حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

في الخارج لم يكن واجباً لوجوب النسخ قبل حضور وقت العمل والإجماع على جواز النسخ بعد حضور وقت العمل لا يراد به العمل بالحكم المنسوخ حقيقة بل العمل بمثله لأن الحكم المنسوخ المستمر لما كان منحلا إلى أحكام متعددة بتعدد آنات العمل فالناسخ الوارد في أثناء تلك الآنات وارد بعد حضور وقت العمل بالإضافة إلى الأحكام التي سقطت بالامتثال أو بغيره وقبل حضور وقت العمل بالإضافة إلى الأحكام التي لم يحضر زمان امتثالها وهو إنما يقتضي رفع الثانية لا الأولى ويشترك الأولان مع الأخير في عدم الترتب بينهما بخلاف الثالث فانه متأخر عنهما رتبة لأخذ الشك فيها قيداً في موضوعه. ومن هنا يتضح الفرق بين التخصيص والنسخ فان الأول مناف للحكم الظاهري المستفاد من دليل حجية أصالة الظهور القائم بالعامّ وبه ينقطع أمده لو كان الخاصّ وارداً بعد العام والثاني مناف للحكم الواقعي الّذي يحكيه ظهور العام وبه ينقطع أمده المستفاد من حجية ظهوره والأول مستلزم للتصرف في نفس الطريق المجعول إلى الحكم وحاك عن خطئه وعدم إيصاله والثاني مستلزم للتصرف في نفس الحكم المجعول وأنه ليس مجعولا على مقتضى الجهات الموجودة في موضوعه المقتضية له وعلى هذا فالفرق بين التخصيص والنسخ في الإنشاء نظير الفرق بين التورية والكذب في الاخبار والله سبحانه الهادي ومن هذا يظهر لك الحكم في الفروض السابقة التي يتردد الأمر فيها بين النسخ والتخصيص (فنقول) : إذا ورد العام بعد الخاصّ وبعد حضور وقت العمل به (فان) كان الخاصّ نصاً في الدوام دار الأمر بين تخصيص العام الموجب للتصرف في أصالة ظهوره وكون العام ناسخاً للخاص الموجب للتصرف في نفس الحكم الخاصّ وأنه ليس ناشئاً عن الجهات المقتضية له بالإضافة إلى ما بعد زمان العام ولا ريب في أن التصرف في الظهور أولى من التصرف في أصالة الجهة نظير ما لو دار الأمر بين تخصيص العام بالخاص وبين حمل الخاصّ على التقية (وإن) لم يكن الخاصّ نصاً في الدوام دار الأمر بين ما ذكر من التصرف في أصالة الظهور في العام وأصالة الجهة في الخاصّ وبين التصرف في أصالة ظهور الخاصّ في الدوام ، وحيث ان التصرف في أصالة الجهة مرجوح بالإضافة إلى التصرف في أصالة الظهور دار الأمر بين التصرف في أصالة العموم في العام وأصالة الدوام

٥٤١

رفع الحكم الثابت إثباتا إلا أنه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتا وانما اقتضت الحكمة إظهار دوام الحكم واستمراره أو أصل إنشائه وإقراره مع انه بحسب الواقع ليس له قرار أو ليس له دوام واستمرار وذلك لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الصادع للشرع ربما يلهم أو يوحى إليه أن يظهر الحكم أو استمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال وأنه ينسخ في الاستقبال أو مع عدم اطلاعه على ذلك لعدم إحاطته بتمام ما جرى في علمه تبارك وتعالى ومن هذا القبيل

______________________________________________________

في الخاصّ وحيث لا مرجح فالمرجع الأصول (وإن) ورد العام قبل حضور وقت العمل بالخاص فحيث أن الأخذ بعموم العام رافع لأصل الخاصّ لا لدوامه كان الدوران دائما بين التصرف في أصالة الجهة في الخاصّ وأصالة العموم في العام وحيث أن الثاني أولى تعين القول بالتخصيص (وإذا) ورد الخاصّ بعد العام قبل حضور وقت العمل به فلا ريب في ثبوت حكم الخاصّ لافراده من حين وروده فما بعده سواء أكان ناسخاً أم مخصصا أما ثبوته لهما فيما بين زماني ورود العام والخاصّ فيتوقف على كونه مخصِّصا إذ لو كان ناسخاً كان الثابت حكم العام في ذلك الزمان فيدور الأمر بين رفع اليد عن ظهور العام في العموم ليثبت التخصيص وبين رفع اليد عن أصالة الجهة فيه وقد عرفت ان الأول الأولى (ولو) ورد الخاصّ بعد حضور وقت العمل بالعامّ دار الأمر بين رفع اليد عن أصالة العموم ليثبت التخصيص من أول الأمر ، وبين رفع اليد عن ظهور العام في الدوام ليثبت التخصيص من حين ورود الخاصّ ، وبين رفع اليد عن أصالة الجهة في العام ليثبت النسخ والثاني أولى أولوية التقييد من التخصيص عند الدوران بينهما فيثبت التخصيص من حين ورود الخاصّ الّذي هو بمنزلة النسخ عملا فتأمل جيداً والله سبحانه أعلم (١) (قوله : رفع الحكم الثابت إثباتاً) يعني رفعاً للحكم الواقعي الأولي أو الثانوي في مقام الإثبات وبالنظر إلى أصالة الجهة إلا أنه في الحقيقة دفع للحكم حيث لا مقتضي في موضوعه لثبوته وإن كان بالنظر إلى تبدل مقتضيات جعل الحكم يكون محواً ورفعاً (٢) (قوله : دوام الحكم) يعني لو كان النسخ بعد حضور وقت العمل (قوله : أو أصل إنشائه)

