من ان التبادر إنما يدل على الملازمة الذهنية الحاصلة من كثرة الاستعمال ولو عن تخصص لا على التخصيص نعم لو انحصر الوجه في الاستعمال بالتخصيص دل عليه (٢) (قوله : وهو موقوف على) قد عرفت أنه لا يتوقف على العلم بالوضع بل هو مستحيل فتأمل ؛ وإنما يتوقف عليه الدلالة التصديقية ولا فرق فيما ذكرنا بين تبادر المستعلم وغيره (٣) (قوله : لعدم الدليل) تعليل لقوله : لا يُجدي ... إلخ يعني لا تجري أصالة عدم القرينة لإثبات كون التبادر من حاق اللفظ لأن الدليل ان كان أدلة الاستصحاب فهي مختصة بما إذا كان المستصحب حكما شرعياً أو موضوعا لحكم شرعي وليس كذلك عدم القرينة ، وإن كان بناء العقلاء ـ كما اشتهر من حجية الأصول المثبتة في الألفاظ لبناء العقلاء عليها ـ فذلك مسلم إلا أنه في غير المقام فان الشك في القرينة (تارة) يكون مع الشك في المعنى الحقيقي (وأخرى) مع الشك في المراد مع وضوح المعنى الحقيقي فان كان الشك من قبيل الثاني جرت أصالة عدم القرينة وان كان من قبيل الأول ـ ومنه المقام ـ لم تجر لعدم بناء العقلاء على جريانها ، ولذا اشتهر أن الاستعمال أعم من الحقيقة (٤) (قوله : إحراز المراد) يعني مراد المتكلم

٤٣

عن معنى كذلك يكون علامة كونه حقيقة فيه ، كما ان صحة سلبه علامة كونه مجازا في الجملة (والتفصيل) أن عدم صحة السلب عنه وصحة الحمل عليه بالحمل الأولي الذاتي الّذي كان ملاكه الاتحاد مفهوماً علامة كونه نفس المعنى وبالحمل الشائع الصناعي الّذي ملاكه الاتحاد وجوداً بنحو من أنحاء الاتحاد علامة كونه من مصاديقه وافراده [١] الحقيقية ، كما أن صحة سلبه كذلك علامة أنه ليس منها وان لم نقل بأن إطلاقه عليه من باب المجاز في الكلمة ،

______________________________________________________

(صحة السلب)

(١) (قوله : عن معنى كذلك) يعني كالتبادر يكون علامة الحقيقة (٢) (قوله : في الجملة) متعلق بقوله : مجازاً ، يعني صحة السلب علامة كونه مجازاً في الجملة إما في الكلمة ـ كما هو المشهور ـ أو في غيرها كما يراه السكاكي ويأتي تفصيله (٣) (قوله : ملاكه الاتحاد) كما في حمل أحد المترادفين على الآخر مع الجهل بمعنى المحمول تفصيلا (مثلا) إذا شككنا في أن البشر هو الإنسان أو غيره نجعل البشر محمولا على الإنسان فنقول : الإنسان بشر ، فان صح الحمل دل على كون البشر موضوعا للإنسان ، وأما حمل الحد التام على المحدود فليس مما نحن فيه لأن الحد التام يجب أن يكون أجلى من المحدود لتتضح به حقيقته (٤) (قوله : الاتحاد وجودا) كما في جميع موارد حمل الكلي على الفرد أو على كلي آخر (٥) (قوله : علامة كونه) كما تقول : هذا البليد إنسان ، لتعرف أن البليد من افراد الإنسان ، أما مثل : زيد بشر ، فليس داخلا في كلام المصنف (ره) إذ الشك فيه في مفهوم الكلي لا في فردية فرده (٦) (قوله : وافراده الحقيقية) يعني حيث يكون الحمل بين الفرد والكلي أما لو كان بين كليين فيدل الحمل على اتحادهما خارجا وان اختلفا مفهوما وكان بينهما عموم من وجه كما أشار إليه

__________________

[١] فيما إذا كان المحمول والمحمول عليه كليا وفردا لا فيما إذا كان كليين متساويين أو غيرهما كما لا يخفى. من الماتن قدس‌سره

٤٤

بل من باب الحقيقة وان التصرف فيه في أمر عقلي ـ كما صار إليه السكاكي ـ واستعلام حال اللفظ وأنه حقيقة أو مجاز في هذا المعنى بهما ليس على وجه دائر ، لما عرفت في التبادر من التغاير بين الموقوف والموقوف عليه بالإجمال والتفصيل ، أو الإضافة إلى المستعلم والعالم فتأمل جيداً (ثم) إنه قد ذُكر الاطراد وعدمه علامة للحقيقة والمجاز أيضا ، ولعله بملاحظة نوع العلائق المذكورة في المجازات حيث لا يطرد صحة استعمال اللفظ معها وإلّا فبملاحظة خصوص ما يصح معه الاستعمال فالمجاز مطرد كالحقيقة ، وزيادة قيد :

______________________________________________________

المصنف (ره) في حاشيته (فعلى) هذا تكون الأقسام ثلاثة حمل أحد المترادفين على الآخر ، وحمل الكلي على الفرد ، وحمل أحد الكليين على الآخر (والأول) يدل على كون الموضوع نفس المعنى (والثاني) يدل على انه من افراده (والثالث) لا يدل على حقيقة أو مجاز وإنما يدل على الاتحاد في الخارج سواء أكانا متساويين كالنوع والفصل أم بينهما عموم مطلق كالنوع أو الفصل والجنس ، أو عموم من وجه كالحيوان والأبيض (١) (قوله : الحقيقة) يعني في الكلمة (٢) (قوله : لما عرفت في التبادر) مما عرفت هناك تعرف حقيقة الحال هنا فانهما من باب واحد والكلام في المقامين مطرد