٥٤٢

لعله يكون أمر إبراهيم بذبح إسماعيل وحيث عرفت أن النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعاً وان كان بحسب الظاهر رفعاً فلا بأس به مطلقاً ولو كان قبل حضور وقت العمل لعدم لزوم البداء المحال في حقه تبارك وتعالى بالمعنى المستلزم لتغير إرادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة وإلا لزم امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ فان الفعل ان كان مشتملا على مصلحة موجبة للأمر به امتنع النهي عنه وإلّا امتنع الأمر به وذلك لأن الفعل أو دوامه لم يكن متعلقاً لإرادته فلا يستلزم نسخ أمره بالنهي تغيير إرادته ولم يكن الأمر بالفعل من جهة كونه مشتملا على مصلحة وإنما كان إنشاء الأمر به أو إظهار دوامه عن حكمة ومصلحة (وأما) البداء في التكوينيات بغير ذاك المعنى فهو مما دل عليه الروايات المتواترات كما لا يخفى ومجمله أن الله تبارك وتعالى إذا تعلقت مشيته تعالى بإظهار ثبوت ما يمحوه لحكمة داعية إلى إظهاره ألهم أو أوحي إلى نبيه أو وليه أن يخبر به مع علمه بأنه يمحوه أو مع عدم علمه به لما أشير إليه من عدم الإحاطة بتمام ما جرى في علمه وإنما يخبر به لأنه حال الوحي أو الإلهام لارتقاء نفسه الزكية واتصاله بعالم لوح المحو والإثبات اطلع على ثبوته ولم يطلع على كونه معلقا على أمر غير واقع أو عدم الموانع قال الله تبارك وتعالى : (يمحو الله ما يشاء ويثبت) الآية. نعم ـ من شملته العناية الإلهية واتصلت نفسه الزكية بعالم اللوح المحفوظ الّذي هو من

______________________________________________________

(١) يعني لو كان قبل حضور وقت العمل (٢) (قوله : لعله يكون) أشار بأداة الترجي إلى المناقشات في كونه من النسخ مثل ما قيل : إن المراد من الذبح مقدماته بقرينة قوله تعالى : قد صدقت الرؤيا (٣) (قوله : مع اتحاد الفعل) قيد للتغيير المستحيل إذ مع تغير الفعل ذاتاً أو جهة لا يكون تغير الإرادة مستحيلا (٤) (قوله : وإلا لزم) الموجود في بعض النسخ (ولا لزوم) بدل (وإلا لزم) والظاهر انه الصحيح ويكون معطوفا على قوله : لعدم لزوم البداء (٥) (قوله : وذلك لأن) تعليل لعدم لزوم البداء (٦) (قوله : بغير ذاك المعنى) يعني المحال في حقه تعالى

٥٤٣

أعظم العوالم الربوبية وهو أم الكتاب يكشف عنده الواقعيات على ما هي عليها كما ربما يتفق لخاتم الأنبياء ولبعض الأوصياء كان عارفاً بالكائنات كما كانت وتكون. نعم مع ذلك ربما يوحى إليه حكم من الأحكام (تارة) بما يكون ظاهراً في الاستمرار والدوام مع أنه في الواقع له غاية وأمد يعينها بخطاب آخر (وأخرى) بما يكون ظاهراً في الجد مع أنه لا يكون واقعاً بجد بل لمجرد الابتلاء والاختبار كما انه يؤمر وحياً أو إلهاماً بالأخبار بوقوع عذاب أو غيره مما لا يقع لأجل حكمة في هذا الاخبار أو ذاك الإظهار فبدا له تعالى بمعنى انه يظهر ما أمر نبيه أو وليه بعدم إظهاره أولا ويبدي ما خفي ثانياً وإنما نسب إليه تعالى البداء مع انه في الحقيقة الإبداء لكمال شباهة إبدائه تعالى كذلك بالبداء في غيره وفيما ذكرنا كفاية فيما هو المهم في باب النسخ ولا داعي بذكر تمام ما ذكروه في ذاك الباب كما لا يخفى على أولى الألباب (ثم) لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ ضرورة انه على التخصيص يبنى على خروج الخاصّ عن حكم العام رأساً وعلى النسخ على ارتفاع حكمه عنه من حينه فيما دار الأمر بينهما في المخصص واما إذا دار بينهما في الخاصّ والعام فالخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام أصلا وعلى النسخ كان محكوماً به من حين صدور دليله كما لا يخفى

______________________________________________________

(١) (قوله : يبنى على خروج) فتكون أفراد الخاصّ محكومة بحكم الخاصّ من حين ورود العام قبل ورود الخاصّ (٢) (قوله : من حينه) يعني من حين ورود الخاصّ (٣) (قوله : في المخصص) وذلك إذا تأخر الخاصّ عن العام فانه إما مخصص أو ناسخ (٤) (قوله : في الخاصّ والعام) وذلك إذا تقدم الخاصّ على العام فان الدوران بين كون الخاصّ مخصصاً وكون العام ناسخاً (٥) (قوله : غير محكوم) فانه لازم التخصيص (٦) (قوله : محكوما به) يعني بحكم العام فانه مقتضى كون العام ناسخاً للخاص (٧) (قوله : دليله) يعني دليل العام

٥٤٤

المقصد الخامس في المطلق والمقيد والمجمل والمبين

فصل عرف المطلق بأنه ما دل على شايع في جنسه وقد أشكل عليه بعض الاعلام بعدم الاطراد أو الانعكاس وأطال الكلام في النقض والإبرام وقد نبهنا في غير مقام على ان مثله شرح الاسم وهو مما يجوز ان لا يكون بمطرد ولا بمنعكس فالأولى الاعراض عن ذلك ببيان ما وضع له بعض الألفاظ التي يطلق عليها المطلق أو من غيرها مما يناسب المقام (فمنها) اسم الجنس كإنسان ورجل وفرس وحيوان وسواد وبياض ... إلى غير ذلك من أسماء الكليات من الجواهر والاعراض بل العرضيات ولا ريب انها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة بلا شرط أصلا ملحوظاً معها

______________________________________________________

(فصل في المطلق والمقيد)

(١) (قوله : وقد نبهنا في) لكن عرفت الإشكال فيه (٢) (قوله : بل العرضيات) مثل الأسود والأبيض (٣) (قوله : ولا ريب انها موضوعة) قد أشرنا سابقاً إلى بعض اعتبارات الماهية ولا بأس بالإشارة هنا إلى ذلك شرحاً لكلام المصنف (ره) (فنقول) : الماهية (تارة) تلحظ بذاتها لا مع شيء زائد عليها (وأخرى) تلحظ مع شيء زائد عليها (والثاني) على نحوين لأن ذلك الشيء قد يكون أجنبياً عن سنخ الماهية بالمرة وقد يكون من سنخها والأول إما أن يكون وجوداً وإما أن يكون عدماً فان لوحظت الماهية على النحو الأول منهما سميت الماهية «بشرط شيء» وان لوحظت على النحو الثاني سميت الماهية (بشرط لا شيء) وكلاهما نوعان من المقيدة وان كان من سنخ الماهية فان كان هو الشياع بنحو الاستيعاب فالماهية السارية وإن كان بنحو البدلية فالماهية على البدل والعام البدلي وإن لم يلحظ معها شيء فان لوحظت تفصيلا بحدودها الخاصة بها التي لا تحوي الا ذاتها فالماهية