(الاطراد)

(٣) (قوله : قد ذكر الاطراد) الاطراد عبارة عن كون اللفظ المستعمل في مورد بلحاظ معنى بحيث يصح استعماله في ذلك المورد وفي غيره من الموارد بلحاظ ذلك المعنى كما في لفظ الإنسان الّذي يطلق على زيد بلحاظ كونه حيوانا ناطقا فانه يصح إطلاقه على جميع افراد الحيوان الناطق بلحاظه ويقابله عدم الاطراد ثم إن هذه العلامة ليست مذكورة في كلام الأكثر وإنما نصّ عليها بعض من تأخر كما قيل (٤) (قوله : ولعله بملاحظة) دفع للإشكال على العلامة المذكورة

٤٥

من غير تأويل ، أو : على وجه الحقيقة ، وان كان موجباً لاختصاص الاطراد كذلك بالحقيقة إلّا انه حينئذ لا يكون علامة لها الا على وجه دائر ، ولا يتأتى التفصي عن الدور بما ذكر في التبادر هنا ضرورة أنه مع العلم بكون الاستعمال على نحو الحقيقة لا يبقى مجال لاستعلام حال الاستعمال بالاطراد أو بغيره

______________________________________________________

(اما الإشكال) فهو أن الاطراد بالمعنى المتقدم حاصل في المجاز أيضا فان كل لفظ يصح استعماله في غير معناه مطرداً مع تحقق العلاقة فلفظ الأسد يصح استعماله في كل من يشابه الأسد في الشجاعة وهكذا غيره ولأجل ذلك قيل : إن المجازات موضوعة بالوضع النوعيّ (واما الدفع) فلأن الاطراد في المجاز إنما كان بلحاظ العلاقة المصححة لا مطلقا وإلا فلا يجوز استعمال كل لفظ في كل معنى له نحو من المشابهة فلا يجوز استعمال لفظ الأسد في الجبان بملاحظة المشابهة في البخر ، فجعل الاطراد من علائم الحقيقة كان بملاحظة نوع العلائق في المجاز فانه لا اطراد فيه بملاحظته وان كان بملاحظة خصوص العلاقة المصححة للاستعمال يكون مطردا كالحقيقة كما ذكر في الإشكال (١) (قوله : من غير تأويل) يعني وان كان حقيقة في الكلمة فهو إشارة إلى مذهب السكاكي (٢) (قوله : على وجه الحقيقة) يعني في الكلمة فهو بلحاظ مذهب المشهور (٣) (قوله : ضرورة انه مع) تعليل لعدم تأتي التفصي السابق في التبادر (وتوضيح) الفرق بين المقامين أن كون الاطراد على نحو الحقيقة قد أخذ بنفسه قيداً لكون الاطراد علامة فلا يمكن الاستعلام به حتى يعلم أنه على وجه الحقيقة ومع هذا العلم لا مجال للاستعلام لأنه تحصيل للحاصل وفي التبادر لم يؤخذ العلم بالوضع قيداً للتبادر الّذي هو علامة بل أخذ نفس التبادر علامة ، غاية الأمر أنه لا يتحقق إلّا مع العلم بالوضع ولو إجمالا. ثم إن هاهنا علامتين أخريين إحداهما تنصيص الواضع أو أهل اللغة ، ثانيتهما صحة الاستعمال فيه بلا عناية كما تكرر تمسك المصنف (ره) بها على نحو الحقيقة ، والله سبحانه أعلم.

٤٦

(الثامن) انه للفظ أحوال خمسة وهي التجوز والاشتراك والتخصيص والنقل والإضمار لا يكاد يُصار إلى أحدها فيما إذا دار الأمر بينه وبين المعنى الحقيقي إلّا بقرينة صارفة عنه إليه ، وأما إذا دار الأمر بينها فالأصوليون ـ وان ذكروا لترجيح بعضها على بعض وجوهاً ـ إلا أنها استحسانية لا اعتبار بها إلّا إذا كانت موجبة لظهور اللفظ في المعنى لعدم مساعدة دليل على اعتبارها بدون ذلك كما لا يخفى

(التاسع) انه اختلفوا في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه على أقوال ، وقبل الخوض في تحقيق الحال لا بأس بتمهيد مقال وهو أن الوضع التعييني كما يحصل بالتصريح بإنشائه كذلك يحصل باستعمال اللفظ في غير ما وضع له كما إذا وضع له ، بان يقصد الحكاية عنه

______________________________________________________

(أحوال اللفظ)

(١) (قوله : إذا دار الأمر بينه وبين) العبارة لا تخلو عن حزازة إذ المراد الدوران بين كل واحد منها وعدمه غاية الأمر ان البناء على العدم في بعضها يقتضي الحمل على المعنى الحقيقي. ثم إن الظاهر من العقلاء البناء على عدم كل واحد من المذكورات عند الشك فيه فيجب العمل على بنائهم لحجيته حيث لا يكون رادع ـ كما في المقام ـ كما أن وظيفة أصالة العدم في مثل الاشتراك والنقل تشخيص ظهور الكلام وفي الباقي وجوب العمل بالظاهر فالأوّل نظير أصالة عدم القرينة والثاني نظير أصالة الحقيقة فتدبر

(الحقيقة الشرعية)

(٢) (قوله : بالتصريح بإنشائه) يعني إنشاءه بالقول كأن يقول : سميت ولدي عليا (٣) (قوله : كذلك يحصل) الظرف متعلق بقوله : يحصل ، (٤) (قوله : باستعمال اللفظ) يعني إنشاءه بالفعل ، فان الوضع بناء على كونه إنشائيا يكون