٥٤٥

حتى لحاظ انها كذلك (وبالجملة) الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى وصرف المفهوم غير الملحوظ معه شيء أصلا الّذي هو المعنى بشرط شيء ولو كان ذاك الشيء هو الإرسال والعموم البدلي ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء معه الّذي هو الماهية اللابشرط القسمي وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى بلا عناية التجريد

______________________________________________________

اللابشرط القسمي والماهية بنحو صرف الوجود وهذا القسم مع ما قبله من القسمين نوعان للماهية المطلقة وان لوحظت مجملة من حيث الإطلاق والتقييد بما ذكر فهي الماهية المهملة والمبهمة واللابشرط المقسمي وهذه هي الجامع بين بقية الأنواع المذكورة والمنسوب للمشهور أن اسم الجنس موضوع للماهية المطلقة الجامعة بين الماهية السارية والماهية البدلية وبين صرف الوجود كما يظهر من ملاحظة بنائهم على كونه حقيقة في كل منها ومجازاً في المقيدة والمنسوب للسلطان وغيره ولا سيما من تأخر عنه أنه موضوع للماهية اللابشرط المقسمي وإليه ذهب المصنف (ره) (١) (قوله : حتى لحاظ أنها) كما هو مأخوذ في اللابشرط القسمي (٢) (قوله :الّذي هو المعنى) بيان للملحوظ لا لغير (٣) (قوله : هو الإرسال) المأخوذ في الماهية المرسلة (٤) (قوله : والعموم البدلي) المأخوذ في الماهية على البدل ، (٥) (قوله : الّذي هو الماهية) بيان للملحوظ وسبقه إلى هذا في التقريرات حيث جعل الفارق بين اللابشرط القسمي والمقسمي أن الأولى هي الماهية التي لم يلحظ معها شيء مقيدة بلحاظ أنها لم يلحظ معها شيء والثانية خالية من هذا القيد لكن الظاهر أنه خلاف مصطلحهم فانه ما أشرنا إليه من أن الأولى ما لوحظت تفصيلا خالية عن قيدي الوجود والعدم فتصلح للانطباق على كل منهما ؛ والثانية ما لوحظت مهملة من حيث قيدي الوجود والعدم فلا تصلح للانطباق على ما هو واجد للقيد ولا على ما هو واجد لعدمه فراجع (٦) (قوله : لوضوح صدقها) يعني على فرد من الأفراد ولعل ترك ذلك لوضوحه واكتفاء بقوله ـ فيما يأتي ـ : على فرد من الأفراد ، المتعلق بقوله : عدم صدق ... إلخ. ثم إنك عرفت امتناع صدق المهملة المبهمة على شيء لأن الصدق يتوقف على اتحاد المحمول بما له من الصورة مع

٥٤٦

عما هو قضية الاشتراط والتقييد فيها كما لا يخفى مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الافراد وان كان يعم كل واحد منها بدلا أو استيعاباً وكذا المفهوم اللابشرط القسمي فانه كلي عقلي لا موطن له الا الذهن لا يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها بداهة ان مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجاً فكيف يمكن ان يتحد معها ما لا وجود له الا ذهناً «ومنها» علم الجنس كأسامة والمشهور بين أهل العربية انه موضوع للطبيعة لا بما هي هي بل بما هي متعينة بالتعيين الذهني ولذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف لكن التحقيق انه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلا كاسم الجنس والتعريف فيه لفظي كما هو الحال في التأنيث اللفظي وإلا لما صح حمله على الافراد بلا تصرف وتأويل

______________________________________________________

ما في الخارج ومع إهمال المحمول وإبهامه لا يمكن فرض الاتحاد فالمقصود من صدقها على الفرد أنه يمكن ان يلحظ المعنى بنحو يصح صدقه بأن تطابق صورته ما في الخارج فحاصل الاستدلال أنه لو كان اللفظ موضوعا للمعنى المأخوذ فيه قيد السريان أو العموم البدلي امتنع حمله على الفرد الا بتجريد معناه عن القيد المذكور الموجب للتجوز فيه مع انه يصح حمله بلا عناية التجريد (١) (قوله : عما هو) متعلق بالتجريد (٢) (قوله : وكذا المفهوم) معطوف على قوله : عدم صدق ... إلخ (٣) (قوله : فانه كلي عقلي) يعني معقول ثانوي وموجود ذهني لأخذ لحاظ التجرد فيه قيداً حسبما ذكر. ومن هنا يمتنع انطباقه على الموجود الخارجي لاختلاف صقعي الوجود المانع من الاتحاد الّذي هو شرط الحمل ـ كما تقدم ـ فقوله : كلي عقلي ، لا يخلو من مسامحة إذ الكلي العقلي في اصطلاحهم ما يقابل الكلي المنطقي والكلي الطبيعي لا مطلق الأمر الذهني وقد تقدم منه نظير ذلك في مبحث المشتق وأما بناء على ما ذكرنا من عدم أخذ القيد المذكور في اللابشرط القسمي فالمانع من القول بالوضع له لزوم التجوز في استعماله في غيره من الاعتبارات وهو خلاف المرتكز في أذهان أهل العرف. ثم إن هذا المانع بعينه مانع من

٥٤٧

لأنه ـ على المشهور ـ كلي عقلي وقد عرفت أنه لا يكاد يصح صدقه عليها مع صحة حمله عليها بدون ذلك كما لا يخفى ضرورة ان التصرف في المحمول بإرادة نفس المعنى بدون قيده تعسف لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه مع ان وضعه لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال

______________________________________________________

الوضع للماهية المهملة بالمعنى المتقدم لاقتضائه التجوز أيضاً لو استعمل في غيره من الاعتبارات فلا بد من المصير إلى أن الماهية ملحوظة في مقام وضع اللفظ لها بنحو إجمالي ولو بعنوان الجامع بين جميع الاعتبارات فيجعل لها اللفظ بما أنها سارية في جميع تلك الاعتبارات من دون اختصاص باعتبار دون اعتبار ولحاظ دون لحاظ فتأمل جيداً (١) (قوله : لأنه على المشهور كلي عقلي) فيه مسامحة كما تقدم. ثم إن حمل كلام المشهور من أهل العربية على ما ذكر من أخذ اللحاظ الذهني قيداً فيما وضع له علم الجنس الموجب لكونه من المعقولات الثانوية والموجودات الذهنية غير مناسب لحسن الظن بهم ولا سيما وفيهم من أساطين هذا الفن وغيره من الفنون العقلية فالظاهر أن مرادهم من التعين الذهني في كلامهم كون المعنى له مطابق في الذهن فالموضوع له اللفظ نفس المعنى المقيد بكونه ذا مطابق ذهني موجب له نحواً من التعين نظير التعين الحاصل للمعهود الذكري والخارجي غاية الأمر أن منشأ حضور المطابق الذهني (تارة) يكون تقدم ذكره (وأخرى) حضوره الخارجي (وثالثة) غير ذلك فأسامة ـ مثلا ـ موضوع لنفس الأسد بشرط أن يكون له نحو من التعين الحاصل من حضوره في ذهن السامع قبل الكلام وكذا الحال في المعرف بلام الجنس فانه من قبيل عَلَم الجنس وانما الفرق بينهما في أن التعين المذكور مدلول عليه بنفس اللفظ في علم الجنس وباللام في المعرف بلام الجنس وكذا الحال في المعرف بلام العهد الذهني فانه مثل المعرف بلام الجنس والفرق بينهما في أن مدلول الأول الفرد المنتشر ومدلول الثاني نفس الجنس فليس معنى أخذ الحضور الذهني قيداً في معناه أنه موضوع للمعنى الموجود في الذهن بل

٥٤٨

موضوع لنفس المعنى الّذي له مطابق في الذهن وان كان كلامهم ربما يوهم الأول. قال ابن الحاجب : أعلام الجنس وضعت أعلاماً للحقائق المتعينة كما أشير باللام في نحو : (اشتر اللحم) إلى الحقيقة الذهنية وكل واحد من هذه الاعلام موضوع لحقيقة في الذهن متحدة فهو أيضا غير متناول غيرها وضعاً وإذا أطلق على فرد من الافراد الخارجية نحو : هذا أسامة مقبلا ، فليس ذلك بالوضع بل لمطابقة الحقيقة الذهنية لكل فرد خارجي مطابقة كل كلي عقلي لجزئياته الخارجية نحو قولهم : الإنسان حيوان ناطق ، وقال أيضاً : إن الحقيقة الذهنية والفرد الخارجي كالمتواطئين انتهى. فان قوله : حقيقة ذهنية وكلي عقلي ، وان كان يوهم ذلك إلا أن ملاحظة خصوصيات عبارته تشهد بإرادة الطبيعة من الكلي العقلي في قبال الافراد وبالحقيقة الذهنية ما ذكرنا لا ما ذكر المصنف (ره) ولأجل أن الشيخ نجم الأئمة (ره) فهم ما ذكرنا اختار كون تعريف علم الجنس ولام التعريف في جميع أقسامها عدا المعهود الخارجي لفظياً كما ذكر المصنف (ره) من جهة أن الحضور الذهني مما يمتنع أن يستفاد من اللام فان كل لفظ يدل على معنى حاضر في ذهن السامع «قال» ـ بعد أن رسم المعرفة بما أشير به إلى خارج ـ : وإنما قلنا : إلى خارج ، لأن كل اسم فهو موضوع للدلالة على ما سبق علم المخاطب بكون ذلك الاسم دالا عليه ومن ثم لا يحسن أن يخاطب بلسان من الألسنة إلا من سبق معرفته بذلك اللسان فعلى هذا كل كلمة إشارة إلى ما ثبت في ذهن المخاطب أن ذلك اللفظ موضوع له فلو لم يقل : إلى خارج ، لدخل في الحد جميع الأسماء معارفها ونكراتها فتبين مما ذكرنا أن قول المصنف : في قولك : اشرب الماء واشتر الحكم وقوله تعالى : أن يأكله الذئب ، إشارة إلى ما في ذهن المخاطب من ماهية الماء واللحم والذئب ليس بشيء لأن هذه الفائدة يقوم بها نفس الاسم المجرد عن اللام فالحق أن تعريف اللام في مثله لفظي كما أن العلمية في مثل أسامة لفظي كما سيجيء في الاعلام انتهى ، وقال في مبحث العلم : إذا كان لنا تأنيث لفظي كغرفة وبُشرى وصحراء ونسبة لفظية نحو كرسي فلا بأس أن يكون لنا تعريف لفظي

٥٤٩

إما باللام ـ كما ذكرنا قبل ـ وإما بالعلمية كما في أسامة .. إلخ والمصنف (ره) وافقه في كون التعريف لفظيا ولم يوافقه في وجهه والظاهر ان كلا الوجهين غير تام أما وجه المصنف (ره) فلما عرفت من ابتنائه على كون التعريف الحقيقي في هذه المقامات عبارة عن الوجود الذهني وليس كذلك وأما وجه الرضي (ره) فلابتنائه على كون التعريف الحقيقي في هذه الموارد يراد به الإشارة إلى معنى حاضر في ذهن السامع وان من المعلوم عدم كفاية ذلك في التعريف إذ جميع الألفاظ حتى النكرات حاكية عن معنى حاضر في ذهن السامع وهو كما ترى إذ النكرات حاكية عن المفاهيم التي لها مطابق في الذهن لا بما انها كذلك والمعارف المذكورة حاكية عنها بما انها لها مطابق في الذهن والفرق بين المعنيين ظاهر وقد عثرت ـ بعد ما ذكرت ذلك ـ على كلام للسيد الشريف في حاشيته على المطول يشهد بما ذكرنا وقد استشهد هو بما نقله عن الزمخشري وابن الحاجب والسكاكي وغيرهم قال في أثنائه : إذا استقرأت كلامهم وتحققت محصوله استوثقت بما ذكرنا انتهى. ثم إن الأعلام الجنسية وان لم تكن مستعملة في عرفنا الحالي لنرجع إليه في تمييز معناها وانه أخذ فيها قيد الحضور أم لا إلا أن تتبع موارد استعمالها في كلام العرب كاف في معرفة ذلك فانهم يستعملونها في مقام المعرف فيقولون : أسامة أشجع من الثعلب ، كما يقولون : الأسد أشجع من الثعلب ، وبذلك افترقت عن اسم الجنس في بعض الأحكام من منعها عن الصرف وعدم دخول اللام عليها وغير ذلك ثم إن صاحب الفصول لما فهم من المشهور ما فهمه المصنف (ره) من كلامهم استشكله بان ذلك يوجب تصرفاً في الألفاظ وأنه تعسف فبنى على أن المعرف بلام الجنس وعلم الجنس موضوعان لما وضع له اسم الجنس بما انه متعين بالتعين الجنسي فان كل جنس في نفسه متعين ممتاز عن غيره فوضع علم الجنس له بقيد هذا التعين ووضع اسم الجنس لا مع هذا القيد فإذا أدخلت عليه اللام كانت للدلالة على هذا التعين فلا فرق بين علم الجنس والمعرف بلام الجنس من حيث المعنى وإنما الفرق ان الدلالة على التعين الجنسي بجوهر اللفظ في الأول