٤٧

والدلالة عليه بنفسه لا بالقرينة وان كان لا بد حينئذ من نصب قرينة إلا أنه للدلالة على ذلك لا على إرادة المعنى كما في المجاز (فافهم) وكون استعمال اللفظ فيه كذلك في غير ما وضع له بلا مراعاة ما اعتبر في المجاز فلا يكون بحقيقة ولا مجاز غير ضائر بعد ما كان مما

______________________________________________________

كسائر الإنشائيات التي تنشأ بالفعل تارة ، وبالقول أخرى كالمعاطاة والفسخ والرجوع في الطلاق وغيرها. نعم يعتبر في إنشائه بالفعل أن يكون بقصد الإنشاء ، فنفس الاستعمال لا بقصد إنشاء الوضع لا يكون إنشاء له. ثم إنه يمكن الإشكال في تحقق الإنشاء بالفعل كليا من جهة ان الأفعال ليست مما يُتسبب بها عند العقلاء إلى تحقق المفاهيم الإنشائية ، والأفعال في المعاطاة وغيرها مما ذُكر ليست صادرة بقصد الإنشاء بها أصلا ، بل صادرة جريا على الالتزامات النفسيّة فلا تصلح الا للحكاية عنها (ويشكل) في خصوص المقام من جهة أن قصد وضع اللفظ للمعنى يتوقف على ملاحظة كل من اللفظ والمعنى مستقلا والاستعمال يتوقف على ملاحظة اللفظ عبرة وآلة لملاحظة المعنى بحيث يكون فانيا فيه فالاستعمال الصادر عن قصد تحقق الوضع يؤدي إلى اجتماع لحاظين للفظ آلي واستقلالي في زمان واحد (فتأمل) (١) (قوله : والدلالة عليه بنفسه) كيف يمكن قصد الدلالة على المعنى بنفس اللفظ مع ان اللفظ لا يصلح لذلك إلا بالوضع (٢) (قوله : للدلالة على ذلك) أي على كون الاستعمال بقصد الحكاية عن المعنى بنفس اللفظ لا بالقرينة لكن عرفت أن مجرد ذلك غير كاف في تحقق الوضع ما لم يكن عن قصد الوضع ، فلا بد أيضا من قرينة دالة على ذلك ، وقد تفيد ذلك كله قرينة واحدة ؛ ولعله إلى بعض ما ذكرنا أشار بقوله : فافهم ، (٣) (قوله : في غير ما وضع له) إذ الوضع انما يكون بالاستعمال فالمعنى قبله غير موضوع له فلا يكون الاستعمال فيه استعمالا فيما وضع له (٤) (قوله : مراعاة ما اعتبر في المجاز) يعني من ملاحظة المناسبة بين المستعمل فيه المعنى الحقيقي فانه قد لا يكون له معنى حقيقي أصلا ، وقد يكون لكن الاستعمال بلا مناسبة أو بلا ملاحظتها (٥) (قوله : غير ضائر) خبر كون الاستعمال (٦) (قوله : بعد ما كان مما) أقول : إذا بُني على صحة الإنشاء بالفعل فلا يعتبر في صحة إنشاء

٤٨

يقبله الطبع ولا يستنكره ، وقد عرفت سابقا أنه في الاستعمالات الشائعة في المحاورات ما ليس بحقيقة ولا مجاز ، إذا عرفت هذا فدعوى الوضع التعييني في الألفاظ المتداولة في لسان الشارع هكذا قريبة جداً ومدعي القطع به غير مجازف قطعاً ، ويدل عليه تبادر المعاني الشرعية منها في محاوراته ، ويؤيد ذلك أنه ربما لا يكون علاقة معتبرة

______________________________________________________

الوضع بالاستعمال أن يكون صحيحاً ، فلو فرض أن الاستعمال المذكور ليس بحقيقة ولا مجاز ولا مما يقبله الطبع أمكن إنشاء الوضع به ، فينبغي ان يكون قبول الطبع مصححا للاستعمال لا لإنشاء الوضع به ثم إن هذا الإشكال مبني على أن الوضع منتزع من مجرد الإنشاء أما لو كان منتزعا من الالتزام النفسيّ فالاستعمال يكون فيما وضع له لأنه جار على طبق ذلك الالتزام النفسيّ كغيره من الاستعمالات ، كما أن هذا الإشكال بعينه قد أورد على الفسخ بالتصرف المتوقف على الملك كوطء الجارية التي باعها بخيار له ، ولازمه حرمة الوطء لأنه في غير الملك ، وقد أجيب عنه بوجوه ، وقد ذكرنا في محله أن الفسخ إنما يتحقق بنفس الالتزام النفسيّ لا بالوطء فالوطء يكون جاريا على مقتضى الفسخ ، غاية الأمر أن هذا الالتزام النفسيّ لا يكون فسخا إلا بمظهر له والفعل يكون هو المظهر ، والباعث على منع كون الوطء فسخا كونه غير صادر بعنوان الإنشاء بل صادر جريا على الالتزام ، فلو بنى على عدم كون الالتزام النفسيّ فسخا كان اللازم منع تحقق الفسخ بالفعل أيضا والله سبحانه أعلم (١) (قوله : هكذا) قيد لقوله : وضع ، يعني إنشاءه بالفعل (٢) (قوله : قريبة جداً) لاقتضاء العادة ذلك فانه بعد فرض كون معانيها ماهيات مخترعة للشارع ، وأنه في مقام تفهيمها للمخاطبين ، وأنه كان يستعمل تلك الألفاظ فيها دون غيرها يحصل الاطمئنان بأنه قد وضع تلك الألفاظ لتلك المعاني ولا سيما مع عدم استعماله تلك الألفاظ إلا فيها أو ندرة استعمالها في غيرها هذا وبضميمة بُعد إنشائه بالقول لعدم نقله لنا وعدم الحاجة إليه يثبت الوضع بالفعل لا بالقول (٣) (قوله : ويدل عليه) يعني على أصل الوضع التعييني لا كونه بالقول (قوله : تبادر المعاني)