٥٥٠

لا يكاد يصدر عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم «ومنها» المفرد المعرَّف باللام والمشهور أنه على أقسام المعرف بلام الجنس أو الاستغراق أو العهد بأقسامه على نحو الاشتراك بينها لفظاً أو معنى والظاهر ان الخصوصية في كل واحد من الأقسام من قبل خصوص اللام أو من قبل قرائن المقام من باب تعدد الدال والمدلول لا باستعمال المدخول ليلزم فيه المجاز أو الاشتراك فكان المدخول على كل حال مستعملا فيما يستعمل فيه غير المدخول والمعروف ان اللام تكون موضوعة للتعريف ومقيدة للتعيين في غير العهد الذهني وأنت خبير بأنه لا تعيين في تعريف الجنس إلا الإشارة إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهناً ولازمه ان لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على الأفراد لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلا الذهن إلا بالتجريد ومعه لا فائدة في التقييد مع ان التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف. هذا

______________________________________________________

وباللام في الثاني وهو ـ كما ترى ـ بعيد عن الأذهان العرفية جداً (١) (قوله : لا يكاد يصدر) وكأنه للزوم اللغوية لكنه لا يتم مع إمكان استعماله فيه فضلا عن وقوعه ولو نادراً (٢) (قوله : بأقسامه) وهي العهد الذهني المشار به إلى فرد ما بقيد الحضور الذهني كما عرفت مثل ادخل السوق ، والذكري المشار به إلى فرد متقدم في الذّكر نحو قوله تعالى : وأرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول والخارجي المشار به إلى فرد متعين حاضر عند المخاطب خارجا وذهناً نحو أغلق الباب (٣) (قوله : الاشتراك بينها لفظا) بدعوى تعدد الوضع بتعدد الخصوصيات (٤) (قوله : أو معنى) بأن يكون الوضع للعهد الحاصل من أحد الأسباب المذكورة ويكون فهم الخصوصيات مستنداً إلى القرينة (٥) (قوله : من قبل خصوص) ذلك على تقدير الاشتراك اللفظي (٦) (قوله : أو من قبل) بناء على الاشتراك المعنوي فتأمل (٧) (قوله : من باب تعدد) بأن يكون المدخول دالا على نفس المعنى واللام أو القرينة دالة على الخصوصية (٨) (قوله : في غير العهد الذهني) بل وفيه أيضا كما عرفت (٩) (قوله : ولازمه أن) قد عرفت ما فيه (١٠) (قوله : عن التعسف) لبعده

٥٥١

مضافاً إلى ان الوضع لما لا حاجة إليه بل لا بد من التجريد عنه وإلغائه في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه كان لغواً كما أشرنا إليه فالظاهر أن اللام مطلقاً تكون للتزيين كما في الحسن والحسين واستفادة الخصوصيات انما تكون بالقرائن التي لا بد منها لتعيينها على كل حال ولو قيل بإفادة اللام للإشارة إلى المعنى ومع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة إلى تلك الإشارة لو لم تكن مخلة وقد عرفت إخلالها فتأمل جيداً وأما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه فلا دلالة فيها على انها تكون لأجل دلالة اللام على التعيين حيث لا تعين إلا للمرتبة المستغرقة لجميع الأفراد وذلك لتعين المرتبة الأخرى وهي أقل مراتب الجمع كما لا يخفى فلا بد ان يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك لا إلى دلالة اللام على الإشارة إلى المعين ليكون به التعريف وإن أبيت إلا عن استناد الدلالة عليه إليه فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين فلا يكون بسببه تعريف إلا لفظاً فتأمل جيداً (ومنها) النكرة مثل (رجل في وجاء رجل من أقصى المدينة ، أو في جئني برجل ولا إشكال أن المفهوم منها في الأول ـ ولو بنحو تعدد الدال والمدلول ـ هو الفرد المعين في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من افراد الرّجل كما انه في الثاني هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة فيكون حصة من الرّجل ويكون كلياً ينطبق على كثيرين

______________________________________________________

عن مذاق العرف (١) (قوله : مضافا إلى) لم يظهر المراد به زائداً على ما أفاده بقوله : ومعه لا فائدة ... إلخ (٢) (قوله : للتزيين) هو خلاف المرتكز منه عرفاً (٣) (قوله : ولو قيل) لو وصلية للاحتياج إلى القرائن على جميع الأقوال (٤) (قوله : عرفت إخلالها) لامتناع الحمل معها إلا بالتجريد (٥) (قوله : حيث لا تعين إلا للمرتبة) المراد من تعين تلك المرتبة التعين المصحح للحمل على موضوعه إذ أفراد الجنس لما كان لها بتمامها نحو من التعين الذهني ولم يكن لبعضها تعين آخر زائد على ذلك التعين من تقدم ذكر أو حضور أو نحو ذلك موجب

٥٥٢

لا فرداً مردداً بين الأفراد وبالجملة النكرة (أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم) إما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب أو حصة كلية لا الفرد المردد بين الأفراد وذلك لبداهة كون لفظ (رجل في (جئني برجل نكرة مع أنه يصدق على كل من يجيء به من الأفراد ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره كما هو قضية الفرد المردد لو كان هو المراد منها ضرورة ان كل واحد هو هو لا هو أو غيره فلا بد ان تكون النكرة الواقعة في متعلق الأمر هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة فيكون كلياً قابلا للانطباق فتأمل جيداً إذا عرفت ذلك فالظاهر صحة إطلاق المطلق عندهم حقيقة

______________________________________________________

لتعيينه من بين الأفراد فحمل الكلام على البعض وإخراج البعض ترجيح بلا مرجح فلا بد من الحمل على الجميع لتساوي الأفراد في ذلك النحو من التعين وليس المراد من التعين أن لا مرتبة فوق الجميع ليصح النقض بأقل مراتب الجمع حيث لا مرتبة دونها فتعين تمام الأفراد من قبيل تعين الجنس لا من قبيل آخر ومن هنا يظهر انه لا بأس بدعوى كون الدلالة على الاستغراق من قبل التعين المستفاد من اللام ولا وجه لقوله : فلا بد أن تكون دلالته ... إلخ كما يظهر أيضا المنع من قوله : فلا محيص عن دلالته ... إلخ حيث لا ملزم بما ذكر مع احتمال ما ذكرنا فضلا عن كونه الظاهر (١) (قوله : لا فرداً مردداً) وان اشتهر أن مفاد النكرة الفرد المردد (٢) (قوله : أي ما بالحمل) كرجل في المثالين لا لفظ نكرة (٣) (قوله : المقيد بمثل مفهوم الوحدة) لا يخفى أنه إذا أخذ مفهوم الوحدة قيداً للماهية صارت ـ كسائر المقيدات مثل الرّجل العالم العادل ـ كليا طبيعياً صادقاً على القليل والكثير بنحو واحد نظير الحيوان الناطق الصالح للانطباق على جميع الأفراد انطباقا عرضيا وليس هذا من معنى النكرة في شيء فالمراد بلفظ الوحدة المأخوذة قيداً في معنى النكرة الإشارة إلى كمّ التشخص فيكون مفهوم النكرة الماهية التي لا تصلح للانطباق إلا على واحد من الأفراد على البدل بحيث يرى مفهومها كأنه

٥٥٣

على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني كما يصح لغة وغير بعيد ان يكون جريهم في هذا الإطلاق على وفق اللغة من دون ان يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها كما لا يخفى. نعم لو صح ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعاً لما قيِّد بالإرسال والشمول البدلي لما كان ما أريد منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق إلا ان الكلام في صدق النسبة. ولا يخفى ان المطلق

______________________________________________________

ثوب لا يلبسه فرد إلا ويعرى عنه بقية الأفراد والظاهر أن هذا هو المراد من قولهم : النكرة موضوعة للفرد المردد فتأمل جيداً (١) (قوله : على اسم الجنس) إذا كان اسم الجنس موضوعاً للماهية المبهمة المهملة كيف يصح إطلاق المطلق عليه؟ والمفهوم من المطلق ما يقابل المقيد والمبهم إلا ان يلاحظ فيه الإطلاق بنحو الاستيعاب أو العموم البدلي أو غيرهما من أنواع الإطلاق التي تأتي الإشارة إليها وكذا الحال في النكرة فانها وان كانت لبا لا تخلو عن تقييد ما للماهية إلا أن المتفاهم من المقيد ما يقيد بأمر أجنبي عنه مثل الرقبة المؤمنة والرّجل العالم ولذا لا تكون الطبيعة السارية من المقيد فالنكرة ان لوحظ فيها الإطلاق سميت مطلقة وان قيدت بما هو أجنبي عن الماهية سميت مقيدة مثل جئني برجل عالم ، وإلا فمبهمة مهملة فكل واحد من اسم الجنس والنكرة معروض للإطلاق تارة وللتقييد أخرى وليس في نفسه مطلقاً ولا مقيداً ومنه يظهر الإشكال في قوله : وغير بعيد ، (٢) (قوله : نعم لو صح ما نسب إلى) لم أجد هذا الخلاف مصرحاً به في كلام وإنما المذكور الخلاف في معنى اسم الجنس والمنسوب إلى المشهور أنه موضوع للماهية المطلقة وإلى السلطان (ره) وجماعة انه موضوع للطبيعة المهملة. نعم اختلف في تعريف المطلق فالمشهور تعريفه بأنه ما دل على شائع في جنسه وعرفه الشهيد (ره) بأنه اللفظ الدال على الماهية من حيث هي هي وعرفه غيره بغير ذلك وليس ذلك اختلافا في مفهوم المطلق ومعناه بل هو اختلاف في الطريق إلى المعنى مع كون المعنى محفوظاً بلا اختلاف فيه والظاهر من ملاحظة كلامهم ان المطلق عندهم يقابل المقيد والمبهم كما ذكرنا (٣) (قوله : أو الحصة) إشارة إلى النكرة (قوله : إلا أن الكلام)

٥٥٤

بهذا المعنى لطروء القيد غير قابل فان ما له من الخصوصية ينافيه ويعانده بل وهذا بخلافه بالمعنيين فان كلا منهما له قابل لعدم انثلامهما بسببه أصلا كما لا يخفى وعليه لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق لا مكان إرادة معنى لفظه منه وإرادة قيده من قرينة حال أو مقال وانما استلزمه لو كان بذاك المعنى. نعم لو أريد من لفظه المعنى المقيد كان مجازا مطلقا كان التقييد بمتصل أو منفصل

فصل

(قد ظهر لك انه لا دلالة لمثل رجل إلا على الماهية المبهمة وضعاً)

وان الشياع والسريان كسائر الطوارئ يكون خارجاً عما وضع له فلا بد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة وهي تتوقف على مقدمات (إحداها) كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد لا الإهمال أو الإجمال (ثانيهما) انتفاء ما يوجب التعيين (ثالثها) انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ولو كان المتيقن بملاحظة

______________________________________________________

(١) قد عرفت تحقيق الحال (٢) (قوله : بهذا المعنى) يعني المنسوب إلى المشهور (٣) (قوله : غير قابل) يعني مع بقائه على إطلاقه بل لا بد من التصرف فيه وكأنه يريد من المطلق ما هو بالحمل الشائع مطلق (٤) (قوله : بخلافه بالمعنيين) يعني معنيي اسم الجنس والنكرة (٥) (قوله : قابل) لما عرفت من صلاحية ملاحظتهما مهملين ومطلقين (٦) (قوله : في المطلق) يعني ما هو بالحمل الشائع مطلق كاسم الجنس والنكرة وكأن العبارة لا تخلو من اضطراب والله سبحانه اعلم (٧) (قوله : وهي تتوقف) يعني قرينة الحكمة (٨) (قوله : لا الإهمال) يعني لا في مقام بيان المراد في الجملة مثل ان يكون في بيان سنخ موضوع الحكم كما إذا قال الطبيب للمريض : انك محتاج إلى شرب الدواء في أيام الربيع ، فانه ليس في مقام بيان تمام مراده بل في مقابل بيان سنخ مراده في قبال ما سواه (٩) (قوله : ما يوجب التعيين) وهو القرينة (١٠) (قوله : انتفاء القدر المتيقن في مقام) يعني أن

٥٥٥

الخارج عن ذاك المقام في البين فانه غير مؤثر في رفع الإخلال بالغرض لو كان بصدد البيان كما هو الفرض فانه فيما تحققت لو لم يرد الشياع لأخل بغرضه حيث انه لم ينبه مع أنه بصدده وبدونها لا يكاد يكون هناك إخلال به حيث لم يكن مع انتفاء الأولى إلا في مقام الإهمال أو الإجمال. ومع انتفاء الثانية كان البيان بالقرينة ومع انتفاء