٤٩

بين المعاني الشرعية واللغوية فأي علاقة بين الصلاة شرعاً والصلاة بمعنى الدعاء ومجرد اشتمال الصلاة على الدعاء لا يوجب ثبوت ما يعتبر من علاقة الجزء والكل بينهما كما لا يخفى هذا كله بناء على كون معانيها مستحدثة في شرعنا ، وأما بناء على كونها ثابتة في الشرائع السابقة كما هو قضية غير واحد من الآيات مثل قوله تعالى (كتب عليكم الصيام كما كتب ... إلخ) وقوله تعالى : (وأذن في الناس بالحج) وقوله (تعالى): (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً) ... إلى غير ذلك وفألفاظها حقائق لغوية لا شرعية ، واختلاف الشرائع فيها جزءا أو شرطاً لا يوجب اختلافها في الحقيقة والماهية ، إذ لعله كان من قبيل الاختلاف في المصاديق والمحققات كاختلافها بحسب الحالات في شرعنا كما لا يخفى (ثم) لا يذهب عليك أنه مع هذا الاحتمال لا مجال لدعوى الوثوق فضلا عن القطع بكونها حقائق شرعية ، ولا لتوهم دلالة الوجوه التي ذكروها على ثبوتها لو سلم دلالتها على الثبوت لولاه (ومنه) انقدح

______________________________________________________

(١) لم يعلم كون التبادر في زمان الشارع كان مستنداً إلى نفس اللفظ أو القرينة وأصالة عدم القرينة غير مجدية كما تقدم (٢) (قوله : والصلاة بمعنى الدعاء) لم يثبت كون الصلاة في اللغة بمعنى الدعاء مطلقا وما حكي مبني على المسامحة (٣) (قوله : ومجرد اشتمال) هذا الاشتمال في بعض الأحوال ولا يعتبر في الماهية الصحيحة قطعاً (٤) (قوله : كما هو قضية ... إلخ) المقدار المستفاد من الآيات الكريمة هو ثبوت هذه الحقائق في الشرائع السابقة ، أما كون الألفاظ المذكورة موضوعة لها فيها فلا ، أما مثل الآية الأولى فظاهر ، وأما مثل : (وأوصاني بالصلاة) فالاستدلال بها موقوف على كونه نقلا باللفظ ، ولعله قطعي العدم فان هذه الألفاظ عربية ولغات الشرائع السابقة غير عربية. ثم لو تم الاستدلال كانت حقائق شرعية لكنها في الشرائع السابقة لا لغوية إلا أن يكون المراد من اللغوية ما هو أعم من ذلك كما هو الظاهر (٥)

(قوله : لولاه) قيد للدلالة ، والضمير راجع إلى هذا الاحتمال

٥٠

حال دعوى الوضع التعيني معه ، ومع الغض عنه فالإنصاف أن منع حصوله في زمان الشارع في لسانه ولسان تابعيه مكابرة (نعم) حصوله في خصوص لسانه ممنوع فتأمل ، وأما الثمرة بين القولين فتظهر في لزوم حمل الألفاظ الواقعة في كلام الشارع بلا قرينة على معانيها اللغوية مع عدم الثبوت ، وعلى معانيها الشرعية على الثبوت فيما إذا علم تأخر الاستعمال ، وفيما إذا جهل التاريخ ففيه إشكال ، وأصالة تأخر الاستعمال ـ مع معارضتها بأصالة تأخر الوضع ـ لا دليل على اعتبارها تعبداً إلا على القول

______________________________________________________

(١) (قوله : حال الوضع التعيني) يعني أيضا لا مجال لدعواه إذا كانت الألفاظ المذكورة حقائق في هذه المعاني قبل حدوث شريعتنا المقدسة (٢) (قوله : الغض عنه) يعني عن هذا الاحتمال (٣) (قوله : حصوله) أي حصول الوضع التعيني (٤) (قوله : تابعيه) المراد بهم من كان يتبعه في استعمال الألفاظ المذكورة في المعاني الشرعية ممن كان في عصره سواء أكان صحابياً أم غيره ، وليس المراد من تابعيه ما يقابل الصحابة إذ محل الدعوى خصوص زمان الشارع (٥) (قوله : في خصوص لسانه) يعني ثبوت الوضع التعيني في خصوص الألفاظ التي يستعملها هو ممنوع بعد البناء على عدم الوضع التعييني وكان قوله : فتأمل ، إشارة إلى إشكال في المنع المذكور ، فان استعمال الشارع تلك الألفاظ في تلك المعاني في مدة تقارب عشرين سنة مما يؤدي إلى حصول الوضع التعيني (٦) (قوله : على الثبوت) يعني على تقدير القول بثبوت الحقيقة الشرعية (أقول) : يمكن ان يشكل بان ذلك يتوقف أيضا على هجر المعاني اللغوية وإلا كانت من قبيل اللفظ المشترك يحتاج في الحمل على أحدهما بعينه إلى القرينة ـ مضافا إلى أن الثمرة المذكورة فرضية عملية لا عملية ، وإلا فقد قيل : إن هذه المعاني مما يعلم كونها مرادة للشارع في جميع الاستعمالات فان التتبع شاهد بأنه لم يستعمل في غيرها (٧) (قوله : تأخر الاستعمال) يعني عن زمان الوضع (٨) (قوله : جهل التاريخ) يعني فلا يُدرى أن الاستعمال قبل الوضع أو بعده (٩) (قوله : وأصالة تأخر) يعني ربما يُدَّعى أنه يمكن إثبات كون

٥١

بالأصل المثبت ولم يثبت بناء من العقلاء على التأخر مع الشك ، وأصالة عدم النقل إنما كانت معتبرة فيما إذا شك في أصل النقل لا في تأخره فتأمل.