______________________________________________________

لا يكون فرد أو أفراد يتيقن ثبوت الحكم لها بالنظر إلى مقام التخاطب بحيث يكون نفس الكلام ولو بلحاظ ما يكتنفه من الخصوصيات اللفظية والحالية موجباً لليقين بثبوت الحكم لتلك الأفراد واما لو كان اليقين بثبوت الحكم لبعض الأفراد مستنداً إلى ما هو خارج عن الخطاب لم يقدح في الإطلاق إذ لو كان المراد الواقعي هو المقيد المنحصر بتلك الأفراد لم يكن مبيَّنا بالخطاب كما هو المفروض فإذا أحرز انه في مقام بيان مراده بالخطاب لا بد أن يكون مراده المطلق (١) (قوله : بصدد البيان) يعني بالخطاب (٢) (قوله : فانه فيما تحققت) ضمير ان راجع إلى المتكلم وضمير الفعل راجع إلى المقدمات يعني انه يجب الحكم بالإطلاق عند اجتماع المقدمات المذكورة إذ لو كان مراد المتكلم هو المقيد لم يكن مبينا بالخطاب فيكون إخلالا بالغرض وهو مستحيل فلا بد ان يكون المراد هو المطلق إذ لا ثالث لهما (فان قلت) : الإطلاق إذا كان جهة زائدة على نفس المعنى وصرف المفهوم الموضوع له اللفظ امتنع ان يدل عليه فعلى أي شيء يعول المتكلم في بيانه (قلت) : يعوِّل على عدم ذكر القيد فانه طريق عقلائي إلى إرادة الإطلاق وبذلك افترق عن القيد فانه لما كان أجنبياً عن ذات المقيد لم يكن عدم ذكره طريقاً إلى إرادته بل ينحصر الطريق إليه في ذكره (فان قلت) : إذا كان ترك القيد طريقاً إلى الإطلاق فما وجه الحاجة إلى المقدمة الأولى بل كان اللازم الحمل على الإطلاق وان لم يكن المتكلم في مقام البيان (قلت) : إنما يعوِّل العقلاء عليه بياناً على الإطلاق حيث يكون المتكلم في مقام البيان لا مطلقا (٣) (قوله : حيث لم يكن) بيان لوجه الحاجة إلى المقدمة الأولى وقد عرفت تحقيقه (٤) (قوله : كان البيان) كان الأولى ان

٥٥٦

الثالثة لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده فان الفرض انه بصدد بيان تمامه وقد بينه لا بصدد بيان انه تمامه كي أخل ببيانه فافهم [١]

______________________________________________________

يقول بدله : كان المقيد هو المبين فيحكم بأنه المراد (١) (قوله : لا إخلال بالغرض لو كان) يعني تارة يُحرز أن المتكلم في مقام بيان تمام مراده وأخرى يُحرز أنه في مقام بيان تمام مراده وبيان انه تمام مراده فان أحرز أن المتكلم في المقام الأول كان وجود القدر المتيقن مانعاً من الإطلاق لأن المقدار المتيقن إذا كان تمام مراده فهو مبين فلا مقتضي للحمل على الإطلاق وإذا أحرز أنه في المقام الثاني فوجود القدر المتيقن غير مانع عن الحكم بالإطلاق لأن اليقين بوجوده ليس بياناً لكونه تمام المراد فلا بد ان يكون تمام المراد هو الطبيعة المطلقة. هذا ويمكن أن يقال : إذا كان اليقين بوجوده بياناً لتمام المراد فلا بد أن يدل بالالتزام على أنه تمام المراد فيكون بيانه بياناً لتمام المراد وإليه أشار بقوله : فافهم ، كما ذكر في الحاشية ثم إن المصنف (ره) ثلَّث المقدمات مع إمكان دعوى غناء إحدى المقدمتين الأخيرتين عن الأخرى أما غناء أولاهما عن الثانية فلأن ما يوجب القدر المتيقن لا بد أن يكون مما يصلح للقرينية فوجوده مانع من إحراز عدم القرينة فاعتبار عدم القرينة مغن عن اعتبار عدمه (فان قلت) : وجوده وإن كان موجباً للشك في القرينة إلا ان أصالة عدم القرينة محكمة ويحرز بها عدمها (قلت) : لا مجال لجريان أصالة عدم القرينة عند الشك في قرينية الموجود وإنما تجري عند الشك في وجود أصل القرينة ومن هنا كان المشهور الاكتفاء بالمقدمتين الأولتين لا غير وأما غناء الثانية عن الأولى فلأن ما يصلح للقرينية يصدق على ما هو قرينة لأن الصلاحية أعم من الفعلية فكما يكون

__________________

[١] إشارة إلى انه لو كان بصدد بيان انه تمامه ما أخل ببيانه بعد عدم نصب قرينة على إرادة تمام الأفراد فانه بملاحظته يفهم ان المتيقن تمام المراد وإلا كان عليه نصب القرينة على إرادة تمامها وإلا قد أخل بغرضه. نعم لا يفهم ذلك إذا لم يكن إلا بصدد بيان ان المتيقن مراد ولم يكن بصدد بيان ان غيره مراد أو ليس بمراد قبالا للإجمال أو الإهمال المطلقين. فافهم فإنه لا يخلو عن دقة. منه قدس‌سره

٥٥٧

(تم) لا يخفى عليك ان المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده مجرد بيان ذلك وإظهاره وافهامه ولو لم يكن عن جد بل قاعدة وقانونا لتكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى على خلافه.