(العاشر) انه وقع الخلاف في أن ألفاظ العبادات أسامي لخصوص الصحيحة أو للأعم منها ، وقبل الخوض في ذكر أدلة القولين يذكر أمور (منها) انه لا شبهة في تأتي الخلاف على القول بثبوت الحقيقة الشرعية ، وفي جريانه.

______________________________________________________

الاستعمال بعد الوضع ليحمل اللفظ على المعنى الشرعي ، وطريق الإثبات إعمال القاعدة المشهورة : أعني أصالة تأخر الحادث ، فان الاستعمال حادث فيثبت تأخره بالأصل المذكور «والإشكال» على هذا الوجه من وجوه (الأول) أنه معارض بأصالة تأخر الوضع فانه شيء حادث أيضا (الثاني) أن التأخر ليس حكما شرعياً ولا موضوعاً لحكم شرعي فجريان الأصل فيه موقوف على القول بالأصل المثبت وهو الأصل الجاري فيما ليس موضوعا لحكم شرعي ولا حكما شرعياً وكان يترتب عليه حكم شرعي بواسطة كما في المقام ، فانه إذا كان الاستعمال متأخراً كان اللفظ محمولا على المعنى الشرعي ؛ وإذا حمل عليه ثبت حكم شرعي ، لكن لا دليل على حجية الأصل المثبت إلا بناء العقلاء في موارد مخصوصة ليس المقام منها ـ مع أن التأخر ليس في نفسه مجرى للأصل ، وإنما هو من لوازم عدم الاستعمال إلى زمان الوضع ويأتي في محله إن شاء الله أن الأصل لا يجري في كل من عدمي مجهولي التاريخ ولو كان العدم موضوعا للأثر الشرعي فانتظر (١) (قوله : وأصالة عدم) يعني قد يقال : انه تجري أصالة عدم النقل في زمان الاستعمال ، الّذي يكون لازمه الحمل على المعنى اللغوي ، لكن فيه أن أصالة عدم النقل انما تجري إذا شك في حدوث النقل وعدمه لا ما إذا عُلم النقل وشك في تقدمه وتأخره كما في المقام (أقول) : لا يبعد جريان أصالة عدم النقل لو علم تاريخ الاستعمال ، والعلم بالنقل في الجملة مع الجهل بكونه قبله أو بعده غير ضائر ، ولعله إلى هذا أشار بقوله : فتأمل.

٥٢

على القول بالعدم إشكال ، وغاية ما يمكن أن يقال في تصويره : أن النزاع وقع على هذا في أن الأصل في هذه الألفاظ المستعملة مجازاً في كلام الشارع هو استعمالها في خصوص الصحيحة أو الأعم بمعنى أن أيهما قد اعتبرت العلاقة بينه وبين المعاني اللغوية ابتداء وقد استعمل في الآخر بتبعه ومناسبته؟ كي ينزل كلامه عليه مع القرينة الصارفة عن المعاني اللغوية وعدم قرينة أخرى معينة للآخر ، وأنت خبير بأنه لا يكاد يصح هذا إلّا إذا علم أن العلاقة إنما اعتبرت كذلك ، وأن بناء الشارع في محاوراته استقر ـ عند عدم نصب قرينة أخرى ـ على إرادته بحيث كان هذا قرينة عليه من غير حاجة إلى قرينة معينة أخرى

______________________________________________________

(الصحيح والأعم)

(١) (قوله : على القول بالعدم إشكال) هذا الإشكال لا يجري بناء على كون الألفاظ حقائق لغوية بالمعنى الّذي استشهد عليه بالآيات الشريفة المتقدمة فانه يجري عليه النزاع كما يجري بناء على الحقيقة الشرعية (٢) (قوله : أن يقال) هذا ذكره في التقريرات وجعله أولى (٣) (قوله : بمعنى أن أيهما قد اعتبرت) هذا التحرير يترتب عليه سبك مجاز في مجاز ، ويمكن تحريره بنحو لا يلزم منه ذلك ، فيقال : بعد ما كانت هذه الألفاظ مجازاً في المعاني المستحدثة فهل مقتضى القرينة النوعية حملها على المعنى الصحيح حتى تقوم قرينة شخصية على إرادة الأعم أو مقتضاها الحمل على الأعم حتى تقوم القرينة الشخصية على إرادة الصحيح؟ والقائل بالصحيح يذهب إلى الأول والقائل بالأعم يذهب إلى الثاني ، ويكون النزاع على هذا نظير النزاع في الأمر الواقع عقيب توهم الحظر وفي النهي الواقع عقيب توهم الوجوب ، ونحوهما (٤) (قوله : بتبعه ومناسبته) هذا لا يلزم أحد المذهبين ، إذ يمكن الالتزام بكون الاستعمال بملاحظة العلاقة بينه وبين المعنى الحقيقي الأصلي حتى لا يلزم سبك مجاز في مجاز (٥) (قوله : كلامه عليه) أي كلام الشارع على المعنى

٥٣

وأنى لهم بإثبات ذلك ، وقد انقدح بما ذكرنا تصوير النزاع على ما نُسب إلى الباقلاني وذلك بأن يكون النزاع في أن قضية القرينة المضبوطة التي لا يتعدى عنها إلا بالأخرى

______________________________________________________

الملاحظ فيه العلاقة أولا (١) (قوله : وأنى لهم) أي لكل من القائلين بالصحيح والقائلين بالأعم (٢) (قوله : بإثبات ذلك) هذا غير ظاهر إذ يمكن للقائل بالصحيح الالتزام به إما لعدم إمكان تصوير الجامع ـ كما يراه المصنف (ره) فيمتنع ملاحظة العلاقة بينه وبين المعاني الأصلية ، أو يكون الصحيح هو محط الآثار والأغراض فيكون ذلك قرينة على إرادته إلا أن تقوم قرينة على خلافها ، أو لكونه المتبادر من اللفظ بمجرد وجود القرينة الصارفة فيستكشف به وجود قرينة نوعية ارتكازية مقتضية له ، ويمكن للقائل بالأعم دعوى الاستقراء الحاصل من ملاحظة المعاني الموضوع لها والمستعمل فيها أو خصوص الموضوع لها على نحو يكشف عن ضابط مطرد حتى في المعاني المجازية أو دعوى التبادر على النحو المتقدم ، وليس هذا ونحوه بأضعف من أدلة القولين بناءً على القول بالحقيقة الشرعية فتأمل ، (٣) (قوله : ما نسب إلى الباقلاني) المنسوب إليه أن الألفاظ باقية على معانيها اللغوية والخصوصيات الزائدة عليها معتبرة في موضوع الأمر لا في المستعمل فيه فتكون نسبة المعاني المستحدثة إلى المعاني اللغوية نسبة المقيد إلى المطلق فان كان تقييد المطلق يوجب التجوز فيه كانت الألفاظ مجازا من قبيل مجاز الإطلاق الوارد عليه التقييد ، وإلا كانت حقيقة وعلى القول بنفي الحقيقة الشرعية تكون الألفاظ مستعملة في المعاني المستحدثة بعلاقة الجزء والكل أو نحوها ، ومنه يظهر لك الفرق بين قول الباقلاني والقول بنفي الحقيقة الشرعية ، كما منه يظهر الإشكال في تصوير النزاع على مذهبه بناء على كون المطلق الوارد عليه التقييد حقيقة إذ ليست هي إلا مستعملة في نفس المعاني اللغوية لا في الصحيح ولا في الأعم ، (فان قلت) : المعاني اللغوية تكون صحيحة وفاسدة فيمكن تأتي النزاع عليه أيضا (قلت) : صحة المعاني اللغوية ليست موضوعا للنزاع كصحة سائر المعاني

٥٤

الدالة على أجزاء المأمور به وشرائطه هو تمام الأجزاء والشرائط أو هما في الجملة فلا تغفل (ومنها) أن الظاهر أن الصحة عند الكل بمعنى واحد وهو التمامية وتفسيرها بإسقاط القضاء ـ كما عن الفقهاء ـ أو بموافقة الشريعة ـ كما عن المتكلمين ـ أو غير ذلك انما هو بالمهم من لوازمها ، لوضوح اختلافه بحسب اختلاف الأنظار ، وهذا لا يوجب تعدد المعنى ، كما لا يوجبه اختلافها

______________________________________________________

اللغوية التي لا تكون موضوعا للآثار. نعم لو كان المراد من المعاني اللغوية ما تقدم الاستدلال عليه بالآيات فقد عرفت تأتي النزاع حينئذ بلا محذور ، وأما ما ذكره المصنف (ره) في تحرير النزاع على مذهبه فليس نزاعا في معاني تلك الألفاظ الحقيقية ولا المجازية بل نزاع في أمر خارج عن الصحيح والأعم. نعم بناء على أن المطلق مجاز فيمكن النزاع على النحو المتقدم بناءً على نفي الحقيقة الشرعية ، (١) (قوله : الدالة على اجزاء) صفة القرينة (٢) (قوله : هو تمام الاجزاء) خبر كلمة (أن) وعلى هذا يكون النزاع في الألفاظ الحاكية عن أجزاء المأمور به وشرائطه.

(معنى الصحة)

(٣) (قوله : هو التمامية) يعني تمامية الاجزاء والشرائط ، وعن الوحيد (ره) تفسيرها بالتمامية للاجزاء فقط وهو غير ظاهر (٤) (قوله : إنما هو بالمهم) يعني أن الصحة عند الجميع بمعنى واحد والاختلاف في تعريفها ليس للاختلاف في معناها بل للاختلاف في الأثر المقصود الإشارة إليها به ؛ فالفقهاء لما كان الأثر المقصود من الصحة عندهم سقوط القضاء عرفوا الصحة بإسقاط القضاء ، والمتكلمون لما كان الأثر المقصود لهم موافقة الشريعة وعدمها لأنها هي التي تكون موضوعا للثواب والعقاب عرفوها بموافقة الشريعة ، فمقتضى الجمود على ظاهر التعريفات وان كان هو الاختلاف في معناها ، إلا أن التأمل في كلماتهم يقتضي إرادة ما ذكرنا من قصد الإشارة إلى

٥٥

بحسب الحالات من السفر والحضر والاختيار والاضطرار ... إلى غير ذلك كما لا يخفى ، ومنه ينقدح أن الصحة والفساد أمر ان إضافيان فيختلف شيء واحد صحة وفساداً بحسب الحالات فيكون تاماً بحسب حالة وفاسداً بحسب أخرى فتدبر جيداً (ومنها) انه لا بد على كلا القولين من قدر جامع في البين كان هو المسمى بلفظ كذا ، ولا إشكال في وجوده بين الأفراد الصحيحة ، وإمكان الإشارة إليه بخواصه وآثاره ، فان الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثر الكل فيه بذاك الجامع ، فيصح تصوير المسمى بلفظ الصلاة مثلاً بالناهية عن الفحشاء ، وما هو معراج المؤمن ونحوهما (والإشكال فيه) بأن الجامع لا يكاد يكون أمراً

______________________________________________________

مفهومها بالأثر المناسب لوظائفهم (١) (قوله : بحسب الحالات) فانه من اختلاف المصداق لا المفهوم.