______________________________________________________

وجود ما يصلح للقرينية موجباً للقدر المتيقن كذلك وجود القرينة ثم انه استشكل بعض المعاصرين على المصنف (ره) في اعتبار المقدمة الثالثة بأن لازمه سقوط أكثر المطلقات عن الإطلاق لأنه إذا شك في التقييد فقد علم بثبوت الحكم للواجد للقيد وشك في ثبوته للفاقد فالواجد دائما يكون قدراً متيقناً نعم لو دار امر القيد بين اعتبار وجوده وعدمه وعدم اعتباره لم يكن قدر متيقن إلا أن فرضه نادر جداً (وفيه) أنه ناشئ عن عدم التمييز بين القدر المتيقن من نفس الخطاب وبين المتيقن من غيره إذ الدوران بين اعتبار القيد وعدم اعتباره موجب لليقين لا من الخطاب بل من أمر خارج عنه وهو مما لا يقدح في الإطلاق والله سبحانه أعلم (١) (قوله : ثم لا يخفى عليك أن المراد) إشارة إلى ما في التقريرات لبحث شيخنا الأعظم (ره) من أن نسبة المطلق إلى الدليل المقيد نسبة الأصل إلى الدليل لأنه إذا كان الإطلاق مستنداً إلى مقدمات الحكمة التي هي كون المتكلم في مقام البيان وعدم القرينة على التقييد فإذا ورد الدليل المقيد فقد دل على انتفاء أحدهما فيرتفع مقتضي الإطلاق من أصله لا أن الدليل المقيد من قبيل المعارض ويترتب على ذلك أنه لو دار الأمر بين التقييد والتخصيص كان الأول متعينا لأن وجود العام مانع عن ثبوت الإطلاق من أصله وحاصل إشكال المصنف (ره) عليه أن هذا يتم لو كانت المقدمة الأولى كون المتكلم في مقام بيان المراد الجدِّي أما لو كانت كونه في مقام بيان المراد الاستعمالي ولو لم يكن عن جد فوجود المقيد لا يكشف عن كون المتكلم في غير مقام البيان لعدم التنافي لا مكان مخالفة المراد الاستعمالي للمراد الجدي ودليل المقيد إنما يكشف عن كون المراد الجدي هو التقييد لا المراد الاستعمالي وحينئذ لا يكون العلم بالمقيد موجباً لانتفاء مقتضي الإطلاق وانما يكون معارضا له مانعاً عن الأخذ بمقتضاه هذا ولكن يمكن أن يقال : إن المرادات غير الجدية ليست موضوعا

٥٥٨

لا البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا يكون الظفر بالمقيد ولو كان مخالفا كاشفاً عن عدم كون المتكلم في مقام البيان ولذا

______________________________________________________

للآثار العقلائية وإنما الموضوع لها خصوص المرادات الجدية وحينئذ فإذا كان ورود المقيد دليلا على كون المتكلم في غير مقام بيان المراد الجدي لا مجال للحكم بالإطلاق ولا بغيره لخروج الكلام عن مورد الابتلاء فالمقدمة التي يتوقف عليها الإطلاق وبها يثبت هي كون المتكلم في مقام بيان المراد الجدي فيتم ما ذكره شيخنا الأعظم (ره) ويكون المقيد دائما وارداً على المطلق رافعاً لمقتضيه من أصله نعم ترتب الثمرة المذكورة غير ظاهر وتوضيح ذلك انه (تارة) يحرز المقدمتان بالعلم الوجداني الحقيقي وحينئذ يعلم بكون الإطلاق هو المراد الجدي فلو ورد الدليل المقيد وجب التصرف فيه (وأخرى) لا تكونان كذلك بل يكون الطريق إليهما أو إلى إحداهما الظهور مثل أصالة كون المتكلم في مقام البيان وأصالة عدم القرينة اللذين هما نوعان من الظهور وحينئذ إذا ورد الدليل المقيد فان كان قطعياً كشف عن انتفاء إحدى المقدمتين ومخالفة أحد الدليلين عليهما للواقع ومنع عن ثبوت مقتضي الإطلاق من أصله وإن كان ظنيا وقع التعارض بينه وبين الطريق إلى المقدمات مثلا إذا ورد : أعتق رقبة ، وورد بعده : لا بد أن تكون الرقبة مؤمنة ، دار الأمر بين رفع اليد عن أصالة الظهور في المقيد مع البناء على إطلاق المطلق وبين رفع اليد عن أصالة كون المتكلم في مقام البيان أو أصالة عدم القرينة وليس أحد الظهورين وارداً على الآخر ومقدما عليه طبعاً بل هما في مرتبة واحدة فيؤخذ بالأقوى منهما ويترك الأضعف فتكون نسبة المطلق إلى المقيد نسبة العام إلى الخاصّ ويكون ترجيح الثاني منهما على الأول بمناط ترجيح الأقوى على الأضعف نعم لو كانت حجية أصالة كون المتكلم في مقام البيان أو حجية أصالة عدم القرينة مشروطة بعدم ورود حجة على خلافها ولو كانت خارجة عن مقام التخاطب كان ورود المقيد على المطلق في محله لكنه غير ظاهر الوجه والله سبحانه اعلم (١) (قوله : لا البيان في) حيث أن

٥٥٩

لا ينثلم به إطلاقه وصحة التمسك به أصلا فتأمل جيداً وقد انقدح بما ذكرنا أن النكرة في دلالتها على الشياع والسريان أيضا تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال من مقدمات الحكمة فلا تغفل (بقي شيء) وهو انه لا يبعد ان يكون الأصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد هو كونه بصدد بيانه وذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسك بالإطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة ولذا ترى ان المشهور لا يزالون يتمسكون بها مع عدم إحراز كون مطلقها بصدد البيان وبعد كونه لأجل ذهابهم إلى انها موضوعة للشياع والسريان وان كان ربما نسب ذلك إليهم ولعل وجه النسبة ملاحظة انه لا وجه للتمسك بها بدون الإحراز والغفلة عن وجهه فتأمل جيداً (ثم) انه قد انقدح بما عرفت من توقف حمل المطلق على الإطلاق فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات المذكورة انه لا إطلاق له فيما كان له الانصراف

______________________________________________________

المراد به بيان المراد الجدِّي (١) (قوله : لا ينثلم به إطلاقه) هذا لا يدل على خلاف ما اختاره شيخنا الأعظم (ره) لجواز أن لا يكون المتكلم في مقام البيان من جهة وفي مقامه من جهة أخرى فإذا ورد الدليل المقيد كشف عن عدم كون المتكلم في مقام البيان من حيث القيد المذكور وان كان في مقامه من حيث غيره من القيود فيكون مطلقا من ذلك الحيث ويجوز التمسك بإطلاقه (٢) (قوله : تحتاج فيما) لما عرفت أنها تصلح لكل من الإطلاق والتقييد وليست في نفسها مطلقة ولا مقيدة والظاهر أن قوله : من مقدمات ، متعلق بقوله : تحتاج (٣) (قوله : لا يبعد أن يكون الأصل) لا ينبغي التأمل فيه وكذا أصالة عدم القرينة. نعم لو شك في قرينية الموجود لم تجر لنفي كونها قرينة كما أشرنا إليه سابقاً وتقدم منه في حجية ظهور اللفظ (٤) (قوله : كون مطلقها) يعني المتكلم (٥) (قوله : وبعد كونه) كيف وهو

٥٦٠