(القدر الجامع على القول بالصحيح)

(٢) (قوله : لا بد على كلا القولين) للمفروغية عن انها موضوعة بالوضع العام والموضوع له عام لا خاص ولا من المشترك اللفظي وإلا كفى في الأول الجامع الاعتباري مثل عنوان الجامع بين الأفراد التامة والناقصة والثاني لا يحتاج إلى جامع (٣) (قوله : كاشف عن الاشتراك) الكشف بذلك ربما يمنع لو كان تأثيرها في القابلية إذ لا يعتبر في المؤثرات في القابلية أن يكون بينها جامع حقيقي فان كلا من وجود الشرط وعدم المانع مؤثر في القابلية ـ مع أنه لا جامع بين الوجود والعدم. نعم لو كانت الافراد الصحيحة مؤثرة في الجامع حقيقة أمكن تمامية البرهان (٤) (قوله : وما هو معراج) تعدد الآثار يمكن أن يكون لأجل تعدد جهات الجامع فيؤثر في كل واحد منها بجهة من جهاته ، ويمكن أن يكون لأجل أنها آثار طولية (٥) (قوله : والإشكال فيه بأن) هذا الإشكال مذكور

٥٦

مركباً إذ كل ما فرض جامعاً يمكن أن يكون صحيحاً وفاسداً لما عرفت ، ولا أمراً بسيطاً لأنه لا يخلو إما أن يكون هو عنوان المطلوب ، أو ملزوماً مساوياً له ، والأول غير معقول لبداهة استحالة أخذ ما لا يأتي إلا من قِبل الطلب في متعلقه ـ مع لزوم الترادف بين لفظة الصلاة والمطلوب وعدم جريان البراءة مع الشك في أجزاء العبادات وشرائطها لعدم الإجمال حينئذ في المأمور به فيها وإنما الإجمال فيما يتحقق به وفي مثله لا مجال لها ـ كما حقق في محله

______________________________________________________

في تقريرات درس شيخنا الأعظم (قده) وقد استنتج منه كون الألفاظ موضوعة لتمام الأجزاء والشرائط الثابتة في حق القادر المختار العامد العالم فتكون الصلاة الواقعة من غيره بدلا مسقطاً للواقع وليست بصلاة ويكون استعمال لفظ الصلاة فيها مجازاً. هذا ولكن لا يخفى وقوع الاختلاف بين أفراد فعل القادر المختار العامد العالم من حيث الوقت والسفر والحضر ومن حيث اليومية والآيات والنافلة ... إلى غير ذلك ، والالتزام بالاشتراك اللفظي كما ترى ، وبالاشتراك المعنوي يتوقف على وجود الجامع ودفع الإشكال المذكور عنه ، وحينئذ فما به يدفع الإشكال عن تصوير الجامع بينها يدفع به الإشكال عن تصوير الجامع بين مطلق الأفراد الصحيحة لعدم فرق ظاهر بين المقامين (١) (قوله : يمكن أن يكون) يعني فلا يختص بالافراد الصحيحة (٢) (قوله : لما عرفت) يعني من كون الشيء الواحد صحيحا بلحاظ حال فاسداً بلحاظ حال أخرى (٣) (قوله : بسيطا) يعني ماهية واحدة في مقابل المركب من ماهيات مختلفة (٤) (قوله : ما لا يتأتى إلا من قِبل) إذ من المعلوم أن عنوان المطلوب إنما ينتزع بعد تعلق الطلب بالماهية وقبله لا مجال لاعتباره ، وإذا كان عنوان المطلوب متأخراً عن الطلب امتنع ان يؤخذ في موضوعه كما سيأتي تفصيله في التعبد والتوصل إن شاء الله تعالى (٥) (قوله : لزوم الترادف) يعني وبطلانه ضروري (٦) (قوله : وعدم جريان) معطوف على الترادف (٧) (قوله : لعدم الإجمال) تعليل لعدم جريان البراءة يعني إذا كان التكليف

٥٧

ـ مع أن المشهور القائلين بالصحيح قائلون بها في الشك فيها ، وبهذا يشكل لو كان البسيط هو ملزوم المطلوب أيضا (مدفوع) بأن الجامع انما هو مفهوم واحد منتزع عن هذه المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات متحد معها نحو اتحاد وفي مثله تجري البراءة ، وإنما لا تجري فيما إذا كان المأمور به امراً واحداً خارجياً مسبباً عن مركبٍ

______________________________________________________

متعلقا بالمفهوم البسيط كان التكليف معلوما والشك يكون شكا في الفراغ الّذي هو مجرى الاحتياط لا في التكليف الّذي هو مجرى البراءة وليس كذلك لو كان مركباً مجملا إذ المقدار المتيقن منه قد عُلم التكليف به فيجب فعله عقلا والمقدار الزائد مما شك في تعلق التكليف به والأصل فيه البراءة فتأمل (١) (قوله : مع أن المشهور) الظاهر أن القول بالصحيح منسوب إلى المشهور والقول بالبراءة منسوب إلى المشهور أيضا لا أن القائلين بالصحيح قائلون بالبراءة وبالعكس ، (٢) (قوله : وبهذا يشكل) يعني أيضا يكون لازمه القول بالاحتياط (٣) (قوله : مدفوع) خبر لقوله : والإشكال ، وتوضيح الدفع : أن المفهوم البسيط الّذي يُدَّعى وضع اللفظ له (تارة) يكون موجوداً بوجود ممتاز عن الوجود المردد بين الأقل والأكثر (وأخرى) يكون موجوداً بعين وجوده بحيث يصح حمله عليه فان كان من قبيل الأول نظير الطهارة من الحدث بالإضافة إلى نفس الوضوء (مثلا) فلا ريب في أن مرجع الشك فيه هو الاحتياط إذ الشك في اعتبار شيء في الوضوء شطراً أو شرطاً لما كان ملزوماً للشك في سقوط التكليف بالطهارة فهو وان لم يقتض الاحتياط في نفسه إلّا أن لازمه كاف في اقتضاء الاحتياط ، لأن الشك في سقوط التكليف المعلوم مما لم يناقش أحد في اقتضائه الاحتياط ، أما إذا كان من قبيل الثاني فالشك بين الأقل والأكثر شك في التكليف زائداً على المقدار المعلوم الثابت لمعلوم الجزئية فالمرجع فيه البراءة ، وليس من لوازم كون الموضوع بسيطا أن

٥٨

يكون مرجع الشك فيه الاحتياط ، ولا من لوازم كونه مركباً أن يكون مرجع الشك فيه البراءة ، بل المعيار ما ذكرنا وانه مهما كان الشك في نفس التكليف ـ ولو من حيث الزيادة والنقيصة ـ فالمرجع فيه البراءة ولو كان الموضوع بسيطا ، ومهما كان الشك في سقوط التكليف المعلوم للشك في تحقق موضوعه ، فالمرجع فيه الاحتياط ولو كان الموضوع مركباً «فنقول» في المقام : الاجزاء الخارجية وان كانت متباينة بحسب الماهية لكنها مشتركة في مفهوم واحد عرضي ينطبق على كل فرد من أفراد الصحيح بنحو انطباقه على الباقي ، وتفاوت الافراد في الاجزاء لا يوجب تفاوتها في انطباقه عليها واتحاده معها خارجا كما ترى عنوان الدواء يختلف مطابقه في الخارج باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة فيكون الدواء بلحاظ حال سما بلحاظ حال أخرى ، ولا يكون هذا الاختلاف موجبا لاختلاف الافراد في انطباق العنوان المذكور عليها ولا اختلافا في كيفية الانطباق (ومنه) يظهر أيضا انه يمكن الالتزام بكون الجامع مركبا ومع ذلك ينطبق على القليل والكثير بأن يكون القليل في بعض الأحوال واجداً لجهات يكون بها مصداقا للمفهوم المركب بعين مصداقية الكثير له فكما جاز ان يكون التراب أحد الطهورين عند فقد الماء جاز أن يكون القليل قائما مقام الكثير في فرديته للجامع بلا قصور فيه. نعم جعله مركبا من خصوص الأجزاء المعنونة في كلماتهم من التكبير والقراءة ونحوهما مانع من انضباطه بنحو يصدق على القليل والكثير صحيحين ، لكنه لا ملزم به في مقام تصوير الجامع بين افراد الصحيح ثبوتا (إذا) عرفت هذا فنقول : إذا كان الجامع مفهوما واحدا عرضيا منطبقا على الافراد المركبة من أجزاء متباينة بحسب الذات والماهية مختلفة باختلاف الحالات والخصوصيات وشك في الأقل والأكثر كان الشك راجعا إلى الشك في كمية مقدار ذلك المفهوم العرضي وأن موضوع التكليف أي مرتبة منه؟ المرتبة التي لا تحصل إلّا بانضمام مشكوك الجزئية أو المرتبة التي تحصل بدونه ، فيكون الشك في ثبوت التكليف لما به امتياز إحدى

٥٩

مردد بين الأقل والأكثر كالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء فيما إذا شك في أجزائهما هذا على الصحيح ، وأما على الأعم فتصوير الجامع في غاية الإشكال فما قيل في تصويره أو يقال وجوه

______________________________________________________

المرتبتين عن الأخرى وقد عرفت انه موضوع للبراءة ، ومثله الحال لو كان مركبا من ماهيات متباينة تتحد مع الأجزاء المذكورة حسبما عرفت بيانه. نعم لو كان المأمور به بسيطا في الخارج امتنع انطباقه على نفس الأجزاء لامتناع انطباق الواحد على الكثير ، فلا بد ان يكون ممتازا عنها وجوداً ؛ ولازمه الرجوع إلى الاحتياط عند الشك في الأقل والأكثر إذ الشك حينئذ في حصول المكلف به لا في التكليف ، لكن المراد من البسيط في تقرير الإشكال ما كان ماهية واحدة في قبال المركب من الماهيات المختلفة لا البسيط في الخارج ، وإلا توجه عليه الإشكال بأنه لا ينحصر الجامع بين ان يكون مركبا وبسيطا بالمعنى المذكور بل يجوز ان يكون ماهية واحدة صالحة للانطباق على المتكثر فيجري فيه ما عرفت من الرجوع إلى البراءة فتأمل والله سبحانه اعلم (١) (قوله : مردد بين الأقل) بحيث لا يكون التردد إلا في السبب ، أما لو كان التردد في المسبب والسبب جميعاً فالمرجع فيه البراءة أيضا

(تصوير الجامع على القول بالأعم)

(٢) (قوله : في غاية الإشكال) هذا غير ظاهر ، كيف والتقابل بين الصحة والفساد نظير التقابل بين الصحة والعيب من تقابل العدم والملكة الّذي لا يكون إلا مع وحدة الذات ، فموضوع الملكة هو موضوع عدم الملكة ـ مضافا إلى أن المرتكز من قولنا : صحيح وفاسد ، كون مرجع الضمير المتحمل له وصف الصحيح والفاسد أمراً واحداً لا أن مرجع ضمير أحدهما غير مرجع ضمير الآخر فتكون

٦٠